الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
146/ 4/ 28 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم (1) يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا آذان ولا إقامة، ثم قام متوكئًا على بلال، فأمر بتقوى الله تعالى، وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكّرهن، وقال:"تصدقن فإنكن أكثر حطب جهنم"، فقامت امرأة من سِطة النساء سفعاء الخدين، فقالت: لِمَ يا رسول الله؟، قال:"لأنكن تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير"، [قال](2) فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتيمهن (3).
الكلام عليه من ثلاثة وأربعين وجهًا، والتعريف براويه سلف في آخر باب الجنابة.
(1) في صحيح مسلم زيادة (الصلاة).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
البخاري (958، 961، 978) في العيدين، باب: موعظة الإِمام النساء يوم العيد، ومسلم (885) في صلاة العيدين، وأبو داود (1141)، والنسائي (3/ 186)، والدارمي (1/ 375)، وأحمد في المسند (3/ 318).
الأول: قوله: "شهدت" معناه: حصرت. والمفعول محذوف، أي شهدت الصلاة يوم العيد، فيوم العيد ظرف لا مفعول به، ويستنبط من ذلك شهود صلاة العيد مع الإِمام.
الثاني: قوله "بدأ" هو بالهمز لأنه بمعنى ابتدأ، وأما بَدَا بمعنى ظهر فغير مهموز ويستنبط من هذا البدأ بالصلاة قبل الخطبة، وقد
سلف ذلك واضحًا في الحديث الأول، فلو خطب قبل الصلاة أساء، وفي احتسابها احتمال لإِمام الحرمين.
الثالث: فيه أيضًا عدم [الأذان](1)، والإِقامة لصلاة العيد وهو إجماع اليوم، وهو المعروف من فعل الشارع وخلفائه الراشدين،
ونقل عن بعض السلف فيه شيء خلاف إجماع من قبله ومن بعده [فروي](2) عن معاوية إنه أحدث الأذان لها.
وقيل: زياد وهو الأشبه، كما قال القرطبي (3)، وهذا
(1) في ن ب د (النداء).
(2)
في ن د (وروي).
(3)
المفهم (3/ 1488). قال ابن حجر في الفتح (2/ 453): واختلف في أول من أحدث الأذان فيها أيضًا، فروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب أنه معاوية، وروى الشافعي عن الثقة عن الزهري مثله زاد: فأخذ به الحجاج حسن أُمِّر على المدينة، وروى ابن المنذر عن حصين بن عبد الرحمن، قال: أول من أحدثه زياد بالبصرة. انظر: مصنف ابن أبي شيبة (2/ 169)، والاستذكار (7/ 14).
وقال الداودي: أول من أحدثه مروان، وكل هذا لا ينافي أن معاوية أحدثه كما تقدم في البداءة بالخطبة، وقال ابن حبيب أول من أحدثه هشام، =
الحديث وغيره يرد على من أخذ بذلك.
[و](1) من غرائب الجيلي (2) حكايته، [وجه](3) أنه يؤذن لها، ووجهٌ آخر أنه يكره فقط.
وكأن سبب تخصيص الفرائض بالأذان، تمييزها به عن النوافل إظهارًا لشرفها.
وأشار بعضهم إلى معنى آخر: وهو أنه لو دعى النبي صلى الله عليه وسلم إليها لَوَجَبَتْ الإِجابة، وذلك منافِ لعدم وجوبها، وهذا حسن كما قال الشيخ (4) تقي الدين بالنسبة إلى من يرى أن صلاة الجماعة فرض على الأعيان.
قال العلماء (5): ويستحب أن يقال فيها: الصلاةَ جامعةً
= وروى ابن المنذر عن أبي قلابة، قال: أول من أحدثه عبد الله بن الزبير وقد وقع في حديث الباب أن ابن عباس أخبره أنه لم يكن يؤذن لها، لكن في رواية يحيى القطان أنه لما ساء ما بينهما أذن -يعني ابن الزبير- وأقام. انظر: مصنف ابن أبي شيبة (14/ 73)، والاستذكار (7/ 14).
(1)
زيادة في ن ب د.
(2)
هما اثنان: جعفر بن باي، أو ابنه باي بن جعفر، وهما من علماء الشافعية. تاريخ بغداد (7/ 135، 136)، وطبقات الشافعية للإِسنوي (1/ 356، 357)، وطبقات الشافعية لابن الصلاح (432، 435).
(3)
في الأصل (وجهه)، وما أثبت من ن ب د.
(4)
انظر: إحكام الأحكام (3/ 170).
(5)
أي النووي كما ذكره في شرح مسلم (6/ 175، 177)، أقول وبالله التوفيق: وهذا لم يقع منه صلى الله عليه وسلم ولا في عصر خلفائه الراشدين.
بنصبهما الأول على الإِغراء، والثاني على الحال، لما روى الشافعي (1) عن الزهري أنه عليه الصلاة والسلام كان يأمر أن ينادى للعيد والاستسقاء:"الصلاة جامعة"(2).
وقال القاضي حسين من أصحابنا: يقول: الصلاةَ، الصلاةَ، فقط.
