الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - باب: كراهية استقبال القبلة عند الحاجة
هي الكراهية بتخفيف الياء، ويقال: الكراهة بحذفها
(1)
وقد يطلق على كراهة التحريم وكراهة التنزيه، وهي ما ثبت فيها نهيٌ مقصودٌ غير جازم، وعلى ترك الَاوْلى، والمراد هنا كراهة تحريم.
7 -
(صحيح) حَدَّثنا مُسدَّد بن مُسرهد: ثنا أبو مُعاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن سلمان قال: قيل له: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة! قال: أجل لقد نهانا صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وأن لا نستنجي باليمين، وأن لا يستنجي أحدُنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو نستنجي برجيعٍ أو عظم
(2)
.
حديث سلمان رضي الله [عنه]
(3)
رواه مسلم، وفيه ثلاثةٌ تابعيون
(1)
قال المصنف في "تحرير ألفاظ التنبيه"(259): " (الكراهة) و (الكراهية): بتخفيف الياء بمعنى، مصدر كَرِهْتُه أكرَهُه كَراهَةً وكراهِيَةً".
وقال في "شرح صحيح مسلم"(3/ 199) عن حكم (الكراهة): "هذا هو الصحيح المشهور عند أصحابنا وقيده في البناء"، وقال في "التنقيح في شرح الوسيط" (1/ 295):"هذا ليس على إطلاقه، بل قال أصحابنا: إنما يجوز ذلك في البناء إذا كان كثيفًا، أو كان قريبًا من الجدار ونحوه، بحيث لا يزيد بينهما على نحو ثلاثة أذرع، وأن لا ينقص ارتفاع الساتر عن مؤخرة الرحل، وهي نحو ثلثي ذراع، هذا هو المذهب".
(2)
أخرجه مسلم (262)، من طريقين عن أبي معاوية به.
(3)
ساقطة من الأصل.
بعضهم عن بعض
(1)
.
واتفقوا أن سلمان عاش مئتين وخمسين سنة، واختلفوا في الزيادة؛ قيل: ثلاث مئة وخمسون، وقيل غيره
(2)
.
(1)
هم الأعمش وإبراهيم بن يزيد النخعي وعبد الرحمن بن يزيد النخعي، وهو أخو الأسود، وابن أخي علقمة بن قيس، وفيه أيضًا: أن رواته جميعًا كوفيون، وترجم مسلم في "الطبقات"(245) لسلمان وجعله فيمن نزل الكوفة.
(2)
حكى الذهبي في "السير"(1/ 555) عن أبو العباس بن يزيد البحراني (أ) قال: "يقول أهل العلم: عاش سلمان ثلاث مئة وخمسين سنة؛ فأما مئتان وخمسون فلا يشكون فيه". وعبارته في "تاريخ الإسلام"(2/ 293 - ط الغرب): "وقيل: عاش مئتين وخمسين سنة، وأكثر ما قيل: أنه عاش ثلاث مئة وخمسين سنة، والأول أصح".
قلت: حكى المصنف في "تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 277) عليه الإجماع، وعبارته:"ونقلوا اتفاق العلماء على أن سلمان الفارسي عاش مئتين وخمسين سنة، وقيل: ثلاث مئة وخمسين سنة، وقيل: إنه أدرك وصيّ عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام"!!.
وقال في "المجموع"(2/ 102): "واتفقوا على أنه عاش مئتين وخمسين سنة، واختلفوا في الزيادة عليها، فقيل: ثلاث مئة وخمسين، وقيل غير ذلك، والله أعلم".
قال أبو عبيدة: وحرر الذهبي في "السير"(1/ 555 - 556) ما نقله عن أبو العباس بن يزيد، وأفاد أن نقله من كتاب "الطوالات" لأبي موسى الحافظ المديني: فقال: "وقد فتشت، فما ظفرت في سنه بشيءٍ سوى قول البحراني، وذلك منقطع لا إسناد له.
ومجموع أمره وأحواله، وغزوه، وهمته، وتصرفه، وسفه للجريد، وأشياء =
_________
(أ) أسند مقولة البحراني: أبو الشيخ في "طبقات الأصبهانيين"(1/ 230) -ومن طريقه أبو نعيم في "ذكر أخبار أصبهان"(1/ 480) ومن طريقهما ابن عساكر (7/ 436) - والخطيب في "تاريخ بغداد"(1/ 164) ومن طريقه المزي في "تهذيب الكمال"(11/ 436).
قوله: "حتى الخراءة"، هي بكسر الخاء وبالمد، وهي أدب التخلِّي، والقعود لقضاء الحاجة
(1)
، ......................................................
= مما تقدم يُنبئ بأنه ليس بمعمر ولا هرم. فقد فارق وطنه وهو حَدَث، ولعله قدم الحجاز وله أربعون سنة أو أقل، فلم ينشب أن سمع بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم هاجر، فلعله عاش بضعًا وسبعين سنة. وما أراه بلغ المائة، فمن كان عنده علم، فلْيُفدنا.
وقد نقل طول عمره أبو الفرج بن الجوزي وغيره -وما علمت في ذلك شيئًا يركن إليه-.
روى جعفر بن سليمان عن ثابت البناني، وذلك في "العلل" لابن أبى حاتم، قال: "لما مرضَ سلمان خرج سعد من الكوفة يعوده، فقدم، فوافقه وهو في الموت يبكي، فسلم وجلس، وقال: ما يبكيك يا أخي؟ ألا تذكر صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تذكر المشاهد الصالحة؟
قال: والله ما يبكيني واحدة من اثنتين: ما أبكي حبًا للدنيا ولا كراهية للقاء الله- قال سعد: فما يبكيك بعد ثمانين؟ قال: يبكيني أن خليلي عهد إليَّ عهدًا: "ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب" وإنا قد خشينا أنا قد تعدينا.
رواه بعضهم عن ثابت، فقال: عن أبي عثمان، وإرساله أشبه قاله أبو حاتم، وهذا يوضح لك أنه من أبناء الثمانين.
وقد ذكرت في "تاريخي الكبير"[3/ 251] أنه عاش مئتين وخمسين سنة، وأنا الساعة لا أرتضي ذلك ولا أصححه". وانظر "شرح صحيح مسلم" (3/ 201)، "روضة الطالبين" (1/ 68)، "الإصابة" (2/ 62)، "التهذيب" (11/ 436)، "التحصيل والبيان في سياق قصة السيد سلمان" (ص 247 - 248) للسخاوي، نشر الدار الأثرية، الأردن.
(1)
قال المصنف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 197): "الخراءة: بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الراء وبالمد، وهي اسم لهيئة الحدث، وأما نفس الحدث فبحذف التاء وبالمد مع فتح الخاء وكسرها". وقال: "ومراد سلمان صلى الله عليه وسلم أنه علَّمنا كل ما يحتاج إليه في ديننا حتى الخراءة التي ذكرت أيها القائل، فإنه =
قال الخطابي
(1)
: "وأكثر الرواة يفتحون الخاء ولا يَمُدُّون"، وهو تصحيف، والذي قال لسلمان هذا القول رجلٌ من اليهود"
(2)
.
قوله: "لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وأن لا نستنجي باليمين". هكذا هو في معظم النسخ: "وأن لا نستنجي باليمين"، وفي بعضها بحذف لفظة (لا)، وهو الوجه، وهو الموجود في "صحيح مسلم"
(3)
وغيره
(4)
، وعلى الرواية الأولى تكون (لا) زائدة، أو يكون في الكلام حَذْفٌ تقديره: وأمرنا أن لا نستنجي باليمين
(5)
.
ثم إن النهي عن الاستنجاء باليمين نهي تنزيه
(6)
، فلو استنجى بها
= علمنا آدابها فنهانا فيها عن كذا وكذا" والله أعلم.
(1)
"معالم السنن"(1/ 11)، وعبارته:"وأكثر الرواة يفتحون الخاء، ولا يمدون الألف، فيفحش معناه". وبنحوها في "إصلاح خطأ المحدثين"(46)، و"غريب الحديث"(3/ 220) كلاهما للخطابي أيضًا.
