الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن
164/ 8/ 32 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة، فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم"(1).
الكلام عليه من أحد عشر وجهاً:
الأول: من قال الجنازة بالفتح للميت وبالكسر للنعش كما قدمنا أول الباب يتعين عنده هنا قراءة قوله "أسرعوا بالجنازة" بالفتح لأن المقصود الإِسراع (2) بالميت لا النعش ويدل على ذلك آخر الحديث.
(1) البخاري (1315)، ومسلم (944)، والترمذي (1015) في الجنائز، وابن ماجه (1477) في الجنائز، باب: ما جاء في شهود الجنازة، وأبو داود (3181) في الجنائز، باب: الإسراع بالجنازة، والنسائي (4/ 41، 42)، وابن الجارود (527)، ومالك (1/ 243) في الجنائز، باب: جامع الجنائز موقوفاً، ورفعه أحمد (2/ 488)، والحميدي (1022)، وأحمد (2/ 240، 280)، والبغوي (11/ 14)، وابن حبان (3042)، والبيهقي (4/ 21)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 478). مع اختلاف في ألفاظ الحديث بين متن العمدة وصحيح البخاري.
(2)
في ن ب زيادة (هنا).
الثاني: المراد بالإِسراع هنا الإِسراع بالميت كما قلناه فيتضمن الأمر بحمله إلى قبره وهو فرض كفاية.
وقيل: المراد به الإِسراع بتجهيزه بعد موته لئلا يتغير والأول أظهر وعليه الجمهور.
قال النووي (1): والثاني باطل مردود بقوله عليه الصلاة والسلام فشر تضعونه عن رقابكم.
وقال القرطبي: لا يبعد أن يكون كل واحد منها مطلوباً إذ
مقتضاه مطلق الإِسراع فإنه عليه الصلاة والسلام لم يقيده بقيد.
وقال الفاكهي: ما رده النووي جمود على ظاهر لفظ الحديث وإلَّا فيحتمل حمله على المعنى فإنه قد يعبر بالحمل على الظهر أو العنق عن المعاني دون الذوات فيقال: حمل فلان على ظهره أو على عنقه ذنباً أو نحو ذلك ليكون المعنى في قوله عليه الصلاة والسلام: "فشر تضعونه عن رقابكم" إنكم تستريحون من نظر مَنْ لا خير فيه أو من مجالسته ونحو ذلك فلا يكون في الحديث دليل على رد قول هذا القائل ويقوى هذا الاحتمال أن كل حاضري الميت لا يحملونه، إنما يحمله القليل منهم لا سيما اليوم، فإنما يحمله في الغالب من لا تعلق له به.
الثالث: الخطاب بالإِسراع للرجال فإن النساء يضعفن عن الحمل، وربما انكشف منهن بعض أبدانهن.
(1) شرح مسلم (7/ 13).
الرابع: الإِسراع بالميت مطلوب لكن بشرط أن لا يكون على هيئة مزرية ولا يؤدي إلى انفجاره أو سقوطه ونحو ذلك وقد بين عليه الصلاة والسلام الحكمة من الإِسراع بقوله: "فإن تك صالحة" إلى آخره وكره بعضهم الإِسراع بها وهو محمول على الإِسراع المحذور.
فرع: لا تؤخر لزيادة مصلين ولا لانتظار أحد غير الولي فينتظر لأجله إن لم يخف تغيرها.
الخامس: قوله عليه الصلاة والسلام: "فإن تك" هو في الموضعين بحذف النون الخفيفة لكثرة الاستعمال، والأصل: تكون فدخل الجازم فأسكن النون فاجتمع ساكنان الواو والنون فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، ثم حذفت النون لما ذكرناه من كثرة الاستعمال كما قالوا: لا أدر فحذفوا الياء كذلك كما تقدم في باب صلاة الاستسقاء.
السادس: "خير" و"شر": فيه إعرابان.
الأول: أن يكونا مبتدأين والخبر محذوف أي فلها خير ولها شر. وساغ هنا الابتداء بالنكرة لكون فاء الجزاء وليتهما، فهما من باب قولهم: إن مضى عير فعير في الرباط.
الثاني: أن يكونا خبرين محذوفي [المبتداء](1) والتقدير: فهي، وهي أي ذات خير وذات شر، وأما الجملتان اللتان بعدهما وهما "تقدمونها" و"تضعونه" فصفة لهما.
(1) موضع هذا الحديث في المفهم (3/ 1583، 1584)، وهذا الكلام ساقط من المطبوع.
السابع: فيه إكرام أهل الخير والصلاح إذا ماتوا بالمبادرة إلى الوصول إلى جزاء ما قدموه من الأعمال الصالحة وجزاؤها من فضل الله ورحمته (1).
الثامن: فيه تقليل مصاحبة أهل الشر إلَّا فيما شرع بسببهم من بعد موتهم لبعدهم عن رحمة الله، فلا مصلحة في مصاحبتهم، وكذا ينبغي اجتناب مصاحبة أهل البطالة وغير الصالحين (2).
التاسع: معنى قوله عليه الصلاة والسلام: "فخير تقدمونها إليه" أي ما أعد الله لها من النعيم المقيم وقوله "فشر تضعونه عن رقابكم" معناه أنها بعيدة من الرحمة فلا مصلحة لكم في مصاحبتها وملابستها.
العاشر: استدل به الأصبهاني على أن حكم القبر من أحكام الآخرة، ولا يوصل إلى معرفة ذلك إلَّا بالخبر، ليس للعقل فيه مدخل.
الحادي عشر: عورض هذا الحديث بحديث آخر فيه النهي عن الإِسراع ويجمع بينهما على تقدير صحته بحمل النهي على الإِسراع المحذور (3).
…
(1) في الأصل (الابتداء)، وما أثبت من ن ب د.
(2)
انظر: شرح مسلم (7/ 13).
(3)
أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم".