الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث [الرابع]
(1)
151/ 4/ 29 - عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خسفت الشمس في زَمَانِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام فزعًا [يخشى](2) أن تكون الساعة، حتى أتى المسجد، فقام فصلى بأطول قيام وركوع وسجود، ما رأيته يفعله في صلاة قط، ثم قال:"إن هذه الآيات التي يرسلها الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله عز وجل يرسلها يُخوِّف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئًا فافزعوا إلى ذكر الله، ودعائه، واستغفاره"(3).
الكلام عليه من أحد عشر وجهًا.
الأول: في التعريف براويه وقد سلف في باب السواك.
الثاني: فيه دليل على جواز استعمال الخسوف في الشمس، وقد سلف ذلك في الحديث الذي قبله أيضًا.
(1) في الأصل (الخامس)، والتصحيح من ن ب.
(2)
في ابن حبان (7/ 78)(خشينا).
(3)
البخاري (1059)، ومسلم (912)، والنسائي (3/ 153، 154)، وابن حبان (2836)، وابن خزيمة (1371).
الثالث: قوله: "فقام فزعًا يخشى أن تكون الساعة".
أما "فزع" فهو من أبنية المبالغة كحذر.
"والساعةُ" بضم التاء على تمام كان أي يخشى أن تحضر الساعة الآن، ويجوز أن تكون كان ناقصة.
والساعة اسمها، والخبر محذوف، أي تكون الساعة قد حضرت، ويجوز فتحها على أن تكون كان ناقصة، ويكون اسمها مضمرًا فيها والساعة خبرها، والتقدير أن تكون هذه الآية الساعة أي علامتها وحضورها.
واعلم أن قوله "يخشى أن تكون الساعة" مما يستشكل من حيث إن للساعة مقدمات كثيرة لا بد من وقوعها ولم تقع كطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، والدجال، وقتال الترك وأشياء كثيرة لا بد من وقوعها قبل الساعة كفتوح الشام والعراق ومصر وغيرها، وإنفاق كنوز كسرى في سبيل الله، وقتال الخوارج، وغير ذلك من الأمور المشهورة في الأحاديث، وجوابه من أوجه.
أحدها: لعل هذا الكسوف قبل إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأمور (1).
(1) قال ابن حجر في الفتح (2/ 546)، في رده على هذه الاستشكالات: قال عن هذا: الأول فيه نظر لأن قصة الكسوف متأخرة جدًّا، فقد تقدم أن موت إبراهيم كان في السنة العاشرة كما اتفق عليه أهل الأخبار، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من الأشراط والحوادث قبل ذلك.
ثانيها: لعله خشي أن يكون ذلك بعض مقدماتها (1) وقد جاء على ما نقله القاضي: "أن القيامة تقوم ومعها كسوفان".
ثالثها: أن قيامه عليه الصلاة والسلام فزعًا خاشيًا أن تكون الساعة إنما هو ظن من الراوي (2) لما رآه خرج إلى الصلاة مستعجلًا مبادرًا إليها، لا أنه عليه الصلاة والسلام خشي ذلك حقيقة. ولعله عليه الصلاة والسلام خاف أن يكون الكسوف نوع عقوبة كخوفه عند هبوب الريح أن يكون عذابًا. فظن الراوي خلاف ذلك ولا اعتبار بظنه. وذلك دليل على دوام مراقبته عليه الصلاة والسلام لفعل الله -تعالى- وتجريد الأسباب العادية عن إيجادها لمسبباتها.
الرابع: فيه أن السنَّة فعلها في المسجد وهو المشهور من مذاهب العلماء.
قال أصحابنا: وإنما لم يخرج إلى المصلَّى خوفًا من فواتها بالانجلاء فإن السنَّه المبادرة إليها، وخيّر بعض أصحاب مالك بين المسجد والصحراء، وهو خلاف الصواب، والمشهور. إنتهاء فعل
(1) قال ابن حجر في الفتح (2/ 546): وأقر بها الثاني فلعله خشي أن يكون الكسوف مقدمة لبعض الأشراط كطلوع الشمس من مغربها، ولا يستحيل أن يتخلل بين الكسوف والطلوع أثناء مما ذكر وتقع مسألة بعضها أثر بعض مع استحضار قوله -تعالى-:{وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} .
(2)
قال ابن حجر في الفتح (2/ 546): أما الثالث فتحسين الظن بالصحابي يقتضي أنه لا يجزم بذلك إلَّا بتوقيف.
الصلاة بالانجلاء وهو مقتضى لأن يعتني بمعرفته [ومراقبته](1) حال الشمس، [فلولا أن المسجد أرجح لكانت الصحراء أولى، لأنها أَقْرَبُ إلى إدراك حال الشمس](2) في الانجلاء وعدمه وأيضًا فإنه يخاف من (3) اجتماع الناس في المصلَّى ذوات إقامتها، كما ذكره أصحابنا.