(2)
نقله السيوطي في "مرقاة الصعود"(7 - درجات) عن النووي في "شرحه" هذا.
وفي رواية في "صحيح مسلم"(262): "قال -أي سلمان-: قال لنا المشركون: إني أرى صاحبكم يعلمكم
…
". وكذا قال سبط ابن العجمي في "تنبيه المعلم بمبهمات صحيح مسلم" (ص 98 رقم 174 بتحقيقي): "ورد في رواية (م) أن المشركين قالوا له ذلك".
قلت: ولذا قال الديوبندي في: "فتح الملهم"(1/ 423): "والقائلون هم المشركون". ولا يبعد ما قاله المصنف، ولكن يحتاج إلى أثارة من علم.
وانظر "مرقاة المفاتيح"(1/ 366 - 367)، "سنن أبي داود"(1/ 152 - تحقيق محمد عوامة) والتعليق عليه.
(3)
رقم (262) وفيه: "أو أن نستنجي باليمين".
(4)
مثل: الترمذي (16) والنسائي (1/ 38 - 39).
(5)
انظر: "عون المعبود"(1/ 25)، "بذل المجهود"(1/ 17 - 18).
(6)
قال المصنف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 200) عن النهي عن الاستنجاء =
ارتكب كراهة التنزيه، وأجزأه، هذا مذهبنا ومذهب الجماهير
(1)
، وقال بعض أهل الظاهر
(2)
: لا يجزئه كما لو استنجى بعظم.
قوله: "وأن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار"؛ فيه دليل لمالك والشافعيّ وأحمد والجمهور أن الاستنجاء واجب بالماء أو الأحجار، سواء قَلَّت النجاسة أم كَثُرت
(3)
، وقال أبو حنيفة: إن كانت أكثر من قدر
= باليمين: "وهو من أدب الاستنجاء، وقد أجمع العلماء على أنه منهي عن الاستنجاء باليمين، ثم الجماهير على أنه نهي تنزيه وأدب لا نهي تحريم، وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام، وأشار إلى تحريمه جماعة من أصحابنا ولا تعويل على إشارتهم، قال أصحابنا: ويستحب أن لا يستعين باليد اليمنى في شيء من أمور الاستنجاء إلا لعذر، فإذا استنجى بماء صبه باليمنى ومسح باليسرى، وإذا استنجى بحَجَر فإن كان في الدُّبر مسح بيساره، وإن كان في القبل وأمكنه وضع الحجر على الأرض أو بين قدميه بحيث يتأتى مسحه؛ أمسك الذكر بيساره ومسحه على الحجر، فإن لم يمكنه ذلك واضطر إلى حمل الحجر؛ حمله بيمينه وأمسك الذكر بيساره ومسح بها، ولا يحرك اليمنى؛ هذا هو الصواب. وقال بعض أصحابنا: يأخذ الذكر بيمينه والحجر بيساره ويمسح ويحرك اليسرى، وهذا ليس بصحيح؛ لأنه يمس الذكر بيمينه بغير ضرورة وقد نهي عنه، والله أعلم. ثم إن في النهي عن الاستنجاء باليمين تنبيهًا على إكرامها وصيانتها عن الأقذار ونحوها".
(1)
انظر: "المجموع"(2/ 108)، و"شرح صحيح مسلم"(3/ 200)، و"التحقيق"(86)، و"روضة الطالبين"(1/ 70)، و"المنهاج"(1/ 95 - ط البشائر) وأقر الغزالي عليه في "التنقيح في شرح الوسيط"(6/ 301).
(2)
انظر: "المحلى"(11/ 358)، والعبارة المذكورة للخطابي في "المعالم"(1/ 11)، وأفاد أبو العباس القرطبي في "المفهم"(1/ 518) أن عدم الإجزاء عندهم لاقتضاء النهي فساد المنهي عنه، وعند الجمهور لا يقتضيه، قال:"فإن الجمهور صرفوا هذا النهي إلى غير ذات المنهي عنه، وهو احترام المطعوم والمطلوب الذي هو الاتقاء قد حصل، فيجزيء عنه".
(3)
انظر: "الأم"(1/ 55)، "المهذب"(1/ 34)، "التحقيق"(156)، =
درهم وجب الماء ولا يجزيه الأحجار، وإن كانت دونه لم يجب شيء
(1)
.
وفيه أيضًا حُجَّةٌ للشافعي وأحمد
(2)
في أنه يجب ثلاث مسحات، وإن حصل الإنقاء بدونها، وقال مالك: الواجب الإنقاء، فإن حصل بواحد فلا زيادة
(3)
.
وفيه حجة لرواية عن أحمد -وقال بها غيره- أنه لا يجزئه حجر واحد له ثلاثة أحرف، بل يشترط ثلاثة أحجار، ومذهب الشافعي
= "التنقيح"(1/ 308) كلاهما للمصنف، "مغني المحتاج"(1/ 42)، "نهاية المحتاج"(1/ 144 - 145)، "شرح مختصر خليل"(1/ 86، 94)، "قوانين الأحكام الشرعية"(1/ 159)، "حاشية الدسوقي"(1/ 110 - 111)، "الشرح الصغير"(1/ 22، 26)، "الذخيرة"(1/ 177)، "المغني"(1/ 152)، "المحرر"(1/ 10)، "الإنصاف"(1/ 104)، "الكافي"(1/ 52)، "كشاف القناع"(1/ 72)، "شرح منتهى الإرادات"(1/ 34).
وتفصيل المسألة في "الخلافيات" للبيهقي (2/ 75 - 111)، و"الاستذكار"(1/ 73)، و"التمهيد"(22/ 307 - 313)، و"الأوسط"(2/ 138)، و"تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (1/ 332).
(1)
انظر: "الأصل"(1/ 68)، "المبسوط"(1/ 60، 86)، "بدائع الصنائع"(1/ 18)، "شرح فتح القدير"(1/ 187، 202، 208)، "تبيين الحقائق"(1/ 77)، "البحر الرائق"(1/ 239، 253 - 254)، "الاختيار"(1/ 31)، "فتح باب العناية"(1/ 259، 271 - 272)، "حاشية ابن عابدين"(1/ 213).
(2)
وعزاه في "شرح صحيح مسلم"(3/ 200) لأحمد وإسحاق بن راهويه وأبي ثور، وانظر:"المغني"(1/ 209 ط هجر)، "المجموع"(2/ 120 - ط دار إحياء التراث)، والمراجع السابقة.
(3)
انظر: "شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني"(1/ 470) ومصادر المالكية السابقة.
والجمهور أنه يجزئه؛ لأن المقصود المسحات
(1)
، وقد يستدل به من يقول بتعَيُّن الأحجار، ولا يجزيء ما يقوم مقامها من الخرق والخشب وغير ذلك، وهو رواية عن أحمد وبعض أهل الظاهر
(2)
، ومذهبنا ومذهب الجمهور جواز كل ما قام مقام الحجر؛ لأن المقصود الإزالة، وأما ذكر الأحجار في الحديث فهو في مفهوم اللقب
(3)
، ولا حجة فيه عند الجماهير، ولأنه أيضًا ذكرها لكثرتها وتيسرها
(4)
.
(1)
عبارة النووي (المصنف) في "شرح صحيح مسلم"(3/ 201): "ولو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف مسح بكل حرف مسحة أجزأه؛ لأن المراد المسحات، والأحجار الثلاثة أفضل من حجر له ثلاثة أحرف. ولو استنجى في القُبل والدُّبر وجب ست مسحات لكل واحد ثلاث مسحات، والأفضل أن يكون بستة أحجار، فإن يقتصر على حجر واحد له ستة أحرف أجزأه، وكذلك الخرقة الصفيقة التي إذا مسح بها لا يصل البلل إلى الجانب الآخر يجوز أن يمسح بجانبها".
وانظر للمصنف في تقرير هذا: "روضة الطالبين"(1/ 69)، و"التحقيق"(86)، و"المجموع"(2/ 111)، و"المنهاج"(1/ 94 - ط البشائر)، و"التنقيح في شرح الوسيط"(1/ 307).
