المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث السادس 140/ 6/ 27 - عن أبي هريرة رضي الله - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٤

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌25 - باب الجمع بين الصلاتين بالسفر

- ‌26 - باب قصر الصلاة في السفر

- ‌27 - باب الجمعة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌29 - باب صلاة الكسوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث [الرابع]

- ‌30 - باب صلاة الاستسقاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌31 - باب صلاة الخوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الجنائز

- ‌32 - باب الجنائز

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

الفصل: ‌ ‌الحديث السادس 140/ 6/ 27 - عن أبي هريرة رضي الله

‌الحديث السادس

140/ 6/ 27 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنةً، ومن راح الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة. ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإِمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر"(1).

الكلام عليه من وجوه كثيرة يحضرنا منها ثمانية عشر وجهًا ويحتمل إفراده بالتصنيف:

(1) البخاري (881، 929، 3211)، ومسلم (850) في الجمعة، باب: الطيب والسواك يوم الجمعة، وأبو داود (351) في الطهارة، باب: في الغسل يوم الجمعة، والترمذي (499) في الصلاة، باب: ما جاء في التبكير يوم الجمعة، والنسائي (3/ 99) في الجمعة، باب: وقت الجمعة، والبغوي (4/ 234)، والموطأ (1/ 101) في الجمعة، باب: العمل في غسل يوم الجمعة.

فائدة: قال الزمخشري في الكشاف (4/ 98): وكانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر مفترضة بالمبكرين إلى الجمعة يمشون بالسرج، وقيل: أول بدعة حدثت في الإِسلام ترك البكور إلى الجمعة.

ص: 151

أولها: فيه الحث على الغسل يوم الجمعة وقد تقدم الخلاف في وجوبه واستحبابه في الحديث الثاني، لكن في هذا الحديث عموم أكثر من ذلك، فإن عمومه بالمجيء والأمر بالغسل مقيد به، وهنا عمومه من حيث الحث عليه، وعلى التبكير إلى الجمعة سواء

كان رجلًا [أم](1) امرأة، وسواء كان صبيًا أم جارية، لأن القربات تصح من هؤلاء كلهم فيشرع لكل مريد للجمعة مطلقًا، وتتأكد في حق الذكور البالغين أكثر من غيرهم من النساء والصبيان المميزين، فإنه في حق النساء قريب من التطيب ولا يكره في حقهن فإنه تنظف محض، وهو مطلوب للجمعة وغيرها وهذه المسألة عندنا فيها أوجه، وأصحها ما ذكرناه.

وثانيها: لا يسن إلَّا لمن هو من أهل فرضها.

وثالثها: يسن لكل [أحد](2) كغسل العيد ثم المراد بالغسل المذكور في الحديث المتقدم على الرواح لأجل الجمعة من غير مواقعة لزوجة أو جارية، واستحبه بعض أصحابنا ليكون أغض لبصره وأسكن لنفسه، مستدلًّا برواية مسلم (3) ["من اغتسل [يوم الجمعة] (4) غُسل (5) الجنابة". قال النووي: وهو استدلال ضعيف لأن معنى

(1) في ن ب د (أو).

(2)

في ن ب (واحد).

(3)

من رواية البخاري ومسلم في التعليق رقم (1) ص (151).

(4)

في ن ب ساقطة.

(5)

في ن ب زيادة (كغسل).

ص: 152

الحديث] (1) من اغتسل غسلًا كغسل الجنابة في الصفات، لا في الموجبات له، من جماع أو احتلام (2).

قلت: ويؤيد هذه المقالة قوله عليه الصلاة والسلام "من غسَّل واغتسل"(3) الحديث فإنه من جملة ما قيل فيه أن المعنى جامع.

ثانيها: "الرواح " ظاهر كلام الصحاح أنه لا يكون إلَّا بعد الزوال.

وقال القرطبي (4): إنه الأصل في اللغة.

وأنكر ذلك الأزهري (5)، وغلَّط قائله فقال في "شرح ألفاظ المختصر":

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

انظر: الفتح (2/ 366)، وشرح مسلم للنووي (6/ 135).

(3)

سنن أبي داود (345) في الطهارة، باب: في الغسل يوم الجمعة، والترمذي (496) في الصلاة، باب: ما جاء في فضل الغسل يوم الجمعة، والنسائي (3/ 97) في الجمعة، باب: فضل المشي إلى الجمعة، وابن ماجه (1087) في إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الغسل يوم الجمعة، والبغوي (4/ 236)، وصححه الحاكم (1/ 281)، وابن خزيمة (6758، 1767)، وصححه الألباني، وانظر: كلام صاحب الفتح الرباني (6/ 52)، وقد جاء من رواية عبد الله بن عمرو عند أحمد في الفتح الرباني (6/ 51).

(4)

في المفهم (3/ 1435).

(5)

الزاهر (47 - 79).

ص: 153

معنى "راح" مضى إلى المسجد ويتوهم كثير من الناس أن الرواح لا يكون إلَّا في آخر النهار، وليس ذلك بشيء، لأن الرواح والغُدُوَّ مستعملان في السير أي وقت كان من ليل أو نهار، يقال: راح في أول النهار وآخره يروح وغدا بمعناه. هذا لفظ الأزهري (1) وذكر غيره نحوه أيضًا.

