الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعندما تلحظ هذا في كتاب السنن يخيل إليك أن الكتاب كتاب تخريج على غِرار كتب التخريج التي تُعنى بتصحيح الحديث وتضعيفه.
وقد عَمِلتُ في نهاية البحث فهرساً شاملاً لأقوال الدَّارَقُطْنِيّ في سننه على الرواة جرحاً وتعديلاً، واشتمل الفهرس على نحو ألف شخص تكلم فيهم الدَّارَقُطْنِيّ بالجرح أو التعديل.
وقمت بدراسة جملة من أقواله في الرواة: لبيان هل هو متشدد في الجرح والتعديل أو متساهل؟.
وتميزت أحكامه في الرواة في سننه بالاختصار، وعدم التطويل، وترك سرد أقوال الأئمة السابقين في الراوي إلا قليلاً، حيث يطيل في بعض الرواة فيتكلم عليهم صفحة أو أقل.
وكلامه في الرواة في الجزء الأول أكثر منه في الجزء الثاني، وهو في الثاني أكثر منه في الجزء الثالث، وهكذا، لأنه أحيانا يترك جرح الراوي بناء على أنه ذكره من قبل، وأحيانا يتركه لأنه مشهور، وأحيانا يتركه اعتماداً على ذكر السند.
وينشط للكلام على الأحاديث والرواة في بعض الأبواب أكثر من بعض بناء على ذلك أو لأسبابٍ أخرى لم تظهر لي.
ثالثاً: تبويب وترتيب كتاب السنن:
من خلال قراءتي الكتاب ومعايشتي له، ظهر لي أنه -مع عنايته بمعظم أبواب الفقه وتفصيلاتها- ليس دقيقاً في ترتيبه وفي وضع كل حديث في
مكانه المناسب، حيث يضع بعض الأحاديث في أبواب لا تدخل تحتها، ومن الأمثلة على ذلك.
1-
أنه أورد في السنن 1/110-111 تحت باب التنشف من ماء الوضوء حديثين.
أحدهما في الباب، والآخر لا علاقة له بالباب -فيما يظهر لي- وهو: "
…
عن جابر قال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت من وضوئه فصببته في بئري".
2-
وذكر في باب طلوع الشمس بعد الإفطار حديث ابن عمر في زكاة الفطر، قال:"أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن حزم في زكاة الفطر نصف صاع من حنطة، أو صاع من تمر"، في السنن 2/213، ولا علاقة له بالباب، في حين أن عنده كتاب زكاة الفطر مستقلا، ذكره في السنن 2/138، وذكر فيه هذا الحديث في 2/145 برقم 28.
3-
ومن ذلك أنه قال في السنن 2/76: "باب حَثْي التراب على الميت" ثم أورد تحته حديثاً واحداً في الموضوع، وذكر بعده:"عن مسروق قال: صلى عمر على بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول: لأصلين عليها مثل آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثلها، فكبر عليها أربعاً".
وأورد حديث أنس بن مالك "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه".
وكذلك حديث ابن عباس ? قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس عليكم في ميتكم غسل إذا غسلتموه، وإن ميتكم ليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم".
فانظر كم أورد من موضوع تحت باب واحد لا يدخل فيه؟!!! على أنه لو
وضع كل حديث في باب مستقل على الترتيب نفسه لم يكن في ذلك بأس.
4-
ومن ذلك أنه تحت "باب الصلاة في الثوب الواحد" في السنن 1/282 ذكر حديثاً في الباب، ثم أورد حديثاً آخر لا علاقة له بالباب وهو حديث عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يمت نبي حتى يؤمّه رجل من قومه". "وهو حديث ضعيف".
5-
ومن ذلك أنه قال في السنن 1/175: "باب التيمم"، ثم قال في 1/184:"باب التيمم وأنه يفعل لكل صلاة".
6-
ومنه أنه أدخل أحاديث الحجامة في باب القُبلة للصائم في السنن 2/180.
وهكذا، فإن ترتيب "السنن" في بعض المواضع فيه نظر، ولعله راجع إلى عدم جودة النسخة أو عدم قصد العناية بهذا الجانب من جهة المؤلف رحمه الله، إنما كان قصده إيراد الأحاديث لذاتها، ولو في صورة ترتيب ليس بالدقة المطلوبة في بعض المواطن، لأن الترتيب في ذاته ليس مطلوبا. والله أعلم.
ولا يقال هنا إن السبب في ذلك هو كون المؤلف لم ينقّح الكتاب أو لم يبيضه، لأن الظاهر أنه ألّف الكتاب وقرئ عليه في حياته، كما يدل عليه ما حكاه الخطيب البغدادي في تاريخه من أنه لما كانت "السنن" تقرأ على الدَّارَقُطْنِيّ بلغ حديثا"1" فيه "غَوْرك" فقال:"تفرد به غَوْرك عن جعفر وهو ضعيف جدا ومَنْ دونه ضعفاء" فقيل له إن فيهم أبا يوسف
…
إلخ""2".
"1" في "السنن": 2/126.
"2" انظر: "التنكيل
…
"، للمعلمي: 1/361.
وكما يدل على ذلك إحالات المؤلف في الكتاب في بعض الأحيان كما في "السنن" 1/167 قال في حديث: "وقد كتبناه قبل هذا".
وكما في "السنن": 4/81 قال: "وحديث مسعدة يأتي بعد هذا"، فذكر حديث مسعدة في 4/99.
ولكنني أرجح أن بعض هذا الخلل في الترتيب راجع إلى السبب الأول وهو نسخة السنن، بدليل ما يأتي:
1-
في "السنن": 4/67 قال: "كتاب الفرائض والسير، وغير ذلك". فأورد فيه الأحاديث إلى ص 101، وكلها في الفرائض فقط، ثم ذكر كتاباً آخر فقال في 4/101:"كتاب السير".
وأورد الأحاديث فيه إلى ص119، ثم قال:"بقية الفرائض" فما سبب هذا لولا أنه النسخة؟.
2-
ومثل هذا أنه بعد "كتاب الصلاة" ذكر "كتاب الجمعة" ثم "كتاب الوتر" ثم "كتاب العيدين" ثم "كتاب الجنائز" ثم بعد هذا كله ذكر "جواز العمل القليل في الصلاة"، "قضاء المغمى عليه ووقت صلاة التطوع"، "الرجل يغمى عليه وقت الصلاة هل يقضي؟ "، "الالتفات في الصلاة"، "الإشارة في الصلاة".
فهذه الأبواب الأخيرة ظاهر أن مكانها في كتاب الصلاة، فما الذي أخرها هذا التأخير.
3-
وفي 2/212،213 ذكر أحاديث كان قد ذكرها في 2/187. فمثل هذا التصرف في السنن يجعلني أرجّح ما رجّحت، والله أعلم.