المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الجزء الثالث والعشرون من حديث أبي الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله الذهلي القاضي، رحمه الله، ت367ه - الإمام أبو الحسن الدارقطني وآثاره العلمية

[عبد الله الرحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: الدارقطني: حياته، وصفاته ومكانته العلمية

- ‌الفصل الأول: حياة الدارقطني وصفاته، ومكانته العلميه

- ‌اسمه ونسبه

- ‌ مولده ونسبته

- ‌ عائلته

- ‌ مذهبه في الأصول

- ‌ ورعه، وصراحته في الحق

- ‌ ذكاؤه

- ‌‌‌ تواضعهوحِلْيَته

- ‌ تواضعه

- ‌حِلْيَته:

- ‌ عصره

- ‌تمهيد:

- ‌أ- عصره من الناحية السياسية:

- ‌ب- عصره من الناحية الاجتماعية:

- ‌جـ- عصره من الناحية العلمية:

- ‌ طلبه للعلم

- ‌ رحلاته

- ‌‌‌حفظهوإمامته

- ‌حفظه

- ‌ إمامته

-

- ‌ شيوخه

- ‌شيوخ الدارقطني في"سننه"مرتبين على حروف المعجم: الكنى

- ‌شيوخ الدارقطني في"سننه"مرتبين على حروف المعجم: الأبناء

- ‌ترجمة لأربعة من شيوخه: 1 يحي بن محمد بن صاعد

- ‌3- القاضي الحسين بن إسماعيل المَحَامل

- ‌4- يعقوب بن إبراهيم البَزَّاز

-

- ‌ تلاميذه

- ‌تلاميذ الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ مرتبين على حروف الهجاء

- ‌ترجمة لأربعة من أشهر تلاميذه:1 أبو بكر أحمد بن محمد البرقاني

- ‌2- أبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ

- ‌3- عبد الغني الأزْدِيّ

- ‌ وفاة الدَّارَقُطْنِيّ

- ‌أقوال الأئمة

- ‌اولَا: ثناؤهم عليه

-

- ‌الفصل الثاني: مكانته في الحديث وعلومه

- ‌المبحث الأولحفظه للحديث، وبراعته فيه

- ‌المبحث الثانيرسوخه في معرفة العلل

- ‌المبحث الثالثإمامته في الجرح والتعديل

- ‌أولاً: قبول قوله فيه:

- ‌ثانياً: اعتداله فيه:

- ‌ثالثاً: إمامته فيه:

- ‌المبحث الرابعاستدراكاته على الأئمة

- ‌مقدمة:

- ‌أولاً: الأئمة الذين استدرك عليهم، وأنواع استدراكه:

- ‌ثانياً: مَوَاطِن استدراكاته:

- ‌ثالثاً: ذكر أمثلته من استدراكاته على الإمام النسائي:

- ‌المبحث الخامسفي موقف الدَّارَقُطْنِيّ من الصحيحين

- ‌أولاً: عرض موقفه من الصحيحين:

- ‌ثانياً: بيان الموقف الأول:

- ‌ثالثاً: بيان الموقف الثاني:

-

- ‌الباب الثاني: مصنَفاته والكلام عنها

- ‌الفصل الأول: مؤلفاته الموجودة

-

- ‌المبحث الأولالمطبوع من مصنّفاته: بيانها، والكلام عنها

- ‌الأحاديث التي خولف فيها إمام دار الهجرة مالك بن أنس

- ‌أحاديث الصفات

- ‌أحاديث الموطأ واتفاق الرواة عن مالك، واختلافهم فيه وزياداتهم، ونقصانهم

- ‌أحاديث النزول

- ‌الإخوة والأَخوات

- ‌أربعون حديثاً من مسند بريد بن عبد الله بن أبي بُردة

- ‌أسئلة البَرْقانِيّ

- ‌أسئلة الحاكم للدارقطني عن شيوخه

- ‌أسئلة السُّلَمِيّ للدارقطني

- ‌أسئلة السهمي للدارقطني

- ‌الاستدراكات

- ‌الأسخياء

- ‌الإلزامات

- ‌ تعليقات على المجروحين، لابن حبان:

- ‌ذِكْر أسماء التابعين ومن بعدهم ممن صحت روايته عند البخاري

- ‌ذِكْر أقوام أخرج لهم البخاري ومسلم في صحيحيهما، وضعفهم النسائي في "كتاب الضعفاء"، وسئل عنهم الدَّارَقُطْنِيّ

- ‌الرؤية

- ‌السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الضعفاء والمتروكون من المحدثين

- ‌العلل الواردة في الأحاديث النبوية

- ‌المؤتلف والمختلف في أسماء الرجال

- ‌المستجاد من فعل الأجواد:

- ‌ الجزء الثالث والعشرون من حديث أبي الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله الذهلي القاضي، رحمه الله، ت367ه

- ‌ الغَيلانيات:

- ‌ فوائد ابن الصواف:

- ‌المبحث الثاني: المخطوط من مصنفاته: بيانها، والكلام عنها

- ‌الأحاديث الرباعيات

- ‌كتاب الأربعين

- ‌أسماء الصحابة التي اتفق فيها البخاري ومسلم وما انفرد به كل منهما

- ‌رسالة في ذِكر روايات الصحيحين

- ‌ عشرون حديثاً منتقاة من "كتاب الصفات

- ‌غريب الحديث

- ‌الفوائد المنتقاة الغرائب

- ‌الفوائد المنتقاة الغرائب عن الشيوخ العوالي

- ‌ حديث أبي عمر محمد بن العباس بن حيوية الخزاز:

- ‌ حديث عمر الكناني رواية محمد الآبنوسي:

- ‌ الفوائد المنتخبة الغرائب العوالي:

- ‌الفصل الثاني: مؤلفاته المفقودة

- ‌القسم الأول: المفقود كله

- ‌أحاديث مالك التي ليست في الموطأ

- ‌أحاديث الوضوء من مس الذكر

- ‌أطراف موطأ الإمام مالك

- ‌أطراف مراسيل موطأ الإمام مالك

- ‌ كتاب في "أسماء المدلسين

- ‌أسئلة البَرْقانِيّ للدارقطني

- ‌كتاب الأمالي

- ‌تاريخ الضَّبِّيين

- ‌تسمية من رُوي عنه من أولاد العشرة

- ‌تصحيف المحدثين

- ‌ كتاب "الجهر بالبسملة

- ‌ذِكْر من روى عن الشافعي الحديث

- ‌ذيل على كتاب التاريخ الكبير للبخاري

- ‌كتاب الرَّمْي والنضال

- ‌الرواة عن مالك

- ‌كتاب القراءات

- ‌القضاء باليمين مع الشاهد

- ‌المدبّج

- ‌كتب المساجد

- ‌مسند أبي حنيفة

- ‌المسند

- ‌القسم الثاني: المفقود بعضه:

- ‌كتاب الإخوة والأَخوات

- ‌فضائل الصحابة ومناقبهم، وقول بعضهم في بعض صلوات الله عليهم

- ‌مقدمة كتاب الضعفاء والمتروكين من المحدثين

- ‌الفصل الثالث: المؤلفات المنسوبة له خطاء

- ‌غريب الحديث

- ‌ غريب اللغة:

- ‌ معرفة مذاهب الفقهاء:

-

- ‌الفصل الرابعسرد جميع ما تقدم من مؤلفاته مرتّبةً على حروف المعجم

- ‌الخاتمة:

-

- ‌الباب الثالث:‌‌ دراسة لكتابه: السنن

- ‌ دراسة لكتابه: السنن

- ‌المبحث الاول: تحقيق نسبته للإمام الدارقطني

- ‌رواة السنن عن الإمام الدَّارَقُطْنِيّ:

- ‌المبحث الثاني: وصف كتاب السنن

- ‌نُسَخُ كتاب السنن الخطية والمطبوعة

-

- ‌ اسم الكتاب:

- ‌ تاريخ "تأليف السنن

-

- ‌المبحث الثالث: موضوعه: (طهل هو لجمع الأحاديث الصحيحة أو الضعيفة أو ماذا

- ‌التنبيه على خطأٍ شائعٍ تجاه الكتاب:

-

- ‌المبحث الرابعأهمية كتاب "السنن" للدارقطني، ومكانته بين كتب السنن

- ‌الفرق بين سنن الدَّارَقُطْنِيّ وبين غيره من كتب السنن

- ‌الكلام على المؤلفات حول سنن الدرا قطني

- ‌المبحث الخامسمنهج الإمام الدَّارَقُطْنِيّ في كتاب "السنن

- ‌أولاً: درجة أحاديثه:

- ‌ثانياً: مقاصد الكتاب:

- ‌ثالثاً: تبويب وترتيب كتاب السنن:

- ‌رابعاً: تكراره للأحاديث:

- ‌خامساً: تفرد الإمام الدَّارَقُطْنِيّ بأحاديث في سننه:

- ‌المبحث السادس: مقدار الصحيح والضعيف فيه، ودرجة ماسكت عنه

- ‌خطواتي في بحث الموضوع

- ‌ بيان مجمل بالملاحظات والنتائج التي استنتجتها من الدراسة السابقة حول موضوع الصحيح والحسن في "السنن" وحكم ما سكت عنه:

- ‌ بيان بالأحاديث التي حكم عليها في "السنن" بالصحة أو الحسن أو على سندها:

- ‌ بعض الأبواب الضعيفة في السنن:

- ‌ النتيجة:

- ‌الباب الرابع: أقواله في الجرح والتعديل

- ‌الفصل الأول: اصطلاحاته في الجرح والتعديل

- ‌مقدمة

- ‌المبحث الأول: في اصطلاح الدارقطني في الأ لفاظ الآتيه على الترتيب: اصطلاحه في مجهول

- ‌أ- قال أبو بكر البرقاني

- ‌ب- حكم المجهول عنده:

- ‌د- بماذا ترتفع جهالة الراوي وتثبت عدالته عند الدَّارَقُطْنِيّ:

- ‌ اصطلاحه في صدوق

- ‌اصطلاحه في "لَيِّن

- ‌ اصطلاحه في "كثير الخطأ

- ‌ اصطلاحه في: "ثقة

- ‌ اصطلاحه في: "آية"، أو "آية من آيات الله

-

- ‌المبحث الثانيفي دفع التعارض المفهوم ظاهراً من بعض عبارات الدَّارَقُطْنِيّ

- ‌عبارات أخرى للدارقطني ظاهرها الاختلاف:

-

- ‌الفصل الثانيذكر من تَكلَّم فيه الدَّارَقُطْنِيّ بجرح أو تعديلفي سننه على حروف المعجم

- ‌مقدمة:

- ‌اصطلاحات الفهرس

- ‌فهرس الأعلام المذكورين في "السنن" بجرح أو تعديل

- ‌حرف الهمزة

- ‌حرف الباء الموحدة

- ‌حرف التاء المثناة

- ‌حرف الثاء المثلثة

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء المهملة

- ‌حرف الخاء المعجمة

- ‌حرف الدال المهملة

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاي

- ‌حرف السين المهملة

- ‌حرف الشين المعجمة

- ‌حرف الصاد المهملة

- ‌حرف الضاد المعجمة

- ‌حرف الطاء المهملة

- ‌حرف الظاء المعجمة

- ‌حرف العين المهملة

- ‌حرف الغين المعجمة

- ‌حرف الفاء

- ‌حرف القاف

- ‌حرف الكاف

- ‌حرف اللام

- ‌حرف الميم

- ‌حرف النون

- ‌حرف الهاء

- ‌حرف الواو

- ‌حرف الياء المثناة من تحت

- ‌بيان بأسماء الرواة الذين نص الدارقطني في سننه على تركهم

- ‌الفصل الثالثدراسة مقارنة لأقواله في بعض الرواة جرحاً وتعديلاً، لبيان هل هو متشدد في الجرح والتعديل أو ماذا

- ‌ الحسن بن عمارة:

- ‌ إبراهيم بن محمد بن أبي يحي

- ‌ أحمد بن الحسن المُضَريّ:

- ‌ إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة:

- ‌ إسماعيل بن عيّاش:

- ‌ أيوب بن قَطَن:

- ‌ أيوب بن محمد:

- ‌باذان مولى أم هانىء

- ‌بحرية بنت هانىء

- ‌ محمد بن عبد الرحمن بن البَيْلماني:

- ‌ ثابت بن حماد:

- ‌ جرير بن حازم:

- ‌ الجَلْد بن أيوب:

- ‌ خِشْف بن مالك:

- ‌ خِلاس بن عمرو:

- ‌ سليمان بن حرب:

- ‌ شَبابة بن سَوّار:

- ‌ عطاء بن صهيب:

- ‌ محمد بن سعيد:

- ‌ مروان بن محمد الدمشقي:

- ‌ مسلم بن خالد:

- ‌ الهيثم بن جميل:

- ‌ زياد بن أيوب:

- ‌ محمد بن مرزوق البصري:

- ‌ حفص بن غياث:

- ‌نتيجة الدراسة لأقواله في الرجال جرحاً وتعديلاً

- ‌الخاتمة

- ‌مُلْحَقٌ

- ‌الفهارس

الفصل: ‌ الجزء الثالث والعشرون من حديث أبي الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله الذهلي القاضي، رحمه الله، ت367ه

مؤلفاته غالبا في الحديث وعلومه، وسلك فيها منهج السلف، وابتعد عن البدع والفسلفات في أمر العقيدة رحمه الله، فأخذ العقيدة من مصدرها الصافي الأصيل: كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

يقول ابن الصلاح:

"وروى ابن طاهر أن الدَّارَقُطْنِيّ قال: ما في الدنيا شيء أبغض إليّ من الكلام""1".

ويقول الحافظ الذهبي:

"وصح عن الدَّارَقُطْنِيّ أنه قال: ما شيء أبغض أليَّ من علم الكلام، قلت "القائل الإمام الذهبي": لم يدخل الرجل أبدا في علم الكلام ولا الجدال، ولا خاض في ذلك بل كان سلفيا، سمع هذا الكلام منه أبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ"2"، وقال الدَّارَقُطْنِيّ: اختلف قوم من أهل بغداد، فقال قوم: عثمان أفضل، وقال قوم: عليّ أفضل، فتحاكموا إليّ فأمسكت، وقلت: الإمساك خير، ثم لم أر لديني السكوت، وقلت للذي استفتاني: ارجع إليهم وقل لهم: أبو الحسن يقول: عثمان أفضل من علي باتفاق جماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا قول أهل السنة وهو أول عقد يُحلّ في الرفض""3".

"1""طبقات الشافعية"، لابن الصلاح: ق 68.

"2" ورواه في سؤالاته: ق 8أ.

"3""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق 524، وعلّق الإمام الذهبي على قول الدَّارَقُطْنِيّ هذا بقوله: "قلت ليس تفضيل عليّ برفض ولا هو ببدعة، بل قد ذهب إليه خلق من الصحابة والتابعين، فكل من عثمان وعليّ ذو فضل وسابقة وجهاد، وهما متقاربان في العلم والجلالة، ولعلهما في الآخرة متساويان في الدرجة، وهما من سادة الشهداء رضي الله عنهما.

ولكن قول جمهور الأمة على ترجيح عثمان على الإمام عليّ، وإليه نذهب والخطب في ذلك يسير، والأفضل منهما بلا شك أبو بكر وعمر، من خالف في ذا فهو شيعي جلد، ومن أبغض الشيخين واعتقد صحة إمامتهما فهو رافضي مقيت، ومن سبهما واعتقد أنهما ليس بإمامَي هُدى فهو من غلاة الرافضة أبعدهم الله". "سير أعلام النبلاء": جـ10 ق524.

ص: 24

وقال الخطيب البغدادي الحافظ:

"انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث، وأسماء الرجال، وأحوال الرواة، مع الصدق والأمانة، والفقه والعدالة، وقبول الشهادة، وصحة الاعتقاد، وسلامة المذهب

""1".

قلت: وقد ورد في جواباته عن السؤالات التي وجهها إليه تلاميذه ما يؤيد الذي سبق ذكره في أمر عقيدته ومذهبه في الصحابة رحمه الله تعالى وقد ألف مؤلفات في العقيدة عني فيها بجمع النصوص في المسألة التي يتحدث عنها، ومن هذه المؤلفات: كتاب أحاديث الصفات، وكتاب النزول، وكتاب الرؤية، وغيرها.

"1""تاريخ بغداد": 12/34.

ص: 25

5-

‌ ورعه، وصراحته في الحق

وكان رحمه الله تعالى ورعا صريحا في الحق، وقد تقدم عنه قريباً قصته مع الذين اختلفوا في تفضيل عثمان على عليّ فاستفتوه، فيحكي عن نفسه ويقول:""فتحاكموا إليّ فأمسكت، وقلت: الإمساك خير، ثم لم أر لديني السكوت، وقلت للذي استفتاني: ارجع إليهم وقل لهم: أبو الحسن يقول

ص: 25

عثمان أفضل باتفاق أصحاب رسول الله r، هذا قول أهل السنة

"".

وقال الحاكم: ""صار الدَّارَقُطْنِيّ أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع

"""1"، ومثل هذا قال عنه غيره من العلماء.

ولا يضيره ما كان يأخذه من الهدايا من بعض الناس، وإن لمزه من لمزه بسبب ذلك"2".

"1""طبقات الشافعية الكبرى": 2/310.

"2" سيأتي مناقشة ذلك إن شاء الله في مبحث: "أقوال الأئمة فيه" من هذا الفصل.

ص: 26

6-

‌ ذكاؤه

كان الإمام الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله ذكيّا، اشتهر بقوة الذاكرة، وبجودة الفهم، حتى عرفت عنه أمور لا تؤكد ذكاؤه فحسب، بل تثير العجب والدهشة من ذكائه.

?من ذلك قراءته الكتاب على مسلم بن عبيد الله من غير أن يلحن، رغم حرص الأدباء على الاستدراك عليه وأن يحفظوا عليه لحنة واحدة"3".

?ومن ذلك قصته في مجلس إسماعيل الصفار التي رواها الخطيب البغدادي في "تاريخه" 12/36"4" التي فيها أنه حفظ ثمانية عشر حديثاً أملاها الصفار بأسانيدها ومتونها مرتبة، مع أنه كان في وقت الإملاء ينسخ من جزء كان معه.

ولم أجد سند هذه القصة سوى أن الخطيب رواها عن الأزهري قال:

"3" انظر: ما ذكرته في "إمامته في اللغة والنحو والأدب" في هذا الفصل.

"4" ذكرتها في "طلبه للعلم" من هذا الفصل.

ص: 26

بلغني أن الدَّارَقُطْنِيّ

إلخ.

ولكن لا يستبعد ذلك من الدَّارَقُطْنِيّ، لا سيما أن الأئمة قد تناقلوها وأقرّوها، كالخطيب، وابن كثير، والعراقي، وابن حجر، والسخاوي.

قال السخاوي: ""وقد سمعت شيخنا يحكي عن بعضهم أنه كان يقرنها بما وقع للبخاري حيث قُلبت عليه الأحاديث، ويتعجب شيخنا من ذلك، وهو ظاهر في التعجب"""1".

?ومن ذلك ما رواه الخطيب بقوله: ""حدثني الصُّوريّ، قال: سمعت رجاء ابن محمد الأنصاري يقول: كنا عند الدَّارَقُطْنِيّ يوما والقارئ يقرأ عليه، وهو قائم يصلي نافلة، فمر حديث فيه ذكر نُسير بن ذعلوق، فقال بَشِير

ابن ذعلوق، فقال الدَّارَقُطْنِيّ: سبحان الله، فقال القارئ: بُشير بن ذعلوق فقال الدَّارَقُطْنِيّ: سبحان الله، فقال القارئ: يُسُير بن ذعلوق، فقال الدَّارَقُطْنِيّ:{نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} "2"، فقال القارئ: نسير بن ذعلوق ومرّ في قراءته -أو كما قال-.

حدثني حمزة بن محمد بن طاهر قال: كنت عند أبي الحسن الدَّارَقُطْنِيّ وهو قائم يتنفل، فقرأ عليه أبو عبد الله بن الكاتب حديثاً لعمرو بن شعيب، فقال: عمرو بن سعيد، فقال أبو الحسن: سبحان الله، فأعاد الإسناد وقال: عمرو بن سعيد، ووقف، فتلا أبو الحسن:{يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} فقال ابن الكاتب: عمرو بن شعيب.

"1""فتح المغيث": 2/43.

"2" 1: القلم: 68.

ص: 27

حدثني الأزهري قال: رأيت محمد بن الفوارس -وقد سأل أبا الحسن الدَّارَقُطْنِيّ- عن علة حديث أو اسم فيه، فأجابه، ثم قال له: يا أبا الفتح ليس بين الشرق والغرب من يعرف هذا غيري""1".

?ومن ذلك إملاؤه كتاب "العلل" من حفظه.

وغير ذلك مما يراه من يطالع ترجمة الدَّارَقُطْنِيّ.

"1""تاريخ بغداد": 12/38-39.

ص: 28

7-

‌‌

‌ تواضعه

وحِلْيَته

تواضعه:

وكان متواضعا تواضع العالم التقي، لا تواضع الجاهل المادي الذي يُذْهب ماء وجهه في سبيل الحصول على حطام الدنيا، ولكنه كان يلين لطلابه حتى يشعرهم أنه واحد منهم.

ومن تواضعه ما حكاه عنه أبو عبد الله محمد بن الصُّوري الحافظ بقوله: ""قال لي عبد الغني بن سعيد: ابتدأت بعمل كتاب المؤتلف والمختلف، وقَدِم علينا أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ، فأخذت عنه أشياء كثيرة، فلما فرغت من تصنيفه سألني أن أقرأه عليه ليسمعه مني، فقلت له: عنك أخذت أكثره، فقال لي: لا تقل هكذا، فإنك أخذته عني مفرقا، وقد أوردته مجموعاً، وفيه أشياء كثيرة أخذتها عن شيوخك، فقرأته عليه. أو كما قال"""2".

الله أكبر. هذا الإمام الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ يقول لأحد تلاميذه -مع أنه

"2""الاستدراك": ق3ب.

ص: 28

لا زال شابا-: اقرأ عليّ ما كتبتَ فإنّي أحب أن أسمعه منك!! أي إني أحب أن أتتلمذ عليك!!.

وقال الصُّوري أيضاً:

""وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن أبي يزيد الأزدي: قال لي أبي:

""خرجنا يوما مع أبي الحسن الدَّارَقُطْنِيّ من عند أبي جعفر مسلم الحسيني، فلقينا عبد الغني بن سعيد، فسلم على أبي الحسن، ووقفا ساعة يتحدثان. ثم انصرف عبد الغني، فالتفت إلينا أبو الحسن فقال: يا أصحابنا: ما التقيت من مرة مع شابكم هذا فانصرفت عنه إلا بفائدة. أو كما قال! """1".

"1""الاستدراك": ق3ب.

ص: 29

‌حِلْيَته:

لم أقف على شيء من صفاته الجسمية سوى ما ذكره ابن الصلاح بقوله: ""

وإنه كان طُوالا أبيض"""2".

"2""طبقات الشافعية": ق68أ.

ص: 29

8-

‌ عصره

‌تمهيد:

عاش الإمام الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله تعالى في القرن الرابع الهجري، إذ وُلد في بداية القرن الرابع وتوفي في نهايته تقريباً، فقد توفي سنة 385هـ "خمسه وثمانين وثلاثمائة من الهجرة".

وقد كانت هذه الفترة من تاريخ المسلمين في كثير من الأحيان فترة محن

ص: 29

وشدائد يقصر عنها الوصف

وفيما يلي الحديث -بإيجاز- عن هذا العصر من ثلاث نواح:

1-

الناحية السياسية.

2-

الناحية الاجتماعية.

3-

الناحية العلمية.

ص: 30

‌أ- عصره من الناحية السياسية:

ما يكاد ينتهي المرء أو يبدأ باستعراض هذه الحِقْبة من التاريخ إلا ويشعر بالأسى والحزن الشديد، ولِما حلّ بالمسلمين خلال هذا القرن من مصائب، وذلك لانعدام الأمن في فترات كثيرة من هذه الحقبة، ولعدم الاستقرار السياسي في العالم الإسلامي، وبخاصة في العراق، وعاصمته مدينة بغداد "مدينة السلام، وقلب العالم الإسلامي، وعاصمته السياسية والعلمية

"، وذلك بسبب:

1-

وجود الخلافات السياسية على الخلافة، سواء فيما بين العباسيين أنفسهم، أو فيما بينهم وبين غيرهم، كالأتراك الذين تمت على أيديهم حوادث عظيمة بشأن التنازع على الخلافة، وقتل وتنصيب الخلفاء العباسيين الذين ليس لهم من أمر الخلافة إلا الاسم فقط في أغلب الأحيان.

وقد كانت ولادة الدَّارَقُطْنِيّ في خلافة المقتدر بالله، وكانت فترة ضعف سياسي، وفقر، وقلاقل، ومحن"1".

ثم جاء بعده في سنة 320 "ثلاثمائة وعشرين من الهجرة" القاهر بالله ثم

"1" انظر: "مرآة الجنان"، في سنوات خلافته، و"تاريخ الخلفاء"، أيضاً في سنوات خلافته.

ص: 30

الراضي بالله، وهكذا تتابع الخلفاء حتى كان آخرهم الطائع لله أبو بكر من سنة 363-393هـ.

ولم يكن عهد أولئك الخلفاء بأحسن من عهد المقتدر بالله في أغلب الأحيان.

2-

ولظهور الفتن والثورات والاضطرابات الناجمة عن ضعف الخلافة نتيجة للسبب السابق، ونتيجة انصراف الخلفاء عن الاهتمام بشئون الدولة، وتصريف أمورها مباشرة، وتسليم مقاليد الأمور إلى غيرهم من الولاة.

3-

ولظهور القرامطة أيضاً طوال هذه الفترة، ولعبهم بأمن الخلافة وأمن المسلمين في كثير من أقطار العالم الإسلامي، فلم يأمن أهل المدن فيها، ولم يأمن المسافرون في أسفارهم، وتعطّلت فريضة الحج بسببهم سنين.

4-

ولجور بعض الخلفاء والسلاطين، وميلهم أحيانا إلى بعض الفرق والمذاهب المنحرفة، كميل بعضهم إلى الرافضة وغيرهم.

5-

ولضعف شوكة المسلمين -إِثْر هذه الظروف- أَمام الأعداء كالروم والقرامطة، الأمر الذي أغرى أولئك الأعداء بغزو المسلمين والغارات عليهم كلما رأوا فرصة مهيأة لهم.

وإذا أضفنا إلى ذلك ما كان يحصل بين المسلمين أنفسهم من خلافات وحروب على الخلافة والسلطة، وما يقع من الخلفاء والسلاطين من جور وانحراف في تلك الفترة أدركنا حقيقة الوضع السياسي والواقع الأَمنيّ في الأقطار الإسلامية لا سيما بغداد موطن الإمام الدَّارَقُطْنِيّ التي كانت مركز الخلفاء ومنبع كثير من تلك الأحداث.

ص: 31

‌ب- عصره من الناحية الاجتماعية:

من الحديث المتقدم عن الوضع السياسي في عصر الدَّارَقُطْنِيّ، يتضح لنا كثير من الجوانب الاجتماعية في عصره، سواء من حيث الوجهة -من خلال التنازع والفوضى- أو من حيث الواقع المرّ الذي يعيشه أغلبية الرعية تحت ضغط تلك الأحداث المؤلمة.

هذا بالإضافة إلى ما ينتج عن اختلال الأمن من عدم استقرار في حياة الناس، ومن قلة الموارد الاقتصادية، ووقوع بعض الكوارث الاقتصادية كالغلاء، والمجاعة، واعتداءات اللصوص وقطاع الطرق

وقد حصل من ذلك شيء ليس بالقليل في بغداد وغيرها على فترات، كان له أثر سييء في حياة الناس ولا شك.

فالحاصل أن الناس في تلك الفترة لم ينعموا دائما بالرخاء، ولا بالأمن، بل كانوا يصابون في أحيان كثيرة بالضيق المادي، والخوف، والقتل.

ص: 32

‌جـ- عصره من الناحية العلمية:

من المفروض أن ينصرف الناس عن العلم في مثل الظروف السياسية والاجتماعية السابقة، وأن ينشغلوا بتلك المشاغل عن طلب العلم والانشغال فيه.

لكن العصر لا زال حديث عهد بخير القرون، ولا زالت البلدان الإسلامية تزخر بعلماء السلف الصالح، وكانوا يعتقدون أن طريق سعادة المرء هو العلم الشرعي، فكانت سوق العلم والعلماء نافقة في تلك الحقبة من التاريخ، رغم كل ما سبق ذكره، وكان طلاب الحديث النبوي يتسابقون على الشيوخ:

ص: 32

1-

فكانت الرحلات العلمية من قطر إلى قطر مميزة واضحة من مميزات ذلك العصر، يظهر ذلك جليا بالنظر في تراجم الأئمة الذين عاشوا في تلك الفترة، وعدد البلدان التي رحلوا إليها، وقد رحل الدَّارَقُطْنِيّ نفسه إلى بلدان متعددة سيأتي ذكرها.

2-

وعدد العلماء الذين أنجبتهم البلدان الإسلامية آنذاك عدد هائل، وعدد الحفاظ والأئمة عظيم جدا.

3-

والمؤلفات التي كتبت في ذلك الزمن في الحديث وغيره كثيرة جدا.

ويعدّ العلماء رأس القرن الثالث العصر الذهبي للسّنة النبوية، لِما تمَّ فيه من تدوين وشرح وتحقيق للسّنة وعلومها، وقد امتدت حياة كثير ممن تمَّ على أيدهم ذلك إلى منتصف القرن الرابع أو أكثر، فيعتبر القرن الرابع "عصر الدَّارَقُطْنِيّ" امتداداً للفترة الذهبية في القرن الثالث ومكملاً لها.

وليس بنا حاجة للتدليل على كثرة العلماء والمؤلفات في ذلك العصر أن نستعرض العلماء ومؤلفاتهم، لأن ذلك أمر يطول، وليس له نهاية.

وحسبك دليلا على ذلك أن تنظر في شيوخ الدَّارَقُطْنِيّ نفسه كم هم؟ وكم فيهم من حافظ وإمام عظيم الشأن؟ "1".

فالحاصل: أن تلك الظروف لم تؤثر تأثيراً سلبيّاً في الإمام الدَّارَقُطْنِيّ وطلبه للعلم شأنه شأنُ أمثاله من أهل عصره، بل ربما كانت في بعض الأحيان حافزاً لهم على طلب العلم، والرحلة في طلبه.

"1" انظر: فهرس شيوخه الآتي بعدُ.

ص: 33

حقا، إن هذه معجزة من معجزات الإسلام التي لا يستطيع أن يعرف كنهها أعداء الإسلام، وقد تحققت على أيدي أسلافنا عندما كان اهتمامهم بأمر الآخرة ورفعة شأن هذا الدين ونشر علومه والعناية بها كاهتمامنا اليوم بأمور الدنيا أو أشدّ!!

ص: 34

9-

‌ طلبه للعلم

عاش الدَّارَقُطْنِيّ في الفترة التي تقدم الحديث عنها، وطلب العلم من صغره، وظهرت نباهته وأهليته لتحمّل أمانة العلم بشرع الله عز وجل، ورشّحه الناس لهذه المكانة من قبل أن يصل إليها وهو لا يزال في أول شبابه وأول طلبه للعلم، كما ينقل ذلك الدَّارَقُطْنِيّ نفسه إذ يقول:

""كنت أنا والكَتَّاني نسمع الحديث، فكانوا يقولون: يخرج الكتاني محدّث البلد، ويخرج الدَّارَقُطْنِيّ مقرئ البلد، فخرجت أنا محدثاً والكتَّانِي مقرئا"""1".

ويقصّ الحافظ ابن كثير حادثة عجيبة حصلت للدارقطني في حداثة سنه وهو يطلب الحديث، فيقول:

""

وكان من صغره موصوفاً بالحفظ الباهر، والفهم الثاقب، والبحر الزاخر، جلس مرة في مجلس إسماعيل الصفار وهو يملي على الناس الأحاديث، والدَّارَقُطْنِيّ ينسخ في جزء حديث، فقال له بعض المحدثين في أثناء المجلس:"إن سماعك لا يصح وأنت تنسخ"، فقال له الدَّارَقُطْنِيّ: فهمي للإملاء أحسن من فهمك وأحْضَرُ، ثم قال له ذلك الرجل: أتحفظ كم أملى حديثاً؟ فقال: إنه أملى

"1""المنتظم": 7/184.

ص: 34

ثمانية عشر حديثاً"1" إلى الآن، والحديث الأول منها: عن فلان عن فلان

ثم ساقها كلها بأسانيدها وألفاظها لم يخرم منها شيئاً. فتعجب الناس منه" "2".

ويبدو أن الدَّارَقُطْنِيّ قد اشتهر بالفضل والذكاء وهو في وقت الطلب، حتى عرفه أهل الكوفة بذلك، ويقدّر له ذلك شيوخه وأساتذته، كما يدل عليه وعلى غيره القصة الآتية:

"قال الخطيب البغدادي: ""أخبرنا البَرْقانِيّ قال: سمعنا أبا الحسن الدَّارَقُطْنِيّ يقول: كتبت ببغداد من أحاديث السوداني"3" أحاديث تفرد بها، ثم مضيت إلى الكوفة لأسمع منه، فجئت إليه وعنده أبو العباس، ثم رمى بها واستنكرها وأَبَى أن يقرأها، وقال: هؤلاء البغداديون يجيئوننا بما لا نعرفه.

قال أبو الحسن: ثم قرأ أبو العباس عليه"4" فمضى في جملة ما قرأه حديث منها، فقل له: هذا الحديث من جملة الأحاديث"5"، ثم مضى آخر، فقلت: وهذا أيضاً من

"1" وفي بعض الروايات أن الدَّارَقُطْنِيّ سأل الرجل: كم أملى الشيخ حديثاً؟ فقال: لا أدري، فقال الدَّارَقُطْنِيّ: ثمانية عشر حديثاً

إلخ!!.

"2""البداية والنهاية": 11/317، وانظر:"تاريخ بغداد": 12/36، و"علوم الحديث"، لابن الصلاح: 257-258.

"3" في بعض المصادر: "السوذجاني" وهو خطأ، والصواب ما ذكرته، كما في "تاريخ دمشق": جـ22 ق241ب، و"تاريخ بغداد": 12/37، والسوداني هو: محمد بن القاسم السوداني المحاربي أبو عبد الله، أحد شيوخ الدَّارَقُطْنِيّ، حدّث عنه في "السنن"، وهو كذاب، توفي سنة 326هـ.

"4" أي قرأ على الدَّارَقُطْنِيّ غير الأحاديث التي عرضها عليه.

"5" أي التي سألتُك عنها فاستنكرتَها.

ص: 35

جملتها: ثم مضى ثالث: فقلت: فهذا أيضاً منها، وانصرفت وانقطعت عن العَود إلى المجلس لِحُمَّى نالتني. فبينما أنا في الموضع الذي كنت نزلته إذا أنا بداقّ يدق عليّ الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: ابن سعيد، فخرجت وإذا بأبي العباس، فوقعت في صدره أقبّله، وقلت: يا سيّدي لِمَ تجشمت المجيء؟ فقال: ما عرفناك إلا بعد انصرافك، وجعل يعتذر إليّ، ثم قال: ما الذي أخّرك عن الحضور؟ فذكرت له أني حُمِمْتُ، فقال: تحضر المجلس لتقرأ ما أحببت. فكنت بعدُ إذا حضر أكرمني ورفعني في المجلس. أو كما قال"""1".

فسياق هذه القصة يدلّ على أن الدَّارَقُطْنِيّ عندما حصلت له كان لا يزال تلميذاً يحضر مجالس العلماء، لكنهم يقدرونه عندما يعرفون أنه الدَّارَقُطْنِيّ بسبب نبوغه وشهرته. فملأ العيون والأسماع منذ سن مبكرة من حياته.

وقد طلب العلم وهو صغير جدا، وكتب الحديث قبل أن يتجاوز الثامنة من عمره، يقول الحافظ الذهبي في "تذكرة الحفاظ":

"قال يوسف القواس: كنّا نمرّ إلى البغويّ، والدَّارَقُطْنِيّ صبي يمشي خلفنا بيده رغيف عليه كامخ"""2". وقال: ""وسمع وهو صبي من أبي القاسم البغوي

"""3".

وفي "تاريخ دمشق" عن القواس: ""كنّا نمرّ إلى ابن منيع والدَّارَقُطْنِيّ صبي

"1""تاريخ بغداد": 12/37.

"2""التذكرة": 3/94، والكامخ هو: ما يؤتدم به ويؤكل به الخبز. انظر: "مختار الصحاح"، و"القاموس المحيط"، مادة: كمخ.

"3""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق520.

ص: 36

خلفنا بيده رغيف عليه كامخ، فدخلنا إلى ابن منيع، ومنعناه فقعد على الباب يبكي"""1".

وقال الدَّارَقُطْنِيّ للبَرْقاني عندما سأله عن شخص! ""

لم يحصل لي عنه حرف، وقد مات بعد أن كتبت الحديث بخمس سنين. ثم قال: كنت في أول سنة خمس عشرة وثلاثمائة"""2".

وبدأ الدَّارَقُطْنِيّ في أخذ العلم أولا من أهل بلده، جرياً على سنة السلف في ذلك، وأَمْعَنَ في الأخذ عن شيوخ بلده والقادمين إليه في رحلاتهم العلمية من العلماء والطلاب حتى بلغ سن الكهولة.

ثم بعد ذلك رحل إلى بعض الأقطار الإسلامية للقاء الشيوخ والعلماء.

"1""تاريخ دمشق": جـ22 ق241أ.

"2""سؤالات البَرْقانِيّ": ق2ب.

ص: 37

10-

‌ رحلاته

تذكر المصادر أن الدَّارَقُطْنِيّ رحل من بغداد في كبر سنه إلى بعض البلدان الإسلامية لطلب العلم، لكنه في الواقع قد أفاد الطلاب والعلماء في البلدان التي رحل إليها أيّما إفادة.

