الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
131/ 3/ 24 - عن سُمَي -مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام-، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، قد ذهب أهل الدُّثُور بالدرجات العُلَى، والنعيم المقيم، فقال:"وما ذاك"؟ فقالوا: يصلُّون كما نصلِّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق. ويُعْتِقُون ولا نُعْتِق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أفلا أعلمكم شيئًا تدركون به مَنْ سبقكم، وتسبقون به مَنْ بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم، إلَّا من صَنَعَ مثلَ ما صنعتم"؟ قالوا: بلى، يا رسول الله. قال:"تسبِّحون وتكبِّرون وتحمدون دبر كل صلاة، ثلاثًا وثلاثين مرة". قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين (1)، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا،
(1) قال الصنعاني -رحمنا الله وإياه- في حاشية الأحكام (3/ 80): قال الحافظ رشيد الدين العطار: وقول مسلم في آخره "قال أبو صالح فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" مرسل لم يسنده أبو صالح، وقد أخرجه البخاري في مواضع من كتابه ولم يذكر فيه هذه الزيادة من قول أبي صالح، إلَّا أن يكون مسلمًا قد أخرجه من وجه آخر عن أبي صالح =
ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".
قال سُمَي: فحدثت [بعض](1) أهلي بهذا الحديث، فقال: وهمت، إنما قال [لك](2) تسبح ثلاثًا وثلاثين، وتحمد ثلاثًا وثلاثين، وتكبر ثلاثًا وثلاثين، فرجعت إلى أبي صالح، فقلت له ذلك. فقال: قل: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، حتى يبلغ من جميعهن ثلاثًا وثلاثين" (3).
= وفيه هذه الزيادة متصلة مع سائر الحديث، قال: إلَّا أنه أدرج في حديث أبي هريرة قول أبي صالح: "ثم رجع فقراء المهاجرين إلخ" قال: قال قوله "فحدثت بعض أهلي" خبر متصل. اهـ.
(1)
في ن ب ساقطة.
(2)
زيادة من ن ب.
(3)
البخاري (843، 6329)، ومسلم (595) كتاب المساجد، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، والنسائي في عمل اليوم والليلة (204)، وأبو عوانة (2/ 248)، وابن خزيمة (749)، والبيهقي (2/ 186)، والطبراني في الدعاء (2/ 1130)، وفي الصغير (2/ 15)، وقد ورد عن ابن عباس في النسائي (3/ 78)، والترمذي (410)، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، والطبراني في الكبير (11/ 365)، والدعاء له (2/ 1131)، وأيضًا عن أبي الدرداء: في المسند (6/ 446)، وفي عمل اليوم والليلة (205، 206، 207)، وانظر: اختلاف الروايات في عمل اليوم والليلة، وفي الفتح (11/ 134، 135). قال ابن حجر في الفتح (13/ 384): والمعتمد هو رواية سميَّ عن أبي صالح عن أبي هريرة، وقال أيضًا (2/ 7328): وعلى رواية مسلم اقتصر صاحب العمدة
…
الخ كلامه.
الكلام عليه من سبعة وعشرين وجهًا.
الأول: "سُمَي" بضم أوله، قرشي مخزومي، مولاهم مدني تابعي ثقة، وكان جميلًا، قتله الخوارج يوم قديد (1) سنة ثلاثين ومائة (2).
قال ابن الأثير: ويقال سنة إحدى وثلاثين وجزم بهذا ابن العطار في "شرحه".
الثاني: "أبو بكر" هذا هو أحد الفقهاء السبعة، في اسمه أقوال. والصحيح أن اسمه كنيته، مات سنة أربع وتسعين (3).
الثالث: أبو صالح هذا اسمه ذكوان مدني مولى جويرية الغطفانية. يقال له السمان والزيات. لجلبه [لهما](4) إلى الكوفة، شهد الدار زمن عثمان، ورَوَى عن عائشة وخَلْقٍ، وعنه بنوه: سهيل، وعبد الله، وصالح. وخَلْقٌ. وكان من علماء التابعين وثقاتهم. قال: ما كنت أتمنى من الدنيا إلَّا ثوبين أبيضين أجالس فيهما أبا هريرة، مات بالمدينة سنة إحدى ومائة. وترجمته والذي قبله أوضحتهما فيما أفردته من الكلام على أسماء رجال هذا الكتاب
(1) قديد: موضع بين مكلة والمدينة، فيه كانت الوقعة سنة 130 هـ بين أهل المدينة وبين أبي حمزة الخارجي فقتل منهم مقتلة عظيمة. انظر: ابن سعد (5/ 124)، والطبري (7/ 393).
