الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
31 - باب صلاة الخوف
قد قدمنا في الحديث الثاني من صلاة الكسوف أن الخوف غم على ما سيكون؛ والحزن: غم على ما مضى. وليس المراد [في](1) هذه الترجمة أن صلاة الخوف تقتضي صلاة مستقلة كقولنا: صلاة العيد، ولا أنه يؤثر في تغيير قدر الصلاة أو وقتها كقولنا صلاة السفر، وحديث ابن عباس في صحيح مسلم (2)"إن الله فرض الصلاة في الخوف ركعة". المراد للمأموم مع الإِمام جمعًا بين الأحاديث كما قدمته في باب قصر الصلاة في السفر [وإنما](3) المراد أنه يؤثر في كيفية إقامة الفرائض واحتمال أمور فيها كانت لا تحتمل في غيرها، ثم هي في الأكثر لا تؤثر في كيفية إقامة الفرائض، بل في إقامتها بالجماعة ونفتتح هذا الباب بمقدمات:
(1) في ن ب (ومن).
(2)
مسلم (687)، والنسائي (3/ 168، 169)، وأحمد (1/ 237، 243، 254)، وابن أبي شيبة (2/ 464)، وأبو داود (1247)، وابن خزيمة (1346)، والطبراني (10336، 10337، 11041)، والبيهقي (3/ 135)، والطحاوي (1/ 309)، وابن حبان (2868).
(3)
في ن ب د (دائمًا).
الأولى: أن صلاة الخوف باقية اليوم خلافًا لأبي يوسف، فإنه قال: إنها مختصة به صلى الله عليه وسلم وبمن يصلي معه وذهبت بوفاته.
واستدل بقوله -تعالى-: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} (1) الآية. وهو قول مكحول والحسن اللؤلؤي. ومحمد بن الحسن. والأوزاعي أيضًا. والجواب: أن الصحابة لم يزالوا [على فعلها](2) بعده. ومنهم علي وأبو هريرة. وأبو موسى. وليس المراد بالآية خصوصيته. وقد قال -تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (3) وقال: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} (4) وقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} (5). ونحوه كثير وثبت قوله صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي"(6). فالآية خطاب مواجهة، لأنه المبلغ عن الله، لا خطاب تخصيص بالحكم.
وادعى المزني: نسخ صلاة الخوف، فإنها لم تفعل يوم الخندق.
والجواب: أنها لم تشرع إذ ذاك، بل بعد.
والجمهور: على أنها باقية، وأن للخوف تأثيرًا في تغيير
(1) سورة النساء: آية 102.
(2)
في ب ن (فعلى فعلهما).
(3)
سورة التوبة: آية 103.
(4)
سورة يونس: آية 94.
(5)
سورة الأنفال: آية 64.
(6)
سبق تخريجه.
الصلاة المعهودة عن أصل مشروعيتها المعروفة. وانفرد مالك فقال لا يجوز فعلها في الحضر.
قلت: وذكر القرطبي (1) في "شرح مختصر مسلم" عن بعضهم أنه عليه الصلاة والسلام صلاها ببطن نخل على باب المدينة. ومن العلماء من رأى أن الصلاة تؤخر إلى وقت الأمن، ولا تصلى في حالة الخوف، كما فعل عليه الصلاة والسلام يوم الخندق.
والجواب: أن فعله عليه الصلاة والسلام كان قبل نزول صلاة الخوف بالإِجماع.
الثانية: جاءت صلاة الخوف عن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم على ستة عشر نوعًا وهي مفصلة في "صحيح مسلم" بعضها، وبعضها في سنن أبي داود.
واختار الشافعي منها ثلاثة أنواع: بطن نخل، وذات الرقاع، وعسفان.
وذكر الحاكم في "مستدركه"(2) منها ثمانية أنواع.
وذى ابن حبان (3) في "صحيحه" منها تسعة.
وصحح [ابن حزم](4) في صفتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر
(1) المفهم (3/ 1422).
