المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اولا: ثناؤهم عليه - الإمام أبو الحسن الدارقطني وآثاره العلمية

[عبد الله الرحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: الدارقطني: حياته، وصفاته ومكانته العلمية

- ‌الفصل الأول: حياة الدارقطني وصفاته، ومكانته العلميه

- ‌اسمه ونسبه

- ‌ مولده ونسبته

- ‌ عائلته

- ‌ مذهبه في الأصول

- ‌ ورعه، وصراحته في الحق

- ‌ ذكاؤه

- ‌‌‌ تواضعهوحِلْيَته

- ‌ تواضعه

- ‌حِلْيَته:

- ‌ عصره

- ‌تمهيد:

- ‌أ- عصره من الناحية السياسية:

- ‌ب- عصره من الناحية الاجتماعية:

- ‌جـ- عصره من الناحية العلمية:

- ‌ طلبه للعلم

- ‌ رحلاته

- ‌‌‌حفظهوإمامته

- ‌حفظه

- ‌ إمامته

-

- ‌ شيوخه

- ‌شيوخ الدارقطني في"سننه"مرتبين على حروف المعجم: الكنى

- ‌شيوخ الدارقطني في"سننه"مرتبين على حروف المعجم: الأبناء

- ‌ترجمة لأربعة من شيوخه: 1 يحي بن محمد بن صاعد

- ‌3- القاضي الحسين بن إسماعيل المَحَامل

- ‌4- يعقوب بن إبراهيم البَزَّاز

-

- ‌ تلاميذه

- ‌تلاميذ الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ مرتبين على حروف الهجاء

- ‌ترجمة لأربعة من أشهر تلاميذه:1 أبو بكر أحمد بن محمد البرقاني

- ‌2- أبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ

- ‌3- عبد الغني الأزْدِيّ

- ‌ وفاة الدَّارَقُطْنِيّ

- ‌أقوال الأئمة

- ‌اولَا: ثناؤهم عليه

-

- ‌الفصل الثاني: مكانته في الحديث وعلومه

- ‌المبحث الأولحفظه للحديث، وبراعته فيه

- ‌المبحث الثانيرسوخه في معرفة العلل

- ‌المبحث الثالثإمامته في الجرح والتعديل

- ‌أولاً: قبول قوله فيه:

- ‌ثانياً: اعتداله فيه:

- ‌ثالثاً: إمامته فيه:

- ‌المبحث الرابعاستدراكاته على الأئمة

- ‌مقدمة:

- ‌أولاً: الأئمة الذين استدرك عليهم، وأنواع استدراكه:

- ‌ثانياً: مَوَاطِن استدراكاته:

- ‌ثالثاً: ذكر أمثلته من استدراكاته على الإمام النسائي:

- ‌المبحث الخامسفي موقف الدَّارَقُطْنِيّ من الصحيحين

- ‌أولاً: عرض موقفه من الصحيحين:

- ‌ثانياً: بيان الموقف الأول:

- ‌ثالثاً: بيان الموقف الثاني:

-

- ‌الباب الثاني: مصنَفاته والكلام عنها

- ‌الفصل الأول: مؤلفاته الموجودة

-

- ‌المبحث الأولالمطبوع من مصنّفاته: بيانها، والكلام عنها

- ‌الأحاديث التي خولف فيها إمام دار الهجرة مالك بن أنس

- ‌أحاديث الصفات

- ‌أحاديث الموطأ واتفاق الرواة عن مالك، واختلافهم فيه وزياداتهم، ونقصانهم

- ‌أحاديث النزول

- ‌الإخوة والأَخوات

- ‌أربعون حديثاً من مسند بريد بن عبد الله بن أبي بُردة

- ‌أسئلة البَرْقانِيّ

- ‌أسئلة الحاكم للدارقطني عن شيوخه

- ‌أسئلة السُّلَمِيّ للدارقطني

- ‌أسئلة السهمي للدارقطني

- ‌الاستدراكات

- ‌الأسخياء

- ‌الإلزامات

- ‌ تعليقات على المجروحين، لابن حبان:

- ‌ذِكْر أسماء التابعين ومن بعدهم ممن صحت روايته عند البخاري

- ‌ذِكْر أقوام أخرج لهم البخاري ومسلم في صحيحيهما، وضعفهم النسائي في "كتاب الضعفاء"، وسئل عنهم الدَّارَقُطْنِيّ

- ‌الرؤية

- ‌السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الضعفاء والمتروكون من المحدثين

- ‌العلل الواردة في الأحاديث النبوية

- ‌المؤتلف والمختلف في أسماء الرجال

- ‌المستجاد من فعل الأجواد:

- ‌ الجزء الثالث والعشرون من حديث أبي الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله الذهلي القاضي، رحمه الله، ت367ه

- ‌ الغَيلانيات:

- ‌ فوائد ابن الصواف:

- ‌المبحث الثاني: المخطوط من مصنفاته: بيانها، والكلام عنها

- ‌الأحاديث الرباعيات

- ‌كتاب الأربعين

- ‌أسماء الصحابة التي اتفق فيها البخاري ومسلم وما انفرد به كل منهما

- ‌رسالة في ذِكر روايات الصحيحين

- ‌ عشرون حديثاً منتقاة من "كتاب الصفات

- ‌غريب الحديث

- ‌الفوائد المنتقاة الغرائب

- ‌الفوائد المنتقاة الغرائب عن الشيوخ العوالي

- ‌ حديث أبي عمر محمد بن العباس بن حيوية الخزاز:

- ‌ حديث عمر الكناني رواية محمد الآبنوسي:

- ‌ الفوائد المنتخبة الغرائب العوالي:

- ‌الفصل الثاني: مؤلفاته المفقودة

- ‌القسم الأول: المفقود كله

- ‌أحاديث مالك التي ليست في الموطأ

- ‌أحاديث الوضوء من مس الذكر

- ‌أطراف موطأ الإمام مالك

- ‌أطراف مراسيل موطأ الإمام مالك

- ‌ كتاب في "أسماء المدلسين

- ‌أسئلة البَرْقانِيّ للدارقطني

- ‌كتاب الأمالي

- ‌تاريخ الضَّبِّيين

- ‌تسمية من رُوي عنه من أولاد العشرة

- ‌تصحيف المحدثين

- ‌ كتاب "الجهر بالبسملة

- ‌ذِكْر من روى عن الشافعي الحديث

- ‌ذيل على كتاب التاريخ الكبير للبخاري

- ‌كتاب الرَّمْي والنضال

- ‌الرواة عن مالك

- ‌كتاب القراءات

- ‌القضاء باليمين مع الشاهد

- ‌المدبّج

- ‌كتب المساجد

- ‌مسند أبي حنيفة

- ‌المسند

- ‌القسم الثاني: المفقود بعضه:

- ‌كتاب الإخوة والأَخوات

- ‌فضائل الصحابة ومناقبهم، وقول بعضهم في بعض صلوات الله عليهم

- ‌مقدمة كتاب الضعفاء والمتروكين من المحدثين

- ‌الفصل الثالث: المؤلفات المنسوبة له خطاء

- ‌غريب الحديث

- ‌ غريب اللغة:

- ‌ معرفة مذاهب الفقهاء:

-

- ‌الفصل الرابعسرد جميع ما تقدم من مؤلفاته مرتّبةً على حروف المعجم

- ‌الخاتمة:

-

- ‌الباب الثالث:‌‌ دراسة لكتابه: السنن

- ‌ دراسة لكتابه: السنن

- ‌المبحث الاول: تحقيق نسبته للإمام الدارقطني

- ‌رواة السنن عن الإمام الدَّارَقُطْنِيّ:

- ‌المبحث الثاني: وصف كتاب السنن

- ‌نُسَخُ كتاب السنن الخطية والمطبوعة

-

- ‌ اسم الكتاب:

- ‌ تاريخ "تأليف السنن

-

- ‌المبحث الثالث: موضوعه: (طهل هو لجمع الأحاديث الصحيحة أو الضعيفة أو ماذا

- ‌التنبيه على خطأٍ شائعٍ تجاه الكتاب:

-

- ‌المبحث الرابعأهمية كتاب "السنن" للدارقطني، ومكانته بين كتب السنن

- ‌الفرق بين سنن الدَّارَقُطْنِيّ وبين غيره من كتب السنن

- ‌الكلام على المؤلفات حول سنن الدرا قطني

- ‌المبحث الخامسمنهج الإمام الدَّارَقُطْنِيّ في كتاب "السنن

- ‌أولاً: درجة أحاديثه:

- ‌ثانياً: مقاصد الكتاب:

- ‌ثالثاً: تبويب وترتيب كتاب السنن:

- ‌رابعاً: تكراره للأحاديث:

- ‌خامساً: تفرد الإمام الدَّارَقُطْنِيّ بأحاديث في سننه:

- ‌المبحث السادس: مقدار الصحيح والضعيف فيه، ودرجة ماسكت عنه

- ‌خطواتي في بحث الموضوع

- ‌ بيان مجمل بالملاحظات والنتائج التي استنتجتها من الدراسة السابقة حول موضوع الصحيح والحسن في "السنن" وحكم ما سكت عنه:

- ‌ بيان بالأحاديث التي حكم عليها في "السنن" بالصحة أو الحسن أو على سندها:

- ‌ بعض الأبواب الضعيفة في السنن:

- ‌ النتيجة:

- ‌الباب الرابع: أقواله في الجرح والتعديل

- ‌الفصل الأول: اصطلاحاته في الجرح والتعديل

- ‌مقدمة

- ‌المبحث الأول: في اصطلاح الدارقطني في الأ لفاظ الآتيه على الترتيب: اصطلاحه في مجهول

- ‌أ- قال أبو بكر البرقاني

- ‌ب- حكم المجهول عنده:

- ‌د- بماذا ترتفع جهالة الراوي وتثبت عدالته عند الدَّارَقُطْنِيّ:

- ‌ اصطلاحه في صدوق

- ‌اصطلاحه في "لَيِّن

- ‌ اصطلاحه في "كثير الخطأ

- ‌ اصطلاحه في: "ثقة

- ‌ اصطلاحه في: "آية"، أو "آية من آيات الله

-

- ‌المبحث الثانيفي دفع التعارض المفهوم ظاهراً من بعض عبارات الدَّارَقُطْنِيّ

- ‌عبارات أخرى للدارقطني ظاهرها الاختلاف:

-

- ‌الفصل الثانيذكر من تَكلَّم فيه الدَّارَقُطْنِيّ بجرح أو تعديلفي سننه على حروف المعجم

- ‌مقدمة:

- ‌اصطلاحات الفهرس

- ‌فهرس الأعلام المذكورين في "السنن" بجرح أو تعديل

- ‌حرف الهمزة

- ‌حرف الباء الموحدة

- ‌حرف التاء المثناة

- ‌حرف الثاء المثلثة

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء المهملة

- ‌حرف الخاء المعجمة

- ‌حرف الدال المهملة

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاي

- ‌حرف السين المهملة

- ‌حرف الشين المعجمة

- ‌حرف الصاد المهملة

- ‌حرف الضاد المعجمة

- ‌حرف الطاء المهملة

- ‌حرف الظاء المعجمة

- ‌حرف العين المهملة

- ‌حرف الغين المعجمة

- ‌حرف الفاء

- ‌حرف القاف

- ‌حرف الكاف

- ‌حرف اللام

- ‌حرف الميم

- ‌حرف النون

- ‌حرف الهاء

- ‌حرف الواو

- ‌حرف الياء المثناة من تحت

- ‌بيان بأسماء الرواة الذين نص الدارقطني في سننه على تركهم

- ‌الفصل الثالثدراسة مقارنة لأقواله في بعض الرواة جرحاً وتعديلاً، لبيان هل هو متشدد في الجرح والتعديل أو ماذا

- ‌ الحسن بن عمارة:

- ‌ إبراهيم بن محمد بن أبي يحي

- ‌ أحمد بن الحسن المُضَريّ:

- ‌ إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة:

- ‌ إسماعيل بن عيّاش:

- ‌ أيوب بن قَطَن:

- ‌ أيوب بن محمد:

- ‌باذان مولى أم هانىء

- ‌بحرية بنت هانىء

- ‌ محمد بن عبد الرحمن بن البَيْلماني:

- ‌ ثابت بن حماد:

- ‌ جرير بن حازم:

- ‌ الجَلْد بن أيوب:

- ‌ خِشْف بن مالك:

- ‌ خِلاس بن عمرو:

- ‌ سليمان بن حرب:

- ‌ شَبابة بن سَوّار:

- ‌ عطاء بن صهيب:

- ‌ محمد بن سعيد:

- ‌ مروان بن محمد الدمشقي:

- ‌ مسلم بن خالد:

- ‌ الهيثم بن جميل:

- ‌ زياد بن أيوب:

- ‌ محمد بن مرزوق البصري:

- ‌ حفص بن غياث:

- ‌نتيجة الدراسة لأقواله في الرجال جرحاً وتعديلاً

- ‌الخاتمة

- ‌مُلْحَقٌ

- ‌الفهارس

الفصل: ‌اولا: ثناؤهم عليه

وقال فيه حمزة بن طاهر الدّقاق"1":

جَعلْناك فيما بينَنَا ورسولِنا

وسيطاً فلم تَظْلِمْ وَلَمْ تَتَحَوَّبِ

فأنت الذي لولاكَ لم يعرف الورى

-ولو جهدوا- ما صادقٌ من مكذِّبِ

"1""تاريخ بغداد": 12/39، و"سير أعلام النبلاء": جـ10 ق525.

ص: 93

‌أقوال الأئمة

‌اولَا: ثناؤهم عليه

15-

أقوال الأئمة فيه

ينقسم الكلام هنا إلى قسمين:

1-

ثناؤهم عليه. 2- ما قيل فيه من المثالب.

أولاً: ثناؤهم عليه

تقدم جمهرة من ثناء الأئمة عليه في إمامته وحفظه، وسأنقل في هذا المبحث طرفا من تعديل العلماء والأئمة للدارقطني وتوثيقهم له، ووصفهم له بالإمامة، بل إقرارهم بذلك.

أ - أقوال الأئمة المعاصرين له:

1-

قال الحاكم:

""حجّ شيخنا أبو عبد الله بن أبي ذُهل، فكان يصف حفظه وتفرده بالتقدم في سنة ثلاث وخمسين، حتى استنكرت وصفه، إلى أن حججت سنة سبع وستين"2"، فجئت بغداد، وأقمت بها أَزْيَدَ من أربعة أشهر،

"2" الإمام الذهبي وهَّم الحاكم في هذا التأريخ، وقال:"إنما دخل سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، وسِنّ أبي الحسن خمس وثلاثون سنة". "سير أعلام النبلاء": ج10 ق520.

ص: 93

وكثر اجتماعنا بالليل والنهار، فصادفته فوق ما وصفه ابن أبي ذُهل، وسألته عن العلل والشيوخ

"""1".

2-

و"ثبت عن السِلَفِيّ عن أبي الفضل محمد بن طاهر المقْدِسِيّ، عن الحسين العلوي، عن القاضي أبي الطيب الطبري، قال: رأيت الحاكم أبا عبد الله النيسابوري بين يدي أبي الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ يسأله عن أشياء، فلما خرجنا من عنده قال: ما رأيت مثله""2".

3-

وقال أبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ -فيما نقله عنه الحاكم-:

""شهدتُ بالله أن شيخنا الدَّارَقُطْنِيّ لم يخلّف على أديم الأرض مثله في معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الصحابة، والتابعين، وأتباعهم"""3".

4-

وقال الحافظ عبد الغني الأزدي:

""أحسن الناس كلاما على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة: علي بن المَدِيني في وقته، وموسى بن هارون في وقته، والدَّارَقُطْنِيّ في وقته"""4".

5-

وقال أبو محمد رجاء بن محمد بن عيسى الأنضاوي المعدَّل:

""سألت أبا الحسن الدَّارَقُطْنِيّ فقلت له: رأى الشيخ مثل نفسه؟ فقال لي: قال الله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} "5".

"1""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق521.

"2""طبقات الشافعية"، لابن الصلاح: ق67ب.

"3""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق523-524.

"4""وفيات الأعيان": 3/298.

"5" 32: النجم: 53.

ص: 94

فقلت له: لم أُرِدْ هذا، وإنما أردت أن أَعْلَمَهُ لأقول: رأيت شيخا لم ير مثله.

فقال لي: إن كان في فنٍّ واحد فقد رأيت مَنْ هو أفضل مني، وأما من اجتمع فيه ما اجتمع فيّ فلا"""1".

ب- أقوال مَنْ جاء بعده من الأئِمة:

6-

قال الحافظ الخطيب البغدادي:

""وكان فريدَ عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث، وأسماء الرجال، وأحوال الرواة، مع الصدق والأمانة، والفقه والعدالة، وقبول الشهادة، وصحة الاعتقاد، وسلامة المذهب، والاضطلاع بعلوم سوى علم الحديث، منها: القراءات

ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء،

ومنها أيضاً المعرفة بالأدب والشعر

"""2".

7-

وقال الحافظ الذهبي:

""الإمام الحافظ المجوّد، شيخ الإسلام، علم الجهابذة، أبو الحسن"""3".

8-

وقال ابن الجَزَري المقرئ:

""

صاحب التصانيف وأحد الأعلام الثقات

"""4".

9-

وقال الحافظ ابن كثير:

""الحافظ الكبير أستاذ هذه الصناعة، وقبله بمدة وبعده إلى زماننا هذا، سمع

"1""تاريخ بغداد": 12/35.

"2""تاريخ بغداد": 12/34-35.

