الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله رب العالمين، اللهمَّ صل على محمد، وعلى آل محمدٍ وسلم، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فهده نُبَذٌ مهمةٌ في "شرح سنن أبي داود" رحمه الله أقتصر فيها على عيون الكلام، مما يتعلَّق بلغاته وألفاظه وأسانيده ودقائقه، وضبط ما قد يُشكل من ألفاظ المتون والأسماء، والإشارة إلى بعض ما يستنبط من الحديث من الأحكام وغيرها، والتنبيه على صحَّة الحديث أو حُسْنه أو ضَعْفه، وبيان صواب ما تَخْتَلفُ فيه النُّسخ، وبالله التوفيق.
1 - فصل
رُوينا عن الإمام أبي داود صاحب الكتاب رحمه الله أنه قال: "ذَكَرْتُ في كتابي هذا الصحيح وما يُشبهه ويقاربه". وفي رواية عنه ما معناه أنه يذكر في كلِّ بابٍ أصَحَّ ما عَرَفَهُ في ذلك الباب
(1)
، وقال
(2)
: "ما كان في كتابي
(1)
قال الإمام أبو داود رحمه الله في "رسالته إلى أهل مكة"(ص 30): "أما بعد؛ عافانا الله وإياكم عافية لا مكروه معها، ولا عقاب بعدها، فإنكم سألتم أن أذكر لكم الأحاديث التي في "كتاب السنن"، أهي أصح ما عرفت في الباب؟ ووقفت على جميع ما ذكرتم فاعلموا أنه كذلك كله".
ففي هذا الكلام منه رحمه الله بيانٌ لمنهجه فيه، وهو أنه يذكر أصح ما عرفه في الباب، وقد ذكر بعد ذلك استثناء لما قد يشذ عن المنهج الذي انتهجه رحمه الله.
(2)
"رسالته إلى أهل مكة"(ص 37 - 38).
من حديث فيه وهنٌ شديد فقد بَيَّنْتُه
(1)
، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح
(2)
،
(1)
بعدها في "الرسالة": "فقد بينته، ومنه ما لا يصح سنده"، والظاهر من هذه العبارة، أن أبا داود رحمه الله قد يبين أمرًا في الإسناد، لا ينزل به إلى درجة الوهن الشديد، وإنما قد يكون ما نبه عليه من باب الحديث أبو الحسن، أو الضعيف ضعفًا يسيرًا والذي يقبل الاعتضاد والله أعلم. ووقع في "سننه" حديثان فيهما ضعف شديد، هما:
الأول: حديث على إثر رقم (3064، 3065) وفي إسناده محمد بن الحسن المخزومي، قال شيخنا عنه في "ضعيف سنن أبي داود":"ضعيف جدًّا".
قلت: فيه ابن زبالة، وسيأتي الجواب عنه في التعليق على (ص 52) ".
والآخر: حديث رقم (3259) وحكم عليه شيخنا بـ (الضعف) فقط- وفيه يحيى بن العلاء البجلي، قال أحمد عنه:"كذاب يضع الحديث". وتركه الفلاس والنسائي والدارقطني.
إلا أن أبا داود قال عنه: "ضعّفوه"، فهو يعرف ضعفه، ولعله ليس بشديد عنده، والله أعلم!. وانظر كلمة الذهبي في "السير"(13/ 214 - 215).
وستأتي برمتها قريبًا.
(2)
شرح الحافظ ابن حجر رحمه الله هذه الكلمة شرحًا وافيًا في "النكت على مقدمة ابن الصلاح"(1/ 435 - 445)، ومما قال بعد تحقيق وكلام:"وهذا جميعه إن حملنا قوله: "وما لم أقل فيه شيئًا فهو صالح" على أن مراده أنه صالح للحُجَّة، وهو الظاهر، وإن حملناه على ما هو أعَمَّ من ذلك؛ وهو الصلاحية للحجة أو للاستشهاد أو للمتابعة، فلا يلزم منه أنه يحتج بالضعيف. ويحتاج إلى تأمل تلك المواضع التي يسكت عليها وهي ضعيفة، هل فيها أفراد أم لا؟ إن وجد فيها أفراد تعيَّن الحمل على الأول، وإلا حمل على الثاني، وعلى كل تقدير، فلا يصلح ما سكت عليه للاحتجاج مطلقاً".