والمراد به في الحديث: الذهاب أول النهار، وادعى مالك والقاضي حسين، وإمام الحرمين، أن الرواح لا يكون إلَّا بعد الزوال، وقالوا: هذا معناه في اللغة بناء على أن الساعات المذكورة في (2) الحديث عندهم لحظات لطيفة إلَّا الساعات التي هي من طلوع الفجر أو طلوع الشمس ورجحه من المتأخرين ابن [الفركاح](3) في "الإِقليد".

وقال ابنه الشيخ برهان الدين: إنه الصحيح من [حيث](4) الدليل.

(1) يطلق الرواح سواء كان في أول النهار أو آخره أو في الليل لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أخبر أن الملائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى ومن جاء في الساعة الثانية

إلخ، وفي رواية كما ذكرها المؤلف عند النسائي ومن جاء في الساعة السادسة ثم قال: في آخره "فإذا خرج الإِمام طووا الصحف ولم يكتبوا

" الحديث، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الجمعة متصلًا بالزوال فدل على أنه كان للحث على التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل الصف الأول وانتظارها والاشغال بالتنفل والذكر ونحو ذلك ولهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال.

(2)

في ن ب زيادة (هذا).

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

في ن ب (حديث).

ص: 154

وحكى الثعلبي عن المفسرين في قوله تعالى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} (1)، إنها كانت تسير به إلى انتصاف النهار مسيرة شهر، وكان [مسيرها](2) من انتصاف النهار إلى الليل مقدار شهر.

وقال الخطابي (3): معنى "راح" قصد الجمعة، وتوجه إليها مبكرًا قبل الزوال، قال: وإنما تأولناه بهذا لأنه لا يبقى بعد الزوال خمس ساعات في وقت الجمعة، وهذا شائع في الكلام تقول: راح فلان بمعنى "قصد" وإن كان حقيقة الرواح بعد الزوال، وهذا [الاستشكال](4) إنما يأتي إذا حملنا الساعات على الأجزاء الزمانية، دون ما إذا حملناها على ترتيب منازل السابقين، وفيه بعد.

وقد اختلف [العلماء](5) في ذلك: والصحيح عند العلماء: إن أولها من طلوع الفجر، وقد قال عليه الصلاة والسلام:"يوم الجمعة اثنا عشر ساعة"، رواه أبو داود والنسائي من حديث جابر (6) بإسناد على شرط مسلم، فجعل الساعات عبارة عن جميع اليوم، لا عن اللحظات اللطيفة، مع أن لفظة راح محتملة لمجرد

(1) سورة سبأ: آية 12، في تفسير الثعالبي (3/ 240) طبعة الأعلمي بيروت.

(2)

في ن ب (رواحها).

(3)

معالم السنن (1/ 215).

(4)

في ن ب (استشكال).

(5)

زيادة من ن ب.

(6)

النسائي (3/ 99)، وأبو داود عون المعبود (3/ 372)، والحاكم في المستدرك (1/ 279)، وذكره في الفتح (2/ 368)، واقرأ تصحيح الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي، والبيهقي (3/ 250).

ص: 155

السير أي وقت كان، كما قدمناه عن الأزهري كما أوّل قوله تعالى:{فَاسْعَوْا} (1)، على مجرد السير لا على مجرد السرعة (2).

وقيل: إن أولها من طلوع الشمس (3) وصححه الماوردي (4)، وجزم به صاحب "التنبيه" مع أنه صحيح في "المهذب"(5) الأول، وقال في هذا: إنه ليس بشيء.

وقيل إنها لحظات لطيفة (6) بعد الزوال لتوجه الأمر حينئذٍ ثم

(1) سورة الجمعة: آية 9.

(2)

قال الزمخشري في الكشاف (4/ 98) على قوله تعالى: {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)} فذكر قراءةً لبعض الصحابة وهم عمر وابن مسعود وابن عباس "فامضوا"، وعن عمر رضي الله عنه أنه سمع رجلًا يقرأ "فاسعوا"، فقال: من أقرأك هذا؟ قال: أبيّ بن كعب، فقال: لا يزال يقرأ بالمنسوخ لو كانت "فاسعوا" لسعيت حتى يسقط ردائي.

وقيل: المراد بالسعي القصد دون العدو. والسعي: التصرف في كل عمل ومنه قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} وعن الحسن ليس السعي على الأقدام ولكنه على النيات والقلوب، وذكر محمد بن الحسن في موطئه أن ابن عمر سمع الإِقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي، قال محمد بن الحسن: وهذا لا بأس به ما لم يجهد نفسه. اهـ.

(3)

انظر: الاستذكار (5/ 9).

(4)

الحاوي (3/ 68، 69).

(5)

المجموع شرح المهذب (4/ 540).

