الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
وقال البَرْقانِيّ: ""قلنا له: جعفر بن عمران، يحدث عنه أحمد بن يونس؟ فقال: لا أعرفه"""1".
3-
وقال البَرْقانِيّ -أيضاً-: ""قلت لأبي الحسن: روى حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن باب بن عمير، عن رجل، عن أبيه، عن أبي هريرة؟
قال: باب لا أدري من هو؟ يحدّث عنه الأوزاعي، ويحيى، يُترك"""2".
إن هذا من اعتداله في الجرح رحمه الله تعالى، عملاً بما قرره علماء الإسلام في باب الجرح، بأنه ضرورة تقدّر بقدرها، حفظا للشريعة، وصيانة لأعراض المسلمين.
"1""البَرْقانِيّ": ق2أ.
"2""البَرْقانِيّ": ق2أ.
ثالثاً: إمامته فيه:
مما تقدم يتبين أن الإمام الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله إمام في الجرح والتعديل وهذا أمر لا شك فيه، ولا يحتاج إلى تدليل، وإذا أردت ما يُبرز إمامته في هذا الفن فإنه يتعين الإشارة إلى ذلك في النقاط الأربع الآتية:
أ - حفظه وخبرته العجيبة بالرجال وأسمائهم وأنسابهم وأحوالهم:
فقد بلغ في هذا شأوا بعيداً، وخلف لنا آثارا تدل على تلك الخبرة بالرجال. والحافظة المدهشة، تدل على أنه ألمّ بالرواة أسماء وأنسابا وأحوالا وتاريخاً.
وإليك الأمثلة على ذلك:
1-
يقول السُّلَمِيّ: ""وسئل عن الماجشون فقال: ""يعقوب بن أبي سلمة، ومن
ولده: يوسف بن يعقوب، وعبد العزيز بن يعقوب.
فأما يوسف فروى عن الزهري وصالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عون وصالح بن كيسان وابنه يعقوب.
وأما أخوه عبد العزيز بن يعقوب فيروي عن محمد بن المنكدر أحاديث مراسيل، حدث عنه أحمد بن حنبل، ومحمود بن خِدَاش، والحسن الزعفراني، وعبد العزيز هذا يكنى أبا الأصبغ.
وعبد الله بن أبي سلمة الماجشون أخو يعقوب، يروي عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج، وهو مولى أبي قتادة، وغيرهم.
وابنه عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الفقيه، يروي عن زيد بن أسلم، ومحمد بن المنكدر، والزهري، وغيرهم.
وابنه عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون كان فقيها من أصحاب مالك. ويوسف بن عبد العزيز، حدث عنه الزبير بن بكار.
فهذا ما حضرني في أولادهم في الوقت، وإنما لُقب الماجشون لحمرة وجهه"""1".
2-
""وسأله الشيخ أبو سعد رحمه الله عن أبي حازم"2"، فقال:""الذي يحضرني: أبو حازم الأشجعي اسمه سليمان مولى عزة الأشجعية.
"1""سؤالات السُّلَمِيّ": ق13ب.
"2" في الأصل: أبا حازم.
وأبو حازم الأعرج، واسمه سلمة بن دينار المدني.
وأبو حازم التمّار، اسمه دينار مولى أبي رُهْم الغفاري.
وأبو حازم الأحمسي عبد عوف، له صحبة، وهو أبو قيس بن أبي حازم.
وأبو حازم نبيل يحدّث عن ابن عباس.
وأبو حازم عبد الرحمن بن حازم، سمع مجاهداً.
وأبو حازم صخرة بن العبلة الأحمسي، له صحبة ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأبو حازم ميسرة بن حبيب النهدي الكوفي يحدّث عن المنهال بن عمرو. هذا ما حضرني في الوقت وهو مستوفى إن شاء الله"""1".
3-
وقال السُّلَمِيّ: ""سئل أبو الحسن علي بن عمر الحافظ، سأله ابن سعد الإسماعيلي رحمهما الله: كم من المشايخ مَنْ اسمه عياش؟ فقال: ""عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن مخزوم له صحبة ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعياش بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أخو أبي بكر، وأمه أم حسن بنت الزبير بن العوام.
وعياش بن عمرو المعافري، كوفي سمع عبد الله بن أبي أوفى، روى عنه الثوري وشريك.