فرووا عنه وسمعوا منه الكثير، وتذاكر معهم في الحديث ومسائله ورجاله

حتى كان يعزّ على أهل البلد المزور فراق الإمام الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ عند خروجه إلى بلد آخر، رحمه الله، ويظهر هذا الأمر واضحا في زيارته للكوفة وزيارته لمصر.

ص: 37

البلدان التي رحل إليها:

والأماكن التي رحل إليها، قد ذُكِرت مفرقة في مواضع من ترجمته، وفيما يلي ما وقفت عليه من ذلك:

1-

الكوفة. 2- البصرة.

3-

واسط. 4- دمشق.

5-

الشام. 6- مصر.

7-

مكة "عندما حَجَّ". 8-خوزستان"1".

9-

فلسطين، والرملة، وغيرها.

قال الحاكم: ""دخل الدَّارَقُطْنِيّ الشام ومصر على كبر السنّ، وحج واستفاد وأفاد

"""2".

رحلته إلى دمشق:

عندما ذهب إلى مصر "قدم دمشق مجتازا إلى مصر وحدّث بها".

فروى عنه من أهلها:

تمّام بن محمد، وأبو نصر بن الجندي

، وأبو الحسن بن السِّمْسار، وأبو الحسين الميداني، ومكي بن محمد بن العمر، وأبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد الطيّان"""3".

"1" ذكر رحلته إلى "خوزستان" الحافظ ابن نقطة في "الاستدراك": ق4أ.

"2""سير أعلام النبلاء": جـ10/ق523،524.

"3""تاريخ دمشق": جـ22 ق240أ.

ص: 38

رحلته إلى مصر:

رحل الإمام الدَّارَقُطْنِيّ بعد الشام إلى مصر لطلب العلم والسماع من أهلها، فأقام بها زمنا.

وقد ساعد الوزير أبا الفضل جعفر بن حنزابة وزير كافور الأخشيدي على تأليف مسنده، واشترك معه في ذلك الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي.

وكافأ الوزيرُ الإمامَ الدَّارَقُطْنِيّ بمال جزيل، على أن الدافع لهذه الرحلة ليس هو مساعدة الوزير أو قصد الوزير كما تقول بعض المراجع على ما سيأتي"1".

وحرص المصريون على لقائه والسماع منه -كما تدل عليه قصة قراءته كتاب النَّسَب على مسلم بن عبيد الله"2"- وممن سمع منه بمصر الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي وخلق كثير.

وكذلك فإن الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله قد تنقل بين مدن مصر متتبعا للعلماء للسماع منهم، إذْ يذكر الإمام الذهبي في "تذكرة الحفاظ" أن الإمام الدَّارَقُطْنِيّ قد ارتحل إلى "تنيّس" للسماع من الحافظ أبي بكر محمد بن علي النقاش نزيل تنيّس، وكان منزويا بها فسمع منه"3".

ولما خرج من مصر حزن عليه الناس، وتألموا لفراقه.

قال الصُّوري أبو عبد الله محمد بن علي الحافظ: ""قال لي أبو الفتح

"1" انظر: ما قيل فيه من المثالب.

"2" انظرها في: "إمامته في اللغة والأدب والتاريخ" الآتي بعدُ.

"3" انظر: "التذكرة": 3/958.

ص: 39

منصور بن علي الطرسوسي -وكان شيخا صالحا-: لما أراد أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ الخروج من عندنا من مصر خرجنا نودعه، فلما ودعناه بكينا، فقال لنا: تبكون؟!.

قلنا: نبكي لما فقدناه من علمك وعدمناه من فوائدك. فقال: تقولون هذا وعندكم عبد الغني، وفيه الخلف؟. أو كما قال"""1".

ملاحظة:

رحلات الدَّارَقُطْنِيّ إلى البلدان التي سبق ذكرها عرفتها من تتبع تراجمه في الكتب، ومن تتبع كتابه "السنن"، لأنه يقول أحياناً: حدثني فلان بمكة أو بالرملة أو بواسط

إلخ.

ولم أجد شيئاً عن خبر زياراته لتلك البلدان وتواريخها ومدة إقامته بكل بلد، وماذا حصل له من الأمور العلمية فيه، إلا ما صار بينه وبين عبد الغني من لقاء وإفادة بمصر.

وقد كانت الرحلة في زمنه رحمه الله صعبة، لعدم وجود الأسباب المادية، ولتباعد المسافات بين تلك الأقطار، وهذا أمر عظيم يُبرز لنا مقدار ما كان يبذله العلماء الصادقون في الحفاظ على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وإذا أضفنا إلى هذه الرحلاتِ التي قام بها هذا الإمام إقامتَهُ ببغداد أدركنا أن الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ كأنما قضى جلّ حياته في الترحال في طلب الحديث، ذلك أنه عاش في بغداد مركز العلم والعلماء، وقَلْب العالم الإسلامي في ذلك

"1""الاستدراك"، لابن نقطة: ق3ب.

ص: 40

الوقت، الذي تهفو إليه قلوب طلاب العلم الشرعي.

وإن نظرة سريعة فيما دوّنه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"

من تراجم العلماء كمّاً وكيفاً، يدرك الباحث كم كان يقطن بغداد من العلماء!! وكم كان يرحل إليها!! ومَنْ كان يرحل إليها!! إنهم مشاهير العلماء وكبار المحدثين.

ومنهم من يطيب لهم المقام بين الحديث وأهله في بغداد سنين طويلة.

فيظهر بهذا أن الرحلة من بغداد إلى سواها تُعدّ رحلة ليست أربح من البقاء فيها، لذلك لم يقدم الدَّارَقُطْنِيّ على الرحلة إلى غير مدينته بغداد إلا بعد أن كبرت سِنّهُ. والله أعلم.

ص: 41

‌‌

‌حفظه

وإمامته

حفظه

11-

حفظه وإمامته

الإمام الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله قد لمع في الحفظ منذ صغره، وتميز به على سائر أقرانه، كما أنه تصدّر للإمامة في حياته في شتى العلوم، ويدرك القارئ لترجمته بوضوح أنه:

"محدّث، حافظ، فقيه، مقرئ، أخباري، لُغَوي

".

حفظه:

أما الحفظ فقد بلغ فيه مبلغا عجيبا وانفرد به بين أهل عصره، واشتهر به لدى العلماء وطلاب العلم، والمؤرخين، حتى لا تكاد تجد أحدا يترجم له أو يذكره مثنيا عليه إلا يقول عنه: الإمام الحافظ المشهور، أو حافظ العصر، أو الحافظ ونحو ذلك:

ص: 41

1-

قال ابن الجزري فيه:

""

الإمام الحافظ أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ البغدادي صاحب التصانيف، وأحد الأعلام الثقات

"""1".

2-

وقال ابن تَغْرِي بَرْدَى عنه:

""الحافظ المشهور"""2".

3-

وقال الحاكم أبو عبد الله:

""صار الدَّارَقُطْنِيّ أوحد عصره في الحفظ، والفهم، والورع، وإماما في القراء والنحويين، وفي سنة ست وسبعين أقمت ببغداد أربعة أشهر، وكثر اجتماعنا بالليل والنهار فصادفته فوق ما وصف لي، وسألته عن العلل والشيوخ، وأشهد أنه لم يخلِّف على أديم الأرض مثله"""3".

4-

وذكره ابن الجوزي في كبار الحفاظ فقال:

""وكان فريد وقته في الحفظ، والإتقان، ومعرفة النقل"""4".

5-

وقال الحافظ ابن كثير:

""

وكان من صغره موصوفاً بالحفظ الباهر، والفهم الثاقب، والبحر الزاخر

""5.

"1" "غاية النهاية

": 1/558.

"2""النجوم الزاهرة": 4/172.

"3""طبقات الشافعية الكبرى": 2/310-311.

"4" رسالة: "ذكر كبار الحفاظ": ق139.

"5""البداية والنهاية": 11/317.

ص: 42

6-

وقال فيه تاج الدين السبكي:

""الإمام الجليل أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ البغدادي الحافظ المشهور الاسم، صاحب التصانيف، إمام زمانه، وسيد أهل عصره، وشيخ أهل الحديث"""1".

7-

وترجم له الحافظ الذهبي في "تذكرة الحفاظ" فقال:

""أ - الإمام، شيخ الإسلام، حافظ الزمان، أبو الحسن

الحافظ الشهير، صاحب السنن"""2".

ب- وقال الذهبي أيضاً تعليقاً على حكاية البَرْقانِيّ أن الدَّارَقُطْنِيّ كان يملي عليه كتاب العلل من حفظه:

""قلت: إن كان كتاب العلل الموجود قد أملاه"3" الدَّارَقُطْنِيّ من حفظه -كما دلت عليه هذه الحكاية- فهذا أمر عظيم يُقضى به للدارقطني أنه أحفظ أهل الدنيا، وإن كان قد أملى بعضه من حفظه فهذا ممكن، وقد جمع قبله كتاب العلل علي بن المديني حافظ زمانه"""4".

جـ- وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" معلقاً على ذلك:

""قلت: وهذا شيء مدهش: كونه كان يملي العلل من حفظه، فمن أراد أن يعرف قدر ذلك فليطالع كتاب العلل للدارقطني ليعرف [كيف]"5" كان الحفاظ"""6".

"1""طبقات الشافعية الكبرى": 2/310.

"2""التذكرة": 3/991.

"3" في الأصل: "أملى"، وهو خطأ.

"4""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق523.

"5" زيادة من عندي ليستقيم الكلام.

"6""تاريخ الإسلام": جـ5 ق5.

ص: 43

د- وقال أيضاً: ""قال أبو الحسن العَتِيقي: حضرت أبا الحسن وجاءه أبو الحسين بغريب ليقرأ له شيئا فامتنع واعتلّ ببعض العلل، فقال: هذا غريب، وسأله أن يملي عليه أحاديث، فأملى عليه أبو الحسن من حفظه مجلسا تزيد أحاديثه على العشرين متنا، جميعاً:"نعم الشيء الهدية أمام الحاجة".

قال: فانصرف الرجل ثم جاء بعدُ وقد أَهْدَى له شيئاً، فقرّبه وأملى عليه من حفظه سبعة عشر حديثاً، متون جميعها:"إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه".

قال الذهبي: ""قلت: هذه حكاية صحيحة رواها الخطيب عن العَتِيقي، وهي دالة على سعة حفظ هذا الإمام، وعلى أنه لوّح بطلب شيء، وهذا مذهب لبعض العلماء، ولعل الدَّارَقُطْنِيّ كان إذ ذاك يحتاجه، وكان يَقبل جوائز دعلج السَّجَزِي وطائفة، وكذا وصله الوزير ابن حنزابة بجملة من الذهب لما خرّج له المسند"""1".

هـ- وقال الذهبي أيضاً معلقاً على قصة إملائه على الغريب:

""قلت: هنا يخضع للدارقطني ولسعة حفظه الجامع لقوة الحافظة، ولقوة الفهم والمعرفة، وإذا شئت أن تبين براعة هذا الإمام الفرد فطالع "العلل" له فإنك تندهش ويطول تعجبك"""2".

قلت: حقا إن العجب والدهشة من حفظه لا ينتهيان، سواء بالنظر إلى كلام الأئمة فيه واعترافهم له بذلك، بل دهشتهم منه، كما هو واضح مما

"1""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق523.

"2""تذكرة الحفاظ": 3/993،994.

ص: 44

نقلته هنا عن الإمام الحافظ الذهبي، وكما نقل ذلك القاضي أبو الطيب طاهر

ابن عبد الله الطبري بقوله:

""

وما رأيت حافظاً ورد بغداد إلا مضى إليه، وسلّم له. يعني فسلّم له التقدمة في الحفظ، وعلو المنزلة في العلم"""1".

أو بالنظر إلى مؤلفاته التي تعتمد على الفهم والحفظ، ككتاب: العلل الأفراد، والسنن، وغيرها.

و قولة الإمام الدَّارقُطنيّ: "يا أهل بغداد: لا تظُنّوا أن أحداً يقدر أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حيٌّ""2".

فلقد عبَّر الإمام الدَّارقُطْني، نفسه، بهذه اللفظة، تعبيراً غير مباشرٍ عن مقدار ما وصل إليه من الحفظ، ومقدار ما وصل إليه مِن الشفافية والحِسّ الإيمانيّ في الدفاع عن السّنة-رحمه الله تعالى-.

"1""تاريخ بغداد": 12/36.

"2""فتح المغيث"، للسخاوي: 1/241. وقد علّق على هذا القول فضيلة الشيخ: عبد الرزاق عفيفي-رحمه الله تعالى- في المناقشة، قائلاً: هذه مبالغة. قلتُ: لا يُراد مِن هذا القول الحرفية، وإنما تأكيد تجلُّدِ الإمام الدارقطني لمهمته هذه، وتأكيد أهليته لها، وذلك، في نظري، شفافية في هذا الباب تُعَدُّ مفخرةً مِن مفاخر الإسلام وعلمائه؛ فالحمد لله على ذلك وعلى سائر نِعِمِه!.

ص: 45

أمّا‌

‌ إمامته

في الحديث وعلومه وفي غيره فلا منازع فيها، وقد تقدم طَرَف

ص: 45

من أقوال الأئمة في إمامته في الحديث خاصة، وفي غيره عامة.

وسيكون الكلام هنا على إمامته في ثلاث نواح:

أ - في القراءات. ب- في الفقه. جـ- في اللغة والأدب والتاريخ.

هذا بالإضافة إلى إمامته في الحديث وعلومه الذي سيأتي بحثه تفصيلاً في فصل مستقل إن شاء الله تعالى.

أ- إمامته في القراءات:

1-

الإمام الدَّارَقُطْنِيّ كان مرشَّحا أن يكون مقرئا منذ وقت الطلب، كما تقدم في قوله:"كنت أنا والكَتَّاني نطلب الحديث، فكانوا يقولون: يخرج الكتاني محدّث البلد، ويخرج الدَّارَقُطْنِيّ مقرئ البلد، فخرجت أنا محدثاً، والكَتَّاني مقرئا"""1".

فالدَّارَقُطْنِيّ وإن كان محدثاً إلا أنه كان أيضاً مقرئا، وقد كان مرشحا للإقراء منذ الصغر، وهذا الترشيح لابد أن يكون له سبب أو أسباب.

وقد أخذ القراءات عن أهلها -كما سيأتي- وألّف فيها كتاباً فريداً في بابه. وتصدّر للإقراء في آخر حياته ببغداد. وذكره بعض أصحاب طبقات القراء. وذكر أيضاً غالب من ترجم له أنه كان إماما في هذا الشأن.

وقال صاحب "المختصر في أخبار البشر": ""وكان متقناً في علوم كثيرة، إماماً في علوم القرآن"""2".

"1""المنتظم": 7/184.

"2""المختصر في أخبار البشر"، لأبي الفداء - 732هـ: 2/130.

ص: 46

2-

ذكر شيوخه في القراءات:

""

عرض القراءات على أبي بكر النقاش، وأبي الحسن أحمد بن جعفر

ابن المنادي، ومحمد بن الحسين الطبري، ومحمد بن عبد الله الحربي، وأبيه عمر بن أحمد، وأبي القاسم علي بن محمد النخعي، وأبي بكر محمد بن عمران التمّار، ومحمد بن أحمد بن قَطَن، وأبي بكر محمد بن الحسين بن محمد الديبني، وأبي الحسن بن بُويان، وأحمد بن محمد الديباجي، وعلي بن سعيد ذؤابة.

وسمع كتاب السبعة من ابن مجاهد"1"، وهو صغير، وأخذ القراءة عن محمد بن الحسن النقاش عَرْضا وسماعاً"""2".

3-

جلوسه للإقراء:

ذكرت المصادر أن الإمام الدَّارَقُطْنِيّ بعد رجوعه من مصر إلى بغداد جلس للإقراء في آخر عمره، واستمر على ذلك حتى توفي رحمه الله تعالى.

ولم تذكر تلك المصادر مَنْ أخذ عنه القراءات، يقول الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى:

""وتصدّر في آخر أيامه للإقراء، لكن لم يبلغنا ذكر من قرأ عليه وسأفحص عن ذلك إن شاء الله تعالى"""3".

قلت: وذكر ابن الجزري -كما سيأتي- أن "محمد بن إبراهيم بن أحمد" أخذ عنه الحروف.

"1""غاية النهاية في طبقات القراء"، لابن الجزري: 1/558-559.

"2" انظر: "وفيات الأعيان": 3/297.

"3""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق520.

ص: 47

4-

تأليفه في القراءات:

يقول ابن الجَزَري:

""وألّف في القراءات كتاباً جليلا لم يؤلّف مثله، وهو أول من وضع أبواب الأصول قبل الفَرْش، ولم يَعرف مقدار هذا الكتاب إلا من وقف عليه، ولم يكمل حسن كتاب:"جامع البيان""1" إلا لكونه نُسخ على منواله.

وروى عنه الحروف من كتابه هذا محمد بن إبراهيم بن أحمد"2". قال الحافظ أبو بكر الخطيب: ""وسمعت بعض من يعتني بعلوم القرآن يقول: لم يُسْبَق أبو الحسن إلى طريقته التي سلكها في عقد الأبواب المقدمة في أول القراءات، وصار القراء بعده يسلكون طريقته في تصانيفهم، ويحذون حذوه"""3".

ب- إمامته في الفقه، ومذهبه فيه:

لست أعني بإمامته في الفقه أنه كان صاحب مذهب متبوع، إنما أعني أنه كان فقيها إلى جانب كونه محدّثا، فجمع بين الرواية والدراية، ولم ينازع في ذلك أخذ ممن ترجم للدارقطني.

وقد أخذ الفقه عن أهله، بخلاف طريقة بعض المحدِّثين، فدرس الفقه على مذهب الإمام الشافعي ?، وكان شيخه فيه أبو سعيد الاصطخري –وكتب

"1""كتاب في القراءات"، صنَّفه الداني.

"2""طبقات القراء"، لابن الجزري: 1/559.

"3""تاريخ بغداد": 12/34،35.

ص: 48

عنه الحديث أيضاً"1"- وقيل: بل أخذه عن صاحبٍ لأبي سعيد.

فهو معدود في الفقه من أصحاب الشافعي، فذكره بعض أصحاب طبقات الشافعية، وفيما يلي عدّهم وبيان مواضع ترجمتهم له:

1-

الإمام ابن الصلاح، فإنه ترجم له في "ورقة 67ب-68أ".

2-

تاج الدين السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" 2/310-312.

3-

الشيخ جمال الدين عبد الرحيم الأسنوي - 772هـ في "طبقات الشافعية" 1/508-509.

4-

أبو بكر بن هداية الله الحسيبي الملقب بالمصنّف، المتوفى سنة 1014هـ في "طبقات الشافعية"33.

وكان له خبرة ودراية بمذاهب الفقهاء، ويظهر ذلك في بعض مؤلفاته، قال ابن خِلِّكان:""وكان عارفا باختلاف الفقهاء"""2".

وقال الحافظ الخطيب البغدادي عن العلوم التي أتقنها الدَّارَقُطْنِيّ وأصبح فيها إماما:

""

ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء، فإن كتاب "السنن" الذي صنفه يدل على أنه كان ممن اعتنى بالفقه، لأنه لا يقدر على جمع ما تضمن ذلك الكتاب إلا من تقدمت معرفته بالاختلاف في الأحكام، وبلغني أنه درس فقه الشافعي على أبي سعيد الاصطخري، وقيل: بل درس الفقه على صاحب

"1" حدّث عنه في سننه في: 1/317.

"2""وفيات الأعيان": 3/297.

ص: 49

لأبي سعيد"""1".

وقد ادعى إسماعيل باشا البغدادي مؤلف "هدية العارفين" أن للدارقطني كتاب اسمه "معرفة مذاهب الفقهاء""2".

ولا أظن الأمر كما قال، بل لعله فهم ذلك خطأً من كلام الأئمة عليه بأن له معرفة بمذاهب الفقهاء، كما في عبارة الخطيب وغيره.

ولم أجد اسم هذا الكتاب في مؤلفات الدَّارَقُطْنِيّ في جميع المراجع التي بين يدي إلا ما ذكره صاحب "هدية العارفين".

وللدارقطني اهتمام بالإمام الشافعي، فقد ألّف بعض المؤلفات التي لها تعلقٌ به، قال الشيرازي في "طبقات الشافعية":""وأما من روى عنه"3" الحديث فخلق كثير ذكرهم الدَّارَقُطْنِيّ في جزأين"""4".

وقال الشيرازي في ترجمة "عبد الرحمن بن الوليد بن المغيرة المصري": ""ذكره الدَّارَقُطْنِيّ في كتابه في ذكر من روى عن الشافعي"""5".

وفي ترجمته للدارقطني في كتابه "طبقات الشافعية" ما يحتمل أيضاً أن له مؤلفا في المذهب، لأنه قال في المقدمة:""

فها أنا أكتب أوراقاً بالتماس بعض الإخوان مبتدئا بذكر الشافعي رحمه الله تعالى ومن كان في عصره،

"1""تاريخ بغداد": 12/35.

"2" انظر: "هدية العارفين": 5/683.

"3" أي عن الإمام الشافعي.

"4""طبقات الشافعية"، للشيرازي:104.

"5""طبقات الشافعية"، للشيرازي:103.

ص: 50

ومن كان في المائة التي توفى فيها، وهي المائة الثالثة، ثم الذين يلونهم، هكذا إلى عصرنا ممن أحاط به علمي وكان له تصنيف في المذهب"""1".

فقوله: ""وكان له تصنيف في المذهب""، يحتمل أنه عنى به من كان له ذكر في المذهب، ويحتمل أنه قصد به من كان له تأليف في المذهب.

جـ- إمامته في اللغة والنحو والأدب والتاريخ:

لست أعني بإمامته هنا أنه كان صاحب مذهب متبوع، إنما عنيت به ما عنيته في الفقرة السابقة.

وقد جمع الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ -إلى ما سبق- التمكن في اللغة والنحو والأدب، والمغازي والسير، وذَكَر الخطيب في العلوم التي اضطلع فيها أبو الحسن "المعرفة بالشعر والأدب، وقيل: إنه كان يحفظ دواوين جماعة من الشعراء"""2". وقال: ""وسمعت حمزة بن محمد بن طاهر الدَّقاق يقول: "كان أبو الحسن يحفظ ديوان السيد الحِمْيري"3" في جملة ما يحفظ من الشعر فنسب إلى التشيع لذلك"""4".

ومما يدل على تمكنه في اللغة ما حكاه الخطيب، قال:""وحدثني الأزهري أن أبا الحسن لمّا دخل مصر كان بها شيخ علوي من أهل مدينة رسول الله

"1""طبقات الشافعية": ص:1.

"2""تاريخ بغداد": 12/35.

"3" هو إسماعيل بن محمد بن يزيد الحميري، شيعي غالٍ.

"4""تاريخ بغداد": 12/35.

ص: 51

صلى الله عليه وسلم، يقال له مسلم بن عبيد الله، وكان عنده كتاب النَّسب عن الخضر بن داود عن الزبير بن بَكَّار، وكان مسلم أحد الموصوفين بالفصاحة المطبوعين على العربية.

فسأل الناس أبا الحسن أن يقرأ عليه كتاب النسب، ورغبوا في سماعه بقراءته، فأجابهم إلى ذلك.

واجتمع في المجلس من كان بمصر من أهل العلم والأدب والفضل، فحرصوا على أن يحفظوا على أبي الحسن لحنة، أو يظفروا منه بسقطة، فلم يقدروا على ذلك، حتى جعل مسلم يعجب ويقول له: وعربية أيضاً!! """1".

وقال عبد العزيز الكَّتاني: ""سمعت بعضهم يقول: إنه قرأ كتاب النسب على مسلم العلوي فقال له بعد القراءة المعيطي الأديب: يا أبا الحسن، أنت أَجْرأُ من خاصِي الأسد، تقرأ مثل هذا الكتاب مع ما فيه من الشعر والأدب فلا يؤخذ عليك فيه لحنة وأنت رجل من أصحاب الحديث؟! وتعجب منه"""2".

وقال الذهبي: ""انتهى إليه الحفظ ومعرفة علل الحديث ورجاله مع التقدم في القراءات وطرقها، وقوة المشاركة في الفقه والاختلاف، والمغازي وأيام الناس، وغير ذلك.

قال أبو عبد الله الحاكم في كتاب "مزكّي الأخبار": ""أبو الحسن صار واحد عصره في الحفظ، والفهم، والورع، وإماما في القرَّاء، والنحويين

"""3".

"1" المصدر السابق.

"2""تاريخ دمشق": جـ22 ق241ب.

"3""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق520.

ص: 52

فرأينا بهذا أن الإمام الدَّارَقُطْنِيّ لم يكن عالما بعلم واحد، وليس حبيس فن واحد، بل كان إماما في علوم القرآن، وفي الحديث وعلومه، وفي الأدب والشعر، وفي اللغة، وفي النحو، وفي المغازي والسير والأخبار، فرحمه الله رحمة واسعة.

ولذلك قال فيه أبو الفتح بن أبي الفوارس الحافظ: ""وقد كان انتهى إليه علم هذا الشأن، وما رأينا في الحفظ في جميع علوم الحديث، والقراءات، والأدب مثله، وكان متقناً"""1".

"1""طبقات الشافعية"، لابن الصلاح: ق67ب.

ص: 53

12-‌

‌ شيوخه

أخذ الدَّارَقُطْنِيّ عن أهل بغداد -وعلماؤها كثيرون في زمنه- وعن الراحلين إليها -وهم كثير أيضاً- ثم رحل إلى تلك الأقطار المتعددة التي سبق ذكرها.

ولم يُذكر أنه صنّف معجما لشيوخه رحمه الله، فإذا أردتُ أن أقدّر عددهم، فأُرَى أنهم لا يقلّون عن ألف شيخ.

وكان عصره يكتظ بالأئمة الأعلام في شتى العلوم: في القرآن، والحديث واللغة، والنحو، والأدب، والشعر، وغير ذلك.

وفي عصره دُوِّنت الأمهات الست، وأُلّف فيه العديد من المؤلفات في سائر الفنون على أيدي أئمتها.

لهذا كان نصيب الدَّارَقُطْنِيّ في السماع من أولئك الأعلام نصيباً وافراً، ويظهر هذا من قائمة أسماء شيوخه، وكم فيها من حافظ وإمام، وقد ترجم

ص: 53

الحافظ الذهبي لبعضهم في "تذكرة الحفاظ"، وترجم أيضاً الخطيب البغدادي لكثير منهم في "تاريخ بغداد".

وقد تتبعتُ شيوخه الذين روى عنهم في كتاب "السنن"، ورتبتهم على حروف المعجم، سأذكرهم قريباً.

ولا بدّ من الإشارة في هذا المقام إلى أن الإمام الدَّارَقُطْنِيّ لا يتحرى في الرواية شيوخا معينين كأن لا يروي إلا عن ثقة أو نحو ذلك، بل كان يروي عن الثقات وعن غيرهم، بل يروي أحيانا عن المتروكين ويسكت، وقد حصل له هذا في كتاب "السنن" كثيراً.

ومن الأمثلة على هذا: سكوته على "سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت" في 1/302، مع أنه عنده متروك، وسكوته على "أحمد بن الحسن المقرئ" في 1/302، وهو عنده ليس بثقة، وسكوته على "أبي الطاهر أحمد

ابن عيسى" في 1/305 وهو عنده كذّاب، وغير ذلك كثير، وإنما يفعل الإمام الدَّارَقُطْنِيّ هذا اعتماداً على معرفة أهل العلم في وقته لحال الرواة، والذي أراه أن هذا المسلك لا يجوز بأي حالٍ، لما يحصل بسببه من غَرَرٍ ومفاسد، فلابد من البيان.

وأذكر فيما يلي شيوخ الدَّارقطني في سننه.

ص: 54

شيوخ الدَّارَقُطْنِيّ في "سننه" مرتبين على حروف المعجم (1)

الأسماء:

* إبراهيم بن أحمد بن الحسين القِرْمِيسيني.

* إبراهيم بن حماد (ابن إسحاق، أبو إسحاق) .

* إبراهيم بن دبيس بن أحمد الحداد.

* إبراهيم بن محمد بن علي بن بطحاء.

* إبراهيم بن محمد العمري.

* إبراهيم بن محمد بن يحيى.

* إبراهيم بن يزيد الخُوزي.

* أحمد بن إبراهيم بن حبيب الزَّرَّاد.

* أحمد بن إبراهيم بن أبي الرِّجال = أحمد بن محمد (يأتي) .

* أحمد بن إسحاق بن البَهْلول، أبو جعفر القاضي.

* أحمد بن إسحاق بن وهب البُنْدار.

* أحمد بن إسحاق بن نِيْخَاب الطيِّبي.

* أحمد بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الجُنيد.

* أحمد بن سلمان.

* أحمد بن سنان.

"1" لم أعتبر في الترتيب "أبو" و"ابن" وأل".

ص: 55

* أحمد بن السندي بن الحسين.

* أحمد بن شعيب بن صالح البخاري.

* أحمد بن العباس البَغَوِي.

* أحمد بن عبدان الشِّيرازي.

* أحمد بن عبد الله بن محمد وكيل أبي صخرة النحّاس.

* أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير = أبو العباس.

* أحمد بن عبد المطلب الهاشمي.

* أحمد بن عثمان بن يحيى الآدمي.

* أحمد بن علي بن العلاء، أبو عبد الله.

* أحمد بن عيسى بن علي"1" الخوّاص.

* أحمد بن عمرو بن عثمان أبو عبيد الله، "أو: عبد الله"، المُعَدَّل.

* أحمد بن علي بن المعلَّى.

* أحمد بن عُمير الدِّمشقي.

* أحمد بن عيسى بن السكين.

* أحمد بن القاسم بن نصر القارئ.

* أحمد بن كامل القاضي.

* أحمد بن محمد بن بكر أبو رَوْق الهَزَّاني.

"1" جاء في ط. اليماني: أحمد بن علي بن عيسى. وفي "تاريخ بغداد": 4/281، كما أثبتُّ.

ص: 56

* أحمد بن محمد بن إسماعيل الآدمي الجوزجاني.

* أحمد بن محمد بن إسماعيل السوطي"1" المقرئ.

* أحمد بن محمد الجراح الضَّرَّاب.

* أحمد بن محمد بن جعفر الجَوْزي أبو الحسين.

* أحمد بن محمد بن موسى بن أبي حامد، أبو بكر.

* أحمد بن محمد بن الحسن الدِّيْنَوَري.

* أحمد بن محمد بن الحسين الرازي.

* أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي الرِّجال.

* أحمد بن محمد بن رميح.

* أحمد بن محمد بن زياد القطان، أبو سهل.

* أحمد بن محمد بن سالم المُخَرَّمي.

* أحمد بن محمد بن سعدان، أبو بكر الصَّيدلاني.

* أحمد بن محمد بن سعيد الهمْداني.

* أحمد بن محمد بن سليمان.

* أحمد بن محمد بن أبي شيبة.

* أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن النَّحّاس.

* أحمد بن محمد بن عبد الكريم "أبو طلحة الفَزَاري".

* أحمد بن محمد بن أبي عثمان الغازي، أبو سعيد.

"1" في ط. اليماني: السيوطي. وفي "تاريخ بغداد": 4/389، كما أثبتُّ.

ص: 57

* أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان، أبو ذر الواسطي.

* أحمد بن محمد بن مسعدة.

* أحمد بن محمد بن المغلس.

* أحمد بن محمد بن يزيد، أبو الحسن الزعفراني.

* أحمد بن محمد بن يونس"1" الفَزَاري.

* أحمد بن محمود بن خرزاذ القاضي "أبو بكر"الأهوازي.

* أحمد بن منصور.

* أحمد بن موسى"2" بن العباس بن مجاهد، أبو بكر المقرئ.

* أحمد بن نصر بن سندويه البُنْدار.

* أحمد بن نصر بن طالب الحافظ، أبو طالب.

* أحمد بن يوسف بن خَلاّد.

* إسحاق بن إدريس بن عبد الرحيم المباركي.

* إسحاق بن محمد بن الفضل الزيات.

* إسماعيل بن العباس بن محمد الوراق.

* إسماعيل بن علي الخُطَبِي.

* إسماعيل بن محمد، أبو علي الصَّفَّار.

"1" تصحّف في ط. عبد الله هاشم اليماني إلى: يوسف.

"2" في بعض المواضع: أحمد بن محمد بن موسى، وهو خطأ.

انظر: "الفهرست"، لابن النديم: ص:47، و"غاية النهاية": 1/139.

ص: 58

* إسماعيل بن محمد الوراق.

* إسماعيل بن هارون بن مَردانشاه.

* إسماعيل بن يونس بن ياسين، أبو إسحاق.

* بدر بن الهيثم، أبو القاسم القاضي.

* بُرهان بن محمد بن علي بن الحسن الدِّيْنَوَرِي.

* جعفر بن أحمد المُؤذِّن.

* جعفر بن أحمد بن مرشد البزّاز، أبو القاسم.

* جعفر بن محمد بن أحمد الواسطي.

* جعفر بن محمد بن نُصير.

* جعفر بن محمد بن يعقوب الصندلي.

* جعفر بن موسى.

* جعفر بن هارون بن إبراهيم الدِّيْنَوَرِي المكتب، أبو محمد.

* الحارث بن سُكين.

* حامد بن محمد الهَرَوِي.

* حبشون بن موسى الخلال.

* حبيب بن الحسن بن داود، أبو القاسم القزّاز.

* الحسن بن إبراهيم بن عبد المجيد المقرئ.

* الحسن بن أحمد بن الربيع الأَنْماطِي.

* الحسن بن أحمد، أبو سعيد الإِصْطَخرِي الفقيه.

* الحسن بن أحمد بن سعيد الرّهاوي.

ص: 59

* الحسن بن أحمد بن أبي الشَّوك.

* الحسن بن أحمد بن صالح الحلبي.

* الحسن بن الخضر المعدّل.

* الحسن بن رَشِيق.

* الحسن بن سعيد بن الحسن بن يوسف المَرْوَرَوْذِي.

* الحسن بن علي بن قُوهِي.

* الحسن بن محمد بن بشر، أبو القاسم الكوفي.

* الحسن بن محمد بن سعدان العَرْزَمي.

* الحسين بن إدريس القافْلاني.

* الحسين بن إسماعيل المَحَامِلي، أبو عبد الله القاضي.

* الحسين بن الحسين بن الصابوني.

* الحسين بن الحسين بن عبد الرحمن القاضي الأنطاكي.

* الحسين بن حمزة بن الحسين الخَثعمي.

* الحسين بن سعيد بن الحسن بن يوسف المَرْوَزِي.

* الحسين بن شَقيق.

* الحسين بن صفوان البَرْدَعِي.

* حسين بن عبد الله بن ضميرة.

* الحسين بن القاسم بن جعفر، أبو علي الكَوْكَبِي.

* الحسين بن محمد بن زنجي.

* الحسين بن محمد بن سعيد البزاز "معروف بابن المُطَبقي".

ص: 60

* الحسين بن محمد بن شعيب البزاز.

* الحسين بن يحيى بن عَياش.

* حمزة بن القاسم الإمام.

* دَعْلَج بن أحمد بن دَعْلَج، أبو إسحاق السَّجَزِي.

* رُزيق بن عبد الله المُخَرّمي.

* رضوان بن أحمد بن إسحاق الصيدلاني.

* سعيد بن محمد بن أحمد الحناط، أبو عثمان.

* سعيد بن محمد، أخو زنبر.

* العباس بن العباس بن المغيرة الجوهري.

* العباس بن عبد السميع الهاشمي.

* أبو العباس عبد الله بن عبد الرحمن العسكري.

* عباس بن موسى.

* عبد الباقي بن قانع بن إسماعيل بن الفضل، أبو الحسين القاضي.

* عبد الرحمن بن سعيد بن هارون، أبو صالح الأَصبهاني.

* عبد الرحمن بن عبد الله بن زيد الختلي.

* عبد الرحمن بن عبد الله بن هارون، أبو عيسى الأنباري.

* عبد العزيز بن جعفر بن بكر، أبو شيبة الخوارزمي.

* عبد العزيز بن موسى بن عيسى القارئ.

* عبد العزيز بن الواثق.

* عبد الغافر بن سلامة، أبو هاشم الحمصي.

ص: 61

* عبد الصمد بن علي المُكْرَمي.

* عبد الله بن أحمد بن إبراهيم المارستاني.

* عبد الله بن أحمد بن بكر.

* عبد الله بن أحمد بن ثابت البَزَّار، أبو القاسم.

* عبد الله بن أحمد بن ربيعة.

* عبد الله بن أحمد بن عتّاب، أبو محمد.

* عبد الله بن أحمد بن وهيب الدِّمشقي.

* عبد الله بن جعفر بن خُشَيْش.

* عبد الله بن جعفر بن دَرَسْتويه النحوي.

* عبد الله بن أبي داود = عبد الله بن سليمان بن الأشعث "الآتي بعده".

- عبد الله بن عبد الرحمن العسكري = أبو العباس.

* عبد الله بن سليمان بن الأشعث، أبو بكر بن أبي داود، صاحب السنن.

* عبد الله بن سليمان بن عيسى، أبو محمد الفاَمِي.

* عبد الله بن محمد بن أحمد بن أبي سعيد، أبو بكر البَزاز.

* عبد الله بن محمد بن إسحاق الفاكهي.

* عبد الله بن محمد بن حبان النَّيْسابوري.

* عبد الله بن محمد بن زياد، أبو بكر النَّيْسابوري الفقيه.

* عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، أبو القاسم البَغوي.

* عبد الله بن محمد بن ناصح.

* عبد الله بن الهيثم بن خالد الطِّيني.

ص: 62

* عبد الله بن يحيى، أبو بكر الطَّلْحِي.

* عبد الملك بن أحمد الدقاق.

* عبد الملك بن أحمد الزيات.

* عبد الملك بن يحيى العطار.

* عبد الواحد بن محمد بن المهتدي بالله، أبو أحمد.

* عبد الوهاب بن عيسى بن أبي حَيَّة.

* عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله، أبو عبد الله.

* عبيد الله بن موسى بن إسحاق، أبو الأسود الأنصاري.

* عثمان بن أحمد بن سمعان.

* عثمان بن أحمد بن السماك الدقاق، أبو عمر.

* عثمان بن أحمد بن يزيد.

