الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني عشر
268/ 12/ 32 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) "(2). قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً.
الكلام عليه من أربعة عشر وجهاً:
أحدها: قولها أنه عليه الصلاة والسلام قال: "في مرضه
(1) البخاري (435، 1330، 1390، 3453، 4443، 5815) من رواية عائشة، ومن رواية ابن عباس (436)، ومسلم (529، 531)، وأبو عوانة (1/ 399)، والنسائي (2/ 40، 41)، والبغوي (3825)، والبيهقي في السنن (4/ 80)، والدلائل (7/ 207)، وأحمد (1/ 218/ 6/ 34، 121، 228، 229، 255، 275)، وابن حبان (6619)، والدارمي (1/ 326)، وعبد الرزاق (1588، 9754).
(2)
في البخاري زيادة بعد المتن "يحذر ما صنعوا"، وفي ابن حبان "قال: تقول عائشة: يحذرهم مثل الذين صنعوا". قال في فتح المجيد (233): الظاهر أن هذا من كلام عائشة رضي الله عنها، وأيضاً في فتح الباري (1/ 532).
الذي لم يقم منه" فيه تنبيه على كانت الصحابة تعتمده من الأخذ [بالآخر](1) من قوله وفعله، فنبهت على أن ذلك ليس من أمره المتقدم، بل هو من المتأخر عند موته، وكذا حديث جندب الذي قدمناه في الحديث قبله.
ثانيها: "اللعن" هو الطرد والإِبعاد.
فاللعنة: من العباد الطرد ومن الله العذاب والإِبعاد من الرحمة (2).
ثالثها: فيه: لعن اليهود والنصارى غير المعينين وهو إجماع سواء أكان لهم ذمة أم لم يكن لجحودهم الحق وعداوتهم الدين وأهله. واختلف في لعن المعين منهم (3) والجمهور على المنع لأن
(1) في ن ب (بالأمرين).
(2)
انظر: تيسير العزيز الحميد (156)، ومثله في فتح المجيد (145).
(3)
قال شيخ الإِسلام رحمه الله ما معناه: إن الله -تعالى- يلعن من استحق اللعنة بالقول كما يصلي -سبحانه- على من استحق الصلاة من عباده. اهـ، من فتح المجيد (145).
قال في تيسير العزيز الحميد (159): وفي الحديث دليل على جواز لعن أنواع الفساق، كقوله:"لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه"، ونحو ذلك: فأما لعن الفاسق المعين ففيه قولان: ذكرهما شيخ الإِسلام، أحدهما: أنه جائز، اختاره ابن الجوزي وغيره. والثاني: لا يجوز، اختاره أبو بكر بن عبد العزيز وشيخ الإِسلام، قال: والمعروف عن أحمد كراهة لعن المعين كالحجاج وأمثاله، وأن يقول كما قال الله:"ألا لعنة الله على الظالمين".
حاله عند الوفاة لا تعلم، وقد شرط الله في ذلك الوفاة على الكفر بقوله:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ} (1)، وأما ما روي أنه عليه الصلاة والسلام لعن قوماً بأعيانهم من الكفار إنما كان ذلك لعلمه بمآلهم.
قال ابن العربي: والصحيح عندي الجواز، لظاهر حاله ولجواز قتله وقتاله. قال: وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اللهم إن عمرو بن العاص هجاني وقد علم أني لست بشاعر فالعنه واهجه عدد ما هجاني"(2) فلعنه وإن كان الإِيمان والإِسلام مآله، وأنصف بقوله: عدد ما هجاني ولم يزد ليُعلم العدل والإِنصاف، وأضاف [الهجو](3) إلى الله -تعالى- في باب الجزاء (4) دون الابتداء بالوصف بذلك، كما يضاف إليه المكر والاستهزاء والخديعة -سبحانه- عما يقول الظالمون علوًّا كبيراً.
ويباح لعن كل من جاهر بالمعاصي كشراب الخمر وأكلة الربا
(1) سورة البقرة: آية 161.
(2)
العلل لابن أبي حاتم (2/ 263)، قال أبي: هذا حديث خطأ، إنما يروونه عن عدي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً بلا براء. واللفظ ليس فيه تعيين عمرو، إنما هو مبهم.
