الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 - باب: كراهة مس الذكر باليمين في الاستبراء
31 -
(صحيح) حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل، قالا: ثنا أبان، ثنا يحيى، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يتمسح بيمينه، وإذا شرب فلا يشرب نفسًا واحدًا"
(1)
.
32 -
(صحيح) حدثنا محمد بن آدم بن سليمان المصيصي، نا ابن أبي زائدة، نا أبو أيوب -يعني الإفريقي-، عن عاصم، عن المسيب بن رافع ومعبد، عن حارثة بن وهب الخُزاعي، قال: حدثتني حفصةُ زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل يمينه لطعامه، وشرابه، وثيابه، ويجعل شماله لما سوى ذلك
(2)
.
(1)
أخرجه البخاري (153)، ومسلم (267).
(2)
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(9/ 8)، وأبو يعلى في مسنده (12/ 470، 484)(رقم 7042، 7060)، وفي "معجم شيوخه"(222)، والطبراني في "الكبير"(23/ 203) رقم (346)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 109) -وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي بقوله: "في سنده مجهول"- والبيهقي (1/ 112 - 113) من طريق أبي أيوب عبد الله بن علي عن عاصم به.
قال ابن حجر في "نتائج الأفكار"(1/ 146): "وفي تصحيحه نظر؛ لأن في أبي أيوب الإفريقي -واسمه عبد الله بن علي- مقالاً، مع الاضطراب من عاصم في سنده". =
33 -
(صحيح) حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، نا عيسى بن يونس، عن ابن أبي عَروبة، عن أبي مَعْشَر، عن إبراهيم، عن عائشة، قالت: كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليُسرى لخلائه وما كان من أذى
(1)
.
= قلت: نعم، اختلف فيه على عاصم على ألوان وضروب، منها:
ما رواه عنه حماد بن سلمة عند ابن راهويه في "مسنده"(4/ 190)، عن عاصم عن سواء عن حفصة به. ورواه زائدة عند ابن أبي شيبة (1/ 152 و 3/ 42 و 9/ 76) وعبد بن حميد في "مسنده"(1545 منتخب)، وأحمد (6/ 287)، والنسائي (4/ 203 - 204)، وفي "الكبرى"(2676، 2777، 10600)، وأبو يعلى (7037)، والطبراني في "الكبير"(23/ رقم 347)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(730)، عن عاصم عن المسيب عن حفصة به، وبعضهم اختصره، ولعل هذا الاضطراب من عاصم بن أبي النجود، ويشهد له أحاديث الباب.
وصحح النووي في "المجموع"(1/ 384) إسناد أبي داود، وانظر "خلاصة الأحكام" له أيضًا (1/ 168) رقم (387)، والحديث صحيح لغيره.
(1)
أخرجه أحمد (6/ 265) حدثنا محمد بن جعفر عن سعيد به، وهذا إسناد منقطع بين إبراهيم النخعي وعائشة، ولذلك ساقه المصنف مستقلاًّ بعده مباشرة.
وقد أخرجه كذلك أحمد (6/ 265)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 113)، وفي "شعب الإيمان"(5/ 77) من طريق سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة.
وهذا إسناد صحيح، والزيادة فيه زيادة ثقة مقبولة.
فالحديث صحيح، وصححه النووي في "خلاصة الأحكام"(1/ 168) رقم (386)، وفي "المجموع"(1/ 384 و 2/ 108).
ويؤكده ما أخرجه البغوي في "شرح السنة"(217) من طريق نصر بن علي عن عيسى بن يونس به، وفيه (الأسود) بين النخعي وعائشة.
ولكن؛ أخرجه أحمد (6/ 265) حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن رجل، =
34 -
(صحيح) حدثنا محمد بن حاتم بن بَزِيع، نا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن أبي مَعْشر، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمعناه
(1)
.
حديث أبي قتادة رواه البخاري ومسلم، وحديث حفصة إسناده جيد.