قال أبو عبيدة: الذي تعامل به أهل الصنعة الحديثية، والمخرجون أن سكوت أبي داود في "سننه" أوسع من كونه (صالحًا) للحجة؛ بل يشمل الاعتضاد، ولذا تعقب شيخنا الألباني في مقالته المنشورة في مجلة "المسلمون" (6/ 1007 - 1012) صاحب كتاب "التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول" لما قال على إثر الحديث المسكوت عليه عند أبي داود:"إسناده صالح" =
وبعضها أصحُّ من بعض"
(1)
.
= قال: "يوهم بذلك القراء الدين لا علم عندهم باصطلاحات العلماء أنه صالحٌ حجةً أي أنه حسن أو صحيح، كما هو الاصطلاح الغالب عند العلماء، وهو المتبادر من هذه اللفظة (صالح)، مع أن فيما سكت عليه أبو داود كثيرًا من الضعاف، ذلك لأن له فيها اصطلاحًا خاصًّا، فهو يعني بها ما هو أعم من ذلك بحيث يشمل الضعيف الصالح للاستشهاد به لا للاحتجاج كما يشمل ما فوقه، على ما قرره الحافظ ابن حجر، فما جرى عليه بعض المتأخرين من أن ما سكت عليه أبو داود فهو حسن، خطأ محض، يدل عليه قول أبي داود نفسه: "وما فيه وهن شديد بينته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض". فهذا نص على أنه إنما يبين ما فيه ضعف شديد، وما كان فيه ضعف غير شديد سكت عليه وسماه صالحًا، من أجل ذلك نجد العلماء المحققين يتتبعون ما سكت عليه أبو داود ببيان حاله من صحة أو ضعف، حتى قال النووي (أ) في بعض هذه الأحاديث الضعيفة عنده: "وإنما لم يصرِّح أبو داود بضعفه لأنه ظاهر". ذكره المناوي، وعليه كان ينبغي على المصنف أن يعقب كل حديث رواه أبو داود ساكتًا عن ضعفه ببيان حاله تبعًا للعلماء المحققين، لا بأن يتبعه بقوله: "صالح". وإن كان ضعيفًا بين الضعف؛ دفعًا للوهم الذي ذكرنا، ولأنه لا يفهم منه على الضبط درجة الحديث التي تعهد المؤلف بيانها بقوله المذكرر في مقدمة كتابه: "كل حديث سكت عنه أبو داود فهو صالح" وسأتبع ذلك في بيان درجة ما رواه بقولي: "بسند صالح ". وليس في قوله البيان المذكرر، لما حققته آنفًا أن قول أبي داود "صالح" يشمل الضعيف والحسن والصحيح، فأين البيان؟! ".
وانظر لزامًا "بذل المجهود"(ص 27 - 28) للسخاوي، فإنه مهم.
(1)
نقلها المصنِّف في مقدمة "خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام"(1/ 61) وقال على إثرها: "هذا الفقه، ومقتضاه أن ما أطلقه أبو داود فهو صحيح أو حسن يُحْتَجُّ به، إلا أن يظهر فيه ما يقتضي ضَعْفَه". =
_________
(أ) في كتابنا هذا (ص 56).
فعلى هذا، ما وجدنا في "سنن أبي داود" وليس هو في "الصحيحين" أو أحدهما، لا نص على صِحَّته أو حسنه أحدٌ ممن يعتمد، ولم يُضَعّفْه أبو داود، فهو حَسَنٌ عند أبي داود أو صحيح، فنحكمُ بالقدر المحقق: وهو أنه حَسَنٌ
(1)
، فإن نَصَّ على ضَعْفِهِ من يُعتمد، أو رأى العارفُ في
…
= قلت: وروي عن أبي داود أنه قال: "وما سكتُّ عنه فهو حسن". كذا في "الباعث الحثيث"(ص. ن. ط الفيحاء)! وهذه الرواية تخالف كلامه المتقدم وهو قوله: "فهو صالح". وهذا هو المعروف عنه، فقول:"فهو حسن" شاذٌّ لم يثبت عنه، ووجِّهت هذه الرواية -على تقدير صحتها- بأنها حسن للاحتجاج به، وهو معنى الاعتبار، انظر "النكت الوفية"(ق 72/ ب- 73/ أ).