(6)

استدل مالك في بعض ألفاظ حديث الباب "إذا كان يوم الجمعة قام على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس: الأول فالأول فالمهجر =

ص: 156

إن أول من جاء في أول [ساعة](1) من هذه الساعات ومن جاء في آخرها مشتركان في تحصيل ثواب أصل البدنة أو البقرة أو الكبش، ولكن ثواب بدنة الأول كمل من ثواب بدنة الآخر والمتوسط، وثواب بدنة المتوسط بينهما، كما إن صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، ومعلوم أن الجماعة تطلق على اثنين وعلى ألوف، فمن صلَّى في جماعة هم عشرة [آلاف مثلًا درجاته أكمل](2) من درجات من صلَّى مع اثنين وأشباه هذا كثير، وقال [الغزالي في "الإِحياء": الساعة] (3) الأولى من [طلوع](4) الفجر [إلى](5) طلوع الشمس، والثانية: إلى ارتفاعها، [والثالثة: إلى انبساطها حين] (6) ترمض الأقدام، والرابعة، والخامسة: بعد

= إلى الجمعة كالمهدي بدنة ثم الذي يليه .... " الحديث، فجعل الأول مهجرًا وهي مأخوذة من الهاجرة والهجر، وذلك وقت النهوض إلى الجمعة وليس ذلك عند طلوع الشمس وإن ذلك الوقت به هاجرة ولا هجير. وتعقبه ابن حبيب المالكي قائلًا: أنه لا تكون ساعات في ساعة واحدة، أن الشمس إنما تزول في الساعة السادسة من النهار وهو وقت الأذان وخروج الإِمام إلى الخطبة ثم انقطع التهجير وحان وقت الأذان.

(1)

في ن ب (الساعة).

(2)

في الأصل بياض، وما أثبت من ن ب د.

(3)

في الأصل بياض، وما أثبت من ن ب د.

(4)

زيادة من ن ب د.

(5)

في الأصل (آخر)، وما أثبت من ن ب د.

(6)

في الأصل بياض، وما أثبت من ن ب د.

ص: 157

الضحى، الأعلى إلى الزوال، ولا فضيلة في وقت الزوال (1).

ثالثها: فيه استحباب التبكير إلى الجمعة أو التهجير كما ورد في بعض الأحاديث الصحيحة (2)، ومذهب الشافعي (3) وجماهير

أصحابه وابن حبيب (4) المالكي وجمهور العلماء استحباب التبكير إليها أول النهار، والساعات عندهم أول النهار، والرواح أوله وآخره كما تقدم، واختار مالك التهجير واستدل عليه بأوجه.

(1) اختلف العلماء في ذلك، فالجمهور حملوا الساعات المذكورة في الحديث على الساعات الزمانية كما في سائر الأيام، وقد روى النسائي أنه صلى الله عليه وسلم قال:"يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة".

وأما أهل الحساب فيجعلون ساعات النهار ابتداءها من طلوع الشمس ويجعلون الحصة التي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس من حساب الليل واستواء الليل عندهم إذا تساوى ما بين المغرب وطلوع الشمس وما بين طلوع الشمس وغروبها. فإن أريد الساعات على اصطلاحهم فيكون ابتداء الوقت المرغب فيه لذهاب الجمعة من طلوع الشمس وهو أحد الوجهين عند الشافعية وقال الماوردي إنه الأصح كما مر. ليكون قبل ذلك من طلوع الفجر زمن تأهب وغسل. وقيل: إنه من طلوع الفجر، وعندهم قول ثالث إنه من الزوال كالمالكية. وقال الرافعي: ليس المراد من الساعات على اختلاف الوجوه الأربع والعشرين التي قسم اليوم والليلة عليها، وإنما المراد ترتيب الدرجات وفضل السابق على الذي يليه. اهـ.

(2)

انظر التعليق رقم (1) ص (151)، وجاء أيضًا من رواية أوس بن أوس، عند أبي داود (345)، والترمذي (496)، والنسائي (3/ 95) وغيرهم.

(3)

انظر: الأم (1/ 196).

(4)

انظر: الاستذكار (5/ 11).

ص: 158

أحدها: أن التهجير: والمهجر إنما يكون في الهاجرة.

قال الجوهري (1): وهي نصف النهار عند اشتداد الحر، ومن خرج من بيته عند طلوع الشمس مثلًا أو بعد طلوع الفجر لا يقال له

مهجر.

وأجيب عن ذلك: بأن التهجير مشتق من الهجر: وهو ترك المنزل أي وقت كيف كان.

وقال الشيخ تقي الدين: إنه بعيد (2).

قلت: فيه نظر، فقد قال الخليل بن أحمد: وغيره من أهل

(1) انظر: مختار الصحاح (288).

(2)

إحكام الأحكام (3/ 142).

قال ابن حجر في الفتح (2/ 369): التهجير: مشتق من التهجر، وهو السير في وقت الهاجرة، وأجيب: بأن المراد بالتهجير هنا التبكير كما تقدم نقله عن الخليل في المواقيت، وقال ابن المنير في الحاشية: يحتمل أن يكون مشتقًا من الهجير بالكسر وتشديد الجيم وهو ملازمة ذكر الشيء وقيل: هو من هجر المنزل وهو ضعيف لأن مصدره الهجر لا التهجير. وقال القرطبي: الحق أن التهجير هنا من الهاجرة وهو السير وقت الحر، وهو صالح لما قبل الزوال وبعده، فلا حجة فيه لمالك، وقال التوربشتي: جعل الوقت الذي يرتفع فيه النهار ويأخذ الحر في الازدياد من الهاجرة تغليبًا، بخلاف ما بعد زوال الشمس فإن الحر يأخذ في لانحطاط، ومما يدل على استعمالهم التهجر في أول النهار ما أنشد ابن الأعرابي في نوادره لبعض العرب:"تهجرون تهجير الفجر" واحتجوا أيضًا بأن الساعة لو لم تطل للزم تساوي الآتين فيها والأدلة تقتضي رجحان السابق.