فلو قال: حي على الصلاة، قال في العدة: هو مندوب.
وقال الدارمي (3) وسليم: مكروه.
وقال أبو الطيب وغيره: لا بأس به.
(1) الأم (1/ 235).
(2)
قال ابن حجر في الفتح (2/ 452): لكن روى الشافعي عن الثقة عن الزهري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن في العيدين أن يقول: "الصلاة جامعة" وهذا مرسل يعضده القياس على صلاة الكسوف لثبوت ذلك -قال الشيخ ابن باز في تعليقه على الفتح- مراسيل الزهري ضعيفة عند أهل العلم، والقياس لا يصح اعتباره مع وجود النص الثابت الدال على أنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العيد أذان ولا إقامة ولا شيء، ومن هنا يعلم أن النداء للعيد بدعة بأي لفظ كان، والله أعلم. اهـ.
أقول: إذا علم هذا يتبين لنا أن ما يجري في المسجد الحرام والمسجد النبوي وغيرهما مما لا نعلمه عند القيام لصلاة العيدين ينبه المؤذن قائلًا: "صلاة العيد أثابكم الله"، فإن هذه بدعة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه الكرام، فإن قولهم هذا بمثابة الإِقامة، وحديث الباب شاهد على ما قلنا، وأيضًا ورد بلفظ عام "لم يكن -أي في صلاة العيدين- أذان ولا إقامة ولا نداء" وفق الله الجميع للفقه في دينه.
(3)
في الروضة (2/ 77)، والمجموع (5/ 15).
وقال النووي في "شرح المهذب"(1): الصواب: أنه خلاف الأولى، ولا بأس: بهلمّوا إلى الصلاة، كما قال في "الروضة"(2).
ونقل ابن الرفعة كراهتها أيضًا عن النص، ولو أذن وأقام كره على النص.
الرابع: قوله: "ثم قام متوكئًا على بلال"، التوكُّؤ: التحامل، والمراد هنا: الميل في قيامه متحاملًا على بلال، فيؤخذ منه القيام في الخطبة، والتوكؤ على شيء، ولو على آدمي، ولا يتعين القوس والْعَصَا، كما قاله الفقهاء، وجواز استعانة العالم بمن هو في خدمته.
الخامس: قوله: "فأمر بتقوى الله" إلى آخره، أما التقوى فأصلها وَقْوَي، لأنها من وقى يقي، فأبدلت الواو تاء كما أُبدلت في تراب ولخمة، والأصل وراب، ووخمة فكأن المتقي يجعل بينه وبين النار وقاية، قالوا: وهي عبارة عن امتثال أمر الله واجتناب نهيه.
قال الغزالي: وكأن الخير كله جمع وجعل تحت هذه الخصلة التي هي التقوى.
وقد قال بعض المريدين لشيخه: أوصني، فقال: أوصيك بما أوصى الله به الأولين والآخرين، وهو قوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} (3)، ولبعضهم:
(1) المجموع (5/ 13، 15)، والحاوي (3/ 113).
(2)
روضة الطالبين (2/ 76، 77).
(3)
سورة النساء: آية 131.
ليس زاد سوى [التقى](1)
…
فخذي منه أو دعي
[فأما](2) الحث فمعناه: حرض، وحرص.
وأما الطاعة: فهي الانقياد للأمر، وأصلها طوعة، لأنها من طاع يطوع إذا انقاد، فقلبت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وهي اسم للمصدر، والمصدر: الطاعة والحث على الطاعة يكون بأمرين:
الأول: بالترغيب في الجزاء عليها.
والثاني: بالترهيب من تركها بفوات ثوابها، وترتب العقاب عليه.
وأما الوعظ: فهو الأمر ومنه قوله تعالى: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ} (3)، أي تأمرون، وقوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} (4)، أي آمركم، وهو النصح أيضًا، والتذكير بالعواقب وعظته وعظًا وعظة واتعظ، أي قبل الموعظة، يقال: السعيد من وعظ بغيره، والشقي من اتعظ به غيره.
وأما التذكير: فيكون بالنعم، ودفع النقم، واستحقاق الله سبحانه الطاعة والتنزيه والتحميد والتوحيد والشكر على ذلك كله، وعلى التوفيق له وهذه المذكورات الأربع هي مقاصد الخطبة، ولا
(1) في الأصل (التقوى)، وما أثبت من ن ب د.
(2)
في ن ب د (وأما).
(3)
سورة الأعراف: آية 164.
(4)
سورة سبأ: آية 46.
شك أن الوصية بالتقوى واجبة في الخطبة الواجبة، لكن لا يتعين لفظها على الصحيح عندنا مع الاتفاق على أن الأولى الإِتيان بلفظها، وما كان واجبًا في مَا هو واجب، هل يكون واجبًا في مَا هو مسنون، فيه أوجه لأصحابنا، أصحها. نعم [فيما](1) يتأدى به الواجب في الخطبة الواجبة يَتأدى به السنَّة في الخطبة المسنونة، ولم يذكر [الراوي](2) في هذا الحديث ذكر الحمد، لأن ذلك معلوم من خطبته صلى الله عليه وسلم.