(3)
في ن ب (الهجر).
(4)
قال الشيخ عبد العزيز السلمان في الكواشف الجلية (267): وأما تسميته مكراً وكيداً فقيل من باب المقابلة نحو "وجزاء سيئة سيئة مثلها"، وقوله:"وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به"، وقيل: إنه على بابه فإن المكر إظهار أمر وإخفاء خلافه ليتوصل به إلى مراده
…
إلخ كلامه.
والظلمة والسراق والمصورين والزناة، ومن يتشبه من النساء بالرجال وعكسه إلى غير ذلك مما ورد في الحديث لعنه.
قال بعض المتأخرين من المالكية: وليس لعن الكافر بطريق الزجر له عن الكفر، بل هو جزاء على [الكفر](1) وإظهار قبح كفره، سواء كان الكافر ميتاً أو مجنوناً.
وقال قوم من السلف: لا فائدة في لعن من جن أو مات منهم لا بطريق الجزاء ولا بطريق الزجر، فإنه لا يتأثر به.
وأما لعن العاصي المعين فادعى ابن العربي: أنه لا يجوز لعنه اتفاقاً للحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام أتي بشارب مراراً فقال بعض من حضر: "لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به. فقال عليه الصلاة والسلام: لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم"(2) فجعل له حرمة الأخوة، وهذا يوجب الشفقة.
وأما القرطبي: فحكى خلافاً فيه في "جامعه"(3) قال: وإنما قال عليه الصلاة والسلام: "لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم" في حق النعيمان بعد إقامة الحد عليه، ومن أقيم عليه حد الله
(1) في الأصل (الله)، والتصحيح من ن ب د.
(2)
البخاري (6777، 6781)، وأبو داود (4477) في الحدود، باب: الحد في الخمر، ومطولاً (4478)، والنسائي في "الكبرى"، وكما في التحفة (10/ 474)، وابن حبان (5730)، وأحمد (2/ 299، 300)، والبيهقي (8/ 312)، والبغوي (2607).
(3)
الجامع لأحكام القرآن (2/ 189).
فلا ينبغي لعنه، ومن لم يقم عليه فلعنه جائز، سواء سمي أو عين أم لا، لأنه عليه الصلاة والسلام لا يلعن إلَّا من تجب عليه اللعنة ما دام على تلك الحالة الموجبة للعنة، وإذا تاب منها وأقلع وطهره الحد فلا لعنة تتوجه عليه، ومن هذا قوله عليه الصلاة والسلام:" إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب"(1)، فدل هذا الحديث مع صحته على أن التثريب واللعن إنما يكونا قبل أخذ الحد وقبل التوبة.
قال ابن العربي: وأما لعن العاصي أي غير المعين فيجوز إجماعاً، لأنه عليه الصلاة والسلام قال:"لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع [فيها] (2) يده"(3).
فائدة: حكى أبو جعفر النحاس عن بعض العلماء أنه قال: إذا لعن الإِنسان من لا يستحق اللعن، فليبادر بقوله إلَّا أن يكون لا يستحق.
رابعها: "اليهود" أصله: اليهوديون ولكنهم حذفوا ياء الإِضافة كما قالوا: زنجي وزنج.
(1) البخاري (2152، 2234، 6839)، ومسلم (1703)، وأبو داود في الحدود، باب: في الأمة تزني ولم تحصن (4470، 4471).
(2)
في ن ب د ساقطة.
(3)
البخاري (6783، 6799)، ومسلم (1687)، والنسائي (8/ 65)، وابن ماجه (2583)، وابن حبان (5748)، وأحمد (2/ 253)، والبغوي (2597، 2598)، والبيهقي (8/ 253).
قال الجوهري: وإنما أعرب على هذا الحد فجمع على قياس شعيرة وشعير ثم عُرّف الجمع بالألف واللام، ولولا ذلك لم يجز دخول الألف واللام، لأنه معرفة مؤنث يجري مجرى القبيلة، ولم يجعل كالحي.
