الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
150/ 3/ 31 - عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصففنا صفين [صف] (1) خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدو بيننا وبين القبلة. فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعًا، ثم ركع وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو. فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعًا ثم رفع رأسه من الركوع فرفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرًا في الركعة الأولى. وقام الصف المؤخر في نحو العدو. فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعًا"(2).
(1) زيادة من متن العمدة، وهي في صحيح مسلم.
(2)
البخاري (4125)، ومسلم (840)، والنسائي (3/ 175، 176)، وأحمد (3/ 374)، وأبو عوانة (2/ 358، 359، 360، 361)، والبيهقي =
قال جابر: كما [يفعل](1) حرسكم هؤلاء بأمرائهم. ذكره مسلم بتمامه.
وذكر البخاري طرفًا منه، وأنه صلَّى صلاة الخوف مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوة السابعة، غزوة ذات الرقاع.
الكلام عليه من وجوه:
والتعريف براويه قد سلف في آخر باب الجنابة.
الأول: معنى "شهدت" حضرت واسم الفاعل منه شاهد. وقوم شهود أي حضور. وهو في الأصل مصدر [شهد](2) أيضًا مثل راكع وركّع. وامرأة مشهد إذا حضر زوجها بلا هاء. وامرأة مغيبة إذا غاب زوجها عنها. وهذا بالهاء. وأشهدني إملاكه أي أحضرني [والمشهد](3) محضر الناس. ومن [هذا](4) قوله -تعالى-: {وَبَنِينَ شُهُودًا (13)} (5) أي حضورًا عنده لا سالم لمفارقتهم.
الوجه الثاني: هذه كيفية الصلاة إذا كان العدو في وجه القبلة.
وبها قال الشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف.
= (3/ 257، 258)، والطبري في تفسيره (10377)، والطيالسي (1738)، والبغوي (1097)، وابن حبان (2876)، وابن أبي شيبة (2/ 463).
(1)
في ن ب د (يصنع).
(2)
في ن ب (شهدت).
(3)
في ن ب (والمشهود).
(4)
زيادة من ن ب.
(5)
سورة المدثر: آية 13.
ويجوز عند الشافعي: تقدم الصف الثاني وتأخر الأول كما في هذا الحديث.
ويجوز بقاؤهما على حاله. وقد رواه مسلم في حديث (1) آخر.
الثالث: "الحراسة" يتأتى للكل مع الإِمام في الصلاة ويتأتى فيها التأخير عن الإِمام لأجل العدو. وموضع الحراسة في السجود.
وأما في الركوع: فالأصح المنع، لأنه لا يمنع من إدراك العدو بالبصر. فالحراسة ممكنة معه بخلاف السجود. وفي وجه للشافعية يحرس في الركوع أيضًا.
الرابع: المراد بالسجود الذي سجده النبي صلى الله عليه وسلم وسجد معه الصف الذي يليه هو السجدتان جميعًا.
وقوله: "في نحر العدو" أي مقابلته، ونحر كل شيء أوله.
الخامس: الحديث يدل على أن الصف الذي يلي الإِمام يسجد معه في الركعة الأولى، ويحرس الصف الثاني فيهما.
ونص الشافعي على خلافه، وهو أن الصف الأول يحرس في الركعة الأولى.
فقال بعض أصحابه: لعله سها أو لم يبلغه الحديث.
وجماعة من العراقيين وافقوا الصحيح في مذهبه، ولم يذكر بعضهم سوى ما دل عليه الحديث، كأبي إسحاق الشيرازي [رضي الله عنه](2).
(1) مسلم (843).
(2)
في ن ب ساقطة.
وبعضهم قال بذلك: بناء على المشهور عن الشافعي أو الحديث إذا صح يؤخذ به، ويترك قوله.
أما الخراسانيون: فإن بعضهم تبع نص الشافعي، كالغزالي في "وسيطه".
ومنهم من ادعى: أن في الحديث رواية كذلك. ورجح ما ذهب إليه الشافعي بأن الصف الأول يكون جُنة لمن خلفه. ويكون ساترًا له عن أعين المشركين. وبأنه أقرب إلى الحراسة وهؤلاء مطالبون بإبراز تلك الرواية. والترجيح إنما يكون بعدها.
السادس: الحديث يدل على أن الحراسة يتناوبها الطائفتان في الركعتين، فلو حرست طائفة واحدة في الركعتين معًا، فالأصح عندنا الصحة، لأنه قد لا يتأهل للحراسة إلَّا معتنون.