وعياش بن مؤنس، عداده في الشاميين، يحدّث عن شداد بن شرحبيل.
وعياش بن يزيد الشامي، يحدّث عن عطية.
وعياش الكلبي، يحدّث عن أنس، روى عنه شعبة.
"1""السُّلَمِيّ": ق14ب.
وعياش بن عباس القتباني، مصري روى عنه الليث بن سعد، وابنه عبد الله.
وعياش بن أبي سنان العَتَكي، سمع أبا نضرة، روى عنه أبو الوليد، يُعد
في البصريين.
وعياش بن عبد الله، كاتب عثمان، روى عنه قتادة.
وعياش بن عبد الله بن عمرو بن سلمة، عداده من الكوفيين.
وعياش بن عبد الله بن أبي ثور، روى عنه محمد بن إسحاق حجازي.
وعياش بن سعيد بن أبي المعلى الأنصاري.
وعياش الدعيني، يروي عن معاوية بن جريج، عِداده في البصريين.
وعياش بن الوليد الرقَّام.
وعياش بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني.
وعياش والد أبي بكر بن عياش.
هذا ما حضرني في الوقت"""1".
فتأمل هذه الأجوبة التي لم يلقها الإمام الدَّارَقُطْنِيّ من كتاب بل من ذاكرته، فيقول في نهاية كل جواب:""هذا ما يحضرني في الوقت""، إنها الحافظة القوية والعناية التامة بالرجال، والإمامة الفذة في هذا الشأن.
ب- إحاطته بأحوال من سبقه وبأهل عصره وشيوخه:
وقد أحاط بتاريخ وأحوال الرواة السابقين له، والذين عاصروه. وسبق التمثيل -في الفقرة السابقة- لإدراكه لِتاريخ مَنْ سبقه.
"1""السُّلَمِيّ": ق7ب-8أ.
أما معرفته بحال من عاصره فلا ينازع فيها أحد. بل العلماء اعتمدوه كثيرا جرحاً وتعديلاً فيمن عاش في عصره.
فأئمة الجرح والتعديل ينقلون عنه في ذلك كثيرا، وأكثر ما يظهر هذا في كتب الذهبي.
وتناقلوا حكمه في شيوخه توثيقاً وجرحاً.
وإليك الأمثلة على ذلك:
1-
قال السُّلَمِيّ: ""وسألته عن أبي القاسم بن الثَّلَاّج، فقال: لا تشغل به، فوالله ما رأيته قط في مجلس من مجالس العلم إلا بعد رجوعي من مصر، رأيته أولاً في مجلس أبي حامد الهمْداني المروزي، ولا رأيت له سماعا في كتاب أحد، ثم لا يقتصر على هذا حتى يضع الأحاديث والأسانيد ويركّب، وقد حدّث بأحاديث فأخذها وترك اسمي واسم شيخي، وحدّث عن شيخ شيخي.
وسألته عن مكي بن بندار الزنجاني فقال: مثله أو قريباً منه، إلا أن مكيا كتب الحديث"""1".
2-
ومن الأدلة على خبرته بشيوخه قول السُّلَمِيّ: ""وسألته عن ابن منيع"2"، فقال: ثقة جبل إمام من الأئمة ثبت، أقل المشايخ خطأ، وكان ابن صاعد أكثر حديثاً من ابن منيع، إلا أن كلام ابن منيع في
"1""أسئلة السُّلَمِيّ": ق14ب.
"2" هو: أبو القاسم بن منيع، أحد شيوخ الدَّارَقُطْنِيّ، وروى عنه كثيراً في السنن.
الحديث أحسن من كلام ابن صاعد"""1".
3-
""وسئل أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ عن أبي بكر محمد بن عبد الله الشافعي فقال: أبو بكر جبل ثقة مأمون، ما كان في ذلك الزمان أوثق منه، ما رأيت له إلا أصولا صحيحة متقنة، قد ضبط سماعه فيها أحسن الضبط، والله سبحانه أعلم بالصواب"""2".
جـ- استقلاله في الجرح والتعديل:
والإمام الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله تعالى اتصف بالاستقلال في الجرح والتعديل، في كثير من أحكامه التي يصدرها في الرواة.
ذلك أن الجرح والتعديل لمن سبق المحدّث ولم يره، ينقسم إلى قسمين:
1-
قسم نقليّ، لا مجال للاجتهاد فيه، كوصف حاله الظاهرة ممن عايشه، أو الحكم عليه بحكم يتوقف على معرفة حاله، بالمعاشرة والخِلطة، كأن يقول: فلان عدل، أو صادق، أو نحوه.