الخامس: فيه جواز الإِخبار بما يوجب الظن من شاهد الحال وإن لم يكن في نفس الأمر كذلك، فإن إخباره أنه قام فزعًا خاشيًا أن
تكون الساعة محتمل له ولغيره كما سلف.
السادس: فيه الدوام على مراقبة الله -تعالى- وطاعته، والخوف منه بحيث لا يخرجه الخوف إلى اليأس من رحمته.
قال الفاكهي: وفيه دلالة على المحافظة على طهارة الوضوء.
قلت: قد يتوقف في أخذه منه فتأمله (4).
(1) في ن ب (ويراقب)، ون د (وتراقب).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
فإنه يخاف من تأخيرها فوات أوقاتها فتشرع في الانجلاء قبل اجتماع الناس في المصلَّى فوات إقامتها كما ذكره أصحابنا. هذه عبارة زائدة من ن ب د.
(4)
قال ابن حجر في الفتح (2/ 530): على قوله "خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى، استدل به على أنه صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على الوضوء فلهذا لم يحتج إلى الوضوء في تلك الحال، وفيه نظر لأن في السياق حذفًا سيأتي في رواية ابن شهاب "خسفت الشمس فخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه" وفي رواية عمر "فخسفت فرجع ضحى فمر بين يدي =
السابع: فيه تطويل الركوع والسجود وقد تقدم الكلام عليه في الحديث قبله.
الثامن: فيه شرعية صلاة الكسوف للنساء والمسافرين وكل واحد. فإنه وإن كان الخطاب للذكور لقوله: "فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره". وفي الحديث الثاني "فصلوا وادعوا" فالنساء مُدرَجاَتٌ فيه، كما في قوله -تعالى-:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} (1){كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (2) وغير ذلك من خطاب التعبد العام، فإنهن داخلات فيها باتفاق، وكونها مشروعة للنساء وغيرهن هو مذهب الشافعي، ومشهور مذهب مالك، وروي عن مالك أيضًا [أن](3) المخاطب بها من يخاطب بالجمعة، فيخرج النساء والمسافرون ونحوهم.
وذهب الكوفيون: إلى أنهن يصلين أفرادًا لا جماعة، وقد صح حضورهن لها معه صلى الله عليه وسلم، وذلك يدل على أنهن مخاطبات بها في جماعة (4).
= الحجر ثم قام يصلي" وإذا ثبتت هذه الأفعال جاز أن يكون الحذف أيضًا فتوضأ ثم قام يصلي فلا يكون نصًّا في أنه كان على وضوء. اهـ.
(1)
سورة المائدة: آية 6.
(2)
سورة البقرة: آية 183.
(3)
في ن ب (في).
(4)
قال البخاري -رحمنا الله وإياه- في صحيحه الفتح (2/ 543): باب: صلاة النساء مع الرجال في الكسوف. قال ابن حجر: أشار بهذه الترجمة إلى رد قول من منع ذلك وقال: يصلين فرادى وهو منقول عن الثوري =
التاسع: فيه شرعية الدعاء والذكر والاستغفار عند الكسوف، ولا شك أن كل واحد من المذكورات عبادة مستقلة مطلوبة في جميع الحالات، سواء كان مخوفًا أم لا، لكنه آكد في المخوف.
العاشر: في قوله: "فافزعوا" إلى المبادرة إلى ما أمر به، وتنبيه [على](1) الالتجاء إلى الله -تعالى- عند المخاوف بالدعاء والاستغفار، وإشارةٌ إلى أن الذنوب سبب البلايا والعقوبات العاجلة أيضًا، وأن التوبة والاستغفار سببان للمحو يرجى. بهما زوال المخاوف.
الحادي عشر: قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تكون لموت أحد ولا لحياته" قد تقدم الكلام عليه في الحديث الثاني، وأنه رد على من اعتقد ذلك.
خاتمة: يسن الجهر في كسوف القمر، وفي كسوف الشمس مذاهب.
أحدها: كذلك وهو مذهب أبي يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحاق، وقال ابن بزيزة: ورواه ابن معين وغيره عن مالك.
= وبعض الكوفيين، وفي المدونة: تصلي المرأة في بينها وتخرج المنجالة، وعن الشافعي يخرج الجميع إلَّا من كانت بارعة الجمال. وقال القرطبي: روى عن مالك أن الكسوف إنما يخاطب به من يخاطب بالجمعة.
(1)
في ن ب د (عليه من).
وثانيها: الإِسرار وهو قول الشافعي وأبي حنيفة والليث وأصحاب الرأي، وهو المشهور عن مالك، وقول جمهور العلماء.
ثالثها: أنه [يخير](1) بينهما، قاله الطبري وغيره من فحول العلماء جمعًا بين الأحاديث، ومنهم من أوّل أحاديث الجهر على كسوف القمر.
(1) في ن ب د (مخير). وانظر: المفهم (3/ 1518).