ص: 159

اللغة كما نقله النووي (1).

التهجير: التبكير ومنه الحديث: "لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه"(2) أي التبكير إلى كل صلاة.

وقال الفراء وغيره: التهجير السير في الهاجرة.

[و](3) قال النووي (4): في "شرحه"، والصحيح [عندنا](5) أن التهجير التبكير.

ثانيها: أن المراد بالساعات اللحظات، وقد سلف بطلانه واستدلوا على ما قالوه بأن العرف واستعمال الشرع لا يدلان على استعمال الساعات بحساب والآت، وإن دل فالمراد بها الظرفية التي يقع فيها المراتب في الذهاب، وقد بينا تسمية الشارع لها حيث قال:"يوم الجمعة ائنا عشر ساعة".

فإن قلت: لم لا تُحمل الساعة هنا على اللغوية وهي القطعة من الزمان غير محدودة بمقدار -قال تعالى-: {مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} (6).

(1) انظر: شرح مسلم (6/ 145).

(2)

البخاري (615، 654، 721، 2689)، ومسلم (437) في الصلاة، باب: تسوية الصفوف وفضل الصف الأول، من حديث أبي هريرة. اهـ.

(3)

زيادة من ن ب.

(4)

انظر: شرح مسلم (6/ 145).

(5)

في ن ب (هنا).

(6)

سورة الروم: آية 55.

ص: 160

قلت: حمله على الساعات التي هي اثني عشر أولى [لظهورها](1) ويؤيده الحديث السالف.

ثالثها: أن الساعة السادسة لم تذكر في هذا الحديث.

والجواب: أن في النسائي (2)"بعد الكبش، بطة، ثم دجاجة، ثم بيضة". وفي رواية (3) له بعد الكبش: "دجاجة، ثم عصفور، ثم بيضة". وإسنادهما صحيح، فزال الإِشكال، ودل [على أنه لا شيء]

(1) في ن ب (لظهوره هنا).

(2)

النسائي (3/ 98).

(3)

النسائي (3/ 99).

قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- (2/ 368): وقد وقع في رواية ابن عجلان عن سمي عند النسائي من طريق البيت عنه زيادة مرتبة بين الدجاجة والبيضة وهي العصفور وتابعه صفوان بن عيسى عن ابن عجلان أخرجه محمد بن عبد السلام الخشني، وله شاهد من حديث أبي سعيد أخرجه حميد بن زنجويه في الترغيب له بلفظ "فكمهدي البدنة إلى البقرة إلى الشاة إلى علية الطير إلى العصفور" الحديث، ونحوه في مرسل طاوس عند سعيد بن منصور، ووقع عند النسائي أيضًا من حديث الزهري من رواية عبد الأعلى عن معمر زيادة البطة بن الكبش والدجاجة، لكن خالفه عبد الرزاق وهو أثبت منه في معمر فلم يذكرها. اهـ.

وقال أيضًا في التلخيص الحبير (2/ 69): قال النووي: وهاتان الروايتان شاذتان وإن كان إسنادهما صحيحًا. اهـ.

قال في الفتح الرباني (6/ 59): رواية العصفور ليست شاذة بل لها شاهد من رواية أبي سعيد الخدري، رجاله ثقات وأورده الهيثمي في المجمع، وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات وحسنه المنذري

إلخ.

ص: 161

من الهدى والفضيلة لمن جاء بعد الزوال وأن ذكر الساعات إنما كان الحث على التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق، وتحصيل الصف الأول، وانتظار الصلاة وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال، ولا فضيلة لمن أتى بعد الزوال، لأن النداء [يكون](1) حينئذٍ، ويحرم التخلف بعده.

رابعها: أن الرواح إنما يكون بعد الزوال فحافظوا على حقيقة "راح" وتجوزوا في لفظ "الساعة" وقد سلف ما قيل في الرواح والساعة.

خامسها: الحديث يقتضي أن يتساوى مراتب الناس: في كل ساعة، فكل من أتى في الأولى كان كالمقرب بدنة، وكل من أتى في

الثانية كان كالمقرب بقرة، مع أن الدليل يقتضي أن السابق لا يساويه اللاحق، وقد جاء في الحديث ثم الذي يليه.

قال الشيخ تقي الدين (2): ويمكن أن يقال في هذا: إن التفاوت يرجع إلى الصفات.

قلت: وهو كما قال كما سلف، لكن روى أبو قرة في حديث أبي هريرة (3) هذا النبي كل ساعة من هذه الساعات الخمس وأول الساعة وآخرها سواء" والظاهر أنه يُؤوَّلُ على ذلك.

فائدة: يستثنى الإِمام من التبكير اتباعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نبه

(1) زيادة من ن ب د.

(2)

انظر: إحكام الأحكام (3/ 143).

(3)

ذكرها ابن حجر في الفتح وسكت عنها (2/ 370).

ص: 162

على ذلك الماوردي من أصحابنا (1).

الوجه الرابع: من الكلام على الحديث فيه بيان لمراتب الناس في الفضائل في الجمعة وغيرها بحسب أعمالهم وذلك يعرف أيضًا من قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (2).