* عثمان بن إسماعيل بن بكر السُّكّرِي.

* عثمان بن جعفر بن محمد"1" بن اللّبَّان.

* عثمان بن جعفر بن محمد بن حاتم، أبو عمرو الأحول.

* عثمان بن عبد ربه.

* عثمان بن محمد بن بِشر.

* علي بن إبراهيم بن عيسى، أبو الحسن المستملي المعروف بالنَّجَّاد.

* علي بن أحمد بن الأزرق المعدّل.

"1" جاء في السنن: أحمد. وهو خطأ.

ص: 63

* علي بن أحمد بن علي بن حاتم.

* علي بن أحمد بن الهيثم بن خالد البزار.

* علي بن إسحاق المَادَرَائي.

* علي بن ثابت بن أحمد النعماني.

* علي بن الحسن بن أحمد الحراني.

* علي بن الحسن بن العبد.

* علي بن الحسن بن قحطبة.

* علي بن الحسن بن هارون بن رستم السّقْطِي.

* علي بن الحسين، أبو الحسن السّقْطِي.

* علي بن دليل، أبو الحسن الأخباري.

* علي بن سَلْم بن مِهران.

* علي بن عبد الله بن الفضل.

* علي بن عبد الله بن مُبَشر.

* علي بن الفضل بن أحمد البزاز.

* علي بن الفضل بن طاهر البَلْخي.

* عليّ"1" بن مبشر، "وهو عليّ بن عبد الله بن مبشر".

* علي بن محمد بن أحمد بن الجهم، أبو طالب الكاتب.

* علي بن محمد بن أحمد، أبو الحسن المصري.

"1" تصحّف في السنن المطبوعة-ط. عبد الله هاشم اليماني-إلى: محمد.

ص: 64

* علي بن محمد بن عبيد الحافظ.

* علي بن محمد بن عقبة الشيباني.

* علي بن محمد "بن يحيى" بن مِهران الصَّوّاف"1".

* عمر بن أحمد بن علي الجَوْهري.

* عمر بن أحمد بن علي القطان الدّرْبي.

* عمر بن أحمد بن علي المروزي.

* عمر بن أحمد بن مهدي "والد الإمام الدَّارَقُطْنِيّ".

* عمر بن الحسن بن علي الشيباني.

* عمر بن الحسن بن عمر القراطيسي.

* عمر بن الحسين بن سورين.

* عمر بن عبد العزيز بن دينار.

* عمر بن محمد بن القاسم النّيْسابوري.

* عمر بن محمد بن المسيب.

* عمر"2" بن أحمد بن علي المَرْوزي.

* الفضل بن أحمد بن منصور، أبو العباس الزبيدي.

* القاسم بن إسماعيل، أبو عبيد "أخو الحسين".

* القاسم بن عبد الرحمن بن بَلِيل،"أو بلبل"، أبو أحمد الزعفراني.

"1" جاءت هذه النسبة في ط. عبد الله هاشم مِن السنن: السواق. وهو تصحيف.

"2" تصحّف في المطبوعة إلى: عمرو.

ص: 65

* محمد بن إبراهيم بن حفص بن شاهين.

* محمد بن إبراهيم المُجَهِّز.

* محمد بن إبراهيم بن نيروز.

* محمد بن أحمد بن إبراهيم الكاتب.

* محمد بن أحمد بن أسد الهروي.

* محمد بن أحمد بن أبي الثلج.

* محمد بن أحمد بن الجنيد، أبو بكر.

* محمد بن أحمد بن الحسن الصواف.

* محمد بن أحمد بن زيد الحِنّائي.

* محمد بن أحمد صالح الأزدي.

* محمد بن أحمد بن الصلت الأُطْرُوش.

* محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن بُجَيْر، أبو الطاهر بن بُجَيْر.

* محمد بن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق.

* محمد بن أحمد بن عيسى بن عَبْدك.

* محمد بن أحمد بن قَطَن، أبو عيسى.

* محمد بن أحمد بن محمد بن حسان الضَّبِّي.

* محمد بن أحمد بن المقرئ، أبو العباس الأثرم.

* محمد بن إسحاق السُّوسي.

* محمد بن أسد.

* محمد بن إسماعيل، أبو عبد الله الفارسي.

* محمد بن جعفر بن أحمد الصَّيرفي.

ص: 66

* محمد بن جعفر بن إلياس بن صدقة.

* محمد بن جعفر بن دران، أبو الطيب.

* محمد بن جعفر بن رميس.

* محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم.

* محمد بن جعفر المَطِيري.

* محمد بن الحسن بن علي اليَقْطِيني.

* محمد بن الحسن بن علي البزّاز.

* محمد بن الحسن بن أبي الشوك.

* محمد بن الحسن بن محمد المقرئ، النقاش.

* محمد بن الحسين بن حاتم الطويل.

* محمد بن الحسين الحرّاني.

* محمد بن الحسين بن سعيد، أبو جعفر الهمْداني.

* محمد بن الحسين بن محمد بن حاتم.

* محمد بن حمدويه، أبو نصر المَرْوَزِي.

* محمد بن حميد بن سُهَيْل بن إسماعيل.

* محمد بن خلف الخلال.

* محمد بن السريّ بن عثمان التمّار.

* محمد بن سليمان"1" الباهلي.

* محمد بن سليمان المالكي، أبو علي.

* محمد بن سليمان بن محمد، أبو جعفر النعماني الباهلي.

"1" تصحّف في ط. عبد الله هاشم اليماني مِن السنن إلى: سليم.

ص: 67

* محمد بن الفتح القَلانِسي.

* محمد بن الفضل الزيات.

* محمد بن القاسم بن أحمد، أبو بكر الصوفي.

* محمد بن القاسم، أبو عبد الله الأزدي المعروف بابن ابنة كعب.

* محمد بن القاسم بن زكريا المُحاربي، أبو عبد الله.

* محمد بن محمد بن أحمد بن مالك الإسكافي.

* محمد بن محمد بن عتيبة المُعيطي.

* محمد بن محمود، أبو بكر السرّاج.

* محمد بن محمود بن المنذر، أبو بكر الأصم.

* محمد بن مَخْلَد بن حفص العطار البَجَلِي.

* محمد بن المظفر.

* محمد بن المعلى الشُّوْنِيزي.

* محمد بن مَعْن الفارسي.

* محمد بن منصور بن أبي جهم.

* محمد بن موسى بن سهل البَرْبَهاري.

* محمد بن موسى بن علي، أبو العباس الدُّولابي.

* محمد بن نوح الجُنْدَيسابُوري.

* محمد بن هارون أبو حامد الحضرمي.

* محمد بن يحيى بن مرداس.

* محمد بن يوسف، أبو عمر.

* موسى بن جعفر بن قرين العثماني.

ص: 69

* نهشل بن دارم، أبو إسحاق.

* هبيرة بن محمد بن أحمد الشيباني.

* يحيى بن محمد بن صاعد، أبو محمد "وهو ابن صاعد، ويحيى بن صاعد، وأبو محمد بن صاعد".

* يحيى بن موسى أبو وهب.

* يَزْدَاد بن عبد الرحمن بن محمد بن يَزْدَاد الكاتب.

* يزيد بن الحسن بن يزيد البزّاز، أبو الطيب.

* يعقوب بن إبراهيم، أبو بكر البزّاز.

* يعقوب بن عبد الرحمن بن أحمد، أبو يوسف المُذَكِّر.

* يعقوب بن يوسف، أبو يوسف الخلاّل.

* يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول، أبو بكر الأزرق.

* يوسف بن يعقوب بن يوسف، أبو عَمرو.

ص: 70

‌شيوخ الدارقطني في"سننه"مرتبين على حروف المعجم: الكنى

الكنى"1":

- أبو إسحاق = نهشل بن دارم.

- أبو بكر الآدمي = أحمد بن محمد بن إسماعيل.

- أبو بكر الأبهري = محمد بن عبد الله بن صالح الأبهري.

- أبو بكر = أحمد بن محمد بن موسى بن أبي حامد.

- أبو بكر = أحمد بن محمود بن خرزاذ القاضي الأهوازي.

"1" جميع أصحاب الكنى الذين ذُكروا هنا قد سبقوا في الأسماء.

ص: 70

- أبو بكر بن أبي داود = عبد الله بن سليمان بن الأشعث.

- أبو بكر الشافعي = محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبد ربه البزّاز.

- أبو بكر = عبد الله بن محمد بن زياد النَّيْسابوري.

- أبو بكر = عبد الله بن محمد بن أحمد بن أبي سعيد البزّاز.

- أبو بكر = عبد الله بن يحيى البلخي الطَّلْحِي.

- أبو بكر بن مجاهد المقرئ = أحمد بن موسى بن العباس.

- أبو بكر = محمد بن الحسين بن محمد النقاش المقرئ.

- أبو بكر = محمد بن عثمان بن ثابت الصيدلاني.

- أبو بكر = محمد بن القاسم بن أحمد الصوفي.

- أبو بكر = محمد بن محمد بن عتيبة المُعَيطي.

- أبو بكر = محمد بن محمود بن المنذر الأصم.

- أبو بكر النيسابوري = عبد الله بن محمد بن زياد.

- أبو جعفر = أحمد بن إسحاق بن البَهْلول.

- أبو الحسن المصري = علي بن محمد.

- أبو الحسين = أحمد بن محمد بن جعفر الجَوْزي.

- أبو الحسين = عبد الباقي بن قانع القاضي.

- أبو ذر = أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان.

- أبو رَوْق الهَزَّانِي = أحمد بن محمد بن بكر.

- أبو سهل بن زياد = أحمد بن محمد بن زياد القطان.

- أبو شيبة = عبد العزيز بن جعفر.

ص: 71

- أبو صالح الأصبهاني = عبد الرحمن بن سعيد بن هارون.

- أبو طاهر القاضي = محمد بن أحمد بن عبد الله.

- أبو عبد الله الفارسي = محمد بن إسماعيل.

- أبو عبيد = القاسم بن إسماعيل.

- أبو عثمان = سعيد بن محمد بن أحمد الحنّاط.

- أبو علي الصفار = إسماعيل بن محمد.

- أبو عمر القاضي، "وهو محمد بن يوسف".

- أبو القاسم بن مَنِيع = عبد الله بن محمد.

- أبو محمد بن صاعد = يحيى بن محمد.

- أبو نصر = محمد بن حمدويه المَرْوزي.

- أبو هريرة الأنطاكي = محمد بن علي.

ص: 72

‌شيوخ الدارقطني في"سننه"مرتبين على حروف المعجم: الأبناء

الأبناء"1":

- ابن بهلول = أحمد بن إسحاق.

- ابن أبي الثلج = محمد بن أحمد.

- ابن أبي داود = عبد الله بن سليمان الأشعث.

- ابن الربيع = الحسن بن أحمد.

- ابن السكين البلدي = أحمد بن عيسى.

- ابن صاعد = يحيى بن محمد.

"1" وجميعهم مضى ذِكْرهم في الأسماء.

ص: 72

- ابن الصواف = محمد بن أحمد بن الحسن.

- ابن عياش = الحسين بن يحيى.

- ابن قحطبة = علي بن الحسن.

- ابن كامل = أحمد بن كامل القاضي.

- ابن مبشر = علي بن عبد الله.

- ابن مجاهد = أحمد بن موسى بن العباس.

- ابن منيع = عبد الله بن محمد بن عبد العزيز.

وفيما يلي أذكر ترجمةً لأربعة من أشهر شيوخه.

ص: 73

‌ترجمة لأربعة من شيوخه: 1 يحي بن محمد بن صاعد

ترجمة لأربعة من شيوخه

وهم:

1-

يحيى بن محمد بن صاعد.

2-

أبو بكر النَّيْسابوري عبد الله بن محمد بن زياد.

3-

القاضي الحسين بن إسماعيل المَحَامِلي، أبو عبد الله.

4-

يعقوب بن إبراهيم البزّاز.

1-

يحيى بن محمد بن صاعد"1":

هو: يحيى بن محمد بن صاعد بن كاتب، أبو محمد الهاشمي، مولى أبي جعفر

"1" له ترجمة في: "تاريخ بغداد": 14/231-234، و"تذكرة الحفاظ": 2/776، و"شذرات الذهب": 2/280.

ص: 73

المنصور، إمام ثقة، وهو ممن أخذ عنهم الدَّارَقُطْنِيّ بكثرة، لا سيما في "السنن".

ولادته ووفاته:

ولد سنة 228هـ، وكتب الحديث وعمره إحدى عشرة سنة، وتوفي سنة 318هـ عن عُمُرٍ يقارب التسعين عاماً، وكانت وفاته بالكوفة، ودُفن بها.

شيوخه:

ومن شيوخه: محمد بن سليمان لُوَيْن، وأحمد بن مَنِيع البَغَوِي، وسوّار بن عبد الله العنبري القاضي، ويحيى بن سليمان بن نضلة، والحسن بن حماد سُجَّادة، وأبو همّام السّكونيّ، وهارون بن عبد الله الحمّال، وأبو عمّار الحسين بن حُرَيْث، وعبد الله بن عمران العابدي، ومحمد بن زُنْبور، والحسن بن عيسى بن ماسرجس، ومحمد بن يزيد الآدميّ، والحسين بن الحسن المَرْوَزي، وإبراهيم بن سعيد الجوهريّ، وخلاّد بن أسلم، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وآخرون من البصريين والكوفيين، والمصريين.

تلاميذه:

ومن تلاميذه: أبو القاسم البغوي، ومحمد بن عمر الجِعَابيّ، ومحمد بن المظفّر، والدَّارَقُطْنِيّ، وابن حُبابة، وأبو طاهر المخَلِّص، وعبد الرحمن بن أبي شريح، وأبو مسلم الكاتب، وأبو ذرّ عمّار بن محمد، وأبو عمر بن حَيوية، وأبو حفص بن شاهين، وخلق آخرون

أقوال الأئمة فيه"1":

قال فيه الدَّارَقُطْنِيّ: "ثقة، ثبت، حافط".

"1" هذه الأقوال في "تذكرة الحفاظ": 2/776-777، وفي غيرها من المصادر التي ترجمته.

ص: 74

وقال أحمد بن عَبْدان الشيرازي: ""وهو أكثر حديثاً من محمد البَاغَنْدي، ولا يتقدمه أحد في الدراية"".

وقال أبو علي النَّيْسابوري: ""لم يكن بالعراق في أقران ابن صاعد أحد في فهمه، والفهم عندنا أجلّ من الحفظ، وهو فوق ابن أبي داود في الفهم والحفظ"".

وقال الخطيب: ""كان ابن صاعد ذا محلّ من العلم، وله تصانيف في السنن والأحكام

"".

وقال إبراهيم الحَرْبي: ""بنو صاعد ثلاثة أوثقهم يحيى"".

وروى أبو حمزة السَّهْمِيّ عن الدَّارَقُطْنِيّ فقال: ""سمعت أبا الحسن الدَّارَقُطْنِيّ يقول: بنو صاعد ثلاثة: يوسف، وأحمد، ويحيى، بنو محمد بن صاعد:

يوسف يحدّث عن خلاد بن يحيى ومَنْ دونه، وأحمد يحدّث عن أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة، ولهم عمّ يقال له: عبد الله بن صاعد يحدّث عن سفيان بن عيينة. يوسف أكبرهم، وأحمد أوسطهم، ويحيى أصغرهم وأعلمهم، وأثبتهم"".

وقال الذهبي: ""قلت: لابن صاعد كلام متين في الرجال والعلل يدّل على تبحّره"".

قلت: فتبين بهذا أن يحيى بن صاعد من كبار أهل العلم في وقته، ومن الثقات المتقنين، رحمه الله تعالى.

ص: 75

2-

عبد الله بن محمد، أبو بكر النيسابوري"1":

هو: عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل بن ميمون، أبو بكر الفقيه، مولى

"1" له ترجمة في "تاريخ بغداد": 10/120-122، و"تذكرة الحفاظ": 3/819-821، و"طبقات الشافعية": 2/231.

ص: 75

أَبَان بن عثمان بن عفان.

مولده، ورحلاته، ووفاته:

ولد في نيسابور في أول سنة 238هـ، ورحل في العلم إلى العراق، والشام، ومصر، وسكن بغداد بعد ذلك، وحدّث بها.

وتوفي سنة 324هـ رحمه الله تعالى.

شيوخه:

من شيوخه: محمد بن يحيى الذّهلي، وأحمد بن يوسف السُّلَمِيّ، وأحمد بن الأزهر، وأحمد بن حفص بن عبد الله، وعبد الله بن هاشم الطُّوسي، ومحمد

ابن الحسين بن إشكاب، والحسن بن محمد الزعفراني، وأحمد بن منصور الرّماديّ، وعباس بن محمد الدوريّ، ومحمد بن إسحاق الصّاغاني، ويونس

ابن عبد الأعلى، وأبو عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، وأبو ثور عمرو بن سعد، وأبو إبراهيم المزنيّ، وآخرون كثير.

تلاميذه:

منهم الدَّارَقُطْنِيّ، ودَعْلَج بن أحمد، وأبو عمر بن حَيوية، ومحمد بن المظفر، وابن شاهين، وعمر بن إبراهيم الكتَّاني، ويوسف القوّاس، وأبو طاهر المخلِّص، وآخرون.

أقوال الأئمة فيه:

قال فيه الإمام الدَّارَقُطْنِيّ: ""لم نر مثله في مشايخنا، لم نر أحفظ منه للأسانيد والمتون، وكان أفقه المشايخ، جالَسَ المزنيَّ، والربيع، وكان يعرف زيادات الألفاظ في المتون، ولمّا قعد للتحديث قالوا: حدّثْ. قال: بل سلوا.

ص: 76

فسئل عن أحاديث فأجاب فيها وأملاها، ثم بعد ذلك ابتدأ يحدّث"""1".

وقال الدَّارَقُطْنِيّ أيضاً: ""كُنَّا ببغداد يوما جلوساً في مجلس اجتمع فيه جماعة من الحفاظ يتذاكرون، وذكر الدَّارَقُطْنِيّ أبا طالب الحافظ، وأبا بكر الجِعَابي وغيرهما، فجاء رجل من الفقهاء فسأل الجماعة: من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "جعلتْ لِيَ الأرض مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً" فقال الجماعة: روى هذا الحديث فلان وفلان، وسَمّوْهم، فقال السائل: أريد هذه اللفظة:"وجعلت تربتها لنا طهوراً".

فلم يكن عند واحد منهم جواب، ثم قالوا: ليس لنا غير أبي بكر النيسابوري، فقاموا بأجمعهم إلى أبي بكر، فسألوه عن هذه اللفظة، فقال: نعم، حدثنا فلان

وساق في الوقت من حفظه الحديثَ، واللفظة فيه"""2".

وقال الخطيب البغدادي: ""وكان حافظا متقنا عالما بالفقه والحديث معاً مُوثَّقا في روايته"""3".

وقال أبو بكر النيسابوري نفسه ليوسف بن عمر بن مسرور:

""تعرف من أقام أربعين سنة لم ينم الليل، ويتقوت كل يوم بخمس حبات، ويصلي صلاة الغداة على طهارة العشاء الآخرة؟ ثم قال: أنا هو، وهذا كله قبل أن أعرف أم عبد الرحمن، أيش لمن زوجني!!، ثم قال في أثر هذا:""ما أريد إلا الخير"""4".

"1""تاريخ بغداد": 10/121.

"2""تاريخ بغداد": 10/121، و"تذكرة الحفاظ": 3/820.

"3""تاريخ بغداد": 10/122.

"4""تاريخ بغداد": 10/122.

ص: 77

فرحم الله الإمام أبا بكر النيسابوري رحمة واسعة.

ص: 78

‌3- القاضي الحسين بن إسماعيل المَحَامل

"1":

هو: الحسين بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن سعيد بن أَبَان، أبو عبد الله الضَّبِّيّ المَحَامل، ولي قضاء الكوفة ستين سنة.

ولادته ووفاته:

ولد سنة 235هـ، وسمع الحديث سنة 244 وله عشر سنين، وشهد عند القضاة وله عشرون سنة، وتوفي سنة 330هـ رحمه الله تعالى، بعد أن قضى عمره بين القضاء والتدريس.

وقد عَقَد في داره مجلساً للفقه سنة 270هـ، فلم يزل أهل العلم والنظر يختلفون إليه ويتناظرون بحضرته في كل أسبوع في يوم الأربعاء إلى أن توفي.

شيوخه:

من شيوخه: يوسف بن موسى القطان، وأبو هشام الرّفاعي، ويعقوب بن إبراهيم الدَّوْرقي، والحسن بن الصباح البزار، وعمرو بن علي الفَلَاّس، ومحمد

ابن المثنى العنبريّ، وأبو الأشعث العِجْلي، وإسحاق بن بهلول التنوخي، والحسن بن شَاذان الواسطي، وإسحاق بن حاتم المدائني، وعبد الرحمن بن يونس السرَّاج، وأبو حذافة السهمي

وآخرون كثير.

"1" له ترجمة في "تاريخ بغداد": 8/19-23، و"تذكرة الحفاظ": 3/824-826، و"اللباب في تهذيب الأنساب": 3/171-172.

ص: 78

تلاميذه:

من تلاميذه: أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ، ودَعْلَج بن أحمد، ومحمد بن عمر الجِعابي، ومحمد بن المظفر، وأبو الفضل الزهري، وأبو بكر بن شاذان، وأبو حفص بن شاهين، وأبو حفص الكَتَّاني

وطبقتهم.

أقوال الأئمة فيه:

قال فيه الخطيب البغدادي: ""وكان فاضلا صادقاً دَيِّناً"".

وذكر الخطيب عن أبي بكر الداودي أنه قال: ""كان يحضر مجلس المحاملي عشرة آلاف رجل"".

وروى الخطيب عنه مناظرة مع بعضهم في التفضيل بين علي بن أبي طالب وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم تدلّ على فقه المحاملي.

وقال أبو نصر محمد بن الحسين الشاهد -وكان عالما بالمحامليّ، قديم الصحبة له-:""القاضي أبو عبد الله تَجَر فَحُمِدَ، وأْتُمِنَ فَحُمِدَ، وشهد فَحُمِدَ، وولي القضاء فَحُمِدَ، وأفتى فَحُمِدَ، وحدّث فَحُمِدَ

"""1".

وقال ابن الجزري: ""

وكان ثقة"""2".

رحمه الله تعالى ورضي عنه.

"1""تاريخ بغداد": 8/22، و"اللباب في تهذيب الأنساب": 3/172.

"2""اللباب في تهذيب الأنساب": 3/172.

ص: 79

‌4- يعقوب بن إبراهيم البَزَّاز

"1":

هو: يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن عيسى بن البُختري، أبو بكر البزَّاز، يعرف بالجِراب.

ولادته، ووفاته:

ولد في سنة 237هـ، وتوفي سنة 322هـ في شهر ربيع الآخر، وقد مات وهو ساجد في ليلة الجمعة، ودفن يوم الجمعة لثمان بقين من شهر ربيع الآخر، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

شيوخه:

من شيوخه: رِزْقُ الله بن موسى، وعلي بن مسلم الطُّوسي، والحسن بن عرفة، وعمر بن شبّة، وجعفر بن محمد بن فضيل الراسبي، وأحمد بن بديل اليامِي، والحسين بن علي بن الأسْود العِجْليّ"".

تلاميذه:

من تلاميذه: الإمام الدَّارَقُطْنِيّ، وابن شاهين، ويوسف بن عمر القوّاس، وأبو القاسم الصيدلاني المقرئ.

أقوال الأئمة فيه:

قال الخطيب البغدادي: ""وذكر لي الخلاّل أن يوسف بن القوّاس ذكره في جملة شيوخه الثقات"".

وقال الخطيب: ""أخبرنا الأزهري قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال:

"1" له ترجمة في "تاريخ بغداد": 14/293-294، و"المنتظم": 6/75.

ص: 80

يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن عيسى أبو بكر البزّاز، لقبه جِرَاب، كتبنا عنه، كان ثقة مأموناً مكثراً.

وقال الحافظ عبد الغني بن سعيد: ""يعقوب بن إبراهيم الجِرَاب ثقة"""1".

"1""تاريخ بغداد": 14/294.

ص: 81

13-‌

‌ تلاميذه

من الطبيعي أن يكثر الأخذُ عن الدَّارَقُطْنِيّ، هذا الحافظ الذي اشتهر في العالم الإسلامي، وقَطَنَ بغدادَ التي يؤمّها أكثر الرحّالين، ورحل هو وطوّف بكثير من الأقطار الإسلامية، ولذلك يقول الحافظ الذهبي بعد أن ذكر كثيراً من تلاميذه:""

وخَلْقٌ سِواهم من البغاددة، والدماشقة، والمصريين، والرحّالين"""2".

وقد كان حظ الدَّارَقُطْنِيّ من طلاب العلم من الأئمة الحفاظ ليس بالقليل، كما يظهر ذلك بالنظر في فهرس الآخذين عنه، بالإضافة إلى سواهم من أهل العلم.

وأذكر فيما يلي تلاميذ الحافظ الدَّارقطني.

"2""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق521.

ص: 81

‌تلاميذ الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ مرتبين على حروف الهجاء

1-

أحمد بن الحسن الطيّان.

2-

أحمد بن محمد بن الحارث الإصبهاني النحويّ.

ص: 81

1-

أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب البَرْقانِيّ الحافظ.

2-

أبو بكر محمد بن عبد الملك بن بِشْران.

3-

تمّام بن محمد الرازي.

4-

أبو حامد الإِسْفَرَايِينِي الفقيه.

5-

أبو الحسن بن السّمسار الدّمشقي.

6-

أبو الحسن بن الفرّاء أخو القاضي أبي يعلى.

7-

أبو الحسن العَتِيقي الحافظ.

8-

أبو الحسن بن محمد الخلاّل الحافظ.

9-

أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن حَسنون النرسي.

10-

أبو الحسين بن المهتدي بالله الشريف "وهو آخر من حَدَّثَ عنه مع أبي الغنائم".

11-

حمزة بن محمد بن طاهر.

12-

حمزة بن يوسف السّهمي الحافظ.

13-

أبو ذرّ الهروي.

14-

أبو طاهر العشَاري.

15-

أبو الطاهر بن عبد الرحيم الكاتب.

16-

أبو الطيب الطبري القاضي.

17-

أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري.

18-

أبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ.

ص: 82

1-

عبد العزيز بن علي الأَزْجِي"1".

2-

عبد الغني بن سعيد الأزدي الحافظ.

3-

أبو الغنائم عبد الصمد بن المأمون الشريف الهاشمي.

4-

أبو القاسم بن بِشران.

5-

أبو القاسم التَّنُّوخي.

6-

أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان الأزهري.

7-

محمد بن أحمد أبو الحسن بن الأَبنُوسي"2".

8-

أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن الحسن الجوهري.

9-

أبو مسعود الدِّمَشْقِي الحافظ"3".

10-

أبو نصر بن الجندي.

11-

أبو النعمان تراب بن عمر المصري.

12-

أبو نُعَيْم الأصبهاني الحافظ صاحب "الحِلْيَة".

وبعض هؤلاء يعتبر شيخا أيضاً للدارقطني إلى جانب تتلمذه على الدَّارَقُطْنِيّ.

وأذكر فيما يلي ترجمةً لأربعةٍ من أشهر تلاميذه.

"1" نسبة إلى محلة كبيرة ببغداد.

"2" نسبة إلى نوع من الخشب.

"3" هو مؤلف كتاب جواب أبي مسعود على انتقادات الدَّارَقُطْنِيّ لصحيح مسلم.

ص: 83

‌ترجمة لأربعة من أشهر تلاميذه:1 أبو بكر أحمد بن محمد البرقاني

ترجمة لأربعة من أشهر تلاميذه

وهم:

1-

أبو بكر أحمد بن محمد البَرْقانِيّ.

2-

أبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ.

3-

عبد الغني بن سعيد الأَزْدِيّ.

4-

حمزة السَّهْمِيْ.

1-

أبو بكر أحمد بن محمد البَرْقانِيّ:

هو: أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخَوَارِزمي البَرْقانِيّ، الشافعي، شيخ بغداد.

ولادته، ووفاته:

ولد في آخر سنة ست وثلاثين وثلاثمائة.

ومات سنة خمس وعشرين وأربعمائة في أول يوم من رجب في بغداد"1".

شيوخه:

منهم: أبو العباس بن حمدان النيسابوري، ومحمد بن علي الحسَّاني، وأحمد

ابن إبراهيم بن حباب الخوارزميان، ومحمد بن جعفر بن هيثم البُندار، وأبو علي بن الصوّاف، وأبو بحر بن كوثر البَرْبَهَارِي، وأبو بكر بن مالك القَطِيعي، وأحمد بن جعفر بن سَلْم، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو منصور

"1" انظر: "تاريخ بغداد": 4/376، و"تذكرة الحفاظ"، 3/1075.

ص: 84

الأزهري.... وخلق آخرون كثير.

قلت: ومن جِلَّة شيوخه الدَّارَقُطْنِيّ، وقد أخذ عنه كثيراً، ووجَّه له أسئلة دونّها مع أجوبة الدَّارَقُطْنِيّ، وهي الآن موجودة تشتمل على عِلْم في الرجال غزير.

تلاميذه:

حدّث عنه الخطيب البغدادي وطبقته من أهل بغداد وغيرهم.

أقوال الأئمة فيه:

قال الخطيب البغدادي: ""وكان ثقة ورعاً، متقنا متثبتاً فَهْماً، لم ير في شيوخنا أثبتَ منه، حافظاً للقرآن، عارفاً بالفقه، له حظ من علم العربية، كثير الحديث، حَسَنَ الفهم له، والبصيرة فيه، وصنّف مسنداً ضمَّنه ما اشتمل عليه صحيح البخاري ومسلم، وجمع حديث سفيان الثوري وشعبة، وأيوب، وعبيد الله بن عمرو، وعبد الملك بن عُمير، وبيّان بن بِشْر، ومطر الورّاق، وغيرهم من الشيوخ، ولم يقطع التصنيف إلى حين وفاته، ومات وهو يجمع حديث مِسْعَر.

وكان حريصاً على العلم، منصرف الهِمَّة إليه، وسمعته يوماً يقول لرجل من الفقهاء -معروف بالصلاح- وقد حضر عنده: ادع الله أن ينزع شهوة الحديث من قلبي، فإن حُبَّه قد غلب عليَّ فليس لِيَ اهتمام بالليل والنهار إلا به، أو نحو هذا من القول، وكنت كثيرا أذاكره بالأحاديث فيكتبها عني ويضمّنها جُمُوعَه"""1".

"1""تاريخ بغداد": 4/374.

ص: 85

وأورد الخطيب فيه أقوال المعاصرين له في الثناء عليه وعلى غزارة علمه وفقهه، وجمعه بين الحديث والفقه والحفظ"1". رحمه الله تعالى.

"1" وانظر: "تذكرة الحفاظ": 3/1074-1075.

ص: 86

‌2- أبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ

"2":

هو: محمد بن الحسين بن محمد بن موسى، أبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ، الصوفي، النيسابوري.

ولادته، ووفاته:

ولد سنة 330هـ في نيسابور، ومات في شعبان سنة 412هـ في نيسابور أيضاً بعد أن رحل إلى مرو، والعراق، والحجاز، رحمه الله رحمة واسعة.

شيوخه:

منهم أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ، أبو العباس الأصم، وأحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي، وإسماعيل بن نُجيد السُّلَمِيّ، ومحمد بن المؤمل المَاسَرْجِسي، ومحمد بن أحمد بن سعيد الرازي صاحب ابنِ وارَة، والحافظ أبو علي النيسابوري

وغيرهم كثير.

تلاميذه:

منهم أبو القاسم الأزهري، والقاضي أبو العلاء الواسطي، وأحمد بن عبد الواحد الوكيل، وأحمد بن علي التَّوَّزي، وأبو الحسن محمد بن عبد الواحد،

"2" له ترجمة في "الأعلام": 6/99، و "تاريخ بغداد": 2/248-249، و"تذكرة الحفاظ": 3/1046-1047، و"اللباب": 2/129.

ص: 86

ومحمد بن علي بن الفتح الحربي، والبيهقي، والقشيري، ومحمد بن يحيى المزكّي، ومحمد بن إسماعيل التَّفْلِيسي، وغيرهم كثير.

أقوال الأئمة فيه:

وصفه الأئمة بالعناية بالعلم، وقيل: بلغت مؤلفاته المائة أو أكثر، قال الخطيب:""قدْر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل، ومحلّه في طائفته كبير، وقد كان مع ذلك صاحب حديث، مجوّدا، جمع شيوخا وتراجم وأبوابا"""1".

وقال الذهبي: ""قلت: قد سأل أبا الحسن الدَّارَقُطْنِيّ عن خلقٍ من الرجال سؤال عارف بهذا الشأن"""2".

وقد ضُعّف فقال الذهبي: ""

إلا أنه ضعيف"""3".

وقال الذهبي معلقاً على قول الخطيب فيه: ""وكان ذا عناية بأخبار الصوفية، وصنف لهم سُنناً وتفسيراً وتاريخاً"""4". ""قلت: قد ألّف حقائق التفسير فأَتى فيه بمصائب وتأويلات الباطنية نسأل الله العافية"""5".

وتكلّم في ثقته بعضهم"6"، وأَنَّهُ كان يضع الحديث للصوفية، ولهذا فإن

"1""تاريخ بغداد": 2/248.

"2""تذكرة الحفاظ": 3/1046.

"3""تذكرة الحفاظ": 3/1046.

"4""تاريخ بغداد": 2/248.

"5""تذكرة الحفاظ": 3/1046.

"6" انظر: "تاريخ بغداد": 2/248، و"تذكرة الحفاظ": 3/1046.

ص: 87

بعض الأئمة لا يروي عنه إلا من كتابه كالبيهقي، فإنه كان يروي من أصل أسئلته، ولا يروي عنه من حفظه.

ص: 88

‌3- عبد الغني الأزْدِيّ

"1":

هو: عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشر بن مروان أبو محمد الأَزْدي المصري الحافظ المشهور.

ولادته، ووفاته:

ولد سنة 332، وتوفي سنة 409 في شهر صفر.

قيل: كان لعبد الغني جنازة عظيمة تحدّث بها الناس، ونودي له: هذا نافي الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شيوخه:

منهم عثمان بن محمد السمرقندي، وأحمد بن بهزاد السِّيْرافِي، وإسماعيل

ابن يعقوب الجِراب، وعبد الله بن جعفر بن الورد، وأبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ، وأحمد بن إبراهيم بن جامع، وأحمد بن إبراهيم بن عطية، ويعقوب بن مبارك، وحمزة بن محمد الحافظ، وأبو بكر المَيَانَجِي، والفضل بن جعفر المؤذن، وغيرهم كثير.

تلاميذه:

منهم: محمد بن علي الصُّوري، ورشا بن نظيف، وأبو عبد الله القضاعي،

"1" له ترجمة في: "الاستدراك"، لابن نقطة ق3، و"تذكرة الحفاظ": 3/1047-1050، و"شذرات الذهب": 3/188-189.

ص: 88

وعبد الرحمن بن أحمد البخاري، وأبو علي الأَهوازي، وأبو إسحاق، النعماني الحبَّال، وخلق كثير.

أقوال الأئمة فيه:

كان الإمام الدَّارَقُطْنِيّ يثني عليه كثيراً، ولما أراد الخروج من مصر خرجوا يُودعونه وبكوا، فقال لهم الدَّارَقُطْنِيّ: تبكون وعندكم عبد الغني بن سعيد وفيه الخلف"1"؟.

وقال الصُّوري: قال لي أبو بكر البَرْقانِيّ: سألت الدَّارَقُطْنِيّ بعد قدومه من مصر: هل رأيت في طريقك من يفهم شيئا من العلم؟ فقال لي: ما رأيت في طول طريقي أحدا إلا شابا بمصر يقال له: عبد الغني، كأنه شعلة نار، وجعل يُفخِّم أمره ويرفع ذكره"2".

وقال الصُوري: قال أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن أبي يزيد الأزدي: قال لي أبي: خرجنا يوما مع أبي الحسن الدَّارَقُطْنِيّ من عند أبي جعفر مسلم الحسيني، فلقينا عبد الغني بن سعيد، فسلَّم على أبي الحسن ووقفا ساعة يتحدثان، ثم انصرف عبد الغني، فالتفتَ إلينا أبو الحسن فقال:""يا أصحابنا، ما التَقَيْتُ"3" من مرة مع شابكم هذا فانصرفت عنه إلا بفائدة. أو كما قال"""4".

"1" انظر: "تذكرة الحفاظ": 3/1048.

"2""الاستدراك"، لابن نقطة: ق3ب.

"3" في الأصل: ما التفت، وهو تصحيف.

"4""الاستدراك": ق3ب.

ص: 89

وقال فيه أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد العَتِيقي: ""وكان إمام زمانه في علم الحديث وحفظه، وما رأيت بعد أبي الحسن الدَّارَقُطْنِيّ مثله

ثقة مأمون"""1".

وقد وصل في إمامته في الحديث وعلومه إلى أنه صحح للحاكم أبي عبد الله كتابه المدخل الكبير، فبيّن له الأوهام التي حصلت له فيه، ولا يزال موجودا كتابه هذا بعنوان:"أوهام الحاكم في كتاب المدخل".

يقول الحافظ عبد الغني: ""لمّا رددت على أبي عبد الله الحاكم الأوهام التي في المدخل إلى الصحيح بعث إلي يشكرني ويدعو لي، فعلمت أنه رجل عاقل"""2".

ولهذا فإن الحافظ عبد الغني بن سعيد الأَزديّ المصري مُعْتَمَدٌ لدى أئمة الجرح والتعديل في الكلام على المصريين جرحاً وتعديلاًً لثقته وإمامته ومعرفته بهم.

"1""الاستدراك": ق4أ، وانظر:"شذرات الذهب": 3/188-189.

"2""تذكرة الحفاظ": 3/1048.

ص: 90

بعد أن رحل إلى أصبهان، والريّ، وبغداد، والبصرة، والكوفة، وواسط، والأهواز، والشام، ومصر، والحجاز، وغير ذلك.

