الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
136/ 2/ 27 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل"(1).
الكلام عليه من وجوه:
وهو حديث عظيم رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير ابن عمر أربعة وعشرون صحابيًّا (2) كما أفاده ابن منده في مستخرجه، وأوضح طرقه في أوراق.
(1) البخاري (877، 894، 919)، ومسلم (844)، والترمذي (492)، وابن ماجه (1088)، والنسائي في الجمعة (3/ 93)، ومالك في الموطأ (1/ 101)، والطيالسي (683)، والحميدي (608، 609، 610)، وعبد الرزاق (5290)، والبيهقي (3/ 188)، وأبو يعلى (5480، 5529، 5793)، وابن حبان (1211، 1212، 1213، 1214)، وأحمد في المسند (2/ 3، 9، 41، 42، 48، 55، 75، 77، 78، 101، 105)، وابن خزيمة (1750، 1751)، والدارمي (1/ 361)، وابن الجارود (283).
في متن عمدة الأحكام الأول. وترتيبه هنا يوافق أحكام الأحكام.
(2)
انظر: مسند أبي يعلى من رواية أبي سعيد الخدري (978، 1100، 1127)، وحديث أنس (4086)، وحديث أبي هريرة في مسلم (857)، وفي صحيح ابن حبان (1221).
الأول: المراد بالمجيء: إرادته، بدليل رواية مسلم (1) "إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة". وفي معنى: إرادة المجيء: قصد الشروع فيه.
الثاني: "الفاء" في قوله عليه السلام: "فليغتسل" للتعقيب واشترط مالك (2) اتصال الغسل بالرواح لتعلقه بالأمر بالمجيء إلى الجمعة، لكنه قد بين أن المراد إرادته أو قصده.
وأَبْعَدَ داود الظاهري إبْعَادًا مجزومًا ببطلانه حيث جعل الغسل متعلقًا باليوم فقط، حتى لو اغتسل قبل غروب الشمس يوم الجمعة حصلت مشروعية الغسل، مستدلًا بقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيح (3)"لو اغتسلتم ليومكم"، وقوله "غسل يوم الجمعة (4) "[وقوله "لو اغتسلتم يوم الجمعة (5)](6) "، فعلقه وأضافه
(1) مسلم (844)، ويقوى ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح" فهو صريح في تأخير الرواح عن الغسل، وعرف بهذا إفساد قول من حمله على ظاهره واحتج به على أن الغسل لليوم لا للصلاة. لأن الحديث واحد ومخرجه واحد. اهـ. انظر: فتح البارى (2/ 357).
(2)
انظر: الاستذكار (5/ 36).
(3)
مسلم (847)، سيأتي تخريجه.
(4)
البخاري (879)، ومسلم (846)، وأبو داود (341)، والنسائي (3/ 93)، والدارمي (1/ 361)، والموطأ، (1/ 102).
(5)
البخاري (903)، ومسلم (847)، وأبو داود (352)، وأحمد (6/ 62)، والبيهقي (3/ 189)، وابن خزيمة (1753)، وعبد الرزاق (5/ 53).
(6)
من ن ب ساقطة.
إلى اليوم، وهو من طلوع الفجر [الثاني](1) إلى الغروب، فدل على أنه مشروع لليوم، لا لتعيين المجيء، لكنه قد بين المقصود من الغُسِل، وبيان سبب شرعيته في الأحاديث الصحيحة (2): وهو إزالة الروائح الكريهة والوسخ، لعدم إيذاء الناس والملائكة، ولذلك أبعد من قدم جوازه على يوم الجمعة بحيث لا يحصل المقصود من إزالة ما ذكر.
