الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع
165/ 9/ 32 - عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال:
"صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها"(1).
الكلام عليه من تسعة أوجه:
أولها: في التعريف براويه هو سمرة بن جندب -بفتح الدال وضمها- ابن هلال الفزاري حليف الأنصار، ووقع في نسبه في [تهذيب](2) الكمال ثلاثة أوهام، نبهت عليها فيما أفردته من الكلام على رجال هذا الكتاب فراجعها منه، وهو من بني ذبيان، كنيته:
(1) البخاري (332، 1331، 1332)، ومسلم (964) في الجنائز، والترمذي (1035) في الجنائز، باب: ما جاء أين يقوم الإِمام من الميت للصلاة عليه، وأبو داود (3195) في الجنائز، باب: أين يقوم الإِمام من الميت إذا صلَّى عليه، والنسائي (1/ 195) في الحيض، باب: الصلاة على النفساء (4/ 70، 71، 72) في الجنائز، باب: الصلاة على الجنازة قائماً، وابن ماجه (1493) في الجنائز، باب: ما جاء في أين يقوم الإِمام، وابن الجارود (544)، والبيهقي (4/ 33، 34)، وابن حبان (3067)، والطيالسي (902)، وابن أبي شيبة (3/ 312)، والطحاوي (1/ 490)، والطبراني (7/ 6763).
(2)
زيادة من ن ب.
أبو سعيد، وقيل: أبو سليمان، وقيل: غير ذلك، نزل البصرة وسكنها ثم انتقل إلى الكوفة، واشترى بها داراً في بني أسد، له صحبة ورواية، وكان من الحفاظ المكثرين، روى عنه ابنه سعيد وسليمان وغيرهما واستُخْلِفَ على البصرة وعلى الكوفة، وكان شديداً على الحرورية، مات بالبصرة سنة ثمان وخمسين في آخر خلافة معاوية، وقيل: تسع. وقيل: ستين سقط في قدر مملوءة ماء حارًّا كان يتعالج بالقعود عليها من شيء به، فسقط فيها فمات، فكان ذلك تصديقاً لقوله عليه الصلاة والسلام له ولأبي هريرة وثالث معهما:"آخركم موتاً في النار"(1) وقال رضي الله عنه: "كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً فكنت أحفظ عنه وما يمنعني من القول إلَّا أن ها هنا رجالاً هم أسن مني"، روى له عن النبي صلى الله عليه وسلم مائة حديث وثلاثة وعشرون حديثاً، اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بأربعة.
ثانيها: لفظة: "وراء" من الأضداد (2) فإنها قد تكون بمعنى قدام، ومنه قوله -تعالى-:{وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} (3) الآية، أي أمامهم وهو مشترك أيضاً. فإن الوراء أيضاً ولد الولد (4)، فإن قُطع
(1) انظر: سير أعلام النبلاء (3/ 184).
(2)
انظر: كتاب الأضداد للأصمعي (20)، والأضداد لأبي حاتم السجستاني (95، 82)، وابن السكيت (175)، ولسان العرب (15/ 264).
(3)
سورة الكهف: آية 79.
(4)
قال ابن الجوزي -رحمنا الله وإياه- في نزهة الأعين النواظر (608) الوراءُ: ظرف من ظروف المكان. ومثله: الخلف. ومقابله: الأمامُ =
عن الأضافة بني كسائر الظروف.
قال الأخفش: يقال: لقيته من وراء فترفعه على الغاية إذا كان غير مضاف وتجعله اسماً وهو غير متمكن كقولك من قبل ومن بعد وأنشد:
إذا أنا لم أؤمن عليكِ ولم يكن
…
لقاؤك إلَّا من وراءُ وراءٌ
قال: ووراء مؤنث وكذلك قدام ولم يؤنث من الظروف غيرهما قالوا: في تصغيرها وُرَيِّئةٌ، وقديدمة وإنما أدخلت الهاء في تصغيرها وإن كان تصغير ما زاد على ثلاثة أحرف لا تلحقه التاء للفصل بين
= والقدّام. والوراء: ولد الولد وذكر بعض المفسرين أن الوراء في القرآن على خمسة أوجه:
أحدها: الخلف. ومنه قوله تعالى في آل عمران: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} ، وفي هود:{وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} وهذا على سبيل المثال.
والثاني: الدنيا ومنه قوله تعالي في الحديد: {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} .
والثالث: ومنه قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} ، وفي إبراهيم:{مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} .
والرابع: بمعنى سوى. ومنه قوله تعالى في النساء: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} ، وفي المؤمنين:{فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} .
والخامس: بمعنى "بعد". ومنه قوله تعالى في البقرة {وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ} ، وفي مريم:{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} ، أي من [بعدي، يعني]: بعد موتي وفي البروج: {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20)} ، أي: من بعد أعمالهم محيط بهم للانتقام منهم.