السادس: قوله: "ثم مضى حتى أتى النساء [فوعظهن وذكّرهن، وقال تصدقن" هذا المعنى إلى النساء] (3) صريح في أنه كان بعد الفراغ من الخطبة، ووقع في رواية لمسلم (4) ما يوهم أنه عليه الصلاة والسلام "نزل من المنبر في أثناء الخطبة، فأتى النساء فوعظهن"، لا بعد الفراغ منها، وقطع القاضي عياض (5) به، وقال: كان ذلك [في أول الإِسلام، وهو خاص به دون غيره وليس كما قال، وقد وقع في مسلم](6) أيضًا من حديث جابر (7) هذا أنه عليه الصلاة والسلام "صلى ثم خطب الناس، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكّرهن".
(1) في الأصل (كما)، والتصحيح من ن ب، وفي ن د (فما).
(2)
في الأصل (الأكثرون)، والتصحيح من ن ب د.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
انظر تخريج حديث الباب.
(5)
إكمال إكمال المعلم (3/ 34).
(6)
في ن ب ساقطة.
(7)
مسلم (885).
السابع: فيه تخصيص النساء بالوعظ والتذكير في مجلس غير مجلس الرجال، إذا لم يترتب عليه مفسدة، وهو حق على الإِمام أن يفعله، كما قاله عطاء، وهو السنَّة، وإن أنكره عليه القاضي.
الثامن: فيه أيضًا حضور النساء في صلاة العيد، وكان هذا في زمنه صلى الله عليه وسلم، حضورهن أيضًا مطلقًا سواء المخبآت وغيرهن، وأما اليوم فلا تخرج الشابة ذات الهيئة، ويخرج غيرها ممن لا هيئة لها، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد كما منعت نساء نبي إسرائيل"(1).
واختلف العلماء من السلف في خروجهن للعيد، فرأى ذلك جماعة حقًّا عليهن، منهم أبو بكر وعلي وابن عمر وغيرهم.
ومنهم من منعهن ذلك، منهم عروة والقاسم، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك وأبو يوسف، وأجازه أبو حنيفة مرة، ومنعه أخرى.
ومنع بعضهم في الشابة دون غيرها، وهو مذهب مالك وأبي يوسف.
قال الطحاوي: [و](2) كان الأمر بخروجهن أول الإِسلام لتكثير
(1) البخاري (869)، ومسلم (445)، وأبو داود (569)، ومالك (15) في القبلة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المساجد، وأحمد (6/ 91، 193، 235)، والبيهقي في الصلاة (3/ 133)، وابن خزيمة (1698).
(2)
في ن ب دساقطة.
المسلمين في أعين العدو، ونازعه غيره [وقال](1) هذا يحتاج إلى تاريخ أيضًا فليس النساء مما يرهب بهن العدو (2).
(1) في ن ب د (فقال).
(2)
قال ابن حجر في الفتح (2/ 350): ويلحق بالطيب ما في معناه، لأن سب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال، وفرق كثير من الفقهاء المالكية وغيرهم بين الشابة وغيرها وفيه نظر، إلَّا إن أخذ الخوف عليها من جهتها لأنها إذا عريت مما ذكر وكانت مستترة حصل الأمن عليها ولا سيما إذا كان ذلك بالليل، وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث وغيره ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وذلك في رواية حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر بلفظ:"لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن"، أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة، ولأحمد والطبراني من حديث أم حميد الساعدية "أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني أحب الصلاة معك، قال: قد علمت، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجد الجماعة"، وإسناد أحمد حسن، وله شاهد من حديث ابن مسعود عند أبي داود، ووجه كون صلاتها في الإِخفاء أفضل تحقق الأمن فيه من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء منه التبرج والزينة، ومن ثم قالت عائشة ما قالت، وتمسك بعضهم بقول عائشة في منع النساء مطلقًا وفيه نظر، إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم لأنها علقتة على شرط لم يوجد بناءً على ظن ظنته، فقالت:"لو رأى لمنع"، فيقال عليه: لم ير ولم يمنع، فاستمر الحكم، =
التاسع: قوله عليه الصلاة والسلام: "تصدقن" فيه الأمر بالصدقة لأهل المعاصي والمخالفات.
العاشرة: فيه التبيه على أن الصدقة من دوافع عذاب جهنم.
الحادي عشر: قوله عليه الصلاة والسلام: "فإنكن أكثر حطب جهنم"، جهنم اسم من أسماء النار أعاذنا الله منها، وقد تقدم
الكلام عليها في الحديث الثالث من باب جامع:
وحطبها: وقودها.
والحصب: في لغة أهل اليمن والحبشة، الحطب، وإنما كُن كذلك لعدم طاعة الله تعالى في أنفسهن وأزواجهن وشكرهن لله تعالى على نعمه.
الثاني عشر: فيه إشارة إلى الإِغلاظ في النصح بالعلة التي تبعث على إزالة العيب أو الذنب الذي يتصف بهما الإِنسان.
الثالث عشر: فيه أيضًا لعناية بذكر ما تشتد الحاجة إليه للمخاطبين.
= حتى أن عائشة لم تصرح بالمنع وإن كان كلامها يشعر بأنها كانت ترى المنع، وأيضًا فقد علم الله سبحانه ما سيحدثن، فما أوحى إلى نبيه بمنعهن، ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى. وأيضًا فالإِحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن، فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثت، والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب لإِشارته صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بمنع التطيب والزينة، وكذلك التقيد بالليل كما سبق.
[الرابع عشر، فيه أيضًا بذل النصيحة لمن يحتاج إليها والسعي فيها إليه](1).
[الخامس عشر (2)]: قوله: "فقامت امرأة من سطة النساء"(3) هذه المرأة لا أعلم من سماها بعد البحث عنها.
والسِطَة: بكسر السين المهملة، وفتح الطاء المخففة وأصل هذه اللفظة من الوسط الذي هو الخيار (4).
ووقع في بعض نسخ مسلم (5)"من وَاسِطَة النساء"، يقال: فلان (6) من أوسَاط قومه، وَوَاسِطَة قومه ووسط قومه، وقد
(1) زيادة من ن ب د مع اختلاف، في ن ب د (والسعي إليه فيها).
(2)
في الأصل (الرابع عشر)، والتصحيح من ن ب د.
(3)
في ن د حاشية قد يقال قوله "من سطة النساء" أي في الصورة لا الدين لأنهن دينات.
(4)
في ن د حاشية ومنه قوله تعالى: {أُمَّةً وَسَطًا} أي خيارًا عدولًا.
(5)
انظر التعليق على مسلم (ص 603)، طبعة عبد الباقي، حيث قال:"من سطة النساء"، هكذا هو في جميع النسخ: سِطة، وفي بعض النسخ.
واسطة النساء. قال القاضي: معناه من خِيارهن. والوسط العدل والخيار.
(6)
قال في المعلم (1/ 478): قيل في تفسيره قوله تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} أي أعدلهم وخيرهم، ومنه قوله تعالى:{أُمَّةً وَسَطًا} أي عدلأ خيار. ويقال: فلان من أوسط قومه وإنه لواسطة قومه ووسط قومه، أي من خيارهم رمن أهل الحسب فيهم، وقد وسط وساطة وسطة. وقول الله تعالى:{فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)} أي فتوسط المكان، يقال: وسط البيوت يسطها، إذا نزل في وسطها.
فائدة: قال السهيلي -رحمنا الله وإياه- في الروض الأنف (1/ 212)، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= معنى السطة. والوسط: وقول خديجة رضي الله عنها: إنها لطتك في عشيرتك، وقوله في وصفها: هي أوسط قريش نسبًا. فالسطة: من الوسط، مصدر كالعدة والزنة، والوسط من أوصاف المدح والتفضيل، ولكن في مقامين: في ذكر النسب، وفي ذكر الشهادة. أما النسب، فلأن أوسط القبيلة أعرفها، وأولاها بالصميم وأبعدها عن الأطراف والوسيط، وأجدر أن لا تضاف إليه الدعوة؛ لأن الآباء والأمهات قد أحاطوا به من كل جانب، فكان الوسط من أجل هذا مدحًا في النسب بهذا السبب. وأما الشهادة نحو قوله سبحانه:{قَالَ أَوْسَطُهُمْ} ، وقوله:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} فكان هذا مدحًا في الشهادة؛ لأنها غاية
العدالة في الشاهد أن يكون وسطًا كالميزان، لا يميل مع أحد، بل يصمم على الحق تصميمًا، لا يجذبه هوى، ولا يميل به دعية، ولا رهبة، من ها هنا، ولا من ها هنا، فكان وصفه بالوسط غاية في التزكية والتعديل، وظن غير من الناس أن معنى الأوسط: الأفضل على الإِطلاق، وقالوا: معنى الصلاة الوسطى: الفضلى، وليس كذلك، بل هو في جميع الأوصاف لا مدح ولا ذم، كما يقتضي لفظ التوسط، فإذا كان وسطًا في السمن، فهي بين المحجة والعجفاء، والوسط في الجمال بين الحسناء والشوهاء، إلى غير ذلك من الأوصاف لا يعطي مدحًا، ولا ذمًا، غير الفهم قد قالوا في المثل: أثقل من مغني وسط على الذم؛ لأن المغني إن كان مجيدًا جدًا أمتع وأطرب، وإن كان باردًا جدًا أضحك وألهى، وذلك أيضًا مما يمتع. قال الجاحظ: وإنما الكرب الذي يجثم على القلوب، ويأخذ بالأنفاس، الغناء الفاتر الوسط الذي لا يمتع بحسن، ولا يضحك بلهو، وإذا ثبت هذا فلا يجوز أن يقال في رسول الله صلى الله عليه وسلم هو: أوسط الناس. أي: أفضلهم، ولا يوصف بأنه وسط في العلم، ولا في الجود، ولا في غير ذلك إلَّا في النسب والشهادة، كما تقدم، والحمد لله، والله =
وُسط [(1)] وسَاطة وسطِة، ويقال وسطت القوم أسَطهم وسطًا [وسطة](2)، أي توسطتهم.