فإن قيل: فيه أبو أيوب الإفريقي، واسمه: عبد الله بن علي الكوفي، وقد قال أبو زرعة: " إنه ليِّن الحديث، ليس بالمتقن
(2)
، في حديثه إنكار"
(3)
؟
قلنا: قد احتجَّ به أبو داود، وسكت عن تضعيف حديثه، فهو عنده حسن كما سبق
(4)
، ولم يفسّر أبو زرعة سبب جرحه
(5)
بما يقتضي ردّ
= عن أبي معشر عن إبراهيم عن عائشة نحوه، فأدخل (مبهمًا) بين سعيد وأبي معشر، وأسقط (الأسود).
قال الدارقطني في "العلل"(5/ ق 69) بعد ذكره الخلاف فيه على سعيد: "وقول ابن أبي عدي أشبه بالصواب"!!
(1)
سبق في الذي قبله.
(2)
في "الجرح والتعديل "(5/ 115): "سألت أبا زرعة عنه، فقال: ليس بالمتين، في حديثه إنكار، هو لين".
(3)
كذا عند المزي في "تهذيب الكمال"(15/ 325) واقتصر عليه وعلى قوله: "وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات"، قلت: هو فيه (7/ 21، 28)، وقال الدوري في "تاريخه" (2/ 320) عن ابن معين: "ليس به بأس"، وأفاد مغلطاي في "إكمال تهذيب الكمال" (8/ 74 - 75) أن كلاًّ من ابن خلفون وابن شاهين ذكراه في "ثقاتهما"، قلت: انظر "الثقات" لابن شاهين (668) فلعله غير المذكور، وجهله أبو حاتم الرازي في كتابه "العلل" (1059).
(4)
ليس كذلك، كما قدمناه في التعليق على (ص 48 - 49).
(5)
ليس كذلك، قال:"في حديثه إنكار"، والحديث مضطرب كما بيّناه، فالجرح مفسر، وأبو زرعة ليس من المتعنتين في الجرح، ولذا قال الذهبي في ترجمته =
روايته، فإن النكارة في حديثه إنما تقتدح إذا كرر منه، فلا يعمل به، فالحديث حسن. وربما اشتبه هذا الإفريقي بأبي خالد عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، ذاك ضعيف مشهورٌ بالضَّعف
(1)
، (فإنه)
(2)
فهما مفترقان في الاسم والكنية.
وأما حديث عائشة فحسن أو صحيح؛ فإن الرواية الثانية تجبر الانقطاع الذي في الأولى بين إبراهيم وعائشة
(3)
، والله أعلم.
قوله: "محمد بن آدم بن سُليمان المِصِّيصي"، هو بكسر الميم وتشديد الصاد
(4)
، ويجوز فتح الميم مع تخفيف الصاد، وهي نسبة إلى بلدة كبيرة على ساحل بحر الشام
(5)
.
وفيه "المسيَّب بن رافع" بفتح الياء لا غير
(6)
، بخلاف سعيد بن المسيّب، فإن فيه الفتح والكسر
(7)
.
= من "السير"(13/ 81): "قلت: يُعجبني كثيرًا كلامُ أبي زرعة في الجرح والتعديل، يَبينُ عليه الوَرَعَ والمَخْبَرة، بخلاف رفيقه أبي حاتم، فإنه جرَّاح".
(1)
انظر ترجمته في "الميزان"(2/ 561) وغيره.
(2)
كذا في الأصل، ولعله سبق قلم من الناسخ، ولا داعي لها ونقله السيوطي في "مرقاة الصعود"(12) عن المصنف، وعنده:"وهما يفترقان باسم وكنية"، وفي مطبوعة:"بابن خالد"! وصوابه المثبت "بأبي خالد".
(3)
انظر تخريجنا له المتقدم قريبًا.
(4)
هذا هو "الصحيح الصواب" كما في "الأنساب"(5/ 315).
(5)
انظر: "معجم البلدان"(5/ 169) العلمية.
