الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
إمامته في الجرح والتعديل
أولاً: قبول قوله فيه:
الإمام الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله تعالى، كان اهتمامه بالجرح والتعديل وتاريخ الرواة ومعرفة أسمائهم، ونحو ذلك، أكثرَ من اهتمامه بغيره، سوى الحديث.
ولهذا أَلّف في علوم الحديث كثيرا، وحكم على الرواة، جرحاً وتعديلاًً، بكثرة بالغة.
وقد اعتمد حكمه في الرواة أئمة الحديث من لدن عصره إلى اليوم في الجملة، وإن ردوه أحيانا حين يظهر خطؤه.
وإن المتأمل في الأقوال المنقولة في الرواة المعاصرين للدارقطني يجد العلماء أكثر ما ينقلون من الأقوال فيهم -جرحاً وتعديلا- قول الدَّارَقُطْنِيّ نفسه، أو قول تلميذه الإمام الحاكم أبي عبد الله، وتلميذه الإمام البَرْقانِيّ.
وقد تأمّلت كتاب "العِبَر
…
" للحافظ الذهبي فوجدته لا ينقل الجرح والتعديل -غالباً- في الرواة المعاصرين للدارقطني إلا عنه أو عن الحاكم أو عن البَرْقانِيّ، ومثله في ذلك الخطيب في "تاريخ بغداد".
وللحافظ الذهبي كتاب ذَكَر فيه من يعتمد قوله في الجرح والتعديل، وقال في مقدمته:""ونشرع الآن بتسمية من كان إذا تكلم في الرجال قبل قوله، ورجع إلى نقده، ونسوق من يسّر الله تعالى منهم على الطبقات
والأزمنة، والله المسئول الموفق للسداد بمنه"""1".
وذكر الدَّارَقُطْنِيّ فيهم فقال: ""أبو الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ وحيد عصره، وبه ختم معرفة العلل"""2".
وقال الذهبي -أيضاً- في ترجمة "محمد بن الفضل عَارِم السدوسي" بعد نقله قول الدَّارَقُطْنِيّ فيه: ""قلت فهذا قول حافظ العصر الذي لم يأت بعد النسائي مثله، فأين هذا القول من قول ابن حبان الخَسّاف المُتهور في عارم، فقال: اختلط في آخر عمره، وتغير حتى كان لا يدري ما يحدِّث به، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة
…
"""3".
وكذا عوّل أئمة الحديث على أقواله في الجرح والتعديل، ولم أعلم أحدا ردّ قوله في الجرح والتعديل في الجملة أو في قاعدة معينة، اللهم إلا أقواله في انتقاده لبعض رجال الصحيحين فإنه قد ردّ عليه عدد من الحفاظ كما هو معلوم.
إلا أنه ربما تكلم فيه من هذه الناحية من ليس بإمام، ولا معتبر قوله فيه، وما سَلِم من الكلام أحد كما قال الإمام الذهبي:
""فمن يسلم من الكلام بعد أحمد؟! """4".
"1""ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل"، للذهبي: ق3.
"2" المصدر السابق: ق15.
"3""ميزان الاعتدال": 4/8.
"4""رسالة من تكلم فيه وهو موثّق أو صالح الحديث"، للذهبي: ص33. ويَقْصد بأحمد الإمام أحمد بن حنبل. وقد تكلَّم في الدَّارَقُطْنِيّ بعض المتأخرين كمحمد بن طاهر، ومحمد بن زاهد الكوثري، وغيرهما، ومضت مناقشتهم في:"14- أقوال الأئمة فيه" في "الباب الأول".