الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
155/ 2/ 31 - عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوّات بن جبير عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة ذات الرقاع صلاة الخوف:"أن طائفة صفت [معه] (1)، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالسًا، وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم"(2).
(1) في متن العمدة (مع الإِمام).
(2)
البخاري (4129، 4131)، ومسلم (841، 842)، والترمذي (565)، ومالك (1/ 183، 184)، وابن خزيمة (1357، 1358، 1359)، والنسائي (3/ 170، 171)، وابن ماجه (1259)، وأبو داود (1238، 1239) في الصلاة، باب: من قال: إذا صلى ركعة وثبت قائمًا أتموا لأنفسهم ركعة، وأحمد (3/ 448)، والبيهقي (3/ 253، 254)، (وقد تحرف فيه إلى زيد ابن رومان فليتنبه له) وهذه من تنبيهات محقق ابن حبان، والدارمي (1/ 358)، والبغوي (1094)، وابن حبان (2885، 2886).
[الذي](1) صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم هو "سهل بن أبي حثمة".
الكلام عليه من وجوه:
الأول: في فن الأسماء:
أما يزيد بن رومان: فهو أبو روح الأسدي القرشي مولى آل الزبير المدني القاري تابعي. وثقه النسائي وغيره. وكان عالمًا كثير الحديث. روى عنه نافع القاري وآخرون. توفي سنة ثلاثين ومائة.
وقيل: سنة تسع وعشرين ومائة. وهو من كبار شيوخ نافع في القراءة.
ورومان -بضم الراء-. وحكى في اسم رومان فتح الراء مطلقًا وهو شاذ.
وأما صالح بن خوات: فهو أنصاري مدني تابعي ثقة غزير الحديث.
وأما والده: خَوّات فهو بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو ثم ألف ثم مثناة فوق. وهو صحابي. وكان أحد فرسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو أنصاري مدني شهد بدرًا.
كنيته: أبو عبد الله.
وقيل: أبو صالح من بني ثعلبة ابن عمرو بن عوف. مات سنة أربعين. وهو ابن أربع وسبعين. وله عقب بالمدينة.
(1) في ن ب (الرجل)، وهو الذي يوافق متن العمدة وأحكام الإِحكام.
واعلم: أن "خوّات" يشتبه "بجواب" بالجيم [والباء](1) وهم جماعة عدّدهم ابن ماكولا و"بُجوان" بضم الجيم وآخره نون وهم جماعة أيضًا. ذكرت كل ذلك في كتابي "مشتبه النسبة"(2).
وأما سهل بن أبي حثمة: فهو أنصاري، خزرجي. مدني. كنيته: أبو عبد الرحمن.
وحثمة: بحاء مهملة مفتوحة ثم ثاء مثلثة ثم ميم ثم هاء.
واسم أبي حثمة: عبد الله.
وقيل: عامر. له صحبة.
وأمه: أم الربيع بنت أسلم بن خريس. روى عنه صالح بن خوّات بن جبير وغيره.
قال أبو حاتم: بايع تحت الشجرة. وكان دليل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد ولم يشهد بدرًا. وأما الواقدي فقال: مات النبي صلى الله عليه وسلم وعمره ثمان سنين. وقال: حفظ عنه وجزم به ابن حبان في "ثقاته". وقال ابن الأثير: إنه أصح. قال وتوفي في أول أيام معاوية. قال أبو عمرو: وما أظن ابن شهاب سمع منه. روي له خمسة وعشرون حديثًا. اتفقا على ثلاثة منها.
الثاني: قوله: "الرجل الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو سهل بن أبي حثمة" كذا نص عليه عبد الحق أيضًا.
(1) زيادة من ن ب د.
(2)
انظر: مشتبه النسبة للذهبي (186، 187)، والإِعلام لابن ناصر الدين (215، 218)، وتبصير المنتبه لابن حجر (1/ 270).
[وأما ابن القطان فتوقف في ذلك لأن ذات الرقاع كانت بعد بني النضير](1) في صدر السنة الرابعة من الهجرة. وسهل توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين قاله جماعات. وقول أبي حاتم: إنه بايع تحت الشجرة، وشهد المشاهد كلها إلَّا بدرًا. وكان دليل النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح إنما كان الدليل أبوه عامر بن ساعدة. وهو الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم خارصًا. وأبو بكر وعمر بعده. وتوفي في خلافة معاوية. فسهل كان سنه في زمن ذات الرقاع سنتين أو نحوهما ثم أوضح ذلك بأدلته (2).