الخامس: معنى "قرّب" تصدق و"البدنة" عند جمهور أهل اللغة وجماعة من الفقهاء كما نقله النووي عنهم في "شرح مسلم" يقع على الواحد من الإِبل والبقر والغنم.

سميت بذلك: لعظم بدنها لكن الفيل يشترك معها في ذلك ولا يسمى بدنة.

وخصها جماعة: بالإِبل وهو المراد بالحديث اتفاقًا، لأنها (3) قوبلت فيه بالبقر والكبش، وحيث أطلقت البدنة [في الحديث](4)

المراد بها ما يجزئ في الأضحية.

وقال الماوردي: في تفسير قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ} (5).

(1) استنبطها الماوردي من قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا خرج الإِمام" وتعقبه. قال ابن حجر في الفتح (2/ 366): وما قاله غير ظاهر لإِمكان أن يجمع بين الأمرين بأن يبكر ولا يخرج من المكان المعد له في الجماع إلَّا إذا حضر الوقت، أو عمل على من ليس له مكان.

(2)

سورة الحجرات: آية 13.

(3)

في ن ب زيادة (لو قبلت).

(4)

زيادة من ن ب.

(5)

سورة الحج: آية 36. انظر: تفسير الماوردي (4/ 26).

ص: 163

قال الجمهور: [هي](1) الإِبل.

وقيل: الإِبل والبقر.

وقيل: هما والغنم وهو شاذ، [ووقع] (2) في "التحرير" للنووي رحمه الله عن الأزهري أنه قال: البدنة: "تكون من الإِبل [والبقر] (3) والغنم"، وعزاه في "تهذيبه"(4) إلى شرح "المختصر" له، والذي فيه ما نصه "والبدنة لا تكون إلَّا من الإبل، وأما الهدي: فيكون من الإِبل والبقر والغنم"، انتهى. فسقط من قوله "لا تكون" إلى قوله "يكون" إما لغلط في النسخة أو لانتقال نظره من أحد الموضعين إلى الآخر فتنبه لذلك، وقد وقع في هذا الوهم الحافظ محب الدين الطبري في "أحكامه" في كتاب الحج والظاهر أنه تبع فيه النووي.

وادعى بعض الشافعية: أن استعمال [البدنة](5) في الإِبل أغلب وبنى على ذلك أنه [لو](6) قال: لله عليّ أن أضحي ببدنة [و](7) لم يقيد بالإِبل لفظًا ولا نية. والإِبل موجودة هل يتعين فيه وجهان

(1) في الأصل (وهي).

(2)

في الأصل بياض.

(3)

في الأصل بياض.

(4)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 21).

(5)

في ن ب ساقطة.

(6)

زيادة من ن ب.

(7)

في ن ب (أو).

ص: 164

أحدهما نعم لما قلناه (1).

والثاني: أنه يقوم مقامها بقرة أو سبع من لغنم حملًا على ما علم من الشرع من إقامتها مقامها، والأول أقرب، كما قال الشيخ

تقي الدين (2)، قال: فإن لم توجد الإِبل فوجهان:

أحدهما: يصبر إلى أن توجد.

والثاني: تقوم مقامها البقرة (3).

(1) انظر ما بعده.

(2)

إحكام الأحكام (3/ 146).

(3)

قال ابن حجر في الفتح (2/ 367): قال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر: البدنة لا تكون إلَّا من الإِبل وصح ذلك عن عطاء، وأما الهدي فمن الإِبل والبقر والغنم، هذا لفظه، وحكى النووي عنه أنه قال: البدنة تكون من الإِبل والبقر والغنم. وكأنه خطأ نشأ عن سقط، انظر تعديل السقط قبل هذا بأسطر من الشرح، وفي الصحاح: البدنة ناقة أو بقرة تنحر بمكة، سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها، انتهى. والمراد بالبدنة هنا الناقة بلا خلاف، واستدل به على أن البدنة تختص بالإِبل لأنها قوبلت بالبقرة عند الإِطلاق، وقسم الشيء لا يكون قسيمه، أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد، وقال إمام الحرمين: البدنة من الإِبل، ثم الشرع قد يقيم مقامها البقرة وسبعًا من الغنم. وتظهر ثمرة هذا الخلاف فيما إذا قال: الله عليَّ بدنة، وفيه خلاف، الأصح تعين الإِبل إن وجدت، وإلَّا فالبقرة أو سبع من الغنم، وقيل: تتعين الإِبل مطلقًا، وقيل يتخير مطلقًا. اهـ.

وقال المطرزي في المغرب (1/ 62): البدنة: في اللغة من الإِبل خاصةً، ويقع على الذكر والأنثى.

قال أبو هلال العسكري -رحمنا الله وإياه- في كتابه الفروق (ص 250) الفرق: بين البدنة والهدي أن البدن ما تبدن من الإِبل أي تسمن يقال: =

ص: 165

واعلم: أن "البدنة" تطلق على الذكر والأنثى بالاتفاق والهاء فيها للواحدة كقمحة وشعيرة من نحوهما من أفراد الجنس وفي "شرح البخاري لابن التين"، تعجب مالك ممن قال لا تكون البدنة من الإِناث.

وجمع البدنة: بُدْنٌ بإسكان الدال وضمها لغتان حكاهما الجوهري (1)، بالإِسكان. جاء القرآن، وقرأ بالضم ابن [أبي](2) إسحاق.