شيوخه:

منهم: الدَّارَقُطْنِيّ، وأبو زرعة محمد بن يوسف الكَشِّيّ، وأبو بكر أحمد

ابن إبراهيم الإسماعيلي، وأبو أحمد عبد الله بن عدي الجُرْجاني، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سهل الجُرْجاني، وغيرهم.

تلاميذه:

منهم: أبو القاسم عبد الكريم القُشَيْري، وأبو القاسم بن مَسْعدة الإسماعلي، والحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، وأبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن، وأبو بكر أحمد بن علي الشِّيرازي.

أقوال الأئمة فيه:

قال الحافظ ابن نقطة:

""طاف البلاد وسمع بها وصنف تاريخ جُرْجان ولَقِيَ الحفَّاظ في عصره

وسأل أبا الحسن الدَّارَقُطْنِيّ وغيره من الحفاظ عن أحوال الشيوخ، وكتب جوابهم في جزء له، وله كلام حسن في الجرح والتعديل ومعرفة المتون والأسانيد"""1".

وقال الذهبي فيه:

""وصنَّف التصانيف، وجرح، وعدّل، وصحح، وعلّل"""2". رحمه الله تعالى.

"1""التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد": ق89ب.

"2""تذكرة الحفاظ": 3/1090، وانظر ترجمته في "شذرات الذهب": 3/231، و"الأعلام": 2/280-281.

ص: 91

14-

‌ وفاة الدَّارَقُطْنِيّ

هناك إجماع على أنه توفي في شهر ذي القعدة سنة 385هـ ببغداد، واختلف في اليوم الذي توفي فيه، فقيل: يوم الثلاثاء الموافق السابع من شهر ذي القعدة، وقيل: الأربعاء الموافق الثامن من ذي القعدة، وقيل: الخميس، وقيل: الجمعة، وقيل: مات في الثلاثاء ودُفِن الأربعاء الثامن من ذي القعدة.

وقيل إنه مات في الثاني من ذي القعدة"1".

والأمر في هذا سهل فلا طائل تحت هذا الخلاف.

وقيل: إنه توفي في ذي الحجة"2".

وكانت وفاته بعد أن عاش ثمانين سنة، وصلى عليه الشيخ أبو حامد الإسْفِرَايِيني الفقيه، ودفن قريباً من معروفٍ الكرخي، في مقبرة باب الدير. رحمه الله تعالى.

قال الخطيب البغدادي: ""حدثني أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن ماكولا، قال: رأيت في المنام ليلة من ليالي شهر رمضان كأني أسأل عن حال أبي الحسن الدَّارَقُطْنِيّ في الآخرة، وما آل إليه أمره، فقيل لي: ذاك يدعى في الجنة الإمام"""3".

"1" انظر: "تاريخ بغداد": 12/40، و"وفيات الأعيان": 3/298، و"طبقات الشافعية"، للأسنوي: 509، و"سير أعلام النبلاء": جـ10 ق523-524، و"تاريخ دمشق": جـ22 ق262.

"2" انظر: "وفيات الأعيان": 3/298، و"عيون التواريخ": جـ12 ق111.

"3""تاريخ بغداد": 12/40.

ص: 92

وقال فيه حمزة بن طاهر الدّقاق"1":

جَعلْناك فيما بينَنَا ورسولِنا

وسيطاً فلم تَظْلِمْ وَلَمْ تَتَحَوَّبِ

فأنت الذي لولاكَ لم يعرف الورى

-ولو جهدوا- ما صادقٌ من مكذِّبِ

"1""تاريخ بغداد": 12/39، و"سير أعلام النبلاء": جـ10 ق525.

ص: 93

‌أقوال الأئمة

‌اولَا: ثناؤهم عليه

15-

أقوال الأئمة فيه

ينقسم الكلام هنا إلى قسمين:

1-

ثناؤهم عليه. 2- ما قيل فيه من المثالب.

أولاً: ثناؤهم عليه

تقدم جمهرة من ثناء الأئمة عليه في إمامته وحفظه، وسأنقل في هذا المبحث طرفا من تعديل العلماء والأئمة للدارقطني وتوثيقهم له، ووصفهم له بالإمامة، بل إقرارهم بذلك.

أ - أقوال الأئمة المعاصرين له:

1-

قال الحاكم:

""حجّ شيخنا أبو عبد الله بن أبي ذُهل، فكان يصف حفظه وتفرده بالتقدم في سنة ثلاث وخمسين، حتى استنكرت وصفه، إلى أن حججت سنة سبع وستين"2"، فجئت بغداد، وأقمت بها أَزْيَدَ من أربعة أشهر،

"2" الإمام الذهبي وهَّم الحاكم في هذا التأريخ، وقال:"إنما دخل سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، وسِنّ أبي الحسن خمس وثلاثون سنة". "سير أعلام النبلاء": ج10 ق520.

ص: 93

وكثر اجتماعنا بالليل والنهار، فصادفته فوق ما وصفه ابن أبي ذُهل، وسألته عن العلل والشيوخ

"""1".

2-

و"ثبت عن السِلَفِيّ عن أبي الفضل محمد بن طاهر المقْدِسِيّ، عن الحسين العلوي، عن القاضي أبي الطيب الطبري، قال: رأيت الحاكم أبا عبد الله النيسابوري بين يدي أبي الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ يسأله عن أشياء، فلما خرجنا من عنده قال: ما رأيت مثله""2".

3-

وقال أبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ -فيما نقله عنه الحاكم-:

""شهدتُ بالله أن شيخنا الدَّارَقُطْنِيّ لم يخلّف على أديم الأرض مثله في معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الصحابة، والتابعين، وأتباعهم"""3".

4-

وقال الحافظ عبد الغني الأزدي:

""أحسن الناس كلاما على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة: علي بن المَدِيني في وقته، وموسى بن هارون في وقته، والدَّارَقُطْنِيّ في وقته"""4".

5-

وقال أبو محمد رجاء بن محمد بن عيسى الأنضاوي المعدَّل:

""سألت أبا الحسن الدَّارَقُطْنِيّ فقلت له: رأى الشيخ مثل نفسه؟ فقال لي: قال الله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} "5".

"1""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق521.

"2""طبقات الشافعية"، لابن الصلاح: ق67ب.

"3""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق523-524.

"4""وفيات الأعيان": 3/298.

"5" 32: النجم: 53.

ص: 94

فقلت له: لم أُرِدْ هذا، وإنما أردت أن أَعْلَمَهُ لأقول: رأيت شيخا لم ير مثله.

فقال لي: إن كان في فنٍّ واحد فقد رأيت مَنْ هو أفضل مني، وأما من اجتمع فيه ما اجتمع فيّ فلا"""1".

ب- أقوال مَنْ جاء بعده من الأئِمة:

6-

قال الحافظ الخطيب البغدادي:

""وكان فريدَ عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث، وأسماء الرجال، وأحوال الرواة، مع الصدق والأمانة، والفقه والعدالة، وقبول الشهادة، وصحة الاعتقاد، وسلامة المذهب، والاضطلاع بعلوم سوى علم الحديث، منها: القراءات

ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء،

ومنها أيضاً المعرفة بالأدب والشعر

"""2".

7-

وقال الحافظ الذهبي:

""الإمام الحافظ المجوّد، شيخ الإسلام، علم الجهابذة، أبو الحسن"""3".

8-

وقال ابن الجَزَري المقرئ:

""

صاحب التصانيف وأحد الأعلام الثقات

"""4".

9-

وقال الحافظ ابن كثير:

""الحافظ الكبير أستاذ هذه الصناعة، وقبله بمدة وبعده إلى زماننا هذا، سمع

"1""تاريخ بغداد": 12/35.

"2""تاريخ بغداد": 12/34-35.

"3""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق519.

"4""غاية النهاية في طبقات القراء": 1/558.

ص: 95

الكثير، وجمع وصنّف وألّف، وأجاد وأفاد، وأحسن النظر والتعليل والاعتقاد، وكان فريد عصره، ونسيج وحده، وإمام دهره في أسماء الرجال وصناعة التعليل، والجرح والتعديل، وحُسن التصنيف والتأليف، واتساع الرواية والاطلاع التام في الدراية

"""1".

قلت: فأمر أبي الحسن في الثقة والعدالة، والحفظ، والإمامة، وأوضح من أن يحتاج إلى هذا النقل، وأظهر من إيراد الدليل، وقد ثبت ذلك بطريق الشهرة والاستفاضة.

وهو من الأئمة الذين يُسألون عن الناس، ولا يَسأل الناسُ عنهم، وقد قال غير واحد من أئمة الجرح والتعديل عندما سئلوا عن بعض الأئمة: فلان يسأل عنه؟!!.

أو فلان لا يُسأل عنه، بل هو يُسأل عن الناس.

وإنما أوردت ما أوردته من باب التأكيد، أو من باب ذكر أهل الفضل بالفضل.

"1""البداية والنهاية": 11/317.

ص: 96

ثانياً: ما قيل فيه من المثالب

مقدمة:

سأتعرض في هذا المبحث لكل ما قيل في هذا الإمام الجبل من قولٍ، من أي قائل سواء كان من أحد الأئمة المعتبرين أو ممن دونهم، أو من المعاصرين.

ومما لا شك فيه أن الأئمة الأعلام لم يتكلموا في الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ بما يخرم ثقته أو يغض من إمامته، لأن أقوالهم قد تقدمت في الثناء عليه وذكر فضله.

ص: 96

لهذا فإن أي قول يقال في الدَّارَقُطْنِيّ لتجريحه فإنه مرفوض سَلَفاً؛ لأنه لا دليل عليه، ولأنه يعارض أقوال الأئمة الثقات المتقدمة فيه.

ولكنني أذكر هذه المثالب -مع كونها مردودة لديّ، وهي ليست معتبرة- لأمرين:

الأول: لأردّ عليها بالدليل، لأن هذا الحكم الإجمالي، وإن كان مقبولاً إلا أنه ليس مقنِعاً.

الثاني: أنه لو تبين لي صحة شيء منها بدليله لَقَبِلَتَهُ وأخذت به، وإن كنت رددت الطعن في هذا الإمام جملة، لأن الحق أحق أن يتبع والله الموفق للسداد وهو المستعان.

1-

وصفه بالتدليس:

أ - قال محمد بن طاهر المقدسي: ""كان للدارقطني مذهب في التدليس خفيّ: يقول فيما لم يسمعه من أبي القاسم البَغَوِيّ: قريء على أبي القاسم البغوي، حدثكم فلان"""1".

ب- وذكره الحافظ ابن حجر في طبقات المدلسين.

قلت: الحق أن في وصف الدَّارَقُطْنِيّ بالتدليس نظراً؛ لما يأتي:

1-

لأنه لم يَقُلْ هذا فيه -من جميع المعاصرين والمتأخرين عنه- أحد سوى الحافظ ابن طاهر، وهو وإن كان نقله يكفي، لأنه ثقة، إلا أن هذه

"1""طبقات الشافعية الكبرى": 2/312، و"سير أعلام النبلاء": جـ10 ق520.

ص: 97

العبارة مما يقع الاختلاف في فهمها، ولم يضرب لنا مثالا لذلك حتى نتبين به ما قال.

فلعله رأى الدَّارَقُطْنِيّ قال في حديث: ""قُرِيء على أبي القاسم البغوي: حدثكم فلان

"" فظن أنه لم يسمعه من البغوي مع أنه سمعه، أو لعل الدَّارَقُطْنِيّ كان يقول ذلك من باب التحديث بالوِجَادة، ولا يقصد إيهام السامعين أنه سمعه من البغوي فلا يكون تدليساً، لأن من شرط التدليس أن يقصد المدلس التدليس أي إيهام السَّماع.

ثم على فرض التسليم بأن ذلك تدليس، فهل حصل من الدَّارَقُطْنِيّ مرة أو أكثر أو هل كان كثيرا أو قليلاً؟.

2-

لأن ذكر ابن حجر له في المدلسين إنما هو اعتماد على قولة ابن طاهر ولهذا قال: ""علي بن عمر بن مهدي الدَّارَقُطْنِيّ الحافظ المشهور. قال أبو الفضل

ابن طاهر: ""كان له مذهب خفيّ في التدليس، يقول: قرئ على أبي القاسم البغوي: حدثكم فلان فيوهم أنه سمع منه، لكن لا يقول وأنا أسمع"""1".

وصنيع الحافظ ابن حجر يدل على عدم اعتماد قول ابن طاهر هذا لأمرين:

الأول: أن الحافظ ابن حجر رحمه الله لم يذكر مَنْ ذكر في رسالة المدلسين على وجه التحقيق، بل على وجه الاستقصاء والاستيعاب، بمعنى أنه أورد في الرسالة اسم كل مَنْ قيل إنه يدلس، أي كل من وصف بالتدليس حتى أنه ذكر أناساً لا يَسوغ اعتبارهم مدلسين ولا ينبغي أن

"1""تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس"، لابن حجر: ص6.

ص: 98

يُعدّوا في المدلسين، ومن هؤلاء الإمام البخاري والإمام مسلم والإمام الدَّارَقُطْنِيّ وغيرهم، وهذا الرأي يؤيده الأمر الثاني الآتي:

الثاني: أن ابن حجر لما عدّ الدَّارَقُطْنِيّ في المدلسين إنما جعله في المرتبة الأولى من مراتب المدلسين، وأصحاب هذه المرتبة، الحق أنهم ليسوا مدلسين، ولهذا يقول الحافظ ابن حجر في مقدمة رسالة المدلسين:

""أما بعدُ، فهذه مراتب الموصوفين بالتدليس في أسانيد الحديث النبوي

وهم على خمس مراتب:

الأولى: من لم يوصف بذلك إلا نادراً كيحيى بن سعيد الأنصاري.

الثانية: من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى كالثوري، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة كابن عيينة

"""1".

فأصحاب المرتبة الثانية محتج بهم عند ابن حجر، فكيف بالأولى؟ !!.

2-

اتهامه بالتشيع:

قال حمزة بن محمد بن طاهر الدّقاق: ""كان أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ يحفظ ديوان السيد الحِمْيَريّ"2" في جملة ما يحفظ من الشعر فنسب إلى التشيع لذلك"""3".

"1""تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس"، لابن حجر: ص6.

"2" هو إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة الحِمْيَريّ، ولد سنة 105هـ وتوفي سنة 173هـ، وقيل: في غيرهما، وهو شاعر قويّ خارجي إباضي، شيعي غال، يقول بالرجعة-عياذاً بالله- وكان مُفْرِطاً في سبّ الصحابة وأزواج النبي ?. نسأل الله تعالى السلامة. انظر:"سير أعلام النبلاء": 8/40-42.

"3""تاريخ بغداد": 12/35.

ص: 99

فدليل من نسبوه للتشيع هو حفظه لديوان السيد الحِمْيَريّ. والحق أن الدَّارَقُطْنِيّ بعيد عن التشيع كل البعد لما يأتي:

1-

للقصة التي ذكرها الإمام الدَّارَقُطْنِيّ عن نفسه مع الذين اختلفوا في الأفضل هل هو عثمان أو عليّ؟ رضي الله عنهما، فتحاكموا إليه فأجابهم بأن ""عثمان أفضل من علي باتفاق جماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا قول أهل السنة، وهو أول عقد يُحَلُّ في الرفض"""1".

بل ربما يتوهم من هذه القصة أن الدَّارَقُطْنِيّ في الطرف المغالي المقابل للتشيع، وانظر ما علّقه الإمام الذهبي على القصة في الموضع السابق عند الحديث عن:"مذهبه في الأصول".

2-

ولِمَا تدل عليه مؤلفات الدَّارَقُطْنِيّ نفسه رحمه الله تعالى من الاعتقاد السليم في هذا الباب والرفض لمنهج "التشيع"، كما تقدم في النص السابق عنه.

ونحو ما حكاه السُّلَمِيّ عنه بقوله: ""وسألته عن محمد بن المظفر فقال: ثقة مأمون، فقلت: يقال إنه يميل إلى الشيعة، فقال: قليلاً، مقداره ما لا يَضُرُّ إن شاء الله"""2".

"1""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق524، وأسئلة السُّلَمِيّ": ق18، وقد سبق أن ذكرتُ القصة في:"مذهبه في الأصول".

"2""أسئلة السُّلَمِيّ": ق11أ.

ص: 100

وكما في كتابه "فضائل الصحابة ومناقبهم وقول بعضهم في بعض

"" فهو في جُملته ردٌّ على الشيعة الذين أوجدوا الفُرقة والشقاق بين عليّ وآل بيته وبين سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين، فلم يورد في الكتاب إلا أقوال آلِ البيت في أبي بكر وعمر رضي الله عن الجميع، وذمِّ الشيعة الزاعمين الخلاف بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو على الأقل هذا هو الموجود فيما رأيته مما بقي من الكتاب مخطوطاً.

3-

ولقول الإمام الذهبي رحمه الله تعالى فيه: ""

وحدثني حمزة بن محمد بن طاهر أنه "أي الدَّارَقُطْنِيّ" كان يحفظ ديوان السيد الحِمْيَريّ، ولهذا نُسب إلى التشيع، قال ابن الذهبي: ما أبعده من التشيع"""1".

وذلك أنه إنما حفظ شعر السيد الحِمْيَريّ لِحُسْنِهِ، ولهذا قال الذهبي عن السيد الحِمْيَريّ:

""ونظمه في الذروة، ولذلك حَفِظ ديوانه أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ"""2".

3-

غَمْزُهُ بأنه إنما سافر إلى مصر من أجل الوزير وعطائه:

معلوم أن الدَّارَقُطْنِيّ سافر من بغداد إلى مصر، فالتقى بابن حِنْزَابَة"3" وزير كافور الإِخْشِيدِي، فأكرمه الوزير إكراماً بالغاً، وأعطاه مالاً جزيلاً، وساعد الدَّارَقُطْنِيّ الوزير.

"1""تذكرة الحفاظ": 3/992.

"2""سير أعلام النبلاء": 8/42.

"3" ستأتي ترجمته قريباً، إن شاء الله تعالى.

ص: 101

فقيل: إنه إنما ذهب إلى مصر من أجل الدنيا لا لشيء آخر.

يقول اليَافِعِيّ صاحب "مِرْآة الجَنَانِ وعِبْرة اليَقْظَان

" في نهاية ترجمة الدَّارَقُطْنِيّ:

""قلت: فهذا ما لخّصته من أقوال العلماء في ترجمته، وكل ذلك مدح في حَقّه إلا سفره إلى مصر من أجل الوزير المذكور، فإنه وإن كان ظاهره كما قالوا المساعدة له في تخريج المسند المذكور، فلست أرى مثل هذا الإيقاع بأهل العلم ولا بأهل الدين، نعم لو كان مثل هذا لمساعدة بعض أهل العلم والدين لا يَشوبه شيء من أمور الدنيا كان حسناً منه وفضلا وحرصا على نشر العلم والمساعدة في الخير، وبعيد أن تُطَاوِع النفوس لمثل هذا إلا إذا وفق الله، وذلك نادر أو معدوم.

وما على الفاضل المتديّن من أرباب الولايات أَلّفوا أو لم يؤلفوا "؟!! " نعم لو أرسل إليه بعضهم وقال: إرْوِ عني كتابي، وكان فيه نفع للمسلمين فلا بأس فقد روينا عن شيخنا رضيّ الدين أربعين حديثاً تخريج السلطان الملك المظفر صاحب اليمن

"""1".

قلت: فستند التهمة الظن فقط، وبعض الظن إثم، ولا يجوز هذا الظن بأهل العلم وسَلَفِ الأمَّة، لأنه خروج بهم عما هم عليه في الأصل، وعما يُفترض فيهم من الإخلاص والتّقوى والورع.

ولو صحت تلك الدعوى لما أثَّرت في حق هذا الإمام، لأنه لو ذهب إلى

"1" "مرآة الجنان وعبرة اليقظان

"، لليافعي: 2/426.

ص: 102

الوزير لِيَسَاعده لكان حكم هذا العمل حكم نيته.

قال الإمام الذهبي معلِّقا على قصة إملاء الدَّارَقُطْنِيّ على الغريب وقبوله الهديّة منه"1":

""قلت: هذه حكاية صحيحة رواها الخطيب عن العَتِيقي، وهي دالة على سعة حفظ هذا الإمام وعلى أنه لوّح بطلب شيء، وهذا مذهب لبعض العلماء.

ولعل الدَّارَقُطْنِيّ كان إذ ذاك يحتاجه، وكان يَقبل جوائز دَعْلَج السَجَزيّ وطائفة، وكذا وَصَلَه الوزيرُ ابن حِنْزابة بجملة من الذهب لَمّا خرّج له المسند"""2".

ثم إن الوزير ابن حِنْزابة وإن كان من أهل الولايات والرياسات، إلا أنه من أهل العلم وأهل الفضل، ولذلك يقول الإمام الذهبي في ترجمته:

""الإمام الحافظ الثقة الوزير الأكمل أبو الفضل جعفر بن الوزير أبي الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات البغدادي، نزيل مصر، ولد ببغداد في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثمائة، ووزر أبوه للمقتدر

حدّث عنه الدَّارَقُطْنِيّ والحافظ أبو محمد عبد الغني المصري وطائفة

"""3".

فبهذا يُعلم أن صلة الإمام الدَّارَقُطْنِيّ بالوزير ليست من الباب الذي ظنّه اليافعي أو غيره.

"1" مضت القصة في "حفظه وإمامته".

"2""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق523.

"3""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق537.

ص: 103

4-

اتهامه بأمور أخرى لا تليق به:

لم يتكلم في الإمام الدَّارَقُطْنِيّ أحد من الأئمة المتقدمين من أهل عصره حتى جاء بعض المتأخرين بعده بقرون، فَلَمَزُوه بأمور هو منها برئ.

والواقع أن تلك الاتهامات ليس عليها دليل -سوى الظن- وفيها مجازفات غير مقبولة. وهي -في تقديري- لا تستحق الإيراد والرد، ومع ذلك فسأوردها ثم أناقشها، وأبين الصواب -في رأيي- حتى لا يقال عني أني قد تجاوزت قاصمة ظهر الإمام الدَّارَقُطْنِيّ في هذا الباب.

وفيما يلي بيان للشُّبْهِ التي رُمِي بها الدارقطني رحمه الله.

الشُّبَهُ التي رُمِي بها الدارقطني

1-

زَعَمَ محمد زاهد الكوثري -بعد أن ذكر عن الدَّارَقُطْنِيّ نفيه سماع الإمام أبي حنيفة من أنس- أن الدَّارَقُطْنِيّ مضطرب في الكلام على الرواة، متكلم بالهوى، وأنه ضال في الأصول والفروع، ومن قوله فيه:

""وهو الذي يستبيح أن يقول: إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة ثلاثتهم ضعفاء، وأين هو من محمد بن عبد الله الأنصاري، الذي يقول في إسماعيل: ما ولي القضاء من لدن عمر بن الخطاب إلى اليوم أعلم من إسماعيل بن حماد

ابن أبي حنيفة"1". يعني بالبصرة.

وأين هو أيضاً من محمد بن مَخْلَد العطار الحافظ الذي ذكر حماد بن أبي

"1" الدَّارَقُطْنِيّ لم ينكر هذا، ولا تعارض بينه وبين قول الدَّارَقُطْنِيّ فيه.

ص: 104

حنيفة في عداد الأكابر الذين رووا عن مالك"1"؟، وأين هو أيضاً من هؤلاء الذين أثنوا على أبي حنيفة

والدَّارَقُطْنِيّ هو الذي يَهْذِي في أبي يوسف بقوله: أَعْوَرٌ بين عُمْيان، وهو الأعمى المسكين بين عُورٍ حيث ضلّ في المعتقد، وتابع الهوى في الكلام على الأحاديث واضطرب"""2".

وقال أيضاً: ""ومن طرائف صنيع الخطيب -أيضاً- روايته عن الدَّارَقُطْنِيّ أنه قال في أبي يوسف: أَعْورٌ بينَ عميان.

والدَّارَقُطْنِيّ هو الذي يذكر محمد بن الحسن في عداد الثقات الحفاظ حيث يقول في "غرائب مالك" عن حديث الرفع عند الركوع: حدّث به عشرون نفرا من الثقات الحفاظ "منهم محمد بن الحسن الشيباني".

كما تجد نصّ هذا النقل منه في "نصب الراية" 1/408، كما سبق وقد اعترف الدَّارَقُطْنِيّ في رواية البَرْقانِيّ بأن أبا يوسف أقوى من محمد، فيكون أبو يوسف حافظاً ثقة، وفوق الثقة عنده، فإذا قال في بعض المجالس في حق مثله: أعورٌ بينَ عميان -كما حكى الخطيب- يكون قوله هَذَيَاناً بَحْتاً وسفهاً صِرفاً، فلو عارضه أحدُ أصحابنا قائلاً: بل هو الأعمى بين عُورٍ، ما بَعُدَ عن الصواب، لأن الله سبحانه أعمى بصيرة هذا المتسافه في صفات الله سبحانه، حتى دوّن في صفات الله سبحانه ما لا يدوّنه إلا مجسم

"""3".

"1" الدَّارَقُطْنِيّ لم ينكر هذا، ولا تعارض بينه وبين قول الدَّارَقُطْنِيّ فيه.

"2""تأنيب الخطيب"، للكوثري: ص167 عن "التنكيل

"، للمعلمي: 1/359.

"3" نقلاً عن "التنكيل": 1/359-360.

ص: 105

2-

وقال الشيخ عبد العزيز الفِنْجابي الهندي في الدَّارَقُطْنِيّ: ""من مارس كتابه "يعني كتاب السنن" علم أنه قلما يتكلم على الأحاديث إلا حديثاً خالف الشافعيَّ فيظهر عواره، أو وافقه فيصحّحّه"1" إن وجد إليه سبيلا، لا أقول إنه يفعل ذلك بهوى النفس، ولكن إذا كان ثقة ضعفه بعضهم، أو ضعيفاً فيه كلام لبعضهم، أو ضعيفاً وثقه بعضهم، أو وجد مجهولاً لا يُتَرقَّب، ويُظهر طرفه الموافق لإمامه

"2" وهذا محمد بن عبد الرحمن أبي ليلى القاضي رجل واحد، يوثقه في حديث طهارة المني ص46 ويقول: ثقة في حفظه شيء، ويُشدّد القول فيه في حديث شفع الإقامة ص89، ويقول: ضعيف سييّء الحفظ. وفي حديث القارن يسعى سعيين ص273 يقول: ""رديء الحفظ كثير الوَهَمِ، كأنه عليه غضبان، وله غائظ"""3".

وفيما يلي مناقشَةٌ لهذه الاتهامات التي رُميَ بها الإمام الدارقطني رحمه الله.

مُناقشة الاتهامات التي رُمِيَ بها الإمام الدارقطني

قلت: فمحصَّل التهمةِ أن الدَّارَقُطْنِيّ يتكلم في الرجال جرحاً وتعديلاًً، وفي الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً بالهوى والعصبية لمذهبه.

"1" هكذا يقول، اتهاماً وسوء ظن بالإمام الوَرع التقي أبي الحسن الدَّارَقُطْنِيّ. نسأل الله السلامة.

"2" وأي هوى نفسٍ أشد من هذا؟! عندما يكون قصد الباحث غيرَ الحق. فإنه يكون محكوماً بِهَوى النفس لا ريب.

"3""التنكيل": 1/360.

ص: 106

ومستند هذا الاتهام أربعة أمور -كما يدل عليها كلام مَنْ رموه

بذلك- وهي:

الاتهام الأول: جرح الدَّارَقُطْنِيّ لبعض مَنْ ليس على مذهبه في الأصول أو في الفروع فظنَّوه تَعَصَّبَ ضدّهم، وكذا كلامه على الأحاديث تقوية وتضعيفاً فقد كان سبباً لكلامهم فيه.

الاتهام الثاني: اختلاف الدَّارَقُطْنِيّ في باب الاعتقاد مع من تكلموا فيه.

الاتهام الثالث: اختلاف عبارات الدَّارَقُطْنِيّ في الرواة جرحاً وتعديلاً.

الاتهام الرابع: الظن به، لأنه تكلم بغير مُراد من طَعنوا فيه

وفيما يلي الجواب عن ذلك:

الجواب عن الاتهام الأول:

أ - أما كلام الدَّارَقُطْنِيّ في بعض الرواة الذين ليسوا على مذهبه "مذهب الإمام الشافعي رحمه الله" أو في بعض الرواة الذين يختلفون مع الدَّارَقُطْنِيّ في بعض تفصيلات أصول الاعتقاد بالجرح فهو أمر طبيعي، لما يأتي:

1-

لأنه -حسب أصول المحدثين- يلزم المحدِّثَ الإنصافُ في الكلام على الرواة، ولا يلزمه أن لا يجرح من يخالفه في المذهب، وإلا لَمَا احتجنا إلى قواعد الجرح والتعديل، ولَمَا كان للإنصاف في ذلك معنى.

ولم يزل أئمة الجرح والتعديل من الخَلَف والسلف يتكلمون -جرحاً وتعديلاً- في الرواة المخالفين لهم والموافقين، ويتناقلون أقوال بعضهم في ذلك على وجه التسليم والعمل بها والاحتجاج، لا على وجه الإنكار والردّ.

ولا يردّون من ذلك إلا ما قامت قرينة أو قرائن تحملهم على تركه.

ص: 107

وليس في كلام أحد منهم أَنَّ قول صاحب المذهب فيمن يخالفه في مذهبه مردود.

إنما قالوا: إذا دلّ دليل على اتهام صاحب المذهب في جرحه لِمُخالِفِهِ -كما لو خالفه غيره فيه من الأئمة المنصفين المعتبرين في هذا الشأن- رُدَّ كلامه.

وكلام الدَّارَقُطْنِيّ -في الرواة الحنفية، وغيرهم- ليس من هذا القَبيل حتى يُردّ كلامه، لأنه لم تقم قرائن تدل على تحيزه فيه، وسيتبين هذا الأمر من النقاط التالية، كما يتبين أيضاً من استعراض أقواله في بعض الرواة الذين ليسوا على مذهبه، مقارنةً بأقوال غيره من الأئمة.

2-

ولأن كلام الإمام الدَّارَقُطْنِيّ في الرواة الذين ليسوا على مذهبه يكون أحياناً مجرّد تاريخ لا دخل للرأي فيه.

كقول السَّهْميّ عنه قال: ""سئل الدَّارَقُطْنِيّ عن سماع أبي حنيفة: يصح؟ قال: لا، ولا رواية، ولم يلحق أبو حنيفة أحداً من الصحابة"""1".

فأيّ ذَنْبٍ للدارقطني إذا سئل عن صحة سماع أبي حنيفة من أحدٍ من الصحابة فأجاب بما وَصَلَهُ في ذلك؟!!، وهو الثقة الذي لم يُكّذَّب ولا يستحلّ الكذب، فكيف يسوغ أن يُتهم، وأن يُطعن فيه بسبب ذلك؟!.

3-

ولأن الدَّارَقُطْنِيّ قد قال في بعض الرواة -الذين تُكلِّم فيه بسبب جرحه لهم- قولاً لا يمكن حمله على سوء طويته أو تعصبه، بل يدل على أن

"1""أسئلة السهمي": ق 17أ.

قلت: هذا قول الدَّارَقُطْنِيّ، ومما يَلْفِتُ النظرَ، ويُؤكِّد قاعدة:"حبّك الشيء يُعمي ويُصم"، أو ما أدري ما تأويله، أنه استُدِلَّ "في كتاب:"قواعد في علوم الحديث": 306-307" على أن أبا حنيفة روى عن أنس بعزو القول به إلى الدَّارَقُطْنِيّ!.

ص: 108

الدَّارَقُطْنِيّ ليس كما قيل.

ومن ذلك:

أ - ما حكاه البَرْقانِيّ بقوله:

""سألته عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رحمه الله، فقال: قال يحيى بن معين: كذاب، وقال فيه أحمد -يعني ابن حنبل- نحو هذا.

قال أبو الحسن: وعندي لا يستحق الترك"""1".

فهو يستدرك هنا على غيره من الأئمة حتى في تضعيفهم لمن ليس على مذهبه.

وقال البَرْقانِيّ: ""وسألته عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، فقال: هو أقوى من محمد بن الحسن"""2".

ب- وقول السُّلَمِيّ عنه: ""سألته عن أبي حماد الحنفي، فقال: ثقة"""3".

قلت: مع أن النسائي تركه، وكذا ضعفه غيره من الأئمة، والأمثلة على هذا كثيرة.

4-

ولأن كلام الدَّارَقُطْنِيّ في أولئك الرواة الذين جرحهم لم ينفرد به هو فقط، بل وافقه عليه أو هو وافق عليه بعض الأئمة النقاد المعتبرين في هذا الشأن كالإمام البخاري، وابن معين، وأحمد، وسواهم من الأئمة، وكُتُبُ التاريخ شاهدة بنقل أقوالهم.

"1""أسئلة البَرْقانِيّ": ق10ب.

"2""أسئلة البَرْقانِيّ": ق12ب.

"3""أسئلة السُّلَمِيّ": ق13ب، وانظر:"اعتداله في الجرح والتعديل"، في الفصل الثاني -الباب الأول.

ص: 109

فأظن أن المنهج العلميَّ لا يُسيغ اتهام هؤلاء جميعاً أو فرادى بسبب جرحهم لراوٍ ما -وإن كان من المحتمل خطأ بعضهم في الحكم على الراوي- لأن الخطأ غير سوء الطوية، ولأنه ليس من المنهج العلمي أن يؤخذ كلام هؤلاء جملة في بعض الرواة، ويردّ جملة في بعض الرواة، فإما أن يؤخذ كلامهم أو يترك.

وكلام الدَّارَقُطْنِيّ في أبي حنيفة رحمه الله، من هذا الباب، فليس الدَّارَقُطْنِيّ وحده الذي ضعفه، وكلام الأئمة فيه مشهور، ولا يَغُضُّ ذلك من إمامته رحمه الله، وليس الحَلّ في هذه المسألة وأمثالها هو اختيارُ أحدِ أمرين: أما تضعيف واتهام جميع الأئمة الذين ضعفوه، وتقوية أبي حنيفة، وإما العكس.

ولكن الحلّ هو النظر بِعِلْمٍ وإنصاف فيُقبلُ ما ينبغي قبوله، ويُرفض ما ينبغي رفضه، والحق أحق أن يُتبع.

وأما ما ادعاه الكوثري ومن وافقه من اتهام الدَّارَقُطْنِيّ، بسبب جرحه للقاضي أبي يوسف، وإسماعيل بن حماد، وحماد بن أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، فإليك أقوال الأئمة فيهم، وبيان حاصلها في كلٍ منهم لبيان هل الدَّارَقُطْنِيّ شذّ بكلامه فيهم، أو أن كثيراً من الأئمة معه في ذلك؟ مع الاعتراف بحق هؤلاء الأئمة المتكلَّم فيهم من جِهة قوة حديثهم، والاعتراف بفضلهم وإمامتهم رحمهم الله تعالى، وأكرم مثواهم.

ليظهر لك حقيقة ما رُمي به الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله تعالى. والله المستعان.

ص: 110

1-

الإمام أبو يوسف القاضي:

أ - الذين وثقوه:

قال عمرو الناقد: ""كان صاحب سنّة"""1".

وقال أبو حاتم: ""يكتب حديثه"""2".

ورُوي عن ابن معين أنه قال: ""ليس في أصحاب الرأي أكثر حديثا، ولا أثبت من أبي يوسف"""3".

وقال النسائي: ""ثقة"""4".

وقال ابن عدي: ""

وإذا روى عنه ثقة وروى هو عن ثقة فلا بأس به"""5".

ب- الذين تكلموا فيه:

قال الفلاس: ""صدوق كثير الغلط"""6".

وقال البخاري: ""تركه يحيى، وابن مهدي، وغيرهما"""7".

وقال ابن عدي: ""ليس في أصحاب الرأي أكثر حديثاً منه، إلا أنه يروي عن الضعفاء الكثير مثل الحسن بن عمارة، وغيره

وإذا روى عنه ثقة فلا

"1""ميزان الاعتدال": 4/447.

"2""ميزان الاعتدال": 4/447.

"3""ميزان الاعتدال": 4/447.

"4" رسالة "تسمية فقهاء الأمصار"، للنسائي: 124، مع "كتاب الضعفاء والمتروكين".

"5""ميزان الاعتدال": 4/447.

"6""ميزان الاعتدال": 4/447.

"7""كتاب الضعفاء الصغير"، للبخاري:123.

ص: 111

بأس به"""1".

جـ- النتيجة:

قلت: فهو ثقة في الحديث، إمام في الفقه، ويَروي عن الضعفاء، والدَّارَقُطْنِيّ إنما تكلَّم فيه عند ما جاء في سند حديث بين ضعفاء، وهذا السند هو:"محمد بن موسى الحارثي، عن إسماعيل بن يحيى بن بحر الكِرْماني، عن الليث بن حماد الاصْطَخْرِي، عن أبي يوسف، عن غَوْرَك""2".

فلمّا أخبر الدَّارَقُطْنِيّ عن ضعف غَوْرك ومَنْ دونه قيل له: إن فيهم أبا يوسف فقال: ""أعور بين عميان"" يريد أن أبا يوسف وإن كان فيه ضعف ما، فهو أحسن حالاً من غورك، والليث بن حماد، ومن معهما في السند من الضعفاء"""3".

وقد مرّ كلام الأئمة في أبي يوسف، وإن كان الراجح فيه الثقة، ومع كونه ثقة إلا أنه في هذه الحال روى عن ضعيف جداً، فهذا السبب، والله أعلم.

2-

إسماعيل بن حمّاد بن النعمان بن ثابت:

أ - الذين وثقوه:

وثقه السبط في "المرآة" فقال: ""وكان إسماعيل بن حماد ثقة صدوقاً، لم يغمزه سوى الخطيب -فذكر المقالة في القرآن- قال السبط:"إنما قاله تَقِيّةً كغيره"""4".

"1""ميزان الاعتدال": 4/447.

"2""سنن الدَّارَقُطْنِيّ": 2/126.

"3" "التنكيل

"، للمعلمي: 1/361.

"4""لسان الميزان": 1/399.

ص: 112

وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: ""ما ولي القضاء من لدن عمر بن الخطاب ? إلى اليوم أعلم من إسماعيل بن حماد، قيل: ولا الحسن البصري؟ قال: ولا الحسن"""1".

