الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
33 - باب: ذكر بئر بُضاعة
66 -
(صحيح) حدثنا محمد بن العلاء، والحسن بن علي، ومحمد ابن سليمان الأنباري، قالوا: حدثنا أبو أُسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن كعب، عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خَديج، عن أبي سعيد الخدري: أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتتوضأ من بئر بُضاعة -وهي بئر يُطرح فيها الحِيَض ولحم الكلاب والنَّتنُ؟ - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماءُ طهور لا يُنجِّسه شيء".
قال أبو داود: وقال بعضهم: عبد الرحمن بن رافع
(1)
.
(1)
أخرجه النسائي في "المجتبى"(1/ 174)، والترمذي في "الجامع"(أبواب الطهارة، باب ما جاء أنَّ الماء لا يُنجسه شيء)، (/ 1/ 95 رقم 66)، وأحمد في "المسند"(3/ 31)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 47)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 141 - 142)، والدارقطني في "السنن"(1/ 30)، وابن المنذر في "الأوسط"(1/ 269)، وابن منده -كما في "البدر المنير"(2/ 57) -، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 60)؛ وسمويه في بعض الثالث من فوائده" (ق 139/ أ)؛ من طرق، عن أبي أسامة، به.
ورجال إسناده ثقات، رجال الشيخين؛ غير عبيد الله بن عبد الله بن رافع، وهو مجهول، لم يوثقه غير ابن حبان، وقد روى عنه جماعة، وقال ابن حجر:"مستور".
وانظر: "الجوهر النقي"(1/ 504)، و"التلخيص الحبير"(1/ 174).
قال الترمذي عقبه: "حديث حسن، وقد جوَّد أبو أسامة هذا الحديث؛ فلم يرو أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة، وقد =
67 -
(صحيح) حدثنا أحمد بن أبي شعيب، وعبد العزيز بن يحيى الحرانيان، قالا: حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن سليط بن أيوب، عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري، ثم العدويّ، عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقال له: إنه يستقى لك من بئر بُضاعة، وهي بئر يُلقى فيها لحوم الكلاب والمحائِضُ وعَذِرُ الناس! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الماء طهور لا يُنَجِّسُهُ شيء"
(1)
.
= روي من غير وجه عن أبي سعيد". وقال البغوي: "هذا حديث حسن صحيح".
وقال الدارقطني في "العلل"(3/ ق 138/ أ) أو (11/ 285 - 288) رقم (2287) وساق طرقه عن أبي سعيد: "وأحسنها إسنادًا حديث الوليد بن كثير
…
".
(1)
أخرجه الدارقطني في "السنن"(1/ 30)، ومن طريقه البيهقي في "الخلافيات" وابن جرير في "تهذيب الآثار"(2/ 209/ رقم 1551) من طريق محمد بن سلمة به.
وإسناده ضعيف، وفيه انقطاع.
قال الشيخ ابن دقيق العيد في "الإمام"(1/ 117 - 118):
"وفي رواية ابن إسحاق عن سليط شيء آخر، ذكره أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في "المراسيل" (ص 195)، عن أبيه؛ قال: محمد بن إسحاق بينه وبين سليط رجل.
وكلامه محتمل لأن يكون بينهما رجل في حديث بئر بضاعة، وبين أن يكون بينهما رجل مطلقًا، والأقرب إلى وضع الكتاب المذكور هو الثاني" اهـ.
وعلق عليه ابن الملقن في "البدر المنير"(2/ 59) بقوله:
"قلت: والذي يظهر صحة الحديث مطلقًا كما صحَّحه الأئمة المتقدمون: الترمذي، وأحمد، ويحيى بن معين، والحاكم، وهم أئمة هذا الفن والمرجوع لهم".
قلت: نعم، هو صحيح بطرقه وشواهده.
قال أبو داوُد: [و] سمعت قُتيبة بن سعيد، قال: سألتُ قيِّم بئر بُضاعة عن عُمقها؟ قال: أكثرُ ما يكون فيها الماء إلى العانة، قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة.
قال أبو داوُد: وقدرت أنا بئر بُضاعة بردائي مددته عليها، ثم ذرعته، فإذا عرضُها ستة أذرع، وسألتُ الذي فتح لي باب البُسْتان فأدخلني إليه: هل غُيِّر بِناؤها عما كانت عليه؟ قال: لا. ورأيتُ فيها ماءً مُتغيِّرَ اللَّون.