(2)
انظر: تقريب التهذيب (1/ 333).
(3)
أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث. انظر: تقريب التهذيب (2/ 398).
(4)
زيادة من ن ب د.
فراجع ذلك منه (1).
الرابع: قوله: "فقراء المهاجرين" هو من باب مسجد الجامع، وصلاة الأولى. مما أضيف فيه الموصوف إلى صفته. وكان الأصل الفقراء المهاجرين، كما أن الأصل المسجد الجامع، والصلاة الأولى، ووقع في شرح الشيخ تقي الدين (2)"المسلمين" بدل
"المهاجرين"، وتبعه ابن العطار في "شرحه"، والموجود في النسخ ما قدمته وهو محفوظٌ.
الخامس: "الدثور" بضم الدال: الأموال الكثيرة واحدها "دَثْرٌ" وهو المال الكثير -بفتح الدال- مثل فلس وفلوس.
قال القرطبي (3)، وكذا الدِبر -بكسر الدال وبالباء الموحدة-، ووقع في السيرة (4) في خبر النجاشي دَبر من ذهب -بفتح الدال-.
(1) انظر: تقريب التهذيب (2/ 436).
(2)
إحكام الأحكام (3/ 81).
(3)
المفهم (2/ 1042). ذكره وما بعده في إكمال إكمال المعلم (2/ 285).
(4)
انظر: السيرة لابن هشام (1/ 360)، والحديث أخرجه أحمد (1/ 203، 503)، وانظر: غريب الحدث لابن الجوزي (1/ 322)، والنهاية (2/ 99)، حيث قال: وفي حديث النجاشي "ما أحب أن يكون دَبْرَى لي ذهبًا وأنى آذيت رجلًا من المسلمين، هو بالقصر: اسم جبل. وفي رواية "ما أحب أن لي دَبْرًا من ذهب". الدبْرُ بلسانهم: الجبل، هكذا فُسر، وهو في الأولى، معرفة، وفي الثانية نكرة. اهـ. وانظر غريب الحديث لأبي عبيد (4/ 460).
قال ابن هشام: ويقال: دِبْرًا قال: وهو الجبل بلغة الحبشة.
قال الهروي: يقال: مال دثر، [ومالان دَثْرٌ](1)، وأموال دَثْرٌ.
وحكى أبو عمرو المطرز: أن الدثر -بالثاء- يثنى ويجمع، قال ابن [قرقول](2)، ووقع في رواية المروزي "أهل الدور" وهو تصحيف، وعند الخطابي (3) "الدور" والصواب:"الدثور".
السادس: "الدرجات" يجوز أن تكون حِسِّيَّة على ظاهرها من درج الجنات، ويجوز أن تكون معنوية أي علا قدرهم عند الله وارتفعت درجاتهم عنده من قولهم: ارتفعت درجة فلان عند الملك ونحو ذلك.
السابع: "النعيم" ما يتنعم به من [ملبس ومطعم](4) أو منكح أو منظر أو من علوم ومعارف أو غير ذلك.
(1) غير موجودة في المفهم.
(2)
في ن ب (فرقون). انظر: الأنساب للسمعاني (3/ 27)، وفتح الباري (2/ 374). هو صاحب مطالع الأنوار.
(3)
قال الخطابي في إعلامه (1/ 550): قلت: هكذا وقع في روايته: أهل الدور، وهو غلط والصواب أهل الدثور، هكذا رواه الناس كلهم، يريد أهل الأموال.
قال ابن حجر في الفتح (2/ 327): بعد سياق كلام الخطابي، وذكر صاحب المطالع من رواية أبي زيد المروزي أيضًا الدور. اهـ. ولم يتعقبها بشيء.
(4)
في ن د (تقديم وتأخير).