"3""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق519.

"4""غاية النهاية في طبقات القراء": 1/558.

ص: 95

الكثير، وجمع وصنّف وألّف، وأجاد وأفاد، وأحسن النظر والتعليل والاعتقاد، وكان فريد عصره، ونسيج وحده، وإمام دهره في أسماء الرجال وصناعة التعليل، والجرح والتعديل، وحُسن التصنيف والتأليف، واتساع الرواية والاطلاع التام في الدراية

"""1".

قلت: فأمر أبي الحسن في الثقة والعدالة، والحفظ، والإمامة، وأوضح من أن يحتاج إلى هذا النقل، وأظهر من إيراد الدليل، وقد ثبت ذلك بطريق الشهرة والاستفاضة.

وهو من الأئمة الذين يُسألون عن الناس، ولا يَسأل الناسُ عنهم، وقد قال غير واحد من أئمة الجرح والتعديل عندما سئلوا عن بعض الأئمة: فلان يسأل عنه؟!!.

أو فلان لا يُسأل عنه، بل هو يُسأل عن الناس.

وإنما أوردت ما أوردته من باب التأكيد، أو من باب ذكر أهل الفضل بالفضل.

"1""البداية والنهاية": 11/317.

ص: 96

ثانياً: ما قيل فيه من المثالب

مقدمة:

سأتعرض في هذا المبحث لكل ما قيل في هذا الإمام الجبل من قولٍ، من أي قائل سواء كان من أحد الأئمة المعتبرين أو ممن دونهم، أو من المعاصرين.

ومما لا شك فيه أن الأئمة الأعلام لم يتكلموا في الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ بما يخرم ثقته أو يغض من إمامته، لأن أقوالهم قد تقدمت في الثناء عليه وذكر فضله.

ص: 96

لهذا فإن أي قول يقال في الدَّارَقُطْنِيّ لتجريحه فإنه مرفوض سَلَفاً؛ لأنه لا دليل عليه، ولأنه يعارض أقوال الأئمة الثقات المتقدمة فيه.

ولكنني أذكر هذه المثالب -مع كونها مردودة لديّ، وهي ليست معتبرة- لأمرين:

الأول: لأردّ عليها بالدليل، لأن هذا الحكم الإجمالي، وإن كان مقبولاً إلا أنه ليس مقنِعاً.

الثاني: أنه لو تبين لي صحة شيء منها بدليله لَقَبِلَتَهُ وأخذت به، وإن كنت رددت الطعن في هذا الإمام جملة، لأن الحق أحق أن يتبع والله الموفق للسداد وهو المستعان.

1-

وصفه بالتدليس:

أ - قال محمد بن طاهر المقدسي: ""كان للدارقطني مذهب في التدليس خفيّ: يقول فيما لم يسمعه من أبي القاسم البَغَوِيّ: قريء على أبي القاسم البغوي، حدثكم فلان"""1".

ب- وذكره الحافظ ابن حجر في طبقات المدلسين.

قلت: الحق أن في وصف الدَّارَقُطْنِيّ بالتدليس نظراً؛ لما يأتي:

1-

لأنه لم يَقُلْ هذا فيه -من جميع المعاصرين والمتأخرين عنه- أحد سوى الحافظ ابن طاهر، وهو وإن كان نقله يكفي، لأنه ثقة، إلا أن هذه

"1""طبقات الشافعية الكبرى": 2/312، و"سير أعلام النبلاء": جـ10 ق520.

ص: 97

العبارة مما يقع الاختلاف في فهمها، ولم يضرب لنا مثالا لذلك حتى نتبين به ما قال.

فلعله رأى الدَّارَقُطْنِيّ قال في حديث: ""قُرِيء على أبي القاسم البغوي: حدثكم فلان

"" فظن أنه لم يسمعه من البغوي مع أنه سمعه، أو لعل الدَّارَقُطْنِيّ كان يقول ذلك من باب التحديث بالوِجَادة، ولا يقصد إيهام السامعين أنه سمعه من البغوي فلا يكون تدليساً، لأن من شرط التدليس أن يقصد المدلس التدليس أي إيهام السَّماع.

ثم على فرض التسليم بأن ذلك تدليس، فهل حصل من الدَّارَقُطْنِيّ مرة أو أكثر أو هل كان كثيرا أو قليلاً؟.

2-

لأن ذكر ابن حجر له في المدلسين إنما هو اعتماد على قولة ابن طاهر ولهذا قال: ""علي بن عمر بن مهدي الدَّارَقُطْنِيّ الحافظ المشهور. قال أبو الفضل

ابن طاهر: ""كان له مذهب خفيّ في التدليس، يقول: قرئ على أبي القاسم البغوي: حدثكم فلان فيوهم أنه سمع منه، لكن لا يقول وأنا أسمع"""1".

وصنيع الحافظ ابن حجر يدل على عدم اعتماد قول ابن طاهر هذا لأمرين:

الأول: أن الحافظ ابن حجر رحمه الله لم يذكر مَنْ ذكر في رسالة المدلسين على وجه التحقيق، بل على وجه الاستقصاء والاستيعاب، بمعنى أنه أورد في الرسالة اسم كل مَنْ قيل إنه يدلس، أي كل من وصف بالتدليس حتى أنه ذكر أناساً لا يَسوغ اعتبارهم مدلسين ولا ينبغي أن

"1""تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس"، لابن حجر: ص6.

ص: 98

يُعدّوا في المدلسين، ومن هؤلاء الإمام البخاري والإمام مسلم والإمام الدَّارَقُطْنِيّ وغيرهم، وهذا الرأي يؤيده الأمر الثاني الآتي:

الثاني: أن ابن حجر لما عدّ الدَّارَقُطْنِيّ في المدلسين إنما جعله في المرتبة الأولى من مراتب المدلسين، وأصحاب هذه المرتبة، الحق أنهم ليسوا مدلسين، ولهذا يقول الحافظ ابن حجر في مقدمة رسالة المدلسين:

""أما بعدُ، فهذه مراتب الموصوفين بالتدليس في أسانيد الحديث النبوي

وهم على خمس مراتب:

الأولى: من لم يوصف بذلك إلا نادراً كيحيى بن سعيد الأنصاري.

الثانية: من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى كالثوري، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة كابن عيينة

"""1".

فأصحاب المرتبة الثانية محتج بهم عند ابن حجر، فكيف بالأولى؟ !!.

2-

اتهامه بالتشيع:

قال حمزة بن محمد بن طاهر الدّقاق: ""كان أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ يحفظ ديوان السيد الحِمْيَريّ"2" في جملة ما يحفظ من الشعر فنسب إلى التشيع لذلك"""3".

"1""تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس"، لابن حجر: ص6.

"2" هو إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة الحِمْيَريّ، ولد سنة 105هـ وتوفي سنة 173هـ، وقيل: في غيرهما، وهو شاعر قويّ خارجي إباضي، شيعي غال، يقول بالرجعة-عياذاً بالله- وكان مُفْرِطاً في سبّ الصحابة وأزواج النبي ?. نسأل الله تعالى السلامة. انظر:"سير أعلام النبلاء": 8/40-42.

"3""تاريخ بغداد": 12/35.

ص: 99

فدليل من نسبوه للتشيع هو حفظه لديوان السيد الحِمْيَريّ. والحق أن الدَّارَقُطْنِيّ بعيد عن التشيع كل البعد لما يأتي:

1-

للقصة التي ذكرها الإمام الدَّارَقُطْنِيّ عن نفسه مع الذين اختلفوا في الأفضل هل هو عثمان أو عليّ؟ رضي الله عنهما، فتحاكموا إليه فأجابهم بأن ""عثمان أفضل من علي باتفاق جماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا قول أهل السنة، وهو أول عقد يُحَلُّ في الرفض"""1".

بل ربما يتوهم من هذه القصة أن الدَّارَقُطْنِيّ في الطرف المغالي المقابل للتشيع، وانظر ما علّقه الإمام الذهبي على القصة في الموضع السابق عند الحديث عن:"مذهبه في الأصول".

2-

ولِمَا تدل عليه مؤلفات الدَّارَقُطْنِيّ نفسه رحمه الله تعالى من الاعتقاد السليم في هذا الباب والرفض لمنهج "التشيع"، كما تقدم في النص السابق عنه.

ونحو ما حكاه السُّلَمِيّ عنه بقوله: ""وسألته عن محمد بن المظفر فقال: ثقة مأمون، فقلت: يقال إنه يميل إلى الشيعة، فقال: قليلاً، مقداره ما لا يَضُرُّ إن شاء الله"""2".

"1""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق524، وأسئلة السُّلَمِيّ": ق18، وقد سبق أن ذكرتُ القصة في:"مذهبه في الأصول".

"2""أسئلة السُّلَمِيّ": ق11أ.

