المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث السابع 163/ 7/ 32 - عن أم عطية رضي الله - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٤

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌25 - باب الجمع بين الصلاتين بالسفر

- ‌26 - باب قصر الصلاة في السفر

- ‌27 - باب الجمعة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌29 - باب صلاة الكسوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث [الرابع]

- ‌30 - باب صلاة الاستسقاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌31 - باب صلاة الخوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الجنائز

- ‌32 - باب الجنائز

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

الفصل: ‌ ‌الحديث السابع 163/ 7/ 32 - عن أم عطية رضي الله

‌الحديث السابع

163/ 7/ 32 - عن أم عطية رضي الله عنها قالت: "نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا"(1).

الكلام عليه من وجوه أربعة: والتعريف براويه سلف في العيدين.

الأول: هذا الحديث حكمه حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن النهي لا يجوز أن يضاف إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم عند الإِطلاق

(1) البخاري (1278)، ومسلم (938)، وأبو داود (3037)، وأحمد (6/ 408، 409)، والبيهقي (4/ 77)، وابن ماجه (1577)، والدارمي (2/ 377)، وابن الجارود (531)، وعبد الرزاق (3/ 454، 455)، وله شاهد وفيه ذكر عمر عند ابن حبان (3041)، وأبو يعلى (226)، وأحمد (5/ 85)، أبو داود في الصلاة (1139)، وأيضًا له شواهد عند البخاري (324)، ومسلم (980)، والنسائي (3/ 180، 7/ 149)، وابن ماجه (1307، 1308)، وفيها بيان أن الناهي عن ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

انظر: الطبراني في الكبير (25/ 147)، وناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين (278)، ولفظ:"نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا".

ص: 459

واعلم: أن الصحابي إذا قال: أمرنا بكذا ونهينا عن كذا، أو من السنَّة كذا، وما أشبه ذلك كله مرفوع على الصحيح، كما قدمته في الحديث الأول من باب الأذان عند قول أنس رضي الله عنه:"أمر بلال أن يشفع الأذان"، ولا فرق بين أن يقول ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعده إن كان يحتمل إذا قاله بعده أن يكون الآمر والناهي من أدركه من الخلفاء، لكن احتمال إرادته النبي صلى الله عليه وسلم أظهر، وقد قال الشافعي في الأم (1) في باب: ما عدد كفن الميت؟ بعد ذكر ابن عباس والضحاك. ما نصه: وابن عباس والضحاك بن قيس رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولان: السنَّة إلَّا سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم. لكن نقل الن داود من أصحابنا في شرحه لـ"المختصر" في كتاب "الجنايات" في (باب أسنان الإِبل) عن الشافعي، أنه كان يرى في القديم أن ذلك مرفوع، إذا صدر من الصحابي أو التابعي، ثم رجع عنه، لأنهم قد يطلقونه ويريدون به سنَّة البلد، وهذا نقل غريب عن الشافعي فتنبه له.

الثاني: "العزم" في اللغة: القصد المؤكد، ومنه: عزمت على فعل الشيء.

قال الجوهري (2): عزمت على كذا عزمًا وعُزْمًا بالضم وعَزيمة وعزيمًا إذا أردت فعله وقطعت عليه، قال -تعالى-: {فَنسِىَ وَلَمْ

(1) الأم للشافعي (2/ 266).

(2)

انظر: مختار الصحاح (184).

ص: 460

نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} (1) أي جزمًا.

[(2)]: فقولها: "ولم يعزم علينا"، أي: لم يؤكد علينا في المنع من اتباع الجنائز ما اؤكد علينا في غيره، فلم نؤمر فيه بعزيمة، والعزيمة دالة على التأكيد كما قررناه، فكأنها قالت: كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم.

وهذا يخالف ما حدَّبه الإِمام فخر الدين العزيمة في "المحصول"(3) من قوله: العزيمة هي جواز الإِقدام مع عدم المانع بخلاف الرخصة، فيدخل فيه أكل الطيبات ولبس الناعمات وليس [من العزائم وفيها جواز الإِقدام مع عدم المانع. وهذا القول مخالف

للحديث، ولما دل عليه الاستعمال اللغوي من إشعار العزم بالتأكيد كما أسلفناه.

وحدها القرافي: بطلب الفعل الذي لم يشتهر فيه مانع شرعي.

قال: ولا يمكن أن يكون المباح من العزائم] (4)، فإن العزم هو الطلب المؤكد فيه.

قال الفاكهي: وهذا الحد يدخل فيه الواجبات وليس

(1) سورة طه: آية 112. قال صاحب التعريفات للجرجاني على هذه الآية: أي لم يكن له قصد مؤكد في الفعل بما أمر به، وفي الشريعة اسم لما هو أصل المشروعات غير متعلق بالعوارض.

