الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُلْحَقٌ
وهو نصوص وردتْ في كتاب "تحذير الخواص من أكاذيب القُصَّاص"، للسيوطي، منقولة عن كتاب الدارقطني:"مقدمة كتاب الضعفاء والمتروكين"-إن لم تكن كله-.
ويغلب على الظنّ أنها معظمُ الكتاب.
نصوص من كتاب: "مقدمة كتاب الضعفاء والمتروكين
…
"
فيما يلي، أنقل نصّاً أحسب أنه:"مقدمة الضعفاء والمتروكين"، للدارقطني كاملاً، الذي أفرده بالتأليف، أو أُفرِد عنه بالرواية، وجدتُهُ في كتاب السيوطي:"تحذير الخواص من أكاذيب القُصَّاص"1" قال الدارقطني: "توعد صلى الله عليه وسلم بالنار من كذب عليه، بعد أمره بالتبليغ عنه، ففي ذلك دليل على أنه إنما أَمر أن يبلَّغ عنه الصحيح دون السقيم، والحق دون الباطل، لا أن يبلَّغ عنه جميع ما رُوي عنه؛ لأنه قال صلى الله عليه وسلم:"كفى بالمرء إثماً أن يُحدِّث بكل ما سمع"، أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة؛ فمن حَدَّث بجميع ما سَمِع من الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يُمَيِّز بين صحيحها وسقيمها، وحقِّها من باطلها باء
"1" في 81-92، وسبب نقلي لهذا النص: هو أن هذا الكتاب مفقود -حسب علمي-، والله أعلم.
بالإثم، وخيف عليه أن يدخل في جملة الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه منهم؛ في قوله:"من روى حديثاً يُرى أنه كذب؛ فهو أحد الكاذبين"، فظاهر هذا الخبر دالٌّ على أن كلّ من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً وهو شاكٌّ فيه: أصحيح، يكون كأحد الكاذبين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "من حَدّث عني حديثاً، وهو يَرى أنه كذب
…
"، ولم يقل: وهو يستيقن أنه كذب.
وللتحرز من مثل ذلك كان الخلفاء الراشدون، والصحابة المنتخبون، رضوان الله عليهم، يَتَّقون كثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتشددون في ذلك، منهم: أبو بكر وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن
ابن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، والمقداد بن الأسود، وأبو أيوب الأنصاري، وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمران بن حصين، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأبو الدرداء، وأبو قتادة، وصهيب، وقرظة بن كعب وغيرهم.
وكان أبو بكر وعمر يطالبان من روى لهما حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمعاه منه= بإقامة البينة عليه، ويتوعدانه في ذلك.
وكان علي بن أبي طالب يستحلف عليه"1".
"1" هذا ليس على إطلاقه؛ إذ كان ذلك يكون منهم في بعض الأحوال التي يحتاج فيها أحدهم إلى مثل هذا. انظر: "منهج النقد عند المحدثين: نشأته وتاريخه"، د. محمد مصطفى الأعظمي: ص53.
وكان عبد الله بن مسعود يتغير عند ذكر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنتفخ أوداجه، ويسيل عرقه، وتدمع عيناه، ويقول: أو قريباً من هذا، أو نحو هذا، أو شبه هذا. كل ذلك خوفاً من الزيادة والنقصان، أو السهو والنسيان، واحتياطاً للدين، وحفظاً للشريعة، وحسماً لطمع طامع، أو زيغ زائغ أن يجترئ؛ فيحكي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، أو يُدْخل في الدين ما ليس منه، وليقْتَدِي بهم من يسمع منهم ويأخذ عنهم، فيقفوا أثرهم ويسلك طريقهم.
فاتَّبعهم على ذلك، جماعة من صالحي التابعين واقتفوا آثارهم واتبعوا سبيلهم في الذّب عن السنن، والبحث عن رواتها والتّوقّى في أدائها، منهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعلي بن الحسين وعمر بن عبد العزيز وطاووس بن كيسان، ومحمد بن مسلم الزهري وأبو الزناد، وسعد بن إبراهيم، وعامر الشعبي، وإبراهيم النخعي، وشرحبيل بن السمط، وأيوب السختياني، وسليمان التيمي، وعبد الله بن عون، ويونس بن عبيد، والحكم
ابن عتيبة، وحبيب بن أبي ثابت، ومنصور بن المعتمر، وغيرهم.