السادس: "البقرة" تطلق على الذكر والأنثى والهاء فيها للواحدة أيضًا.

سميت بذلك: لأنها تبقر الأرض، أي تشقها بالحراثة.

= بدنت الناقة إذا سمنتها وبدن الرجل سمن ثم كثر ذلك حتى سميت الإِبل بدنًا مهزولة كانت أو سمينة فالبدنة اسم يختص به البعير إلَّا أن البقرة لما صارت في الشريعة في حكم البدنة قامت مقامها وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة" فصارت البقر في حكم البدن ولذلك كان يقلد البقرة كتقليد البدنة في حال وقوع الإِحرام بها لسايقها ولا يقلد غيرها.

والهدي يكون من الإِبل والبقر والغنم ولا تكون البدنة من الغنم والبدنة لا يقضي أهداؤها إلى موضع والهدي يقتضي إهداؤه إلى موضع لقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} ، فجعل بلوغ الكعبة من صفة الهدي فإن قال عليَّ بدنة جاز له نحرها بغير مكة وهو كقوله عليّ جزور ومن قال عليّ هدي لم يجز أن يذبحه إلَّا بمكة

الخ.

(1)

مختار الصحاح (26).

(2)

في ن ب ساقطة.

ص: 166

والْبَقْرُ: الشق.

ومنه قولهم: بقر بطنه أي شقه.

ومنه سمي محمد الباقر: لأنه بقر العلم ودخل فيه مدخلًا بليغًا، ووصل منه غاية مرضية، وأهل اليمن يسمون البقرة باقورة، وفي الحديث (1)"في ثلاثين باقورة بقرة"، وفي ذكر البقرة بعد البدنة دلالة لمن يقول إن البدنة لا تكون إلَّا من الإِبل، لكنا أسلفنا أن المراد هنا بالبدنة الإِبل.

السابع: قوله عليه الصلاة والسلام: "كبشًا أقرن" وصفه بالأقرن لكماله به. وحُسْن صورته، ولأنه ينتفع به، فهو أفضل من الأجم، وفي "صحيح ابن خزيمة"(2)"شاة" بدل "الكبش الأقرن"، و "طائر" بدل "الدجاجة".

الثامن: "الدجاجة" بكسر الدال وفتحها لغتان مشهورتان.

قال أبو المعاني في "المنتهى": والفتح أفصح.

وحكى الليث عن ابن طلحة: الضم أيضًا (3)، وهذا لفظه

(1) قال ابن الأثير رحمه الله في النهاية (1/ 145): وفي كتاب الصدقة لأهل اليمن "وفي ثلاثين باقورة بقرة"؛ الباقورة بلغة اليمن: البقر، هكذا قال الجوهري رحمه الله، فيكون قد جعل المميز جمعًا.

(2)

ابن خزيمة (3/ 133، 134). انظر: مسند أحمد (2/ 457) إسناده صحيح.

(3)

قال ابن حجر في الفتح (2/ 367): وعن محمد بن حبيب أنها بالفتح الحيوان؛ وبالكسر من الناس. اهـ.

ص: 167

يقال: دَجاجة ودِجاجة ودُجاجة باللغات الثلاث، وكذلك في الجمع الدَجاج الدِجاج الدُجاج، ولم يذكر النووي في كتبه الضم فاستفده.

سميت بذلك: لإقبالها وإدبارها يقع [على](1) الذكر والأنثي.

وجمعها: دجاج، ودجاجات ذكره ابن سيده (2).

ودخلت الهاء في الدجاجة لأنه واحد من جنس مثل حمامة وبطة وحية ونحوها.

التاسع: "البيضة" جمعها بيض ويجمع البيض على بيوض قاله ابن سيده.

العاشرة فيه أن القربان والْهَدْيَ والصدقةَ تقع على القليل والكثير من غير الإِبل والبقر والغنم، وقد قال به بعض أصحابنا، وهي أقرب إلى الرواية التي فيها لفظ كالمهدي بدنة.

الحادي عشر: فيه أن الأضحية بالإِبل أفضل من البقر، لأنه عليه الصلاة والسلام جعل الإِبل في الدرجة الأولى، والبقر في الثانية.

وقد أجمع العلماء: على أن الإِبل أفضل من البقر في الهدايا. واختلفوا في الأضحية.

فمذهب الشافعي وأبي حنيفة والجمهور: أن الإِبل أفضل من البقر، ثم الغنم، كما في الهدايا.

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

في المخمص (8/ 167).

ص: 168

ومذهب مالك: أن أفضل الأضحية الغنم ثم البقر، ثم الإِبل.

ومنهم من قدم الإِبل على البقر، قالوا: لأنه عليه الصلاة والسلام ضحى بكبشين، ولأن لحم الغنم أطيب، فكان أفضل، لكن حديث الباب يخالف هذا، وهو حجة الجمهور مع القياس على الهدايا، وتضحيته عليه الصلاة والسلام بكبشين لا يدل على الأفضلية، بل يفيد الجواز، وطيب اللحم من الغنم معارض بكثرته من الإِبل والبقر، ولعله عليه الصلاة والسلام لما ضحى [بهما لم يجد غيرهما في ذلك الوقت، كما ثبت في الصحيح (1) أنه عليه الصلاة والسلام ضحى](2) عن نسائه بالبقر وفرقوا بين الهدايا والضحايا بأن الغرض في الضحايا استطابة اللحم، وفي الهدي كثرته، وقد يمنع هذا الفرق واستدلوا أيضًا بقوله تعالى:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} (3).