قال القاضي عياض (3): معنى هذه اللفظة: الخيار، أي من خيار النساء.
والوَسَط: العدل، والخيار، قال: وزعم بعض الفضلاء الحذاق: أن الرواية فيها تصحيف وتغيير من بعض رواة صحيح مسلم، وأن الأصل في الرواية:"من سفلة النساء"، فاختلطت الفاء باللام فصارت طاء، ويؤيد ذلك رواية ابن أبي شيبة والنسائي (4)"من سفلة النساء".
وفي رواية لابن أبي شيبة (5): "فقامت امرأة ليست من علية النساء"، وهذا ضد التفسير الأول ويعضده قوله: "بعده [سفعاء](6)
= المحمود. اهـ.
(1)
في ن ب زيادة (واسط).
(2)
في ن ب (وسيطة).
(3)
انظر: مشارق الأنوار (2/ 214). إكمال إكمال المعلم (3/ 35).
(4)
النسائي (3/ 186). قال السيوطي في شرحه على النسائي على قوله: "فقالت امرأة من سفلة النساء" بالفاء. قال القاضي عياض: زعم شيوخنا أن هذه الرواية هي الصواب. وكذا في مصنف ابن أبي شيبة والذي في الصحيح من "ثبطة النساء" بالطاء تصحيف ويؤيده أن في رواية أخرى "فقامت امراة ليست من علية النساء".
(5)
ابن أبي شيبة (3/ 110).
(6)
في الأصل (سعفاء)، وما أثبت من ن ب د.
الخدين" وأقره على ذلك القرطبي (1).
وقال الفاكهي: الأظهر عندي ما قاله القاضي.
وأما النووي (2): فقال هذا الذي ادعوه من تغيير الكلمة غير مقبول، بل هي صحيحة، وليس المراد بها خيار النساء كما فسَّره
القاضي، بل المراد: امرأة في [وسط](3) النساء جالسة في وسطهن.
قال الجوهري (4) وغيره من أهل اللغة: يقال: [وسط](5) القوم أسَطهم وسطًا [وسِطة](6)، أي توسطتهم. وقد أسلفت ذلك.
فالحاصل من تفسير هذه اللفظة ثلاثة أشياء:
خيار النساء.
(1) في المفهم (3/ 1487).
(2)
انظر: شرح مسلم (6/ 175).
(3)
في الأصل (سطة)، وما أثبت من ن ب د وشرح مسلم.
(4)
انظر: مختار الصحاح (299).
(5)
في الأصل (وسطت)، وما أثبت من ن ب ومختار الصحاح، فإذا قلت: جلستُ وسْط القومِ بالتسكين لأنه ظرف. وإذا قلت جلست في وسَطَ الدار بالتحريك لأنه اسم وكل موضع يصلح فيه بين فهو وسَطَ الدار بالتحريك وربما سكن وليس بالوجه. انظر: الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري (253).
(6)
في ن ب (وسيطة).
وسفِلة النساء.
وجالسةً في وسطهن.
السادس عشر: قوله: "سُفَعاء الخدين" هو -بضم السين وفتحها- حكاهما صاحب المطالع، قال: وهو شحوب وسواد في الوجه.
وفي البارع والصحاح: هو سواد الخدين من المرأة الشاحبة.
وقال الأصمعي: هو حمرة يعلوها سواد.
وقال الشيخ تقي الدين (1) الأسفع، والسفعاء: من أصاب خده لون يخالف لونه الأصلي، من سواد أو حمرة أو غيره (2).
السابع عشر: "الشكاة" -بفتح الشين- الشكوى، وألفها منقلبة عن واو، كالصلاة والزكاة، والشكاة والشكاية كله بمعنى واحد، أي يكتمن الإِحسان، ويظهرن الشكوى، ولا شك أن الشكاية جائزة إذا اضطرت إليها، فإذا أكثرت منها دل ذلك على عدم الرضا
بقضاء الله تعالى، فاقتضى دخول النار.
(1) انظر: إحكام الأحكام (3/ 173).
(2)
قال في المعلم (1/ 479): وأما "سفعاء الخدين" فإن الهروي فسر قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر أنا وسفعاء الخدين كهاتين "يوم القيامة". أراد أنها بذلت تناصف وجهها، أي محاسن وجهها حتى اسودت إقامة على ولدها بعد وفاة زوجها فلا تضيعهم. والأسفع: الثور الوحشي الذي في خده سواد. وفي حديث النخعي "ولقيت غلام أسفع أحوى". قال القتبي: الأسفع الذي أصاب خده لون يخالف سائر لونه من سراد.
قال الشيخ تقي الدين (1): وهذا السبب في الشكاية: يجوز [أن يكون راجعًا إلى ما يتعلق بالزوج، وجحد حقه.
ويجوز أن يكون راجعًا] (2) إلى ما يتعلق بالله تعالى من عدم شكره، والاستكانة لقضائه.
قال الفاكهي: والأول أظهر، لأن الشكاية لله غير مختصة بالنساء.