وسلك مسلكهم وحَذَا حذوهم في ذلك طوائف من الخالفين بعدهم، منهم: مالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وحماد بن زيد، ووهيب بن خالد، وسفيان بن عيينة، وزائدة، وزهير بن معاوية.
ثم ذكر خلائق من الأئمة إلى أن قال: "حتى كان في عصرنا هذا، فتأملت أحوال طالبي العلم، وكاتبي الحديث؛ فوجدتهم على الضد مما كان عليه مَن قدّمت ذكْره من الأئمة، إلا من وفقه الله تعالى منهم للصواب، ورأيت أكثر طالبيه في هذا الزمان، والغالب على إرادتهم، والظاهر من
شهواتهم كَتْبُ الغريب، وسماع المنكر؛ حتى صار المشهور عند أكثرهم غريباً، والمعروف عندهم منكراً، وخلطوا الصحيح بالسقيم، والحق بالباطل؛ وذلك لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم، ونقصان علمهم بالتمييز، وزهدهم في تعلم ذلك والبحث عنه، وطلبه من مظانه "-إلى أن قال-"وقد أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بما يكون بعده في أمته من الروايات الكاذبة، والأحاديث الباطلة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم باجتناب رواتها، وحذر منهم ونهى عن استماع أحاديثهم، وعن قبول أخبارهم؛ فقال صلى الله عليه وسلم:"سيكون في آخر الزمان أناس من أمتي، يُحدِّثونكم بما لم تسمعوا أنتم، ولا آباؤكم؛ فإياكم وإياهم" أخرجه مسلم مِن حديث أبي هريرة ?.
ثم أخرج الدارقطني بسنده: "عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر الزمان دجّالون كذّابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم، ولا آباؤكم؛ فإياكم وإياهم؛ لا يضلونكم ولا يفتنونكم".
وأخرج بسنده "عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم".
قال الدارقطني: "فحذّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذابين ونهانا عن قبول رواياتهم، وأمرنا باتقاء الرواية عنه صلى الله عليه وسلم إلا ما علمنا صحته".
ثم أخرج بسنده "عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم".
وأخرج بسنده من طريق "رفاعة بن هدير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج، عن أبيه، عن جده، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فقال:
يا رسول الله إن الناس يحدِّثون عنك بكذا وكذا.
قال: "ما قلته. ما أقول إلا ما ينزل من السماء، وَيحكُمْ لا تكذبوا عليّ؛ فإنه ليس كذبٌ عليّ ككذب على غيري".
قال الدارقطني:
"ومن سننه صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين من بعده الذّب عن سنته، ونفي الأخبار الكاذبة عنها، والكشف عن ناقلها، وبيان تزوير الكاذبين، ليسلم من أن يكون خصمُهُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً كذباً، وأقر عليه، كان الرسولُ صلى الله عليه وسلم خصمَهُ يوم القيامة".
فإن"1" ظن ظان، أو توهم متوهم، أن التكلم فيمن روى حديثاً مردوداً غيبة له، يقال له: ليس هذا كما ظننتَ، وذلك أن إجماع أهل العلم على أن هذا واجبٌ ديانة ونصيحة للدين وللمسلمين.
وقد حدثنا القاضي أحمد بن كامل، ثنا أبو سعيد الهروي، ثنا أبو بكر بن خلاد، قال: قلت ليحيى بن سعيد القطان: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله عز وجل؟.
قال: لأن يكون هؤلاء خصمائي أحب إليّ من أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خصمي؛ يقول لي: لِمَ لم تذبّ الكذب عن حديثي؟.
قال: "وإذا كان الشاهد بالزور في حقٍ يسير تافهٍ حقير يجب كشف حاله؛ فالكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحل الحرام ويُحرّم الحلال، ويتبوأ
"1" من هنا إلى آخر الكلام نقله السيوطي في: 117-128.
مقعده من النار؛ فكيف لا تجوز الوقيعة فيمن قد تبوأ مقعده من النار بكذِبِهِ على رسول الله صلى الله عليه وسلم!. ثم قال: "حدثنا محمد بن خلف، ثنا عمر بن محمد بن الحكم النسائي، ثنا محمد بن يحيى، عن محمد بن يوسف قال: كان سفيان الثوري يقول: فلان ضعيف، وفلان قوي، وفلان خذوا عنه، وفلان لا تأخذوا عنه. وكان لا يرى ذلك غيبة".