ص: 100

وكما في كتابه "فضائل الصحابة ومناقبهم وقول بعضهم في بعض

"" فهو في جُملته ردٌّ على الشيعة الذين أوجدوا الفُرقة والشقاق بين عليّ وآل بيته وبين سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين، فلم يورد في الكتاب إلا أقوال آلِ البيت في أبي بكر وعمر رضي الله عن الجميع، وذمِّ الشيعة الزاعمين الخلاف بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو على الأقل هذا هو الموجود فيما رأيته مما بقي من الكتاب مخطوطاً.

3-

ولقول الإمام الذهبي رحمه الله تعالى فيه: ""

وحدثني حمزة بن محمد بن طاهر أنه "أي الدَّارَقُطْنِيّ" كان يحفظ ديوان السيد الحِمْيَريّ، ولهذا نُسب إلى التشيع، قال ابن الذهبي: ما أبعده من التشيع"""1".

وذلك أنه إنما حفظ شعر السيد الحِمْيَريّ لِحُسْنِهِ، ولهذا قال الذهبي عن السيد الحِمْيَريّ:

""ونظمه في الذروة، ولذلك حَفِظ ديوانه أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ"""2".

3-

غَمْزُهُ بأنه إنما سافر إلى مصر من أجل الوزير وعطائه:

معلوم أن الدَّارَقُطْنِيّ سافر من بغداد إلى مصر، فالتقى بابن حِنْزَابَة"3" وزير كافور الإِخْشِيدِي، فأكرمه الوزير إكراماً بالغاً، وأعطاه مالاً جزيلاً، وساعد الدَّارَقُطْنِيّ الوزير.

"1""تذكرة الحفاظ": 3/992.

"2""سير أعلام النبلاء": 8/42.

"3" ستأتي ترجمته قريباً، إن شاء الله تعالى.

ص: 101

فقيل: إنه إنما ذهب إلى مصر من أجل الدنيا لا لشيء آخر.

يقول اليَافِعِيّ صاحب "مِرْآة الجَنَانِ وعِبْرة اليَقْظَان

" في نهاية ترجمة الدَّارَقُطْنِيّ:

""قلت: فهذا ما لخّصته من أقوال العلماء في ترجمته، وكل ذلك مدح في حَقّه إلا سفره إلى مصر من أجل الوزير المذكور، فإنه وإن كان ظاهره كما قالوا المساعدة له في تخريج المسند المذكور، فلست أرى مثل هذا الإيقاع بأهل العلم ولا بأهل الدين، نعم لو كان مثل هذا لمساعدة بعض أهل العلم والدين لا يَشوبه شيء من أمور الدنيا كان حسناً منه وفضلا وحرصا على نشر العلم والمساعدة في الخير، وبعيد أن تُطَاوِع النفوس لمثل هذا إلا إذا وفق الله، وذلك نادر أو معدوم.

وما على الفاضل المتديّن من أرباب الولايات أَلّفوا أو لم يؤلفوا "؟!! " نعم لو أرسل إليه بعضهم وقال: إرْوِ عني كتابي، وكان فيه نفع للمسلمين فلا بأس فقد روينا عن شيخنا رضيّ الدين أربعين حديثاً تخريج السلطان الملك المظفر صاحب اليمن

"""1".

قلت: فستند التهمة الظن فقط، وبعض الظن إثم، ولا يجوز هذا الظن بأهل العلم وسَلَفِ الأمَّة، لأنه خروج بهم عما هم عليه في الأصل، وعما يُفترض فيهم من الإخلاص والتّقوى والورع.

ولو صحت تلك الدعوى لما أثَّرت في حق هذا الإمام، لأنه لو ذهب إلى

"1" "مرآة الجنان وعبرة اليقظان

"، لليافعي: 2/426.

ص: 102

الوزير لِيَسَاعده لكان حكم هذا العمل حكم نيته.

قال الإمام الذهبي معلِّقا على قصة إملاء الدَّارَقُطْنِيّ على الغريب وقبوله الهديّة منه"1":

""قلت: هذه حكاية صحيحة رواها الخطيب عن العَتِيقي، وهي دالة على سعة حفظ هذا الإمام وعلى أنه لوّح بطلب شيء، وهذا مذهب لبعض العلماء.

ولعل الدَّارَقُطْنِيّ كان إذ ذاك يحتاجه، وكان يَقبل جوائز دَعْلَج السَجَزيّ وطائفة، وكذا وَصَلَه الوزيرُ ابن حِنْزابة بجملة من الذهب لَمّا خرّج له المسند"""2".

ثم إن الوزير ابن حِنْزابة وإن كان من أهل الولايات والرياسات، إلا أنه من أهل العلم وأهل الفضل، ولذلك يقول الإمام الذهبي في ترجمته:

""الإمام الحافظ الثقة الوزير الأكمل أبو الفضل جعفر بن الوزير أبي الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات البغدادي، نزيل مصر، ولد ببغداد في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثمائة، ووزر أبوه للمقتدر

حدّث عنه الدَّارَقُطْنِيّ والحافظ أبو محمد عبد الغني المصري وطائفة

"""3".

فبهذا يُعلم أن صلة الإمام الدَّارَقُطْنِيّ بالوزير ليست من الباب الذي ظنّه اليافعي أو غيره.

"1" مضت القصة في "حفظه وإمامته".

"2""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق523.

"3""سير أعلام النبلاء": جـ10 ق537.

ص: 103

4-

اتهامه بأمور أخرى لا تليق به:

لم يتكلم في الإمام الدَّارَقُطْنِيّ أحد من الأئمة المتقدمين من أهل عصره حتى جاء بعض المتأخرين بعده بقرون، فَلَمَزُوه بأمور هو منها برئ.

والواقع أن تلك الاتهامات ليس عليها دليل -سوى الظن- وفيها مجازفات غير مقبولة. وهي -في تقديري- لا تستحق الإيراد والرد، ومع ذلك فسأوردها ثم أناقشها، وأبين الصواب -في رأيي- حتى لا يقال عني أني قد تجاوزت قاصمة ظهر الإمام الدَّارَقُطْنِيّ في هذا الباب.

وفيما يلي بيان للشُّبْهِ التي رُمِي بها الدارقطني رحمه الله.

الشُّبَهُ التي رُمِي بها الدارقطني

1-

زَعَمَ محمد زاهد الكوثري -بعد أن ذكر عن الدَّارَقُطْنِيّ نفيه سماع الإمام أبي حنيفة من أنس- أن الدَّارَقُطْنِيّ مضطرب في الكلام على الرواة، متكلم بالهوى، وأنه ضال في الأصول والفروع، ومن قوله فيه:

""وهو الذي يستبيح أن يقول: إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة ثلاثتهم ضعفاء، وأين هو من محمد بن عبد الله الأنصاري، الذي يقول في إسماعيل: ما ولي القضاء من لدن عمر بن الخطاب إلى اليوم أعلم من إسماعيل بن حماد

ابن أبي حنيفة"1". يعني بالبصرة.

وأين هو أيضاً من محمد بن مَخْلَد العطار الحافظ الذي ذكر حماد بن أبي

"1" الدَّارَقُطْنِيّ لم ينكر هذا، ولا تعارض بينه وبين قول الدَّارَقُطْنِيّ فيه.

ص: 104

حنيفة في عداد الأكابر الذين رووا عن مالك"1"؟، وأين هو أيضاً من هؤلاء الذين أثنوا على أبي حنيفة

والدَّارَقُطْنِيّ هو الذي يَهْذِي في أبي يوسف بقوله: أَعْوَرٌ بين عُمْيان، وهو الأعمى المسكين بين عُورٍ حيث ضلّ في المعتقد، وتابع الهوى في الكلام على الأحاديث واضطرب"""2".

وقال أيضاً: ""ومن طرائف صنيع الخطيب -أيضاً- روايته عن الدَّارَقُطْنِيّ أنه قال في أبي يوسف: أَعْورٌ بينَ عميان.

والدَّارَقُطْنِيّ هو الذي يذكر محمد بن الحسن في عداد الثقات الحفاظ حيث يقول في "غرائب مالك" عن حديث الرفع عند الركوع: حدّث به عشرون نفرا من الثقات الحفاظ "منهم محمد بن الحسن الشيباني".

كما تجد نصّ هذا النقل منه في "نصب الراية" 1/408، كما سبق وقد اعترف الدَّارَقُطْنِيّ في رواية البَرْقانِيّ بأن أبا يوسف أقوى من محمد، فيكون أبو يوسف حافظاً ثقة، وفوق الثقة عنده، فإذا قال في بعض المجالس في حق مثله: أعورٌ بينَ عميان -كما حكى الخطيب- يكون قوله هَذَيَاناً بَحْتاً وسفهاً صِرفاً، فلو عارضه أحدُ أصحابنا قائلاً: بل هو الأعمى بين عُورٍ، ما بَعُدَ عن الصواب، لأن الله سبحانه أعمى بصيرة هذا المتسافه في صفات الله سبحانه، حتى دوّن في صفات الله سبحانه ما لا يدوّنه إلا مجسم

"""3".