وطوَّل البقاعي في "النكت الوفية"(73/ أ) تقرير قول أبي داود: "وبعضها أصح من بعض" أنه لا يقتضي اشتراكًا في الصحة، وإنما مراده المفاضلة بين الأحاديث في الاحتجاج، وإن بعضها أقوى في باب الاحتجاج من بعض، لا المشاركة في نفس الصحة، قال:"فظهر بهذا أن (أصح). ليست على بابها". قاله في سياق مهم، وسيأتيك كلامه بطوله قريبًا فانظره غير مأمور، وتجد هناك كلامًا للسخاوي يخص هذه العبارة، فتأمَّله، والله الموفق.
(1)
هذا تقرير ابن الصلاح في "علومه" وتعقّب:
تعقّبه ابنُ رشيد بأن قال: "ليس يلزم أن يستفاد من كون الحديث لم ينص عليه أبو داود بضعف ولا نص عليه غيره لصحة أن الحديث عند أبي داود حسن، إذ قد يكون عنده صحيحًا، وان لم يكن عند غيره كذلك". نقلهُ ابن سيد الناس في "النفح الشذي"(1/ 218) وقال: "وهذا تعقب حسن".
ونظمه العراقي في "ألفيته"(1/ 96 - 98 مع "التذكرة")، ونقل في "التقييد والإيضاح"(53) هذا، وقال بعد كلام:"والاحتياط أن يقال (صالح) كما عبَّر هو عن نفسه". وسيأتيك أن قول ابن رشيد صحيح من جهة، ومنتقد من جهة أخرى، وأفصح البقاعي في "النكت الوفية" (ق 72/ ب- 73/ أ) عن ذلك لما قال مُتعقِّبًا كلام النووي هذا: "
…
وعلى تقدير تسليم أن مراده =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= صالح للاحتجاج، ولا يستلزم الحكم بتحسين ما سكت عليه، فإنه يرى الاحتجاج بالضعيف إذا لم يجد في الباب غيره .. اقتداء بأحمد رضي الله عنه".
قال أبو عبيدة: هنا تنبيهات مهمات:
الأول: ما قرَّره البقاعي هو الصواب، وسبقه إليه غير واحد من المحققين، وتبعه عليه جماعة، وسيأتي بيان ذلك مفصَّلاً إن شاء الله تعالى.
الثاني: هنالك جماعات من الرواة سكت عليهم أبو داود في "سننه"، وتكلم عليهم في "سؤالات الآجري" له بما يشعر بصحةِ التوجيه المنقول آنفًا عن البقاعي، إذا قدْح أبي داود فيهم ليس بشديد وبعضهم من الثقات، وأسوق لك أسماء هؤلاء الرواة -ويمكنك أن تقف على قول أبي داود فيهم من "التهذيب"- وخرج لهم في "سننه" وسكت عنهم: إبراهيم بن مهاجر البجلي، أسامة بن زيد الليثي مولاهم، إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفيراء، بكير بن عامر البَجَليّ، تمام بن نجيح الأسدي، ثابت بن قيس الفقاري، الحسين بن علي الأسود -ولابن حجر تفصيل مفيد فيما نحن بصدده، فلينظر لزامًا- الحسين بن علي بن مسلم الحنفي، خصيف بن عبد الرحمن الجزري، سفيان بن حسين بن أبو الحسن، سلمة بن أبو الفضل الأبرش، سليمان بن كثير العبدي، سليمان بن موسى الزهري، شريك بن عبد الله القاضي، صالح بن أبي الاخضر، الضَّحَّاك بن عثمان، عاصم بن عبد الله العمري، عبادة بن راشد التَّميمي، عباد بن منصور الباجي، عبد الله بن عمر الرعيني، عبد الله بن لهيعة، عبد الرحمن بن أبو إسحاق الواسطي، عبد الرحمن ابن ثابت العنسي، عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، عبد الرحمن بن عثمان أبو بحر البكراوي، عبد الرحمن بن معاوية الأنصاري، عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد، عبيد الله بن عبد الله العتكي، عبيد الله بن أبي زياد القداح، عبيد الله بن زحر، عتبة بن أبي الحكم الهمداني، عطية بن سعد العوفي، عكرمة بن عمار، عمارة بن زاذان، عمران بن دوار العمط، غسان ابن عوف المازني، فرج بن فضالة، فليح بن سليمان، ليث بن أبي سُليم، محمد بن بكر البرساني، محمد بن