الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: موضوعه: (طهل هو لجمع الأحاديث الصحيحة أو الضعيفة أو ماذا
؟)
*
…
المبحث الثالث
موضوعه: "هل هو لجمع الأحاديث الصحيحة
أو الضعيفة أو ماذا؟ "
الذي يتبادر إلى الذهن من تسمية الكتاب بـ"السنن
…
" أنه يشبه أمثاله من كتب السنن، في جمع المحتج به في منهج مؤلفه من السنن المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعتبر به، مما يصلح للشواهد والمتابعات، الذي هو الأصل المقصود بهذا النوع من التصنيف.
يقول الحافظ ابن حجر: "
…
ولأن أصل وضع التصنيف للحديث على الأبواب: أن يقتصر فيه على ما يصلح للاحتجاج أو الاستشهاد، بخلاف من رتب على المسانيد، فإن أصل وضعه: مطلق الجمع""1".
ويقول الكتاني في "الرسالة المستطرفة
…
" عن "كتب السنن": "وهي في اصطلاحهم: الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية: من الإيمان، والطهارة والصلاة، والزكاة، إلى آخرها، وليس فيها شيء من الموقوف، لأن الموقوف لا يسمى في اصطلاحهم سنّة، ويسمى حديثاً""2".
والحق أنه ليس الأمر في سنن الدَّارَقُطْنِيّ على ما وصفوا به كتب السنن، بل إن الذي يستنتج من الكتاب -بعد الدراسة- أن موضوعه يكاد يكون
"1" "تعجيل المنفعة
…
"، لابن حجر: ص8.
"2" ص: 32.
العكس تماما، لأن الإمام الدَّارَقُطْنِيّ قد خالف هذا الأصل الذي ذكره ابن حجر والكتّاني ومشى عليه جمهور المحدثين من قبل ومن بعد.
أي أن موضوع الكتاب هو: جمع الأحاديث الضعيفة والموضوعة والمضطربة والمعللة -وإن خرج عن ذلك أحيانا- مرتبة على أبواب الفقة.
فموضوع كتب السنن هو: جمع أحاديث الأحكام مرتبة على أبواب الفقه ليحتج بها الفقهاء، ويستدلوا بها على ما ذهبوا إليه من الأحكام.
في حين أن موضوع سنن الدَّارَقُطْنِيّ جمع أحاديث الأحكام التي استدل بها بعض الفقهاء، وبيان عللها، واختلاف طرقها وألفاظها، وأنها لا تصلح دليلا على ما ذهب إليه من احتج بها من الفقهاء.
فالدَّارَقُطْنِيّ في جمعه هذه الأحاديث في كتابه "السنن
…
" كأنه قصد الردّ على بعض الفقهاء، وبيان أن استدلالهم بهذه الأحاديث غير سديد.
هذا في الغالب. وإلا فإنه توجد بعض الأبواب يسوقها الدَّارَقُطْنِيّ للاحتجاج بها -كما سيأتي ذكر بعضها- وهذا لا يخرج الكتاب عن وضعه الأصلي -جمع الأحاديث الضعيفة والموضوعة- ما دام أن الأصل هو ذاك"1".
وما خرج عن هذا القصد، من إيراد حديث صحيح أو حسن، أو الحكم على حديث ما بأنه كذلك -إنما جاء تبعا، ولم يأت قصدا، وهو أمر لم تَخْلُ منه مؤلفات العلل في الحديث ونحوها، وقد جاء في الكتاب من هذا النوع من الحديث المحتج به قدر لا بأس به. قد يصل إلى أربعمائة حديث فقط.
"1" كما لا يخرجه عن ذلك سكوته على الأحاديث الضعيفة، لما ذكرت، ولأنه ذكر الأسانيد.
إذ قد يضع المؤلف شرطاً أو منهجاً في التأليف، ولكن يخرج عنه، لطول الكتاب، ولتجدد بعض الدواعي أو العوارض الصارفة أحياناً عن دائرة المنهج المختط.
كأن يكون منهجه إخراج الأحاديث الضعيفة في الفقه على الأبواب، ثم في باب من الأبواب يتجدد عنده بعض الدوافع لإخراج الأحاديث الصحيحة فيه: كما لو أراد الردّ على الأحاديث الضعيفة بذكر الأحاديث الصحيحة. أو كأن يكون منهجه إخراج الأحاديث الضعيفة وبيان ضعفها فَيَجِدّ داعٍ، أو أكثر، لذكر الطرق المتعددة والشواهد للحديث لبيان ما يجبر ذلك الضعف.