والمقيم: [الدائم](1) الذي لا ينقطع أبدًا، جعلنا الله من أهله بمنه.
الثامن: في الحديث السؤال عن الأعمال المحصلة للدرجات العالية والنعيم الدائم والتوسعة في الغبطة وهو تمني أن يكون له مثل
ما لزيد مع بقاء نعمته عليه فإن تمنى زوالها إليه [فهو](2) الحسد.
التاسع: قوله عليه الصلاة والسلام: "تدركون به من سبقكم" السبقية هنا يحتمل أن تكون في الغنى وهو السبق في الفضيلة.
وقوله: "من بعدكم" أي من بعدكم في الفضيلة على من لا يعمل هذا العمل، ويحتمل أن يراد القبلية الزمانية، والبعدية الزمانية.
قال الشيخ تقي الدين (3): والأول أقرب إلى السياق، فإن سؤالهم [كان](4) عن أمر الفضيلة، وتقدُّمِ الأغنياء.
قلت: لعل مراده بالقبلية والبعدية من كان في زمنهم، وإلَّا ففضيلة هذه الأمة ثابتة على من سبقهم، وإن لم يقولوا هذا الذكر.
العاشر: قوله: "ولا يكون أحد أفضل منكم" يدل على ترجيح هذه الأذكار على فضيلة المال، وعلى أن تلك الفضيلة للأغنياء
(1) زيادة من ن د.
(2)
في ن ب د (فذلك).
(3)
إحكام الأحكام (3/ 89).
(4)
زيادة من ن ب د.
مشروطة بأن لا يفعل هذا الفعل الذي أُمر به الفقراء، وأن من نقص شيئًا مما ذكر كان مفضولًا بالنسبة إلى من أتى به.
الحادي عشر: قوله: "تسبحون إلى آخره" فيه دلالة على تعليم كيفية هذا الذكر ولا شك أن جمعه والإِتيان بكل كلمة منه على حده
فرادى جائز لكن جمعه راجح، لأن العدد في الجملة يحصل في كل فرد من العدد كيف وهو ظاهر الحديث.
وحكى أبو عمران الزناتي المالكي: أن العلماء اختلفوا في جمعها وتفريقها أيهما أفضل، ورجح بعض من صنف، الجمع بالإِتيان بواو العطف كنظيره من التشهد.
الثاني عشر: قوله: "دبر كل صلاة" أي إثر فراغها وهو -بضم الدال- على المشهور كما سلف في الحديث قبله.
وقال بعضهم: يقال جعل كلامه دبر أذنه -بالفتح- أي خلفها إذا لم يلتفت إليه، قال: والدُبر: -بالضم والإِسكان- نقيض القبل (1) من كل شيء. يقال: أعتق عبده عن دبر إذا أعتقه بعد موته (2).
الثالث عشر: قوله: "كل صلاة" ظاهره استواء الفرض والنقل
(1) في ن د زيادة (وبضمهما نقيض القبل).
(2)
قال ابن حجر في الفتح (2/ 325): على قوله: "خلف كل صلاة" هذه الرواية مفسرة للرواية التي عند المصنف في الدعوات وهي قوله: "دبر كل صلاة"، ولجعفر الفريابي في حديث أبي ذر:"إثر كل صلاة" ومعنى دبر في اللغة: آخره.
في ذلك، وعليه حمله بعض العلماء لكن في حديث كعب بن عجرة مرفوعًا:"معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاث وثلاثون تسبيحه وثلاث وثلاثون تحميده وأربع وثلاثون تكبيره (1) " وقد يحمل الحديث الذي نحن فيه عليه، لأن المثلية إنما تتحقق إذا كان عقب صلوات معلومة.
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة (596)، والترمذي في الدعوات، باب: منه في فضل التسبيح والتحمد (3412)، والنسائي في الصلاة (3/ 75)، باب: نوع آخر من عدد التسبيح، وأبو عوانه (2/ 269)، والبخاري في الأدب المفرد (622)، والطبراني في الكبير (19/ 259)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (209، 210)، وابن حبان في صحيحه (2019)، والطيالسي (477)، وعبد الرزاق (10/ 228)، والبيهقي في السنن (2/ 187)، وفي الصغرى (1/ 185).