وأما النصراني: فجمع: نصران [ونصرانية](1) مثل الندامى جمع ندمان، وندمانة، ولكن لم يستعمل نصران إلَّا بياء النسب لأنهم قالوا: رجل نصراني وامرأة نصرانية (2).
خامسها: "اتخذ" افتعل من تخذ وهو تارة يتعدى إلى مفعول واحد كقوله: اتخذت داراً. وتارة إلى مفعولين كما في هذا الحديث ومنه قوله -تعالى-: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} (3).
سادسها: في الحديث دليل على امتناع اتخاذ قبر الرسول صلى الله عليه وسلم مسجداً، فلا يجوز أن يصلى على قبره بعد دفنه، لأنه لم ينقل فعلها عن أحد من السلف والخلف (4).
(1) في ن ب د (ونصرانه).
(2)
انظر: مختار الصحاح (277).
(3)
سورة النساء: آية 125.
(4)
قال الصنعاني رحمه الله عليه- في حاشيته (3/ 262): قوله: "بعدم صلاة المسلمين على قبره"، أقول: قد صلى عليه المسلمون صلاة الجنازة وهو في منزله، والصلاة بعد الدفن فيمن قد صلى عليه ليست بواجبة فما تركها دليل على شيء، سيما وقد كان دفنه في منزله وعند زوجه فاحترموا الدخول لذلك وما تركوا واجباً، والذي يظهر -والله أعلم- أن الصلاة على القبر أي صلاة الجنازة لا يدخل القبر بها تحت مسمى اتخاذه مسجداً =
وقال أبو الوليد النيسابوري من الشافعية: يجوز الصلاة على قبره فرادى لا جماعة. وحمل النهي على الصلاة جماعة، وكان أبو الوليد (1) يقول: أنا اليوم أصلي على
= لا لغة ولا عرفاً، ولأنه صلى الله عليه وسلم صلى على القبر كما تقدم، وقد لعن اليهود والنصارى لاتخاذ قبور الأنبياء مساجد، وذكر أن شرار خلق الله من بنى على قبور الصالحين مساجد، فلو كانت صلاة الجنازة على القبر يصير بها متخذها مسجداً لما فعله صلى الله عليه وسلم ولا صلى على قبر ولا يقال إنه لما لعن من اتخذ قبور الأنبياء عليهم السلام مساجد ولم يصل صلى الله عليه وسلم إلا على رجل من أمته أو امرأة، لأنا نقول إذا كان يذم من اتخذ قبر النبي عليه السلام مسجداً فأولى من اتخذ قبر غير النبي مسجداً، ولأنه صلى الله عليه وسلم قد ذكر غير الأنبياء وهم الصالحون ومن صلى عليه صلى الله عليه وسلم بعد دفنه فهو صالح قطعاً فيكون صلى الله عليه وسلم متخذاً لقبره بصلاة الجنازة عليه مسجداً، هذا لا يقوله أحد. اهـ.
(1)
هو حسان بن محمد بن أحمد النيسابوري أحد أئمة الشافعية: ترجمته في الأعلام (2/ 190)، وطبقات الشافعية للسبكي (2/ 191)، والبداية والنهاية (11/ 236)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 126)، وطبقات الشافعية لابن الصلاح (691)، وتهذيب النووي. قال النووي فيها: ومن غرائبه تجويزه الصلاة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فُرادى. اهـ، وأيضاً في طبقات ابن قاضي شهبة.
قال ابن كثير -رحمنا الله وإياه- في البداية والنهاية (5/ 266): وقد اختلف المتأخرون من أصحاب الشافعي في مشروعية الصلاة على قبره لغير الصحابة، فقيل: نعم لأن جسده عليه السلام طرى في قبره، لأن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، كما ورد بذلك الحديث في السنن وغيرها، فهو كالميت اليوم، وقال آخرون: لا يفعل =
[قبور](1) الأنبياء والصالحين. وقطع بهذا الوجه القاضي أبو الطيب والمحاملي، ورجحه الشيخ أبو حامد، وحكاه الإِمام عن الشيخ أبي علي قال: وهذا القائل يحمل المنع من اتخاذ القبر مسجداً على إقامة الجماعة، وينزل القبر في ذلك منزلة المساجد المهيأة للجماعة.