المذكر والمؤنث إذ لو تركت التاء لالتبس بالمذكر وعكسهما أسماء ثلاثية [(1)]، لم يلحق تصغيرها الهاء نحو حرب ودرع وعرب وهي أحد عشر اسماً فتقول حريب ودريع وعريب وكذلك بقيتها.
ثالثها: هذه المرأة المبهمة في هذا الحديث هي أم كعب، كما رواه مسلم (2) في صحيحه، وأغرب بعض الشراح فعزى ذلك إلى رواية النسائي (3) في سننه وهو قصور منه.
رابعها: "النفاس" بكسر النون هو الدم الخارج بعد الولد، مأخوذ من النفس وهو الدم أو من التنفس وهو التشقق والانصداع، وأنه يخرج عقب النفس، وليس هذا مراداً بقوله:"ماتت في نفاسها" بل المراد: ماتت قبل خروج الولد في نفاسها، وعلى هذا تأوله بعض من منع القيام على جنازة المرأة في وسطها، وقال: إنما قام عليه الصلاة والسلام وسط هذه المرأة من أجل جنينها حتى يكون أمامه، وقد أوضحت الكلام على مادة: نفس في لغات المنهاج من باب الغسل، فراجع ذلك منه.
خامسها: قوله: "فقام وسطها" هو بسكون السين، هكذا الرواية فيه وكذا قيده الحفاظ، وقيده بعضهم بالفتح أيضاً، وعلى الإِسكان اقتصر النووي في "شرح مسلم"(4).
(1) في ن ب د زيادة (مؤنثة).
(2)
(964).
(3)
(1/ 195)(4/ 70، 71، 72).
(4)
انظر: شرح مسلم (7/ 32).
قال القرطبي (1): وهو الصواب فإن الساكن ظرف، والمفتوح اسم، فإذا قلت: حفرت وسط الدار [بئراً كان معناه حفرت في الجزء المتوسط منها، ولا تقول حفرت وسط الدار](2) بالفتح إلَّا أن تعم الدار بالحفر.
وأما القاضي عياض (3): فقال: ضبط بالسكون والوجه عندي الفتح، وهو مقتضى ما قاله أهل اللغة فإنهم قالوا: جلست وسط القوم بالإِسكان أي بينهم، وجلست وسط الدار بالفتح، فكل موضع صلح فيه بين فهو وسط بالإِسكان وإن لم يصلح فيه بين فهو وسط بالفتح.
قال الجوهري (4): وربما سكن وليس بالوجه، ويستحيل تقدير بين في الحديث لأن بين لا تضاف إلَّا إلى شيئين فصاعداً، تقول: المال بين زيد وعمرو. ولا يصح بين زيد، وأما قوله -تعالى-:{عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} (5) فإنما أضيف إلى ذلك وإن كان مفرداً لوقوع الإشارة به إلى شيئين وهما الفروضة والبكارة، وأما قوله -تعالى-:{لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} (6)، فلما في "أحد" من معنى العموم [ويدل على أن فيها معنى العموم] (7) قوله -تعالى-:
(1) المفهم (3/ 1609).
(2)
زيادة من ن ب د، وموجودة في المفهم.
(3)
انظر: مشارق الأنوار (2/ 295).
(4)
انظر: مختار الصحاح (299)، وقد سبق التعليق عليه.
(5)
سورة البقرة: آية 68.
(6)
سورة البقرة: آية 284.
(7)
زيادة من ن ب د.
{فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)} (1) فنعت أحدٍ حاجزين، وغلِط من ادعى أن التقدير بين أحد [واحد](2) وأن الثاني حذف لدلالة الأول عليها.
سادسها: كون هذه المرأة ماتت في نفاسها، هو وصف غير معتبر بالاتفاق، وإنما هو حكاية أمر وقع، وهذا مما يدل على تحري الصحابة وشدة تحرزهم فيما ينقلونه رضي الله عنهم.
وأما وصف كونها امرأة: فهل هو معتبر أم لا؟ من الفقهاء من ألغاه، وقال: يقام عند وسط الجنازة مطلقاً، ذكراً كان أو أنثى.
ومنهم من خص ذلك بالمرأة كي يسترها عن الناس (3).
وقيل: كان قبل إيجاد الأنعشة والقباب.
وأما الرجل: فعند رأسه لئلا ينظر إلى فرجه وهو مذهب الشافعي وأحمد وأبي يوسف.
وقال ابن مسعود: بعكس هذا.
وذكر عن الحسن (4): التوسعة في ذلك، وبها قال أشهب وابن شعبان من أصحاب مالك.
(1) سورة الحاقة: آية 47.
(2)
زيادة من ن ب د.