استدرك الدارقطني هذا الحديث على مسلم وقال: الصواب أنه موقوف على كعب، لأن من رفعه لا يقاومون من وقفه في الحفظ. وعقب النووي عليه بقوله: وهذا الذي قاله الدارقطني مردود لأن مسلمًا رواه من طرق كلها مرفوعة
…
إلخ كلامه (5/ 95). اهـ، من شرح مسلم. وانظر: نتائج الأفكار لابن حجر (2/ 252)، حيث يقول (وقد رويناه مرفوعًا كذلك عن شعبة) وساقه في طريق ابن منده. اهـ.
قال ابن حجر في الفتح (2/ 328): وظاهر قوله: "كل صلاة" يشمل الفرض والنقل لكن حمله أكثر العلماء على الفرض، وقد وقع في حديث كعب بن عجرة عند مسلم التقييد بالمكتوبة، وكأنهم حملوا المطلقات عليها، وعلى هذا يكون التشاغل بعد المكتوبة بالراتبة بعدها يكون فاصلًا بين المكتوبة والذكر أولًا؟ محل للنظر، والله أعلم.
الرابع عشر: نقل القاضي عياض: عن بعضهم أن الفضائل التي جاءت من الأذكار أنها إنما هي لأهل الشرف في الدين والطهارة من
الكبائر دون المصرين وغيرهم، قال: وفيما قاله نظر، والأحاديث عامة.
الخامس عشر: قوله: "فرجع فقراء المهاجرين"(1) إلى آخره فيه المسابقة إلى الأعمال المحصِّلة للدرجات العالية والنعيم الدائم. السادس عشر: قوله: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" فيه فضل من جمع الله له بين خيري الدنيا والآخرة: من الصلاة، والصوم، والصدقة، والعتق، والذكر، وذكر بعضهم: أن ثواب الذكر الذي حصل للأغنياء إنما هو بسبب مسألة الفقراء فحصل للفقراء ثواب الذكر وزيادة كونهم سنوا هذه السنَّة الحسنة، فقال لهم ذلك فضل الله أي الأجران الحاصلان يؤتيهما من شاء ففي هذا تفضيل الفقير على الغني وسيأتي ما فيه (2).
السابع عشر: قوله: "فحدثت بعض أهلي هذا الحديث" لم أر تعيين هذا البعض في رواية بعد الكشف عنه.
الثامن عشر: قوله: "وهِمت" هو بكسر الهاء، وحكى ابن الأعرابي في "نوادره" أوهم في الحساب ووهِم ووهَم إذا أسقط وكذا في الكلام والكتاب.
(1) قال الصنعاني -رحمنا الله وإياه- في الحاشية (3/ 80): لم يذكر البخاري رجوعهم إليه صلى الله عليه وسلم. اهـ.
(2)
انظر: حاشية إحكام الأحكام للصنعاني (3/ 83).
التاسع عشر: قوله: "فرجعت إلى أبي صالح فقال: الله أكبر" إلى آخره، ظاهره: أنه يقول: الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ثلاثًا
وثلاثين مرة. وظاهر الحديث أنه يسبح ثلاثًا وثلاثين مستقلة ثم يحمد كذلك ثم يكبر كذلك وهو ظاهر جميع روايات الحديث.
قال القاضي عياض (1): وهو أولى من تأويل أبي صالح.
العشرون: قوله: "ثلاثًا وثلاثين مرة" لا يعارضه رواية [سهيل](2) إحدى عشرة، إحدى عشرة، لأنها رواية الأكثرين ومعهم زيادة فيجب قبولها.
وروى البخاري في الدعوات من صحيحه رواية ثالثة وهي "تسبحون دبر كل صلاة عشرًا وتحمدون عشرًا وتكبرون عشرًا" ويحتمل أن يكون صدر هذا القول في مجالس أولها عشرًا عشرًا ثم إحدى عشرة ثم ثلاثًا وثلاثين (3).
الحادي والعشرون: جاء في رواية لمسلم (4) "تمام المائة لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء
(1) إكمال إكمال المعلم (2/ 286).
(2)
في ن ب (سهل).