(2)
انظر "المجموع"(2/ 130)، "المغني"(1/ 213 - 214)، "شرح النووي على صحيح مسلم"(3/ 201).
(3)
هو دلالة منطوق اسم الجنس أو اسم العلم على نفي حكمه المذكور فيما عداه، كقولك (محمد رسول الله) فمفهوم اللقب يقضي بنفي نبوّة من عدا محمد صلى الله عليه وسلم قال الغزالي في "المستصفى" (2/ 46):"وقد أقر ببطلانه كل محصل من القائلين بالمفهوم". ولم يقل به إلا الدقاق، وانظر للتفصيل:"الإحكام"(3/ 137) للآمدي، "مختصر ابن الحاجب"(2/ 182)، "إرشاد الفحول"(182)، "تفسير النصوص" لمحمد أديب الصالح (1/ 734)، "معجم مصطلحات أصول الفقه"(428).
(4)
نعم، الأمر النَّبوي بالاستجمار بالأحجار، لم يختص الحجر إلا لأنه كان =
الرجيع: الروث والعذرة، سُمّي به لأنه رجع من الطهارة إلى الاستحالة والنجاسة، وقيل: لرجوعه إلى الظهور بعد الاستتار في الجوف، وهو فعيل بمعنى مفعول.
= الموجود غالبًا، لا لأن الاستجمار بغيره لا يجوز، بل الصواب قول الجمهور في جواز الاستجمار بغيره، كما هو أظهر الروايتين عن أحمد، لنهيه عن الاستجمار بالرَّوث والرمة، وقال:"إنها طعام إخوانكم من الجن". فلما نهى عن هذين تعليلاً بهذه العلة، علم أن الحكم ليس مختصًّا بالحجر، وإلاّ لم يحتج إلى ذلك، أفاده شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(21/ 205) ونحوه عند الشوكاني في "الدراري المضيئة"(1/ 40 - 41).
وقال المصنف في "المنهاج"(1/ 93): "وفي معنى الحجر كل جامد طاهر قالع غير محترم".
وعبارته في "المجموع"(2/ 113): "اتفق أصحابنا على جواز الاستنجاء بالحجر وما يقوم مقامه، وضبطوه
…
". وذكر الضابط السابق وزاد (أ): "ولا هو جزء من حيوان". وقال: "قالوا: وسواء في ذلك الأحجار والأخشاب والخرق والخزف والآجُرّ الذي لا سرجين فيه، وما أشبه هذا، ولا يشترط اتحاد جنسه، بل يجوز في القبل جنس، وفي الدبر جنس آخر، ويجوز أن يكون الثلاثة حجرًا وخشبة وخرقة، نص عليه الشافعي، واتفق الأصحاب عليه".
وقال في "التحقيق"(ص 85): "ويغني عن الحجر جامد طاهر قالع غير محترم، وتراب، وفحم صلبان وصوت، وكذا جلد دبغ دون غيره في الأظهر، والصحيح إجزاؤه بذهب وفضة، وجوهر نفيس خشن، وديباج، وأحجار الحرم دون حجر رطب، وعظم أُحرق وخرج عن صفة العظام، ومحترم ولا يصح بيد -ويقال: يصح، وحكي بيد نفسه، ويقال: عكسه-.
ويكره برمانة وجوزة ولوزة مزيلات، ولا يكره بقشرهن المنفصل كالنواة.
ولو استعمل حجرًا ثانيًا وثالثًا فلم يتلوثا جاز استعمالهما مرة أخرى، وقيل: يشترط غسلهما". وانظر "المجموع" (2/ 114) أيضًا.
_________
(أ) ويزاد أيضاً: وأن لا يكون فيه سرف -كالحرير-، ولا يتعلق به حق الغير.
وأما العظم: فالمراد به كلُّ عظمٍ طاهرٍ أو نجس، والنهي عنهما للتحريم، فلو استنجى بهما أو بأحدهما لم يصحَّ، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور
(1)
.
8 -
(حسن) حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، قال: ثنا ابن المبارك، عن محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطيب بيمينه، وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الروث والرمَّة"
(2)
.
(1)
انظر في تقريره: "روضة الطالبين"(1/ 69)، "التحقيق"(85)، "شرح صحيح مسلم" (3/ 201) وعبارته:"ونبّه صلى الله عليه وسلم بالرجيع على جنس النجس، فإن الرجيع هو الروث، وأما العظم؛ فلكونه طعامًا للجنّ، فنبّه على جميع المطعومات، وتلتحق به المحترمات، كأجزاء الحيوان وأوراق كتب العلم وغير ذلك".
وقال فيه أيضًا (3/ 202): "ولو استنجى بمطعوم أو غيره من المحترمات الطاهرات فالأصح أنه لا يصح استنجاؤه، ولكن يجزئه الحجر بعد ذلك، إن لم يكن نقل النجاسة من موضعها. وقيل: إن استنجاءه الأول يجزئه مع المعصية، والله أعلم".
وانظر: "المجموع"(2/ 130 - 131/ ط دار إحياء التراث)، " المغني"(1/ 215 - 216/ ط هجر).
(2)
أخرج مسلم بعضه برقم (265): "إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها"، وأخرجه الدارمي (1/ 172 - 173) من طريق ابن المبارك به، وأخرجه الشافعي في "المسند" (1/ 24 - 25) ومن طريقه أبو عوانة في "المسند" (1/ 200) والبغوي في "شرح السنة" (1/ 356) (رقم: 173).
وتابع الشافعي عليه: أحمد في "المسند"(2/ 247) والحميدي في "المسند"(رقم: 988) ومحمد بن الصباح وعنه ابن ماجه في "السنن"(رقم: 313) ويحيى بن حسان كما عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 123)، والبيهقي في الخلافيات (336) من طريق ابن عيينة عن محمد بن عجلان به. =
وأما حديث أبي هريرة فصحيح
(1)
.
= ورواه عن ابن عجلان جماعة من أصحابه غير ابن المبارك وابن عيينة منهم: يحيى بن سعيد القطان، كما عند: أحمد في "المسند"(2/ 250) والنسائي في "المجتبى"(1/ 38) وابن خزيمة في "الصحيح"(1/ 43 - 44)(رقم: 80) والحربي في "الغريب"(1/ 67) وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ"(رقم: 81) والبيهقي في "الكبرى"(1/ 91، 112) و"المعرفة"(1/ 199)(رقم: 135).
ومنهم: صفوان بن عيسى، كما عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 123 و 4/ 233) وابن المنذر في "الأوسط"(1/ 344، 355)(رقم: 295، 317) وأبي عوانة في "المسند"(1/ 200) وابن عبد البر في "التمهيد"(22/ 312).
ومنهم: وهيب، كما عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 121، 123) وابن حبان في "الصحيح"(4/ 279)(رقم: 1431 - مع الإحسان).
ومنهم: المغيرة بن عبد الرحمن وعبد الله بن رجاء المكي، كما عند ابن ماجه في "السنن" (رقم: 312)، وذكراه مختصرًا.
ومنهم: الليث بن سعد، كما عند أبي عوانة في "المسند"(1/ 200).
ومنهم: أبو غسان، كما عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 233).
ومنهم: عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، كما عند البيهقي في "الكبرى"(1/ 91).
وإسناده حسن من أجل ابن عجلان وقد اتهم بالتدليس؛ إلا أنه صرح بالتحديث عن القعقاع.
وقد توبع، فقد تابعه سهيل بن أبي صالح كما عند مسلم مختصرًا.
(1)
قال النووي في "التنقيح في شرح الوسيط"(1/ 308) وفي "خلاصة الأحكام"(1/ 152) رقم (332): "صحيح، رواه [الشافعي و]، أبو داود والنسائي وغيرهما بأسانيد صحيحة". وما بين المعقوفتين من " التنقيح" فقط. وقال في "المجموع"(2/ 95): "حديث صحيح، رواه الشافعي في "مسنده" وغيره بإسناد صحيح، ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه في "سننهم" بأسانيد صحيحة بمعناه، قال البيهقي في كتابه "معرفة السنن والآثار": قال الشافعي في القديم: هو حديث ثابت".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم"، قيل فيه ثلاثة أقوال
(1)
:
- أحدهما: قول الخطابي
(2)
: "إنه كلام بسط وتأنيس لهم
(3)
؛ لئلا يحتشموه في السؤال عمّا يحتاجون إليه في أمر دينهم
(4)
.