"1" الدَّارَقُطْنِيّ لم ينكر هذا، ولا تعارض بينه وبين قول الدَّارَقُطْنِيّ فيه.

"2""تأنيب الخطيب"، للكوثري: ص167 عن "التنكيل

"، للمعلمي: 1/359.

"3" نقلاً عن "التنكيل": 1/359-360.

ص: 105

2-

وقال الشيخ عبد العزيز الفِنْجابي الهندي في الدَّارَقُطْنِيّ: ""من مارس كتابه "يعني كتاب السنن" علم أنه قلما يتكلم على الأحاديث إلا حديثاً خالف الشافعيَّ فيظهر عواره، أو وافقه فيصحّحّه"1" إن وجد إليه سبيلا، لا أقول إنه يفعل ذلك بهوى النفس، ولكن إذا كان ثقة ضعفه بعضهم، أو ضعيفاً فيه كلام لبعضهم، أو ضعيفاً وثقه بعضهم، أو وجد مجهولاً لا يُتَرقَّب، ويُظهر طرفه الموافق لإمامه

"2" وهذا محمد بن عبد الرحمن أبي ليلى القاضي رجل واحد، يوثقه في حديث طهارة المني ص46 ويقول: ثقة في حفظه شيء، ويُشدّد القول فيه في حديث شفع الإقامة ص89، ويقول: ضعيف سييّء الحفظ. وفي حديث القارن يسعى سعيين ص273 يقول: ""رديء الحفظ كثير الوَهَمِ، كأنه عليه غضبان، وله غائظ"""3".

وفيما يلي مناقشَةٌ لهذه الاتهامات التي رُميَ بها الإمام الدارقطني رحمه الله.

مُناقشة الاتهامات التي رُمِيَ بها الإمام الدارقطني

قلت: فمحصَّل التهمةِ أن الدَّارَقُطْنِيّ يتكلم في الرجال جرحاً وتعديلاًً، وفي الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً بالهوى والعصبية لمذهبه.

"1" هكذا يقول، اتهاماً وسوء ظن بالإمام الوَرع التقي أبي الحسن الدَّارَقُطْنِيّ. نسأل الله السلامة.

"2" وأي هوى نفسٍ أشد من هذا؟! عندما يكون قصد الباحث غيرَ الحق. فإنه يكون محكوماً بِهَوى النفس لا ريب.

"3""التنكيل": 1/360.

ص: 106

ومستند هذا الاتهام أربعة أمور -كما يدل عليها كلام مَنْ رموه

بذلك- وهي:

الاتهام الأول: جرح الدَّارَقُطْنِيّ لبعض مَنْ ليس على مذهبه في الأصول أو في الفروع فظنَّوه تَعَصَّبَ ضدّهم، وكذا كلامه على الأحاديث تقوية وتضعيفاً فقد كان سبباً لكلامهم فيه.

الاتهام الثاني: اختلاف الدَّارَقُطْنِيّ في باب الاعتقاد مع من تكلموا فيه.

الاتهام الثالث: اختلاف عبارات الدَّارَقُطْنِيّ في الرواة جرحاً وتعديلاً.

الاتهام الرابع: الظن به، لأنه تكلم بغير مُراد من طَعنوا فيه

وفيما يلي الجواب عن ذلك:

الجواب عن الاتهام الأول:

أ - أما كلام الدَّارَقُطْنِيّ في بعض الرواة الذين ليسوا على مذهبه "مذهب الإمام الشافعي رحمه الله" أو في بعض الرواة الذين يختلفون مع الدَّارَقُطْنِيّ في بعض تفصيلات أصول الاعتقاد بالجرح فهو أمر طبيعي، لما يأتي:

1-

لأنه -حسب أصول المحدثين- يلزم المحدِّثَ الإنصافُ في الكلام على الرواة، ولا يلزمه أن لا يجرح من يخالفه في المذهب، وإلا لَمَا احتجنا إلى قواعد الجرح والتعديل، ولَمَا كان للإنصاف في ذلك معنى.

ولم يزل أئمة الجرح والتعديل من الخَلَف والسلف يتكلمون -جرحاً وتعديلاً- في الرواة المخالفين لهم والموافقين، ويتناقلون أقوال بعضهم في ذلك على وجه التسليم والعمل بها والاحتجاج، لا على وجه الإنكار والردّ.

ولا يردّون من ذلك إلا ما قامت قرينة أو قرائن تحملهم على تركه.

ص: 107

وليس في كلام أحد منهم أَنَّ قول صاحب المذهب فيمن يخالفه في مذهبه مردود.

إنما قالوا: إذا دلّ دليل على اتهام صاحب المذهب في جرحه لِمُخالِفِهِ -كما لو خالفه غيره فيه من الأئمة المنصفين المعتبرين في هذا الشأن- رُدَّ كلامه.

وكلام الدَّارَقُطْنِيّ -في الرواة الحنفية، وغيرهم- ليس من هذا القَبيل حتى يُردّ كلامه، لأنه لم تقم قرائن تدل على تحيزه فيه، وسيتبين هذا الأمر من النقاط التالية، كما يتبين أيضاً من استعراض أقواله في بعض الرواة الذين ليسوا على مذهبه، مقارنةً بأقوال غيره من الأئمة.

2-

ولأن كلام الإمام الدَّارَقُطْنِيّ في الرواة الذين ليسوا على مذهبه يكون أحياناً مجرّد تاريخ لا دخل للرأي فيه.

كقول السَّهْميّ عنه قال: ""سئل الدَّارَقُطْنِيّ عن سماع أبي حنيفة: يصح؟ قال: لا، ولا رواية، ولم يلحق أبو حنيفة أحداً من الصحابة"""1".

فأيّ ذَنْبٍ للدارقطني إذا سئل عن صحة سماع أبي حنيفة من أحدٍ من الصحابة فأجاب بما وَصَلَهُ في ذلك؟!!، وهو الثقة الذي لم يُكّذَّب ولا يستحلّ الكذب، فكيف يسوغ أن يُتهم، وأن يُطعن فيه بسبب ذلك؟!.

3-

ولأن الدَّارَقُطْنِيّ قد قال في بعض الرواة -الذين تُكلِّم فيه بسبب جرحه لهم- قولاً لا يمكن حمله على سوء طويته أو تعصبه، بل يدل على أن

"1""أسئلة السهمي": ق 17أ.

قلت: هذا قول الدَّارَقُطْنِيّ، ومما يَلْفِتُ النظرَ، ويُؤكِّد قاعدة:"حبّك الشيء يُعمي ويُصم"، أو ما أدري ما تأويله، أنه استُدِلَّ "في كتاب:"قواعد في علوم الحديث": 306-307" على أن أبا حنيفة روى عن أنس بعزو القول به إلى الدَّارَقُطْنِيّ!.

ص: 108

الدَّارَقُطْنِيّ ليس كما قيل.

ومن ذلك:

أ - ما حكاه البَرْقانِيّ بقوله:

""سألته عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رحمه الله، فقال: قال يحيى بن معين: كذاب، وقال فيه أحمد -يعني ابن حنبل- نحو هذا.

قال أبو الحسن: وعندي لا يستحق الترك"""1".

فهو يستدرك هنا على غيره من الأئمة حتى في تضعيفهم لمن ليس على مذهبه.

وقال البَرْقانِيّ: ""وسألته عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، فقال: هو أقوى من محمد بن الحسن"""2".

ب- وقول السُّلَمِيّ عنه: ""سألته عن أبي حماد الحنفي، فقال: ثقة"""3".

قلت: مع أن النسائي تركه، وكذا ضعفه غيره من الأئمة، والأمثلة على هذا كثيرة.

4-

ولأن كلام الدَّارَقُطْنِيّ في أولئك الرواة الذين جرحهم لم ينفرد به هو فقط، بل وافقه عليه أو هو وافق عليه بعض الأئمة النقاد المعتبرين في هذا الشأن كالإمام البخاري، وابن معين، وأحمد، وسواهم من الأئمة، وكُتُبُ التاريخ شاهدة بنقل أقوالهم.

"1""أسئلة البَرْقانِيّ": ق10ب.

"2""أسئلة البَرْقانِيّ": ق12ب.

"3""أسئلة السُّلَمِيّ": ق13ب، وانظر:"اعتداله في الجرح والتعديل"، في الفصل الثاني -الباب الأول.

ص: 109

فأظن أن المنهج العلميَّ لا يُسيغ اتهام هؤلاء جميعاً أو فرادى بسبب جرحهم لراوٍ ما -وإن كان من المحتمل خطأ بعضهم في الحكم على الراوي- لأن الخطأ غير سوء الطوية، ولأنه ليس من المنهج العلمي أن يؤخذ كلام هؤلاء جملة في بعض الرواة، ويردّ جملة في بعض الرواة، فإما أن يؤخذ كلامهم أو يترك.

