المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 153/ 2/ 30 - عن أنس بن مالك رضي - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٤

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌25 - باب الجمع بين الصلاتين بالسفر

- ‌26 - باب قصر الصلاة في السفر

- ‌27 - باب الجمعة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌29 - باب صلاة الكسوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث [الرابع]

- ‌30 - باب صلاة الاستسقاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌31 - باب صلاة الخوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كتاب الجنائز

- ‌32 - باب الجنائز

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 153/ 2/ 30 - عن أنس بن مالك رضي

‌الحديث الثاني

153/ 2/ 30 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلًا دخل المسجد [يوم الجمعة](1) من باب كان نحو دار القضاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا، ثم قال: يا رسول الله (2) هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال:"اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا"، قال أنس: فلا والله، ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت، ثم أمطرت، قال: فلا والله، ما رأينا الشمس سبتًا، قال: ثم دخل

(1) زيادة من ن د.

(2)

البخاري. وانظر: فتح الباري (2/ 413)، حيث ذكر أطراف الحديث في مواضعها، ومسلم (897)، والنسائي (3/ 154، 155، 161، 163)، وأبو داود (1175)، ومالك في الموطأ (1/ 191)، والشافعي (490)، وابن حبان (2857، 2858، 2859)، والبغوي (1166)، والطحاوي في معاني الآثار (1/ 322)، وابن خزيمة (1423)، وأبو يعلى (3334)، وأحمد (3/ 104، 194، 245، 261، 271).

ص: 330

رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائمًا، [فقال] (1): يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال:"اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر"، قال: فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس (2).

قال شريك: فسألت أنس بن مالك، أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري.

قال المصنف: "الضراب" الجبال الصغار.

["والآكام" جمع أكمة، وهي أعلى من الرابية، ودون الهضبة.

"ودار القضاء" دار عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

سميت بذلك: لأنها بيعت في قضاء دينه] (3).

هذا حديث عظيم مشتمل على أعلام نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم وعلى أحكام مهمة، فيحصر الكلام عليه في ثلاثة أطراف:

الأول: في فن الأسماء:

أما راويه: فتقدم التعريف به في باب الاستطابة.

وأما شريك: فهو ابن عبد الله بن أبي نمر المدني أبو عبد الله

(1) في ن ب (ثم قال).

(2)

البخاري (933).

(3)

زيادة من متن العمدة.

ص: 331

القرشي، روى عن أنس، وابن المسيب وغيرهما، وعنه مالك وغيره.

قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث.

وقال ابن معين: إذا روى عنه ثقة فلا بأس بروايته.

(1)

قال النسائي وغيره: ليس بالقوي.

وقال ابن حبان (2) في "ثقاته": في التابعين منهم ربما أخطأ. قال: وجده شهد بدرًا.

مات بعد سنة أربعين ومائة.

وأما الرجل الداخل: فرأيت من ادعى أنه العباس بن عبد المطلب ويبعد أن في بعض طرق البخاري "فقام أعرابي" وفي بعض طرقه "رجل من أهل البدو"(3)، ويبعد تعدد القصة على أن في بعض طرق البخاري (4) "فقام الناس فصاحوا فقالوا: يا رسول الله قحط المطر" الحديث، وهو ظاهر في التعدد. وقد يمكن الجمع بأن الرجل هو الذي ابتدأ بالسؤال أولًا، ثم تابعوه، فالله أعلم.

وقول شريك: "سألت أنس بن مالك: أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري" ثبت في صحيح البخاري (5) وغيره في بعض طرق هذا الحديث "أنه الرجل الأول"، من رواية شريك أيضًا، ومن رواية

(1) زيادة من ن ب.

(2)

الثقات (4/ 360).

(3)

البخاري (1029).

(4)

البخاري (1031).

(5)

البخاري (1029).

ص: 332

يحيى بن سعيد عن أنس، فلعل أنسًا تذكره بعد أو نسي بعد ذكره، كما نبه عليه ابن التين شارح "البخاري".