(2)

في الأصل زيادة (الثالث)، وهي ساقطة من ن ب د.

(3)

المحصول (1/ 154).

(4)

في ن ب ساقطة.

ص: 461

[يحتمل](1) فيما يظهر، ومن الأصوليين من خص العزيمة بالواجب وبه جزم الغزالي في "المستصفى"(2) والآمدي في "الأحكام"(3)، و"منتهى السول"(4)، وابن الحاجب في"مختصره الكبير".

فقالوا: العزيمة بما لزم العباد بإيجاب الله -تعالى-، وكأنهم احترزوا بايجاب الله -تعالى- عن النذر.

الثالث: وردت أحاديث في التشديد في اتباع النساء أو بعضهن الجنائز أكثر مما يدل عليه هذا الحديث، كالذي جاء عن فاطمة رضي الله عنها. رواه أبو داود (5)، والنسائي (6)، وضعفه

(1) في الأصل (بجيد).

(2)

(1/ 62).

(3)

(1/ 131).

(4)

(1/ 129)، وانظر: كتاب السبب عند الأصوليين- د. الربيعة، للاطلاع على تعريف العزيمة عند الأصوليين (1/ 112).

(5)

(3123) في الجنائز، باب: في التعزية.

(6)

(4/ 27) في الجنائز، باب: النعي، وقال النسائي (4/ 28) في أحد رواته: ربيعة بن سيف ضعيف، والبيهقي (4/ 77، 78)، والحاكم (1/ 374) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وافقه الذهبي فقال:"على شرطهما" وهو عجيب منهما، فإن ربيعة بن سيف لم يخرج له الشيخان ولا أحدهما، وقد استدرك ابن دقيق العيد ذلك على الحاكم، فيما نقله الشوكاني في نيل الأوطار (4/ 164) قال:"قال ابن دقيق العيد: وفيما قاله الحاكم عندي نظر فإن راويه ربيعة بن سيف لم يخرج له الشيخان في الصحيح شيئًا فيما أعلم"، والحديث أشار إليه ابن حجر في الفتح (3/ 145). انظر كلام ابن القيم على الحديث في =

ص: 462

عبد الحق والنووي (1)، وحسنه ابن القطان، وصححه ابن حبان (2)، فإما أن يكون لعلو منصبها، وحديث أم عطية هذا في عموم النساء أو يكون الحديثان محمولين على اختلاف حالات النساء وهذه المسألة فيها مذاهب: فأجاز مالك (3) لهن اتباع الجنائز وكرهه للشابة [مع](4) الأمر المستنكر، وخالفه غيره من أصحابه فكرهه مطلقًا لظاهر النهي.

وعندنا: أنه مكروه وليس بحرام لهذا الحديث، ونقله النووي في "شرح المهذب"(5) عن جماهير العلماء فإن اقترن باتباعهن لها

محرم، أو جرَّ [إلى](6) مفسدة، فينبغي الجزم بأنه حرام شديد التحريم، وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول الشيخ نصر المقدسي. لا يجوز للنساء اتباع الجنائز، أو يكون المراد بذلك كراهة التنزيه وإلَّا فهو شاذ، وعادتهن بمصر يجتمعن ولا يصلين على الجنازة، بل

يتبعنها لا لمعنى شرعي أصلًا، بل ربما ينحن ويبكين، فالوجه

= تعليقه على أبي داود (4/ 347) قال: وقد طعن غيره في هذا الحديث، وقالوا: هو غير صحيح، لأن ربيعة بن سيف -هذا- ضعيف الحديث، عنده مناكير. اهـ. ولم ينسبه إلَّا إلى ابن أبي حاتم ولم يتعقب هذا الكلام بشيء. انظر: تعليق أحمد شاكر على المسند (10/ 80).

(1)

في المجموع شرح المهذب (5/ 277، 378).

(2)

(3177).

(3)

المدونة الكبرى (1/ 188).

(4)

في ن ب د (وفي).

(5)

المجموع شرح المهذب (5/ 310، 311).

(6)

زيادة من ن ب د.

ص: 463

منعهن. [ونقل العبدري عن مالك أنه يكره إلَّا أن يكون الميت ولدها أو والدها أو زوجها أو كانت ممن يخرج مثلها لمثله](1).

ونقل القاضي عياض عن جمهور العلماء: أنهم قالوا بمنعهن من اتباعها وأجازه علماء المدينة.

ونقل الفاكهي أيضًا: أن مذهبه اتباع المرأة جنازة ولدها ووالدها وزوجها وأخيها، إذا كان ذلك مما يعرف أنه يخرج مثلها على مثله وإن كانت شابة، وكراهة الخروج على غيرها، ولا ممن لا ينكر عليها الخروج عليهم من قرابتها.