ثابت العبدي، محمد بن الحسين بن زبالة -ولابن حجر كلام مهم يؤكد ما نحن بصدده فلينظر =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لزامًا- محمد ابن عيسى بن سميع، محمد بن مسلم بن سوسن، محمد بن مسلم بن أبي وضاح، مخلد بن يزيد، مسكين بن بكير الحراني، مصعب بن شيبة، مطر بن طهمان الوراق، منصور بن عبد الرحمن الغداني، المنهال بن خليفة العجلي، موسى بن يعقوب بن زمعة المدني، النعمان بن راشد الجزري، النهاس بن قَهم القيسي، الوليد بن عبد الله بن أبي ثور، الوليد بن عبد الله بن جميع الزهري، يحيى بن سلمة بن كهيل، يحيى بن العلاء البجلي، يزيد بن أبي زياد القرشي، يونس بن بكير بن واصل الشيباني، يونس بن الحارث الثقفي، أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني. وهؤلاء حقًّا -باستثناء بن زبالة- ليس فيهم كذاب، وقد صرح أبو داود نفسه بكذب محمد بن أبو الحسن بن زبالة، ولذا قال ابن حجر في "التهذيب" (7/ 107) في ترجمته متعقبًا:"لم يخرج له أبو داود شيئًا". قال: "وكيف يخرج له وقد صرّح بكذبه، ثم تفسيره الذي ذكره أبو داود قد رواه الطبراني، بعد أن روى الحديث من طريق هارون عنه بسنده فيه إلى أبيض ثم أعقبه بتفسيره، فلو كان أبو داود يقصد الإخراج له، لأخرج حديثه كما صنع الطبراني" انتهى.
الثالث: الظاهر من السياق أن المسكوت عنه في "السنن" هو فقط الذي يحكم بأنه (صالح). ولذا قال ابن كثير في "اختصار علوم الحديث"(ص 50 - 51): "وما سكت عليه فهو حسن: ما سكت عليه في "سننه" فقط، أو مطلقًا؟ هذا مما ينبغي التنبيه عليه، والتيقظ له".
الرابع: قول المصنف: "وليس هو في "الصحيحين" أو أحدهما" مما ينبغي أن يعلم: أن هناك أحاديث كثيرة سكت عنها أبو داود في "سننه" وهي في "الصحيحين" أو أحدهما.
ومن خلال تتبع تخريج شيخنا الألباني لـ "سنن أبي داود" ووضعه الرموز (ق) للمتفق عليه (خ) للبخاري و (م) لمسلم نجد أن نحو (850) حديثًا في "السنن" سكت عنها أبو داود وأصولها في "الصحيحين" وهذه نماذج من ذلك:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
رقم الحديث في "السنن"
…
رقمه في "صحيح البخاري"
…
رقمه في "صحيح مسلم"
4
…
142
…
375/ 221
9
…
144
…
264/ 59
12
…
145
…
266/ 61، 62
20
…
216
…
292/ 111
23
…
224
…
273/ 73، 74
31
…
154
…
276/ 64، 65
43
…
150 - 152
…
270، 271
49
…
244
…
254/ 45
55
…
245
…
254/ 45
60
…
5954
…
225/ 2
وينظر من "السنن" الأرقام (103، 106، 118، 119، 176، 196، 199، 391، 397، 398، 401، 402، 407، 409، 412، 417، 423،
…
) وهنالك أحاديث في "سنن أبي داود" ومسكوت عنها، وهي عند البخاري في "صحيحه" ويبلغ عددها نحو المئتين، وهذا نموذج للمقارنة:
رقمه في "سنن أبي داود"
…
رقمه في "صحيح البخاري"
79
…
193
100
…
197
138
…
157
253
…
277
307
…
326
358
…
312
451
…
446
529
…
641
542
…
643
627
…
360
وهنالك أحاديث في "سنن أبي داود" ومسكوت عنها، وهي عند مسلم في "صحيحه" ويبلغ عددها نحو ست مئة حديث، وهذا نموذج للمقارنة:
سنده ما يقتضي الضَّعْفَ ولا جابر له، حَكَمْنا بِضَعْفِهِ
(1)
.
الرقم في "سنن أبي داود"
…
الرقم في "صحيح مسلم"
7
…
262
16
…
370
18
…
373
25
…
269
38
…
263
51
…
253
53
…
261
58
…
256
71
…
279
120
…
236
وهنالك أحاديث كثيرة في "سنن أبي داود" ومسكوت عنها وهي (صحيحة): ويزيد عددها على الألف وأربع مئة حديث.