ب- الذين تكلموا فيه:

قال أبو علي صالح بن محمد "صالح جَزَرَة": ""

ليس بثقة"""2". وكذا قال مُطَيّن، وهو من دعاة المأمون في المحنة بخلق القرآن، وكان يقول في دار المأمون: هو دِيني، ودِين أبي، وجَدِّي، وكذب عليهما"""3".

وقال سعيد بن سالم الباهلي: ""سمعت إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة -في دار المأمون- يقول: القرآن مخلوق، وهو دِيني، ودِين أبي، ودِين جَدِّي"""4".

وقال ابن عدي: ""ثلاثتهم ضعفاء"""5"، يعني إسماعيل وأباه وجدَّه رحمهم الله تعالى.

وقال ابن حجر رداً على قول السبط في "المرآة" السابق ذكره-: ""قلت: قد غمزه من هو أعلم به من الخطيب، فبطل الحصر الذي ادعاه"""6".

جـ- النتيجة:

يظهر مما تقدم أنه ضعيف، لأن الأئمة ضعفوه، ولم يوثقه أحد سوى

"1""لسان الميزان": 1/399.

"2""لسان الميزان": 1/399.

"3""لسان الميزان": 1/399.

"4""تاريخ بغداد": 6/245.

"5""لسان الميزان": 1/398.

"6" المصدر السابق: 1/399.

ص: 113

صاحب "المرآة، وقد ردّ عليه الحافظ ابن حجر -كما رأيتَ- وأما الثّناء على علمه فشيء آخر ليس هو مما نحن فيه، وإن اعتبره الكوثري توثيقاً، فليس معه على هذا المبدأ -توثيق كل عالم- أحد من الأئمة، سوى ما حكى عن ابن عبد البر، وقد ردّه عليه الجمهور.

3-

حَمّاد بن النعمان بن ثابت:

أ - الذين وثقوه:

لم أر فيه توثيقاً.

ب- الذين تكلموا فيه:

قال الذهبي في "الميزان": ""ضعفه ابن عدي، وغيره، من قبل حفظه"""1".

وقال ابن عدي: ""

وحماد بن أبي حنيفة لا أعلم له رواية مستوية

"""2".

جـ- النتيجة:

قلت: فهو ضعيف في حفظه، لِتضعيف مَنْ ضعّفه، ولعدم ورود توثيقه عن أحد، وقد سكت الذهبي بعد نقل تضعيفه في "الميزان"، ولو لم يثبت ذلك عنده لردّه.

ونقل تضعيفه -أيضاً- صاحب "الفوائد البهية في تراجم الحنفية""3" عن الذهبي وسكت مثله.

"1""ميزان الاعتدال": 1/590.

"2""لسان الميزان": 2/346.

"3" في ص: 69.

ص: 114

4-

محمد بن الحسن الشَّيْباني:

أ- الذين وثقوه:

في "لسان الميزان": ""وكان من بحور العلم والفقه، قويّاً في مالك"""1".

وقال أبو داود: ""لا يستحق الترك"""2".

وقال ابن المديني عن أبيه: ""محمد بن الحسن صدوق"""3".

وأثنى الشافعي على فصاحته وعقله، وقال:""كان يملأ العين والقلب"""4".

وقيل لأحمد بن حنبل: ""هذه المسائل الدقاق من أين هي لك؟ قال: من كتب محمد بن الحسن رحمه الله"""5".

ب- الذين تكلموا فيه:

"ليّنه النسائي وغيره من قبل حفظه""6".

وفي "لسان الميزان" أن شريكاً القاضي كان لا يُجُوِّز شهادة المرجئة فشهد عنده محمد بن الحسن فردّ شهادته، فقيل له في ذلك، فقال: أنا لا أجيز من يقول: الصلاة ليس من الإيمان"""7".

"1""لسان الميزان": 5/121، و"ميزان الاعتدال": 3/513.

"2""لسان الميزان": 5/122.

"3" انظر: "تاريخ بغداد": 2/181.

"4" "البداية والنهاية: 10/202-203.

"5" "البداية والنهاية: 10/202-203.

"6""لسان الميزان": 5/121، و"ميزان الاعتدال": 3/513.

"7""لسان الميزان": 5/122

ص: 115

"ومن طريق أبي نُعَيْم قال: قال أبو يوسف"1": محمد بن الحسن يَكْذب عليَّ. قال ابن عدي: ""ومحمد لم تكن له عناية بالحديث، وقد استغنى أهل الحديث عن تخريج حديثه"""2".

وقال أبو إسماعيل الترمذي: ""سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان محمد بن الحسن في الأول يذهب مذهب جهم"""3".

وضعّفه الأحوص بن الفضل العلائي، والفلاّس، وابن معين"4".

وذكره العُقَيْلي في "الضعفاء" ونقل فيه عن يحيى بن معين أنه قال: ""جهمي كذاب"""5".

وقال النسائي: ""ضعيف"""6".

وذكره ابن حبان في "المجروحين" 2/275 وغلا في تضعيفه بما أظهر لي تعصُّبَّه ضده لأجل المذهب، سامحه الله، والله أعلم.

جـ- النتيجة:

قلت: يظهر لي مما سبق وغيره أنه رحمه الله: إمام في الفقه، ضعيف في الحديث، ولا اعتبار لقول من غلا في تضعيفه، لا سيما ما كان بسبب المذهب.

"1" في "لسان الميزان": 5/122 عن أحمد أن أبا يوسف مُضعَّف في الحديث. قلت: إن كان هو القاضي -وهو الظاهر- فقد مرّ أن الراجح فيه أنه ثقة.

"2" انظر: "لسان الميزان": 5/122.

"3" انظر: "لسان الميزان": 5/122.

"4" انظر: "لسان الميزان": 5/122.

"5" انظر: "لسان الميزان": 5/122.

"6" رسالة: "تسمية فقهاء الأمصار": ص:124، مع نسخة "الضعفاء والمتروكين"، له.

ص: 116

ب- وأما ادعاء الشيخ الفنجابي أن الدَّارَقُطْنِيّ إنما يصحح ما يوافق مذهب الشافعي، وإنما يضعّف ما يخالفه، فهو خلاف الواقع الذي يشهد به كتاب الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله.

فقد ضعّف أحاديث يؤيد مذهب الشافعي، وصحح أحاديث تخالف مذهب الشافعي، وهذا هو المفترض في حق العلماء المخلصين.

وما كان ينبغي التوقف عند هذه التهمة -لوضوح الأمر فيها- لولا إرادة الذبِّ عن العلماء الفضلاء.

ومن الأمثلة التي توضّح الحقيقة في هذا الأمر أن الدَّارَقُطْنِيّ:

1-

في السنن 1/91 ضعّف ما روي في مسح الرأس ثلاثاً، وهو يؤيد

مذهب الشافعي.

2-

وفي السنن 1/62-63 ضعّف أحاديث في طهارة سؤر السباع، وهي تؤيد مذهب الشافعي كما تراه في "الأم" للشافعي 1/5 حيث قال:""وسؤر الدواب والسباع كلها طاهر إلا الكلب والخنزير"".

3-

وكذا ضعّف حديثاً في طهارة سؤر الهرة في السنن 1/66-67، وهو يؤيد مذهب الشافعي، كما سبق.

4-

وسكت أيضاً عن أحاديث كثيرة ضعيفة أوردها في سننه، وهي تؤيد مذهب الحنفية. ومن تلك الأحاديث: حديث رقم 2/ من السنن 1/230، وحديث 5/ من السنن 1/231، وحديث 12/ من السنن 1/305، وحديث 25/ في السنن 1/308 وغيرها.

5-

ومما يستدل به -أيضاً- على إنصافه لمن يخالفه في المذهب، وردّ دعوى

ص: 117

أنه متعصب على الحنفية -أن الحافظ الزيلعي، وهو من الأئمة المشهود لهم بالإنصاف وردّ دعوى العصبية من أي شخص كانت، قد استعرض في كثير من الأبواب في "نصب الراية" أحاديث الحنفية التي رواها الدَّارَقُطْنِيّ، ونقل تضعيفه لها -وهي كثيرة جداً، لا سيما في بعض الأبواب- فلم ينتقد الإمامَ الدَّارَقُطْنِيّ في شيء من ذلك.

وانظر مصداق هذا في أحاديث رفع اليدين في الصلاة، وانظر أحاديث الجهر بالبسملة، وهي تؤيد مذهب الشافعية، ولم يقل الزيلعي مرة: إن الدَّارَقُطْنِيّ إنما أورد أحاديث الجهر بالبسمة تعصباً للشافعي، بل قال: إنما أورد هذه الأحاديث لأنه قصد إيراد الأحاديث الضعيفة في كتابه. كما لم يقل في أحاديث رفع اليدين: إنه لم يضعفها الدَّارَقُطْنِيّ إلا لأنها تؤيد الحنفية.

الجواب عن الاتهام الثاني:

أما اختلاف الدَّارَقُطْنِيّ في باب الاعتقاد، مع من تكلموا فيه، فلا يُبيح الكلام فيه بأي أسلوب يرتضيه المتكلم، فإن أخطأ في بعض المسائل فإنه يلزمه أن يبين ذلك بأسلوب علميّ ليس فيه خروج عن أدب الإسلام، ثم بعد ذلك إما أن يُقْبَل منه رأيه أو يردّ كأي شخص آخر.

أما اتهام الكوثري له بأنه ضال في الأصول أو في المعتقد فهذه قضية وقع الخلاف فيها بين السلف والخلف، ولا يحق للكوثري أن يطعن في الإمام الدَّارَقُطْنِيّ لأنه ليس على مذهبه في ذلك.

على أن الإمام الدَّارَقُطْنِيّ يعتقد اعتقاد السلف رضي الله عنهم، الذين

ص: 118

جمعوا بين الإيمان بالنصوص الثابتة عن الله وعن رسوله، وبين التنزيه، فلم يتبنّوا تنزيه الله تعالى بالعقل معرضين عن الشرع والنصوص الواردة"1"، كما أنهم لم يتبنّوا الإيمان بظاهر النصوص معرضين عن التنزيه.

فآمنوا بالله تعالى وبأسمائه وصفاته حسب ما ورد عن الله تعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى ما يليق بجلاله سبحانه، مع نفي التشبيه، والتأويل، والتعطيل، والتكييف.

فإن كانت عنده هذه العقيدة عَيباً في الإمام الدَّارَقُطْنِيّ فَكَفَى بذلك العيب مدحاً له وثناء.

الجواب عن الاتهام الثالث:

أما التعارض -في الظاهر- بين عبارات الدَّارَقُطْنِيّ في الجرح والتعديل، فلم أر ذلك عنده -في حدود معرفتي به- ولم يَذكره أحد من الأئمة الذين نَخَلُوا عباراته واعتمدوا عليه كثيراً في الجرح والتعديل كالإمام الذهبي والحافظ ابن حجر، وأمثالهما، وهم الذين يُنبهون كثيراً عند نقل الأقوال غير المعتبرة أو قول من لا يعتبر قوله.

ولو رأيتُ في عباراته تناقضاً أو تعارضاً لذكرته -عَلِمَ الله- وليس لي مصلحة في نَفْي أو إثبات التعارض في عبارات الدَّارَقُطْنِيّ، لولا أن الأمانة

"1" وما ضلّ المعتزلة وَمَنْ شابههم إلا من هذا الطريق، حتى أوصلهم قصدُ التنزيه -إن كانوا قصدوه فعلاً- إلى أن قالوا: يجب على الله أن يعذب العاصي ويثيب المطيع!! ويَحْرمُ عليه أن يُعذّب الطفل!!. تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.

ص: 119

العلمية تقتضي أن أثبت ما توصلت إليه.

وقد عقدت مبحثاً مستقلاً في "الفصل الأول" من "الباب الرابع"، لبحث هذا الموضوع، وتعرّضت فيه إلى ما ادعاه الكوثري والفنجابي من اختلاف عبارات الدَّارَقُطْنِيّ في الشخص الواحد كمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أو غيره.

والله الموفق للصواب.

الجواب عن الاتهام الرابع:

وهو اتهامه بالتشدّد في الجرح والتعديل للمخالفين له. ويتلخص الجواب عن ذلك فيما يلي:

لم يتهمه أحد بالتشدد عموما، إنما اتهمه بعض الحنفية بأنه متشدد متعنت في الجرح والتعديل في حقهم، وأنه متعنت في تضعيف الرواة والأحاديث التي تؤيد مذهب الحنفية.

وأنه متعصب لتصحيح الأحاديث التي تؤيد مذهبه مذهب الشافعية.

وممن ذهب إلى هذا المذهب: الشيخ اللّكْنَوِي في كتابه: "الرفع والتكميل في الجرح والتعديل""1".

والشيخ عبد العزيز الفنجابي الهندي فيما نقلته عنه في الفقرة السابقة، والكوثري في كثير من كتبه كالتأنيب وغيره.

مع أن اعتدال الإمام الدَّارَقُطْنِيّ في الجرح والتعديل معلوم حتى لدى هؤلاء الذين نسبوه إلى التعنت.

"1" ص54، 55، 63.

ص: 120

فهذا كتاب "قواعد في علوم الحديث" يذكر في صفحة: 189 الدَّارَقُطْنِيّ في الأئمة المعتدلين في الجرح، وفي صفحة: 193 يذكره في المتعنتين في جرح أهل بعض المذاهب "يعني الحنفية".

وفي كتاب "الرفع والتكميل في الجرح والتعديل" يذكر الدَّارَقُطْنِيّ في صفحة: 186 في قسم المعتدلين من الأئمة في الجرح والتعديل. وفي صفحة 54، و55 يعدّه في المتعنتين المتعصبين في الجرح والتعديل.

فإن قيل: لا تعارض بين القولين. قلت: ولْتَكُنْ كذلك، فقد سلّمتم بأنه معتدل عموما، وادعيتم أنه متعنت في الحنفية خصوصاً.

ولم تثبت -عندي هذه الدعوى؛ لأن الذي أوجب كلامَ هؤلاء في الإمام الدَّارَقُطْنِيّ -عندهم- وطعنَهم فيه هو كلامُه في الجرح والتعديل -وهو اختصاصه- وهو علم لا يُداهِن ولا يجامل أحداً، "إنما هذا العلم دين".

ولهذا تكلم علي بن المديني في أبيه وقال: إنه أبي، ولكنه الحديث.

وقال محمد بن محمد الباغندي: ""لا تكتبوا عن أبي فإنه يكذب"""1".

وهذا هو الأصل الذي يدور عليه كلام الأئمة رحمهم الله تعالى في الرواة بغض النظر عن مذاهبهم الفقهية أو غيرها وعن جلالتهم وإمامتهم، لأن هذا شيء، وضبط الحديث شيء آخر، وكم من إمام جليل اعتَرَفَ أئمة الجرح والتعديل بإمامته وجلالة قدره ومع ذلك ضعّفوه في حفظه أو في شيخ من شيوخه أو في أمرٍ آخر.

ولما تكلم الإمام الدَّارَقُطْنِيّ -كآخرين غيره من الأئمة- في حفظ الإمام أبي حنيفة رحمه الله تكلم فيه من تكلم من الحنفية، وبالغ بعضهم فاتهمه في.

"1""أسئلة السَّهْمِي": ق6ب.

ص: 121

دِينه، لأنه -في رأيه- متكلِّم بالهوى غير منصف.

ولَمّا تكلم الإمام الدَّارَقُطْنِيّ في بعض الرواة وكانوا حنفية، ذمّه بعض الحنفية وطعنوا فيه.

ولَمّا ضعّف الدَّارَقُطْنِيّ بعض الأحاديث حسب قواعد وأصول المحدّثين في قبول وردّ الأخبار، وصادف أَنَّ تلك الأحاديث تؤيد مذهب الحنفية تكلم فيه بعضهم.

ولَمّا صحح أحاديث وافقت مذهب الشافعي اتهمه بعضهم بأنه متعصب لمذهب الشافعي

حتى أن بعض متأخري الحنفية -وهو الشيخ بدر الدين محمود العَيْني- ضعّف الإمام الدَّارَقُطْنِيّ بكلام مُجْمل من غير دليل فقال:

""هو مستحق للتضعيف"""1".

إن الأمر أكبر من هذا المسلك الذي سلكه هؤلاء، إنه دِين، وإنه عِلْم، وإنه قواعد وأصول، وليس العصبية والهوى.

فإن ساغ لبعض الحنفية أن يتكلم في الدَّارَقُطْنِيّ لمجرد أنه أَفْتى بما يعلمه في راوٍ حنفي، فإنه كذلك يسوغ للمالكية أن يسلكوا مسلكهم، ويسوغ أيضاً الحنبلية

ثم بعد ذلك ما قيمة علم الجرح والتعديل؟!.

وهل من المنطق العلميّ أن يحكم الإمام الدَّارَقُطْنِيّ في "الحسن بن عِمارة" مثلا بأنه: "ضعيف"، "متروك الحديث" في القرن الرابع، ثم يأتي بعض الناس في القرن الرابع عشر -أي بعد عشرة قرون- فيصدر بياناً بعنوان: "بيان

"1""البناية شرح الهداية"، في بحث "القراءة"، نَقْلاً عن أبي الطيب محمد شمس الحق آبادي في ترجمة الدَّارَقُطْنِيّ مِن تعليقه في أول "السنن": 1/9.

ص: 122

منشأ تضعيف "الحسن بن عِمارة" والقول الفصْل فيه""1"!! وجاء فيه بكلام لا يستحق إصدار البيان. وقال في نهايته:

""وقد تعسّف الدَّارَقُطْنِيّ في قوله: إنه متروك، نقول: وكيف يروي عنه السفيانان، وابن القطان لو كان متروكاً؟!!، والله يقول الحق، ويهدي السبيل"""2".

قلت: ولم يتعرّض لمناقشة الدَّارَقُطْنِيّ بأكثر من هذه الكلمات، ومثل هذا قول أحدهم مُعَلِّقاً على كلام للكوثري:

""قال الرَّاقم: وكأن الأستاذ الكوثري يعرّض إلى كثير من الحفاظ الشافعية ولا سيما حامل لوائهم في المتأخرين، الحافظ ابن حجر، فإنه بِضد الحافظ الزيلعي، يبخس الحنفية حقهم في أمثال هذه المواضع، ويتكلم فيما لا يكون للكلام فيه مجال، ومن دَأبه في كتبه -ولا سيما فتح الباري- أنه يغادر حديثاً في بابه يكون مؤيداً للحنفية، مع علمه، ثم يذكره في غير مظانه، لئلا ينتفع به الحنفية"""3".

قلت: سامح الله هذا الراقمَ، فقد رقم ما لا يحل له رقمه، وما معنى هذا الكلام؟!!.

ويقول هو أيضاً: ""بخلاف الحافظ ابن حجر، فيتطلب دائماً مواقع العلل، ويتوخّى مواضع الوهن من الحنفية، ولا يأتي في أبحاثه بما يفيد الحنفية، ويقول شيئاً وهو يعلم خلافه،

"""4".

قلت: سبحان الله، سبحان الله!! ليس أمير المؤمنين في الحديث بعالم سوء.

وليس مرادي الطعن على أحد، لكن أردتُ أن أبيّن أن هذا الأسلوب لا

"1" انظره في أول الجزء الثالث من "نصب الراية": ص:22.

"2""نصب الراية": 3/23.

"3""نصب الراية": 1/7 في ترجمة الزيلعي.

"4""نصب الراية": 1/8.

ص: 123

يجوز، وأن هذا الكلام في الإمام الدَّارَقُطْنِيّ ونحوه مردود بمقتضى قواعد الجرح والتعديل.

كما أنه مردود بالمبدأ الذي ادعوا به الطعن فيه، وذلك:

1-

لأن قول المخالف في المذهب لا يُقبل فيمن يخالفه إذا عارضه قول غيره من الأئمة.

وقول هؤلاء في الدَّارَقُطْنِيّ يخالف قول الجمهور من الأئمة فيه.

2-

وكذا لا يقبل قول المتأخر في المتقدم إذا لم يؤيده كلام المعاصر.

كما هو حال المتكلمين في الدَّارَقُطْنِيّ، لِما علمتَ أنه لم يوجد فيه كلام لأحد من الأئمة المتقدمين.

3-

وكذا لا يقبل قول صاحب المذهب المتعصب ضد غيره فيمن يخالفه. كما هو حال المتكلمين في الدَّارَقُطْنِيّ أيضاً.

وما ذكروه من ادعاء تشدّد الدَّارَقُطْنِيّ في الجرح يردّه ما قاله الإمام الذهبي في الردّ على ابن الجوزي عندما قال في حديث أعلّه الدَّارَقُطْنِيّ: ""إنه لا يقبل حتى يبين سببه"""1". فقال الذهبي مُعلِّقاً على ذلك: ""هذا يدل على هوى ابن الجوزي، وقلة علمه بالدَّارَقُطْنِيّ، فإنه لا يُضعِّف إلا من لا طِبَّ فيه"""2".

وهذا حكم عامّ من الذهبي رحمه الله، ولو كان يرى أن الدَّارَقُطْنِيّ متشدد في الحنفية لخصصه. والله أعلم.

وسيأتي في "الفصل الثالث" من "الباب الرابع" دراسة مقارنة لأقواله في الجرح والتعديل لبيان هل هو متشدد في الجرح والتعديل أو متساهل؟.

"1""فيض القدير": 1/28.

"2""فيض القدير"، للمناوي: 1/28.

ص: 124

‌الفصل الثاني: مكانته في الحديث وعلومه

*

تظهر مكانة الإمام الدَّارَقُطْنِيّ، في الحديث وعلومه، في: حفظه للحديث وبراعته فيه، وفي رسوخه في معرفة العلل، وفي إمامته في الجرح والتعديل، وفي استدراكاته على الأئمة، وفي مصنفاته.

وفيما يلي الحديث عن مكانته في الحديث وعلومه، من خلال الحديث عن هذه الأمور كلها:

ص: 127

‌المبحث الأول

حفظه للحديث، وبراعته فيه

كان الإمام الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله تعالى آية في حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودقائق علومه.

وقد اجتمع له مع الحفظ النادر، الدراية التامة، وقد سبق الحديث عن حفظه أقوال الأئمة في ذلك.

وهذا الحفظ الفريد، والخبرة والدراية العجيبتان، التي توافرت في أبي الحسن الدَّارَقُطْنِيّ يمكن أن يتبينها الإنسان من الأمور الآتية:

1-

من أقوال الأئمة فيه.

2-

من خلال كتبه، وموضوعاتها وإبداعه فيها.

3-

من خلال نماذج من الأسئلة التي وجهت إليه، فأجاب عنها بما يدهش المرء، في باب الحفظ والدراية.

وإليك الحديث عن هذه الجوانب الثلاثة فيما يلي:

1-

أما أقوال الأئمة فيه، فقد مضى بعضها، لا سيما في موضوع: إمامته

ص: 127

وحفظه، وفيه كفاية؛ فلا حاجة إلى زيادة النقل، أو إعادته هنا.

2-

وأما مصنفاته: ففيها الدلالة الظاهرة على حفظه للحديث، سواء إِن نظرنا إلى استيعابه للمسائل والروايات التي يتعرض لها في كتبه أو إلى الموضوعات التي يقصدها بالتأليف:

فهو قد ألَّف في "علل الحديث" وفي "الأفراد والغرائب" من الحديث، وفي "التصحيف" وفي "الاستدراكات" على الأئمة ونقدهم، وفي "الجرح والتعديل" وفي "المؤتلف والمختلف من أسماء الرجال".

وكل هذه الموضوعات -كما ترى- لا يتأهّل للكلام فيها -فضلاً عن التأليف فيها- إلا الأئمة الأفذاذ من أئمة هذا الشأن، وقد ألّف فيها الدَّارَقُطْنِيّ وأجاد وأتى في كل موضوع بما دعا الأئمة الحفاظ إلى التسليم له بالتقدم، والرجوع إليه في ذلك، وانظر ما قلته في كل مصنف من مصنفاته في هذه الفنون.

3-

وأما إحاطته بالروايات والمسائل التي يوردها في كتابه، فسأضرب أمثلة عليها بما يأتي:

المثال الأول: حديث "الأذنان من الرأس" وما جمع فيه من الروايات والطرق. فقد قال الدَّارَقُطْنِيّ: "باب ما روي من قول النبي صلى الله عليه وسلم "الأذنان من الرأس".

حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، ثنا الجراح بن مخلد، نا يحيى

ابن العريان الهروي، نا حاتم بن إسماعيل، عن أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الأذنان من الرأس". كذا قال،

ص: 128

وهو وَهَمٌ، والصواب عن أسامة بن زيد، عن هلال بن أسامة الفهري، عن ابن عمر موقوفاً، هذا وهم لا يصح وما بعده، وقد بينت عللها""1".

ثم أخذ يسرد الروايات فذكر سبعة وأربعين طريقاً في معنى هذا الحديث!!.

وتكلم على كل طريق بالتضعيف، بالوقف أو الإرسال أو الانقطاع أو ضعف أحد الرواة بما يريح القارئ في بيان الحكم من غير تطويل وبما يدهش المرء كذلك إذا نظر إلى جانب الاستيعاب والإحاطة في الحكم. وقد بدأ الحديث عن هذه الروايات من 1/97 إلى 107.

المثال الثاني: حديث الحج عن "شبرمة"، وما جمعه من طرقه.

ذكره الدَّارَقُطْنِيّ في "السنن" 2/267-271 فسرد له ثلاثة وعشرين طريقاً- وإن سكت عنها في الجملة.

المثال الثالث: أحاديث القهقهة في الصلاة، إذ جمع الطرق التي وردت فيها من ص161 إلى 175 في 68 طريقاً، وبيّن عللها.

المثال الرابع: حديث القلتين -أول حديث ذكره في سننه 1/13-25 في كتاب الطهارة- وما جمعه فيه من الطرق واختلاف الروايات فيه في شيخ "الوليد بن كثير" ففي بعض الروايات: "عن أبي أسامة، عن الوليد

ابن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير". وفي بعضها:"عنه عن محمد بن عباد بن جعفر". فجمع الدَّارَقُطْنِيّ بين الروايات في ذلك بطريقة تدل على حفظه وبراعته في الفهم فقال:

"1""سنن الدَّارَقُطْنِيّ": 1/97.

ص: 129

""فلما اختلف على أبي أسامة أحببنا أن نعلم من أتى بالصواب، فنظرنا في ذلك فوجدنا شعيب بن أيوب، قد رواه عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير على الوجهين جميعاً، عن محمد بن جعفر بن الزبير، ثم اتبعه عن محمد بن عباد بن جعفر، فصح القولان جميعا عن أبي أسامة وصح أن الوليد بن كثير رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير، وعن محمد بن عباد بن جعفر جميعاً

"""1".

وذكر 28 طريقاً للحديث.

"1""سنن الدَّارَقُطْنِيّ": 1/17، وروايات حديث القلتين ذكرها في "السنن"، من 1/13 إلى 25.

ص: 130

‌المبحث الثاني

رسوخه في معرفة العلل

الإمام الدَّارَقُطْنِيّ واسع المعرفة بعلل الحديث، انتهت إليه فيها الإمامة في عصره، وكتابه في العلل لعله أجود الكتب السابقة واللاحقة في العلل.

وقد أثنى عليه الأئمة بذلك، كما أثنوا على كتابه، وقد تميز الدَّارَقُطْنِيّ بمعرفة العلل حفظاً وفهما، ويظهر هذا بوضوح لمن تأمّل كتابه "العلل" وعلم أنه أجود وأجمع كتب العلل، وأنه أملاه من حفظه، فقال الذهبي عن ذلك:

""قلت: إن كان كتاب العلل الموجود قد أملاه الدَّارَقُطْنِيّ من حفظه -كما دل عليه هذه الحكاية- فهذا أمر عظيم، يُقْضى به للدارقطني أنه

"1""سنن الدَّارَقُطْنِيّ": 1/17، وروايات حديث القلتين ذكرها في "السنن"، من 1/13 إلى 25.

ص: 130

أحفظ أهل الدنيا، وإن كان أملى بعضه من حفظه فهذا ممكن

"""1".

قلت: الذي تدل عليه الحكاية أنه أملى جميع كتاب العلل الموجود، كما هو الظاهر، وراويها إمام من الأئمة الثقات، وتلميذ من تلاميذ الدَّارَقُطْنِيّ، وهو أبو بكر البَرْقانِيّ"2".

قال القاضي أبو الطيب الطبري: ""وسألت البَرْقانِيّ: قلت له: كان أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ يملي عليك العلل من حفظه؟ فقال: نعم

"""3".

والإمام الذهبي على هذا الرأي، إلا أنه قال هذا لِبيان عِظَم الأمر، ولذلك علّق على القصة في "تاريخ الإسلام" بقوله:

""قلت: وهذا شيء مدهش، كونه يملي العلل من حفظه، فمن أراد أن يعرف قدر ذلك فليطالع كتاب "العلل" للدارقطني ليعرف [كيف]"4" كان الحفاظ"""5".

والحديث عن كتاب الدَّارَقُطْنِيّ في العلل جزء من الحديث عن رسوخ الدَّارَقُطْنِيّ في معرفة العلل، وقد تحدثت عنه في مبحث مؤلفاته بما يَفِي بالغرض المطلوب هنا.

وفيما يلي بعض النقول، من كتاب "العلل" للدارقطني رحمه الله تعالى،

"1""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق523.

"2" انظر: ترجمته في الفصل الأول، من الباب الأول.

"3""تاريخ دمشق": جـ22 ق262أ.

"4" زيادة من عندي ليستقيم الكلام.

"5""تاريخ الإسلام": جـ5 ق5.

ص: 131

نماذج لتأكيد المعنى المتقدم.

جاء في كتاب "العلل" ما يلي:

1-

"وسئل عن حديث قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قَطَع في محجن.

فقال: يرويه ابن أبي عَروبة، وشعبة، وأبو هلال الراسبي، وأبان العطار، عن قتادة، واختلف فيه عنهم: فرواه عبيد بن الأسود، وسعيد بن عامر، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في محجن.

وغيرهما عن شعبة أن أبا بكر قطع

ورواه يحيى بن أبي بُكير، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس مرفوعاً أيضاً، وكذلك روي عن عمرو بن مرزوق، عن شعبة، والمحفوظ: عنه موقوفاً.

وروي عن عبد الله بن الصباح العطار، عن أبي علي الحنفي، عن هشام، ورفعه أبو هلال، عن قتادة.

والصواب: عن قتادة، عن أنس أن أبا بكر قطع

-غير مرفوع-""1".

فانظر كيف جمع الطرق، وبيّن أن الراجح فيها الوقف لا الرفع، فأعلّ الحديث بذلك.

2-

"وسئل عن حديث يروى عن مجاهد، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوليمة: "من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله".

فقال: يرويه أبو عون، واختلف عنه:

فرواه أبو صالح الفراء عن ابن الميول، عن ابن عون، عن مجاهد، عن ابن

"1""العلل"، للدارقطني: جـ4/ق30أ.

ص: 132

عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وغيره يرويه عن ابن عون، عن مجاهد، عن ابن عمر: "من دعي فأجاب

" ولم يرفعه.

والصحيح من الإسناد الموقوف"""1".

وهنا وَازَنَ بين طرق الحديث، فوجد بعضها ينتهي إلى رفعه، وبعضها إلى وقفه، فبين أن الصواب الوقف، فالحديث معلّ به.

3-

"وسئل عن حديث عروة، عن عائشة: سمى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الغرابَ فاسقاً.

فقال: يرويه هشام بن عروة، واختلف عنه:

فرواه أبو أويس، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة.

وخالفه شريك: رواه عن هشام، عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وكلاهما وَهَمٌ، والصحيح ما رواه ليث بن سعد، وحماد بن سلمة، وأبو معاوية، والمحاربي، رووه عن هشام،

عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً""2".

فانظر كيف استوعب الطرق، وأبان أوجه الاختلاف بينها، ورجح رواية الأوثق، والأكثر عددا، وبيّن أن ما عداه وَهَم، فالحديث عنده معلّ بالإرسال.

4-

"وسئل عن حديث القاسم، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أَعلِنوا النكاح واضربوا عليه بالغربال".

"1""العلل": جـ4 ق48ب.

"2" العلل": جـ5ق125أ.

ص: 133

فقال: حدّث به ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فروى حديثه عيسى بن يونس، واختلف عنه فيه:

فرواه جماعة من الحفاظ عنه، منهم: نصر بن علي، وعلي بن خَشْرم، وأبو همام، والحسين بن حريث أبو عمار المروزي، ومخلد بن مالك. رووه عن يونس، عن خالد بن إلياس، عن ربيعة.

وخالفهم أبو خيثمة مصعب بن سعيد، فرواه عن عيسى، عن حسين المعلم، عن ربيعة، ووهم في ذلك، وإنما هو: خالد بن إلياس.

وكذلك رواه المعافى بن عمران الموصلي، عن خالد بن إلْياس، عن ربيعة، وهو الصواب""1".

وهنا -أيضا بعد جمع الطرق- رجّح رواية العدد الكثير من الثقات، وعلى هذا الرأي جمهور المحدثين.

5-

"وسئل عن حديث قتادة، عن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له".

فقال: تفرد به أبو هلال الراسبي عنه.

وغيره يرويه عن قتادة، عن الحسن مرسلا، والمرسل أصح""2".

وهنا أعلّ الحديث بالإرسال.

6-

"وسئل عن حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أم سلمة: "كان رسول

"1""العلل": جـ5ق143ب.

"2""العلل": جـ4/ق28ب.

ص: 134

الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".

فقال: يرويه شعبة، واختلف عنه:

فرواه أحمد بن الصباح بن أبي سريج، عن شبابة، عن شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن أم سلمة.

وعن شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى مرسلا، وكذلك قال أصحاب شعبة عن شعبة، وهو الصواب""1".

أيضاً أعلّه بالإرسال.

وينبغي أن يُعلم هنا، أن الإمام الدَّارَقُطْنِيّ، قد أعلّ الأحاديث في الأمثلة السابقة بالوقف أو بالإرسال، وللعلماء في ذلك خلاف معلوم، لكن الراجح من أقوالهم: أن زيادة الثقة مقبولة إذا لم يخالِف من هو أوثق منه.

ولذلك اختلفوا هل إسناد المرسل أو الموقوف يكون هو الراجح أو العكس؟.

والصواب أنه لا يعتبر إسناد المرسل أو الموقوف زيادة ثقة مقبولة إلا إذا لم يخالِف من هو أوثق منه.

قال ابن رجب: ""

وكذلك قال الدَّارَقُطْنِيّ: المرسل لا تقوم به حجة"""2".

وقال أيضاً: ""وهكذا الدَّارَقُطْنِيّ يذكر في بعض المواضع أن الزيادة من الثقة مقبولة، ثم يردّ في أكثر المواضع زيادات كثيرة من الثقات، ويرجّح الإرسال على الإسناد، فدّل على أن مرادهم زيادة الثقة في تلك المواضع الخاصة، وهي إذا كان الثقة مبرّزا في الحفظ.

"1""العلل"، للدارقطني: جـ5 ق172ب.

"2""شرح علل الترمذي": ص 220.

ص: 135

وقال الدَّارَقُطْنِيّ في حديث زاد في إسناده رجلان ثقتان رجلا، وخالفهما الثوري فلم يذكره، قال: لولا أن الثوري خالف لكان القول قولَ من زاد فيه، لأن زيادة الثقة مقبولة.

وهذا تصريح بأنه إنما تقبل زيادة الثقة إلى لم يخالِف من هو أحفظ منه""1".

قلت: وهذا التفصيل ينزّل على الأمثلة السابقة، وبناء عليه يؤخذ بالمسند أو المرسل والموقوف.

ومن خلال هذه النصوص -المتقدمة القليلة- عن الإمام الدَّارَقُطْنِيّ، في تعليل الأحاديث من حفظه، يظهر للناظر مدى تمكّن هذا الإمام من معرفة العلل، وتبصره بالأحاديث، وأن الأئمة النقاد لم يبالغوا حين قالوا عنه:

""انتهى إليه الحفظ ومعرفة علل الحديث ورجاله

"""2".

""وحيد عصره، وبه خُتم معرفة العلل

"""3".

""انتهى الحفظ إلى أبي الحسن الدَّارَقُطْنِيّ

"""4".

وقال الحاكم:

""وسألته عن العلل والشيوخ، ودوّنت أجوبته في سؤالاتي، وقد سمعها مني أصحابي"""5". إلى آخر ما قاله عنه الأئمة في هذا الشأن.

"1""شرح علل الترمذي": ص312.

"2" الذهبي في "سير أعلام النبلاء": جـ10 ق520.

"3" الذهبي في "من يعتبر قوله في الجرح والتعديل": ق15.

"4" الحافظ الخطيب الغدادي، قاله لمن قال له:"أنت الشيخ الحافظ أبو بكر؟ ". "تاريخ دمشق": جـ22 ق261ب.

"5""تاريخ دمشق": جـ22 ق240ب.

ص: 136

‌المبحث الثالث

إمامته في الجرح والتعديل

‌أولاً: قبول قوله فيه:

الإمام الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله تعالى، كان اهتمامه بالجرح والتعديل وتاريخ الرواة ومعرفة أسمائهم، ونحو ذلك، أكثرَ من اهتمامه بغيره، سوى الحديث.

ولهذا أَلّف في علوم الحديث كثيرا، وحكم على الرواة، جرحاً وتعديلاًً، بكثرة بالغة.

وقد اعتمد حكمه في الرواة أئمة الحديث من لدن عصره إلى اليوم في الجملة، وإن ردوه أحيانا حين يظهر خطؤه.

وإن المتأمل في الأقوال المنقولة في الرواة المعاصرين للدارقطني يجد العلماء أكثر ما ينقلون من الأقوال فيهم -جرحاً وتعديلا- قول الدَّارَقُطْنِيّ نفسه، أو قول تلميذه الإمام الحاكم أبي عبد الله، وتلميذه الإمام البَرْقانِيّ.

وقد تأمّلت كتاب "العِبَر

" للحافظ الذهبي فوجدته لا ينقل الجرح والتعديل -غالباً- في الرواة المعاصرين للدارقطني إلا عنه أو عن الحاكم أو عن البَرْقانِيّ، ومثله في ذلك الخطيب في "تاريخ بغداد".

