الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
159/ 3/ 32 - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى على قبر بعدما دفن، فكبر عليه أربعًا"(1).
الكلام عليه من وجوه:
والتعريف براويه سلف في باب الاستطابة.
وقد روى هذا الحديث أعني في الصلاة على القبر من الصحابة أيضًا غير ابن عباس أنس (2)، وبريدة (3)، وزيد بن ثابت (4)،
(1) البخاري (757، 1319، 1322، 1336)، ومسلم (954)، والنسائي (4/ 85)، والبيهقي (4/ 45)، وابن ماجه (1530)، وأبو داود (3196)، في الجنائز، باب: التكبير على الجنازة، والترمذي (1037)، وأحمد (1/ 224)، وابن حبان (3085، 3088، 3090، 3091)، والدارقطني (2/ 76، 77).
(2)
حديث أنس، ولفظه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة قد دفنت". أخرجه مسلم (955)، وابن ماجه (1531)، والبيهقي (464)، والدارقطني (2/ 77)، والنسائي (4/ 5)، وابن حبان (3084).
(3)
عند ابن ماجه (1532) والبيهقي.
(4)
في ابن حبان: يزيد بن ثابت أخو زيد بن ثابت، وأيضًا في الترمذي =
وأبو هريرة (1)، وعامر بن ربيعة (2)، وأبو قتادة (3)، وسهل بن حنيف (4)، كما أفاده الترمذي (5) في جامعه: قال ابن مندة في
مستخرجه: ورواه أيضًا جابر بن عبد الله (6)، وأبو أمامة بن ثعلبة (7)، وحصين بن [وحوح](8).
= (1037) مثله، وابن ماجه (1528)، وأحمد (4/ 388)، وابن أبي شيبة (3/ 275، 276، 360)، والبيهقي (4/ 48، 35)، وابن حبان (3083، 3087، 3092)، والحاكم (3/ 591)، والطبراني (22/ 627).
(1)
البخاري (458، 460، 1337)، ومسلم (956)، وأبو داود (3203) في الجنائز، باب: الصلاة على القبر، وابن ماجه (1527)، والطيالسي (2446)، وأحمد (2/ 353، 388)، وابن حبان (3086)، والبيهقي (4/ 47).
(2)
ابن ماجه (1529)، وأحمد (3/ 444، 445)، وابن أبي شيبة (3/ 361).
(3)
البيهقي في السنن (4/ 48).
(4)
مالك (1/ 227)، والنسائي (3/ 66)، وابن أبي شيبة (3/ 360)، والبيهقي (4/ 48).
(5)
الترمذي (3/ 336).
(6)
عند النسائي (4/ 85) في الجنائز، باب: الصلاة على القبر.
(7)
النسائي (4/ 69). الإِصابة (7/ 9).
(8)
هكذا ضبط بمهملتين: ترجمته في الإِصابة (2/ 22)، وانظر: الإِصابة (1/ 149)(2/ 22)(3/ 288، 289)(4/ 87)، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3/ 198)، أيضًا ورد من طريق أبي سعيد عند ابن ماجه (1533)، وذكره في المجمع (3/ 37)(9/ 365)، وأبو داود (3143)، والطبراني في الكبير (3554، 8163).
الوجه الأول: هذا القبر يحتمل أن يكون قبر سوداء التي كانت تقم المسجد، ويحتمل أن يكون غيره.
الثاني: قوله "على قبر" أي على صاحب قبر، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وهو قياس سماعي.
وقوله: "بعد ما دفن" أي بعد ما دفن صاحبه، ففي دفن ضمير يعود على المضاف المقدر، إذ لا يجوز أن يقدر ظاهرًا؛ لأن المفعول القائم مقام الفاعل كالفاعل في أنه لا يحذف.
الثالث: "القبر" واحد القبور والمقبرة مثلثة الباء، حكاه ابن مالك.
ويقال: قبرت الميت أقبُره وأقبِره -بضم الباء وكسرها- قبرًا أي دفنته وأقبرته أمرت بأن يقبر وقوله -تعالى-: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} (1) أي جعله ممن يقبر، ولم يجعله ملقى للكلاب، وقد تقدم الكلام على هذه المادة في باب الاستطابة في الحديث السادس منه واضحًا، وكأن القبر مما أكرم الله -تعالى- بني آدم، قال -تعالى-:{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا*أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} (2)، أي أوعية واحدها كفت.
ويقال: كفاتًا مضمًا تكفت أهلها أي تضمهم أحياء على ظهرها وأمواتًا في بطنها، وكانوا يسمون بقيع الغرقد كفته لا مقبرة، لضم الموتى.