(2)
الحاكم في مستدركه (1/ 335، 338). وأيضًا ابن المنذر في الأوسط (5/ 29 - 36).
(3)
ابن حبان (7/ 119، 147).
(4)
في ن ب د (ابن حبان وابن خزيمة).
وجهًا (1).
وذكر ابن القصار المالكي عشرة.
وذكر القرطبي (2) في "شرح مختصر مسلم" عشرة أحاديث منها، وتكلم عليها.
وقال الفاكهي: صحيح المحدثون منها سبع هيئات لشهرتها وثبوتها.
وقال الإِمام أحمد: ما أعلم في هذا الباب إلَّا حديثًا صحيحًا، واختار حديث سهل بن أبي حثمة.
وقال داود: جميع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف جائز، لا نرجح بعضه على بعض.
وقال الخطابي (3): صلاة الخوف أنواع، صلَاّها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة وأشكال متباينة، يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة، فهن على اختلاف [صورها](4) متفقة المعنى.
الثالثة: قال أهل الحديث والسير على ما نقله النووى في "شرح المهذب"(5): أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم للخوف صلاته
(1) المحلى (5/ 33، 42)، وفي ن ب (ابن خزيمة). انظر تصحيحه له (2/ 293، 307).
(2)
المفهم (3/ 1416، 1421).
(3)
في معالم السنن (2/ 64) مع اختلاف يسير في السياق.
(4)
في ن ب د (أنواعها).
(5)
المجموع شرح المهذب (4/ 407).
بذات الرقاع [وقال في "شرح مسلم"(1): شرعت صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع.
وقيل: في غزوة بني النضير] (2).
قال ابن حبان (3) في أوائل "ثقاته": وكانت ذات الرقاع في المحرم سنة خمس.
وقال المنذري (4) في "مختصر السنن": كانت سنة أربع.
قال: وذكر البخاري أنها بعد خيبر؛ لأن أبا موسى الأشعري جاء بعد خيبر.
قال ابن حبان (5): وصلاها أيضًا بذي قرد سنة ست.
وقال ابن العطار في "شرحه": صلاة الخوف كانت في عسفان سنة ست بعد رمضان، وبها نزلت آيتها التي في النساء. وكان سبب
نزولها أنه عليه الصلاة والسلام صلى بأصحابه الظهر، فندم المشركون على عدم اغتيالهم بالقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فعزموا على ذلك في الصلاة الآتية، فنزل جبريل، وتلا عليه {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} (6) الآية، فعلمه صلاة الخوف، ثم صلاها بعد على أوجه في أماكن.
(1) انظر: شرح مسلم (6/ 128).
(2)
زيادة من ن ب د.
(3)
الثقات لابن حبان (1/ 257).
(4)
فتح الباري (7/ 416)، وانظر: تحديد تاريخ الغزوة (7/ 417، 464).
(5)
الثقات لابن حبان (1/ 287).
(6)
سورة النساء: آية 102.
وقال بعد ذلك في الحديث الثاني: أن ذات الرقاع شرعت صلاة الخوف فيها.
وقيل: في غزوة بني النضير كما حكيناه عن النووي. وفيه مخالفة لما جزم به أولًا فتأمله.
قال ابن بزيزة: واتفق أهل العلم بالآثار على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصل صلاة الخوف قبل نزول قوله -تعالى-: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ
…
} الآية. فلما نزلت صلاها.
واختلفوا في أين نزلت:
فقيل: بعسفان.
وفي حديث ابن أبي حثمة وجابر وأبي هريرة أنه صلاها في غزاة ذات الرقاع سنة خمس.
وفي حديث جابر أيضًا أنه صلاها في غزوة جهينة.
وقيل: في غزوة بني محارب ببطن نخل على قرب المدينة.
وقيل: في غزوة نجد وغطفان. قاله غير واحد من الرواة. إذا تقررت هذه المقدمات فلنرجع إلى الكلام على أحاديث الباب، فنقول: ذكر المصنف رحمه الله ثلاثة أحاديث: