الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوقت، الذي تهفو إليه قلوب طلاب العلم الشرعي.
وإن نظرة سريعة فيما دوّنه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"
من تراجم العلماء كمّاً وكيفاً، يدرك الباحث كم كان يقطن بغداد من العلماء!! وكم كان يرحل إليها!! ومَنْ كان يرحل إليها!! إنهم مشاهير العلماء وكبار المحدثين.
ومنهم من يطيب لهم المقام بين الحديث وأهله في بغداد سنين طويلة.
فيظهر بهذا أن الرحلة من بغداد إلى سواها تُعدّ رحلة ليست أربح من البقاء فيها، لذلك لم يقدم الدَّارَقُطْنِيّ على الرحلة إلى غير مدينته بغداد إلا بعد أن كبرت سِنّهُ. والله أعلم.
حفظه
وإمامته
حفظه
…
11-
حفظه وإمامته
الإمام الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله قد لمع في الحفظ منذ صغره، وتميز به على سائر أقرانه، كما أنه تصدّر للإمامة في حياته في شتى العلوم، ويدرك القارئ لترجمته بوضوح أنه:
"محدّث، حافظ، فقيه، مقرئ، أخباري، لُغَوي
…
".
حفظه:
أما الحفظ فقد بلغ فيه مبلغا عجيبا وانفرد به بين أهل عصره، واشتهر به لدى العلماء وطلاب العلم، والمؤرخين، حتى لا تكاد تجد أحدا يترجم له أو يذكره مثنيا عليه إلا يقول عنه: الإمام الحافظ المشهور، أو حافظ العصر، أو الحافظ ونحو ذلك:
1-
قال ابن الجزري فيه:
""
…
الإمام الحافظ أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ البغدادي صاحب التصانيف، وأحد الأعلام الثقات
…
"""1".
2-
وقال ابن تَغْرِي بَرْدَى عنه:
""الحافظ المشهور"""2".
3-
وقال الحاكم أبو عبد الله:
""صار الدَّارَقُطْنِيّ أوحد عصره في الحفظ، والفهم، والورع، وإماما في القراء والنحويين، وفي سنة ست وسبعين أقمت ببغداد أربعة أشهر، وكثر اجتماعنا بالليل والنهار فصادفته فوق ما وصف لي، وسألته عن العلل والشيوخ، وأشهد أنه لم يخلِّف على أديم الأرض مثله"""3".
4-
وذكره ابن الجوزي في كبار الحفاظ فقال:
""وكان فريد وقته في الحفظ، والإتقان، ومعرفة النقل"""4".
5-
وقال الحافظ ابن كثير:
""
…
وكان من صغره موصوفاً بالحفظ الباهر، والفهم الثاقب، والبحر الزاخر
…
""5.
"1" "غاية النهاية
…
": 1/558.
"2""النجوم الزاهرة": 4/172.
"3""طبقات الشافعية الكبرى": 2/310-311.
"4" رسالة: "ذكر كبار الحفاظ": ق139.
"5""البداية والنهاية": 11/317.
6-
وقال فيه تاج الدين السبكي:
""الإمام الجليل أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ البغدادي الحافظ المشهور الاسم، صاحب التصانيف، إمام زمانه، وسيد أهل عصره، وشيخ أهل الحديث"""1".
7-
وترجم له الحافظ الذهبي في "تذكرة الحفاظ" فقال:
""أ - الإمام، شيخ الإسلام، حافظ الزمان، أبو الحسن
…
الحافظ الشهير، صاحب السنن"""2".
ب- وقال الذهبي أيضاً تعليقاً على حكاية البَرْقانِيّ أن الدَّارَقُطْنِيّ كان يملي عليه كتاب العلل من حفظه:
""قلت: إن كان كتاب العلل الموجود قد أملاه"3" الدَّارَقُطْنِيّ من حفظه -كما دلت عليه هذه الحكاية- فهذا أمر عظيم يُقضى به للدارقطني أنه أحفظ أهل الدنيا، وإن كان قد أملى بعضه من حفظه فهذا ممكن، وقد جمع قبله كتاب العلل علي بن المديني حافظ زمانه"""4".
جـ- وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" معلقاً على ذلك:
""قلت: وهذا شيء مدهش: كونه كان يملي العلل من حفظه، فمن أراد أن يعرف قدر ذلك فليطالع كتاب العلل للدارقطني ليعرف [كيف]"5" كان الحفاظ"""6".
"1""طبقات الشافعية الكبرى": 2/310.
"2""التذكرة": 3/991.
"3" في الأصل: "أملى"، وهو خطأ.
"4""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق523.
"5" زيادة من عندي ليستقيم الكلام.
"6""تاريخ الإسلام": جـ5 ق5.
د- وقال أيضاً: ""قال أبو الحسن العَتِيقي: حضرت أبا الحسن وجاءه أبو الحسين بغريب ليقرأ له شيئا فامتنع واعتلّ ببعض العلل، فقال: هذا غريب، وسأله أن يملي عليه أحاديث، فأملى عليه أبو الحسن من حفظه مجلسا تزيد أحاديثه على العشرين متنا، جميعاً:"نعم الشيء الهدية أمام الحاجة".
قال: فانصرف الرجل ثم جاء بعدُ وقد أَهْدَى له شيئاً، فقرّبه وأملى عليه من حفظه سبعة عشر حديثاً، متون جميعها:"إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه".
قال الذهبي: ""قلت: هذه حكاية صحيحة رواها الخطيب عن العَتِيقي، وهي دالة على سعة حفظ هذا الإمام، وعلى أنه لوّح بطلب شيء، وهذا مذهب لبعض العلماء، ولعل الدَّارَقُطْنِيّ كان إذ ذاك يحتاجه، وكان يَقبل جوائز دعلج السَّجَزِي وطائفة، وكذا وصله الوزير ابن حنزابة بجملة من الذهب لما خرّج له المسند"""1".
هـ- وقال الذهبي أيضاً معلقاً على قصة إملائه على الغريب:
""قلت: هنا يخضع للدارقطني ولسعة حفظه الجامع لقوة الحافظة، ولقوة الفهم والمعرفة، وإذا شئت أن تبين براعة هذا الإمام الفرد فطالع "العلل" له فإنك تندهش ويطول تعجبك"""2".
قلت: حقا إن العجب والدهشة من حفظه لا ينتهيان، سواء بالنظر إلى كلام الأئمة فيه واعترافهم له بذلك، بل دهشتهم منه، كما هو واضح مما
"1""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق523.
"2""تذكرة الحفاظ": 3/993،994.