وقد قرّر بعض العلماء أن الغرض من تأليف سنن الدَّارَقُطْنِيّ جمع غير المحتج به من الحديث، وممن ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى، أثناء كلامه على حديث:"من حج ولم يزرني فقد جفاني" وأمثاله، فقال:""فهي أحاديث ضعيفة، بل موضوعة، لم يرو أهل الصحاح والسنن المشهورة والمسانيد منها شيئاً.
وغاية ما يعزى مثل ذلك إلى كتاب الدَّارَقُطْنِيّ، وهو قصد به غرائب السنن، ولهذا يروي فيه من الضعيف، والموضوع، ما لا يرويه غيره، وقد اتفق أهل العلم بالحديث على أن مجرد العزو إليه لا يبيح الاعتماد عليه ومن كتب من أهل العلم بالحديث فيما يروي في ذلك يبين أنه ليس فيها حديث صحيح"""1".
وكذا قرر نحو هذا ابن عبد الهادي رحمه الله في "الصارم المنكي في الردّ على السبكي""2".
"1""الفتاوى الكبرى": 27/166.
"2" ص: 12،37.
وقال الزيلعي رحمه الله تعالى، بعد أن روى حديث فِطْر بن خليفة، عن أبي الضُّحى
…
في الجهر بالبسملة: ""
…
وأحمد بن حماد ضعّفه الدَّارَقُطْنِيّ، وسكوت الدَّارَقُطْنِيّ، والخطيب، وغيرهما من الحفاظ عن مثل هذا الحديث بعد روايتهم له قبيح جدا
…
"""1".
وقال الزيلعي أيضا أثناء كلامه على حديثٍ:
""وهذه الرواية انفرد بها عنه ابن سمعان، وهو كذاب، ولم يخرجها أحد من أصحاب الكتب الستة، ولا في "المصنفات المشهورة، ولا المسانيد المعروفة"، وإنما رواه الدَّارَقُطْنِيّ في "سننه" التي يروي فيها غرائب الحديث، وقال عقيبه: وعبد الله بن زياد بن سمعان متروك الحديث. وذكره في "علله" وأطال فيه الكلام
…
"""2".
وقال الزيلعي أيضاً رحمه الله في معرض حديثه عن أحاديث الجهر بالبسملة.
""فهذا أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، مع اشتمال كتبهم على الأحاديث السقيمة، والأسانيد الضعيفة، لم يخرجوا منها شيئاً، فلولا أنها عندهم واهية بالكلية لما تركوها، وقد تفرد النسائي منها بحديث أبي هريرة، وهو أقوى ما فيها عندهم، وقد بينّا ضعفه، والجواب عنه من وجوه متعددة وأخرج الحاكم منها: حديث علي، ومعاوية، وقد عرف تساهله.
وباقيها عند الدَّارَقُطْنِيّ في سننه "التي "هي""3" مجمع الأحاديث المعلولة،
"1""نصب الراية": 1/349.
"2""نصب الراية": 1/340.
"3" زيادة من عندي.
ومنبع الأحاديث الغريبة، وقد بيّناها حديثاً حديثاً"""1".
قلت: وقد روى الإمام الدَّارَقُطْنِيّ في "سننه" من أحاديث الجهر بالبسملة واختلاف الروايات فيها نحواً من 34 حديثاً، وسكت على كثير منها، وهو يرى أنه لم يصحّ في الجهر بها حديث، يقول ابن تيمية رحمه الله عن أحاديث الجهر بالبسملة:
""وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أنه ليس في الجهر بها حديث صريح، ولم يرو أهل السنن المشهورة: كأبي داود، والترمذي، والنسائي شيئاً من ذلك.
وإنما يوجد الجهر بها صريحاً في أحاديث موضوعة، يرويها الثعلبي والماوردي، وأمثالهما، في التفسير، أو في بعض كتب الفقهاء الذين لا يميزون بين الموضوع وغيره، بل يحتجون بمثل حديث الحميراء.
وأعجب من ذلك أن من أفاضل الفقهاء من لم يعز في كتابه حديثاً إلى البخاري إلا حديثاً في البسملة، وذلك الحديث ليس في البخاري، ومَنْ هذا مبلغ علمه في الحديث كيف يكون حالهم في هذا الباب؟.
ويرويها مَنْ جمع هذا الباب: كالدَّارَقُطْنِيّ، والخطيب، وغيرهما فإنهم جمعوا ما روي، وإذا سئلوا عن صحتها قالوا بموجب علمهم.
كما قال الدَّارَقُطْنِيّ لما دخل مصر. وسئل أن يجمع أحاديث الجهر بها فجمعها، فقيل له: هل فيها شيء صحيح؟.
فقال: أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا، وأما عن الصحابة فمنه صحيح، ومنه
"1""نصب الراية": 1/356.