(3)
جمع البغوي رحمه الله في شرح السنَّة بين هذا الاختلاف باحتمال أن يكون ذلك صدر في أوقات متعددة أولها عشرًا ثم إحدى عشرة إحدى عشرة ثم ثلاثًا وثلاثين وثلاثًا وثلاثين، ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل التخيير، أو يفترق بافتراق الأحوال وهكذا نقله ابن حجر في الفتح (2/ 329)، والبخاري (6329).
(4)
مسلم في المساجد، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة (597).
قدير" وفي رواية (1): "إن التكبير أربع وثلاثون"، فيجمع بين الكل ففي تمام الحديث من قال ذلك "غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر"، وفي سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو (2) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلَّا دخل الجنة، هما يسير، ومن يعمل بهما قليل: تسبح الله في دبر كل صلاة عشرًا [وتحمد عشرًا](3) وتكبر عشرًا، فذلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان ويكبر أربعًا وثلاثين إذا أخذ مضجعه، ويحمد ثلاثًا وثلاثين،
(1) وردت من رواية ابن عباس عند الترمذي (410) في الصلاة، باب: ما جاء في التسبيح في أدبار الصلوات، والنسائي (3/ 78) في السهو، باب: نوع آخر من التسبيح وأبي الدرداء، وحديث كعب بن عجرة الذي سبق تخريجه، وزيد بن ثابت في النسائي (3/ 76)، وأحمد (5/ 184)، وابن خزيمة وابن حبان في موارد الظمآن (2340)، وصححه الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي (1/ 53).
(2)
أبو داود في الأدب، باب: في التسبيح عند النوم (5065)، والترمذي في الدعوات (3410)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في السهو: عدد التسبيح بعد التسليم (3/ 74)، وفي عمل اليوم والليلة (473، 476)، والبخاري في الأدب المفرد (1216)، وابن أبي شيبة (10/ 232)، ومصنف عبد الرزاق (2/ 233)، وابن ماجه (926)، وأحمد في المسند (2/ 160، 161، 204، 205)، والطبراني في الدعاء (1132). قال ابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 266): هذا حديث صحيح
…
إلخ كلامه.
(3)
في الأصل ساقطة.
ويسبح ثلاثًا وثلاثين فذلك مائة باللسان وألفٌ من الميزان" الحديث.
الثاني والعشرون: قال [القرافي](1): في "قواعده": من البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعًا، كما ورد في
التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثًا وثلاثين عقب الفرائض، فيفعل أكثر من ذلك لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئًا أن يوقف ويعد الخارج عنه مسيئًا للأدب (2).
[قلت: روى النسائي من حديث أبي هريرة مرفوعًا: من سبح في دبر كل صلاة مكتوبة مائة، وكبّر مائة، وهلل مائة، وحمد مائة، غُفر له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر" (3)، فهذا زائد على ذلك المقدار فاتسع الباب](4).
(1) في ن ب (الفراء).
(2)
قال ابن حجر في الفتح (2/ 330) بعد سياقه كلام القرافي: ويؤيد ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد خصوص مع طلب الإِتيان بجميها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص لما في ذلك من قطع الموالاة لاحتمال أن يكون للموالاة في ذلك حكمة خاصة تفوت بفواتها، والله أعلم.
(3)
النسائي الكبرى (2/ 403)، والنسائي (3/ 79)، وعمل اليوم والليلة ح (140، 141). ولفظه عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سبح دبر صلاة الغداة مائة تسبيحة، وهلل مائة تهليلة، غفر له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر"، والحديث: فيه أبو الزبير مدلس وقد عنعن فيكون ضعيف من هذا الطريق.
(4)
زيادة من ن د.
الثالث والعشرون: من فوائد الحديث أن الإنسان قد يدرك بالعمل اليسير في الصورة، العظيم في المعنى من سبقه، ولا يدركه من بعده في الفضل ممن لا يعلم به، فإن سياق الحديث يدل على ذلك كما [سلف](1).
الرابع والعشرون: فيه أيضًا فضل الذكر أدبار الصلوات.