وروى في صحيحه أيضًا من حديث قتادة عن أنس "فقام ذلك الرجل أو غيره" وروى من حديث ثابت عن أنس "فقام ذلك الرجل

أو غيره" وروى من حديث ثابت عن أنس "فقام الناس فصاحوا وقالوا: يا رسول الله! قحط المطر، واحمرت الشجر، وهلكت البهائهم، فادع الله أن يسقنا. فقال: اللهم اسقنا مرتين" الحديث، وفي آخره "فلما قام عليه الصلاة والسلام يخطب صاحوا إليه: تهدمت البيوت" الحديث.

قال ابن التين: في "شرح البخاري" قوله: "فقام الناس" إن كان هذا محفوظًا فقد تكلم الرجل ثم صاحوا. ويحتمل أنه يعني بالناس الرجل، لأنه يتكلم عنهم وهم حضور، أو لعلهم صاحوا وتكلم عنهم (1).

الطرف الثاني: في ألفاظه ومعانيه، وفيه مواضع:

الأول: "دار القضاء" هي دار بيعت في دين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كتبه على نفسه لبيت مال المسلمين، وأوصى ابنه عبد الله أن يباع فيه ماله، فإن عجز ماله استعان ببني عدي ثم بقريش. فباع ابنه داره هذه لمعاوية، وباع ماله بالغابة وقضى دينه، وكان دينه ستًّا وثمانين ألفًا فيما رواه البخاري في صحيحه، وغيره من أهل الحديث والسير والتواريخ وغيرهم.

(1) انظر: فتح الباري (2/ 413)، حيث ذكر الأطراف.

ص: 333

وقال القاضي عياض (1): كان ثمانية وعشرين ألفًا، وهو غلط غريب، كما قاله النووي (2)

قلت: وأَغْرَبُ منه قول القرطبي (3): كان عشرين ألفًا [فكان](4) يقال لها دار قضاء دين عمر. ثم اختصروا، فقالوا: دار القضاء، وهي دار مروان.

وقال بعضهم: هي دار الإِمارة. وغلط لأنه بلغه أنها دار مروان، فظن أن المراد بالقضاء الإِمارة، والصواب ما ذكرنا (5).

(1) إكمال إكمال المعلم (3/ 46).

(2)

شرح مسلم (6/ 189).

(3)

المفهم (3/ 1506).

(4)

في ن ب (وكان).

(5)

قال ابن حجر في الفتح (2/ 502): ووقع في رواية إسماعيل بن جعفر: "من باب كان نحو دار القضاء" وفسر بعضهم دار القضاء بأنها دار الإِمارة، وليس كذلك وإنما هي دار عمر بن الخطاب، وسميت دار القضاء لأنها بيعت في قضاء دينه فكان يقال لها: دار قضاء دين عمر، ثم طال ذلك الأمر فقيل لها: دار القضاء. ذكره الزبير بن بكار بسنده إلى ابن عمر، وذكر عمر بن شبة في "أخبار المدينة" عن أبي غسان المدني: سمعت ابن أبي فديك عن عمه: كانت دار القضاء لعمر بن الخطاب، فأمر عبد الله وحفصة أن يبيعاها عند وفاته في دين كان عليه، فباعوها من معاوية، وكانت تسمى دار القضاء، قال ابن أبي فديك: سمعت عمي، يقول: إن كانت لتسمى دار قضاء الدين. قال: وأخبرني عمي أن الخوخة الشارعة في دار القضاء غربي المسجد هي خوخة أبي بكر الصديق، التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يبقى في المسجد خوخة إلَّا خوخة أبي بكر" وقد =

ص: 334

الثاني: في كلام هذا الداخل للنبي صلى الله عليه وسلم دلالة على جواز كلام الداخل مع الخطيب في حال خطبته، ويحتمل أن يكون إنما كلمه في حال سكتة كانت من النبي صلى الله عليه وسلم، إما لاستراحة في النطق، وإما في حال الجلوس.

الثالث: "الأموال" جمع مال، وألفه منقلبة عن واو بدليل ظهورها في الجمع، وليس [له](1) جمع كثرة، وجُمع وإن كان جنسًا

لاختلاف أنواعه.

وهو كل ما يتملك وينتفع به.

والمراد هنا: مال مخصوص، وهو الأموال الحيوانية والنباتية [لأنها](2) التي يؤثر فيها انقطاع الغيث من المطر وغيره، بخلاف الأموال الصامتة.

