الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
137/ 3/ 27 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ الناسَ يومَ الجمعة، فقال:"صلبتَ يا فلان"، قال: لا، قال:"قم فاركع ركعتين".
وفي رواية "فصلِّ ركعتين"(1).
الكلام عليه من وجوه:
الأول: هذا الرجل هو سُليك الغطفاني بضم السين المهملة كما جاء في صحيح مسلم. وقيل: النعمان بن [قوقل (2)] بقافين.
والأول: هو المشهور.
والثاني: "فلان" وكذا "فُلَانةٌ" من الأسماء التي لا تُثَنَّى ولا
(1) البخاري (930، 931، 1166)، ومسلم في الجمعة (875)، والترمذي (510)، وأبو داود في الصلاة (1115، 1116، 1117)، وأحمد (3/ 363، 369)، والحميدي (1223)، والبيهقي الكبرى (3/ 194).
(2)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (2/ 407): وشذ منصور بن أبي الأسود عن الأعمش في هذا الإِسناد فقال: "جاء النعمان بن نوفل"، وقد صحح أنه "سليك" أيضًا، ضبط اسمه النعمان بن نوفل.
تجمع لأنها لم تستعمل نكرةً، إذ هي كناية عن الأعلام والاسم لا يثنى ولا يجمع حتى يُنكر.
الثالث: "الكناية" عن الرجل المذكور "بفلان" يحتمل أن يكون من قوله عليه الصلاة والسلام، ويحتمل أن يكون من قول جابر
وليبحث عن [الحكمة](1) في ذلك.
الرابع: قوله عليه الصلاة والسلام: "صليت" أي تحية المسجد، ويحتمل سُنَّةَ الجمعة أيضًا، ويؤيده رواية ابن ماجه (2):"أصليت قبل أن تجيء".
الخامس: في قوله: "صليت" جواز" إسقاط [همزة] (3) الاستفهام من الفعل المستفهم عنه، إذ الأصل "أصليت"، وقد حمل عليه قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (4) " قال بعضهم: التقدير فمن نفسك وهو كثير، وسببه كثرة الاستعمال حتى قيل: إن الاستفهام أكثر من الخبر، وقالوا: إن الاستفهام دهليز العلم.
السادس: قوله عليه السلام "قم فاركع ركعتين" ظاهر في جواز تحية المسجد للداخل والإِمام يخطب وهو مذهب الشافعي
(1) في ن ب (الحكم).
(2)
ابن ماجة في الإِقامة (1114)، وذكره ابن حجر في الفتح (2/ 410) وسكت عنه.
(3)
في ن ب (الهمزة)، قال ابن حجر في الفتح (2/ 408): ثبت سقوط الهمزة في رواية الأصيلي.
(4)
سورة النساء: آية 79.
وأحمد وإسحاق وفقهاء الحديث، وقال به [الحسن](1) البصري وغيره من المتقدمين، وغير هذا الحديث أصرح في الدلالة منه
[وهو](2) قوله عليه الصلاة والسلام: بعد أمره لسليك بركعتين والتجوز فيهما "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإِمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما" رواه مسلم (3).
[و](4) قال مالك والليث، وأبو حنيفة، والثوري. وجماعة كثيرة من الصحابة والتابعين، وهو مروي عن عمر. وعثمان، وعليّ لا يصليهما لوجوب الاشتغال بالإِنصات للخطبة بقوله عليه الصلاة والسلام:"إذا قلت لصاحبك والإِمام يخطب أَنْصِتْ فقد لغوت (5) ".
قالوا: فإذا منع من الكلمة وهي أنصت مع كونها أمرًا بمعروف ونهيًا عن منكر في زمن يسير فَلأَنْ يمْنَعَ من الركعتين مع كونهما مسنونتين في زمن طويل من باب أولى.
وقد يفرق بينهما: بأن هذه الكلمة قد تؤدي إلى الخصام، ورفع الصوت. بخلاف الركعتين (6).
(1) في ن ب (حسن).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
مسلم (875)، وانظر التعليق (2)، ومسند أبي يعلى (2276، 1946).
(4)
في ن ب ساقطة.
(5)
البخاري (934)، ومسلم (851)، والنسائي (3/ 104)، وأبو داود (1112)، والدارمي (1/ 364)، وابن ماجه (1110)، وابن خزيمة (1805)، والترمذي (512)، وأحمد (2/ 272، 280، 474، 532).
(6)
قال ابن حجر في الفتح (2/ 409): فمصلي التحية يجوز أن يطلق عليه =
ثم اعتذروا عن حديث سُليك بأنه مخصوص (1) به، لأنه كان فقيرًا فأريد قيامه لتستشرف فيه العيون، وتتصدق عليه، وأيدوا ذلك
بأمره عليه الصلاة والسلام بالقيام لهما بعد جلوسه لأن ركعتي التحية تفوت بالجلوس وقد تم، وبأن الحديث المذكور خبر واحد، والمالكية تقدم عمل أهل المدينة عليه، ويرون العمل به أولى من خبر الواحد (2)، والحنفية ترده فيما تعم [به](3) البلوى.
والجواب عن ذلك: أن التخصيص خلاف الأصل، ثم يبعد الحمل عليه مع صيغة العموم [في](4) قوله "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإِمام يخطب"(5) فإنه تعميم يزيل توهم التخصيص بهذا الرجل، والأمر بهما للداخل مستثنى من عموم الأمر بالإِنصات للخطبة، ومذهب المالكية والحنفية في رد خبر الواحد بما سلف محل الخوض فيه كتب الأصول، وقد تَأَوَّلوا هذا العموم أيضًا بتأويل
= أنه منصت فقد تقدم في افتتاح الصلاة من حديث أبي هريرة أنه قال لرسول الله سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول فيه؟ فأطلق على القول سرًّا السكوت. اهـ. محل المقصود منه.