وكلام الدَّارَقُطْنِيّ في أبي حنيفة رحمه الله، من هذا الباب، فليس الدَّارَقُطْنِيّ وحده الذي ضعفه، وكلام الأئمة فيه مشهور، ولا يَغُضُّ ذلك من إمامته رحمه الله، وليس الحَلّ في هذه المسألة وأمثالها هو اختيارُ أحدِ أمرين: أما تضعيف واتهام جميع الأئمة الذين ضعفوه، وتقوية أبي حنيفة، وإما العكس.

ولكن الحلّ هو النظر بِعِلْمٍ وإنصاف فيُقبلُ ما ينبغي قبوله، ويُرفض ما ينبغي رفضه، والحق أحق أن يُتبع.

وأما ما ادعاه الكوثري ومن وافقه من اتهام الدَّارَقُطْنِيّ، بسبب جرحه للقاضي أبي يوسف، وإسماعيل بن حماد، وحماد بن أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، فإليك أقوال الأئمة فيهم، وبيان حاصلها في كلٍ منهم لبيان هل الدَّارَقُطْنِيّ شذّ بكلامه فيهم، أو أن كثيراً من الأئمة معه في ذلك؟ مع الاعتراف بحق هؤلاء الأئمة المتكلَّم فيهم من جِهة قوة حديثهم، والاعتراف بفضلهم وإمامتهم رحمهم الله تعالى، وأكرم مثواهم.

ليظهر لك حقيقة ما رُمي به الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله تعالى. والله المستعان.

ص: 110

1-

الإمام أبو يوسف القاضي:

أ - الذين وثقوه:

قال عمرو الناقد: ""كان صاحب سنّة"""1".

وقال أبو حاتم: ""يكتب حديثه"""2".

ورُوي عن ابن معين أنه قال: ""ليس في أصحاب الرأي أكثر حديثا، ولا أثبت من أبي يوسف"""3".

وقال النسائي: ""ثقة"""4".

وقال ابن عدي: ""

وإذا روى عنه ثقة وروى هو عن ثقة فلا بأس به"""5".

ب- الذين تكلموا فيه:

قال الفلاس: ""صدوق كثير الغلط"""6".

وقال البخاري: ""تركه يحيى، وابن مهدي، وغيرهما"""7".

وقال ابن عدي: ""ليس في أصحاب الرأي أكثر حديثاً منه، إلا أنه يروي عن الضعفاء الكثير مثل الحسن بن عمارة، وغيره

وإذا روى عنه ثقة فلا

"1""ميزان الاعتدال": 4/447.

"2""ميزان الاعتدال": 4/447.

"3""ميزان الاعتدال": 4/447.

"4" رسالة "تسمية فقهاء الأمصار"، للنسائي: 124، مع "كتاب الضعفاء والمتروكين".

"5""ميزان الاعتدال": 4/447.

"6""ميزان الاعتدال": 4/447.

"7""كتاب الضعفاء الصغير"، للبخاري:123.

ص: 111

بأس به"""1".

جـ- النتيجة:

قلت: فهو ثقة في الحديث، إمام في الفقه، ويَروي عن الضعفاء، والدَّارَقُطْنِيّ إنما تكلَّم فيه عند ما جاء في سند حديث بين ضعفاء، وهذا السند هو:"محمد بن موسى الحارثي، عن إسماعيل بن يحيى بن بحر الكِرْماني، عن الليث بن حماد الاصْطَخْرِي، عن أبي يوسف، عن غَوْرَك""2".

فلمّا أخبر الدَّارَقُطْنِيّ عن ضعف غَوْرك ومَنْ دونه قيل له: إن فيهم أبا يوسف فقال: ""أعور بين عميان"" يريد أن أبا يوسف وإن كان فيه ضعف ما، فهو أحسن حالاً من غورك، والليث بن حماد، ومن معهما في السند من الضعفاء"""3".

وقد مرّ كلام الأئمة في أبي يوسف، وإن كان الراجح فيه الثقة، ومع كونه ثقة إلا أنه في هذه الحال روى عن ضعيف جداً، فهذا السبب، والله أعلم.

2-

إسماعيل بن حمّاد بن النعمان بن ثابت:

أ - الذين وثقوه:

وثقه السبط في "المرآة" فقال: ""وكان إسماعيل بن حماد ثقة صدوقاً، لم يغمزه سوى الخطيب -فذكر المقالة في القرآن- قال السبط:"إنما قاله تَقِيّةً كغيره"""4".

"1""ميزان الاعتدال": 4/447.

"2""سنن الدَّارَقُطْنِيّ": 2/126.

"3" "التنكيل

"، للمعلمي: 1/361.

"4""لسان الميزان": 1/399.

ص: 112

وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: ""ما ولي القضاء من لدن عمر بن الخطاب ? إلى اليوم أعلم من إسماعيل بن حماد، قيل: ولا الحسن البصري؟ قال: ولا الحسن"""1".

ب- الذين تكلموا فيه:

قال أبو علي صالح بن محمد "صالح جَزَرَة": ""

ليس بثقة"""2". وكذا قال مُطَيّن، وهو من دعاة المأمون في المحنة بخلق القرآن، وكان يقول في دار المأمون: هو دِيني، ودِين أبي، وجَدِّي، وكذب عليهما"""3".

وقال سعيد بن سالم الباهلي: ""سمعت إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة -في دار المأمون- يقول: القرآن مخلوق، وهو دِيني، ودِين أبي، ودِين جَدِّي"""4".

وقال ابن عدي: ""ثلاثتهم ضعفاء"""5"، يعني إسماعيل وأباه وجدَّه رحمهم الله تعالى.

وقال ابن حجر رداً على قول السبط في "المرآة" السابق ذكره-: ""قلت: قد غمزه من هو أعلم به من الخطيب، فبطل الحصر الذي ادعاه"""6".

جـ- النتيجة:

يظهر مما تقدم أنه ضعيف، لأن الأئمة ضعفوه، ولم يوثقه أحد سوى

"1""لسان الميزان": 1/399.

"2""لسان الميزان": 1/399.

"3""لسان الميزان": 1/399.

"4""تاريخ بغداد": 6/245.

"5""لسان الميزان": 1/398.

"6" المصدر السابق: 1/399.

ص: 113

صاحب "المرآة، وقد ردّ عليه الحافظ ابن حجر -كما رأيتَ- وأما الثّناء على علمه فشيء آخر ليس هو مما نحن فيه، وإن اعتبره الكوثري توثيقاً، فليس معه على هذا المبدأ -توثيق كل عالم- أحد من الأئمة، سوى ما حكى عن ابن عبد البر، وقد ردّه عليه الجمهور.

3-

حَمّاد بن النعمان بن ثابت:

أ - الذين وثقوه:

لم أر فيه توثيقاً.

ب- الذين تكلموا فيه:

قال الذهبي في "الميزان": ""ضعفه ابن عدي، وغيره، من قبل حفظه"""1".

وقال ابن عدي: ""

وحماد بن أبي حنيفة لا أعلم له رواية مستوية

"""2".

جـ- النتيجة:

قلت: فهو ضعيف في حفظه، لِتضعيف مَنْ ضعّفه، ولعدم ورود توثيقه عن أحد، وقد سكت الذهبي بعد نقل تضعيفه في "الميزان"، ولو لم يثبت ذلك عنده لردّه.

ونقل تضعيفه -أيضاً- صاحب "الفوائد البهية في تراجم الحنفية""3" عن الذهبي وسكت مثله.

"1""ميزان الاعتدال": 1/590.

"2""لسان الميزان": 2/346.

"3" في ص: 69.

ص: 114

4-

محمد بن الحسن الشَّيْباني:

أ- الذين وثقوه:

في "لسان الميزان": ""وكان من بحور العلم والفقه، قويّاً في مالك"""1".

وقال أبو داود: ""لا يستحق الترك"""2".

وقال ابن المديني عن أبيه: ""محمد بن الحسن صدوق"""3".

وأثنى الشافعي على فصاحته وعقله، وقال:""كان يملأ العين والقلب"""4".

وقيل لأحمد بن حنبل: ""هذه المسائل الدقاق من أين هي لك؟ قال: من كتب محمد بن الحسن رحمه الله"""5".

ب- الذين تكلموا فيه:

"ليّنه النسائي وغيره من قبل حفظه""6".

وفي "لسان الميزان" أن شريكاً القاضي كان لا يُجُوِّز شهادة المرجئة فشهد عنده محمد بن الحسن فردّ شهادته، فقيل له في ذلك، فقال: أنا لا أجيز من يقول: الصلاة ليس من الإيمان"""7".

"1""لسان الميزان": 5/121، و"ميزان الاعتدال": 3/513.

"2""لسان الميزان": 5/122.

"3" انظر: "تاريخ بغداد": 2/181.

"4" "البداية والنهاية: 10/202-203.