بُضاعة: بضمِّ الباء وكسرها، والضمّ أفصح وأشهر، ولم يذكر جماعةٌ غيره، وممن ذكر الوجهين: ابن فارس
(1)
والجوهري
(2)
.
وحديث بئر بضاعة صحيح، وممن صححه: الإمام أحمد بن حنبل
(3)
ويحيى بن معين والحاكم وآخرون من الأئمة والحفاظ
(4)
، وقال الترمذي: حديث حسن
(5)
.
(1)
انظر: "مجمل اللغة"(1/ 127)، مادة (بضع) وبضاعة: اسم لصاحب البئر.
وقيل: اسم لموضعها، وهي بئر بالمدينة، وهي في ديار بني ساعدة معروفة.
(2)
انظر: "الصحاح"(3/ 1187)، مادة (بضع).
(3)
نقل المزي في "تهذيب الكمال"(19/ 84) عن أبي الحسن الميموني عن أحمد بن حنبل قوله: "حديث بئر بضاعة صحيح، وحديث أبي هريرة: "لا يبال في الماء الراكد" أثبت وأصح إسنادًا".
وانظر تصحيح أحمد له في: "الإمام"(1/ 115) لابن دقيق العيد، "تنفيح التحقيق"(1/ 205) لمحمد بن عبد الهادي.
(4)
نقل كلام النووي إلى هنا: ابن الملقن في "البدر المنير"(1/ 382 - ط الهجرة) وعنده: "الأئمة الحفاظ".
(5)
قال المصنف في "خلاصة الأحكام"(1/ 65): "قال الترمذي: حسن، وفي بعض النسخ: "حسن صحيح"، وقال الإمام أحمد بن حنبل: "هو صحيح" وكذا قال آخرون، وقولهم مُقدَّم على قول الدارقطني: إنه غير ثابت". =
قوله: "قيل: يا رسول الله؛ أتتوضأ من بئر بُضاعة"؟ هو بتاءين مثناتين من فوق، وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، معناه: تتوضأ أنت يا رسول الله من هذه البئر وصفتها كذا؟ وإنما ضَبَطْتُ اللفظة لأني رأيت مراتٍ من يُصَحِّفها فيقول: "نتوضأ" بالنون، وهذا غلط
(1)
؛ فقد ذكر أبو داود في الرواية الأخرى
(2)
أنه قال: "يا رسول الله؛ إنه يُستَقَى لك من بئر بضاعة"، وفي رواية الشافعي
(3)
: "قيل: يا رسول الله؛ إنك تتوضأ من بئر بضاعة" وذكر تمامه، وفي رواية النسائي
(4)
عن أبي سعيد قال: مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ من بئر بضاعة، فقلت: يا رسول الله؛ أتتوضأ منها وهي يُطرح فيها
…
وذكر الحديث.
قوله: "وهي بئر يُطرح فيها الحِيَضُ ولحمُ الكلاب والنّتنُ".
= قلت: قول الدارقطني في "العلل"(8/ 157) عن حديث أبي هريرة لا عن هذا الحديث، أفاده العلامة محمد بن عبد الهادي في "تنفيح التحقيق"(1/ 206).
(1)
قال ابن الملقن في "البدر المنير"(1/ 393 - ط الهجرة): "أول من نبه على هذا الضبط: النووي رحمه الله وتبعه شيخنا فتح الدين بن سيد الناس في "شرح الترمذي". قال النووي: إنما ضبطت كونه بالتاء لئلا يُصحف، فيقال: "أنتوضأ" بالنون. وقد رأيت من صحَّفه، واستبعد كون النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها. قال: وهذا غلط فاحش".
ونقل ابن رسلان في "صفوة الزبد"(ق 33/ أ) عن النووي قوله: "ضبطتُه بالتاء لأني رأيت من صحفه بالنون"، ونقله عن المصنف: السيوطي في "مرقاة الصعود"(ص 17 - مختصره "درجات") وفيه على إثره: "قال الشيخ ولي الدين: فلا يمتنع كونه بنون ففوقية، فقد ضبطناه كذلك بأصلنا بسند أبي داود، ويقوِّيه ما للدارقطني: قيل يا رسول الله؛ إنا نتوضأ".