وللحافظ الذهبي كتاب ذَكَر فيه من يعتمد قوله في الجرح والتعديل، وقال في مقدمته:""ونشرع الآن بتسمية من كان إذا تكلم في الرجال قبل قوله، ورجع إلى نقده، ونسوق من يسّر الله تعالى منهم على الطبقات

ص: 137

والأزمنة، والله المسئول الموفق للسداد بمنه"""1".

وذكر الدَّارَقُطْنِيّ فيهم فقال: ""أبو الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ وحيد عصره، وبه ختم معرفة العلل"""2".

وقال الذهبي -أيضاً- في ترجمة "محمد بن الفضل عَارِم السدوسي" بعد نقله قول الدَّارَقُطْنِيّ فيه: ""قلت فهذا قول حافظ العصر الذي لم يأت بعد النسائي مثله، فأين هذا القول من قول ابن حبان الخَسّاف المُتهور في عارم، فقال: اختلط في آخر عمره، وتغير حتى كان لا يدري ما يحدِّث به، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة

"""3".

وكذا عوّل أئمة الحديث على أقواله في الجرح والتعديل، ولم أعلم أحدا ردّ قوله في الجرح والتعديل في الجملة أو في قاعدة معينة، اللهم إلا أقواله في انتقاده لبعض رجال الصحيحين فإنه قد ردّ عليه عدد من الحفاظ كما هو معلوم.

إلا أنه ربما تكلم فيه من هذه الناحية من ليس بإمام، ولا معتبر قوله فيه، وما سَلِم من الكلام أحد كما قال الإمام الذهبي:

""فمن يسلم من الكلام بعد أحمد؟! """4".

"1""ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل"، للذهبي: ق3.

"2" المصدر السابق: ق15.

"3""ميزان الاعتدال": 4/8.

"4""رسالة من تكلم فيه وهو موثّق أو صالح الحديث"، للذهبي: ص33. ويَقْصد بأحمد الإمام أحمد بن حنبل. وقد تكلَّم في الدَّارَقُطْنِيّ بعض المتأخرين كمحمد بن طاهر، ومحمد بن زاهد الكوثري، وغيرهما، ومضت مناقشتهم في:"14- أقوال الأئمة فيه" في "الباب الأول".

ص: 138

ومما يدل دلالة قوية -عندي- على اعتماد قوله في هذا الشأن لدى الأئمة سؤالات الأئمة له، وتدوينها، وتدوين أجوبته عليها، فلولا اعتمادهم لأجوبته لَمَا وجَّه الإمام الحاكم النيسابوري أسئلة إليه، ولَمَا دوّن أجوبته، وكذا الإمام البَرْقانِيّ، وكذا السهْمي، وكذا السُّلَمِيّ، ولما تناقلها الرواة"1".

"1" وقد وقفت على عبارة لطيفة أثناء أسئلة الإمام البَرْقانِيّ للدارقطني، ونصها: "سألت أبا الحسن الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله، ونضّر وجهه، وغفر لنا، وله، ولجميع المسلمين، عن

".

"البَرْقانِيّ": ق6أ.

ص: 139

‌ثانياً: اعتداله فيه:

وكان الدَّارَقُطْنِيّ -رحمه الله تعالى- معتدلا في الجرح والتعديل، فليس هو بالمتشدد ولا بالمتساهل في ذلك.

ولم أعلم له قاعدة في الجرح والتعديل أو في التصحيح والتضعيف معلومة الفساد، لأنه كان بصيراً بالأمور الجارحة والمعدّلة للراوي، فكان يميز بين الجرح المطلق والجرح المقيد في كلامه في الرواة دائماً، فلم يقع فيما وقع فيه بعض المحدِّثين.

ولهذا كان قوله معتبرا في هذا الشأن عند الأئمة، وعدّوه في جملة أئمة الجرح والتعديل المعتدلين.

وأَستدلّ على أن الأئمة قد اعتبروا الدَّارَقُطْنِيّ معتدلا في الجرح والتعديل بثلاثة أمور هي:

ص: 139

الأمر الأول: اعتمادهم لأقواله في الرواة، ونقلهم لها، وعدم استدراكهم عليه بإنكار تشدّد أو تعصّب أو نحو ذلك.

ولم أر أحدا منهم حكم عليه بالتشدد أو التساهل في ذلك، سوى أقوال متأخرة ذكرت فيه من غير دليل، قيلت فيه لأسباب تسقط حكم قائليها في هذا الإمام الجليل، وقد ذكرتها، وناقشتها في مبحث:"أقوال الأئمة فيه".

الأمر الثاني: ذكر بعضهم له في المعتدلين، وممن عدّ الدَّارَقُطْنِيّ في المعتدلين في الجرح والتعديل الإمام الذهبي، إذ قسّم المتكلمين في الجرح والتعديل إلى ثلاثة أقسام:

1-

قسم متعنت في الجرح متثبت في التعديل، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث

2-

وقسم منهم متسمّح كالترمذي والحاكم

3-

وقسم معتدل كأحمد والدَّارَقُطْنِيّ وابن عدي

""1".

الأمر الثالث: نتيجة موازنة أقواله في الرواة بأقوال غيره، وقد جعلتها في فصل مستقل"2".

ويُلمح اعتداله في الجرح والتعديل في الثلاثة الأمور الآتية:

1-

في مسلكه في الجرح والتعديل مع من يخالفه في المعتقد، أو ضُعّف بسبب المعتقد:

إذ أنه أنصف في هذا الجانب أيما إنصاف، وإليك الأمثلة على ذلك، من

"1""فتح المغيث"، للسخاوي: 3/325، و"الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ": 167-168.

"2" الفصل الثالث، من الباب الرابع.

ص: 140

خلال النصوص الثابتة عن الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله تعالى:

أ - قال السُّلَمِيّ: ""وسألته عن أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي. فقال: "ثقة""1". فمن إنصافه واعتداله -وهو سلفي كما تقدم في ترجمته- أن يقول هذا الحكم في أحمد الصوفيّ.

ب- وقال السُّلَمِيّ -أيضاً-: ""وسألته عن إبراهيم بن أَدْهم. فقال: ""إذا حدّث عنه ثقة فهو صحيح الحديث"""2". ومعلوم ما يقوله بعض المتعنتين في إبراهيم بن أدهم ممن هو على مذهب الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله تعالى.

جـ- وقال السُّلَمِيّ: ""وسألته عن عدي بن ثابت:

فقال: "ثقة إلا أنه كان رافضيا غالياً فيه"""3"!!.

ومعلوم ما يقوله كثير من المحدثين في من هذا حاله من الرواة، رحم الله الإمام الدَّارَقُطْنِيّ لقد كان معتدلاً منصفاً في الجرح والتعديل.

د- وقال: ""وسألته عن إبراهيم بن طَهْمان.

فقال: ثقة، وإنما تُكُلِّم فيه بسبب الإرجاء"""4"!!.

هـ- وقال السُّلَمِيّ أيضاً: ""وسألته عن ابن عقدة.

فقال: حافظ، محدث، لم يكن في الدين بالقويّ، ولا أَزِيدُ على هذا"""5".

"1""سؤالات السُّلَمِيّ": ق1أ.

"2""سؤالات السُّلَمِيّ": ق1أ.

"3""السُّلَمِيّ": ق6ب.

"4" السُّلَمِيّ: ق1أ.

"5""السُّلَمِيّ": ق2أ.

ص: 141

فاعترف له بما له من فضيلة رغم ما جرحه به!.

و وقال السُّلَمِيّ: ""وسمعته يقول: منع أحمد بن حنبل عبد الله ابنه أن يحدث عن علي بن الجعد، فسألته: ما سبب ذلك؟ فقال: لأنه وقف في حديث القرآن. وعلي بن الجعد ثقة، قد أخرج عنه البخاري. قال: وسئل علي

ابن المديني: أيهما أحب إليك في شعبة: علي بن الجعد أو شَبابه؟ فقال: خَرَّب الله بيت علي إن كان في شعبة مثل شَبابة. سمعت أبا طالب الحافظ يقول: سمعت عثمان بن خرزاذ يقول: سألت يحيى بن معين عمن أكتب حديث شعبة؟. فقال: عن علي بن الجعد، وضرب على جنبه.

قلت: وإن كان الدَّارَقُطْنِيّ يطريه، وثبت عن يحيى هذا. فقد جعل"1" علي بن المديني في طبقات أصحاب شعبة علي بن الجعد في آخرهم، وجعله في الطبقة السابعة.

ولا يقبل من يحيى هذا، ويدع أصحاب شعبة مثل: يحيى بن سعيد، وغُنْدَر، وابن أبي عدي، وأمثالهم"""2".

فانظر كيف وقف الدَّارَقُطْنِيّ من علي بن الجعد هذا الموقف العدل، فلم يتركه لما صار منه في تلك المسألة -وإن خالفه فيها- إنما وثّقه -أداء للأمانة- لما عُلِمَ من عدالته وضبطه للحديث، حتى اشتهر بروايته للحديث بنصه بالحرف.

والدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله أنصف -أيضاً، إلى جانب هذا- في الجرح والتعديل

"1" في الأصل: جعله.

"2""السُّلَمِيّ": ق7ب.

ص: 142

في حق من يخالفه في المذهب الفقهي، كما يظهر من التمثيل الذي سبق"1" على ذلك بقوله، في أبي حماد الحنفي، ومحمد بن الحسن، وأبي يوسف القاضي.

2-

في مسلكه فيمن هو ضعيف بسبب غير الاعتقاد، كسوء الحفظ ونحوه، فإنه لا يردّه دائماً، بل يردّه حين لا يأمن منه عاقبة سوء الحفظ، ويقبله حين يأمن عاقبته، كما لو وافقه على حديثه عدد من الحفاظ الثقات.

وهذا هو المعمول به عند المحدثين.

فالدَّارَقُطْنِيّ يفرّق بين الضعف الشديد، والضعف غير الشديد، في تضعيفه للراوي، فهو يقول أحياناً: ضعيف لا يعتبر به. وأحيانا يقول: ضعيف يعتبر به.

وعلماء المصطلح يستشهدون بمسلكه هذا، للتدليل على التفريق بين ضَعْف وضَعْف.

ومن ذلك قول ابن الصلاح فيمن يصلح للمتابعات والشواهد من الضعفاء.

"وليس كل ضعيف يصلح لذلك، ولهذا يقول الدَّارَقُطْنِيّ وغيره في الضعفاء: فلان يعتبر به، وفلان لا يعتبر به""2".

ويقول أحياناً: فلان ضعيف لا يستحق الترك، أو ليس بمتروك، أو مقبول حيث يتابع، أو يكتب حديثه، أو لا يكتب حديثه، ونحو ذلك من العبارات الدالة على تضعيف الراوي مع عدم طرحه بِمَرَّة أو تضعيفه بِمَرة.

"1" في "ما قيل فيه من المثالب: رقم 4، الفقرة الثالثة من المناقشة".

"2""علوم الحديث"، لابن الصلاح: ص183، "نسخة المحاسن".

ص: 143

وإليك الأمثلة على هذا:

أ - قال البَرْقانِيّ في أسئلته: ""سألته عن قابوس بن أبي ظبيان.

فقال: ضعيف، ولكن لا يترك"""1".

ب- وقال: ""وسألته عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار.

فقال: أخرج عنه البخاري، وهو عند غيره ضعيف، فيعتبر به"""2".

جـ- وسأله البَرْقانِيّ عن شخص. فقال: ""ضعيف يعتبر به"""3".

د- وقال الدَّارَقُطْنِيّ في راو: ""صويلح، يعتبر به"""4".

هـ- وقال السُّلَمِيّ: ""وسألته عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار فقال: خالف محمد بن إسماعيل البخاري الناس فيه، وليس هو بمتروك"""5".

ولهذا المسلك فإن الدَّارَقُطْنِيّ ضعّف "محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى" في حفظه فقال فيه: ""ضعيف الحديث، سييء الحفظ

"""6".

وقال فيه في موضع آخر: ""ثقة في حفظه شيء"""7".

وضَعّف الحجاج بن أرطاة -أيضاً- في مواضع كثيرة من سننه، ومع

"1""البَرْقانِيّ": ق9ب.

"2""البَرْقانِيّ": ق7أ.

"3" انظر: "أسئلة البَرْقانِيّ": ق8أ.

"4""البَرْقانِيّ": ق11ب.

"5""أسئلة السُّلَمِيّ": ق7أ.

"6""سنن الدَّارَقُطْنِيّ": 1/241.

"7""سنن الدَّارَقُطْنِيّ": 1/124.

ص: 144

ذلك فقد قَبِل حديثه في موضع من سننه، فقال فيه:""حسن صحيح"""1".

وكذا قَبِل حديثه في موضع آخر لموافقة الثقات له.

والسبب أنه يقدّر ضعف الحفظ هذا، هل هو شديد بمرة، بحيث لا ينجبر؟ أو أنه ضعف يحتمل

والأمثلة على هذا كثيرة من كلام الدَّارَقُطْنِيّ وسائر أئمة الحديث المعتدلين في الجرح والتعديل. والله الموفق.

3-

في اقتصاده في ألفاظ الجرح فيقتصر على ما يؤدي الغرض من ذلك:

كقوله السابق في شيخه ابن عُقدة: ""حافظ، محدث، لم يكن في الدين بالقوي، ولا أزِيدُ على هذا"""2". فلا يزيد على العبارة المؤدية للغرض.

ولهذا نجده رحمه الله لا يجيب -غالباً- في بيان حال الراوي إلا بكلمات مختصرة نحو: متروك، لا يعتبر به، لا يكتب حديثه، ولا يبين حال المجروح بالتفصيل إلا إذا دعت إلى ذلك حاجة.

ومن شاء أن يقف على هذا فلينظر سؤالات تلاميذه له وأجوبته لهم، وكذا فهرس أقواله في الرواة المتكلم فيهم في "السنن".

وكان إذا سئل عن راو لا يعلم حاله يقول: لا أدري، أولا أعرفه

1-

ومن ذلك: ما قال السهمي في أسئلته:

""وسألت الدَّارَقُطْنِيّ عن تمّام بن الليث بن إسماعيل الصايغ بالرملة. فقال: ما أعرفه"""3".

"1""سنن الدَّارَقُطْنِيّ": 1/342.

"2""السُّلَمِيّ": ق2أ.

"3""السهمي": ق11أ.

ص: 145

2-

وقال البَرْقانِيّ: ""قلنا له: جعفر بن عمران، يحدث عنه أحمد بن يونس؟ فقال: لا أعرفه"""1".

3-

وقال البَرْقانِيّ -أيضاً-: ""قلت لأبي الحسن: روى حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن باب بن عمير، عن رجل، عن أبيه، عن أبي هريرة؟

قال: باب لا أدري من هو؟ يحدّث عنه الأوزاعي، ويحيى، يُترك"""2".

إن هذا من اعتداله في الجرح رحمه الله تعالى، عملاً بما قرره علماء الإسلام في باب الجرح، بأنه ضرورة تقدّر بقدرها، حفظا للشريعة، وصيانة لأعراض المسلمين.

"1""البَرْقانِيّ": ق2أ.

"2""البَرْقانِيّ": ق2أ.

ص: 146

‌ثالثاً: إمامته فيه:

مما تقدم يتبين أن الإمام الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله إمام في الجرح والتعديل وهذا أمر لا شك فيه، ولا يحتاج إلى تدليل، وإذا أردت ما يُبرز إمامته في هذا الفن فإنه يتعين الإشارة إلى ذلك في النقاط الأربع الآتية:

أ - حفظه وخبرته العجيبة بالرجال وأسمائهم وأنسابهم وأحوالهم:

فقد بلغ في هذا شأوا بعيداً، وخلف لنا آثارا تدل على تلك الخبرة بالرجال. والحافظة المدهشة، تدل على أنه ألمّ بالرواة أسماء وأنسابا وأحوالا وتاريخاً.

وإليك الأمثلة على ذلك:

1-

يقول السُّلَمِيّ: ""وسئل عن الماجشون فقال: ""يعقوب بن أبي سلمة، ومن

ص: 146

ولده: يوسف بن يعقوب، وعبد العزيز بن يعقوب.

فأما يوسف فروى عن الزهري وصالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عون وصالح بن كيسان وابنه يعقوب.

وأما أخوه عبد العزيز بن يعقوب فيروي عن محمد بن المنكدر أحاديث مراسيل، حدث عنه أحمد بن حنبل، ومحمود بن خِدَاش، والحسن الزعفراني، وعبد العزيز هذا يكنى أبا الأصبغ.

وعبد الله بن أبي سلمة الماجشون أخو يعقوب، يروي عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج، وهو مولى أبي قتادة، وغيرهم.

وابنه عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الفقيه، يروي عن زيد بن أسلم، ومحمد بن المنكدر، والزهري، وغيرهم.

وابنه عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون كان فقيها من أصحاب مالك. ويوسف بن عبد العزيز، حدث عنه الزبير بن بكار.

فهذا ما حضرني في أولادهم في الوقت، وإنما لُقب الماجشون لحمرة وجهه"""1".

2-

""وسأله الشيخ أبو سعد رحمه الله عن أبي حازم"2"، فقال:""الذي يحضرني: أبو حازم الأشجعي اسمه سليمان مولى عزة الأشجعية.

"1""سؤالات السُّلَمِيّ": ق13ب.

"2" في الأصل: أبا حازم.

ص: 147

وأبو حازم الأعرج، واسمه سلمة بن دينار المدني.

وأبو حازم التمّار، اسمه دينار مولى أبي رُهْم الغفاري.

وأبو حازم الأحمسي عبد عوف، له صحبة، وهو أبو قيس بن أبي حازم.

وأبو حازم نبيل يحدّث عن ابن عباس.

وأبو حازم عبد الرحمن بن حازم، سمع مجاهداً.

وأبو حازم صخرة بن العبلة الأحمسي، له صحبة ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأبو حازم ميسرة بن حبيب النهدي الكوفي يحدّث عن المنهال بن عمرو. هذا ما حضرني في الوقت وهو مستوفى إن شاء الله"""1".

3-

وقال السُّلَمِيّ: ""سئل أبو الحسن علي بن عمر الحافظ، سأله ابن سعد الإسماعيلي رحمهما الله: كم من المشايخ مَنْ اسمه عياش؟ فقال: ""عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن مخزوم له صحبة ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وعياش بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أخو أبي بكر، وأمه أم حسن بنت الزبير بن العوام.

وعياش بن عمرو المعافري، كوفي سمع عبد الله بن أبي أوفى، روى عنه الثوري وشريك.

وعياش بن مؤنس، عداده في الشاميين، يحدّث عن شداد بن شرحبيل.

وعياش بن يزيد الشامي، يحدّث عن عطية.

وعياش الكلبي، يحدّث عن أنس، روى عنه شعبة.

"1""السُّلَمِيّ": ق14ب.

ص: 148

وعياش بن عباس القتباني، مصري روى عنه الليث بن سعد، وابنه عبد الله.

وعياش بن أبي سنان العَتَكي، سمع أبا نضرة، روى عنه أبو الوليد، يُعد

في البصريين.

وعياش بن عبد الله، كاتب عثمان، روى عنه قتادة.

وعياش بن عبد الله بن عمرو بن سلمة، عداده من الكوفيين.

وعياش بن عبد الله بن أبي ثور، روى عنه محمد بن إسحاق حجازي.

وعياش بن سعيد بن أبي المعلى الأنصاري.

وعياش الدعيني، يروي عن معاوية بن جريج، عِداده في البصريين.

وعياش بن الوليد الرقَّام.

وعياش بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني.

وعياش والد أبي بكر بن عياش.

هذا ما حضرني في الوقت"""1".

فتأمل هذه الأجوبة التي لم يلقها الإمام الدَّارَقُطْنِيّ من كتاب بل من ذاكرته، فيقول في نهاية كل جواب:""هذا ما يحضرني في الوقت""، إنها الحافظة القوية والعناية التامة بالرجال، والإمامة الفذة في هذا الشأن.

ب- إحاطته بأحوال من سبقه وبأهل عصره وشيوخه:

وقد أحاط بتاريخ وأحوال الرواة السابقين له، والذين عاصروه. وسبق التمثيل -في الفقرة السابقة- لإدراكه لِتاريخ مَنْ سبقه.

"1""السُّلَمِيّ": ق7ب-8أ.

ص: 149

أما معرفته بحال من عاصره فلا ينازع فيها أحد. بل العلماء اعتمدوه كثيرا جرحاً وتعديلاً فيمن عاش في عصره.

فأئمة الجرح والتعديل ينقلون عنه في ذلك كثيرا، وأكثر ما يظهر هذا في كتب الذهبي.

وتناقلوا حكمه في شيوخه توثيقاً وجرحاً.

وإليك الأمثلة على ذلك:

1-

قال السُّلَمِيّ: ""وسألته عن أبي القاسم بن الثَّلَاّج، فقال: لا تشغل به، فوالله ما رأيته قط في مجلس من مجالس العلم إلا بعد رجوعي من مصر، رأيته أولاً في مجلس أبي حامد الهمْداني المروزي، ولا رأيت له سماعا في كتاب أحد، ثم لا يقتصر على هذا حتى يضع الأحاديث والأسانيد ويركّب، وقد حدّث بأحاديث فأخذها وترك اسمي واسم شيخي، وحدّث عن شيخ شيخي.

وسألته عن مكي بن بندار الزنجاني فقال: مثله أو قريباً منه، إلا أن مكيا كتب الحديث"""1".

2-

ومن الأدلة على خبرته بشيوخه قول السُّلَمِيّ: ""وسألته عن ابن منيع"2"، فقال: ثقة جبل إمام من الأئمة ثبت، أقل المشايخ خطأ، وكان ابن صاعد أكثر حديثاً من ابن منيع، إلا أن كلام ابن منيع في

"1""أسئلة السُّلَمِيّ": ق14ب.

"2" هو: أبو القاسم بن منيع، أحد شيوخ الدَّارَقُطْنِيّ، وروى عنه كثيراً في السنن.

ص: 150

الحديث أحسن من كلام ابن صاعد"""1".

3-

""وسئل أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ عن أبي بكر محمد بن عبد الله الشافعي فقال: أبو بكر جبل ثقة مأمون، ما كان في ذلك الزمان أوثق منه، ما رأيت له إلا أصولا صحيحة متقنة، قد ضبط سماعه فيها أحسن الضبط، والله سبحانه أعلم بالصواب"""2".

جـ- استقلاله في الجرح والتعديل:

والإمام الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله تعالى اتصف بالاستقلال في الجرح والتعديل، في كثير من أحكامه التي يصدرها في الرواة.

ذلك أن الجرح والتعديل لمن سبق المحدّث ولم يره، ينقسم إلى قسمين:

1-

قسم نقليّ، لا مجال للاجتهاد فيه، كوصف حاله الظاهرة ممن عايشه، أو الحكم عليه بحكم يتوقف على معرفة حاله، بالمعاشرة والخِلطة، كأن يقول: فلان عدل، أو صادق، أو نحوه.

فهذا النوع لا طريق للاجتهاد فيه لمن يأتي بعد وفاة الراوي إلا بالاعتماد على النقل عمن عاصره.

2-

وقسم: يحتاج إلى نظر المحدّث وحكمه في الراوي، من خلال معاصرته له ومعاشرته إياه، أو من خلال بحثه في أحاديثه ومروياته، أو من خلال النظر في أقوال الأئمة فيه والموازنة بينها.

"1" "السُّلَمِيّ: ق6ب.

"2""السَّهْمي": ق18أ.

ص: 151

فيدعوه ذلك إلى أن يُصدر حكما مستقلا، قد يَردّ به بعض أقوال من سبقه بالكلام في الراوي.

وهذا القسم الأخير، هو الذي ظهر استقلال الإمام الدَّارَقُطْنِيّ فيه، إذْ أنه:

أ - تكلّم كثيرا في الرواة جرحاً وتعديلاً، من غير أن يعتمد على غيره، سواء فيمن سبقه من الرواة، أو فيمن عاصره.

ب- اصطلح اصطلاحات خاصة به في الجرح والتعديل.

جـ- استدرك على بعض الأئمة في حكمهم على الرواة جرحاً وتعديلاًً.

ومن تتبع كتبه وكلامه في الرواة تيقن هذه الأمور السابقة لدى الدَّارَقُطْنِيّ، مما يؤكد استقلال الإمام الدَّارَقُطْنِيّ في الجرح والتعديل، وعلم الرجال.

أما الأمثلة على الفقرة الأولى: "فقرة أ"، فمعظم كلام الدَّارَقُطْنِيّ في الرواة شاهد بها، ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي:

1-

قوله في إبراهيم بن طهمان: ""ثقة، وإنما تكلّم فيه سبب الإرجاء"""1".

2-

وقوله في أبي حمزة السكري: ""ثقة، أخرج عنه في الصحيح"""2".

3-

وقوله في الزبيري: ""ضعيف، ذكره البخاري في الاحتجاج"""3".

وكذلك كل أمثلة استدراكه على الأئمة في الجرح والتعديل تصلح أن تكون أمثلة لهذا الباب.

"1""السُّلَمِيّ": ق1أ.

"2""السُّلَمِيّ": ق11ب.

"3""البَرْقانِيّ": ق16ب.

ص: 152

وكذلك كل كلامه في شيوخه، وقد نقلت بعضها في فقرة "ب" السابقة"1".

وهكذا ترى أن الدَّارَقُطْنِيّ عندما يقول الحكم في الراوي -غالباً- لا يقوله تقليداً لغيره ونقلا، إنما استنتاجا واجتهاداً.

بل أنه لا يكتفي بهذا، إنما يستدرك على الأئمة الكبار -أحياناً- فلا يوافقهم في حكمهم.

وإذا كان لا يعلم حال الراوي المسئول عنه فإنه يتوقف، إنصافاً، وخوفاً من الله عز وجل، يقول السُّلَمِيّ:""وسألته عن أبي مروان العثماني، فقال: ما أحكم في بشيء"""2".

وقال البَرْقانِيّ: ""وسألته عن عبد الرحمن بن محمد، يروي عن السائب بن يزيد، فقال: هو شيخ مدني، لا أدري من هو، يعتبر به"""3".

وكأنه قال: ""لا أدري من هو"" من باب التثبّت، بدليل أنه قال:""هو شيخ مدني""، وقال:""يعتبر به"".

أو أنه قال فيه ذلك لأنه مجهول عنده، فحكمه أنه يعتبر به.

وأما أمثلة الفقرة الثانية: "فقرة ب": فمثل: اصطلاحه في "آية" و"آية من آيات الله"، واصطلاحه في "ليّن"، وغير ذلك، وقد تحدّثت عن هذا تفصيلاً في "الباب الرابع"، "الفصل الأول".

وأما الفقرة الثالثة: "فقرة جـ": فإليك الحديث عنها بالتفصيل في المبحث الآتي:

"1" في فقرة: "ب-إحاطته بأحوال من سبقه وبأهل عصره وشيوخه".

"2""السُّلَمِيّ": ق14أ.

"3""البَرْقانِيّ": ق7أ.

ص: 153

‌المبحث الرابع

استدراكاته على الأئمة

‌مقدمة:

برّز الإمام الدَّارَقُطْنِيّ في الحديث وعلومه، فأسهم في هذا الفن بجهد كبير، توخّى فيه الإنصاف، وقصد الحق والإخلاص، وإصلاح الأخطاء، فكان من الطبيعي أن يستدرك على غيره من الأئمة والعلماء.

وهذه الاستدراكات منه ثروة علمية رائعة، أسهمت في إثراء هذا العلم بصورة ظاهرة لأكثر المهتمين بالحديث وعلومه، سواء كانت الاستدراكات هذه مخطئة أو صائبة.

وكانت استدراكاته في علوم الحديث خاصة لا سيما علم الرجال.

ص: 154

‌أولاً: الأئمة الذين استدرك عليهم، وأنواع استدراكه:

والأئمة الذين استدرك عليهم كثير، فقد استدرك على البخاري ومسلم، والنسائي، وغيرهم، واستدراكه عليهم أنواع:

أ - لأنه إما أن يستدرك على أحدهم بكلمة عابرة، يردّ بها حكم ذلك الإمام المعيّن في الراوي، ومن أمثلته ما يأتي:

1-

قال السُّلَمِيّ في أسئلته: ""وسمعته يقول: منع أحمد بن حنبل عبد الله ابنه أن يحدّث عن علي بن الجعد.

فسألته: ما سبب ذلك؟

ص: 154

فقال: لأنه وقف في حديث القرآن.

وعلي بن الجعد ثقة قد أخرج عنه البخاري

"""1".

2-

قوله في إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق: "ثقة"، استدراكاً على أبي عبد الرحمن النسائي لأنه قال فيه:""ليس بالقوي"""2".

3-

ومنها استدراكه على قول النسائي في إسحاق بن محمد الفروي: "ليس بثقة" حيث قال الدَّارَقُطْنِيّ فيه: ""لا يترك"""3".

4-

ومنها استدراكه على قول النسائي في أحمد بن صالح المصري: "ليس بثقة" حيث قال الدَّارَقُطْنِيّ فيه: ""ثقة"""4".

ب- أو يستدرك على المحدِّثين عموماً على وجه الإجمال فيردّ حكمهم في الراوي.

ومن أمثلة ذلك:

1-

قوله في زياد بن عبد الله البَكَّائي: قال فيه النسائي: ليس بالقوي، وقال الدَّارَقُطْنِيّ:""مختلف فيه، وليس عندي به بأس"""5".

2-

وقوله في "عمرو بن أبي قيس" قال فيه النسائي: ليس بالقوي. وقال الدَّارَقُطْنِيّ: ""ليس به بأس، وقد لينوه، لم يحدّث عنه مالك"""6".

"1""السُّلَمِيّ": ق7ب.

"2""السُّلَمِيّ": ق7ب.

"3" رسالة ذكر فيها أقوام من رجال الصحيحين ضعفهم النسائي، فسئل عنهم الدَّارَقُطْنِيّ: ق1.

"4" المصدر السابق: ق1.

"5" المصدر السابق: ق1.

"6" المصدر السابق: ق2.

ص: 155

3-

وقوله في فُلَيْح بن سليمان، قال فيه النسائي: ليس بالقوي. وقال الدَّارَقُطْنِيّ: ""مختلفون فيه، ليس به بأس"""1".

4-

وقوله في ""أصبغ بن زيد الوراق: واسطي، ثقة عندي، يروي عن ثور بن يزيد وقد تكلم فيه"""2".

جـ- استدراكه على البخاري ومسلم:

استدرك الدَّارَقُطْنِيّ على البخاري ومسلم في صحيحيهما وفي غيرهما، وتبدو استدراكاته في الصحيحين في صورة تختلف عن الصورتين السابقتين في فقرة "أ"، و"ب"، من استدراكاته.

لأنه يتبادر إلى الذهن من استدراكاته على الصحيحين أن ذلك استدرك عليهما في منهجهما في الصحيحين بدليل أنه ألّف كتاب "التتبع لما أخرج في الصحيحين وله علّة"".

والصواب أن ذلك ليس من هذا الباب بل هو من نوع الاستدراكات التي ذكرتها في فقرة "أ"، لأنه مؤاخذة لا في المنهج، بل هو مُسَلِّم بسلامة منهج الشيخين في كتابيهما، ويدل على ذلك أمور كثيرة سيأتي تفصيلها في "الباب الثالث" إن شاء الله تعالى.

"1" المصدر السابق: ق2.

"2""أسئلة البَرْقانِيّ": ق2أ.

ص: 156

‌ثانياً: مَوَاطِن استدراكاته:

بعض استدراكاته مفرقة في مؤلفاته في الرجال والعلل وغيرها، وبعضها

ص: 156

مجموع في رسائل، وهي:

1-

رسالة في "الإلزامات على الصحيحين" وهي في مثل موضوع المستدرك للحاكم تماما.

2-

رسالة في "التتبع لما أخرج في الصحيحين من الأحاديث وله علّة".

3-

رسالة في ذكر أقوام من رجال الصحيحين ضعفهم النسائي، أو ذكرهم في "الضعفاء والمتروكين" وسئل عنهم الدَّارَقُطْنِيّ فأجاب فيهم، واستدرك في أجوبته على النسائي في أكثرهم، حيث قوَّى ما يقرب من اثنين وعشرين، وليّن تسعة أشخاص تقريباً.

وقد طُبع"1".

"1" دراسة وتحقيق علي حسن عبد الحميد، عمان، الأردن، دار عمار، 1408هـ.

ص: 157

‌ثالثاً: ذكر أمثلته من استدراكاته على الإمام النسائي:

رسالةُ: "ذكر أقوام أخرج لهم البخاري ومسلم في صحيحيهما وضعفهم النسائي في "كتاب الضعفاء" وسئل عنهم الدَّارَقُطْنِيّ فأجاب بتوثيق أكثرهم" رسالة مهمّة، لأنها تُصوّر حقيقة ذكرته من الاستدراك على النسائي الشيخ المبجّل عند الدَّارَقُطْنِيّ.

وفيما يلي سأذكر أمثلة من استدراكاته عليه في هذه الرسالة:

1-

"قال أبو عبد الرحمن: إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق: ليس بالقوي. سئل عنه الدَّارَقُطْنِيّ، فقال: ثقة".

ص: 157

2-

"إسحاق بن محمد الفَرْوي: ليس بثقة.

سئل عنه علي بن عمر فقال: لا يترك".

3-

"أحمد بن صالح المصري: ليس بثقة.

سألت أبا الحسن عنه فقال: ثقة".

4-

"حسّان بن إبراهيم الكِرْماني: ليس بالقوي.

سألت أبا الحسن عنه فقال: ثقة".

5-

"عبد الرزّاق بن همّام: فيه نظر لمن حدَّث عنه بأَخَرة.

سألت أبا الحسن الدَّارَقُطْنِيّ عنه فقال: ثقة يخطيء على مَعْمر في أحاديث لم تكن في الكتاب".

6-

"يحيى بن عبد الله بن بكير: ضعيف.

سألت أبا الحسن عنه فقال: ما عندي به بأس".

ص: 158

‌المبحث الخامس

في موقف الدَّارَقُطْنِيّ من الصحيحين

‌أولاً: عرض موقفه من الصحيحين:

مقدمة:

المشهور عن الإمام الدَّارَقُطْنِيّ أنه ينتقد الصحيحين، ولم يشتهر عنه أي موقف آخر تجاه الصحيحين، فإذا ذُكر رأي الدَّارَقُطْنِيّ في الصحيحين، فإن الأذهان لا تنصرف إلا إلى نقده لهما.

والواقع أن للدارقطني موقفين من الصحيحين، يَبْدُوَان -في الظاهر- متعارضين، ولكن لا تعارض بينهما، وهما:

1-

موقف المؤيّد المناصر، المعترف بمكانة الصحيحين، وصحة منهجهما.

2-

موقف الناقد لبعض أحاديث الصحيحين.

لا تعارض بين الموقفين:

ولا بدّ أن أبيّن أنه لا تعارض بين الموقفين، لأنه:

في الأول: يرى سلامة منهج الشيخين في صحيحيهما، وصحته، وموافقته لأصول المحدثين المعتبرة في قبول الأخبار وردها.

وفي الثاني: يخالفهما في بعض الجزئيات التطبيقية، فيرى أن بعض الأحاديث معلّة، أو منتقدة من الناحية الصناعية الحديثية، أو ضعيفة أحياناً قليلة في نظره.

ص: 159

‌ثانياً: بيان الموقف الأول:

بعد أن يتتبع المرء كتابات الدَّارَقُطْنِيّ بإمعان، يسلِّم بيقين أنه معترف بصحة منهج الصحيحين، ومطابقتهما لأصول المحدّثين الصحيحة في قبول الأخبار وردِّها، بل تمكنها في ذلك.

وقد نخلْت كتاب "السنن" وأسئلة تلاميذ له، فاستخرجت منها ما يدل على موقفه هذا أو ذاك.

وإليك -فيما يلي- الأدلة على الموقف الأول:

1-

الدليل الأول:

إحالته في توثيق بعض الرواة عليهما، واعتباره إخراج الشيخين بعض الرواة في صحيحيهما غالباً، دليلاً على ثقتهم.

ومن الأمثلة على هذا:

أ - قال الحاكم: ""قلت "أي للدارقطني": فإسحاق بن راشد الجَزَري؟ قال: تكلموا في سماعه من الزهري، وقالوا إنه وَجَدَه في كتاب، والقول عندي قول مسلم بن الحجاج فيه"""1".

ب- وقال -أيضاً-: ""قلت: فمحمد بن عبد الرحمن الطفاوي؟ قال: احتج به البخاري"""2".

جـ- وقال: ""قلت: فميمون بن سِياه؟ قال: محتج به في الصحيح قلت:

"1""أسئلة الحاكم": ق10أ.

"2""أسئلة الحاكم": ق10ب.

ص: 160

فمنصور بن سعد؟ قال: كمثله"""1".

د- وقال: ""قلت: فيونس الإسْكاف عن قتادة؟ قال: قد خرّجه البخاري"""2".

هـ- وقال: ""قلت: فطلحة بن عبد الملك؟ قال: ثقة مخرّج في الصحيح"""3".

و وقال: ""قلت: فعبد الله بن عمر النميري؟ قال: ثقة محتج به في كتاب البخاري"""4".

ز - وقال: ""قلت: فعلى بن الحكم المروزي؟ قال: ثقة، يروي عنه البخاري"""5".

حـ- وقال: ""قلت: فمحمد بن إبراهيم بن دينار؟ قال: ثقة مخرّج في الصحيح"""6".

ط- وقال: ""قلت: فعمر بن يحيى بن سعيد بن العاص؟ فقال: مخرّج في الصحيح"""7".

ي- وقال السُّلَمِيّ: ""وسألته عن أبي حمزة السكري، فقال: ثقة أخرج عنه

"1""أسئلة الحاكم": ق10أ.

"2""أسئلة الحاكم": ق10ب.

"3""أسئلة الحاكم": ق9أ.

"4""أسئلة الحاكم": ق9أ.

"5""أسئلة الحاكم": ق9ب.

"6""أسئلة الحاكم": ق10أ.

"7""أسئلة الحاكم": ق9ب.

ص: 161

في الصحيح"""1".