قال ابن حبيب: ويكره خروج النساء في الجنائز وإن كنَّ غير نوائح ولا بواكي في جنائز أهل الخاصة من ذوي القرابة، وغيرهم قالوا: وينبغي للإِمام أن يمنعهن من ذلك فقد "أمر صلى الله عليه وسلم بطرد امرأة رآها في جنازة فطردت حتى لم يرها"(2)، وقال لنساء رآهن ينتظرن جنازة: أتغسلنه؟. قلن: لا. قال: أتحملنه فيمن يحمله؟ قلن: لا. قال: فتدخلن قبره فيمن يدخله؟ قلن: لا. قال: فارجعن مأزورات غير مأجورات (3).

(1) زيادة من ن ب د.

(2)

ذكره في مجمع الزوائد (3/ 31).

(3)

ابن ماجه (1578)، وساقه البغوي (5/ 465) بلفظ التضعيف، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 44): "هذا إسناد اختلف فيه من أجل دينار، وإسماعيل بن سلمان. وأورده ابن الجوزي في العلل (2/ 420) من هذا الوجه، ورواه البيهقي (4/ 77)، ومجمع الزوائد (3113). وانظر: ترجمته في ميزان الاعتدال (1/ 232). =

ص: 464

قلت: هذا الحديث رواه ابن ماجه من حديث علي بإسناد ضعيف لأجل إسماعيل بن سلمان الأزرق الذي في إسناده.

قال ابن حبيب: وكان الحسن (1) يطردهن، فإذا لم يرجعن لم يرجع ويقول لا ندع حقًّا لباطل.

وكان مسروق: يحثي في وجوههن التراب ويطردهن، فإن رجعن وإلَّا رجع (2).

وقال النخعي: كانوا إذا خرجوا بالجنائز أغلقوا الأبواب على النساء (3).

وقال ابن عمر (4): ليس للنساء في الجنائز نصيب.

وقال بعض متأخري المالكية: الصواب اليوم الأخذ بقول ابن حبيب لأن خروجهن يؤدي إلى فتنة وفساد كبير فينبغي للإِمام أن يمنعهن من ذلك (5).

= ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده من حديث أنس بن مالك (4056، 4284). و (مأزورات) أصلها موزورات ولكنه اتبع مأجورات، أي لما قابلوا الموزورات بالمأجورات قلبوا الواو همزة ليأتلف اللفظان ويزدوجا.

(1)

عبد الرزاق (3/ 457)، وابن أبي شيبة (3/ 285).

(2)

ابن أبي شيبة (3/ 284)، وعبد الرزاق (3/ 457).

(3)

ابن أبي شيبة (3/ 284)، وعبد الرزاق (3/ 456).

(4)

المراجع السابقة.

(5)

قال شيخ الإِسلام في الفتاوى (24/ 343): وأما المسألة المتنازع فيها: فالزيارة المأذون فيها، هل فيها إذن للنساء، ونسخ للنهي في حقهن؟ أو لم يأذن فيها، بل هن منهيات عنها؟ وهل النهي نهي تحريم؟ أو تنزيه؟ =

ص: 465

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= في ذلك للعلماء ثلاثة أقوال معروفة، والثلاثة أقوال في مذهب الشافعي، وأحمد أيضًا، وغيرهما. وقد حكى في ذلك ثلاث روايات عن أحمد وهو نظير تنازعهم في تشييع النساء للجنائز، وإن كان فيهم من يرخص في الزيارة دون التشييع، كما اختار ذلك طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم.

فمن العلماء من اعتقد أن النساء مأذون لهن في الزيارة، وأنه أذن لهن كما أذن للرجال، واعتقد أن قوله صلى الله عليه وسلم "فزوروها فإنها تذكركم الآخرة" خطاب عام للرجال والنساء، والصحيح أن النساء لم يدخلن في الإِذن في زيارة القبور لعدة أوجه -نذكرها باختصار وتصرف-:

أحدها: أن قوله صلى الله عليه وسلم: "فزوروها" صيغة تذكير، وصيغة التذكير إنما تتناول الرجال بالوضع.

الثاني: أن يقال: لو كان النساء داخلات في الخطاب لاستحب لهن زيارة القبور، كما استحب للرجال عند الجمهور، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل بعلة تقتضي الاستحباب، وهي قوله:"فإنها تذكركم الآخرة"، إلى أن قال -فلو كانت زيارة القبور مأذونًا فيها للنساء لاستحب لهن كما استحب للرجال- إلى أن قال- وما علمنا أن أحدًا من الأئمة استحب لهن زيارة القبور ولا كان النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين يخرجن إلى زيارة القبور كما يخرج الرجال. والذين رخصوا في الزيارة اعتمدوا على ما يروى عن عائشة رضي الله عنها أنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن. وهذا يدل على أن الزيارة ليست مستحبة للنساء، كما تستحب للرجال إذ لو كان كذلك لاستحب لها زيارته، كما تستحب للرجال زيارته، سواء شهدته أو لم تشهده وأيضًا فإن الصلاة على الجنائز أوكد من زيارة القبور، ومع هذا فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء عن اتباع الجنائز، وفي ذلك تفويت صلاتهن على الميت، فإذا لم يستحب لهن اتباعها لما فيها من الصلاة والثواب، فكيف بالزيارة؟ =