والمعنى: إذا كان معلومًا [في](3) الشرع بالقطع كالنص أو بالظن الراجح المقارب للنص فاتباعه وتعليق الحكم به أولى من
اتباع مجرد اللفظ، وإذا كان أصل المعنى معقولًا وتفاصيله تحتمل التعبد فلا شك أنه محل [النظر](4) ومما يُبطل مذهب الظاهري [أن](5) الأحاديث التي علق فيها الأمر بالإِتيان أو المجيء قد دلت على توجه الأمر إلى هذه الأحاديث، وهي طلب النظافة، والأحاديث التي تدل على تعليقه باليوم لا تتناول تعليقه بها، فهو إذا تمسك بتلك أبطل دلالة هذه الأحاديث التي تدل على تعليق الأمر بهذه الحالة، وليس له ذلك ونحن إذا قلنا بتعليقه بهذه الحالة لم يبطل ما استدل [به]، وعَمِلْنا بمجموع الأحاديث.
(1) زيادة من ن ب.
(2)
كما في مسلم من حديث عائشة: "كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم من العوالي، فيأتون في العباءة، ويصيبهم الغبار، فتخرج منهم الريح
…
إلخ.
(3)
في ن د (من).
(4)
في ن ب (النظر).
(5)
زيادة من ن ب د.
الثالث: اللام في قوله "فليغتسل" للأمر، لكن الجمهور من السلف والخلف على أنها للندب.
قال ابن عبد البر في "تمهيده"(1): ولا أعلم خلافًا بين العلماء.
قال القاضي عياض: وهو المشهور من مذهب مالك وأصحابه، وإن كان ظاهر الأمر للوجوب، وقد ثبت التصريح به في قوله عليه الصلاة والسلام:"غسل الجمعة واجب على كل محتلم"(2) وهو الذي حمل طائفة من السلف [و](3) بعض الصحابة وبعض التابعين ومالك في رواية عنه وأهل الظاهر (4) إلى القول بوجوبه عملًا بظواهر الأمر، والأحاديث المروية فيه.
واحتج الجمهور الذين قالوا بالندب بأحاديث صحيحة: منها
(1) التمهيد (14/ 144).
(2)
البخاري في أطراف (858)، ومسلم في الجمعة (846)، وأبو داود (344)، والنسائي (3/ 92)، والبيهقي في الكبرى (1/ 294)، وأحمد (3/ 65، 66، 69)، وأبو يعلى (978)، وابن حبان (1220)، وابن خزيمة (1743، 1744). وجاء أيضًا من رواية أبي هريرة ولفظه: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم، كغسل الجنابة". الموطأ (1/ 101).
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
انظر: الاستذكار (5/ 18).
ما رواه مسلم في صحيحه (1) أن رجلًا دخل وعمر يخطب وهو عثمان بن عفان وقد ترك الغسل وأقره عمر والصحابة على ذلك وهم أهل الحل والعقد مع أن ترك عثمان حجة في عدم الوجوب بمجرده، فلو كان واجبًا لألزموه به، ولما تركه.
ومنها حديث (2)"من توضأ [فبها] (3) ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل". قال الشيخ تقي الدين (4): ولا يقاوم سنده سند هذه الأحاديث وإن [كان](5) المشهور من سنده صحيحًا على مذهب
(1) من رواية عبد الله بن عمر عند البخاري (878)، ومسلم (845)، والترمذي (494)، ومالك (1/ 101)، والبيهقي في السنن (1/ 294)، ومعاني الآثار (1/ 118)، ومن رواية ابن عباس ابن أبي شيبة (2/ 94)، ومعاني الآثار (1/ 117).
(2)
قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (5/ 19): قال أبو عيسى الترمذي: قلت للبخاري: قولهم إن الحسن لم يسمع من سمرة إلَّا حديث العقيقة، قال: قد سمع منه أحاديث كثيرة، وجعل روايته عن سمرة سماعًا وصححها، وأيضًا جزم بسماع الحسن من سمرة ابن القيم في أعلام الموقعين (2/ 144).