وعبارة الشيخ تقي الدين (2) في حكاية هذا الوجه: أجاز بعض الناس الصلاة على قبره كجوازها على غيره عنده، وهو ضعيف لتطابق المسلمين على خلافه، ولإِشعار الحديث بالمنع منه، فإن كان ما حكاه الشيخ تقي الدين هو قول أبي علي وأبي الوليد والظاهر أنه هو فلا كلام [وإلَّا](3) فهو رأي ثالث، لأنه أطلق حكايته ولم يخصه بجماعة ولا غيرها، وفهم بعض شراح هذا الكتاب أن ذلك وجهاً في المذهب، فصرح به وفيه إطلاق فاعلمه.
وعبارة ابن الرفعة: فيما أظن أن من قال بالجواز: هل يجوزه جماعة أو فرادى؟ سكت الجمهور عن ذلك، ثم ذكر مقالة أبي علي وأبي الوليد (4).
= لأن السلف من بعد الصحابة لم يفعلوه، ولو كان مشروعاً لبادروا إليه ولثابروا عليه، والله أعلم. اهـ.
(1)
في ن ب (قبر).
(2)
انظر: إحكام الأحكام (3/ 262).
(3)
زيادة من ن ب د.
(4)
قال شيخ الإِسلام -رحمه الله تعالى-: ما علمت أحداً رخص فيه، لأن ذلك نوع من اتخاذه عيداً، ويدل أيضاً على أن قصد القبر للسلام إذا دخل =
[سابعها](1): أما الدعاء عند قبره فلم يزل السلف والخلف يفعلونه ويتوسلون إلى الله -تعالى- بالدعاء هناك وبه صلى الله عليه وسلم عند قبره
= المسجد ليصلي منهي عنه، لأن ذلك لم يشرع، إلخ كلامه. والدليل على ذلك من السنة حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم". رواه أحمد (2/ 367)، وأبو داود (2042).
قال شيخ الإِسلام في الاقتضاء (2/ 654): هذا إسناد حسن فرواته كلهم ثقات ومشاهير. اهـ، وحسنه الحافظ في نتائج الأفكار (/)، والسخاوي في القول البديع (155).
وله شاهد في حديث الحسن بن حسن بن علي رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه، فقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم". رواه ابن أبي شيبة (4/ 345).
وقال أيضاً في الرسالة الرابعة من رسائل الزيادة (408): وما يفعله بعض الناس من تحري الصلاة والدعاء عندما يقال: إنه قبر نبي، أو قبر أحد من الصحابة -إلى أن قال- ونحو ذلك فهو مخطىء مبتدع، مخالف للسنة، فإن الصلاة والدعاء بهذه الأمكنة ليس له مزية عند أحد من سلف الأمة وأئمتها، ولا كانوا يفعلون ذلك، إلخ كلامه، ولا يجوز أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بل هو بدعة. ولكن يجوز أن يسأل الله ويتوسل به بحب نبيه وبالأعمال الصالحة كما في حديث الثلاثة -أي أصحاب الغار- لأن الأعمال الصالحة سبب للإِثابة، والدعاء سبب للإِجابة. انظر: الجامع الفريد (412) رسائل الزيادة.
(1)
في ن ب د (فرع).
وغير من البقاع من غير منع (1).
[ثامنها](2): لا خلاف في أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل وكفن واختلف في الصلاة عليه على قولين:
أحدهما: أنه لم يصل عليه أحد أصلاً، وإنما كان الناس يدخلون أرسالاً فيدعون وينصرفون.
واختلف هؤلاء في علة ذلك على قولين:
أحدهما: لفضيلته فهو غني عن الصلاة عليه كالشهيد وهذا ينكسر بغسله.
ثانيهما: أنه لم يكن هناك إمام وهو غلط فإن إمامة الفرائض لم تتعطل، ولأن بيعة الصديق كانت قبل دفنه، وكان إمام الناس قبل الدفن.