(2)
السابقة رقم (67).
(3)
في "الأم"(1/ 9) و"المسند"(ص 156) و"اختلاف الحديث"(ص 71).
(4)
في "المجتبى"(1/ 174).
أما الحِيض فبكسر الحاء وفتح الياء
(1)
؛ أي: خرق الحيض. وقيل: المراد بالحِيْضَة هنا الخِرقة تستثفر بها الحائض، وهي بكسر الحاء، قال الخطابي
(2)
وآخرون: "لم يكن إلقاء ذلك تعمدًا من آدمي؛ بل كانت هذه البئر في حدورٍ والسيول تكسح الأقذار من الأفنية فتُلْقيها فيها، ولم يكن ذلك يؤثر في الماء؛ لأنه كان ماءً كثيرًا لا يتغير بذلك"، وهي بئر مطروقة الاستقاء، فمن وجد فيها شيئًا من ذلك أزاله كما هو المعروف من عادة الناس، وقيل: كانت الريحُ تُلْقي ذلك.
وقيل: المنافقون، ويحتمل الريح والسيول، وأما المنافقون فبعيد؛ لأن الانتفاع بها مشترك مع تنزيه المناففين وغيرهم المياه في العادة
(3)
.
واعلم أن حديث بئر بضاعة لا يخالف حديث القُلَّتين
(4)
؛ لأن ماءها كان فوق القُلتين كما ذكرنا، فحديث بئر بضاعة يخصّ منه شيئان:
أحدهما: إذا كان دون قُلَّتين.
والثاني: المتغير بالنجاسة.
فأما الشيء الثاني؛ فَمُجْمَعٌ على تخصيصه، وأما الأول فقال به
(1)
جمع (حِيضة) -بكسر الحاء- وهي الخرقة التي تحتشي بها المرأة، وقد تطلق (الحيضة) -بكسر الحاء- على الاسم من (الحَيضة) بالفتح، ونقل المزبور عن المصنف: السيوطي في "مرقاة الصعود"(17 - درجات). وانظر: "الإمام"(1/ 121).
(2)
"معالم السنن"(1/ 37)، بنحوه.
(3)
من قوله: "قال الخطابي وآخرون
…
" إلى هنا في "البدر المنير" (1/ 390) ولم يعزه لأحد!
(4)
المتقدم برقم (63، 64، 65).
الشافعي
(1)
وأحمد
(2)
وكثيرون، وقال مالك
(3)
وآخرون بعمومه.
قوله: "يُلْقى فيها لحوم الكلاب والمحايض وعَذِرُ الناس"، هو بفتح العين وكسر الذال: اسم جنس للعذرة، وهي الغائط، فهذا هو الصحيح في ضبطه، وضُبط أيضًا بكسر العين وفتح الذال، وهذا أيضًا صحيح كَمَعِدَة ومِعَد. وأما ما يقع في بعض النسخ من ضمّ العين فتصحيف لا معنى له هنا
(4)
.
(1)
انظر: "الأم"(1/ 4 - 5)، و"فتح العزيز"(1/ 205 - 208)، و"المهذب"(1/ 13)، و"مغني المحتاج"(1/ 21)، و"نهاية المحتاج"(1/ 63)، و"التذكرة"(36) لابن الملقن، و"الوسيط في المذهب"(1/ 323 - 336) للغزالي، و"حاشيتا القليوبي وعميرة"(1/ 21).
وتقريره عند المصنف في: "التحقيق"(36)، "المنهاج"(3)، "روضة الطالبين"(1/ 19)، و"المجموع"(1/ 161).
(2)
هذه رواية في مذهب أحمد، والمذهب لا ينجس القلتان بوقوع النجاسة فيها إلا أن يكون بولاً.
وانظر: "مسائل أحمد وإسحاق"(1/ 8)، و"المغني"(1/ 24 - 40)، و"المحرر"(1/ 2)، و"كشف القناع"(1/ 41)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية"(21 - 30)، و "شرح منتهى الإرادات"(1/ 81)، و"المقنع"(1/ 19)، و"الفروع"(1/ 84)، و"الإنصاف"(1/ 56)، و"الكافي"(1/ 11)، و"شرح العمدة"(23)، و"الإفصاح"(1/ 58)، و"المذهب الأحمد"(3)، و"الهداية"(1/ 10).