(6)
قال المصنف في "شرح صحيح مسلم"(1/ 117): "وأما المسيب بن رافع، فبفتح الباء بلا خلاف كذا قال القاضي عياض في "المشارق" (1/ 399)، وصاحب "المطالع" (ق 8/ ب- نسخة شستربتي). أنه لا خلاف في فتح يائه، بخلاف سعيد بن المسيب، فإنهم اختلفوا في فتح يائه وكسرها".
(7)
قال في "شرح مسلم"(1/ 156): "هو بفتح الياء، هذا هو المشهور" =
و"حارثة بن وهب" بالحاء، وهو صحابي رضي الله عنه
(1)
، و"أبو توبة" بالمثناة فوق، اسمه: الربيع بن نافع
(2)
. و"أبو معشر" اسمه: زياد بن كُلَيْب
(3)
.
وفي حديث أبي قتادة كراهة مسّ الذكر باليمين من غير حاجة، ولا فرق بين حال الاستنجاء وغيره، وإنما ذكرت حالة الاستنجاء في الحديث تنبيهًا على ما سواها؛ لأنه إذا كان المس باليمين مكروهًا في حال الاستنجاء -مع أنه مظنة الحاجة إليها- فغيره من الأحوال التي لا حاجة فيها إلى المسّ أولى، ويلتحق بالذَّكَرِ الدُّبُرُ، والمرأة كالرجل في كراهة مسّ القبل والدبر باليمين، وسبب الكراهة: إكرام اليمين.
وفي هذا الحديث مع حديثَي عائشة وحفصة المذكورين بعده دليلٌ لقاعدةٍ مُهمة في الأدب، وهي أنّ ما كان بخلافه فلليسار، فإن أراد الاستنجاء من البول أمسك الذَّكَرَ بيساره ومسحه على حجر بين يديه، فإن كان صغيرًا جعله بين عقبيه، فإن عجز أخذ الحجر بيمينه ومسح عليها، وحرك اليسار دون اليمين
(4)
.
= ونقل الخلاف فيه. وانظر (1/ 278، 295، و 2/ 101، 244،
…
) ونقل المذكور هنا السيوطي في "مرقاة الصعود"(12 - درجات).
(1)
هو خزاعي أخو عُبيد بن عمر بن الخطاب لأمه، قاله مسلم في "صحيحه" على إثر (696) بعد (21)، وانظر "شرح النووي"(5/ 87) و (15/ 77 و 17/ 272).
(2)
كذا سماه مسلم في "صحيحه"(315، 4085)، وهو شيخ شيخه.
(3)
كذا قال المصنف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 255 و 4/ 205).
(4)
ذكره بنحوه في: "شرح صحيح مسلم"(3/ 200، 204)، و "التحقيق"(84، 86) و"المنهاج"(1/ 95)، و "روضة الطالبين"(1/ 75)، و "المجموع"(2/ 108 - 110).
قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا شَربَ فلا يشربْ نَفَسًا واحدًا"؛ هذا نهي تنزيه وأدب
(1)
، والحكمة فيه أنه إذا قطع شُربه بثلاثة أنفاس كان أهنأ وأبلغَ في ريّه، وأخفَّ لمعدته، وأحسنَ في الأدب، وأبعد من فعل أهل الشّره
(2)
.
قولها: "كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل شماله لما سوى ذلك"؛ ليس هذا على ظاهره، بل المراد: لطعامه وشرابه وثيابه وما كان في معناه مما هو نظافة أو زينة أو نحو ذلك: كالسواك
(3)
، والاكتحال، والأخذ، والعطاء، ونحو ذلك
(4)
، واليسرى لما سوى
(1)
انظر: "مغني المحتاج"(3/ 220)، "حاشية الجمل على شرح المنهج"(6/ 522)، "آداب الأكل"(ص 45) للأقفهسي، ونص عليه الحنفية والمالكية والحنابلة أيضًا. انظر:"الفواكه الدواني"(2/ 415)، "الفتاوى الهندية"(5/ 341)، "الإنصاف"(8/ 345)، "كشاف القناع"(4/ 156).