بقي التنبيه على وجود أحاديث في "السنن" وهي ضعيفة، وسكت عنها أبو داود، ويبلغ عددها نحو الأربع مئة والثمانين حديثًا. انظر:"السنن" الأرقام "3، 5، 22، 27، 29، 35، 42، 90، 91، 95، 127، 133، 135،134، 246،244، 247، 249، 256، 257، 270، 271، 281، 302، 313، 328، 348، 359، 388، 408، 450، 452، 457، 458، 461، 464، 484، 488، 490، 491، 497، 512، 513، 514، 528، 530، 543، 545، 546، 577، 578، 593، 617، 633، 639، 659، 669، 670، 677،
…
".
وهذا كله يؤكد صحة ما قدمناه من أن مراد أبي داود بـ (صالح) أوسع من الاحتجاج. وهذا الذي توصل إليه أخونا الباحث أبو العباس نصر بن صالح الخولاني في كتابه "القول الراجح فيما سكت عنه الإمام أبو داود وقال بأنه صالح". وقد استفدتُ من دراسته هذا في الهامش السابق، والله الموفِّق.
(1)
قال المصنِّف رحمه الله في "التقريب"(ص 30) في معرض حديثه عن (الحديث أبو الحسن): "ومن مظانه: "سنن أبي داود"، فقد جاء عنه أنه يذكر فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما كان فيه وهنٌ شديدٌ بيّنه، وما لم يذكر فيه شيئًا فهو صالح. =
وقد قال الحافظ أبو عبد الله بن منده
(1)
: "إن أبا داود يخرج الإسناد
= فعلى هذا؛ ما وجدناه في كتابه مطلقًا ولم يصححه غيره من المعتمدين ولا ضعّفه؛ فهو حسن عند أبي داود".
وقد نقل هذه الكلمة -وهي شبيهة بكلامه هنا- الحافظ ابن حجر في "النكت"(1/ 444 - 445) ثم قال: "قلت: وهذا هو التحقيق" لكنه خالف ذلك في مواضع من "شرح المهذب"، وغيره من تصانيفه، فاحتج بأحاديث كثيرة من أجل سكوت أبي داود عليها، فلا يغتر بذلك".
قال أبو عبيدة: وهنالك مأخذ آخر مهم على كلام النووي السابق! وهو: أنه أشعر أن للعارف النظر في قسم واحد مما سكت عليه أبو داود، وهو ما وصفه أحد غيره بالضعف، ولذا تعقبه السخاوي في "فتح المغيث" (1/ 76) فقال -بعد أن نقل كلامه المَزْبورِ هنا بتصرف-:"وما أشعر به كلامه من التفرقة بين الضعيف وغيره فيه نظر. والتحقيق التمييز لمن له أهلية النظر، وردّ المسكوت عليه إلى ما يليق بحاله من صحةٍ وحسنٍ وغيرهما كما هو المعتمد، ورجحه هو -أي النووي- وإن كان رحمه الله قد أقرّ في مختصرَيه -أي: "الإرشاد" و "التقريب"- ابن الصلاح على دعواه هنا -أي بتحسين ما سكت عليه أبو داود-". ثم قال: "وممن لم يكن ذا تمييز؛ فالأحوط أن يقول في المسكوت عليه (صالح) كما هي عبارته"!! وانظر ما قدمناه سابقًا عن شيخنا الألباني رحمه الله تعالى.
(1)
هو محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده (ت 395 هـ) وكلامه في كتابه "شروط الأئمة"(73) قال على إثر سماعه من محمد بن سعد البارودي بمصر قوله: "كان من مذهب النسائي أن يخرِّج عن كل مَنْ لم يجمع على تركه". قال: "وكان أبو داود السِّجستاني كذلك يأخذ مأخذه، ويخرج الإسناد الضعيف؛ لأنه أقوى عنده من رأي الرجال"، فليس عنده "إذا لم يجد في الباب غيره"، مع أنها في "التقريب" للنووي، وذكرها ابن الصلاح في "علوم الحديث"(ص 33/ 34) وهي في "النكت على ابن الصلاح"(1/ 322) و "توضيح الأفكار"(1/ 211).
ونقل المنذري في "مختصر سنن أبي داود"(8/ 149) عن ابن منده قوله: "إن شرط أبي داود إخراج حديث قوم لم يجمع على تركهم إذا صحّ الحديث باتصال الإسناد من غير قطع ولا إرسال".