= صارت بعد ذلك إلى مروان وهو أمير المدينة، فلعلها شبهة من قال إنها دار الإِمارة، فلا يكون غلطًا، كما قال صاحب المطالع وغيره. وجاء في تسميتها دار القضاء قول آخر، رواه عمر بن شبة في "أخبار المدينة" عن أبي غسان المدني أيضًا عن عبد العزيز بن عمران عن راشد بن حفص عن أم الحكم بنت عبد الله عن عمتها سهلة بنت عاصم قالت: كانت دار القضاء، لعبد الرحمن بن عوف، وإنما سميت دار القضاء لأن عبد الرحمن بن عوف اعتزل فيها ليالي الشورى حتى قضي الأمر فيها فباعها بنو عبد الرحمن من معاوية بن أبي سفيان. اهـ. محل المقصود منه، انظر: تاريخ ابن شبة (1/ 224).

(1)

في ن ب ساقطة.

(2)

زيادة من ن ب د.

ص: 335

والسبل: جمع سبيل وهو هنا الطريق، يذكّر ويؤنّث، فمن التذكير قوله -تعالى-:{وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} (1)، ومن التأنيث قوله -تعالى-:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} (2)، وانقطاعها إما بعدم المياه التي يعتاد المسافرون ورودها، وإما باشتغال الناس بشدة القحط عن الضرب في الأرض.

وقوله: "وانقطعت"، روي بدله:"وتقطعت"، قال ابن التين شارح "البخاري": والأول أشبه.

الرابع: قوله: "فادع الله يغيثنا"، وقوله عليه الصلاة والسلام:"اللهم أغثنا"، كذا هو في الصحيح يغيثنا بضم الياء، وأغثنا بالألف من أغاث يغيث رباعي.

والمشهور في اللغة: أنه يقال [في المطر](3) غاث الله الناس والأرض يغيثهم بفتح الياء ثلاثي أي أنزل المطر والذي في هذا الحديث وغيره من روايته "أغثنا" بالألف و"يغيثنا" بضم الياء من "أغاث""يغيث" رباعي كما قدمته، لكن الهمزة فيه للتعدية، ومعناه: هب لنا غيثًا.

وقال بعضهم: المذكور في الحديث من الإِغاثة بمعنى: المغوثة، وليس من طلب الغيث إنما يقال في طلب الغيث:"اللهم غثنا وارزقنا غيثًا".

(1) سورة الأعراف: آية 146.

(2)

سورة يوسف: آية 108.

(3)

زيادة من ن ب.

ص: 336

قال القاضي عياض: ويحتمل أن يكون من طلب الغيث أي هب لنا غيثًا أو ارزقنا" غيثًا [كما](1) يقال: سقاه الله وأسقاه أي جعل

له سقيًا على لغة من فرق بينهما (2).

والصواب: أن الهمزة فيه للتعدية كما ذكرنا.

فائدة: يجوز في "يغيثنا" الرفع والجزم والرفع على الاستئناف.

الخامس: قوله: "فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة".

المراد بالسماء: هنا الفضاء المرتفع بين السماء والأرض.

والسحاب: معروف وهو جنس واحده سحابة وهي الغيم.

ويجمع: أيضًا على سُحُبٍ وسحائب.

والقزعة (3): بفتح القاف والزاي وهي القطعة من السحاب وجماعتها قزع كقصبة وقُصب.

قال أبو عبيد (4): وأكثر ما يكون في الخريف، ومنه أُخذ القزع في الرأس وهو حلق بعض الرأس وترك بعضه.

السادس: قوله: "وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار" هو تأكيد لقوله: "ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة" لأنه أخبر أن

(1) زيادة من ب. وإكمال إكمال المعلم (3/ 46).

(2)

ذكره في شرح مسلم (6/ 191).

(3)

قال ابن سيده: القزع: قطع من السحاب رقاق.

(4)

غريب الحديث (1/ 184).

ص: 337

السحابة طلعت من وراء سلع، فلو كان [بينهم](1) وبينه دار لأمكن أن تكون السحابة والقزعة موجودة، حال بينهم وبينها ما بينهم وبين سلع من دار لو كانت.