(2)
زاد في "شرح صحيح مسلم"(3/ 205): "وأما التنفس خارج الإناء، فسنة معروفة" قال: "قال العلماء: والنهي عن التنفّس في الإناء هو من طريق الأدب مخافة من تقذيره ونتنه، وسقوط شيء من الفم والأنف فيه، ونحو ذلك، والله أعلم".
وثبت في "صحيح مسلم"(2028) عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثًا، ويقول:"إنه أروى، وأبرأ، وأمرأ"، والمراد: أنه كان يتنفس بين كل شربتين في غير الإناء، وانظر "شرح صحيح مسلم" للمصنف (13/ 287).
(3)
وقع خلاف في الاستياك: هل هو بالشمال أم باليمين، والذي أراه -بعد دراسة وبحث- إن كان للنظافة كان باليسار، وإن كان لتطييب الفم، كان باليمين، وكلام العلماء في المسألة كثير، أوردته -ولله الحمد- في (شرحي) المسموع على "صحيح مسلم"، يسر الله وأعان على تحريره وتهذيبه والزيادة عليه لإعداده للنشر.
(4)
قال المصنّف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 205): "هذه قاعدة مستمرة في الشرع، وهي أنّ ما كان من باب التكريم والتشريف، كليس الثوب والسراويل، والخفّ ودخول المسجد، والسواك، والاكتحال، وتقليم الأظفار، وقصّ =
ذلك
(1)
، وقد فسرته رواية عائشة رضي الله عنه.
…
= الشارب، وترجيل الشعر -وهو مشطُه- ونتف الإبط، وحلق الرأس، والسلام من الصلاة، وغسل أعضاء الطهارة، والخروج من الخلاء، والأكل، والشرب، والمصافحة، واستلام الحجر الأسود، وغير ذلك مما هو في معناه يستحب التيامن فيه
…
".
فذكر النووي هنا أربعة أشياء، بينما أوصلها في "شرحه على مسلم" في النص السابق إلى سبعة عشر خصلة، وقال:"وغير ذلك"، ولم يذكر (الأخذ والعطاء). وزاد في "شرحه على مسلم" أيضًا (14/ 105):"دفع الصدقة وغيرها من أنواع الدفع الحسنة، وتناول الأشياء الحسنة ونحو ذلك، وليس المداس، والكم، والتيمم". فبلغت ثلاثًا وعشرين خصلة، ومما يلحق بها مما هو منصوص عليه: البدء بميامن الميت في تغسيله، ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، والوقوف على يمين الإمام بحذائه في صلاة الإثنين جماعة، وعقد التسبيح باليمين، والوقوف في ميامن الصفوف، وتقديم الأيمن فالأيمن في الشرب، والاضطجاع على الشق الأيمن في النوم.
(1)
تتمة كلام النووي في الهامش السابق، هو:"وأما ما كان بضدّه، كدخول الخلاء، والخروج من المسجد، والامتخاط، والاستنجاء، وخلع الثوب والسراويل والخف وما أشبه ذلك، فيستحب التياسر فيه" قال: "وذلك كله لكرامة اليمين وشرفها".
قلت: وعلى الجملة؛ فاليمين وما نسب إليها، وما اشتق منها، محمود لغة وشرعًا ودينًا، والشمال على نفيض ذلك، فمن الآداب المناسبة لمكارم الأخلاق والسيرة الحسنة عند الفضلاء: اختصاص اليمين بالأعمال الشريفة، والأحوال النظيفة، قال الله تعالى:{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)} [مريم: 52]، وقال:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7)} [الانشقاق: 7].
وعليه: فيستحب البداءة باليسار في كل ما هو ضد المذكور في الهامش السابق، وقد ثبتت نصوص في كراهية الاتكاء على اليد اليسرى، وعلى البصاق على اليسار أو تحت دون اليمين.