قلت: فمن خلال النصوص السابقة، عن الإمام الدَّارَقُطْنِيّ، في توثيق الرواة، يتضح أنه يجلّ الصحيحين، ويعترف بصحة منهجهما ويعتبر إخراجهما للراوي في الجملة توثيقاً، ولهذا يقول في الرواة السابقين، الذين هم ثقات عنده، عند ما يسأله أحد تلاميذه عن واحد منهم: قد أخرجه البخاري، أو مسلم، أو أخرج في الصحيحين. وكأن هذا من الأدلة في نظره على ما يراه من توثيق الراوي، والله أعلم.

2-

الدليل الثاني:

إحالته في تصحيح الأحاديث -أحياناً- على الصحيحين أو أحدهما، كما حصل له هذا في مواضع كثيرة من كتاب "السنن" منها:

أ - في "السنن" 1/380 قال في حديث: "أخرجه البخاري".

ب- في "السنن" 2/162 قال في حديث: "أخرجه البخاري".

جـ- في "السنن" 2/283 قال في حديث: "إسناد ثابت صحيح أخرجه مسلم بهذا الإسناد".

د- في "السنن" 3/65 قال في حديث: "أخرج في الصحيح".

هـ- في "السنن" 3/65 أيضاً قال في حديث: "هذا صحيح أخرجه البخاري".

و في "السنن" 3/90 قال في حديث: "أخرجه البخاري".

ز- في "السنن" 3/92 قال في حديث: "صحيح أخرجه مسلم".

"1""السُّلَمِيّ": ق11ب.

ص: 162

فكأن الدَّارَقُطْنِيّ في هذه المواضع يصحح الأحاديث، ويعتبر من الأدلة على صحتها إخراج الصحيحين أو أحدهما لها.

3-

الدليل الثالث:

كتاب "الإلزامات" الذي ألّفه لإِلزام صاحبي الصحيحين بإخراج أحاديث يرى صحتها، مثل ما أخرجاه -في الجملة- في صحيحيهما.

فموضوع الكتاب من لازمه تصويب منهج الصحيحين -في الجملة-، ولهذا فإنه يقول في الكتاب:""يلزم مسلما إخراج حديث كذا

""، أو ""يلزم البخاري إخراج حديث كذا

""، أو ""يلزمهما إخراج حديث كذا

"". وقال في مقدمة الكتاب:

"ذِكْرُ ما حضرني ذكره، مما أخرجه البخاري ومسلم، أو أحدهما، من حديث بعض التابعين، وتركا من حديثه شبيها به، ولم يخرجاه أو من حديث نظير له من التابعين الثقات ما يلزم إخراجه على شرطهما ومذهبهما فيما نذكره إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق"""1".

ومضمون الكتاب يؤكد -أيضاً- رأي الدَّارَقُطْنِيّ هذا -تصريحا لا تلميحا- زيادة على الذي مرّ آنفاً.

ومن ذلك قوله: ""واتفقا على إخراج حديث معيقيب، ولم يَرْوِ عنه غير أبي سلمة من وجه يصح مثله.

وانفرد البخاري بحديث سنين بن جميلة، ولم يرو عنه غير الزهري من

"1""الإلزامات" للدارقطني: ص73-74.

ص: 163

وجه يصح مثله

وانفرد البخاري بحديث شيبة بن عثمان، ولم يرو عنه غير أبي وائل من وجه يصح مثله

وانفرد مسلم بحديث الأغر المزني، ولم يروه عنه غير أبي بردة بن أبي موسى، من وجه يصح مثله.

وانفرد مسلم بحديث أبي رفاعة العدوي، ولم يرو عنه غير حميد بن هلال العدوي، من وجه يصح مثله.

وانفرد مسلم برافع بن عمرو الغفاري أخي الحكم بن عمرو، ولم يرو عنه غير عبد الله بن الصامت، من وجه يصح مثله،

إلخ"""1".

ومن ذلك قول الدَّارَقُطْنِيّ -بعد أن ذكر أحاديث لبعض الصحابة، فلخصهم بقوله:

ذِكْر أحاديث رجال من الصحابة رضي الله عنه رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم، رُويت أحاديثهم من وجوه لا مطعن في ناقلهما، ولم يخرجا من أحاديثهم شيئاً، فيلزم إخراجها على مذهبهما، وعلى ما قدّمنا ذكره ما أخرجاه أو أحدهما، وبالله التوفيق.

1-

"2" قد بدأنا في أول الورقة"3" بحديث قيس بن أبي حازم عن دُكين ابن سعيد.

"1""الإلزامات" للدارقطني: ص92-94.

"2" الأرقام من وضعي.

"3" يعني: أول "الإلزامات".

ص: 164

2-

وحديثه عن الصنابح بن الأَعسر.

3-

وحديثه عن أبيه أبي حازم.

4-

وحديثه عن أبي شهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

5-

وحديث نبيط بن شريط، من رواية أبي مالك الأشجعي.

6-

وحديث محمد بن حاطب، من رواية سماك بن حرب.

7-

وحديثه أيضاً من رواية أبي مالك الأشجعي.

8-

وحديث قتادة، عن أبي المليح بن أسامة بن عمير، عن أبيه.

9-

وحديث أبي المليح عن أبي عزة يسار بن عبد، رواه أيوب عنه.

10-

وحديث أبي الأحوص الجشمي، عن أبيه، من رواية ابن إسحاق، وأبي الزعراء، وعبد الملك بن عمير، عنه.

11-

وحديث الحسن بن أحمر بن جزء السدوسي، من رواية عباد بن راشد، عنه"""1".

قلت: وقد بلغت الأحاديث في الإلزامات نحو سبعين حديثاً. وأظن هذا الرأي واضحاً في الكتاب، لا يحتاج إلى توضيح أكثر من هذا.

وهو موقف من الصحيحين يقابل موقفه رحمه الله من الصحيحين في كتاب: "التتبع

" ظاهراً.

ولكن الذي أعجب منه هنا شهرة موقفه منهما في "التتبع

" عند عامة طلاب العلم، وعند المعاصرين بخاصة، بحيث إنه عند إطلاق رأي الدَّارَقُطْنِيّ

"1""الإلزامات": ص97-98.

ص: 165

في الصحيحين، لا يتبادر إلى الذهن سوى هذا، ولا يخطر بالبال أن له "كتاب الإلزامات" وغيره من الأمور التي تدل على الرأي المقابل. وموقفه هذا شبيه بموقف الحاكم تماما.

لكن الحاكم رحمه الله، يعذر الشيخين في ترك ما تركاه من الحديث الصحيح كما هو معلوم عنه، وكما يدل عليه قوله في مقدمة "المستدرك":""

ولم يحكما "يعني الشيخين"، ولا واحد منهما أنه لم يصح من الحديث غير ما أخرجه

"""1".

في حين أن الدَّارَقُطْنِيّ -فيما يبدو لي- لا يعذرهما في ترك ما تركاه من الأحاديث على شرطهما أو مثله، ويدل على هذا اسم كتابه "الإلزامات"، ومقدمته، وما نقلته منه قريباً، وغيره كثير من الكتاب. والله أعلم.

وقد صرّح الدَّارَقُطْنِيّ نفسه بذلك في النصوص السابقة على أن رأي الدَّارَقُطْنِيّ هذا مردود عند الأئمة بالنصوص المأثورة عن الشيخين رحمهما الله تعالى في أنهما لم يقصد كلٌ منهما جمع كل حديث صحيح في كتابه.

وفوق ذلك فإن الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله تعالى قد أورد بعض الأحاديث في "الإلزامات" مدعيا أنها على شرط الشيخين، وليست كذلك، كما في حديث رقم 35،و36، و52، و56، و64، وغيرها من الإلزامات.

وأيضاً فإنه ليس كل رجل أخرج له الشيخان يكون من شرطهما على الإطلاق، لأنه قد يكون على شرطهما في بعض شيوخه، وليس على

"1""المستدرك" للحاكم: 1/2.

ص: 166

شرطهما في بعض شيوخه الآخرين، ونحو ذلك.

وعلماء الحديث بعامة على هذا الرأي، ولم يقبلوا ما ادعاه الدَّارَقُطْنِيّ أو غيره.

قال السخاوي: ""

فإلزام الدَّارَقُطْنِيّ لهما، في جزء أفرده بالتصنيف بأحاديث رجال من الصحابة رويت عنهم من وجوه صحاح، تركاهما مع كونهما على شرطهما، وكذا قول ابن حبان: ينبغي أن يناقش البخاري ومسلم في تركهما إخراج أحاديث هي من شرطهما. ليس بلازم"""1".

ثم إن الأحاديث التي ينطبق عليها شرط الشيخين أو أحدهما كثيرة إذا تتبعها الحافظ المحدث واستقصاها، فلا معنى لذكر سبعين حديثاً وإلزام الشيخين بها.

إلا أن عذر الدَّارَقُطْنِيّ في هذا أنه أَراد ضربَ الأمثلة فقط، لا سيما أنه أورد في كتاب "الإلزامات" ما جال بخاطره وَقْتَ الكتابة، ولذلك قال في مقدمته:""ذِكْر ما حضرني ذكره

إلخ"".

4-

الدليل الرابع:

رسالته في "ذِكْر أقوام أخرج لهما الشيخان في صحيحيهما، وضعفهم النسائي في كتابه: "الضعفاء

"، وسئل عنهم الدَّارَقُطْنِيّ، فأجاب في أكثرهم بالتوثيق، فخالف النسائيَّ فيهم.

وهذه الرسالة دليل قوي على هذا المسلك من الإمام الدَّارَقُطْنِيّ تجاه الصحيحين، وقد ضربت أمثلة من هذه الرسالة في المبحث الرابع من هذا الفصل.

"1""فتح المغيث": 1/31

ص: 167

فمجموع هذه الأدلة الأربعة تؤكّد هذا الموقف -في نظري- والله أعلم.

ص: 168

‌ثالثاً: بيان الموقف الثاني:

الموقف الثاني هو نقد، للصحيحين، وذلك بتضعيف راوٍ فيهما، أو في أحدهما، أو بتضعيف حديثٍ فيهما، أو في أحدهما.

ويمثّل هذا الموقف كتابه: "التتبع، لما أخرج في الصحيحين، وله علّة"، إذ تتبع فيه كل حديث ينتقده على الصحيحين، وبلغ مجموعها 200 مائتي حديث، وليست كلها عنده بعلة قادحة.

وهذا لا يتعارض مع رأيه السابق -كما تقدم-، لأن هذا نقد للصحيحين ليس في منهجهما جملة بل في بعض الجزئيات التطبيقية.

والإمام الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله تعالى منتقد في أكثر آرائه في هذا الموقف.

والحث أن "كل حديث في الصحيحين متصل السند فهو حديث صحيح" وهذه قاعدة أُسلّم بها.

وقبول العلماء للصحيحين، وإجماعهم على ذلك على مرّ العصور يؤيدها، وأقوالهم كذلك تؤيدها، وإن كان هناك أقوال أخرى لبعض الأئمة -كالدَّارَقُطْنِيّ في موقفه هذا- تُعارِض عموم هذه القاعدة، إلا أنه لا معوّل عليها، وليست هي المعتمدة، لأن تلك الأقوال لا تخرج عن أمرين:

الأول: إما أن تكون مبنيّة على سبب أو أسباب مسلّم بها، ولكنها لا تضرّ بصحة الحديث في منهج المحدثين.

الثاني: وإما أن تكون مبنيّة على سبب أو أسباب غير مسلّم بوجودها في

ص: 168

الحديث أو الأحاديث فتُردّ أصلا.

فتكون هذه الأقوال على كلا الحالين غير مقبولة وغير مؤثرة في مكانة الصحيحين وفي صحة جميع ما فيهما من الأحاديث المتصلة.

ولست أرى حاجة لسرد أقوال الأئمة في الثناء على الصحيحين ومنهجهما، والاعتراف بصحتهما، لأن أقوالهم في ذلك معروفة، موجودة في الكتب، فنقْلها من جديد لن يفيد بل هو عَبَث. ولأن السامع أو القارئ سيقول إذا قرأها: إن هناك أقوالا تعارضها.

ولديّ قناعة بمطابقة الصحيحين في منهجهما لأصول المحدثين في قبول الأخبار وردِّها وأن كل ما فيهما من الحديث المتصل صحيح.

وأرى أن يكتب في هذا الموضوع على ضوء دراسة تطبيقية موضوعية وستؤكد هذه الدراسة -إذا خرجت بعلم ومنهج سليم- قاعدَة: "كل حديث في الصحيحين متصل السند فهو حديث صحيح""1".

وقد درس العلماء انتقادات الناقدين للصحيحين بعامّة، وانتقادات الدَّارَقُطْنِيّ بخاصة، فردوا عليها.

"1" وقد كنت أردتُ تسجيل بحثي في هذا الموضوع، لقناعتي الشديدة بما ذكرت، ولكن لم يقدر الله تعالى ذلك، وفي تقديري أن الموضوع يحتاج إلى دقة، وسعة اطلاع، وسداد منهج.

ولا يمكن أن يبحث الموضوع هنا على أنه جزئية في موضوع آخر، لأن هذه الأحاديث، يحتاج -على أقل تقدير- كل حديث منها ثلاث صفحات، فيكون المجموع ستمائة صفحة، ولو تجاوزْتُ هذا كله فكتبت فيه بهذا الحجم لخرجت عن الموضوع.

ص: 169

ومن ذلك -على سبيل المثال-:

1-

جوابات أبي مسعود الدمشقي "إبراهيم بن محمد بن عبيد الحافظ" لانتقادات الدَّارَقُطْنِيّ لصحيح مسلم.

وقد أورد فيه أوهاما للدارقطني -رحمه الله تعالى- في تتبعاته.

2-

"هَدْيُ الساري مقدمة فتح الباري" لابن حجر، فقد أجاب فيه ابن حجر رحمه الله تعالى عن تلك الانتقادات، على وجه الإجمال ثم على وجه التفصيل.

3-

"فتح الباري بشرح صحيح البخاري" لابن حجر أيضاً، تعرّض فيه للردّ على تلك الانتقادات في مواضعها.

4-

"شرح صحيح مسلم" للإمام النووي، تعرّض فيه للردّ على الانتقادات الموجهة لمسلم أو للشيخين أحيانا.

وكذا غالب شروح الصحيحين.

5-

"المدخل" الكبير للحاكم أبي عبد الله النيسابوري صاحب المستدرك وأحد تلاميذ الدَّارَقُطْنِيّ، عقد فيه بابا طويلا خاصا بالدفاع عن البخاري ومسلم في إخراجهما لبعض المنتقدين عليهما.

وسواها من المؤلفات التي تولَّت الدفاع عن الصحيحين إجمالاً أو تفصيلاً، على وجه الشمول أو الاقتصار على بعض المواضع، مما يفيد بمجموعه مكانة عظيمة للصحيحين.

ودرس هذا الموضوع بعض الباحثين المعاصرين، منهم الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، في رسالته للدكتوراه، بعنوان:"بين الإمامين: مسلم والدَّارَقُطْنِيّ".

ص: 170

وتوصَّل الشيخ ربيع -بعد دراسةٍ نَقْدية تطبيقية، أَجْراها على الأحاديث المنتقدة على الإمام مسلم من قِبل الدَّارَقُطْنِيّ -إلى نتائج لا تختلف- في الجملة- مع الحقيقة التي ذكرتها تجاه أحاديث الصحيحين بل تؤيدها، ولخص ما توصّل إليه بقوله:""يمكن إرجاع انتقادات الدَّارَقُطْنِيّ وتتبعاته للإمام مسلم إلى الأقسام الآتية:

1-

انتقاد موجّه إلى أسانيد"1" معينة، فيبدي لها عللا من إرسال، أو انقطاع، أو ضعف راو، أو عدم سماعه، أو مخالفته للثقات في أمرٍ ما. ويتبين في ضوء الدراسة والبحث أنه غير مصيب فيما أبداه من علة. وهذا النوع من الانتقادات لا يكون له تأثير في متون تلك الأسانيد لعدم ثبوت العلل التي أبداها.

2-

انتقاد موجّه إلى الأسانيد، فيبدي لها عللا من انقطاع، أو عدم سماع،

إلخ، ويكون مصيبا فيما أبداه من علّة، لكن تأثيره قاصر على ذلك الإسناد المعين. والمتن يكون صحيحاً من طريق أو طرق أخرى، وله من المتابعات والشواهد ما يزيده قوة.

3-

انتقاد موجّه إلى المتن، كأن يدعي في حديثٍ ما أنه لا يصح إلا موقوفا ولم يثبت رفعه، أو يدعي أنه من قول أحد التابعين، ولا يصح رفعه أو يدعي أن جملة معينة قد زِيدت في متنٍ بسبب وهم أحد الرواة.

ويكون مصيبا في ذلك، ويكون لهذا الانتقاد أثره، لثبوت دعواه، ولعدم

"1" في الأصل: "أسناد".

ص: 171

المتابعات والشواهد لذلك المتن. وهذا النوع قليل جداً لا يجاوز خمسة أحاديث.

4-

انتقاد موجَّه إلى المتن، كأن يدعي في حديثٍ ما أنه لا يصح إلا موقوفاً على"1" صحابي معين، أو مرسلاً من قول فلان، ويبين في ضوء الدراسة أن دعواه لا تثبت. وهذا يكون بالبداهة لا أثر له في ذلك المتن الذي ادعى فيه تلك العلة""2".

"1" في الأصل: "عن".

"2""بين الإمامين: مسلم والدَّارَقُطْنِيّ"، للشيخ ربيع مدخلي: 2/233.

ص: 172

‌الباب الثاني: مصنَفاته والكلام عنها

‌الفصل الأول: مؤلفاته الموجودة

*

تمهيد: مكانته في التصنيف:

كما أصبح الدَّارَقُطْنِيّ مرجعاً للعلماء والطلاب في زمنه، فقد أصبحت مؤلفاته مرجع الناس من لدن زمنه إلى الوقت الحاضر.

ولهذا يقول ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر أصحاب الكتب الخمسة المعتمدة في الحديث: ""سبعة من الحفاظ في ساقتهم، أحسنوا التصنيف وعظم الانتفاع بتصانيفهم في أعصارنا:

أبو الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ البغدادي

ثم الحاكم أبو عبد الله

ابن البيِّع النيسابوري

ثم أبو محمد عبد الغني بن سعيد الأَزْدي حافظ مصر

ومن الطبقة الأخرى:

أبو عمر بن عبد البَرَّ النمري حافظ أهل المغرب

ثم أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي

ثم أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي

رحمهم الله وإيانا والمسلمين أجمعين، والله أعلم"""1".

ويقول الحافظ ابن كثير، رحمه الله تعالى، مُثْنياً على الدَّارَقُطْنِيّ ومؤلفاته: "الحافظ الكبير، أستاذ هذه الصناعة:

سمع الكثير، وجمع وصنف وألّف وأجاد وأفاد، وأحسن النظر والتعليل والانتقاد والاعتقاد، وكان فريد عصره، ونسيج وحده، وإمام دهره في أسماء الرجال وصناعة التعليل، والجرح والتعديل، وحسن التصنيف والتأليف، واتساع الرواية، والاطلاع التامّ في الدراية، له كتابه المشهور"2"، من أحسن المصنفات في بابه، لم يسبق إلى مثله،

"1""علوم الحديث"، لابن الصلاح "مع المحاسن": 586-587، وانظر:"أسماء الرجال"، للطيبي: ق47ب.

"2" يريد: كتاب "السنن".

ص: 175

ولا يُلحق بشكله، إلا من استمدّ من بحره وعمل كعمله.

وله كتاب "العلل"، بيَّن فيه الصواب من الدَخَل، والمتصل من المرسل والمنقطع من المعضل.

وكتاب "الأفراد" الذي لا يفهمه، فضلاً عن أن ينظمه، إلا من هو من الحفاظ الأفراد، والأئمة النقاد، والجهابذة الجياد.

وله غير ذلك من المصنفات، التي هي كالعقود في الأجياد"""1".

وقد ألَّف الإمام الدَّارَقُطْنِيّ مؤلفات عديدة أكثرها في الحديث ونقده. ومؤلفاته في علوم الحديث أكثر منها في الحديث وغيره.

وقد تميزت بالأَصالة العِلْمية، فلم يعتمد فيها على النقل، بل كل مصنفاته مستقلٌ في إنشائها، فلم يكن فيها كتاب مختصراً لكتابِ غيره، أو شرحا أو نحو ذلك.

ومؤلفاته بعضها مَوْجود، وبعضها لازال مفقوداً.

والموجود منها أكثره مطبوع، وقد كنت قلتُ في وقت إعداد هذه الرسالة، بأن أكثرها مخطوط"2". أمّا الآن، فالحمد لله قد طُبع كثيرٌ مِن مؤلفاته، إنْ لم يكن جلّها، كما هو واضحٌ مِن بيان المطبوع والمخطوط مِن مؤلفاته.

وسأَذكر فيما يلي مصنفات الدَّارَقُطْنِيّ على الوجه الآتي:

الفصل الأول: مؤلفاته الموجودة: وفيه مبحثان:

المبحث الأول: المطبوع منها. المبحث الثاني: المخطوط منها.

الفصل الثاني: مؤلفاته المفقودة. الفصل الثالث: المؤلفات المنسوبة له خطأً.

الفصل الرابع: سرد جميع مؤلفاته، مرتبةً على حروف المعجم.

"1""البداية والنهاية": 11/317.

"2" كنتُ قلت في ذلك الوقت: "فلم يطبع من مؤلفاته -على أهميتها- إلا القليل".

ص: 176

‌المبحث الأول

المطبوع من مصنّفاته: بيانها، والكلام عنها

فيما يلي أذكرُ ما اطّلعتُ عليه مِن مصنّفات الإمام أبي الحسن الدارقطني، رحمه الله تعالى، المطبوعة، مرتّبةً على حروف الهجاء، مع الكلام عليها بما ظهر لي تجاه كلٍّ منها، وذلك مِن خلال الوقوف على الكتاب.

وربما كان مِن المهمّ الإشارة هنا إلى أن تلك الكتب قد كنتُ اطّلعتُ عليها مخطوطاتٍ، غالباً، ولهذا كانت إحالاتي عليها في صورتها الخطِّيّة، وإنْ طُبع أكثرها فيما بعد.

فمِن مصنَّفات الإمام الدراقطنيّ المطبوعة ما يلي:

ص: 179

1-

"‌

‌الأحاديث التي خولف فيها إمام دار الهجرة مالك بن أنس

":

عزاه ابن خير الإشبيلي للدارقطني في "الفهرست": 180 والذهبي في "سير أعلام النبلاء": 8/77.

وفؤاد سزكين في 1/514.

ويوجد منه نسخة في "الظاهرية" بدمشق في مجموع رقم 63/21 من ق255أ - 267ب، ثم زيدت إلى ق270. ويبدو من آخرها أنها نسخة ناقصة أيضاً.

ولها صورة في المكتبة الصدّيقية بمكة"1"، مجموع رقم 16 حديث.

"1" هي مكتبة للشيخ عبد الرحيم بن صدّيق، جزاه الله خيراً، وقفها سلفاً على الحرم المكي بعد وفاته.

ص: 179

وكذا لها صورة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

وفي أوله:

""الجزء فيه الأحاديث التي خولف فيها مالك بن أنس ?، وفي تضاعيفها أحاديث حدّث بها مالك في الموطأ على وجه، وحدّث بها في غير الموطأ على وجه آخر. تخريج أبي الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ مختصراً غير مستقصى"""1".

والكتاب لا يقل أهمية عن مؤلفات الدَّارَقُطْنِيّ الأخرى المشهورة، لنفاسة موضوعه، وهو يَلْفت نظر القارئ إلى قوة حافظة الإمام الدَّارَقُطْنِيّ وسعة اطّلاعه.

وللتدليل على ما أقول: أنقل أنموذجاً من أول الكتاب:

""

أنا أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدَّارَقُطْنِيّ الحافظ في كتابه، قال: ذِكْر الأحاديث التي رواها مالك بن أنس عن الزهري، وخالفه أصحاب الزهري فيها.

روى مالك بن أنس، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، عن عبد الرحمن بن سهيل، عن سعيد بن زيد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من ظلم شبراً من الأرض طُوّقه من سبع أَرضين". وربما قال: عن عبد الرحمن بن عمرو بن سهيل، هكذا حدّث به عبد الله بن وهب عن مالك. وليس هو في الموطأ.

روى هذا الحديث معمر، ومحمد بن الوليد الزبيدي، وشعيب بن أبي حمزة، وعقيل بن خالد، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، وأبو أويس، وغيرهم عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف، وشعيب بن أبي حمزة، وهبّار بن

"1" ق1 "صفحة العنوان".

ص: 180

عقيل، وغيرهم فرووه عن الزهري عن عروة عن عائشة. منهم من أضاف إلى عروة رجلا وأسندوه عن عائشة. وأسنده شعيب عن عائشة وأم سلمة.

وخالفوه أيضاً في اسم بنت أخي حذيفة بن عتبة فسموها هنداً"1" بنت الوليد وهو الصواب. والله أعلم"""2".

وقد طبع الكتاب"3".

"1" في الأصل: "هند".

"2""الأحاديث التي خولف فيها مالك"، للدارقطني: ق2أ-ب.

"3" الرياض، مكتبة الرشد، وشركة الرياض، ط. الأولى، 1418هـ-1997م.

ص: 181

2-

"‌

‌أحاديث الصفات

":

هي رسالة صغيرة، جمع فيها الدَّارَقُطْنِيّ بعض أحاديث الصفات التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم وصفا لله تعالى كاليدين، والأصابع، والضحك والكلام، والكرم، والرحمة

إلخ صفاته العلا سبحانه وتعالى على الوجه الذي يليق به سبحانه.

وبعض الأحاديث التي أوردها مروية في البخاري أو في مسلم أو فيهما، والدَّارَقُطْنِيّ أحيانا يشير إلى ذلك، وأحيانا يقول: رواه أبو داود، أو

النسائي، وهكذا.

وقد جمع فيها أحاديث الصفات على غير تبويب موضوعي، إلا أنه يأتي بأحاديث النزول مثلا، فإذا انتهى مما قصد إيراده فيه انتقل إلى أحاديث إثبات اليدين، مثلاً، وهكذا.

ولم يتكلم فيها على الأحاديث صحةً وضعفاً، كما لم يتكلم عليها فقهاً

ص: 181

أو تأويلاً، بل ترك ذلك لفقه الفقيه.

والرسالة في عشر صفحات، الصفحة 33 سطراً، ومجموع أحاديثها نحو من ستين حديثاً.

منها نسخة مخطوطة تحت رقم 23314ب من ورقة 103-115 بدار الكتب المصرية بالقاهرة، ولها نسخة أخرى في الظاهرية. وصورة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وصورة عند الشيخ حماد الأنصاري.

وطُبعت هذه الرسالة"1".

"1" بتحقيق عبد الله الغنيمان، المدينة المنورة، مكتبة الدار، 1403هـ-1983م. كما طُبعت في: مصر، دار إحياء السنّة، وطبعت في: سوريا، دار الثقافة، 1414هـ.

ص: 182

3-

"‌

‌أحاديث الموطأ واتفاق الرواة عن مالك، واختلافهم فيه وزياداتهم، ونقصانهم

":

منه نسخة مخطوطة مصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم 1579م "من ق98-121".

بدأه بنسب الإمام مالك فيما يقرب من صفحة. ثم قال: ""ذكر ما أسند مالك مما روي عنه في الموطأ -على اختلاف الرواة عنه فيه- بذكر اختلافهم، واتفاقهم، وانفراد بعضهم بالرواية عنه فيه على بعض دون غير الموطأ من حديثه"""2".

ثم قال: ""ذكر ما أسند في الموطأ عن الزهري عن أنس بن مالك: خمسة

"2""أحاديث الموطأ....": ق2أ.

ص: 182

أحاديث

"""1".

ثم سردها وبيّن اختلاف الرواة واتفاقهم فيها

وهكذا، وذكر فيه الرواة للموطأ في جميع أسانيده على كثرتهم.

وهو كتاب قيّم -على صغر حجمه- له أهميّة كبرى في موضوع دراسة الموطأ وتحقيقه.

وهو -على صغر حجمه- يدل على قوة حافظة هذا الإمام لدرجة تدهش المرء.

وقد طبع"2".

"1""أحاديث الموطأ....": ق2أ.

"2" القاهرة، الطبعة الأولى سنة 1365هـ، بعناية السيد عزت العطار الحسيني، مكتب نشر الثقافة الإسلامية.

ص: 183

4-

"‌

‌أحاديث النزول

":

رسالة صغيرة في 19 صفحة في مجموع رسائل مصورة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وكذلك عند الشيخ حماد الأنصاري، تبدأ من ص104، وتنتهي بصفحة 122.

والرسالة لها نسختان: نسخة بمكتبة الجامعة العثمانية بحيدرآباد، ونسخة بمكتبة سراي ريقان كشك بتركيا"3"ساق فيها المؤلف الروايات الواردة في نزول الرب تعالى إلى السماء الدنيا،

"3" انظر: فؤاد سزكين: "تاريخ التراث العربي": 1/511-515.

ص: 183

ورتبها على مسانيد الصحابة.

فبدأ بمسند علي بن أبي طالب ?، ثم جبير بن مطعم، ثم جابر بن عبد الله، ثم عبد الله بن مسعود، ثم أبي هريرة -وهو مسند أطال فيه- ثم عمرو بن عَبَسَة، ثم رفاعة بن عرابة الجهني، ثم عثمان بن أبي العاص الثقفي، ثم أبي الدرداء، ثم سلمة جد عبد الحميد"1" بن يزيد بن سلمة.

ثم ذكر أحاديث النزول ليلة النصف من شعبان على المسانيد أيضاً، فبدأ بمسند أبي بكر الصديق، ثم معاذ بن جبل، ثم أبي ثعلبة الخُشَني، ثم كثير بن مرة الحضرمي، ثم عائشة أم المؤمنين، ثم أبي موسى الأشعري.

ثم قال في الآخر: "ذكر الرواية حديث من قال: إن الله عز وجل ينزل إلى الدنيا

"، فذكر فيه حديثين.

ولم يتحدث عن فقه النصوص، بل اكتفى بإيرادها فقط، ليبين أن الأحاديث متواترة في إثبات النزول للباري تعالى، على ما يليق بجلاله.

وتَحْمل هذه الرسالة في بعض النسخ عنوان: "كتاب في بيان نزول الجبار كل ليلة رمضان، وليلة النصف من شعبان، ويوم عرفات، إلى سماء الدنيا".

وطُبع"2".

"1" في الأصل: عبد الحميدي، وهو خطأ.

"2" بتحقيق د. علي بن محمد فقيهي، الرياض، 1403هـ

ص: 184

5-

"أخبار عمرو بن عبيد"1"، وإظهار بدعته":

وهو مجموع أخبار شنيعة يرويها الدَّارَقُطْنِيّ بأسانيدها إلى عمرو بن عبيد هذا الذي تفوّه بكلام في ذات الله تعالى، وفي كتابه العزيز لا يطيق النطقَ به مؤمن.

والإمام الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله تعالى لم يعلّق على ما أورده عن هذا المنحرف من أخبار، اكتفاء بما تنادي به على نفسها من ضلال وانحراف.

وقد طبع الكتاب "نشره وتَرْجَمَهُ إلى الألمانية: المستشرق "يوسف فان إسّ"، الطبعة الأولى، 57 النص العربي + 56 الترجمة.

"المعهد الألماني للأبحاث الشرقية، بيروت، 1967م""""2".

منه صورة بمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وصورة في المكتبة المركزية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وصورة بمكتبة الشيخ عبد الرحيم بن صديق بمكة.

"1""هو أبو عثمان البصري، المعتزلي، القَدَريّ، مع زهده وتألُّهِه. قال ابن معين: " لا يكتب حديثه"، وقال النسائي: "متروك الحديث". "ميزان الاعتدال": 3/273.

وضعّفه الأئمة وحذّروا منه ومن مجالسته، لأنه كان على بدعة المعتزلة والقدرية، فتكلّم في ذات الله وأسمائه وصفاته بما لا يليق به تعالى.

"2""معجم المخطوطات المطبوعة": 3/82.

ص: 185

6-

"‌

‌الإخوة والأَخوات

""3":

وموضوعه أوضحه الدَّارَقُطْنِيّ في أوله بقوله:

""ذكر الإخوة ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه أو رآه ولم يرو عنه، أو

"3" وقع خطأ في اسمه في "تاريخ التراث العربي": 1/515، حيث سماه بـ"كتاب الإخوة والأخوّة"!!.

ص: 185

وُلد في عهده، أو ولد أخوه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، من الرجال والنساء.

فأول من نقدم ذكره من الإخوة من كان منهم من بني هاشم بن عبد مناف، ونبدأ منهم بذكر أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ كانت ابنتاه فاطمة وزينب عليهما السلام قد روي عنهما الحديث، فنذكرهما وإخوتهما، ونبين من روي عنه منهم، ومن لم يرو عنه، والله الموفق للصواب"""1".

وهو كتاب مفيد في معرفة أنساب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن عاش في زمنهم.

سلك فيه المؤلف مسلك الاختصار ليوقف القارئ على الحقيقة بأقصر عبارة مع استيفاء الموضوع.

ورتبه المؤلف على الترتيب الآتي:

الإخوة من أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الإخوة من ولد عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.

الإخوة من ولد أبي طالب بن عبد المطلب.

الإخوة من ولد الحارث بن عبد المطلب.

الإخوة من ولد العباس بن عبد المطلب.

الإخوة من ولد الخطاب بن نفيل.

الإخوة من ولد عمر بن الخطاب.

اعتبر هذه عناوين مباحث الكتاب.

ويوجد نسخة من الكتاب في "تشستربيتي" برقم 3854/6 في تسع

"1""كتاب الإخوة والأخوات": ق 2 أ.

ص: 186

أوراق ذات وجهين. وهي نسخة ناقصة، حيث قال في آخر ورقة منها:

""يتلوه في الذي يليه الإخوة من ولد عفان بن أبي العاص

"""1". ومنها صورة بمكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

ويلزم التنبيه هنا إلى أن السخاوي أشار في "فتح المغيث

" في "الإخوة والأخوات" أن الدَّارَقُطْنِيّ ألّف كتاباً في "خصوص الإخوة من ولد كلٍ من عبد الله وعتبة بن مسعود""2".

قلت: فإن قصد به هذا الكتاب الذي تحدثت عنه آنفا فقد وهم، لأن موضوعه كما أسلفت، وإن قصد به كتاباً آخر للدارقطني فهو مفقود.

والله أعلم.

وقد طُبع هذا الجزء الصغير منه"3".

"1""الإخوة والأخوات"، للدارقطني: ق 9 ب.

"2" "فتح المغيث

"، للسخاوي: 3/163.

"3" بتحقيق د. باسم فيصل الجوابرة، الرياض، دار الراية، ط. الأولى، 1413هـ-1993م.

ص: 187

7-

"‌

‌أربعون حديثاً من مسند بريد بن عبد الله بن أبي بُردة

-140هـ، عن جده أبي بُردة بن موسى، عن أبي موسى الأشعري":

ذكره فؤاد سزكين في 1/515-516، وقال: إنه موجود في مكتبة "شهيد علي، 541، "136أ-174أ

".

ولم أستطع الحصول عليه.

وقد طُبع"4".

"4" بتحقيق محمد عبد الكريم عبيد، مكة المكرمة، جامعة أُم القرى، 1420هـ.

ص: 178

8-

"‌

‌أسئلة البَرْقانِيّ

":

ذكر فيه جملة وافرة من الرجال، الذين حكم عليهم الدَّارَقُطْنِيّ جرحاً وتعديلاً، بعبارة وجيزة، يظهر فيها حصافة هذا الإمام، وإنصافه، وسعة اطلاعه.

ويقع في ثلاث عشرة ورقة، في الوجه الواحد خمسة وعشرون سطرا تقريباً.

وقد رتبهم البَرْقانِيّ على حروف المعجم.

وممن ذكره: البَرْقانِيّ، والخطيب، والسخاوي، وخلق كثير.

له نسخة في مكتبة "سراي"، أحمد الثالث: 624/12 "من ق 104أ-116أ"، ونسخة في "دار الكتب بالقاهرة: حديث 1558 من 539-546" قال في أول الجزء:

""أخبرنا الشيخ أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد الكرجي، عن أبي بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب البَرْقانِيّ الحافظ قال:"هذه فصول نقلتها من رقاعٍ كنت أثبتُّ فيها مما سألت الشيخ أبا الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ الحافظ، فنقلتها الآن بما أجابني عنه ما سألته من ذلك، ورتبتُها على حروف المعجم ليقرب على الطالب إدراكها إن شاء الله تعالى"""1".

وعليه ذيل في نحو ثلاث ورقات، رواه الخطيب، عن البَرْقانِيّ، عن الدَّارَقُطْنِيّ، أوله: "قال الخطيب: وكانت عند أبي بكر في جزأين تعليقات عن أبي الحسن الدَّارَقُطْنِيّ من جزء ثالث

" فأوردها.

وطبع"2".

"1""أسئلة البَرْقانِيّ": ق1أ.

"2" تحقيق عبد الرحيم محمد أحمد القشقري، لاهور، أحمد ميان تهانوي، 1414هـ، وطُبع بتحقيق مجدي السيد إبراهيم، القاهرة، مكتبة القرآن، 1989م.

ص: 188

9-

"‌

‌أسئلة الحاكم للدارقطني عن شيوخه

":

كتاب يقع في إحدى عشرة ورقة، في الصفحة الواحدة ما بين أربعة وعشرين وخمسة وعشرين سطراً.

منه نسخة مخطوطة في "سراي" أحمد الثالث:624/23 من ق268ب-279أ.

ومنها صورة لدى الشيخ حماد الأنصاري، في المدينة المنورة.

وهو أسئلة الحاكم للدارقطني عن شيوخه، قال في أوله:

""ذكر أسامي مشايخ من أهل العراق خفي عليَّ أحوالهم في الجرح والتعديل، علقت أساميهم، وعرضته على شيخنا أبي الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ الحافظ رحمه الله تعالى فعلّق بخطه تحت أساميهم ما صحّ له من أحوالهم. ثم سألته فشافهني بها"""1".