قال: "وحدثنا علي بن إبراهيم المستملي قال: سمعت أبا الحسين محمد بن إبراهيم بن شعيب الغازي يقول:
سمعت أبا حفص عمرو بن علي يقول: حدثنا عفان قال: كنت عند إسماعيل بن علية، فحدث رجل، فقلت: لا تحدث عن هذا، فإنه ليس بثبت.
فقال الرجل: اغتبته. فقال إسماعيل: ما اغتابه، ولكنه حَكَمَ أنه ليس بثبت". قال:"حدثنا إسماعيل بن محمد وحمزة بن الدهقان، قالا: حدثنا إسماعيل، ثنا علي بن المديني، ثنا يحيى بن سعيد قال: سألت مالكاً، وشعبة، وسفيان بن سعيد، وسفيان بن عيينة، عن الرجل لا يكون بذاك في الحديث. فقالوا جميعاً: بَيِّنْ أَمْره".
قال: "وحدثنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الفارسي، حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمر الدمشقي قال: سمعت أبا مسهر يسأل عن الرجل يغلط ويهم ويصحّف، قال: بيّن أمره. قلت لأبي مسهر: أترى ذلك من الغيبة؟ قال: لا".
قال: "وحدثنا محمد بن مخلد، حدثنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن بن يونس بن السرّاج، قال: سمعت رجلاً يقول: سمعت حماد بن زيد يقول: قلت لشعبة: هذا الرجل يَحْكم في الناس أليس هو غيبة؟ قال: يا أحمق هذا دِين،
وتَرْكه محاباة".
قال: وحدثنا محمد بن مخلد، ثنا عمر بن مدرك، قال سمعت مكي بن إبراهيم، يقول: كان جعفر بن الزبير يقول: حدثنا القاسم، عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحواً من مائتي حديث؛ فرأيت شعبة يأتي عمران بن حُدَيْر؛ فيقول: قم بنا نغتاب هؤلاء في الله عز وجل، فيترك حماره، ويمضي معه.
قال:"حدثنا أبو بكر محمد بن داود بن سليمان النيسابوري، حدثنا أبو الفضل أحمد بن عبد الله بن سلمة النيسابوري، قال: سمعت محمد بن بندار السبّاك الجرجاني يقول: قلت لأحمد بن حنبل: إنه يشتد عليّ أن أقول: فلان ضعيف، وفلان كذّاب. فقال أحمد: إذا سكتَّ أنت وسكتُّ أنا، فمتى يَعْرِف الجاهل الصحيح من السقيم؟.
قال الدارقطني: "فهؤلاء أئمة المسلمين، وأهل الفضل والورع في الدين، قد أباحوا الجرح، وأمروا بالبيان، وأخبروا أن ذلك ليس بغيبة، وأنه حُكْمٌ يلزم القول به العارفين، وأن السكون عنه لا يحل لأحد من المؤمنين، وأن إظهاره أفضل من السكوت عنه لأهل العلم من المتقنين.
إلى أن قال: فلولا أن أئمتنا رحمهم الله كثرت عنايتهم بأمر الدين، فحفظوا السنن على المسلمين، لضبطهم الإسناد، وانتقادهم الرواة، وبحثهم عنهم، وتمييزهم بين الصحيح والسقيم، لظهر في هذه الأمة من التبديل والتحريف ما ظهر في الأمم الماضية قبلها، لأنا لا نعلم أمةً من الأمم قبل أُمّتنا، حفظت عن نبيها، وحفظت على أمته من بعده من أمر دينها، ونفت عنه وعن شريعته التبديل والتحريف =ما حفظت هذه الأمة من سنن نبيها
صلى الله عليه وسلم، ثم وفّق الله تعالى هؤلاء الأئمة لضبط ذلك، والعناية به، حتى لا يمكَّن زائغ، ولا مبتدع، أن يزيد في سنةٍ من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَلِفاً، ولا واواً"1"، إلا أنكروه، ونبهوا عليه، وميزوا خطأ ذلك من صوابه، وحقه من باطله، وصحيحه من سقيمه؛ فلولا قيامهم بذلك وذبّهم عنه، لقال من شاء من الزائغين ما شاء. هذا كلام الدارقطني".
ثم قال: "حدثنا محمد بن مخلد، ثنا محمد بن غالب تمتام، قال: سمعت عمراً الناقد يقول: دين محمد صلى الله عليه وسلم لا يَحْمل الدنس -يعني الكذب-".
"1" وردتْ مثل هذه اللفظة عند ابن حبان "-354هـ"، في "المجروحين": 1/25.