ومعناه: لا تستحيوا من سؤالي عمّا تحتاجون إليه كما لا تستحيون من الوالدين، وأنا لا أستحييكم في ذلك كما لا يستحيي الوالد من ذكر ذلك لولده.
- والثاني: بمنزلة الوالد في الشفقة عليكم، والاعتناء بمصالحكم في الدين والدنيا، وبذل الوسع في ذلك كما يفعل الوالد.
- والثالث: إنه بمنزلة الوالد في المعنيين جميعًا.
- والرابع: إن ذلك من باب التمهيد بكلامٍ بين يدي المقصود لا سيما في ما يُسْتَحْيىَ منه في العادة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها".
قال الخطابي
(5)
: "وأصل الغائط: المكان المطمئن
(6)
، كانوا
(1)
المذكورة أربعة أقوال، فتنبّه، والوجهان الأولان عند القاضي حسين في "التعليقة"(1/ 307 - 308).
(2)
"معالم السنن"(1/ 14) وقال المصنف في "المجموع"(2/ 109) -وحكى فيه قولين فقط- عنه: "أظهرهما".
(3)
في "المعالم": "للمخاطبين".
(4)
في "المعالم": "ولا يستحيوا عن مسألته فيما يعرض لهم من أمر دينهم".
(5)
"معالم السنن": (1/ 15).
(6)
في "المعالم": "الغائط: المطمئن من الأرض".
يقصدونه لقضاء الحاجة
(1)
، فكنوا به عن نفس الخارج
(2)
من الإنسان كراهةً لذكره باسمه الصريح
(3)
، وعادة العرب التعفف في ألفاظها
(4)
، وصيانةُ الألسنة عما تُصان عنه الأسماع والأبصار".
وأما حكم استقبال القبلة واستدبارها بالبول أو الغائط، فجاء في هذا الحديث وفي حديث أبي أيوب بعده
(5)
وغيرهما
(6)
النهي عنه، وفي حديثي ابن عمر
(7)
وجابر
(8)
المذكورين في الباب إباحته، واختلف العلماء لذلك فيه على أربعة مذاهب
(9)
:
- أحدها: إن ذلك جائز في البنيان، حرام في الصحراء، وحملوا أحاديث النهي على الصحراء، والإباحة على البنيان، وممن قال بهذا: أبو العباس بن عبد المطلب
(10)
، ...................................................
(1)
في "المعالم": "كانوا ينتابونه للحاجة".
(2)
في "المعالم": "الحدث".
(3)
في "المعالم": "كراهية لذكره بخاص اسمه". وبنحوه عند المصنف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 197) و"تحرير ألفاظ التنبيه"(ص 46).
(4)
في "المعالم": "واستعمال الكناية في كلامها، وصون
…
".
(5)
الآتي برقم (9).
(6)
كحديث معقل الأسدي، الآتي برقم (10).
(7)
الآتي برقم (11، 12).
(8)
الآتي برقم (13).
(9)
ذكرها في "شرح صحيح مسلم"(3/ 197 - 198) و"المجموع"(2/ 81 - 82).
وذكر المعتمد في: "المنهاج"(1/ 90) و"التحقيق"(85) و "روضة الطالبين"(1/ 65) و"التنقيح"(1/ 295).
(10)
حكى مذهبه المصنف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 197) وفي "المجموع"(2/ 81)، وابن قدامة في "المغني"(1/ 221 - ط هجر). ولم أظفر =
وعبد الله بن عمر
(1)
، والشعبي
(2)
، ومالك
(3)
، والشافعي
(4)
،
= بذلك مسندًا في دواوين السنة المشهورة، ولا في "مصنفي ابن أبي شيبة وعبد الرزاق"، ولا في "أوسط ابن المنذر"، ولا في "إتحاف المهرة" ولا في "البدر المنير" ولا في موسوعات آثار الصحابة التي طبعت حديثًا، ومن مظانه كتب الرافضة!.
(1)
سيأتي ذلك عنه عند أبي داود (رقم 11)، وتخريجه هناك، وفي "صحيح مسلم"(266) ما يدل عليه، وخرجته بتفصيل في تعليقي على "الخلافيات" رقم (346)، وينظر له ولمذهب الشعبي "الخلافيات" أيضًا (رقم 356) مع تعليقي عليه، وانظر الهامش الآتي.
(2)
حكى مذهبه ومذهب ابن عمر: البغوي في "شرح السنة"(1/ 359) وابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 309) والحازمي في "الاعتبار"(67)، والمصنف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 97) و"المجموع"(2/ 81) وأسند ابن أبو القاسم في "المدونة"(1/ 7) عنه في استقبال القبلة لغائط أو لبول، قال:"إنما ذلك في الفلوات، فإن لله عبادًا يصلون له من خلقه، فأما حشوشكم هذه التي في بيوتكم، فإنها لا قبلة لها".
وأخرجه عن الشعبي مختصرًا وذكر فيه مذهب ابن عمر: أبو إسحاق بن راهويه، (554 - مسند عائشة) وابن ماجه (1/ 323)، وأبو الحسن ابن القطان في "زياداته على ابن ماجه"(1/ 117)، والدارقطني (1/ 61) -ومن طريقه الحازمي في "الاعتبار"(67) - وابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 308)، والبيهقي (1/ 93) وفيه عيسى بن أبي عيسى الحناط وهو عيسى بن ميسرة ضعيف، وبه ضعفه الدارقطني والبيهقي.
(3)
انظر: "المدونة الكبرى"(1/ 7)، "مقدمات ابن رشد"(1/ 24)، "بداية المجتهد"(1/ 68)، "الكافي"(1/ 171)، "الشرح الصغير"(1/ 93)، "قوانين الأحكام الشرعية"(50)، "الخرشي"(1/ 146)، "حاشية الدسوقي"(1/ 108).
وحكى ابن عبد البر في التمهيد (1/ 309) عن مالك أنه لا يجوِّز استقبال القبلة بالبول والغائط لا في الصحاري ولا في البيوت.
(4)
انظر: "الرسالة"(292 - 297)، "المهذب"(1/ 33)، "الخلافيات" =
وإسحاق
(1)
، وأحمد في رواية
(2)
.
- والثاني: تحريمه في الصحراء والبناء، وهو قول أبي أيوب الأنصاري
(3)
ومجاهد
(4)
والنخعي
(5)
والثوري
(6)
وأبي ثور
(7)
، ورواية
= (2/ 45 - 101) مسألة رقم (14، 15 - بتحقيقي)، "مغني المحتاج"(1/ 40)، "نهاية المحتاج"(1/ 119 - 121)، "حاشيتا القيلوبي وعميرة"(1/ 39).
(1)
حكى مذهبه: ابن المنذر في "الأوسط"(1/ 327) وابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 309) والبغوي في "شرح السنة"(1/ 359)، والحازمي في "الاعتبار"(67)، والمصنف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 197)، وحكوا مذاهب جميع المذكورين آنفًا عدا مذهب أبو العباس رضي الله عنه.
(2)
انظر: "المغني"(1/ 24 - ط هجر)، "الكافي"(1/ 50)، "المحرر"(1/ 8)، "الإنصاف"(1/ 100)، "كشاف القناع"(1/ 70).
(3)
دلّ على مذهبه الحديث الآتي عند أبي داود، وهو برقم (9)، وحكى مذهبه ابن المنذر في "الأوسط"(1/ 327)، والبغوي في "شرح السنة"(1/ 358)، والمصنف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 197)، و "المجموع"(2/ 81)، وانظر "مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 275 - ط الرشد).