الخامس والعشرون: فيه [أن](2) أدبار الصلوات أوقات فاضلة يرتجى فيها إجابة الدعوات وقبول الطاعات ويصل بها متعاطيها إلى الدرجات العالية والمنازل الغالية.
السادس والعشرون: فيه تعلق المسألة المشهورة وهي التفضيل بين الغني الشاكر والفقير الصابر وفيها خلاف شهير يجمعه خمسة
أقوال حكاها القرطبي (3) في "شرحه".
أحدها: تفضيل الغني لهذا الحديث وغيره وهو قول الأكثرين وأطنب الغزالي في الاستدلال له في "الأحياء".
قال الشافعي رضي الله عنه فيما نقله ابن شاكر القطان (4) في "فضائله": المال رحمة من الله تعالى يُعينُ العبدَ على طاعته ويتقرب إلى الله به.
(1) في ن ب (سبق).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
المفهم (2/ 1042).
(4)
هو محمد بن أحمد بن شاكر القطان أبو عبد الله المصري الشافعي المتوفى سنة (407). صنف فضائل الشافعي وكتاب المطارحات في الأصول. السبكي (4/ 95)، وابن قاضى شهبة (1/ 225).
والثاني: تفضيل الفقير لاستعاذته صلى الله عليه وسلم من الغِنَى خصوصًا إذا كان مطغيًا، وهو قول جمهور الصوفية كما سيأتي.
والثالث: تفضيل الكفاف لسؤاله صلى الله عليه وسلم إياه.
والرابع: أن التفضيل باعتبار حال الناس في الغنى والفقر بالنسبة إلى صلاحهم في أنفسهم وأديانهم.
الخامس: التوقف عن تفضيل واحد منهما على الآخر والمسألة لها [عوز](1) وفيها أحاديث متعارضة، وقد صنف العلماء فيها كتبًا عديدة.
قال القرطبي (2): والذي يظهر لي في الحال أن الأفضل من ذلك ما اختاره الله لنبيه ولجمهور صحابته وهو الفقر غير المدقع، ويكفيك دليلًا "أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام وأصحاب الأموال محبوسون على قنطرة بين الجنة والنار يسألون عن فضول أموالهم"، [كما ثبت في الصحيح و (3)](4) على هذا فيتعين
(1) هكذا في الأصل، وفي ن د، وفي ن ب (عرز).
(2)
في المفهم (2/ 1042).
(3)
المدارج (2/ 442)، وعدة الصابرين (125، 142، 146، 230)، وبدائع الفوئد (3/ 162)، وطريق الهجرتين (626)، وروائع المسائل (238). انظر: حاشية إحكام الأحكام (3/ 83)، وذلك للاطلاع على التفضيل بين الغني والفقير من رواية أسامة بن زيد عند البخاري (5196)، ومسلم (2736)، وأحمد (5/ 205)، والبغوي (4064)، ولفظه:"قمت على باب الجنة"، فإذا عامة من يدخلها المساكين، وإذا أصحاب الجد محبوسون
…
" الحديث.
(4)
غير موجودة في المفهم.
تأويل قوله: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} (1) وقد تأوله بعضهم بأن قال: إن الإِشارة في قوله: "ذلك" راجعة إلى الثواب المترتب على الأعمال، الذي به يحصل التفضيل عند الله فكأنه قال ذلك الثواب الذي أخبرتكم به، لا يستحقه الإِنسان بحسب الأذكار، ولا بحسب إعطاء الأموال وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء.
وقال الشيخ تقي الدين (2): ظاهر الحديث تفضيل الأغنياء بزيادة القربات المالية، قال: قال وبعض الناس تأول قوله: "ذلك
فضل الله يوتيه من يشاء" بتأويل مستكره يخرجه عن الظاهر والذي يقتضيه الأصل تساويهما -وحصول الرجحان بالعبادات المالية-
فيكون الغنى أفضل، وذلك غير مشكوك فيه. والذي يقع النظر فيه إذا تساويا في أداء الواجب فقط وانفرد كل واحد بمصلحة ما هو فيه، من الصبر أو الشكر فإن كلاًّ منهما متعبد به وإذا تقابلت المصالح ففي ذلك نظر، ترجع إلى تفسير الأفضل. فإن فسر بزيادة الثواب، فالقياس يقتضي أن المصالح المتعدية أفضل من القاصرة، وإن فسر بالأشرف بالنسبة إلى صفات النفس، فالذي يحصل للنفس من التطهير للأخلاق، والرياضة لسوء الطباع [بسبب] (3) الفقر أشرف. فيترجح الفقر. قال: ولهذا المعنى ذهب الجمهور من الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر، لأن مدار الطريق على تهذيب النفس ورياضتها. وذلك مع الفقر أكثر منه مع الغنى، فكان أفضل بمعنى
(1) سورة الجمعة: آية 4.