الثامن عشر: "العشير"، قال أهل اللغة: هو المعاشر والمخالط. ومعناه هنا: عند الأكثرين: الزوج، وهو معدول عن اسم الفاعل للمبالغة.
وقيل: هو كل مخالط، وقد أحسن الحريري رحمه الله، حيث قال: وأفي (3) العشير وإن لم يوافِ بالعشير.
أراد بالأول المعاشر، وبالثاني العشر، فإنه يقال عشر وعشير و [معشار](4) بمعنى.
(1) انظر: إحكام الأحكام (3/ 173).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
وأفي للعشير، وإن لم يكافىء بالعشير. قال الشارح:(أفي للعشير) أعامل الصاحب بالوفاء (وإن لم يكافىء بالعشير)، يجازي بالعشير، من فعلي. والمكافأة المواساة. من شرح مقامات الحريري، لأبي العباس أحمد بن عبد المؤمن القيسي الشريشي: الجزء الأول (ص 80) بإشراف محمد عبد المنعم خفاجي: الطبعة الأولى (المقامة الرابعة).
(4)
في ن ب ساقطة.
وقال الخليل: هو العشير [والشعير](1) على القلب.
التاسع عشر: معنى "الكفر" هنا: جحد الإِحسان لضعف عقلهن، وقلة معرفتهن، فإن الزوج قوّام على المرأة بالنفقة والكسوة والسكنى، وغض بصرها عن المحارم، وقيام حرمتها به وسترها، وقد بين [الله](2) ذلك، في كتابه، فقال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ
…
} (3) الآية.
واعلم أن الكفر عند الإِطلاق لا يطلق إلَّا على الكفر المنافي للإِسلام، وقد يطلق على الكفر المنافي لكماله، لقصد التنبيه على عظم قبحه شرعًا وعادة، لا للخروج من الإِسلام.
العشرون: في الحديث سؤال الواعظ والمذكر حال وعظه وتذكيره عما يلبس عليه من العلم وما لا يعلمه.
الحادي والعشرون: فيه أيضًا مباشرة المرأة المفتي بالسؤال خصوصًا بحضرة النساء.
الثاني والعشرون: فيه أيضًا سؤال المستفتين للعالم عن العلم للنساء وغيرهم.
[الثالث والعشرون: فيه أيضًا جواز كشف المرأة وجهها إذا كانت غير جميلة للاستفتاء بحضرة الرجال والنساء، وقد جوّز الفقهاء
(1) في ن ب (العشير). قال الخليل: يقال: هذا عشيرك وشعيرك على القلب.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
سورة النساء: آية 34.
كشف وجه المرأة مطلقًا للشهادة عليها (1)] (2).
(1) قال ابن جرير الطبري (18/ 117) في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، قال: الثياب، وإسناده صحيح.
وقال ابن كثير على هذه الآية: أي لا يظهرن شيئًا من الزينة للأجانب إلَّا ما لا يمكن إخفاؤه. قال ابن مسعود: كالرداء والثياب. يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها. وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه، لأن هذا لا يمكن إخفاؤه.
وقال ابن عطية: "ويظهر ليس بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألَّا تبدي وأن تجتهد في الإِخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن، ونحو ذلك، فما ظهر على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه".
وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية في تفسير سورة النور "فما ظهر من الزينة هو الثياب الظاهرة، فهذا لا جناح عليها في إبدائه -إذا لم يكن هناك محذور آخر- فإن هذا لا بد من إبدائها وهذا قول ابن مسعود وغيره وهو المشهور عن أحمد، وأما من قال: إن المراد بقوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} الوجه والكفان وهو بعض بدن المرأة، واستدل بالآية على جواز كشفهما فهذا قول لا ينبغي حمل الآية عليه لأن الله تعالى قال: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ولم يقل "إلَّا ما أظهرن منها" وبين الجملتين فرق فإن قوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يفيد أنه ظهر بنفسه من غير قصد، وهذا بخلاف ما يتعمد الإِنسان إظهاره، فإظهار الوجه والكفين عمدًا لا ينطبق عليه قوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} إلَّا لو كانت الآية "إلَّا ما أظهرن منها"، وعلى هذا فلا يصح ان يرجع الخلاف ليس وجوب ستر الوجه والكفين أو عدم الوجوب إلى الآية، وإنما برجع ذلك إلى السنة، لما علمنا أن حمل الآية على ذلك خلاف الظاهر، ولأنه جاءت نصوص الكتاب والسنة تحريم كشف الوجه. والله أعلم.
(2)
في ن ب ساقطة، مع تقديم بعض الأوجه بعضها على بعض.
الرابع والعشرون: فيه شكر الإِحسان وأهله.
الخامس والعشرون: فيه الصبر، وعدم الشكاية إلى المخلوقين، وقد أمر الله (1) تعالى بالصبر في غير آية، وحث عليه، وأن يكون جميلًا، وهو الذي لا شكوى فيه ولا جزع، وقد حث الشرع على إنزال الحوائج بالله دون غيره، وأَنَّ إنزالها بالله سبب لحصولها وأَنَّ إنزالها بالمخلوقين سبب لفواتها.