(4)
أخرج ابن أبي شيبة (1/ 275) عنه قوله: "كان يكره أن يستقبل القبلة ببول".
وحكى مذهبه: ابن المنذر في "الأوسط"(1/ 325) والمصنف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 197)، و"المجموع"(2/ 81) وابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 305).
(5)
أسنده عنه: ابن أبي شيبة (1/ 275) وحكى مذهبه: ابن المنذر (1/ 326)، والبغوي (1/ 358)، وابن عبد البر (1/ 305)، وهو عند المصنف في "المجموع"(2/ 81)، وفي "شرح صحيح مسلم"(3/ 197).
(6)
حكاه عنه: ابن المنذر (1/ 325)، وابن عبد البر (1/ 309)، والبغوي (1/ 358)، وابن حزم (1/ 194) وهو عند المصنف في "المجموع"(2/ 81)، و "شرح صحيح مسلم" (2/ 197) وانظر:"حلية العلماء"(1/ 160)، و"النيل"(1/ 90)، و"المغني"(1/ 221)، و"فقه سفيان الثوري"(245).
(7)
حكاه عنه: ابن المنذر (1/ 327)، وابن عبد البر (1/ 309)، والمصنف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 197)، وفي "المجموع"(3/ 81).
عن أحمد
(1)
.
- والثالث: يجوز ذلك في البناء والصحراء، وهو قول عروة بن الزبير
(2)
وربيعة
(3)
وداود الظاهري
(4)
.
- والرابع: تحريم الاستقبال في الصحراء والبناء، ويحل الاستدبار فيهما، وهو رواية عن أبي حنيفة
(5)
وأحمد
(6)
، والصحيح الأول؛ لأن فيه جمعًا بين الأحاديث
(7)
.
(1)
انظر: "المغني"(1/ 221)، "الإنصاف"(1/ 100).
(2)
حكى مذهبه: ابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 311)، وابن المنذر في "الأوسط"(1/ 326)، والحازمي في "الاعتبار"(38)، وابن قدامة في "المغني"(1/ 220 - ط هجر)، والمصنف في "المجموع"(2/ 81)، وفي "شرح صحيح مسلم"(3/ 197).
(3)
المصادر السابقة.
(4)
حكى مذهبه: ابن عبد البر (1/ 311)، وابن قدامة (1/ 220)، والمصنف في "المجموع"(2/ 81)، وفي "شرح صحيح مسلم"(3/ 197). وانظر "الإمام داود الظاهري وأثره في الفقه الإسلامي"(486 - 487).
(5)
انظر: "شرح معاني الآثار"(4/ 232)، "شرح فتح القدير"(1/ 419)، "عمدة القاري"(2/ 227)، "تبيين الحقائق"(1/ 167)، "البحر الرائق"(1/ 256)، "فتح باب العناية"(1/ 275)، "حاشية ابن عابدين"(1/ 341).
(6)
انظر: "المغني"(1/ 222)، "الإنصاف"(1/ 100).
(7)
هذا الذي رجحه الشارح هو الذي اعتمده في كثير من كتبه منها:
* "شرح صحيح مسلم"(3/ 197 - 199/ ط قرطبة)، قال بعد سوقه الأدلة وتخريجها وتوجيهها: "فهذه أحاديث صحيحة، مصرحة بالجواز في البنيان، وحديث أبي أيوب وسلمان وأبي هريرة (أ) وردت بالنهي، فيحمل على الصحراء، ليجمع بين الأحاديث، ولا خلاف بين العلماء أنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث لا يصار إلى ترك بعضها، بل يجب الجمع بينها، والعمل =
_________
(أ) هي كلها في الباب عند أبي داود رحمه الله تعالى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بجميعها، وقد أمكن الجمع على ما ذكرناه، فوجب المصير إليه، وفرَّقوا بين الصحراء والبنيان من حيث المعنى، بأنه يلحقه المشقة في البنيان في تكليفه ترك القبلة بخلاف الصحراء. وأما من أباح الاستدبار، فيحتج على ردّ مذهبه بالأحاديث الصحيحة المصرحة بالنهي عن الاستقبال والاستدبار جميعًا، كحديث أبي أيوب وغيره، والله أعلم".
* "المجموع"(2/ 81 - 83)، وكلامه مفصّل في المسألة، وترجيحه فيه ظاهر، وهذا الذي اعتمده في التقرير، كما تراه في "المنهاج"(1/ 90 - ط البشائر)، و"التنقيح"(1/ 95) و"التحقيق"(85)، و"الروضة"(1/ 65).
وممن نحى هذا المنحى جمع من المحققين، على رأسهم ابن المنذر، قال في "الأوسط" (1/ 328):
"وأصحُّ هذه المذاهب مذهب من فرَّق بين الصحاري والمنازل في هذا الباب، وذلك أن يكون ظاهر نهي النبي صلى الله عليه وسلم على العموم إلا ما خصته السنة، فيكون ما خصته السنة مستثنى من جملة النَّهي، وإنما تكون الأخبار متضادة إذا جاءت جملة فيها ذكر النهي يقابل جملة ما فيها ذكر الإباحة، فلا يمكن استعمال شيء منها إلا بطرح ما ضادها، وسبيل هذا كسبيل نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر بالثمر جملة، ثم رخص في بيع العرايا بخرصها، فبيع العرية مستثنى من جملة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر بالثمر، وكذلك نهيه عن بيع ما ليس عند المرء، وإِذنه في السلم.
وهذا الوجه موجود في كثير من السنن والله أعلم، فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استقبال القبلة بالغائط والبول نهيًا عامًا، واستقبل بيت المقدس مستدبرًا الكعبة، كان إباحة ذلك في المنازل، مخصوص من جملة النهي".
والذي رجَّحه ابن القيام في هذه المسألة عدم جواز استقبال القبلة أو استدبارها، سواء في الصحراء أم في غيرها من البنيان، لعموم أدلة النهي، وما ورد من جواز في حديث جابر رضي الله عنه وغيره فللعلماء عليه أجوبة، منها:
* أنَّ هذه الأحاديث ليس فيها إلا مجرد الفعل، وهو لا يعارض القول الخاص بالأمة. =
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يستطيب بيمينه"، هكذا هو في عامة النسخ (ولا يستطيب) بالياء، وهو صحيح. وهو نهي بلفظ الخبر، كقوله تعالى:{لَا تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بوَلدَهَا} [البقرة: 233]، وكقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يبيع أحدكم على بيع أخيه"
(1)
، ونظائره، وهذا أبلغ في النهي؛ لأن خبر الشارع لا يتصور خلافه، وأمره قد يخالف، فكأنه قيل: عاملوا هذا النهي معاملة الخبر الذي لا يقع خلافه
(2)
.
والاستطابة والإطابة والاستنجاء يكونان بالماء، ويكونان بالأحجار، وأما الاستجمار فمختص بالأحجار
(3)
، وهو مأخوذ من الجمار وهي
= * أن هذه فيها حكاية فعل لا عموم لها، ولا يعلم هل كان صلى الله عليه وسلم في فضاء أو بنيان؟ وهل كان ذلك لعذر من ضيق مكان ونحوه أو اختيارًا.
وانظر: "زاد المعاد"(2/ 384 - 386) و"تهذيب سنن أبي داود"(1/ 22).
(1)
أخرجه البخاري (2139)، وهو عند مسلم (1412) بلفظ:"لا يَبِعْ" -مجزومًا- من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(2)
نقله السيوطي في "مرقاة الصعود"(ص 7 - درجات) بطوله، وفيه على إثره: وقال ابن أبي الدنيا: بأصلنا "لا يستطب" بجزم باء نهيًا"، وانظر عن تقرير المصنف (الخبر الذي يراد به النهي) كتابي "التحقيقات والتنقيحات السلفيات على متن الورقات" (ص 130).
(3)
بنحو المذكور هنا في "تحرير ألفاظ التنبيه"(36)، و"المجموع"(2/ 73)، و"شرح صحيح مسلم" (3/ 158 - ط قرطبة) وعبارته فيه:
"هذا الذي ذكرناه من معنى الاستجمار، هو الصحيح المشهور الذي قاله الجماهير من طوائف العلماء من اللغويين والمحدثين والفقهاء".