قوله: "فيها" قال الأصمعي: معناه فبالسنة أخذ، وقوله "ونعمت" الفعلة، أو نحو ذلك، وإنما ظهرت التاء هي علامة التأنيث لإِظهار السنة: أو الفعلة، وفيه البيان الواضح أن الوضوء كان للجمعة وأن الغسل لها فضيلة لا فريضة.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
إحكام الأحكام (3/ 115).
(5)
في ن ب ساقطة.
بعض أصحاب الحديث، أي وهو من احتج برواية الحسن عن سمرة (1) فإنه من طريقه.
وقال النووي في "شرح مسلم"(2): إنه حديث صحيح مشهور. وفيه دليلان: الندب، وعدم الوجوب.
(1) من رواية سمرة عند أحمد (5/ 11)، والطيالسي (1/ 142)، والترمذي (497)، وأبو داود (354)، باب: في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، والنسائي (3/ 94)، والدارمي (1/ 362)، وصححه ابن خزيمة (3/ 128)، وحسنه النووي في شرح مسلم (6/ 133)، وقد ورد عن أنس عند الطحاوي في معاني الآثار (1/ 119)، وابن ماجه (1/ 347). قال في مصباح الزجاجة (1/ 131): إسناده ضعيف. اهـ، والطيالسي (1/ 143)، وأبو يعلي (4086)، وعن أبي سعيد في الاستذكار (5/ 18)، والتمهيد (16/ 213)، وفي كنز العمال (7/ 21267)، ونسبه لابن جرير وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 175)، ونسبه للبزار، وقال: وفيه أسيد بن زيد وهو كذاب وذكر الهيثمي رواية عن جابر بن عبد الله ونسبها للبزار وقال: وفيه قيس بن الربيع وثقة شعبة والثوري وضعفه جماعة. ورواية عبد الرحمن بن سمرة (2/ 175).
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (2/ 362): ولهذا الحديث طرق أشهرها وأقواها رواية الحسن عن سمرة أخرجها أصحاب السنن الثلاثة وابن خزيمة وابن حبان وله علتان: إحداهما أنه من عنعنة الحسن، والأخرى أنه مختلف عليه ثم ساق من أخرجه من رواية الصحابة إلى أن قال: وكلها ضعيفة. اهـ.
(2)
شرح مسلم (5/ 33)، ولم يقل صحيح، بل الموجود في المطبوع "حسن".
ومنها: قوله عليه الصلاة والسلام[في صحيح مسلم (1)](2)"لو اغتسلتم يوم الجمعة" وهذا اللفظ يقتضى أنه ليس بواجب، لأن التقدير لو اغتسلتم لكان [أفضل](3) وأكمل، وتأولوا: صيغة الأمر على الندب. وصيغة الوجوب على التأكيد، وضعف هذا التأويل، لكن المراد بالمحتلم البالغ كما أَنَّ المراد بالحائض في قوله عليه الصلاة والسلام:"لا يقبل الله صلاة حائض إلَّا بخمار"(4) من بلغت من الحيض [لا](5) وجوده.
والوجوب شرعًا: المنع من الترك، وحمله على الندب أو التأكيد خلاف الظاهر إذا لم يعارضه دليل آخر فحينئذ يكون الجمع
بين الأدلة التي ظاهرها الاختلاف وإعمالها أولى من إلغائها، خصوصًا إذا أمكن الجمع [بوجه سائغ](6).
قال الخطابي (7): ولم تختلف الأمة أن صلاة من لم يغتسل للجمعة جائزة.
(1) تقدم تخريجه في التعليق ت (5) ص (124).
(2)
زيادة من ن ب.
(3)
زيادة من ن ب.
(4)
أبو داود (641)، في الصلاة، باب: المرأة تصلي بغير خمار، والترمذي (377) في الصلاة، باب: ما جاء لا تقبل صلاة المرأة إلَّا بخمار، وابن ماجه (655)، والحاكم (1/ 251)، وصححه على شرط مسلم، وأحمد (6/ 150، 218، 259)، وابن خزيمة (1/ 380)، والمنتقى لابن الجارود (1/ 167).