(1) سورة عبس: آية 21.
(2)
سورة المرسلات: آيتان 25، 26.
الرابع: في الحديث دليل على جواز الصلاة على القبر بعد دفن الميت، وهو مذهب الشافعي وأصحابه وموافقيه كالأوزاعي،
وأحمد، وإسحاق، وسواء كان صُلي عليه أم لا.
ومنع الصلاة عليه أصحاب مالك.
والمشهور عندهم كما قال القرطبي (1) المنع فيمن صلى عليه، والجواز فيمن لم يُصلَّ عليه.
واحتج من منع بقوله عليه الصلاة والسلام: "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله -تعالى- ينورها بصلاتي عليهم"(2) فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وغيره لا يعلمه فصار مخصوصًا به، وهذا ليس بشيء، كما قال القرطبي (3) من وجوه:
أحدها: أنّا وإن لم نعلم ذلك لكنا نظنه ونرجو فضل الله -سبحانه- ودعاء المسلمين لمن صلوا عليه.
الثاني: أنّا لا نسلم أن المراد بصلاته عليهم الصلاة المعهودة وإن كان سياق الحديث يدل على إرادته، بل المراد مجرد الدعاء. فيكون دعاؤه بخصوصيته مجردًا عن الصلاة هو الذي يحصل تنويرها به لتحقق استجابته، لا مطلق الصلاة الذي هو المجموع، لكن يقال استجابة دعائه صلى الله عليه وسلم في الصلاة أبلغ منها في غيرها.
الثالث: أنه عليه الصلاة والسلام قد قال: "من صلى عليه
(1) المفهم (3/ 1597).
(2)
انظر التعليق ت (1) ص (406).
(3)
المفهم (3/ 1599).
مائة (1)، وفي رواية:"أربعون من المسلمين كلهم يشفعون له إلَّا شفعوا فيه"(2) رواهما مسلم في صحيحه، فقد أعلمنا أن ذلك يكون من غيره.
الرابع: أنه كان يلزم منه أن لا يصلي على ميت بعده لإِمكان الخصوصية فيمن صلى عليه وهو باطل.
فإن قيل: الخصوصية في جواز صلاته على القبر [إنما كانت لكونه ولي المؤمنين. وواليهم فيختص جواز الصلاة على القبر](3)
بالوالي والولي إذا لم يصليا على الميت، وهو مذهب أبي حنيفة في [الولي](4).
فالجواب: أن هذا المذكور خارج عن محل الخلاف كيف وقد صلى عليه عليه الصلاة والسلام هو وعدد من أصحابه على القبر ولم ينكر عليهم، لكن هذا يحتاج إلى نقل من حديث آخر، إذ ليس في هذا الحديث ذكر له.
وقال المازري المالكي (5): من منع الصلاة على القبر فوجهه أنه عليه الصلاة والسلام لم يُصلِّ على قبره.
قلت: ذاك من خصائصه كما ستعلمه في الحديث الحادي عشر
(1) انظر التعليق (2) ص (387) من الحديث الأول.
(2)
انظر التعليق (1) ص (387) من الحديث الأول.
(3)
زيادة من ن ب.
(4)
في الأصل (الأولى)، والتصحيح من ن ب.
(5)
المعلم بفوائد مسلم (1/ 489).
من هذا الباب، قال: ووجه الإِجازة صلاته عليه الصلاة والسلام على قبر السوداء التي كانت تقم المسجد، قال: وقد انفصل عنه بوجوه:
أحدها: أنه إنما فعل ذلك لأنه كان وعدها أن يصلي عليها، فصار ذلك كالنذر عليه، وهذا ضعيف، لأن النذر إنما يوفى به إذا كان جائزًا، فلو لم تكن الصلاة على القبر جائزة لما فعلها.
ثانيها: أنه فعل ذلك لأنه أمرهم أن يعلموه، وهو الإِمام الذي إليه الصلاة، فلما صلوا دون علمه كان ذلك بمنزلة من دفن بغير صلاة (1). قال: وهذا التأويل يسعده القولة الشاذة، التي لمالك، فيمن دفن بغير صلاة.
قلت: بل هي المشهورة كما قدمناه عنهم.
قال: ويحتمل عندي أن يكون وجه ذلك أنه عليه الصلاة والسلام لما صلى على القبر قال عند ذلك: "إن هذه القبور مملوءة على أهلها ظلمة"(2) الحديث. وهذا خاص به، إذ لا يقطع على وجود ذلك في غيره، وهذا قد أسلفناه وأبطلناه.