(2)
انظر: إحكام الأحكام (3/ 83).
(3)
في ن د (تسبب)، وما أثبت يوافق إحكام الأحكام.
[أشرف](1).
قلت: وذهب قوم إلى أن الفقر المستعاذ منه فقر النفس (2).
قال ابن الجوزي: والصواب أن يقال الفقر مصيبة من مصائب الدنيا والغنى نعمة من نعمها، ووزانهما المرض والعافية ففي المرض
ثواب وفضل لا يمنع ذلك من الاستعاذة منه وسؤال العافية فكذلك الفقر والغنى.
تنبيه: لا شك أن نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام كان غنيًا بالله -تعالى- شاكرًا له، فقيرًا إليه، صابرًا على جميع أحواله، وآخر أحواله جيئت إليه خزائن الأرض، وهادتة الملوك، وفتحت الفتوح، وكذا صحابته الذين أدركوا الفتوحات، فكان المال الكثير في اليد لا في القلب، فهم بهذا الاعتبار أغنياء لا فقراء، وكان صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخاف الفقر (3).
(1) في ن ب ساقطة، وفي إحكام الأحكام (الأشرف).
(2)
النسائي في الصغرى (5460)، ولفظه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الفقر، وأعوذ بك من القلة والذلة، وأعوذ بك أن أَظلِم أو أُظلَم" وانظر لفظه برقم 1347، 5461).
(3)
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمنا الله وإياه- في الفتاوى (11/ 119، 121):
الحمد لله رب العالمين،
قد تنازع كثير من متأخري المسلمين في "الغني الشاكر"و "الفقير الصابر" أيهما أفضل؟
فرجح هذا طائفة من العلماء والعباد، ورجح هذا طائفة من العلماء والعباد.=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقد حكى في ذلك روايتان عن الإِمام أحمد. وأما الصحابة والتابعون، فلم ينقل عنهم تفضيل أحد الصنفين على الآخر.
وقالت طائفة ثالثة: ليس لأحدهما على الآخر فضيلة إلَّا بالتقوى، فأيهما كان أعظم إيمانًا وتقوى، كان أفضل. وإن استويا في ذلك استويا في الفضيلة. وهذا أصح الأقوال، لأن الكتاب والسنة إنما تفضل بالإِيمان والتقوى، وقد قال تعالى:{إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} ، وقد كان في الأنبياء والسابقين الأولين من الأغنياء من هو أفضل من أكثر الفقراء. وكان فيهم من الفقراء من هو أفضل من أكثر الأغنياء. والكاملون يقومون بالمقامين: فيقومون بالشكر والصبر على التمام، كحال نبينا صلى الله عليه وسلم، وحال أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. ولكن قد يكون الفقر لبعض الناس أنفع من الغنى، والغنى أنفع الآخرين، كما تكون الصحة لبعضهم أنفع، كما في الحديث الذي رواه البغوي وغيره
…
إن من عبادي من لا يصلحه إلَّا الفقر ولو أغنيته: لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلحه إلَّا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك، إني أدبر عبادي، إني بهم خبير بصير".
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم"، وفي الحديث الآخر، لما علم الفقراء الذكر عقب الصلوات، سمع بذلك الأغنياء، فقالوا مثلما قالوا، فذكر ذلك الفقراء للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء". فالفقراء متقدمون في دخول الجنة لحق الحساب عليهم والأغنياء مؤخرون لأجل الحساب. ثم إذا حوسب أحدهم، فإن كانت حسناته أعظم من حسنات الفقير، كانت درجته في الجنة فوقه وإن تأخر في الدخول. كما أن السبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، ومنهم عكاشة بن محصن. وقد يدخل الجنة بحساب =
تتمة: لما مضى قد أسلفنا أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام وهذا لفظ الترمذي (1)، ولفظ ابن ماجه "فقراء المؤمنين" وفي رواية لهما "يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام"، قال الترمذي: حسن صحيح.