(5)
في ن ب ساقطة.
(6)
في ن ب ساقطة.
(7)
في معالم السنن (1/ 212).
وأَوَّلَ القدوري الحنفي: الوجوب هنا على السقوط، كما نقله عنه ابن دحية في مصنفه في غسل الجمعة قال عنه: فيحتمل أن يسقط سقوط الفرائض، ويحتمل أن يسقط سقوط السنن، وأخذ ذلك من طريق اللغة، فإن "الوجوب" فيها بمعنى السقوط، و"على"، في الحديث بمعنى "عن". وفي هذا التأويل بعد.
[ثم رأيت بعد ذلك [نصًا](1) للشافعي رحمه الله بالوجوب وأنه شرط للصحة فقال في كتاب "الرسالة"(2) و [هي](3) من رواية الربيع، لما ذكر حديث ابن عمر هذا، وحديث غسل يوم الجمعة واجب [على كل محتلم، فكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في غسل يوم الجمعة واجب](4)، وأمره بالغسل. يحتمل معنيين: الظاهر منهما أنه واجب، فلا تجزئ الطهارة لصلاة الجمعة إلَّا بالغُسْل، كما لا يجزىء في طهارة الجنب غير الغسل، ويحتمل أنه واجب في الاختيار [وكرم](5) الأخلاق والنظافة. ثم استدل لهذا الاحتمال بقصة عثمان السالفة، هذا لفظه، ذكره قبيل: باب النهي عن معنى دل عليه
(1) في ن ب (أيضًا).
(2)
الرسالة للشافعي (302). انظر زيادة في البحث: تعليق أحمد شاكر على الترمذي (2/ 371)، والمحلى (2/ 19)، وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (251)، والاستذكار لابن عبد البر (5/ 18) والتمهيد (16/ 214).
(3)
في ن ب د (هو).
(4)
زيادة من ن ب د، وما أثبت موافق لما في الرسالة (302).
(5)
في ن ب (غير موجودة في الرسالة).
معنى [في](1) حديث غيره، وهو نصف الكتاب. وهو نص غريب عزيز الوجود، وفي "شرح غنية ابن سريج" لأحد تلامذة القفال لم يتحرر ليس مصنفه: حكايته قولين فيه وأن القديم هو الوجوب (2). ذكره قيل التيمم] (3).
(1) في الرسالة (في).
(2)
قال ابن قاسم في الحاشية (2/ 470): على قوله "ويسن أن يغتسل" لها في يومها
…
وهو كالإِجماع عن الصحابة، وحكى الترمذي وغيره إلى أنه ليس بواجب عند الصحابة ومن بعدهم، وعن أحمد وغيره أنه واجب، وأوجبه الشيخ على من له عرق أو ريح. وقال ابن عبد البر: أجمع علماء المسلمين قديمًا وحديثًا على أن غسل الجمعة ليس بفرض، بقوله صلى الله عليه وسلم:"من اغتسل فالغسل أفضل" وليس بشرط إجماعًا. ومن قال بوجوبه فتصح بدونه، وقوله صلى الله عليه وسلم "واجب" محمول على تأكيد الاستحباب كما يقال حقك على واجب، جمعًا بين الأدلة، ويرشحه قرنه بالطيب والسواك. وهما غير واجبين إجماعًا. وقال ابن القيم في زاد المعاد: حيث حكى الخلاف في وجوبه على أقوال ثلاثة. وقرر أن وجوبه أقوى وآكد من وجوب الوتر ونحوه. انظر: فتح الباري (2/ 357) حيث توسع في ذكر المسألة وعرض الأدله، والاستذكار (5/ 16، 40)، والتمهيد (14/ 144، 147).
(3)
ساقطة من الأصل، ومثبتة من ن ب د.