وقال القاضي (2): يحتمل والله أعلم، أن ذلك لِحمل الناس عن تلك الجهة لشدة الجدب وحزونة الموضع وطلب الكلأ والخصْب.

وقوله: "بيت كذا" هو في الصحيحين ووقع في مسند السراج، بدله:"نقب".

وسلع: -بفتح السين المهملة وسكون اللام- وهو جبل بقرب المدينة من غربها، وقال البخاري: هو الجبل الذي بالسوق.

قال ابن قرقول: وقع عند ابن سهل: -بفتح اللام وسكونها- وذكر أن بعضهم رواه بغين معجمة وكله خطأ.

وقال صاحب "المحكم": سلع موضع.

وقيل: جبل (3).

وزعم الهروي: أن سلعًا معرفة لا يجوز إدخال الألف واللام عليه، وليس كما ذكر، ففي "دلائل النبوة للبيهقي" وكتاب أبي نعيم الأصبهاني "فطلعت سحابة من وراء السلع"(4).

(1) في الأصل (بينة)، والتصحيح من ن ب.

(2)

إكمال إكمال المعلم (3/ 46).

(3)

انظر: معجم البلدان (3/ 236).

(4)

بعد الاطلاع على الكتابين لم أجد ما ذكره المؤلف.

ص: 338

قلت: والمقصود بقوله: "وما بيننا وبين سلع" إلى آخره الإِخبار عن معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم كرامته على الله -تعالى- بإنزال المطر سبعة أيام متوالية من غير تقدم سحاب ولا قزع ولا سبب آخر، لا ظاهر ولا باطن، سوى سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي نحن مشاهدون له صلى الله عليه وسلم ولسَلْع والسماء، وليس هناك سبب للمطر أصلًا.

السابع: قوله: "مثل الترس"، قال القاضي عياض: قال ثابت: ولم يرد -والله أعلم- في قدره، ولكن في استدارته، وهو أحمد السحاب عند العرب، وقوله:"ثم أمطرت" يقال: مطرت وأمطرت في المطر. وهذا الحديث دليل لجواز أُمطر بالألف وهو المختار عند المحققين والأكثرين من أهل اللغة.

وقال بعضهم: لا يقال أمطرت بالألف إلَّا في العذاب.

لقوله -تعالى-: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً} (1)، والمشهور الأول ولفطه أمطرت يطلق [على] (2) الخير والشر ويعرف بالقرينة قال تعالى-:{هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} وهذا من أمطر، والمراد به المطر في الخير لأنهم ظنوه خيرًا فقال -تعالى- (3): {بَلْ هُوَ مَا

اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} (4).

(1) سورة الحجر: آية 74.

(2)

في ن ب د (في).

(3)

انظر: شرح مسلم (6/ 192).

(4)

سورة الأحقاف: آية 24.

ص: 339

الثامن: قوله: "ما رأينا الشمس سبتًا" هو بسين ثم باء موحدة ثم مثناة فوق، أي جمعة، وقد بيَّن في رواية أخرى المراد به سبعة أيام: أولها بعض يوم الجمعة ويوم السبت، وآخرها يوم الخميس وبعض يوم الجمعة. وهو في اللغة القطع، وبه سمي يوم السبت.

وقال ثابت: في تفسير قوله: "سبتًا" أي قطعة من الزمان يقال: سبت من الدهر أي قطعة منه، وسبّته قطّعته، وقد رواه الداوودي (1)"ستًّا" وفسره ستة أيام من الدهر. وهو تصحيف، كما قال القرطبي (2).

والصحيح من حيث الرواية الأول، وإن كان الثاني يصح من حيث المعنى، فإنهم ما رأوها سبعة أيام كوامل، بل ستًّا كوامل، وبعض يوميّ جمعة، وذلك لا يطلق عليه يوم كامل.

فائدة: "السبت" من الألفاظ المشتركة (3).

فالسبت: الدهر، والراحة، وحلق الرأس، وإرسال الشعر عن العقص، وضرب من سير الإِبل.

قال أبو عمرو: وهو العنق.

(1) أي أحد رواة البخاري وقد جاء في سنن الدارقطني "ستًا".

(2)

في المفهم (3/ 1508)، وقد تعقبه ابن حجر في الفتح (2/ 504).