(1)
انظر: فتح الباري (2/ 408).
(2)
انظر: فتح الباري (2/ 411).
(3)
في ن د ر (تقديم وتأخير البلوى به).
(4)
في ن ب و.
(5)
ورد في حديث الباب، وقال النووي في شرح مسلم (6/ 164): وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل ولا أظن عالمًا يبلغه هذا اللفظ صحيحًا فيخالفه، وقال ابن أبي جمرة: هذا الذي أخرجه مسلم نص في الباب لا يحتمل التأويل.
مستنكر (1)، وأقوى من هذا العذر:[ما ورد أنه](2) عليه الصلاة والسلام "مكث حتى فرغ من الركعتين"(3)، فحينئذٍ يكون المانع من عدم الركوع يعني الركعتين منتفيًا فثبت الركوع، وعلى هذا أيضًا ترد الصيغة التي فيها العموم، على أن الدارقطني وهمَّ هذه الراوية. وقال: الصواب إرسالها (4).
وذهب بعض المتأخرين من أصحاب الحديث كما نقله القرطبي في "المفهم"(5): إلى الجمع بين الأمرين، فخيَّر بين الركوع وتركه، وهو قول من تعارض عنده الخبر والعمل.
ونقل [عن](6) الأوزاعي أنه إنما يركعهما من لم يركعهما في بيته، وكأن [الأوزاعي](7) حمل الركعتين على سنة الجمعة [لا على
التحية] (8) وإلَاّ فلا يستقيم قوله (9).
(1) قال ابن حجر في الفتح (2/ 411): وكأنه يشير إلى بعض ما تقدم من ادعاء النسخ أو التخصيص.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (2/ 15)، وضعفه. وانظر: فتح الباري (2/ 409)، وتخريج الأحاديث الضعيفة من سنن الدارقطني (165، 166).
(4)
المرجع السابق.
(5)
(3/ 1471) وأيضًا ما قبله من الأقوال.
(6)
في ن ب ساقطة.
(7)
في الأصل (المازري)، والتصحيح من ن ب.
(8)
زيادة من ن ب.
(9)
انظر: فتح الباري (2/ 410)، والمفهم (3/ 1470).
السابع: في الحديث أن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس في حق الجاهل حكمها، وقد أطلق أصحابنا فواتها به، وهو محمول
على من طال جلوسه ذاكرًا عالمًا بأنها سنة، كما قاله النووي في "شرح مسلم"(1).
وقال المحب الطبري في "أحكامه": يحتمل أن يقال إنه عليه الصلاة والسلام أمر بقضائهما والسنن تقضى على الأصح.
ويحتمل أن يقال: وقتها قبل الجلوس وقت فضيلة، وبعده وقت جواز.
قلت: هذا بعيد، والأول أبعد منه، فإن أصحابنا نصوا على أن تحية المسجد لا مدخل للقضاء فيها، وما ذكره من الخلاف في قضاء
السنن هو في غيرها.
الثامن: فيه أيضًا جواز تأخير المجيء إلى الجمعة والإِمام يخطب على المنبر.
التاسع: فيه أيضًا جواز الكلام للخطيب في الخطبة لحاجة التعليم ونحوه.
العاشر: فيه أيضًا جواز جوابه للمستمع وغيره.
الحادي عشر: فيه أيضًا الأمر بالمعروف، والإِرشاد إلى المصالح في كل حال وموطن.
الثاني عشر: فيه أيضًا أن تحية المسجد ونوافل النهار ركعتان.
(1) انظر: شرح مسلم (6/ 164).
الثالث عشر. قد يستنبط منه أن تحية المسجد وغيرها من الصلوات ذوات الأسباب المباحة لا تُكره في وقت من الأوقات وكذلك كل [ذات](1) سبب واجب، كقضاء فائتة ونحوه، لأنها لو سقطت في حال من الأحوال لكان حال استماع الخطبة أولى بالسقوط، فلما لم تترك في حال هو واجب وتركه محرم على ما فيه من الخلاف، وقطعت الخطبة من أجله وأَمره بالفعل بعد أن قعد
لجهله بالحكم، دل على تأكدها وأنها لا تترك بحال، ولا في وقت من الأوقات، وباقي الصلوات ذوات الأسباب تقاس عليها.
خاتمة: روى ابنُ حبان (2) في صحيحه: أَنَّ هذا الداخل قال له النبي صلى الله عليه وسلم صلِّ ركعتين في الجمعة الثانية والثالثة أيضًا فليتأمل ذلك.
(1) زيادة من ن ب.
(2)
صحيح ابن حبان (6/ 249)، وأحمد في المسند (3/ 25)، ولفظ أحمد بعد أمره في الجمعة الثانية والثالثة، ثم قال تصدقوا ففعلوا فأعطاه ثوبين مما تصدقوا، ثم قال تصدقوا فألقى أحد ثوبيه فانتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم وكره ما صنع
…
إلخ الحديث، وأبو داود (1675) في الزكاة، باب: الرجل يخرج من ماله، وليس فيه أنه دخل في الجمعة الثانية والثالثة، وإنما دخل المسجد وحث فيه على الصدقة، والنسائي (3/ 106، 107، 5/ 63)، والحميدي (741)، والبيهقي (4/ 181)، والطحاوي (1/ 366)، وصححه ابن خزيمة (3/ 150)، وسكت عنه الحافظ ابن حجر في الفتح (2/ 408).