(3)
مذهب مالك يعتبر تغير الصفات. انظر: "المدونة الكبرى"(1/ 25)، و"التمهيد"(1/ 326 - 327) و"الكافي"(1/ 155)، و"الشرح الكبير"(1/ 48)، و"مقدمات ابن رشد"(1/ 15)، و"قوانين الأحكام الشرعية"(44)، و"حاشية الدسوقي"(1/ 38)، و"بداية المجتهد" (1/ 24). وانظر سائر المذاهب في:"الأوسط"(1/ 260 وما بعدها) لابن المنذر، و"الطهور"(ص 226 وما بعده) لأبي عبيد، و"تنقيح التحقيق"(1/ 193).
(4)
نقله السيوطي في "مرقاة الصعود"(17 - درجات).
قوله: "عُمْقها"؛ أي: قَعْرها، وهو بفتح العين وضمّها لغتان.
قوله: "أكثر ما يكون الماء فيها إلى العانة
(1)
، فإذا نَقَصَ؟ قال: دون العورة"، المراد بالعورة هنا الفرج، يعني: دون الفرج بقليل، فكأنها كانت تنقص شبرًا ونحوه. وإنما قدرها أبو داود بردائه وسأل عنها قتيبة ليعلم أنها كبيرة جدًّا
(2)
، والمقصود أن أبا حنيفة رحمه الله يقول: إذا كان الماء غير جارٍ ووقعت فيه نجاسة، فإن كان بحيث لو حُرِّك أحد طَرَفَيه تحرك الآخر، فهو نجس كله
(3)
، وإلا فطاهر. وهذه البئر كانت دون هذا، فمعلوم أنها إذا حُرِّك أحد طرفيها تحرك الآخر، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ منها
(4)
، وكانت النَّجاسات تقع فيها، فهذا يرد مذهب أبي حنيفة، وهذا مقصود قتيبة وأبي داود بما ذكره في الكتاب، ولهذا قال:"سألت الذي فتح لي الباب: هل غُير بناؤها؟ يعني: عمّا كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا".
(1)
قال المصنف في "تحرير ألفاظ التنبيه"(ص 34): "العانة: الشَّعَر حول الفرج".
انظر تأكيد ذلك في "السنن الكبرى"(1/ 265)، و"المعرفة"(1/ 324) كلاهما للبيهقي.
(2)
نقله السيوطي في "مرقاة الصعود"(17 - درجات) عن المصنف.
(3)
انظر: "المبسوط"(1/ 61)، و"أحكام القرآن"(3/ 419)، و"شرح معاني الآثار"(1/ 161)، و"الهداية"(1/ 18)، وشرحها "فتح القدير"(1/ 79 - 80)، و"البناية شرح الهداية"(1/ 313 - 314، 340)، و"مختصر الطحاوي"(16)، و"تحفة الفقهاء"(1/ 107)، و"رؤوس المسائل"(ص 119)، و"بدائع الصبائع"(1/ 209)، و"مراقي الفلاح"(ص 4)، و"فتح باب العناية"(1/ 110 - 114).
(4)
دلت عليه أحاديث الباب.
وقوله: "قَدَّرْتُ بئر بُضاعة"، هو بتشديد الدال وتخفيفها.
قوله: "فإذا عَرْضُها ستة أذرع"، هكذا هو في النسخ:(ستة) بالهاء، وهي لغة قليلة، والأفصح تأنيث الذراع، فيقال: ست أذرع
(1)
.
قوله: "ورأيت فيها ماءً متغيرًا"، هذا التَغيُّر بطول المكث أو نحوه، أو من أصلها لا بنجاسة
(2)
، ثم إن هذه صفة مائها في زمن أبي داود، ولا يلزم منه أن تكون صفتها كذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولعلّه قل استعمالها فتغيَّر ماؤها، والله أعلم
(3)
.
(1)
انظر: "تهذيب الأسماء واللغات"(3/ 109 - 111)، "تحرير ألفاظ التنبيه"(42، 309).
(2)
نقل الرملي في "شرح سنن أبي داود"(ق 34/ أ) عن النووي قوله: "يعني بطول المكث، وأصل النبع، لا بوقوع شيء أجنبي فيه، انتهى".
(3)
نقل ابن الملقن في "البدر المنير"(1/ 389 - 392) جل كلام النووي على حديث بضاعة، ولم ينسبه إليه!