(3)

في اتفاق المباني (198، 199)، هذه المعاني المذكورة وزيادة: وهذا غلام سبت: إذا كان جريئًا عازمًا، وقال أبو عمرو: هذا يومٌ سبتٌ: طويل، وسبت القدر مسبتًا إذا نشر مدادها ومنه: عرق الهجير بها سُبَاتُ المرجل.

ص: 340

والسبت: القطع.

وسبت: [علا وبه سبتًا إذا ضرب عنقه](1).

وقيل: ومنه يوم السبت لانقطاع الأيام عنده، قال -تعالى-:{وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ} (2)، [والسبت: قيام اليهود بأمر سبتها.

وقيل: لأن الله -تعالى- أمر بني إسرائيل بقطع الأعمال] (3).

والجمع: أسبت وسبوت.

فائدة ثانية: نحوية كل ظرف وقع خبرًا عن أسماء أيام الأسبوع فإنه يكون مرفوعًا إلَّا الجمعة والسبت تقول: الأحد اليومُ والاثنان اليومُ برفع اليوم.

وتقول: الجمعة اليومَ والسبت اليومَ بالنصب فيهما.

قالوا: وعلة ذلك أن الجمعة والسبت مصدران فيهما معنى الاجتماع والقطع، فإما يقال الاجتماع اليوم والقطع اليوم بالنصب لأن الثاني غير الأول، فكذلك الجمعة والسبت، وليست كذلك في باقي الأيام لأنها ليست بمصادر نابت مناب الأول والثاني والثالث والرابع والخامس.

التاسع: قوله في الخطبة الثانية: "هلكت الأموال وانقطعت السبل" أي بكثرة المطر فإن إمساك المطر وكثرته مضر [به](4).

(1) اتفاق المباني (199)، وقد سبت فلان عِلاوة فلان: إذا ضرب عنقُه.

(2)

سورة الأعراف: آية 163.

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

زيادة من ن ب.

ص: 341

وقوله: "فادع الله يمسكها عنا" في "يمسكها" ما في "يغيثنا" من الرفع والجزم على ما قدمناه.

العاشر: قوله: "اللهم حوالينا [ولا علينا] (1) "(2) هو ظرف متعلق محذوف تقديره "اللهم أنزل حوالينا ولا تنزل علينا"، ويقال:"حَولنا" و"حَوَالينَا"، وهما روايتان صحيحتان.

فإن قلت: إذا أمطرت حوالي المدينة فالطرق ممتنعة فلم يزل شكواهم.

فالجواب: أنه أراد بحوالينا الآكام والظراب وشبههما.

الحادي عشر [(3)]: قوله: "اللهم على الآكام" إلى آخره سأل صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه وتعالى ذلك أدبًا معه حيث لم يسأل رفعه من أصله، بل سأل رفع ضرر المطر وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق، بحيث لا يتضرر به ساكِنٌ ولا ابن سبيل، وسأل بقاءه في مواضع الحاجة بحيث يبقى نفعه وخصبه، وهو بطون الأودية وغيرها من المواضع المذكورة (4).

الثاني عشر: "الآكام" -بكسر الهمزة- ويقال -بفتحها- مع المد فيها جمع أكمة، ويقال: جمع أكم بفتح الهمزة والكاف وكم بضمها.

(1) في ن ب د ساقطة.

(2)

في ن ب د زيادة (واو).

(3)

في ن ب زيادة (أنه أراد بحوالينا).

(4)

انظر: شرح مسلم (6/ 193).

ص: 342

[فيقتضي أن يكون جمع الآكام مثل كتاب وكتب. وقد يكون ذلك جمع آكم بفتحهما](1).

مثل جبال وجبل، وهو التل المرتفع من الأرض دون الجبل وأعلى من الرابية، وقيل دون الرابية (2).

الثالث عشر: "الظراب" -بكسر الظاء المعجمة- جمع: ظرب -بفتحها وكسر الراء- وهي الروابي الصغار كما فسرها القرطبي والنووي (3).

وقال المصنف: هي الجبال الصغار، وتبعه الشيخ تقي الدين (4).

قال الأزهري (5): وإنما خصها بالطلب لأنه أرفق للراعية من شواهق الجبال.