(1) البخاري الفتح (3/ 551)، ومسلم (2/ 876)، وابن ماجه (2981)، وأحمد (6/ 194)، وابن خزيمة (4/ 289)، والمنتقى لابن الجارود (2/ 103).

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

سورة الصافات: آية 107.

اختلف الفقهاء في ذلك:

فمذهب مالك: أفضل الضحايا فحول الضأن، أفضل من فحول المعز، وفحول المعز أفضل من إناثها، وإناث المعز أفضل من الإِبل والبقر في الضحايا.

أدلتهم:

أولًا: احتجوا بالآية {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} ، وهو كبش لا جمل =

ص: 169

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ولا بقر.

ثانيًا: أن فداء إسماعيل عليه السلام بهذا الكبش دليل على أفضليته إذ لو علم الله غيره أفضل منه لفداه به.

ثالثًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين.

رابعًا: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نزل جبريل في يوم عيد فقلت: يا جبريل، كيف ترى عيدنا؟ فقال: يا محمد، لقد تباهى به أهل السماء، وقال: اعلم يا محمد أن الجذع من الضأن خير من المسن من المعز والبقر والإِبل، ولو علم الله ذبحًا خيرًا منه لفدى به إبراهيم ابنه"، قال ابن عبد البر: لا أعلم له إسنادًا غير هذا، انفرد به الحنيني وليس ممن يحتج به.

خامسًا: أن الكبش أول قربان تقبله الله، ثم فدى بمثله الذبيح وقد ردَّ المخالفون على استدلالهم بالآية:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} ، فجائز أن يطلق عليه عظيم لما ذكر عن ابن عباس: أنه رعي في الجنة أربعين خريفًا، وأنه الذي قرَّبه ابن آدم فتقبل منه ورفع إلى الجنة.

وقال أبو حنيفة وأصحابه: الجزور في الأضحية أفضل ما ضُحي به، ثم يتلوه البقر، ثم يتلوه الشاة. وحجتهم: حديث "فكأنما قرب بدنة"

إلخ، إجماعهم على أن أفضل الهدايا الإِبل، فكان هذا الإِجماع يقضي على ما اختلفوا فيه من الضحايا لأنها نسكان شريعة، وقربان، وقد قالوا ما استسير من الهدي "شاة" فدل ذلك نقصانه عن مرتبة ما هو أعلى منه. حديث أفضل الرقاب لما سئل فقال:"أغلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها"، ومعلوم أن الإِبل أغلى وأنفس عند الناس. مذهب الشافعية: الإِبل، والبقر، الضأن، المعز. اهـ، من الاستذكار (5/ 14).

أما في الهدي فالتقرب بالإِبل أفضل من غيرها بالاتفاق، لأن المقصود في الهدي التوسعة على الفقراء وأما في الضحايا فهو التذكير بقصة الذبيح.

ص: 170

الثاني عشر: ظاهر هذا الحديث أو نصه يقتضي أن هذا التقريب المذكور لا يحصل إلَّا لمن اغتسل ثم راح، لتصدير الشرط به وهو كلمة "من" وعطف الرواح عليه بـ "ثم" المرتبة نعم من راح في الساعة الأولى مثلًا من غير اغتسال كان له فضل على من راح بعده، ولكن لا يحصل له أجر التقريب المذكور المشروط بالاغتسال.

الثالث عشر: في رواية لمسلم "أهدى دجاجة وأهدى بيضة" وليس هذان مما يطلق عليهما اسم هدي، واعتذر عن ذلك بأنه لما عطفه على ما قبله من الهدايا لزمه حكمه في اللفظ كقوله:"متقلدًا سيفًا ورمحًا" أي وحاملًا رمحًا، وكذلك هنا لأنه كالمتقرب

بالصدقة بدجاجة وبيضة، وأطلق على ذلك اسم الهدي لتقدمه وتحسين الكلام به.

وأما رواية: "قرب" فاعتذر عنها أيضًا بأنه ضرب من التمثيل للأجور ومقاديرها لا أنه يكون أجر هذا كأجر هذا وتكون الدجاجة في التمثيل والبيضة بقدر إحداهما من أجر البدنة لو كان هذا مما يهدى.

قال ابن بطال: وبعض العلماء يقول ليست الغنم بهدي، والأكثرون على خلافه.

قال القاضي عياض: وفائدة الخلاف فيمن قال: علىّ هدي هل تجزئه شاة أم لا؟ وأجاز ذلك مرة مالك، ومرة لم يجزها إلَّا لمن

ص: 171

قصر النفقة (1).

الرابع عشر: ادعى بعض المعلقين أنه قد يتمسك بهذا الحديث لمذهب الإِمام [أحمد](2) في فعلها قبل الزوال لقوله بعد الخامسة "فإذا خرج الإِمام""والفاء" للتعقيب وهو عجيب، فهو ذهول عن رواية النسائي السالفة التي فيها ست ساعات، ثم هذا إنما يمشي إذا اعْتُبِر الساعات الزمانية، وقد تقدم الخلاف فيه.