(3)
انظر للإطلاع على أقوال الفقهاء في هذه المسألة: القوانين الفقهية (95)، والمبسوط (2/ 69)، ومغني المحتاج (1/ 348)، والمغني (2/ 517)، والفقه الإِسلامي وأدلته (2/ 496)، وبداية المجتهد (1/ 228)، وحاشية الروض (3/ 79)، والمجموع (5/ 173).
(4)
الاستذكار (8/ 281).
وقال أصحاب الرأي: يقوم فيها حذاء الصدر (1).
وعند المالكية: قول أنه يقف عند منكبها (2) وعند وسطه، وقول ثان عكسه، حكاه صاحب الإِكمال.
وروى ابن غانم (3) عن مالك: نحو مذهب الشافعي في المرأة، وسكت عن الرجل. وروى صاحب "الجواهر" قولاً آخر عنه: أنه يقف فيهما جميعاً [وسطهما. وحكى غيره قولاً آخر أنه يقف فيهما جميعاً عند](4) صدرهما.
وقال الزناتي "شارح الرسالة": لا فرق في ذلك كله بين أن يكون نعشهما مستوراً أم لا.
وقال بعضهم: الخلاف إذا لم يكن مستوراً. فإن كان وقف حيث شاء.
(1) استدلوا على ذلك بأن الصدر موضع القلب، وفيه نور الإِيمان فيكون القيام عنده إشارة إلى الشفاعة لإِيمانه، فإذا قام عند صدر الرجل فكذا المرأة، ويقوم عند صدر المرأة ليكون أبعد عن عورتها الغليظة.
(2)
استدل على ذلك بما روى إبراهيم النخعي قال: "كان ابن مسعود رضي الله عنه يستقبل القبلة فإن كان رجلاً قام عند وسطه، وإن كانت امرأة قام عند منكبيها". المدونة (1/ 7159)، وبلغة السالك (1/ 198)، وأخرجه ابن أبي شيبة (3/ 313).
(3)
هو أبو محمد عبد الله بن عمر بن غانم القيرواني قاضي أفريقية وفقيهها ولد سنة 128هـ، وتوفي سنة (190). انظر: شجرة النور الزكية (62)، والأعلام للزركلي (4/ 109).
(4)
في ن ب ساقطة.
قلت: وقد روى أبو داود (1) والترمذي (2) وابن ماجه (3) ما يرفع الخلاف عن أنس "أنه صلَّى على رجل فقام عند رأسه، وعلى امرأة، وعليها نعش أخضر فقام عند عجيزتها" فقال له العلاء بن زياد: يا أبا حمزة! هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنازة؟ قال نعم.
قال الترمذي: حديث حسن.
وما حكاه الصيدلاني من أصحابنا: أن أنساً وقف عند صدره غلط صريح فاجتنبه.
وقول بعض أصحابنا: بمقتضاه شاذ، لا يعرج عليه، ولا يلتفت إليه، وهذا الحديث الذي أوردناه يدل على أن مشروعية مقام الإِمام كذلك، وهو يبطل التأويل السالف مقامه عليه الصلاة والسلام وسط هذه الجنازة، إنما كان من أجل جنينها، حتى يكون أمامه، بل كان ذلك لأنه حكم بمشروعية ذلك.
(1) أبو داود (3194).
(2)
الترمذي (1034)، والبيهقي (4/ 33)، وأحمد (3/ 118، 204).
(3)
ابن ماجه (1494). قال ابن حجر في الفتح (3/ 201): ولهذا أورد المصنف الترجمة مورد السؤال، وأورد عدم التفرقة بين الرجل والمرأة، وأشار إلى تضعيف ما رواه أبو داود والترمذي: ثم ساق الحديث.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله- في تعليقه عليه: وأخرجه أحمد وابن ماجه ولفظهما ولفظ الترمذي: "عند رأس الرجل ووسط المرأة" وإسناده جيد، وهو حجة قائمة على التفرقة بين الرجل والمرأة في الموقف، ودليل على أن السنَّة الوقوف عند رأس الرجل ووسط المرأة، والله أعلم. انظر: المسند (3/ 118، 204)، والفتح الرباني (7/ 243).
فرع. الخنثى كالمرأة.
فرع آخر: أجمع العلماء على أنه لا يقوم ملاصقاً للجنازة، وأنه لا بد من فرجة بينهما.
سابعها: في هذا الحديث إثبات الصلاة على النفساء وإن كانت شهيدة.
وعن الحسن: أنه لا يصلى على النفساء تموت من زنا ولا ولدها، قاله قتادة في ولدها.
ثامنها: فيه أيضاً أن السنَّة أن يقف الإِمام عند عجيزة المرأة كما أسلفناه.
تاسعها: فيه أن موقف المأموم في صلاة الجنازة وراء الإِمام.
***