الرابع عشر: "بطون الأودية" ما استفل منها. ومنابت الشجر أصولها.

الخامس عشر: "الأودية" جمع وادٍ، وليس في كلام العرب جمع فاعل على أفعلة إلَّا في هذه الكلمة خاصة فهي من النوادر.

السادس عشر: قوله: "فأقلعت" هكذا هو في أكثر نسخ

(1) زيادة من ن ب د.

(2)

انظر: شرح مسلم (6/ 193).

(3)

المفهم (3/ 1507). انظر: شرح مسلم (6/ 193).

(4)

انظر: إحكام الأحكام (3/ 214).

(5)

الزاهر (85)، وفيه "أَوْفَقُ" بدل "أرْفق".

ص: 343

صحيح [مسلم](1) وفي بعض [النسخ](2) المعتمدة ["فانقلعت"](3) وهما بمعنى واحد.

السابع عشر: قوله: "لا أدرِ"، قال الفاكهي: وهو بحذف الياء تخفيفًا لكثرة الاستعمال كما قالوا: لم يك. فحذفوا النون أيضًا لكثرة الاستعمال على ما هو مقرر في كتب العربية.

الطرف الثالث في فوائده: وأحكامه وهي سبعة عشر:

الأولى: استجابة دعائه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء والاستصحاء وعظيم قدره وحرمته عند ربه سبحانه وتعالى حتى أمطرت في الاستسقاء عقب دعائه أومعه وحتى أمسكت في الاستصحاء حتى خرجوا يمشون في الشمس.

الثانية: أدبه صلى الله عليه وسلم مع ربه -تعالى- حيث لم يسأل رفعه بل سأل دوامه حيث ينتفع به كما سلف.

الثالثة: استحباب سؤال الإِمام الاستسقاء والاستصحاء.

الرابعة: استحباب ذلك في خطبة الجمعة وهو أحد الأنواع فيه كما تقدم ذكره.

الخامسة: جواز الاستسقاء منفردًا عن الصلاة المخصوصة له واغترت به الحنفية وقالوا: هذا هو الاستسقاء المشروع لا غير. وجعلوا الاستسقاء بالبروز إلى الصحراء والصلاة بدعة، وهو

(1) في ن ب (النسخ).

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

هذه هي رواية مسلم وذكر النووي في شرحه (6/ 193) فانقطعت.

ص: 344

عجيب، بل هو سنة ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، كما سلف في الحديث الأول وغيره من الأحاديث الصحيحة. وقد ذكرنا أنه ثلاثة أنواع، وفيما قالوه إبطال نوع ثابت.

السادسة: استحباب تكرير الدعاء ثلاثًا، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دعا بدعوة دعا ثلائًا وورد "أن الله يحب الملحين في الدعاء"(1) كما أورده الماوردي (2) حديثًا.

السابعة: استحباب طلب انقطاع المطر عن المنازل والمرافق إذا كثر وتضرروا به وهو الاستصحاء، ولكن لا يشرع له صلاة ولا اجتماع في الصحراء، كما قاله النووي في "شرح مسلم"(3).

الثامنة: إجابة الإِمام الرعية إذا سألوه في مصالحهم الدنيوية والأخروية خصوصًا إذا كانت مصلحة عامة.

التاسعة: الرجوع إلى الله -تعالى- بالسؤال والتضرع في جميع حالات العبد وما ينزل به.

العاشر: الاستعانة في ذلك بالصالحين وأهل الخير في المجامع والمساجد والأماكن الشريفة (4).

(1) رواه العقيلي في الضعفاء (4/ 452). انظر: الإِرواء (3/ 143).

(2)

الحاوي الكبير (3/ 151).

(3)

انظر (6/ 194).

(4)

إذا كانوا حاضرين فلا يمنع الاستغاثة بهم كما في فعل عمر مع العباس رضي الله عنهما، وهي في صحيح البخاري (1010)، وهذا التوسل بدعائهم، أما إذا كانوا غير حاضرين أو موتى فهذا لا يجوز. وهذا هو التوسل البدعي، بل قد جعله بعض أهل العلم من أنواع الشرك.

ص: 345

الحادية عشرة: الدعاء قائمًا للإِمام ومن في معناه.