وقال القاضي حسين في "التعليقة"(1/ 307): "الاستطابة والاستجمار والاستنجاء واحد؛ لأن الاستنجاء: طلب الطيب، والاستجمار: طلب الجمار والأحجار. والاستنجاء: إزالة النجاسة، النجو، وهو العذرة، فالكل عبارة عن إزالة النجو عن محل مخصوص".
الحصى الصغار، وسُمِّي استطابة لأنه يطيب النفس بإزالة الخبث، وقال الخطابي
(1)
: "هو من الطيب وهو الطهارة ". قال الأزهري
(2)
والخطابي
(3)
وغيرهما: يقال: منه استطاب يستطيب فهو مستطيب، وأطاب يطيب فهو مطيب. وأما الاستنجاء فقال الأزهري
(4)
: "قال شَمِر: هو مأخوذ من: نجوتُ الشجرة، أو أنجيتها إذا قطعتها، كأنه يقطع الأذى عنه، وقال ابن قتيبة
(5)
: هو من النَّجوة، وهي ما يرتفع
(6)
من الأرض، وكان الرجل إذا أراد قضاء حاجةٍ
(7)
تَستَّر بنجوة".
قال الأزهري
(8)
: "قول شَمِر أصح". وسبق بيان معنى النهي عن الاستنجاء باليمين.
قوله: "وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمَّة": هي بكسر الراء، وهي العظم البالي
(9)
، سُمِّي بذلك؛ لأن الإبل تَرُمَّه أي تأكله، ويقال لها الرميم أيضًا، ففيه النهي عن الاستنجاء بالروث وكل ما
(1)
"معالم السنن": (1/ 14)، بالمعنى، وعبارته:
"يقال: استطاب الرجل إذا استنجى، فهو مستطيب، وأطاب فهو مطيب، ومعنى الطيب ههنا الطهارة".
(2)
"تهذيب اللغة"(14/ 40)، مادة (طاب).
(3)
انظر: "غريب الحديث"(1/ 110) له، ونقله عنه الأزهري (11/ 77) مادة (جمر).
(4)
"تهذيب اللغة"(11/ 199)، مادة (نجا)، بتصرف.
(5)
"غريب الحديث"(1/ 159 - 160).
(6)
في مطبوع "غريب الحديث": "وهو ارتفاع من".
(7)
في مطبوع "غريب الحديث": "حاجته".
(8)
لم أجد سوى نقل الأزهري، أما تصحيحه فلم أجده في مطبوع "تهذيب اللغة"(مادة نجى) ونقله عنه المصنف في "المجموع"(2/ 73).
(9)
مثله في "المجموع"(2/ 104).
فيه معناه، وهو المطعوم والمحترم
(1)
.
وفيه أن العظم لا يجوز الاستنجاء به وإن أُحرق وخرج عن هيئة العظم، وهذا هو الأصحُّ عندنا، وحكى الماوردي وجهًا أنه يجوز حينئذٍ
(2)
.
وفيه أن الأحجار لا تتعيَّن؛ لأنه لما أمر بالأحجار واستثنى الروث والرمة، دل على أن لفظ الأحجار ليس المراد منه عينها، إذْ لو أراد عينها لم يحتج إلى استثناء الروث والرمَّة، وإنما ذكرت الأحجار لتيسُّرها
(3)
، والله أعلم.
9 -
(صحيح) حدثنا مَسدَّد بن مُسرهد، ثنا سفيان، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب رواية، قال: "إذا أتيتم الغائط فلا
(1)
عبارته في "شرح صحيح مسلم"(3/ 201 - 202): "فيه النهي عن الاستنجاء بالنجاسة، ونبه صلى الله عليه وسلم بالرجيع على جنس (النجس)، فإنّ الرجيع هو الروث، وأما العظم؛ فلكونه طعامًا للجن، فنبّه على جميع المطعومات، وتلتحق به المحترمات، كأجزاء الحيوان، وأوراق كتب العلم وغير ذلك، ولا فرق في النجس بين المانع والجامد، فإن استنجى بنجس لم يصح استنجاؤه، ووجب عليه بعد ذلك الاستنجاء بالماء، ولا يجزئه الحجر؛ لأن الموضع صار نجسًا بنجاسة أجنبية، ولو استنجى بمطعوم أو غيره من المحترمات الطاهرات، فالأصح أنه لا يصح استنجاؤه، ولكن يجزئه الحجر بعد ذلك، إن لم يكن نقل النجاسة عن موضعها، وقيل: إن استنجاءه الأول يجزئه مع المعصية، والله أعلم".
(2)
انظر: "الحاوي الكبير"(1/ 210) وهذا الذي اعتمده الشارح فى "التحقيق"(85) -وهو آخر كتبه- وعبارته: "والصحيح إجزاؤه
…
وعظم أُحرق وخرج عن صفة العظام".
(3)
بنحوه في "شرح صحيح مسلم"(3/ 201) و "المجموع"(2/ 113)، وانظر ما تقدم من تعليق على (ص 101 - 102).
تستقبلوا القبلة بغائط ولا بولٍ، ولكن شرقوا أو غربوا". فقدمنا الشام فوجدنا فيها مراحيض قد بُنيت قبل القبلة، فكنا ننحرف عنها ونستغفر الله
(1)
.
[قال ابن الأعرابي: حدثنا سفيان بن عيينة بإسناده ومعناه].
وأما حديث أبي أيوب فهو في "الصحيحين"، واسم أبي أيوب: خالد بن زيد الأنصاري
(2)
رضي الله عنه، وفي إسناده سُفيان -بضم السين وكسرها وفتحها- والمشهور الضم
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولكن شرِّقوا أو غَرِّبوا".
قال العلماء: هذا الخطاب لأهل المدينة، ومن في معناهم، كأهل الشام واليمن، وغيرهم ممن قبلته على هذا السمت، وأما من كانت قبلته من جهة المشرق أو المغرب، فإنه لا يشرِّق ولا يغرِّب
(4)
، ووقع في بعض النسخ "شرقوا أو غربوا"، وفي بعضها:"وغربوا" بحذف الألف
(5)
، وكلاهما صحيح، والأول أجود وهو الموجود في "الصحيحين" والثاني محمول عليه.
(1)
أخرجه البخاري (394)، ومسلم (264) من طريق سفيان به.
(2)
انظر: "طبقات ابن سعد"(3/ 384)، "المعرفة والتاريخ"(1/ 312)، "تاريخ خليفة"(211)، "طبقات خليفة"(89، 303)، "طبقات مسلم"(رقم 19 - بتحقيقي)، "التاريخ الكبير"(3/ 136)، "السير"(2/ 402).
(3)
نقل المصنف في "شرح صحيح مسلم"(1/ 93 - ط قرطبة) عن ابن السكيت فيه ثلاث لغات للعرب: ضم السين وفتحها وكسرها، وأفاده في "تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 224)، وزاد كما هنا:"بضم السين على المشهور".
(4)
انظر: "معالم السنن"(1/ 16) و"شرح النووي على صحيح مسلم"(3/ 202)، و"المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم"(1/ 521).
(5)
نقله السيوطي في "مرقاة الصعود"(8 - درجات) عن المصنف، وقال: =
قوله: "فقدمنا الشأم فوجدنا مراحيض قد بُنيت قِبَلَ القبلة، فكُنّا ننحرف عنها، ونستغفر الله
(1)
تعالى".
الشأم مهموز، ويجوز تسهيل همزته، والشَّآم بالهمز والمد في لغة قليلة
(2)
، وهو من العريش إلى الفرات
(3)
، وقيل: إلى بَالِس
(4)
. والشَّام مُذكَّر، وقد يؤَنَّث
(5)
، فيقال: الشَّام مبارك ومباركة. قيل: سُمِّي بذلك لأن سام بن نوح - صلى الله عليهما - أول من سكنه فسُمِّي به، وقيل: سُمِّيَ بذلك لكثرة قُراه ودُنُوّ بعضها من بعض كالشامات، وقيل: لأن باب الكعبة مشتمل، فَسُمِّي لذلك شامًا، وقيل: إن البيت لما كان اليمن
= "وكذا رأيته في "مختصر السنن" للمنذري (1/ 20) بألف، فلعله من الناسخ، وكلاهما صحيح". وانظر "السنن"(1/ 153) مع تعليق عوامة عليه.