الخامس عشر: "حضر" -بفتح- الضاد أفصح من كسرها وبه جاء القرآن، قال تعالى:{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} (3).

(1) قال ابن حجر في الفتح (2/ 367)، واستشكل التعبير في الدجاجة والبيضة بقوله في رواية الزهري "كالذي يهدي" لأن الهدي لا يكون منهما، وأجاب القاضي عياض تبعًا لابن بطال بأنه لما عطفه على ما قبله أعطاه حكمه في اللفظ فيكون من الإِتباع كقوله:"متقلدًا سيفًا ورمحًا" وتعقبه ابن المنير في الحاشية بأن شرط الأتباع أن لا يصرح باللفظ في الثاني يقوله: هو من تسمية الشيء باسم قرينة. وقال ابن دقيق العيد: قوله: "قرب بيضة"، وفي الرواية الأخرى:"كالذي يهدي" يدل على أن المراد بالتقريب الهدي. وينشأ منه أن الهدى يطلق على مثل هذا حتى لو التزم هديًا هل يكفيه ذلك أو لا، انتهى، والصحيح عند الشافعية الثاني،

وكذا عند الحنفية والحنابلة، وهذا ينبني على أن النذر هل يسلك به جائز الشرع أو واجبه؟ فعلى الأول يكفي أقل ما يتقرب به، وعلى الثاني يحمل على أقل ما يتقرب به من ذلك الجنس، ويقوي الصحيح أيضًا أن المراد بالهدي هنا التصدق كما دل عليه لفظ التقرب، والله أعلم.

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

سورة النساء: آية 8.

ص: 172

وقوله عليه الصلاة والسلام: "فإذا خرج الإِمام حضرت الملائكة يسمعون الذكر"، ومقتضاه خروج الإِمام بعد الساعة الخامسة، وتطوي الملائكة الصحف لاستماع الذكر، وخروج الإِمام إنما يكون بعد الساعة السادسة [ويبين](1) ذلك رواية النسائي السالفة، وهذا إنما يأتي إذا قلنا إن المراد بالساعات الزمانية التي يومها اثني عشر ساعة، وهو الصحيح كما سلف، فأما إذا جعلنا المراد بها اللحظات بعد الزوال، أو جعلنا ذلك عبارة عن ترتيب منازل [السابقين](2) فلا إشكال (3).

السادس عشر: المراد بهؤلاء الملائكة غير الحفظة ووظيفتهم كتابة حاضري الجمعة، واستماعهم [للذكر](4) الذي هو الوعظ

والتذكير تشريفًا له ولسامعه وتعظيمًا لقدر الجمعة، وشهادة لهم بذلك جميعه.

السابع عشر: جاء في رواية لمسلم: "فإذا جلس الإِمام طووا الصحف"، ولا تعارض بينها وبين رواية الكتاب، بل ظاهرها أنه [بخروج](5) الإِمام يحضرون فلا يطوون الصحف، فإذا جلس

(1) في ن ب (وبين).

(2)

في ن ب (السالفين).

(3)

انظر: الفتح (2/ 368).

(4)

في ن ب (الذكر).

(5)

في ن ب (يخرج).

ص: 173

طووها. قاله النووي في "شرحه"(1) لكن روى ابن أبي شيبة (2) من حديث علي بن زيد عن أوس بن [خلف](3) عن عبد الله بن عمر مرفوعًا "إن الملائكة على أبواب المسجد يكتبون الناس على منازلهم جاء فلان من ساعة كذا وكذا، جاء فلان من ساعة كذا، جاء فلان والإِمام يخطب، جاء فلان ولم يدرك الخطبة" وهذا يدل على أن كتبهم لا ينقطع بجلوس الإِمام على المنبر، وقال ابن بزيزة:[طي](4) الصحف عبارة على أنهم لا يكتبون، فهل هو تنبيه على فضيلة البكور بحيث إنه إن لم يبكر لا يكتب له مثل ما يكتب للمبكر [أو نفي للكتب](5) مطلقًا في حق غير المبكر، وهو ظاهر اللفظ.

فائدة: روى ابن خزيمة (6) من حديث عبد الله بن عمرو: "فإذا خرج الإِمام رفعت الأقلام، فتقول الملائكة بعضهم لبعض، ما حبس فلانًا، فتقول الملائكة: اللهم إن كان ضالًّا فاهده، وإن كان مريضًا فاشفه، وإن كان عائلًا فَأَغْنِهِ".

الثامن عشر: في الحديث أن حضور هؤلاء الملائكة لازم

(1) انظر: شرح مسلم (6/ 146).

(2)

ابن أبي شيبة (2/ 152).

(3)

في ن ب د (خالد).

(4)

في ن ب (على).

(5)

في ن ب (الكتب).

(6)

ابن خزيمة (3/ 134)، وسكت عنه الحافظ ابن حجر في الفتح (2/ 361)، وقال الألباني: إسناده ضعيف.

ص: 174

بخروج الإِمام للخطبة المشتملة على ذكر الله -تعالى- والوعظ والتذكير، واستماع ذلك، كما سلف [لا](1) لاستماع ما أحدث فيها من البدع وغيرها، فإن ذلك تكتبه الحفظة على فاعله والراضي به بلسانه وأما الراضي به بقلبه فإن الله -تعالى- مطلع عليه دون

الحفظة من الملائكة.

(1) في ن ب ساقطة.

ص: 175