السابع: روى مسلم (1) من حديث جابر هذا أنه عليه الصلاة والسلام: "صلى بكل طائفة ركعتين" ورواه أبو داود (2) من رواية
(1) مسلم (843) في صلاة المسافرين، باب: صلاة الخوف، وعلقه البخاري (4136) في المغازي، باب: غزوة ذات الرقاع، وأحمد (3/ 364)، والبغوي (1095)، والبيهقي (3/ 259)، والطحاوي (1/ 315)، وابن خزيمة (1352)، والدارقطني (2/ 60، 61)، وابن حبان (2885، 2882، 2883)، وابن أبي شيبة (2/ 464).
(2)
أبو داود (1248) في الصلاة، باب: من قال: يصلي بكل طائفة ركعتين، والنسائي (3/ 179)، والبيهقي (3/ 259، 260)، والدارقطني (2/ 61)، والطيالسي (877)، أحمد (5/ 39)، ابن حبان (2881)، والطحاوي (1/ 315)، ولفظه عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم =
أبي بكرة أيضًا. وبه قال الشافعي والحسن البصري.
وادعى الطحاوي أنه منسوخ فقال: هذا كان في أول الإِسلام إذ كان يجوز أن تصلى الفريضة مرتين ثم نسخ [ذلك](1) وهذه دعوى منه. وأين الدليل على النسخ.
خاتمة: من أنواع صلاة الخوف صلاة المسايفة وهو إذا التحم القتال [أو](2) يشتد الخوف. فيصلي كيف أمكن راكبًا. وماشيًا ويعذر في ترك القبلة والأعمال الكثيرة لحاجة. وهو قول ابن عمر وبه أخذ مالك والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وعامة العلماء. ويشهد له قوله -تعالى-:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (3).
قال بعض العلماء: بحسب ما يتمكن منه.
وقال جماعة من الصحابة والسلف: يصلي في الخوف ركعة يومئ بها إيماءً.
وقال الضحاك: فإن لم يقدر على ركعة فتكبيرتين حيث كان وجهه.
وقال إسحاق: إن لم يقدر على ركعة إيماء صلى سجدة. فإن لم يقدر فتكبيرة.
= صفهم صفين، فصلى ركعتين بالصف الذي يليه، ثم سلم، وتأخروا، وتقدَّم الآخرون، فصلى بهم ركعتين، ثم سلم فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات، وللمسلمين ركعتين ركعتين.
(1)
في الأصل (بذلك)، والتصحيح من ن ب د.
(2)
في ن ب (واو).
(3)
سورة البقرة آية 239. انظر: الاستذكار (7/ 81).
وقال الأوزاعي نحوه: إذا تهيأ الفتح لكن إن لم يقدر على ركعة ولا على سجدة لم يجزئه التكبير وأخرها حتى يأمنوا ويشهد لهذه المذاهب قوله -تعالى-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1). [وقول رسوله - عليه أفضل الصلاة والسلام -: "وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" (2)](3) وهو مأمور بالصلاة على صفة من قيام وركوع وسجود وتكبير وتلاوة. فإذا تعذر بعضها أتى بالباقي محافظة على امتثال الأمر.
ومنع مكحول وبعض أهل الشام: من صلاة الخائف جملة إلى التمكن استدلالًا بتأخيره عليه الصلاة والسلام يوم الخندق.
وهو عجيب لأن صلاة الخوف إنما شرعت بعد ذلك.
وانفرد أبو حنيفة وأبو ليلى فقالا: لا يصلي الخائف إلَّا إلى القبلة. وعامة العلماء على خلافه (4).
واختلف الذين قالوا بالجواز للمطلوب في جواز ذلك للطالب.
فمالك وجماعة من أصحابه على التسوية بينهما.
وقال الشافعي والأوزاعي وفقهاء أصحاب الحديث وابن عبد الحكم: لا يصلي الطالب إلَّا بالأرض.
(1) سورة التغابن: آية 16.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
انظر: الاستذكار (7/ 81).
ونقل عن الأوزاعي: أيضًا أنه إن كان الطالب قرب المطلوب صلَّى إيماء وإلَّا لم يجز له الإِيماء.
ونقل ابن بزيزة في "شرح الأحكام ": عن الشافعي أيضًا أنه إن خاف الطالب انقطاعه عن أصحابه وكثرة المطلوبين واجتماعهم عليه صلى إيماء وإلَّا فلا.