فهذا النوع لا طريق للاجتهاد فيه لمن يأتي بعد وفاة الراوي إلا بالاعتماد على النقل عمن عاصره.
2-
وقسم: يحتاج إلى نظر المحدّث وحكمه في الراوي، من خلال معاصرته له ومعاشرته إياه، أو من خلال بحثه في أحاديثه ومروياته، أو من خلال النظر في أقوال الأئمة فيه والموازنة بينها.
"1" "السُّلَمِيّ: ق6ب.
"2""السَّهْمي": ق18أ.
فيدعوه ذلك إلى أن يُصدر حكما مستقلا، قد يَردّ به بعض أقوال من سبقه بالكلام في الراوي.
وهذا القسم الأخير، هو الذي ظهر استقلال الإمام الدَّارَقُطْنِيّ فيه، إذْ أنه:
أ - تكلّم كثيرا في الرواة جرحاً وتعديلاً، من غير أن يعتمد على غيره، سواء فيمن سبقه من الرواة، أو فيمن عاصره.
ب- اصطلح اصطلاحات خاصة به في الجرح والتعديل.
جـ- استدرك على بعض الأئمة في حكمهم على الرواة جرحاً وتعديلاًً.
ومن تتبع كتبه وكلامه في الرواة تيقن هذه الأمور السابقة لدى الدَّارَقُطْنِيّ، مما يؤكد استقلال الإمام الدَّارَقُطْنِيّ في الجرح والتعديل، وعلم الرجال.
أما الأمثلة على الفقرة الأولى: "فقرة أ"، فمعظم كلام الدَّارَقُطْنِيّ في الرواة شاهد بها، ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي:
1-
قوله في إبراهيم بن طهمان: ""ثقة، وإنما تكلّم فيه سبب الإرجاء"""1".
2-
وقوله في أبي حمزة السكري: ""ثقة، أخرج عنه في الصحيح"""2".
3-
وقوله في الزبيري: ""ضعيف، ذكره البخاري في الاحتجاج"""3".
وكذلك كل أمثلة استدراكه على الأئمة في الجرح والتعديل تصلح أن تكون أمثلة لهذا الباب.
"1""السُّلَمِيّ": ق1أ.
"2""السُّلَمِيّ": ق11ب.
"3""البَرْقانِيّ": ق16ب.
وكذلك كل كلامه في شيوخه، وقد نقلت بعضها في فقرة "ب" السابقة"1".
وهكذا ترى أن الدَّارَقُطْنِيّ عندما يقول الحكم في الراوي -غالباً- لا يقوله تقليداً لغيره ونقلا، إنما استنتاجا واجتهاداً.
بل أنه لا يكتفي بهذا، إنما يستدرك على الأئمة الكبار -أحياناً- فلا يوافقهم في حكمهم.
وإذا كان لا يعلم حال الراوي المسئول عنه فإنه يتوقف، إنصافاً، وخوفاً من الله عز وجل، يقول السُّلَمِيّ:""وسألته عن أبي مروان العثماني، فقال: ما أحكم في بشيء"""2".
وقال البَرْقانِيّ: ""وسألته عن عبد الرحمن بن محمد، يروي عن السائب بن يزيد، فقال: هو شيخ مدني، لا أدري من هو، يعتبر به"""3".
وكأنه قال: ""لا أدري من هو"" من باب التثبّت، بدليل أنه قال:""هو شيخ مدني""، وقال:""يعتبر به"".
أو أنه قال فيه ذلك لأنه مجهول عنده، فحكمه أنه يعتبر به.
وأما أمثلة الفقرة الثانية: "فقرة ب": فمثل: اصطلاحه في "آية" و"آية من آيات الله"، واصطلاحه في "ليّن"، وغير ذلك، وقد تحدّثت عن هذا تفصيلاً في "الباب الرابع"، "الفصل الأول".
وأما الفقرة الثالثة: "فقرة جـ": فإليك الحديث عنها بالتفصيل في المبحث الآتي:
"1" في فقرة: "ب-إحاطته بأحوال من سبقه وبأهل عصره وشيوخه".
"2""السُّلَمِيّ": ق14أ.
"3""البَرْقانِيّ": ق7أ.