وأصحهما وهو قول الجمهور: أنهم صلوا عليه أفراداً فكان يدخل قوم يصلون فرادى، ثم يخرجون ثم يدخل قوم آخر فيصلون كذلك، ثم النساء ثم الصبيان ثم العبيد (3)، ليأخذ كل واحد نصيبه من بركة الصلاة، وإنما أخروا دفنه عليه الصلاة والسلام من يوم الاثنين إلى ليلة الأربعاء أو آخر نهار الثلاثاء للاشتغال بأمر البيعة ليكون لهم إمام يرجعون إلى قوله إن اختلفوا في شيء من أمور تجهيزه ودفنه وينقادون لأمره لئلا يؤدي إلى النزاع واختلاف الكلمة.
(1) انظر التعليق السابق، والتعليق ت (4) ص 511.
(2)
في ن ب د (فائدة).
(3)
ابن هشام (4/ 271)، ودلائل النبوة (7/ 250).
وكان هذا أهم الأمور [عندهم](1).
وادعى ابن دحية: أن عدد المصلين عليه ثلاثون ألفاً. وجاء بعض الآثار أنه [صُلِّي عليه](2) بصلاة جبريل (3).
(1) زيادة من ن ب د.
(2)
في الأصل (صلى الله عليه وسلم)، والتصحيح من ن ب د.
(3)
قال الديّار بكري في كتابه "تاريخ الخميس (2/ 171): لما ذكر صفة الصلاة عليه، وهي الرجال ثم النساء ثم الغلمان. قيل: لأنه أوصى بذلك لقوله: "أول من يصلي عليّ ربي ثم جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنوده ثم الملائكة ثم ادخلوا أفواجاً بعد فوج". الحديث فيه ضعف. وفي المسند الفتح الرباني (7/ 204)، والإِصابة (7/ 131)، من حديث أبي عُسيب أو أبي عُسيم قال بهزٌ: إنه شهد الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: كيف نصلي عليك؟ قال: ادخلوا أرسالاً أرسالاً. قال: فكانوا يدخلون من هذا الباب فيصلون عليه، ثم يخرجون من الباب الآخر" قال: صاحب الفتح الرباني: والظاهر أن أبا عسيب علم ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته، فلما رأى الصحابة يسأل بعضهم بعضاً عن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أخبرهم بما علم، ويؤيد ذلك ما رواه البيهقي بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مطوّلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه قلنا: فمن يصلي عليك يا رسول الله؟ فبكى وبكينا، وقال: مهلاً غفر الله لكم وجزاكم عن نبيكم خيراً، إذا غسلتموني وحنطتموني وكفنتموني فضعوني على شفير قبري، ثم اخرجوا عني ساعة فإن أول من يصلي علي خليلاي وجليساي جبريل وميكائيل، ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنوده من الملائكة عليهم السلام وليبدأ بالصلاة عليّ رجال أهل بيتي ثم نساؤهم، ثم ادخلوا علي أفواجاً أفواجاً. الحديث. وفي إسناده من ضُعِّف -ورواه البزار بطوله من طرق متعددة، لكنها لا تخلو من علة =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وربما يعتضد بكثرة طرقه، ويشهد له حديث الباب، وقد ضعف ابن حجر حديث أبي عسيب في تلخيص الحبير (2/ 124)، وساق له شواهد وقد جزم بضعفها، ونقل عن البزار أنه قال: حديث أبي عسيب موضوع.
وضعفه ابن كثير في البداية والنهاية (5/ 254، 265)، وقال: وفي صحته نظر. كما قدمنا. اهـ. وانظر الحديث تمامه فيه.
قال صاحب الفتح الرباني (21/ 254): قال في "المواهب" وفي حديث ابن عباس عند ابن ماجه: لما فرغوا دخل النساء حتى إذا فرغن دخل الصبيان ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً. اهـ.
(قال الحافظ ابن كثير في تاريخه (5/ 265): هذا أمر مجمع عليه، واختلف في أنه تعبد لا يعقل معناه أو ليباشر كل واحد الصلاة عليه منه إليه.
وقال السهيلي في الروض الأنف (4/ 272)، فقال ما حاصله: إن الله -تعالى- قد أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، وأمر كل واحد من المؤمنين أن يباشر الصلاة عليه منه إليه، والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل. أقول: إشارة إلى قوله -تعالى-: "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً" وأخيراً تبين إنه لم يذكر أنهم صلوا بصلاة جبريل.