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
قال ابن حجر: قال الزركشى في تصحيح العمده مجلة الجامعة (101)، تحقيق د. الزهراني: قوله: "الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم هو سهل ابن أبي حثمة" هذا الذي قاله في تعيين المبهم ذكره عبد الحق، وابن عبد البر وغيرهما وهو عجيب وكيف يكون هذا؟! وقد كان إذ ذاك صغيرًا، أكثر ما يكون عمره أربع سنين، أو خمس. فإنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمره ثمان سنين بالاتفاق، وقد رجح ابن العطار أن سهلًا لم يشهد هذه الواقعة، وهو الصواب، وقد قال الإِمام الرافعي في شرح الوجيز: إن هذا المبهم هو خوات بن جبير. وهو أقرب إلى الصواب، كما أوضحته في الذهب الإِبريز. قال ابن القطان: هذا لا يصح، لإِطباق الأئمة على أنه كان ابن ثمان سنين أو نحوها عند موت النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن منده وابن حبان، وابن السكن، والحاكم أبو أحمد اهـ، من الإِصابة (4/ 271).
وقال ابن حجر في الفتح (7/ 422): بعد ما ذكر سبب اختلاف المبهم: قال: وينفع هذا فيما سنذكره قريبًا من استبعاد أن يكون سهل بن أبي حثمة كان في سن من يخرج في تلك الغزاة، فإنه لا يلزم من ذلك أن لا يرويها فتكون روايته إياها مرسل صحابى. اهـ.
الوجه الثالث: "ذات الرقاع" قدمنا أنها سنة خمس وهي بأرض غطفان من نجد.
سميت بذلك: لأن أقدام المسلمين نقبت من الحِفاء، فلفوا عليها الخرق، كذا ثبت في الصحيح (1) عن أبي موسى الأشعري. وفيه أقوال أخر، ذكرتها في تخريجي لأحاديث الرافعي فراجعها منه.
الرابع: "الطائفة" الفرقة والقطعة من الشيء، تقع [على] (2) القليل والكثير. ومنه قوله -تعالى-: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ (2)} (3). قال ابن عباس: الواحد فما فوقه.
وقيل: إن الطائفة تقع على أربعة.
وقيل: على أربعين. وعن ابن عباس في تفسيرها: أربعة إلى أربعين رجلًا.
وعن الحسن: عشرة.
وعن قتادة: ثلاثة فصاعدًا.
وعن عكرمة: رجلان فصاعدًا.
(1) فتح الباري (7/ 417)، وسميت بذلك لأنهم رفعوا فيها راياتهم، وقيل بشجر بذلك الموضع يقال له ذات الرقاع، وقيل بل الأرض التي كانوا بها كانت ذات ألوان تشبه الرقاع، وقيل: لأن خيلهم كان بها سواد وبياض قاله ابن حبان، وقال الواقدي: سميت بجبل هناك فيه بقع، وهذا لعله مستند ابن حبان ويكون قد تصحف جبل بخيل. اهـ، من الفتح (7/ 419). انظر: شرح مسلم (6/ 128).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
سورة النور: آية 2.
وعن مجاهد: الواحد فما فوقه. وهو أبعد الأقوال.
قال الشافعي: وأكره أن تكون الطائفة في صلاة الخوف أقل من ثلاثة. فينبغي أن تكون الطائفة التي تكون مع الإِمام ثلاثة فأكثر. والذين في وجه العدو كذلك. واستدل بقوله -تعالى-: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا. . .} (1) الآية. فأعاد على كل طائفة
ضمير الجمع، وأقله ثلاثة على المشهور.
الخاص: قوله: "صفت معه" كذا هو في أكثر نسخ مسلم وفي بعضها "صلت معه" وهما صحيحان.
السادس: "وجاه العدو" -بكسر الواو وضمها- يقال: وجاهه ووجاهه وتجاهه أي قبالته. ولو أبدلت الواو فيه همزة لم تبعد كما في وشاح ووسادة حيث قالوا أشاح وإسادة استثقالًا للكسرة تحت الواو.
السابع: هذا الحديث مختار الشافعي، ومالك، وأبي ثور وغيرهم في صلاة الخوف، إذا كان العدو في غير جهة القبلة. ومقتضاه أن الإِمام ينتظر الطائفة الثانية قائمًا في الثانية، وهذا في الصلاة الثنائية، مقصورة كانت أو بأصل الشرع.
فأما الرباعية فهل ينتظرها قائمًا في الثالثة، أو قبل قيامه؟ فيه اختلاف لأصحابنا وللمالكية أيضًا. وإذا قيل بأنه ينتظرها قبل قيامه، فهل تفارقه الطائفة الأولى قبل تشهده عند رفع رأسه من السجود، أو بعد التشهد؟
(1) سورة النساء: آية 102.