(1)
قال السيوطي في "مرقاة الصعود"(8 - درجات): "قال ولي الدين -أي العراقي-: بحذف الجلالة برواية أبي داود، وببقية الست بإثباتها، ونقله النووي في "شرحه" عن رواية لأبي داود".
(2)
قال عنها المصنف في "تحرير ألفاظ التنبيه"(ص 138): "وهي ضعيفة وإن كانت مشهورة، قال صاحب "المطالع": أنكرها أكثرهم".
(3)
طولاً.
(4)
بالس: بلد بالشام بين حلب والرقَّة. انظر: "معجم البلدان"(2/ 46)، وللتمرتاشي "الخبر التام في حدود الأرض المقدسة والشام" وهو مخطوط، انظر عن نسخه "تاريخ بروكلمان"(8/ 345)، وانظر عن حدودها:"الأم"(1/ 162)، "صحيح ابن حبان"(16/ 295 - "الإحسان")، "فضائل الشام"(95) لابن رجب، "الإعلام لسنّ الهجرة إلى الشام"(83 - 84) للبقاعي، "حدائق الإنعام في فضائل الشام"(ص 31). ونقل ابن العراقي في "طرح التثريب"(5/ 9) كلام المصنف إلى هنا، وتحرفت فيه وفي "تهذيب الأسماء"(3/ 171)(بالس) إلى (نابلس)! فلتصوب.
(5)
قال المصنف في "تحرير ألفاظ التنبيه"(ص 138): "وهو مذكّر على المشهور، وقال الجوهري: يُذكَّر وُيؤَنَّث".
عن يمينه والشام عن شماله فسُمِّيا بذلك
(1)
.
والمراحيض: جمع مرحاض
(2)
، وهي: الأخلية.
بُنيت: يعني: في الجاهلية.
وقوله: "ننحرف" هو بالنونين
(3)
. وأما استغفاره، فلأنَّ مذهبه تحريم ذلك في البنيان كما ذكرناه عنه
(4)
، فكان ينحرف في حال قعوده بحسب الإمكان ويستغفر احتياطًا، وإنْ كان المنحرفُ غير مستقبل، ولا يُظَنُّ به أنه كان يفعل ما يعتقد تحريمه.
10 -
(منكر) حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا وهيب، قال: ثنا عمرو بن يحيى، عن أبي زيد، عن معقِل بن أبي معقِل الأسدي قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القِبْلتين ببول أو غائط
(5)
.
(1)
أسهب النووي في "تهذيب الأسماء واللغات"(3/ 171) في بيان الأقاويل التي قيلت في اشتقاق (الشام) والنسبة إليها، وذكر الأقوال المذكورة هنا وغيرها، وأفاض ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(1/ 19) في ذكرها أيضًا.
وانظر: "التعريف والإعلام"(96 - 97) للسهيلي، "القاموس المحيط"(مادة شام)، "حدائق الإنعام في فضائل الشام"(32 - 33).
(2)
قال الشارح في "شرح صحيح مسلم "(3/ 202): "والمراحيض): بفتح الميم والحاء المهملة والضاد المعجمة، جمع (مرحاض) -بكسر الميم- وهو البيت المتخذ لقضاء حاجة الإنسان، أي للتغوّط".
(3)
كذا قال في "شرح صحيح مسلم"(3/ 202)، وزاد:"معناه: نحرص على اجتنابها بالميل عنها، بحسب قدرتنا".
(4)
انظر (ص 108).
(5)
أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي في "الخلافيات"(338)، وفي "السنن الكبرى"(1/ 91 - 92)، وابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 304) وعلقه البخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 1/ 391 - 392) قال موسى بن إسماعيل به. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وتابع أبا داود: تمتام، واسمه محمد بن غالب، كما عند البيهقي في "الكبرى"(1/ 91) وتابع موسى بن إسماعيل، فرواه عن وهيب بن خالد: عفّانُ وعنه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 177)، وأحمد في "المسند"(4/ 210) والحارث بن أبي أسامة -ومن طريقه الخطيب في "الموضح"(2/ 411)، ولكنه اختصره- وأبو نعيم في "المعرفة"(5/ 2513)، وأحمد بن زهير ومن طريقه ابن عبد البر في "التمهيد" (1/ 304 - 305) ورواه عن وهيب أيضًا مختصرًا: عبد الأعلى بن حماد النَّرسي، وعنه أبو يعلى في "المسند" (12/ 267) (رقم: 6860)، وأخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة"(3/ 78) من طريق آخر عن عبد الأعلى وتابع وهيبًا جماعة آخرون.
وإسناده ضعيف، قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (1/ 246):"هو حديث ضعيف، لأن فيه راويًا مجهول الحال".
قلت: يريد ابن حجر أبا زيد مولى بني ثعلبة، فإنَّ الذهبي قال في "مختصر سنن البيهقي" (1/ 111):"لا يدري من هو". وقال عنه ابن المديني: "ليس بالمعروف". وانظر عنه: "تهذيب الكمال"(33/ 334).
وأخرجه أحمد في "المسند"(6/ 406): ثنا عبد الرازق عن ابن جريج أخبرني عمرو بن يحيى بن أبي عمارة الأنصاري به. وأخرجه الطبراني في "الكبير"(20/ 234)، رقم (549) -ومن طريقه الخطيب في "تلخيص المتشابه"(2/ 874) -، والبيهقي في "الخلافيات"(339) من طريق عبد الرازق به.
وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 1/ 392): "قال لي إبراهيم بن موسى أنا هشام بن يوسف أنَّ ابن جريج
…
به".
ورواه عن عمرو بن يحيى جماعة غير ابن جريج ووهيب من مثل:
* عبد العزيز بن محمد الدراوردي، كما عند: البخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 1/ 392 - 393)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والثماني" (2/ 296) (رقم: 1058) و (4/ 191)(رقم: 2173)، وابن قانع في "معجم الصحابة"(3/ 78)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"(5/ 2513) رقم (691)، والخطيب في "الموضح"(2/ 411 - 412)، والحازمي في "الاعتبار"(63) =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= * سليمان بن بلال، كما عند: ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 176) ومن طريقه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(2/ 294)(رقم: 1057)، وابن ماجه في "السنن" (1/ 115 - 166) (رقم: 319)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 1/ 392 - 393)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 233).
* داود بن عبد الرحمن العطَّار، كما عند: ابن قانع في "معجم الصحابة"(3/ 78)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 233)، والطبراني في "الكبير" (20/ 234) (رقم: 550).
* عبد العزيز بن المختار، كما عند ابن قانع في "معجم الصحابة"(3/ 77 - 78)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 233)، والخطيب في "تلخيص المتشابه"(2/ 874).
* محمد بن فليح، كما عند: ابن شاهين، كما في "الإصابة"(3/ 447)، ورواه غيره من طريقه مختصرًا من غير ذكر القبلة فيه.
وإسناده ضعيف، وعلته أبو زيد، وقد اختلف في تسميته وولائه بين من رواه عن عمرو بن يحيى، فقال بعضهم:"زيد" وقال آخرون: "أبو زيد" ومنهم من قال: "مولى بني ثعلبة" ومنهم من قال: "مولى ثعلبة " ومنهم من قال: "مولى التغلبيين"، وبيَّن هذا الاختلاف البخاري في "التاريخ"، والخطيب في "الموضح"، ومن أجله أطالوا في سرد الأسانيد على عادتهم في مثل هذا.