قال أيضاً: فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة -أي لأنه ثنى بالملائكة في الآية-، والله أعلم.
قال البيهقي في السنن (4/ 30): قال الشافعي رحمه الله وذلك لعظم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، وتنافس في أن لا يتولى الإِمامة في الصلاة عليه واحد وصلوا عليه مرة بعد مرة. وساقوا روايات أخر من أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى ما ذكرت من المراجع أو غيرها.
[سابعها](1): استدل بعض الفقهاء بعدم الصلاة على قبره عليه الصلاة والسلام على عدم الصلاة على القبر جملة وهو عجيب، فإن قبره عليه الصلاة والسلام مخصوص عن هذا بما فهم من الحديث من النهي عن اتخاذ قبره مسجداً.
ثامنها: تحرم الصلاة إلى قبره والسجود له لما حرض ومنع منه من الصلاة إلى قبر غيره من الإِنبياء صلَّى الله وسلَّم عليهم ومنع من السجود له في حياته فبعد موته أولى، ولما علم الصحابة والتابعون ذلك لم يبنوا الحجرة النبوية -على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- مربعة، بل بنوها من جهة شمالها مثلثة على صفة (2) السنبوسك لئلا يصلى هناك ويسجد، وهذا كله تعريف لمقام الربوبية فإنه المتفرد بالعبادة، وكلما أوهم تعظيماً كان فعله حراماً إلَاّ ما قرره الشرع من التوقير والتعظيم للأشياء المضافة إليه سبحانه وتعالى: ككتاب الله -تعالى- وبيته والحجر الأسود ومساجده وأنبيائه وأوليائه وأحبابه والعلماء به وبأحكامه ونحو ذلك
(1) هكذا في جميع النسخ، ولعلها تاسعها
…
إلخ الأوجه.
(2)
قال القرطبي: ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم فأغلقوا حيطان تربته وسدوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره صلى الله عليه وسلم، ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة، إذا كان مستقبل المصلين، فتُصور الصلاة إليه بصورة العبادة فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشمال حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره.
من غير مجازفة ومجاوزة لحد في ذلك. وأما التعظيم المطلق فهو لله -تعالى- لا يشركه فيه غيره.
تاسعها: قولها: "ولولا ذلك لأبرز قبره" أي ولولا تحذيره من اتخاذ القبور مساجد لأبرز قبره، أي: أظهر للناس، ولكن تركوا ذلك خشية ما ذكر. لا سيما مع تقادم الزمان وتغير الأحوال.
وقولها: "خشي": قال "النووي"(1) ضبطناه في مسلم بضم الخاء وفتحها وهما صحيحان.
[عاشرها](2): يؤخذ من الحديث جواز ذكر سبب اللعن للتحذير منه.
الحادي عشر: يؤخذ منه أيضاً تحريم بناء المسجد على القبور مطلقاً، لأنه إذا منع من بنائها على قبور الأنبياء وهم أرفع البشر درجة فمن دونهم أولى، وقد تقدم في الحديث قبله.
الثاني عشر: يؤخذ منه أيضاً تعظيم الربوبية كما أسلفناه، وتحريم تعاطي الأسباب المؤدية إلى المشاركة لها في ذلك، بل إن اعتقد جواز ذلك فهو كفر.
الثالث عشر: فيه أيضاً وجوب البيان وتحقيقه بالعلل والحكم.
الرابع عشر: فيه تحريم الصلاة إلى القبور وإن لم يقصد
(1) شرح مسلم (5/ 12).
(2)
في ن ب د (العاشر).
تعظيمها وأما الشافعية فجزموا بالكراهة. والحديث الصحيح السالف "لا تصلوا إليها" ظاهر في التحريم، وكذا هذا أيضاً وغيره من الأحاديث (1).
…
(1) اقرأ تراجم باب: "ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عبده؟ " وباب: "ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثاناً تعبد من دون الله" والترجمة من قبلهما، وباب:"ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسدّه كل طريق يوصل إلى الشرك" .. من فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (218، 280)، فإن فيها علم وفِقْه لمن وفقه الله للهداية وسلوك صراطه المستقيم.