السادس والعشرون: فيه أيضًا تحريم كفران النعم، سواء كانت من مفضول أو فاضل، لأنه جُعل سببًا لدخول النار، وقد صح أنه
عليه الصلاة والسلام قال: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"(2).
السابع والعشرون: فيه التنبيه على شكر الله، والثناء عليه، فإنه تعالى خلق الأسباب والمسببات، والهادي لأحسنها، والصارف لسيئها ولا شك أن ذكر النعم والتحدث بها شكرها بالنسبة إليه سبحانه وتعالى، وأمَّا بالنسبة إلى الآدميين فبالمكافأة عليها إن قدر،
وإلَّا فالثناء على صاحبها والدعاء له، وأما التحدث بها فإن علم أن صاحبها يؤثر التحدث بها وذكرها أمسك عنها. وإن علم أنه يكره ذلك فعلها، وينبغي أن يكون مع ذلك مقصود شرعي من التنبيه على
(1) في ن ب د زيادة (سبحانه).
(2)
أبو داود (4811) في الأدب، باب: شكر المعروف، والترمذي (1955) في البر والصلة، باب: ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك، والبغوي (3610)، باب: شكر المعروف.
مثل فعل المنعم، والاقتداء به في الإِحسان، وحكم المكافأة في الثناء عليه والذكر.
الثامن والعشرون: فيه التنبيه على الأعلى بالأدنى، فإنه إذا كان بالشكاية وكفر الإِحسان فاعلهما من أهل النار، فكيف بمن ترك الصلاة، وقذف [المحصنات](1)، ورماهم بالكفر والبهتان.
التاسع والعشرون: "الحلي": جمع، والمفرد حلي، وهو بضم الماء المهملة وكسرها، والضم أشهر وأكثر. وقد قرئ بهما في السبع، وأكثر القراء على الضم، والسلام مكسور، والياء مشددة فيهما.
الثلاثون: "الأقرطة": جمع قرط، قال ابن دريد: كل ما علق [في](2) شحمة الأذن فهو قرط، سواء كان من شهبة أو حرز (3).
وأما الخرص: فهو الحلقة الصغيرة من الحلى (4).
قال القاضي (5): قيل: الصواب "قرطهن" بحذف الألف وهو
(1) في ن ب د (المؤمنين).
(2)
في ن د ساقطة.
(3)
ذكره في مشارق الأنوار (2/ 178).
(4)
وهو بضم الخاء وكسرها: الحلقة من الذهب والفضة.
(5)
قال القاضي في مشارق الأنوار (2/ 118) على قوله: "فجعل النساء يلقين من أقرطتهن". كذا جاءت الرواية. قال بعضهم: والصواب "قرطتهن" جمع قرط قالوا: ويجمع القرط قرطة وأقراطًا وقراطًا وقروطًا ولم يذكروا قرطة
…
إلخ وقد ذكر هنا.
المعروف في جمع قرط كجرح وجرحه، ويقال: في جمعه قراط كرمح ورماح، وقيل: في جمع قرط قروط، حكاه القرطبي (1).
قال القاضي: ولا يبعد صحة أقرطة، ويكون جمع الجمع أي يكون أقرطة جمع قراط، لا سيما وقد صح في الحديث.
الحادي والثلاثون: قد يستأنس بما ذكرناه من تفسير القرط لمسألة مهمة، وهي تنقيب الأذان، وفيها اختلاف للعلماء.
قال الغزالي: هو حرام لأنه جرح لم تَدْعُ الحاجةُ إليه، وبالغ فيه مبالغة شديدة. قال إلَّا أن يثبت فيه من جهة النقل رخصة، ولم يبلغنا. لكنه قال في "بسيطه"، في زكاة النقدين: وأما ما يختص بالنساء، فالتحلي للأزواج جائز لهن في [المعاصم](2) والمخانق والأذان، وما يعتاد فيه من السوار، والخلخال، وغيره.
فقوله: والأذان فيه مخالفة لما ذكره في "الإِحياء".
وقال صاحب "الرعاية"(3) الحنبلي: يجوز ثقب أذن الصبية للزينة، ويكره ثقب أذن الصبي.
وقال قاضي خان الحنفي في "فتاويه": لا بأس بتثقيب أذن الصبية، لأنهم كانوا يفعلونه في الجاهلية، ولم ينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) المفهم (3/ 1492).
(2)
في ن ب (معاجم).
(3)
ص (9/ أ) مخطوط.
الثاني والثلاثون: "الخواتيم"، جمع خاتم وفيه ست لغات: فتح التاء وكسرها وخاتام وخِيتام وخِتام وخَتَم والخاتم (1).
والقرط: من أنواع الحلى مأخوذ من الحلية وهي الزينة، وفي رواية في الصحيح:"فجعلن يلقين الفَتَخَ والخواتم".
والفتخ: -بفتح الفاء والتاء المثناة فوق وبالخاء المعجمة- واحدها فتخة.
واختلف في تفسيرها: ففي البخاري عن عبد الرزاق، قال: هي الخواتيم العظام، وقال الأصمعي: هي خواتيم لا فصوص لها.