وأجمل النووي رحمه الله في "شرحه"(3) القول في إبطال
(1) الحديث أخرجه أبو داود (3143)، والطبراني في الكبير (3554، 8163) انظر: المجمع (3/ 37)(9/ 365)، وانظر التعليق (8) والتعليق (11).
(2)
انظر تخريج رواية أبي هريرة. ت (1) ص (406).
(3)
انظر: شرح مسلم (7/ 25).
هذه الأوجه فقال: تأول أصحاب مالك الحديث بتأويلات باطلة، لا فائدة في ذكرها لظهور فسادها (1).
وروى النسائي (2) من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه عليه الصلاة والسلام: "صلى على قبر تلك المسكينة وأنهم أعادوا الصلاة خلفه".
فرع: إلى متى يصلى على القبر عندنا فيه أوجه سبعة:
أحدها: إلى ثلاثة أيام فقط، وهو مذهب أبي حنيفة.
ثانيها: إلى شهر، وبه قال أحمد.
ثالثها: ما دام يبقى منه [شيء في القبر.
رابعها: أبدًا، وباقيها ذكرته في "شرح المنهاج" مع بيان
(1) قال أحمد -رحمنا الله وإياه-: قد رويت الصلاة على القبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه حسان كلها. وقال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (8/ 248): قد ذكرتها كلها بالأسانيد الجياد وذكرت أيضًا ثلاثة أوجه حسان مسندة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فتمت تسعة. وانظر: التمهيد (6/ 262)، فمنها حديث سهل بن حنيف، سبق تخريجه وحديث ابن عباس سبق تخريجه في أول الباب. حديث سعد بن عبادة، انظر: نيل الأوطار (4/ 55). حديث عامر بن ربيعة. انظر: مصنف ابن أبي شيبة (3/ 362). حديث أبي هريرة، انظر ت (1) ص (406). حديث أنس، انظر: ت (2) ص (405). حديث زيد بن ثابت، انظر: ت (4) ص (405). حديث الحصين بن وحوح، انظر: ت (8) ص (406). حدث أبو أمامة بن ثعلبة، انظر: ت (7) ص (406).
(2)
النسائي (4/ 69).
الراجح منها] (1)، وبيان الاضطراب فيه فراجعه منه. ومذهب إسحاق كمذهب أحمد في الغائب وكمذهب أبي حنيفة في الحاضر.
وقال أبو عمر (2): أجمع من قال بالصلاة على القبر أنه لا يصلى عليه إلَّا بالقرب، وأكثر ما قيل في ذلك شهر.
قلت: قد حكينا وجهًا أنه يصلى عليه أبدًا وحديث البخاري (3) أنه صلى الله عليه وسلم: "صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات". فالمراد أنه دعاء لهم، لأنه عندنا أنه لا يصلى على الشهيد.
وعند أبي حنيفة: لا يصلي على القبر بعد ثلاثة أيام، فوجب تأويل الحديث.
واختلفت المالكية (4) حيث قالوا: تفوت الصلاة عليه فيما يقع به الفوت.
فقيل: بإهالة التراب وتسويته، قاله أشهب، وعيسى، وابن وهب.
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
ذكره في المفهم (3/ 1598).
(3)
البخاري (1344، 3596، 4042، 4085، 6426، 6590)، ومسلم في الفضائل (2296)، وأبو يعلى (1748)، وأحمد (4/ 149، 153، 154)، وأبو داود (3223) في الجنائز، باب: الميت يصلي على قبره بعد حين، والنسائي (4/ 61، 62)، والبيهقي (4/ 14)، وابن حبان (3198، 3199)، والبغوي (3823)، والدارقطني (2/ 78)، والطبراني (17/ 768، 769).
(4)
ذكره في المفهم (3/ 1597، 1598).
وقيل: بخوف تغيره، قاله ابن القاسم وابن حبيب وسحنون.
وقيل: بالطول فيمن لم يصل عليه، وقد تقدم الاختلاف في حده.
الوجه الخامس: فيه دليل على [أن](1) التكبير في الصلاة على الميت أربع، وقد تقدم ما فيه في الحديث الأول.
السادس: فيه [أبيان](2) ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع والرفق بأمته وتفقد أحوالهم والقيام بحقوقهم في الحياة والموت والاهتمام بمصالح آخرتهم ودنياهم.
(1) زيادة من ن ب.
(2)
زيادة من ن ب د.