وفي مسلم (2) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا "إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة
= من يكون أفضل من أحدهم. وصلَّى الله وسلَّم على محمد.
انظر: عدة الصابرين لابن القيم ص 193، 195، 201، 202، 203، 204، 208، 209، 313، 314، 317، 319، 322.
(1)
أحمد (3/ 63، 96)، وأبو داود (3666) في العلم، باب: القصص، والترمذي (2352)، وابن ماجه (4123)، والبغوي (3992)، وفي الباب عن أبي هريرة عند الترمذي (2354)، وابن ماجه (4122)، وأحمد (2/ 296)، وصححه ابن حبان (676)، ومن رواية عبد الله بن سلام عند مسلم (315). انظر: تحفة الأشرف (2/ 138).
(2)
مسلم (2979)، وابن حبان (677، 678).
فائدة مهمة ينبغي مراعاتها: قال ابن حجر في الفتح (2/ 328): ومقتضى الحديث أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة، فلو تأخر ذلك عن ذلك الفراغ فإن كان يسيرًا بحيث لا يعد معرضًا أو كان ناسيًا أو متشاغلًا بما ورد أيضًا بعد الصلاة كآية الكرسي فلا يضر، وظاهر قوله "كل صلاة" يشمل الفرض والنفل، لكن حمله أكثر العلماء على الفرض، وقد وقع في حديث كعب بن عجرة عن مسلم التقييد بالمكتوبة، وكأنهم حملوا المطلقات عليها، وعلى هذا هل يكون الشاغل بعد المكتوبة بالراتبة بعدها فاصلًا بين المكتوبة والذكر أو لا؟ محل نظر.
بأربعين خريفًا" وجمع المنذري بينهما بأن فقراء المهاجرين يسبقون فقراء المسلمين إلى الجنة بهذه المدة لما لهم من فضل الهجرة وترك أموالهم بمكة رغبة إلى ما عند الله.
واعترض عليه المحب في "أحكامه" فقال: فيما ذكره نظر والوجه حمل الأغنياء فيه على أغنياء المهاجرين ومن غيرهم قيل الأغنياء من غير المهاجرين بخمسمائة عام، قال: وأما حديث ابن ماجه والترمذي: "إن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام"(1)، وحديث الترمذي:"يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفًا"(2) فغير ثابتين كما قال المنذري ولو ثبتا أمكن الجمع بينهما بأن يحمل ذلك على اختلاف مراتب الغنى والشكر والفقر والصبر عليه فيدخل بعض فقراء المهاجرين قبل أغنيائهم بأربعين، وقبل [بعضهم](3) بخمسمائة وكذلك فقراء المسلمين مع أغنيائهم ولا يخفى تنزيل ذلك على الأحوال.
(1) ابن ماجه (4122)، والترمذي (2353)، وأحمد (2/ 296، 451)، وابن أبي شيبة (13/ 246).
(2)
الترمذي (2352) في الزهد، باب: ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة، وابن ماجه (4123)، وأحمد (3/ 63، 96)، وأبي داود (3666)، والبغوي (14/ 191)، وكلهم من رواية أبي سعيد الخدري. وجاء من رواية عبد الله بن عمرو عند الدارمي (2/ 339)، وعن أنس عند الترمذي (2352)، وعن ابن عمر عند ابن ماجه (4124)، وابن أبي شيبة (13/ 244).
(3)
في ن ب (بعض).
السابع والعشرون: قال الشيخ عز الدين: في هذا الحديث رد على من يقول إن العمل المتعدي أفضل من القاصر. وأطلق القول بذلك لأنه عليه الصلاة والسلام قدم هذا الذكر على الصدقة بالأموال وجعل لهم المزية بقوله: "ولا يكون أحد أفضل منكم" إلى آخره وقد قدمنا كلام الشيخ تقي الدين في ذلك قريبًا.