الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: مكانته في الحديث وعلومه
*
…
تظهر مكانة الإمام الدَّارَقُطْنِيّ، في الحديث وعلومه، في: حفظه للحديث وبراعته فيه، وفي رسوخه في معرفة العلل، وفي إمامته في الجرح والتعديل، وفي استدراكاته على الأئمة، وفي مصنفاته.
وفيما يلي الحديث عن مكانته في الحديث وعلومه، من خلال الحديث عن هذه الأمور كلها:
المبحث الأول
حفظه للحديث، وبراعته فيه
كان الإمام الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله تعالى آية في حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودقائق علومه.
وقد اجتمع له مع الحفظ النادر، الدراية التامة، وقد سبق الحديث عن حفظه أقوال الأئمة في ذلك.
وهذا الحفظ الفريد، والخبرة والدراية العجيبتان، التي توافرت في أبي الحسن الدَّارَقُطْنِيّ يمكن أن يتبينها الإنسان من الأمور الآتية:
1-
من أقوال الأئمة فيه.
2-
من خلال كتبه، وموضوعاتها وإبداعه فيها.
3-
من خلال نماذج من الأسئلة التي وجهت إليه، فأجاب عنها بما يدهش المرء، في باب الحفظ والدراية.
وإليك الحديث عن هذه الجوانب الثلاثة فيما يلي:
1-
أما أقوال الأئمة فيه، فقد مضى بعضها، لا سيما في موضوع: إمامته
وحفظه، وفيه كفاية؛ فلا حاجة إلى زيادة النقل، أو إعادته هنا.
2-
وأما مصنفاته: ففيها الدلالة الظاهرة على حفظه للحديث، سواء إِن نظرنا إلى استيعابه للمسائل والروايات التي يتعرض لها في كتبه أو إلى الموضوعات التي يقصدها بالتأليف:
فهو قد ألَّف في "علل الحديث" وفي "الأفراد والغرائب" من الحديث، وفي "التصحيف" وفي "الاستدراكات" على الأئمة ونقدهم، وفي "الجرح والتعديل" وفي "المؤتلف والمختلف من أسماء الرجال".
وكل هذه الموضوعات -كما ترى- لا يتأهّل للكلام فيها -فضلاً عن التأليف فيها- إلا الأئمة الأفذاذ من أئمة هذا الشأن، وقد ألّف فيها الدَّارَقُطْنِيّ وأجاد وأتى في كل موضوع بما دعا الأئمة الحفاظ إلى التسليم له بالتقدم، والرجوع إليه في ذلك، وانظر ما قلته في كل مصنف من مصنفاته في هذه الفنون.
3-
وأما إحاطته بالروايات والمسائل التي يوردها في كتابه، فسأضرب أمثلة عليها بما يأتي:
المثال الأول: حديث "الأذنان من الرأس" وما جمع فيه من الروايات والطرق. فقد قال الدَّارَقُطْنِيّ: "باب ما روي من قول النبي صلى الله عليه وسلم "الأذنان من الرأس".
حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، ثنا الجراح بن مخلد، نا يحيى
ابن العريان الهروي، نا حاتم بن إسماعيل، عن أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الأذنان من الرأس". كذا قال،
وهو وَهَمٌ، والصواب عن أسامة بن زيد، عن هلال بن أسامة الفهري، عن ابن عمر موقوفاً، هذا وهم لا يصح وما بعده، وقد بينت عللها""1".
ثم أخذ يسرد الروايات فذكر سبعة وأربعين طريقاً في معنى هذا الحديث!!.
وتكلم على كل طريق بالتضعيف، بالوقف أو الإرسال أو الانقطاع أو ضعف أحد الرواة بما يريح القارئ في بيان الحكم من غير تطويل وبما يدهش المرء كذلك إذا نظر إلى جانب الاستيعاب والإحاطة في الحكم. وقد بدأ الحديث عن هذه الروايات من 1/97 إلى 107.
المثال الثاني: حديث الحج عن "شبرمة"، وما جمعه من طرقه.
ذكره الدَّارَقُطْنِيّ في "السنن" 2/267-271 فسرد له ثلاثة وعشرين طريقاً- وإن سكت عنها في الجملة.
المثال الثالث: أحاديث القهقهة في الصلاة، إذ جمع الطرق التي وردت فيها من ص161 إلى 175 في 68 طريقاً، وبيّن عللها.
المثال الرابع: حديث القلتين -أول حديث ذكره في سننه 1/13-25 في كتاب الطهارة- وما جمعه فيه من الطرق واختلاف الروايات فيه في شيخ "الوليد بن كثير" ففي بعض الروايات: "عن أبي أسامة، عن الوليد
ابن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير". وفي بعضها:"عنه عن محمد بن عباد بن جعفر". فجمع الدَّارَقُطْنِيّ بين الروايات في ذلك بطريقة تدل على حفظه وبراعته في الفهم فقال:
"1""سنن الدَّارَقُطْنِيّ": 1/97.