"5" "البداية والنهاية: 10/202-203.

"6""لسان الميزان": 5/121، و"ميزان الاعتدال": 3/513.

"7""لسان الميزان": 5/122

ص: 115

"ومن طريق أبي نُعَيْم قال: قال أبو يوسف"1": محمد بن الحسن يَكْذب عليَّ. قال ابن عدي: ""ومحمد لم تكن له عناية بالحديث، وقد استغنى أهل الحديث عن تخريج حديثه"""2".

وقال أبو إسماعيل الترمذي: ""سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان محمد بن الحسن في الأول يذهب مذهب جهم"""3".

وضعّفه الأحوص بن الفضل العلائي، والفلاّس، وابن معين"4".

وذكره العُقَيْلي في "الضعفاء" ونقل فيه عن يحيى بن معين أنه قال: ""جهمي كذاب"""5".

وقال النسائي: ""ضعيف"""6".

وذكره ابن حبان في "المجروحين" 2/275 وغلا في تضعيفه بما أظهر لي تعصُّبَّه ضده لأجل المذهب، سامحه الله، والله أعلم.

جـ- النتيجة:

قلت: يظهر لي مما سبق وغيره أنه رحمه الله: إمام في الفقه، ضعيف في الحديث، ولا اعتبار لقول من غلا في تضعيفه، لا سيما ما كان بسبب المذهب.

"1" في "لسان الميزان": 5/122 عن أحمد أن أبا يوسف مُضعَّف في الحديث. قلت: إن كان هو القاضي -وهو الظاهر- فقد مرّ أن الراجح فيه أنه ثقة.

"2" انظر: "لسان الميزان": 5/122.

"3" انظر: "لسان الميزان": 5/122.

"4" انظر: "لسان الميزان": 5/122.

"5" انظر: "لسان الميزان": 5/122.

"6" رسالة: "تسمية فقهاء الأمصار": ص:124، مع نسخة "الضعفاء والمتروكين"، له.

ص: 116

ب- وأما ادعاء الشيخ الفنجابي أن الدَّارَقُطْنِيّ إنما يصحح ما يوافق مذهب الشافعي، وإنما يضعّف ما يخالفه، فهو خلاف الواقع الذي يشهد به كتاب الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله.

فقد ضعّف أحاديث يؤيد مذهب الشافعي، وصحح أحاديث تخالف مذهب الشافعي، وهذا هو المفترض في حق العلماء المخلصين.

وما كان ينبغي التوقف عند هذه التهمة -لوضوح الأمر فيها- لولا إرادة الذبِّ عن العلماء الفضلاء.

ومن الأمثلة التي توضّح الحقيقة في هذا الأمر أن الدَّارَقُطْنِيّ:

1-

في السنن 1/91 ضعّف ما روي في مسح الرأس ثلاثاً، وهو يؤيد

مذهب الشافعي.

2-

وفي السنن 1/62-63 ضعّف أحاديث في طهارة سؤر السباع، وهي تؤيد مذهب الشافعي كما تراه في "الأم" للشافعي 1/5 حيث قال:""وسؤر الدواب والسباع كلها طاهر إلا الكلب والخنزير"".

3-

وكذا ضعّف حديثاً في طهارة سؤر الهرة في السنن 1/66-67، وهو يؤيد مذهب الشافعي، كما سبق.

4-

وسكت أيضاً عن أحاديث كثيرة ضعيفة أوردها في سننه، وهي تؤيد مذهب الحنفية. ومن تلك الأحاديث: حديث رقم 2/ من السنن 1/230، وحديث 5/ من السنن 1/231، وحديث 12/ من السنن 1/305، وحديث 25/ في السنن 1/308 وغيرها.

5-

ومما يستدل به -أيضاً- على إنصافه لمن يخالفه في المذهب، وردّ دعوى

ص: 117

أنه متعصب على الحنفية -أن الحافظ الزيلعي، وهو من الأئمة المشهود لهم بالإنصاف وردّ دعوى العصبية من أي شخص كانت، قد استعرض في كثير من الأبواب في "نصب الراية" أحاديث الحنفية التي رواها الدَّارَقُطْنِيّ، ونقل تضعيفه لها -وهي كثيرة جداً، لا سيما في بعض الأبواب- فلم ينتقد الإمامَ الدَّارَقُطْنِيّ في شيء من ذلك.

وانظر مصداق هذا في أحاديث رفع اليدين في الصلاة، وانظر أحاديث الجهر بالبسملة، وهي تؤيد مذهب الشافعية، ولم يقل الزيلعي مرة: إن الدَّارَقُطْنِيّ إنما أورد أحاديث الجهر بالبسمة تعصباً للشافعي، بل قال: إنما أورد هذه الأحاديث لأنه قصد إيراد الأحاديث الضعيفة في كتابه. كما لم يقل في أحاديث رفع اليدين: إنه لم يضعفها الدَّارَقُطْنِيّ إلا لأنها تؤيد الحنفية.

الجواب عن الاتهام الثاني:

أما اختلاف الدَّارَقُطْنِيّ في باب الاعتقاد، مع من تكلموا فيه، فلا يُبيح الكلام فيه بأي أسلوب يرتضيه المتكلم، فإن أخطأ في بعض المسائل فإنه يلزمه أن يبين ذلك بأسلوب علميّ ليس فيه خروج عن أدب الإسلام، ثم بعد ذلك إما أن يُقْبَل منه رأيه أو يردّ كأي شخص آخر.

أما اتهام الكوثري له بأنه ضال في الأصول أو في المعتقد فهذه قضية وقع الخلاف فيها بين السلف والخلف، ولا يحق للكوثري أن يطعن في الإمام الدَّارَقُطْنِيّ لأنه ليس على مذهبه في ذلك.

على أن الإمام الدَّارَقُطْنِيّ يعتقد اعتقاد السلف رضي الله عنهم، الذين

ص: 118

جمعوا بين الإيمان بالنصوص الثابتة عن الله وعن رسوله، وبين التنزيه، فلم يتبنّوا تنزيه الله تعالى بالعقل معرضين عن الشرع والنصوص الواردة"1"، كما أنهم لم يتبنّوا الإيمان بظاهر النصوص معرضين عن التنزيه.

فآمنوا بالله تعالى وبأسمائه وصفاته حسب ما ورد عن الله تعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى ما يليق بجلاله سبحانه، مع نفي التشبيه، والتأويل، والتعطيل، والتكييف.

فإن كانت عنده هذه العقيدة عَيباً في الإمام الدَّارَقُطْنِيّ فَكَفَى بذلك العيب مدحاً له وثناء.

الجواب عن الاتهام الثالث:

أما التعارض -في الظاهر- بين عبارات الدَّارَقُطْنِيّ في الجرح والتعديل، فلم أر ذلك عنده -في حدود معرفتي به- ولم يَذكره أحد من الأئمة الذين نَخَلُوا عباراته واعتمدوا عليه كثيراً في الجرح والتعديل كالإمام الذهبي والحافظ ابن حجر، وأمثالهما، وهم الذين يُنبهون كثيراً عند نقل الأقوال غير المعتبرة أو قول من لا يعتبر قوله.

ولو رأيتُ في عباراته تناقضاً أو تعارضاً لذكرته -عَلِمَ الله- وليس لي مصلحة في نَفْي أو إثبات التعارض في عبارات الدَّارَقُطْنِيّ، لولا أن الأمانة

"1" وما ضلّ المعتزلة وَمَنْ شابههم إلا من هذا الطريق، حتى أوصلهم قصدُ التنزيه -إن كانوا قصدوه فعلاً- إلى أن قالوا: يجب على الله أن يعذب العاصي ويثيب المطيع!! ويَحْرمُ عليه أن يُعذّب الطفل!!. تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.

ص: 119

العلمية تقتضي أن أثبت ما توصلت إليه.

وقد عقدت مبحثاً مستقلاً في "الفصل الأول" من "الباب الرابع"، لبحث هذا الموضوع، وتعرّضت فيه إلى ما ادعاه الكوثري والفنجابي من اختلاف عبارات الدَّارَقُطْنِيّ في الشخص الواحد كمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أو غيره.

والله الموفق للصواب.

الجواب عن الاتهام الرابع:

وهو اتهامه بالتشدّد في الجرح والتعديل للمخالفين له. ويتلخص الجواب عن ذلك فيما يلي:

لم يتهمه أحد بالتشدد عموما، إنما اتهمه بعض الحنفية بأنه متشدد متعنت في الجرح والتعديل في حقهم، وأنه متعنت في تضعيف الرواة والأحاديث التي تؤيد مذهب الحنفية.

وأنه متعصب لتصحيح الأحاديث التي تؤيد مذهبه مذهب الشافعية.

وممن ذهب إلى هذا المذهب: الشيخ اللّكْنَوِي في كتابه: "الرفع والتكميل في الجرح والتعديل""1".