وقال ابن السكيت (2): خواتيم تلبس في أصابع اليد.
قال ثعلب (3): وقد تكون في أصابع الواحد من الرجل.
قال ابن دريد: وقد يكون لها فصوص، وتجمع أيضًا فتخات وأفتاخ.
الثالث والثلاثون: في الحديث جواز طلب الصدقة للفقراء من الأغنياء عند الحاجة كما استنبطه الصوفية.
(1) قال في لسان العرب الخاتم هو ما يوضع على الطينة ليختم به، قال: وكأنه أول وهلة ختم به فدخل في باب الطابع ثم كثر استعماله وإن أُعد لغير الطبع وفيه تسع لغات: انظر: لسان العرب (1/ 11)، وتاج العروس (8/ 266، 267).
(2)
انظر: كنز الحفاظ في ترتيب الألفاظ (655)، وانظر ما يأتي في شرح مسلم (6/ 173). ذكره في المفهم (3/ 1483).
(3)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 35).
قال الشيخ تقي الدين (1): وهو حسن بالشرط المذكور.
الرابع والثلاثون: فيه أيضًا جواز تصرف المرأة في مالها وحليها بالصدقة وغيرها بغير إذن زوجها، وقد منعه مالك فيما زاد على الثلث إلَّا برضى زوجها، والجمهور على جوازه، لأنه عليه الصلاة والسلام حث النساء عليها وفعلنَها من غير تقييد بإذن زوج، فدل على الجواز.
وأجاب بعض المالكية عن ذلك: بأنهن تصدقن بحضرة أزواجِهِنَّ فإنه الغالب، ولعله لم يفعلن ذلك فيما زاد على الثلث، وهو ضعيف أو باطل، لأن فعلهن ذلك كان في غيبة أزواجهن وهن معتزلات عنهن في حضرته عليه الصلاة والسلام.
وقال الشيخ تقي الدين (2): من أجاز الصدقة مطلقًا من غير تقييد بمقدار معين، فلا بدَّ له من أمر زائد على هذا يقرر به العموم في جواز الصدقة، وكذا من خصص بمقدار معين، فإن الحديث دال على [الجواز](3) من حيث الجملة.
الخامس والثلاثون: فيه أيضًا أنه ينبغي للإِمام إذا لم يكن في بيت المال شيء من مال أو متاع أو عقار أن يطلب الصدقة للمحتاجين، ويقيم من يتطوع بجمعها لهم، وكذلك كبير القوم يفعل إذا دعت إلى ذلك حاجة أو ضرورة.
(1) انظر: إحكام الأحكام (3/ 174).
(2)
انظر: إحكام الأحكام (3/ 174)، وانظر: تعقب النووي في شرح مسلم (6/ 173).
(3)
في ن ب (جواز).
السادس والثلاثون: فيه أيضًا المبادرة إلى فعل الخيرات والمسارعة إليها.
السابع والثلاثون: فيه أيضًا الصدقة بجميع أنواع المال وإن كان المتصدق محتاجًا إلى ما يتصدق به.
الثامن والثلاثون: فيه أيضًا منقبة ظاهرة للنساء المتصدقات ورفع مقامهن في الدين، وامتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم مع أنهن ضعيفات عن التكسب غالبًا، وتحصيلُ الأموال والشحُّ فيهن أغلب من الرجال.
التاسع والثلاثون: فيه أيضًا أن النساء إذا حضرنَ صلاة الرجال أو مجامعهن يكن بمعزل عنهم خوفًا من فتنة أو نظرة أو فكر ونحوه،
وهذا كان ينبغي تقديمه قبل الوجه التاسع.
الأربعون: فيه أيضًا أن صدقة التطوع لا تحتاج إلى إيجاب وقبول، بل يكفي فيها المعاطاة، لأنهن ألقين الصدقة في ثوب بلال من غير [كلام منهن](1)، ولا من بلال، ولا [من](2) غيره، وهذا هو الصحيح عندنا، وبه جزم المحققون، وقال: أكثر أصحابنا العراقيون كما حكاه النووي عنهم في "شرح مسلم"(3)، يفتقر إلى إيجاب وقبول باللفظ كالهبة.
(1) في ن ب (كلامهن).
(2)
في ن ب د ساقطة.
(3)
في شرح مسلم (6/ 173).
الحادي و [الثاني](1) والأربعون: قيل فيه وجوب الصدقة في الحلي، وجواز تقديم الزكاة إذْ لم يسئلهن عن حلولها، وفيه نظر الظاهر أنها صدقة تطوع، ولذلك قال بعضهم: فيه حجة أنه لا زكاة فيه، لقوله في رواية:"ولو من حليكن"، ولا يقال هذا في الواجب.
الثالث والأربعون: فيه حجة لمن يرى جواز فعل البكر وفيه نظر، إذ لم يأت فيه عن بكر أنها تصدقت معهن، ولا حضرت ذلك المشهد، نعم في الحديث الآتي ما يشعر بحضورهن كما ستعلمه.
(1) في ن ب ساقطة.