ص: 466

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الوجه الثالث: أن يقال: غاية ما يقال في قوله صلى الله عليه وسلم: "فزوروا القبور" خطاب عام، ومعلوم أن قوله صلى الله عليه وسلم:"من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان" هو أدل على العموم من صيغة التذكير، فإن لفظ:"من" يتناول الرجال والنساء باتفاق الناس، -إلى أن قال- ثم قد علم بالأحاديث الصحيحة أن هذا العموم لم يتناول، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم لهن عن اتباع الجنائز سواء كان نهي تحريم أو تنزيه، فإذا لم يدخلن في هذا العموم، فكذلك في ذلك بطريق الأولى، وكلاهما من جنس واحد، فإن تشييع الجنازة من جنس زيارة القبور، قال -تعالى-:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} فنهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين، وعن القيام على قبورهم -إلى أن قال- فإذا كان النساء لم يدخلن في عموم اتباع الجنائز، مع ما في ذلك من الصلاة على الميت، فلأن لا يدخلن في زيارة القبور التي غايتها دون الصلاة عليه بطريق الأولى، بخلاف ما إذا أمكن النساء أن يصلين على الميت بلا اتباع، كما يصلين عليه في البيت، وإذا قيل إن مفسدة الاتباع للجنائز أعظم من مفسدة الزيارة، لأن المصيبة حديثة، وفي ذلك أذى للميت، وفتنة للحي بأصواتهن وصورهن. قيل: ومطلق الاتباع أعظم من مصلحة الزيارة -إلى أن قال- وقول القائل: مفسدة التشييع أعظم: ممنوع، بل إذا رخص للمرأة في الزيارة كان ذلك مظنة تكرير ذلك، فتعظم فيه المفسدة، ويتجدد الجزع، والأذى للميت، فكان ذلك مظنة قصد الرجال لهن والافتتان بهن كما هو الواقع في كثير من الأمصار، فإنه يقع بسبب زيارة النساء القبور من الفتنة والفواحش والفساد ما لا يقع شيء منه عند اتباع الجنائز، وهذا كله يبين أن جنس زيارة النساء أعظم من جنس اتباعهن وأن نهي الاتباع إذا كان نهي تنزيه لم يمنع أن يكون نهي الزيارة نهي تحريم

إلخ.

ص: 467

الرابع: يستفاد من الحديث التفرقة بين نهي التنزيه والتحريم لقولها: "نهينا ولم يعزم علينا" وذلك في عرف الصحابة بالنسبة إلى العلم.

وأما بالنسبة إلى العمل: فلم يفرقوا فيه بل قالوا: يجتنبون المكروه تنزيهاً وتحريماً مطلقاً إلَّا لضرورة بيان من اعتقادٍ أو إلجاء إلى ارتكاب محرم فيفعلون المكروه تنزيهاً خلوصاً من المحرم. ومن استقرى فعلهم وقولهم، وقواعد الشرع وجد الأمر كذلك.

وقال المحب الطبري في "أحكامه": يحتمل أن يكون معنى الحديث ولم يعزم علينا في اتباعها كما عزم على الرجال فيكون النهي نهي تحريم وبه استدل كثير على ذلك (1).

= الوجه الرابع: أن يقال قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريقين: أنه لعن زوارات القبور، وبلفظ:"لعن زائرات القبور" من حديث أبي هريرة ومن حديث ابن عباس: "لعن زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج"، وانظر كلامه على هذا الحديث في الفتاوى (348، 356/ 24)، وانظر كلام ابن القيم على هذا الحديث في تهذيب السنن (3106)، وحاشية الروض لابن قاسم (3/ 146).

(1)

قال ابن القيم في تهذيب السنن (4/ 350) على قول أم عطية: "ولم يعزم علينا"، إنما نفت فيه وصف النهي، وهو النهي المؤكد بالعزيمة، وليس ذلك شرطاً في اقتضاء التحريم، بل مجرد النهي كاف، ولما نهاهنَّ انتهين، لطواعيتهن لله ولرسوله، فاستغنين عن العزيمة عليهن، وأم عطية لم تشهد العزيمة في ذلك النهي، وقد دلت أحاديث لعنه الزائرات على العزيمة، فهي مثبتة للعزيمة، فيجب تقديمها، وبالله التوفيق.

ص: 468