ومن هنا تأتي أهمية الكتاب، إذ أنه خلاصة ما صحّ لدى هذا الإمام من أقوال الأئمة في بعض الرواة والمشايخ، يبين به الحكم في الشخص جرجا وتعديلا، في كلمة موجزة فيقول: فلان ضعيف. فلان ثقة، فلان تكلموا في حفظه، وهكذا.

وأحيانا يتعرض لإيراد بعض ما انتقد على الراوي في إيجاز. وقد رتب الأسماء في أول الكتاب على حروف المعجم، ثم ترك الترتيب، وتزداد أهمية الكتاب -أيضاً- من جهة كونه أبان الحكم في كثير من الرواة المعاصرين للدارقطني الذين لم تهتم بهم كتاب التراجم، وقلّما يذكرون فيها.

وممن ذكر هذا الكتاب الإمام الحاكم نفسه، والذهبي، وابن حجر،

"1""أسئلة الحاكم للدارقطني": ق1أ.

ص: 189

وأصحاب الكتب الفهارس.

وقد طبع أخيراً"1".

"1" بدراسة وتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، بعنوان:"سؤالات الحاكم"، الرياض، مكتبة المعارف، ط. الأولى، 1404هـ-1984م.

ص: 190

10-

"‌

‌أسئلة السُّلَمِيّ للدارقطني

":

هي مجموعة أسئلة في الرجال من جهة جرحهم وتعديلهم، والمفاضلة بينهم أحيانا، وجّهها أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السُّلَمِيّ، للإمام الدَّارَقُطْنِيّ، فأجاب عنها.

وقد رتب السُّلَمِيّ الأسماء على حروف المعجم.

ويقع الكتاب في خمس عشرة ورقة، في الوجه الواحد قرابة خمسة وعشرين سطراً.

وأحيانا تتفق هذه السؤالات وأجوبتها مع أسئلة الحاكم، وأسئلة السهْمي، وهذه السؤالات جميعاً ليست في الرجال خاصة في الجرح والتعديل، بل هي أعم إذ تخرج عن هذا أحياناً فتتعرض لذكر تواريخ الوفاة والحكم على بعض الأسانيد، والروايات، والأحاديث، وانتقاد بعض الآراء، وسرد الأنساب، ونحو ذلك من أنواع علوم الحديث.

لها نسخة في "سراي"، أحمد الثالث 624/16 من ق157ب-172أ.

وممن ذكر هذه السؤالات: الذهبي في "تذكرة الحفاظ"، والبيهقي، وأصحاب الكتب الفهارس.

وطبع"2".

"2" دراسة وتحقيق سليمان آتش، الرياض، دار العلوم، 1408هـ.

ص: 190

11-

"‌

‌أسئلة السهمي للدارقطني

":

منه نسختان: إحداهما: مطوّلة، توجد لها نسخة في "سراي"، أحمد الثالث 624/12 من ق172ب-189ب. يذكر فيها الأسانيد، تقع في ست عشرة ورقة، مرتبة فيها الأسماء على حروف المعجم، وبدأ فيها بأسماء المحمّدين في ست ورقات.

وهذه السؤالات ليست كلها موجّهة للدارقطني -وإن كان كثير منها مما وجّهه السهْمي للدارقطني- ففيها سؤالات موجّهة إلى غيره من الأئمة المعاصرين للسهْمي.

ومن الأمثلة على ذلك أنه قال في: ق4أ:

"سمعت أبا بكر الإسماعيلي يقول

وسمعت أبا محمد يقول

وسمعت أبا محمد يقول

وسألت أبا زرعة الجرجاني عن محمد بن حمدون المستملي

".

وقال في: ق4ب:

"سمعت أبا بكر بن عبدان الحافظ يقول

سمعت أبا بكر الإسماعيلي يقول

وسمعت أبا بكر الإسماعيلي يقول

وسمعت أبا بكر الإسماعيلي يقول

سألت أبا محمد بن غلام الزهري

وسألت الحسن بن النضر بن زوران

وسألت أبا الحسن التمّار

وسألت أبا الحسن بن حماد القرشي

سألت أبا محمد بن غلام الزهري وأبا بكر بن زحر المنقري

".

فبهذا التمثيل، يظهر كثرة الأجوبة المنقولة في أسئلة السهمي عن غير الإمام الدَّارَقُطْنِيّ.

وبعد أن لاحظت ذلك رأيت في آخر سؤالات السُّلَمِيّ -وهي في

ص: 191

المجموع نفسه قبل سؤالات البَرْقانِيّ- مكتوباً:

""يتلوه إن شاء الله تعالى بمقلوبها سؤالات أبي القاسم حمزة بن يوسف بن إبراهيم القرشي عن الحافظ أبي الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ وغيره من المشايخ والحفاظ في الجرح والتعديل، رضي الله عنهم بكرمه أجمعين"".

أما النسخة الأخرى: فهي نسخة "الظاهرية" بدمشق، في مجموع رقم 111 من ق205-215، نسخة مختصرة إِذْ:

1-

حُذفت منها الأسانيد.

2-

اختُصرت مادتها، فيوجد في النسخة الأولى ما لا يوجد فيها.

ومن الأمثلة على هذا: أن أول النسخة المطوّلة ليس موجوداً في المختصرة، وفي باب المحمدين بدأ في المطوّلة بستة أشخاص ثم بمحمد بن غالب تمتام، أما في المختصرة فإنه حذف الستة الأشخاص وبدأ بمحمد بن غالب.

والنسخة المختصرة يبلغ حجمها بالسماعات المثبتة نصف حجم المطوّلة تقريباً، وهي نسخة ليست جيدة ولا ينبغي الاعتماد عليها -في نظري- لأنه وقع فيها خلط فلم يميز فيها بين ما أخذه السهمي عن الدَّارَقُطْنِيّ، وبين ما أخذه عن غيره، وحذف منها الأسئلة وذُكرت الجوابات فقط.

وقد ذكر أسئلة السهمي أكثر مَنْ تكلم في الجرح والتعديل كابن حجر في "تهذيب التهذيب" كثيراً، والذهبي وسواهما.

وطبع"1".

"1" بدراسة وتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، بعنوان:"سؤالات حمزة بن يوسف السهمي للدارقطني وغيره مِن المشايخ"، الرياض، مكتبة المعارف، 1404هـ.

ص: 192

12-

"‌

‌الاستدراكات

":

ذكره ابن خير في "الفهرست": ص204، وقال: إنه جزءان.

كما عدّه غيره من الأئمة في مؤلفات الدَّارَقُطْنِيّ، كابن الصلاح، وابن كثير والذهبي، وابن حجر.

ويسمى: "التتبع" أيضاً.

منه نسخة في "السعيدية، حيدر آباد، حديث 355 "115ب-134ب،786هـ""1".

وأما موضوع الكتاب فهو ذكر الأحاديث التي في الصحيحين ولها عِلّة في رأي الإمام الدَّارَقُطْنِيّ، سواء كانت تلك العلة قادحة في صحة الحديث، أو غير قادحة عنده.

وقد اشتمل الكتاب على مائتي حديث، وليس الصواب فيها غالباً في جانب الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله، أو أنه في جانبه ولكن نقده لا يؤثر في صحة الحديث، وقد مضى بحث خاص برأي الدَّارَقُطْنِيّ في هذا الموضوع "في المبحث الخامس من هذا الفصل".

وقد أخطأ المستشرقون أصحاب "دائرة المعارف "الإسلامية"" إذْ قالوا عن الكتاب: ""وهو بيانٍ بمائتي حديث من الأحاديث الضعيفة التي أوردت في البخاري ومسلم"""2"؛ فأوهموا أنه في بيان أحاديث ضعيفة في الصحيحين،

"1""تاريخ التراث العربي": 1/514.

"2""دائرة المعارف "الإسلامية"": 9/89.

ص: 193

وهذه مغالطة!!، وكأن الأحاديث المذكورة متفق على ضعفها -كما يدل على هذا العبارة السابقة- وهذه مغالطة أيضاً!!. ومعلومٌ أن مِثْل هذا لا يؤخذ عن هؤلاء، وينبغي اطّراح هذه الدائرة، وإكمالها، وعدم اتّخاذها مرجعاً في أيٍّ مِن العلوم الإسلامية، أو التصوّرات عن دين الإسلام.

وقد طبع الكتاب محققاً، حققه -مع الإلزامات للدارقطني- مُقْبل بن هادي بن مُقْبل، بعنوان:"الإلزامات والتتبع"،وطُبع "1".

"1" المدينة المنورة، المكتبة السلفية، 1399هـ، وهي طبعةٌ رديئة، وطُبع ط.2: الكويت، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، 1402هـ، وطُبع طبعة مزيدة ومنقحة: بيروت، دار الكتب العلمية، 1405هـ.

ص: 194

13-

"‌

‌الأسخياء

":

ذكره فؤاد سزكين، وقال: إنه يوجد في: "بنكي بور: 5- القسم الثاني: 101 رقم 372 "26 ورقة، القرن السادس الهجري" وطبع "مخطوط مدرسة كلكتا" سنة 1934م بعناية وجاهة حسين في كلكتا، انظر كذلك: وجاهة حسين في "كتاب الأسخياء" للدارقطني في مجلة JASR 1914-548""2".

قلت: ولم أطلع عليه، لأن طبعه مضى عليه ما يقرب من سبعين عاماً؛ فهو في حكم المخطوط.

وذكره محمد بن أحمد بن محمد المالكي الأندلسي في جزء: "تسمية ما ورد به أبو بكر الخطيب البغدادي دمشق من الكتب من روايته، من الأجزاء

"1" المدينة المنورة، المكتبة السلفية، 1399هـ، وهي طبعةٌ رديئة، وطُبع ط.2: الكويت، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، 1402هـ، وطُبع طبعة مزيدة ومنقحة: بيروت، دار الكتب العلمية، 1405هـ.

"2" فؤاد سزكين: "تاريخ التراث العربي": 1/512.

ص: 194

المسموعة والكبار المصنفة، وما جرى مجراها

"""1"، وذكره بعنوان:"كتاب الأجواد""2".

ولا يَبعد أن يكون كلٌّ مِن كتاب: "الأسخياء"، و"الأجواد"، و"المستجاد مِن فعل الأجواد"=كتاباً واحداً، لكن اختلفت العناوين بحسب ذكْر النسّاخ أو الرواة، أو المؤلف؛ بدليل أنها كلها في موضوعٍ واحدٍ، والله أعلم. وانظر:"المستجاد" الآتي في موضعه.

"1" منه نسخة في الظاهرية: مجموع 18، الرسالة السادسة منه.

انظر: "الحافظ الخطيب البغداد وأثره في علوم الحديث"، للدكتور: محمود الطحان: 282- وقد نقل الجزء كله.

"2" المصدر السابق: 296.

ص: 195

14-

"‌

‌الإلزامات

":

وهو جزء صغير، ذكر فيه الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ الأحاديث التي يرى أنها صحيحة على شرط البخاري ومسلم أو أحدهما، أو يماثل شرطهما وليست في صحيحيهما، فهو في موضوعه نظير كتاب:"المستدرك على الصحيحين" للحاكم أبي عبد الله، مع الفارق الذي ذكرته فيما سبق.

وقد ذكره ابن خير في "الفهرست": 203.

وذكره السخاوي، في "فتح المغيث": 1/31، وابن حجر.

وله نسخة في الآصفية بالهند 3: 260، حديث 980 "54 ورقة""3".

"3""تاريخ التراث العربي": 1/512.

ص: 195

ونسخة أخرى بالمكتبة "السعيدية" بحيدر آباد، حديث: 355، "111ب-115ب، 786هـ""""1".

وقد طبع الكتاب محققاً مع كتاب "التتبع" في مجلد واحد بعنوان: "الإلزامات والتتبع""2"-كما سبق في "التتبع"-.

وقد مضى ذكر أمثلة وافية من "الإلزامات"، والموازنة بينه وبين "المستدرك" للحاكم في "المبحث الخامس من هذا الفصل".

وصُنّف في الرد عليه:

"جواب أبي مسعود محمد بن إبراهيم بن عبيد الدمشقي، عما بين فيه غلط أبي الحسين مسلم بن الحجاج".

منه نسخة في "السعيدية"، حديث 355 "134ب-141ب، 786هـ""3".

ومنه نسخة مصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

وألّف أبو ذر الهروي كتاب: "تخريج الإلزامات" هذا في أربعة أجزاء حديثية"4".

* - "كتاب التتبع":

هو "كتاب الاستدراكات"، وقد مرّ، مع الكلام عليه.

"1""تاريخ التراث العربي": 1/512.

"2" المدينة المنورة، المكتبة السلفية، 1399هـ، وهي طبعةٌ رديئة، وطُبع ط.2: الكويت، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، 1402هـ، وطُبع طبعة مزيدة ومنقحة: بيروت، دار الكتب العلمية، 1405هـ.

"3""تاريخ التراث العربي": 1/512.

"4" انظر: "فهرست ابن خير": ص203.

ص: 196

15-

‌ تعليقات على المجروحين، لابن حبان:

مثبتة على النسخة المحفوظة من كتاب المجروحين بدار الحديث النورية بدمشق.

ومن كتاب المجروحين نسخة منقولة عن هذه النسخة محفوظة بأيا صوفيا، برقم 496.

وقد طُبع بعض هذه النسخة إلى نهاية الجزء الثاني، وتوقف الطبع قبل ترجمة: مندل بن عبد الله العبدي.

وطُبع في حواشي هذه النسخة، تعليقات الإمام أبي الحسن الدارقطني، إضافة إلى تعليقات أبي إسحاق بن شاقلا"1"، وهي تعليقات واستدراكات وجيزة قليلة.

ثم طُبعت هذه الحواشي مجموعة مفردةً"2"، بعنوان: "تعليقات الدارقطني على المجروحين، لابن حبان البستي، ومعه نقولات مِن كتاب الضعفاء للساجي مِن رواية ابن شاقلا

".

* - "الجرح والتعديل":

هو "كتاب الضعفاء والمتروكين من المحدثين".

"1" حيدر آباد، الهند، المطبعة العزيزية، 1390هـ-1970م.

"2" بيروت، الفاروق الحديثة-القاهرة، دار الكتاب الإسلامي، ط. الأولى، 1414هـ-1994م.

ص: 197

16-

"‌

‌ذِكْر أسماء التابعين ومن بعدهم ممن صحت روايته عند البخاري

":

يقول لطفي عبد البديع"3" إنه يوجد منه: "نسخة نقلت من خط الدَّارَقُطْنِيّ عن

"3" في "فهرس المخطوطات المصورة"، لطفي عبد البديع، 2/137.

ص: 197

عن نسخة الحميدي، مكتبة كويري 40/4،7 ق255×168 سم ف754".

قلت: لهذه النسخة صورة في المكتبة المركزية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ولكن عدد أوراقها 14 ورقة، وقد وضع لها هي والرسالة الآتية بعدُ عنوان واحد هو:"ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم ممن صحت روايته من الثقات عند البخاري ومسلم وذكراه في كتابيهما الصحيحين أو أحدهما".

وجُعلت الرسالة جزأين: الأول: "ذكر أسماء من اشتمل عليه كتاب محمد

ابن إسماعيل البخاري الجامع للسنن الصحاح عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من التابعين فمن بعدهم إلى شيوخه على حروف المعجم

".

والثاني: "في ذكر أسماء من اشتمل عليه كتاب مسلم بن الحجاج الملقب بالصحيح من التابعين فمن بعدهم على حروف المعجم".

فأما رسالة رجال البخاري فقد سرد فيها الدَّارَقُطْنِيّ الذين روى لهم البخاري في صحيحه مرتبين على حروف المعجم، لكنه ليس ترتيبا دقيقاً بل هو ترتيب تقريبي فيه تقديم وتأخير.

وجرى في هذه الرسالة على أن يرمز بالحرف "م" أمام رجال البخاري الذين روى لهم مسلم أيضاً، إلا أنه ترك الرمز لأشخاص هم من رواة مسلم أيضاً.

وهو جهد قيم، يدل على حافظة هذا الإمام؛ إذ كتب هذه الرسالة في وقتٍ لم تتوافر فيه الكتب والفهارس الخاصة برجال الصحيحين أو الكتب الستة، وعند مراعاة هذا يُعذر الإمام الدَّارَقُطْنِيّ في المؤاخذات على الرسالة، وتبقى هي في حاجة إلى جهد وتكميل، وفيما يلي بعض الملاحظات التي رأيتها عليه:

ص: 198

أ - أنه ترك بعض من روى لهم مسلم في صحيحه فلم يرمز لهم بالحرف "م" مثل:

الاسم الورقة السطر

1-

إياس بن سلمة الأكوع 3 أ 10

2-

بشير بن نُهَيك 3 أ 19

3-

بكر بن عمرو المَعافِري 3 أ 17

4-

إدريس بن يزيد الأودي 3 أ 09

5-

أُبي بن كعب بن مالك 3 أ 10

6-

أوس بن عبد الله أبو الجوزاء 3 أ 11

7-

الأحنف بن قيس 3 أ 12

ب- أنه ذكر في رواة البخاري من لم يرو له البخاري مثل:

الاسم الورقة السطر

1-

أنس بن أبي أنس 3 أ 5

جـ- أنه ترك ذِكر أشخاص روى لهم البخاري في صحيحه، مثل:

أشعث بن عبد الملك الحمراني روى له البخاري تعليقاً.

أشعث بن عبد الله بن جابر روى له البخاري تعليقاً.

مع أنه ذكر: أَبان بن صالح، وبشر بن ثابت، ولم يرو لهما البخاري إلا تعليقاً.

هذا ما رأيته في صفحة واحدة فقط، وقد كتب الحافظ أبو عبد الله محمد ابن علي الصُّوري في حواشي النسخة الأصل زيادات وانتقادات واستدراكات.

والنسخة رواية أبي طالب محمد بن علي بن الفتح الحربي المعروف بالعُشَاري أملاها عن الدَّارَقُطْنِيّ.

ص: 199

* - "ذِكْر أسماء التابعين ومن بعدهم ممن صحت روايته عند مسلم:

هي قرينة الرسالة التي قبلها - كما سبق - وعليها تعليقات الحافظ الصُّوري التي تقدمت الإشارة إليها في تلك، وتقع في 16 ورقة.

وذكر فيها رجال مسلم على نسق صنيعة في رجال البخاري، إلا أنه لم يرمز للبخاري عند من روى له البخاري منهم.

وقد طبع الكتاب أخيراً، في طبعةٍ ضمّت الرسالتين، كلٌّ منهما في جزء"1".

"1" بتحقيق: بوران الضناوي، وكمال يوسف الحوت، بيرت، لبنان، مؤسسة الكتب الثقافية، ط. الأولى، 1406هـ-1985م.

ص: 200

17-

"‌

‌ذِكْر أقوام أخرج لهم البخاري ومسلم في صحيحيهما، وضعفهم النسائي في "كتاب الضعفاء"، وسئل عنهم الدَّارَقُطْنِيّ

":

وهي سؤالات أبي عبد الله بن بكير للدارقطني.

وهي رسالة صغيرة، في أربع أوراق، والمُطابق للعنوان فيها ورقتان تقريباً، ذكر فيهما نحو ثلاثين رجلاً، روى لهم الشيخان، وأخرجهم النسائي في كتاب "الضعفاء"، وسُئل عنهم الدَّارَقُطْنِيّ؛ فأجاب في أكثرهم بالتوثيق والتعديل، على مختلف مراتب التعديل.

وتأتي أهمية هذه الرسالة من حيث أنها تبين دفاع الدَّارَقُطْنِيّ عن الصحيحين، وأنه ليس الحال، غالباً، كما حكم النسائي في رجال الصحيحين أولئك بالتضعيف.

ثم تبحث بقية الرسالة عن أقوى أصحاب بعض أئمة الحديث عند

ص: 200

الدَّارَقُطْنِيّ، حيث سئل عنهم فأجاب عنه.

وهذه الرسالة توجد نسخة لها في: "سراي"، أحمد الثالث برقم، 624/21 من ق253أ-254ب.

ومنها صورة عند الشيخ حماد الأنصاري.

طُبعت"1".

* - "كتاب الرؤية": انظر: "الرؤية"، الآتي.

* - "كتاب الأسخياء": انظر: "الأسخياء"، السابق ذكره.

* - "كتاب الاستدراكات": انظر: "الاستدراكات"، السابق ذكره.

* - سؤالات أبي عبد الله بن بكير للدارقطني:

هي: "ذِكْر أقوام أخرج لهم البخاري ومسلم في صحيحيهما، وضعفهم النسائي في "كتاب الضعفاء"، وسئل عنهم الدَّارَقُطْنِيّ"، السابق ذكرها.

"1" بتحقيق: علي حسن علي عبد الحميد، بعنوان:"سؤالات أبي عبد الله بن بكيروغيره للدارقطني"، عمان، الأردن، دار عمان، ط. الأولى، 1408هـ-1988م، ولفظة:"وغيره" في العنوان ليس لها داعٍ.

ص: 201

18-

"‌

‌الرؤية

":

منه نسخة ضمن مخطوطات "دير الأسكوريال" 3/83"2" في 154 ورقة كتبت سنة 652هـ يخط ممتاز للغاية.

ويوجد في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة نسخة مصورة عنها

في مجلدين.

"2""فهرس مخطوطات الأسكويال": رقم 1445.

ص: 201

قال الدَّارَقُطْنِيّ في أول الكتاب:

""هذا كتاب حافل، جمعت فيه ما ورد من النصوص الواردة في كتاب الله تعالى، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، المتعلقة برؤية الباري جلا وعلا، وبعض أمور الآخرة:

قوله تعالى: {ولقد رآه نزلة أخرى، عند سدرة المنتهى} ، قال: رأى ربه عز وجل، فكان قاب قوسين أو أدنى

"1". وهكذا دخل في الموضوع حتى أنهاه، دون أن يُبوبه تبويبا موضوعيا.

وروى فيه الأحاديث بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعزاها إلى أصحاب الكتب المشهورة. استقصى فيه جميع الروايات في الموضوع.

وممن ذكر هذا الكتاب ابن تيمية في "منهاج السنة"، وابن القيم في "زاد المعاد

".

وطبع"2".

* - "سؤالات

"، انظر: "أسئلة

"، فيما مضى.

"1""كتاب الرؤية": ق 1-2.

"2" بتحقيق إبراهيم محمد العلي، وأحمد فخري الرفاعي، الزرقاء، الأردن، مكتبة المنار، 1411هـ-1990م.

ص: 202

19-

"‌

‌السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

":

طُبع عدة طبعات، وقد أفردت الحديث عنه في باب مستقل هو "الباب الثالث".

ص: 202

20-

"‌

‌الضعفاء والمتروكون من المحدثين

":

في ثلاث عشرة ورقة بالسماعات ولوحة العنوان.

وهي نسخة موثقة، وقد رواها عن الدَّارَقُطْنِيّ أبو محمد الحسن بن علي

ص: 202

ابن محمد الجوهري.

وهذا الكتاب يُمثل منهجاً رائعاً في التأليف هو التأليف الجَمَاعيّ وهو أحكم وأجود -أحياناً- من التصنيف الفردي لا سيما في المسائل العلمية التي تحتاج إلى أكثر من عقل أو شخص، وقد سبق إليها السلف رحمهم الله تعالى في كثير من الكتب، وهذا واحد منها إذ يقول جامعة الكتاب الحافظ أبو بكر البَرْقانِيّ في المقدمة:

""قال أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي البَرْقانِيّ: طالت محاورتي مع أبي منصور إبراهيم بن الحسين بن حَمْكان لأبي الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ عفا الله عني وعنهما في المتروكين من أصحاب الحديث فتقرر بيننا وبينه على ترك من أَثبتُّه على حروف المعجم في هذه الورقات"""1".

فكأنه اشترك فيه ثلاثةٌ، شيخهم الدَّارَقُطْنِيّ، رحمهم الله جميعاً، وقد سرد البَرْقانِيّ أسماء الضعفاء والمتروكين سرداً، متجاوزاً ذكر شيء من ألفاظ الجرح والتعديل ونحوها، إلا أحياناً، حيث يقول: متروك أو كذاب أو صالح الحديث. أو روى عنه فلان، وروى عن فلان

إلخ.

وقد تردد ذكر الكتاب كثيراً في كتب الجرح والتعديل كتهذيب التهذيب، وغيره.

وطبع"2".

"1""كتاب الضعفاء والمتروكين": ق 2 أ.

"2" بدراسة وتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، الرياض، مكتبة المعارف، ط. الأولى، 1404هـ-1984م، وطُبع بتحقيق محمد لطفي الصباغ، بيروت، المكتب الإسلامي، 1400هـ، وطُبع بتحقيق وتعليق صبحي البدري السامرائي، ط2، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1406هـ، وطُبع-ضمن مجموعٍ في الضعفاء- بتحقيق عبد العزيز عز الدين السيروان، بيروت، دار القلم، 1405.

ص: 203

21-

"‌

‌العلل الواردة في الأحاديث النبوية

":

طبع منه بعضه في أحد عشر جزءاً، انتهى الجزء الحادي عشر بآخر ما سئل عنه من حديث أبي سعيد الخدري ?، بنهاية السؤال رقم 2336"1".

كتاب كبير الحجم، غزير النفع، جمع في بابه فأوعى، إلا أنه يحتاج إلى ترتيب ليسهل الرجوع إليه، والإفادة منه، لأنه رتبه البَرْقانِيّ على المسانيد من غير مراعاة الترتيب المعجمي، ولو رتب على حروف المعجم لما أمكن الإفادة منه، إلا إن رتب على أبواب الفقه، وفهرست أحاديثه على حروف المعجم، وكذلك الرجال المتكلم فيهم جرحاً وتعديلاً. ويقع الكتاب في أربع مجلدات خطية كبيرة.

وذكره العلماء كثيرا، وورد ذكره في معظم كتب المصطلح كمقدمة ابن الصلاح وغيره.

هو من أجود كتب العلل، لكنه أجمعها:

قال الإمام البلقيني:

""وأجلّ كتاب في العلل، كتاب:"الحافظ ابن المديني"، وكذلك كتاب:

"1" بتحقيق د. محفوظ الرحمن بن زين الله الهندي، الرياض، دار طيبة، ط. الأولى، وقد نُشر الجزء الأول منه سنة 1405هـ-1985م، والجزء الحادي عشر سنة 1416هـ-1996م.

ص: 204

"ابن أبي حاتم"، وكتاب:"العلل" للخلال، وأجمعهما كتاب الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ"""1".

وقال ابن الصلاح في كتب العلل التي ينبغي لطالب الحديث أن يعتني بها:

""ومن أجودها "كتاب العلل" عن أحمد بن حنبل، و"كتاب العلل" عن الدَّارَقُطْنِيّ"""2".

وقال ابن الصلاح أيضاً:

""وبلغنا عن أبي عبد الله الحميدي الأندلسي "أنه قال ما تحريره: ثلاثة أشياء من علوم الحديث يجب تقديم التهمم بها:

1-

العلل، وأحسنُ كتابٍ وُضع فيه: كتاب الدَّارَقُطْنِيّ

إلخ"""3".

وقال الحافظ ابن كثير:

""ومن أحسن كتاب وضع ذلك وأجلّه وأفحله "كتاب العلل" لعلي بن المديني، شيخ البخاري، وسائر المحدثين بعده، في هذا الشأن على الخصوص، وكذلك "كتاب العلل" لعبد الرحمن بن أبي حاتم، وهو مرتب على أبواب الفقه، و"كتاب العلل" للخلاّل، ويقع في مسند الحافظ أبي بكر البزّار من التعاليل ما لا يوجد في غيره من المسانيد.

وقد جمع أزمّة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ، في كتابه

"1" "محاسن الاصطلاح

": 203.

"2""علوم الحديث"، لابن الصلاح "المذيلة بمحاسن الاصطلاح: ص373".

"3""علوم الحديث"، لابن الصلاح:578.

ص: 205

في ذلك، وهو من أجلّ كتاب، بل أجلّ ما رأيناه وضع في هذا الفن، لم يسبق إلى مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بعده، فرحمه الله، وأكرم مثواه.

ولكن يُعْوِزُه شيء لابد منه، وهو أن يرتب على الأبواب، ليقرب تناوله للطلاب، أو أن تكون أسماء الصحابة الذين اشتمل عليهم مرتّبين على حروف المعجم، ليسهل الأخذ منه، فإنه مبدّد جدّاً، لا يكاد يهتدي الإنسان إلى مطلوبه منه بسهولة. والله الموفق"""1".

طريقة تأليفه:

وطريقة تأليف كتاب العلل هذا من دلائل حفظ الإمام الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله، ذلك أنه أملاه من حفظه على تلميذه الإمام الحافظ أبي بكر البَرْقانِيّ، روي عن القاضي أبي الطيب الطبري قال:""وسألت البَرْقانِيّ: قلت له: كان أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ يملي عليك العلل من حفظه؟ فقال: نعم، ثم شرح لي قصة جمع العلل فقال:""كان أبو منصور بن الكرخي"2"، يريد أن يصنّف مسنداً معللا، فكان يدفع أصوله إلى الدَّارَقُطْنِيّ يعلّم"3" له على الأحاديث المعللة ثم يدفعها أبو منصور إلى الورّاقين، فينقلون كل حديث منها في رقعة فإذا أردت تعليق كلام الدَّارَقُطْنِيّ على الأحاديث نظر فيها أبو الحسن، ثم أملى عليّ الكلام من حفظه، فيقول: حديث الأعمش عن وائل، عن عبد الله

"1""اختصار علوم الحديث"، لابن كثير: ص64-65.

"2" هو إبراهيم بن الحسين بن حَمْكان.

"3" في الأصل: "يتعلم"، وهو تصحيف.

ص: 206

ابن مسعود، الحديث الفلاني، اتفق فلان وفلان على روايته، وخالفهما فلان، ويذكر جميع ما في ذلك الحديث.

فأكتب كلامه في رقعة مفردة، وكنت أقول له: لِمَ تنظر -قبل إملائك الكلام- في الأحاديث؟.

فقال: أتذكّر ما في حفظي بنظري.

ثم مات أبو منصور والعلل في الرقاع، فقلت لأبي الحسن بعد سنين من موته: إني قد عزمت على أن أنقل الرقاع إلى الأجزاء، وأرتبها على المسند؛ فأَذن لي في ذلك.

وقرأتها عليه في كتابي، ونقلها الناس من نسختي"""1".

وقد مضت أمثلة كثيرة منه في "المبحث الثاني" من هذا الفصل.

قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى:

""قلت: إن كان كتاب العلل الموجود قد أملاه الدَّارَقُطْنِيّ من حفظه كما دلت هذه الحكاية فهذا أمر عظيم يُقضى به للدارقطني أنه أحفظ أهل الدنيا، وإن كان قد أملى بعضه من حفظه فهذا ممكن.

"1""تاريخ دمشق"، لابن عساكر: جـ22 ق 262 أ، و "تاريخ بغداد": 6/59، و"المنتظم": 7/183، بنحو ذلك.

ووهم السخاوي، رحمه الله، حيث ذكر في "فتح المغيث

": 2/334، أن البَرْقانِيّ لم يجمع العلل إلا بعد وفاة الدَّارَقُطْنِيّ، كأنه اشتبه عليه موت أبي منصور بموت أبي الحسن الدَّارَقُطْنِيّ، والصواب ما ذكرته، لثبوته بالسند إلى البَرْقانِيّ، وأنه استأذن الدَّارَقُطْنِيّ في جمعه، وقرأه عليه.

ص: 207

وقد جمع قبله كتاب العلل علي بن المديني حافظ زمانه"""1".

عناية المحدثين بكتاب "العلل" للدارقطني:

ويعتبر هذا الكتاب ثروة علمية رائعة، ومورداً للعلماء والمحدثين يغترفون من بحره الزاخر، ما يُتحفون به طلاب العلم، ويكون ذكراً حسناً لهم.

فهذا الحافظ ابن حجر رحمه الله، أمير المؤمنين في الحديث، يعتني بـ"العلل" للدارقطني ويستخرج منه كتبا كثيرة في "علوم الحديث"، إذ أفرد منه بالتأليف ما كان له لَقَب خاص من علوم الحديث.

قال السخاوي:

""وقد أفرد شيخنا من هذا الكتاب ما له لقب خاص كالمقلوب، والمدرج، والموقوف، فجعل كلاً منها في تصنيف مفرد، وجعل العلل المجرّدة في تصنيف مستقل.

وأما أنا فشرعت في تلخيص الكتاب مع زيادات

انتهى منه الربع، يسّر الله إكماله، هذا مع عدم وقوعه هو وغيره من كتب العلل لي بالسماع

"""2".

وقال السخاوي أيضاً:

""ولمضطربَيْ المتن والسند أمثلة كثيرة، فالذي في السند -وهو الأكثر- يؤخذ من "العلل" للدارقطني، ومما التقطه شيخنا منها مع زوائد وسماه "المقترب في بيان المضطرب""""3".

"1""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق 623.

"2" "فتح المغيث

": 2/335.

"3" "فتح المغيث

": 1/221.

ص: 208

وقال السخاوي أيضاً:

""وأما شيخنا فإنه أفرد من علل الدَّارَقُطْنِيّ -مع زيادة كثير- ما كان من نمط المثالين اللذين قبله، وسماه:"جلاء القلوب في معرفة المقلوب"، وقال: إنه لم يجد من أفرده"1" مع مسيس الحاجة إليه، بحيث أدى الإخلال به إلى عدّ الحديث الواحد أحاديث، إذا وقع القلب في الصحابي، ويوجد ذلك في كلام الترمذي -فضلاً عمن دونه- حيث يقول: وفي الباب عن فلان وفلان، ويكون في الواقع أنه حديث واحد اختُلف على راوية"""2".

فانظر كم كتاباً ألّف ابن حجر من علل الدَّارَقُطْنِيّ؟!.

* "كتاب الضعفاء والمتروكين من المحدثين":

انظر: "الضعفاء والمتروكين".

"1" قلت: قد سبقه الخطيب البغدادي بتأليفٍ اسمه: "رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والألقاب".

"2" "فتح المغيث

": 1/222.

ص: 209

22-

"‌

‌المؤتلف والمختلف في أسماء الرجال

":

قال في "كشف الظنون"، تحت رقم 1637:"المختلف والمؤتلف في أسماء الرجال"، صنف فيه الحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ البغدادي، المتوفى سنة 385 كتاباً حافلاً.

وأخذ منه الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ومن مشتبه النسبة وزاد عليهما، وجعله كتاباً سماه:"المؤتنف"3" تكملة المختلف"

"3" في الأصل: "المؤتلف"، وهو تصحيف.

ص: 209

وجاء الأمير الحافظ أبو نصر علي بن هبة الله بن ماكولا؛ فزاد عليه وجعله كتاباً حافلاً سماه: "الإكمال"، أجاد فيه

واستدرك عليهم ما فاتهم في كتاب آخر سماه: تهذيبُ مستمرّ الأوهام على ذوي المعرفة"1" وأُولي الأفهام"".

ثم جاء الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الغني المعروف بابن نقطة الحنبلي وذيّل على الإكمال في مجلد.

وجمع كتاباً آخر سماه: التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد

"""2".

قال ابن نقطة الحافظ في ترجمة الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي:

""هو أول من صنّف في علم المؤتلف والمختلف في أسماء الرواة وأنسابهم

"""3".

قلت: فالدَّارَقُطْنِيّ يعتبر ثاني من صنّف في هذا الباب، وقد أخذ الحافظ

عبد الغني كثيراً مما في كتابه عن الدَّارَقُطْنِيّ، وقد تتبعت كتاب الحافظ عبد الغني فرأيته عَزَا للدارقطني في اثنين وثلاثين موضعاً-على صغر حجم الكتاب-.

ويظهر -مما تقدم، وما سيأتي- أن للإمام الدَّارَقُطْنِيّ في كتابه هذا

بعض الأوهام.

يقول محمد بن شريفة "محقق كتاب الذيل والتكملة":

""وكتابه -أي الدَّارَقُطْنِيّ- في المؤتلف مخطوط، ومنه نسخة بدار الكتب المصرية تحت رقم 12887 ح، وقد ذيّله الرشاطي النسّابة بكتاب: "الإعلام

"1" في الأصل: "ذوي التمني والأحلام"، وصوابه ما ذكرت.

"2" في الأصل: "والأسانيد"، وهو تصحيف.

"3""الاستدراك"، لابن نقطة: ق 3 أ.

ص: 210

بما في كتاب المؤتلف والمختلف من الأوهام"، وهو مفقود"" "1".

وذكر الكَتّاني الكتابين في "الرسالة المستطرفة": ص86-87 وأثنى على كتاب الدَّارَقُطْنِيّ.

ويوجد كتاب الدَّارَقُطْنِيّ بمعهد جامعة الدول العربية للمخطوطات نسخ خطية مصورة من "المؤتلف والمختلف""2".

وطبع الكتاب في خمس مجلدات بالفهارس، بتحقيق د. موفق بن عبد الله

ابن عبد القادر"3".

"1" حاشية ص 7 من السفر الأول من كتاب "الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة"، القسم الأول، لأبي عبد الله المراكشي.

"2""فهرس المخطوطات المصورة"، لطفي عبد البديع: 2/240، وفؤاد سيد: 164، الجزء الثاني، القسم الثاني - تاريخ.

"3" بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط. الأولى، 1406هـ-1986م.

ص: 211

23-

"‌

‌المستجاد من فعل الأجواد:

انظر الذي بعده، وانظر:"الأسخياء".

وقد طُبع"4".

* - "المستجاد مِن كتب الحديث":

عدّه له في "كشف الظنون

" برقم 1458 و1671، وانظر: "دائرة المعارف

": 9/89، وذكره له في "هدية العارفين""5".

ولم أقف عليه. ولكن يبدو أنه هو الذي مضى قبله-"المستجاد مِن فعْل

"4" بتحقيق محمود الحداد، الرياض، دار سعد.

"5" في "هدية العارفين

": 5/683: لكن بعنوان: "المستجار في الحديث".

ص: 211

24 -

‌ الجزء الثالث والعشرون من حديث أبي الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله الذهلي القاضي، رحمه الله، ت367ه

ـ:

انتقاء أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني. طُبع"1".

"1" تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، الكويت، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، 1406هـ-1986م.

ص: 24