الثانية عشرة: رفع اليدين فيه، فمن الناس من عَدّاه إلى كل دعاء، وقالوا السنَّة رفع اليدين في الدعاء مطلقًا، ومنهم من لم يعده مستدلًا بحديث أنس الثابت في الصحيحين (1) وغيرهما أنه عليه الصلاة والسلام:"كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلَّا في الاستسقاء، حتى يُرى بياض إبطيه" ولا شك أن هذا مؤول على عدم الرفع البليغ بحيث يُرى بياض إبطيه إلَّا في الاستسقاء أو أن المراد: لم أره رفع. فيقدم المثبتون في مواضع كثيرة وهم جماعات على واحد لم يحضر ذلك، وقد ورد في حديث آخر أنه استثنى ثلاثة مواضع، الاستسقاء: والاستنصار (2)، وعشية عرفة (3)، وفي رواية وعند رؤية البيت (4)، وقد روى رفع اليدين في الدعاء جماعات من الصحابة، وقد روى أنس حديثًا يعارض حديثه هذا، وهو حديث القراء الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيهم خاله حرام، وفيه فقال أنس: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ما صلى الغداة رفع يديه يدعو

(1) البخاري (1031، 3565، 6341)، ومسلم (895)، والنسائي (3/ 158)، وأبو داود (1170)، والطبراني في الدعاء (959، 2175).

(2)

مسلم في صحيحه، باب: الإِمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم، والترمذي في تحفة الأحوذي (8/ 468)، وأخرجه أحمد وأبو داود، والبخاري مختصرًا.

(3)

مجمع الزوائد (10/ 168، 166)، ومسند الإِمام أحمد (1/ 226)(5/ 209).

(4)

ابن أبي شيبة: (4/ 97).

ص: 346

عليهم (1)، وقد صنف الحافظ المنذري في ذلك جزءًا (2)، وجمع النووي في "شرح المهذب" نحوًا من ثلاثين حديثًا من الصحيحين أو أحدهما في رفع اليدين في الدعاء مطلقًا في باب صفة الصلاة منه (3).

فرع: قال جماعة من أصحابنا وغيرهم: السنَّة في كل دعاء لرفع بلاءً كالقحط ونحوه: أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى الماء. وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء، وقد ثبت في صحيح مسلم (4): من حديث أنس أنه عليه الصلاة والسلام استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء.

الثالثة عشرة: الدعاء في الخطبة وقطعها للأمر يحدث.

الرابعة عشرة: الاعتبار بعظيم قدرة الله (5) وما يجريه على أيدي أنبيائه ورسله من المعجزات وعلى يدي أوليائه من الكرامات.

الخامسة عشرة: الاقتداء بهم في جميع ذلك، كما فعل الصحابة وأتباعهم، وهلم جرا وفقنا الله لذلك.

السادسة عشرة: فيه القيام في الخطبة وقد تقدم ما فيه في بابه.

(1) انظر: فتح الباري وتخريج الروايات فيه (7/ 378، 392).

(2)

انظر: فض الدعاء في أحاديث رفع الدين في الدعاء، للسيوطي.

(3)

انظر: المجموع شرح المهذب (3/ 507، 511)، وشرح مسلم (6/ 190).

(4)

مسلم (896)، ابن خزيمة (1412)، ابن المنذر في الأوسط (4/ 321).

(5)

في ن ب زيادة (تعالى).

ص: 347

السابعة عشرة: احتج بعض السلف بهذا الحديث على أن الخروج إلى الاستسقاء يكون بعد الزوال. إذ كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحال يوم الجمعة (1).

قال القاضي عياض: والناس كلهم على خلافه وأنها بكرة كصلاة العيدين (2) وهذا غريب منه، ففي كتاب ابن شعبان منهم: لا بأس أن يستسقى بعد الصبح وبعد العصر والمغرب.

(1) وهذا رأي أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. انظر: الاستذكار (7/ 139).

(2)

لحديث عائشة رضي الله عنها قالت. شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحط المطر، فأمر بالمنبر، فوضع له في المصلى، ووعد الناس يومًا يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس

إلخ. ابن حبان (2860)، وسبق تخريجه في الحديث الأول من هذا الباب فراجعه.

ص: 348