واختلف الفقهاء فيه: وليس في الحديث دلالة على أحد المذهبين. وإنما يؤخذ بطريق الاستنباط منه.
وإذا قلنا: إنه ينتظرها قائمًا فلا يصح عندنا أنه يقرأ. وعند المالكية أربعة أقوال:
- يقرأ.
- يسبِّح.
- يسكت.
- التخيير.
وقال بعض متأخريهم: إن كانت القراءة بالفاتحة خاصَّة سبح ولم يقرأ، لأنه لو قرأ لم تدرك الطائفة الأخرى قراءته وإلَّا قرأ. قال الشيخ تقي الدين (1): ومقتضى الحديث أيضًا أن الطائفة الأولى تتم لأنفسها، مع بقاء صلاة الإِمام. وفيه مخالفة للأصول في غير هذه الصلاة. لكن فيها [ترجيح](2) من جهة المعنى، لأنها إذا قضت وتوجهت إلى نحو العدو، وتوجهت فارغة من الشغل بالصلاة، وتوفر مقصود صلاة الخوف وهو الحراسة.
وعلى الصفة التي اختارها أبو حنيفة تتوجه الطائفة للحراسة مع كونها في الصلاة، فلا يتوفر المقصود من الحراسة. وربما أدى إلى أن يقع في الصلاة الضرب والطعن وغير ذلك من منافيات الصلاة، ولو وقع في هذه الصورة لكان خارج الصلاة، وليس بمحذور.
(1) انظر: إحكام الأحكام (3/ 222).
(2)
زيادة من ن ب د.
ومقتضى الحديث أيضًا أن الطائفة الثانية تتم لنفسها قبل فراغ الإِمام. وفيه ما في الأول.
ومقتضاه أيضًا أنه يثبت حتى تتم لنفسها ويسلم بهم. وهذا اختيار الشافعي وقول في مذهب مالك، ثم ظاهر مذهب مالك أن الإِمام يسلم، وتقضي الثانية بعد سلامه، وربما ادعى بعضهم أن ظاهر القرآن يدل على أن الإِمام ينتظرهم ليسلم بهم، بناء على أنه فهم من قوله:{فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} (1). أي بقية الصلاة التي بقيت للإِمام، فإذا سلم الإمام بهم فقد صلوا معه [البقية](2)، وإذا سلم قبلهم فلم يصلوا معه البقية، لأن السلام من البقية، وليس بالقوي الظهور. وقد يتعلق بلفظ الراوي من يرى أن السلام ليس من الصلاة (3)، من حيث إنه قال:"فصلى بهم الركعة التي بقيت" فجعلهم مصلين معه، فيما يسمى ركعة. ثم أتى بلفظة. "ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم"، فجعل لفظ (4)"السلام" متراخيًا عن مسمى "الركعة" إلَّا أنه ظاهر ضعيف (5). وأقوى منه في الدلالة ما دل على أن السلام من الصلاة. والعمل بأقوى الدليلين متعين.
(1) سورة النساء: آية 102.
(2)
في ن ب (بقية).
(3)
أي الأحناف.
(4)
في إحكام الأحكام (مسمى).
(5)
قوله: "إلَّا أنه ظاهر ضعيف". قال الصنعاني في الحاشية (3/ 224): فإن كل واحدة من ركعات الصلاة تسمى ركعة، وليس في كل ركعة تسليم، فالتسليم من الصلاة لا من ركعة معينة فيها. اهـ.
فروع: متفرقة من مذهب مالك رضي الله عنه أحببت ذكرها هنا: اختلف في المسبوق في صلاة الخوف هل يبدأ بالبناء. وهو قول ابن القاسم. أو بالقضاء وهو قول سحنون؟ وإذا صلى ركعة ثم أحدث قبل قيامه إلى [الصلاة](1) الثانية أو بعدها فلا، لأن من معه خرج عن متابعته ولو أحدث بعد ركعة من المغرب استخلف.
وقال بعض متأخريهم: مقتضى النظر الاستخلاف فإن حكم الطائفتين واحد من حيث أنهما صلاة واحدة، فالإِمامة ثابتة له على الطائفتين حكمًا.
واختلفوا إذا انهزم العدو.
فهل يكملون على الهيئة الأصلية أو الخوفية؟ قولان.
وقال بعض متأخريهم: إن تحقق عدم عودهم كملوا على حكم الأمن وإلَّا فعلى الخوف.
(1) في ن ب ساقطة.