والشيخ عبد العزيز الفنجابي الهندي فيما نقلته عنه في الفقرة السابقة، والكوثري في كثير من كتبه كالتأنيب وغيره.

مع أن اعتدال الإمام الدَّارَقُطْنِيّ في الجرح والتعديل معلوم حتى لدى هؤلاء الذين نسبوه إلى التعنت.

"1" ص54، 55، 63.

ص: 120

فهذا كتاب "قواعد في علوم الحديث" يذكر في صفحة: 189 الدَّارَقُطْنِيّ في الأئمة المعتدلين في الجرح، وفي صفحة: 193 يذكره في المتعنتين في جرح أهل بعض المذاهب "يعني الحنفية".

وفي كتاب "الرفع والتكميل في الجرح والتعديل" يذكر الدَّارَقُطْنِيّ في صفحة: 186 في قسم المعتدلين من الأئمة في الجرح والتعديل. وفي صفحة 54، و55 يعدّه في المتعنتين المتعصبين في الجرح والتعديل.

فإن قيل: لا تعارض بين القولين. قلت: ولْتَكُنْ كذلك، فقد سلّمتم بأنه معتدل عموما، وادعيتم أنه متعنت في الحنفية خصوصاً.

ولم تثبت -عندي هذه الدعوى؛ لأن الذي أوجب كلامَ هؤلاء في الإمام الدَّارَقُطْنِيّ -عندهم- وطعنَهم فيه هو كلامُه في الجرح والتعديل -وهو اختصاصه- وهو علم لا يُداهِن ولا يجامل أحداً، "إنما هذا العلم دين".

ولهذا تكلم علي بن المديني في أبيه وقال: إنه أبي، ولكنه الحديث.

وقال محمد بن محمد الباغندي: ""لا تكتبوا عن أبي فإنه يكذب"""1".

وهذا هو الأصل الذي يدور عليه كلام الأئمة رحمهم الله تعالى في الرواة بغض النظر عن مذاهبهم الفقهية أو غيرها وعن جلالتهم وإمامتهم، لأن هذا شيء، وضبط الحديث شيء آخر، وكم من إمام جليل اعتَرَفَ أئمة الجرح والتعديل بإمامته وجلالة قدره ومع ذلك ضعّفوه في حفظه أو في شيخ من شيوخه أو في أمرٍ آخر.

ولما تكلم الإمام الدَّارَقُطْنِيّ -كآخرين غيره من الأئمة- في حفظ الإمام أبي حنيفة رحمه الله تكلم فيه من تكلم من الحنفية، وبالغ بعضهم فاتهمه في.

"1""أسئلة السَّهْمِي": ق6ب.

ص: 121

دِينه، لأنه -في رأيه- متكلِّم بالهوى غير منصف.

ولَمّا تكلم الإمام الدَّارَقُطْنِيّ في بعض الرواة وكانوا حنفية، ذمّه بعض الحنفية وطعنوا فيه.

ولَمّا ضعّف الدَّارَقُطْنِيّ بعض الأحاديث حسب قواعد وأصول المحدّثين في قبول وردّ الأخبار، وصادف أَنَّ تلك الأحاديث تؤيد مذهب الحنفية تكلم فيه بعضهم.

ولَمّا صحح أحاديث وافقت مذهب الشافعي اتهمه بعضهم بأنه متعصب لمذهب الشافعي

حتى أن بعض متأخري الحنفية -وهو الشيخ بدر الدين محمود العَيْني- ضعّف الإمام الدَّارَقُطْنِيّ بكلام مُجْمل من غير دليل فقال:

""هو مستحق للتضعيف"""1".

إن الأمر أكبر من هذا المسلك الذي سلكه هؤلاء، إنه دِين، وإنه عِلْم، وإنه قواعد وأصول، وليس العصبية والهوى.

فإن ساغ لبعض الحنفية أن يتكلم في الدَّارَقُطْنِيّ لمجرد أنه أَفْتى بما يعلمه في راوٍ حنفي، فإنه كذلك يسوغ للمالكية أن يسلكوا مسلكهم، ويسوغ أيضاً الحنبلية

ثم بعد ذلك ما قيمة علم الجرح والتعديل؟!.

وهل من المنطق العلميّ أن يحكم الإمام الدَّارَقُطْنِيّ في "الحسن بن عِمارة" مثلا بأنه: "ضعيف"، "متروك الحديث" في القرن الرابع، ثم يأتي بعض الناس في القرن الرابع عشر -أي بعد عشرة قرون- فيصدر بياناً بعنوان: "بيان

"1""البناية شرح الهداية"، في بحث "القراءة"، نَقْلاً عن أبي الطيب محمد شمس الحق آبادي في ترجمة الدَّارَقُطْنِيّ مِن تعليقه في أول "السنن": 1/9.

ص: 122

منشأ تضعيف "الحسن بن عِمارة" والقول الفصْل فيه""1"!! وجاء فيه بكلام لا يستحق إصدار البيان. وقال في نهايته:

""وقد تعسّف الدَّارَقُطْنِيّ في قوله: إنه متروك، نقول: وكيف يروي عنه السفيانان، وابن القطان لو كان متروكاً؟!!، والله يقول الحق، ويهدي السبيل"""2".

قلت: ولم يتعرّض لمناقشة الدَّارَقُطْنِيّ بأكثر من هذه الكلمات، ومثل هذا قول أحدهم مُعَلِّقاً على كلام للكوثري:

""قال الرَّاقم: وكأن الأستاذ الكوثري يعرّض إلى كثير من الحفاظ الشافعية ولا سيما حامل لوائهم في المتأخرين، الحافظ ابن حجر، فإنه بِضد الحافظ الزيلعي، يبخس الحنفية حقهم في أمثال هذه المواضع، ويتكلم فيما لا يكون للكلام فيه مجال، ومن دَأبه في كتبه -ولا سيما فتح الباري- أنه يغادر حديثاً في بابه يكون مؤيداً للحنفية، مع علمه، ثم يذكره في غير مظانه، لئلا ينتفع به الحنفية"""3".

قلت: سامح الله هذا الراقمَ، فقد رقم ما لا يحل له رقمه، وما معنى هذا الكلام؟!!.

ويقول هو أيضاً: ""بخلاف الحافظ ابن حجر، فيتطلب دائماً مواقع العلل، ويتوخّى مواضع الوهن من الحنفية، ولا يأتي في أبحاثه بما يفيد الحنفية، ويقول شيئاً وهو يعلم خلافه،

"""4".

قلت: سبحان الله، سبحان الله!! ليس أمير المؤمنين في الحديث بعالم سوء.

وليس مرادي الطعن على أحد، لكن أردتُ أن أبيّن أن هذا الأسلوب لا

"1" انظره في أول الجزء الثالث من "نصب الراية": ص:22.

"2""نصب الراية": 3/23.

"3""نصب الراية": 1/7 في ترجمة الزيلعي.

"4""نصب الراية": 1/8.

ص: 123

يجوز، وأن هذا الكلام في الإمام الدَّارَقُطْنِيّ ونحوه مردود بمقتضى قواعد الجرح والتعديل.

كما أنه مردود بالمبدأ الذي ادعوا به الطعن فيه، وذلك:

1-

لأن قول المخالف في المذهب لا يُقبل فيمن يخالفه إذا عارضه قول غيره من الأئمة.

وقول هؤلاء في الدَّارَقُطْنِيّ يخالف قول الجمهور من الأئمة فيه.

2-

وكذا لا يقبل قول المتأخر في المتقدم إذا لم يؤيده كلام المعاصر.

كما هو حال المتكلمين في الدَّارَقُطْنِيّ، لِما علمتَ أنه لم يوجد فيه كلام لأحد من الأئمة المتقدمين.

3-

وكذا لا يقبل قول صاحب المذهب المتعصب ضد غيره فيمن يخالفه. كما هو حال المتكلمين في الدَّارَقُطْنِيّ أيضاً.

وما ذكروه من ادعاء تشدّد الدَّارَقُطْنِيّ في الجرح يردّه ما قاله الإمام الذهبي في الردّ على ابن الجوزي عندما قال في حديث أعلّه الدَّارَقُطْنِيّ: ""إنه لا يقبل حتى يبين سببه"""1". فقال الذهبي مُعلِّقاً على ذلك: ""هذا يدل على هوى ابن الجوزي، وقلة علمه بالدَّارَقُطْنِيّ، فإنه لا يُضعِّف إلا من لا طِبَّ فيه"""2".

وهذا حكم عامّ من الذهبي رحمه الله، ولو كان يرى أن الدَّارَقُطْنِيّ متشدد في الحنفية لخصصه. والله أعلم.

وسيأتي في "الفصل الثالث" من "الباب الرابع" دراسة مقارنة لأقواله في الجرح والتعديل لبيان هل هو متشدد في الجرح والتعديل أو متساهل؟.

"1""فيض القدير": 1/28.

"2""فيض القدير"، للمناوي: 1/28.

ص: 124