وهذا يدلل على أن زيدًا -أو أبا زيد- غير معروف بالرواية، كما قال ابن المديني، ومن أجله يضعف هذا الحديث، فتجويد النووي له هنا وفي "خلاصة الأحكام"(1/ 154) رقم (338)، وفي "المجموع" (2/ 80) -وعبارته فيه:"إسناده جيّد، ولم يضعّفه أبو داود"- ليس بجيّد، نعم، للحديث شواهد، ولكن في النَّهي عن استقبال القبلة عند البول واستدبارها، وليس في النهي عن استقبال القبلتين، أي: بيت المقدس.
بقي أن أشيرَ إلى أن الرواة اختلفوا في تسمية صحابي هذا الحديث، فمنهم من سمَّاه "معقل بن أبي معقل" ومنهم من قال:"معقل بن أبي الهيثم" وكلاهما واحد، وذكر هذا الاختلاف الدارقطني في "العلل"(5/ ق 12/ 1 - 2). =
قال أبو داود: وأبو زيد هو مولى بني ثعلبة.
وأما حديث النهي عن استقبال القبلتين، فإسناده جيد!! والمراد الكعبة وبيت المقدس؛ فأما استقبال الكعبة واستدبارها فحرام وأما بيت المقدس ففيه تأويلات:
- أحدها: تأويل أبي إسحاق المروزي، وأبي علي بن أبي هريرة أنه نهى عن استقبال بيت المقدس حين كان قبلة، ثم نهي عن الكعبة حين صارت قبلة، فجمعهما الراوي
(1)
.
- والثاني: المراد بالنهي أهل المدينة؛ لأن من استقبل بيت المقدس بالمدينة استدبر الكعبة، فترجع حقيقة النهي إلى الكعبة خاصة، حكاه الخطابي
(2)
والماوردي
(3)
.
- والثالث: -وهو الصواب-: أن النهي عنهما في وقت واحد، وأنه عام لِكِلْتيهما في كل مكان، لكنه في الكعبة نهي تحريم، وفي بيت المقدس نهي تنزيه، ولا يمتنع جمعهما في النهي وإن اختلف معنى النهي. وسبب النهي عن بيت المقدس كونه كان قبلة، وإنما لم نقل بتحريمه للإجماع بخلافه
(4)
.
= وانظر: "من وافقت كنيته كنية زوجه من الصحابة": (98 - 99 بتحقيقي)، و "نصب الراية"(2/ 103).
(1)
انظره في "الحاوي الكبير"(1/ 187)، وعنه المصنف في "المجموع"(2/ 95).
(2)
"معالم السنن"(1/ 17).
(3)
"الحاوي الكبير"(1/ 186 - 187).
(4)
قال النووي في "المجموع"(2/ 95): "والظاهر المختار أن النهي وقع في وقت واحد، وأنه عام لكلتيهما في كل مكان، ولكن في الكعبة نهي تحريم في بعض الأحوال على ما سبق، وفي بيت المقدس نهي تنزيه، ولا يمتنع =
11 -
(حسن) حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، قال: حدثنا صفوان ابن عيسى، عن الحسن بن ذكران، عن مروان الأصفر، قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليها، فقلت: يا أبا عبد الرحمن! أليس قد نُهي عن هذا؟ قال: "بلى، إنما نُهي عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القِبْلة شيءٌ يستُرك فلا بأس"
(1)
.
= جمعهما في النهي وإن اختلف معناه، وسبب النهي عن بيت المقدس كونه كان قبلة، فبقيت له حرمة الكعبة، وقد اختار الخطابي هذا التأويل.
فإن قيل: لم حملتموه في بيت المقدس على التنزيه؟ قلنا: للإجماع؛ فلا نعلم من يعتد به حرَّمه، والله أعلم". قلت: ولم أجد هذه المسألة منصوصًا عليها في كتب الإجماع التي بين يدي؛ فإن لم تكن فَلْتستدرك والله الموفق والهادي.
ونص المصنف على المزبور في عدد من كتبه، مثل:"التحقيق"(85)، و "الروضة"(1/ 66)، و"شرح صحيح مسلم"(3/ 200)، ونقله عنه السيوطي في "مرقاة الصعود"(8 - 9 درجات).
(1)
أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 92)، و "المعرفة"(1/ 194)، رقم (127).
وأخرجه ابن خزيمة في "الصحيح"(1/ 35)(رقم: 60) -ومن طريقه الدارقطني في "السنن"(1/ 58) - وابن الجارود في "المنتقى"(رقم: 32)، وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (رقم: 84): ثنا عبد الله بن محمد بن زياد ثلاثتهم قال: ثنا محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري ثنا صفوان به.
وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(1/ 154)، وعنه البيهقي في "الكبرى"(1/ 92)، و "المعرفة"(1/ 194) رقم (128)، و"الخلافيات"(347)، والحازمي في "الاعتبار"(66) من طريق صفوان بن عيسى به.
وأخرجه أبو إسحاق بن راهويه في مسنده (رقم 553 - مسند عائشة): أخبرنا سعدان بن سعد الليثي نا أبو الحسن بن ذكران به.
وقال ابن حجر في "الفتح"(1/ 247): "رواه أبو داود والحاكم بسند لا بأس به، وصححه الحاكم فقال: هذا حديث صحيح على شرط البخارى؛ فقد احتج بالحسن بن ذكوان، ولم يخرجاه". =
وأما حديث مروان الأصفر عن ابن عمر فحديث حسنٌ
(1)
، وهو على شرط البخاري
(2)
كما قال الحاكم.
فإن قيل: ففيه أبو الحسن بن ذكوان -وفيه خلاف-؟
قلنا: قد احتج
(3)
به البخاري في "صحيحه"، ولم يُبيِّن من ضعَّفه
= وكلامه متعقّب بما يلى:
- أولاً: لم يحتج البخاري بالحسن بن ذكوان، وإنما روى له في المتابعات حديثًا واحدًا فى كتاب الرقاق:(11/ 418).
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(11/ 441): "والحسن بن ذكوان تكلّم فيه ابن معين وأحمد وغيرهما، ولكنّه ليس له في البخاري سوى هذا لحديث من رواية يحيى القطان عنه مع تعنته في الرجال، ومع ذلك فهو متابعة".
- ثانيًا: أبو الحسن بن ذكوان فيه ضعف، ضعفه أحمد وابن معين أبو حاتم، وقال ابن معين:"كان قدريًا" وقال الساجي: "إنما ضعفه لمذهبه"
قلت: عبارة ابن معين: "صاحب الأوابد منكر الحديث". فعبارته لا تحتمل ما قاله الساجي، وإن كان الأمر كما قال، وكان صدوقًا ضابطًا، فبدعته لا تضرّه، كما هو المقرر في علم المصطلح.
- ثالثًا: أبو الحسن بن ذكوان كان مدلسًا، قال الأثرم:"قلت لأبي الله: ما تقول في الحسن بن ذكوان؟ قال: أحاديثه بواطيل، يروي عن حبيب بن أبي ثابت، ولم يسمع من حبيب، إنما هذه أحاديث عمرو بن خالد الواسطي".
قلت: وعمرو الواسطي هذا متهم بالكذب، وهذا التدليس من النوع القبيح، ولم نظفر برواية صرح فيها ابن ذكوان بالتحديث.
فهذا السند فيه ضعف، وقد يحسَّن في المتابعات.
(1)
وحسنه المصنف في "خلاصة الأحكام"(1/ 153 - 154) رقم (317)، قال:"حديث حسن!!، رواه أبو داود وغيره"، وانظر التخريج السابق.
(2)
فيه ما قدمناه مفصلاً في التخريج.
(3)
ليس كذلك، إنما روى له في المتابعات، وهي ليست على شرطه، كما وضحته في "البيان والإيضاح شرح نظم العراقي للاقتراح" وتعليقي على "الكافي" لأبي الحسن التبريزي، وهما من مطبوعات الدار الأثرية، عمان.
سببًا يقدح فيه، وهذا الذي فسَّر به ابن عمر الحديث من تخصيص النهي بالصحراء حجة لما قال الشافعي وموافقوه كما سبق.
وفيه: أنَّ التَّستُّر بالرَّاحلة يكفي، ويقوم مقام الجدار، سواء فعل ذلك في البنيان أو الصحراء.