الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35 - باب: البول في الماء الراكد
يعني: باب النهي عنه.
69 -
(صحيح) حدثنا أحمد بن يونس قال: ثنا زائدة في حديث هشام، عن محمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يَبُولن أحدكم في الماء الدائم، ثم يغتسل منه"
(1)
.
70 -
(حسن صحيح) حدثنا مُسدد، قال: حدثنا يحيى، عن محمد ابن عجلان، قال: سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَبُولَنَّ أحدكم في الماء الدَّائمِ، ولا يغتسل فيه من الجنابة"
(2)
.
حديث أبي هريرة الأول في "الصحيحين"، والثاني في مسلم خاصة، وفي اسم أبي هريرة أقوال: أصحُّها أنه عبد الرحمن بن صخر
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري (239)، ومسلم (282).
(2)
أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 238).
وأخرجه أحمد في "المسند"(2/ 433)، وأبو عبيد في "الطهور"(160)، وابن حبان في "صحيحه"(4/ 68) من طريق يحيى القطان به.
وله طريق أخرى من حديث أبي هريرة عند مسلم (283) بلفظ: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب" فالحديث صحيح، وانظر طرقه عن أبي هريرة في "الطهور" لأبي عبيد (160، 161، 162) مع تعليقي عليها.
(3)
قال المصنف في "تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 270): "اختلف في اسمه اختلافًا كثيرا جدًّا" وذكر أنه على نحو ثلاثين قولاً، قال:"والأصح عند المحققين الأكثرين ما صححه البخاري وغيره من المتقنين أنه عبد الرحمن بن صخر".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه"، هو برفع (يغتسل)، هكذا الرواية فيه بالرفع، ومعناه: ثم هو يغتسل منه؛ أي: شأنه الاغتسال منه، ومعناه: النهي عن البول فيه سواء أراد الاغتسال منه أم لا، وقيل
(1)
: يجوز جزمه عَطْفًا على (لا يبولن)، ونصب على تقدير أن (ثم) بمعنى واو الجمع، وتجويز النصب فاسد، فإنه يقتضي أن المنهي عنه الجمع بينهما دون إفراد أحدهما
(2)
، كقوله:
(1)
هذا قول شيخ الشارح الإمام في العربية ابن مالك الطائي، قال في كتابه "شواهد التوضيح والتصحيح" (ص 164):
"قلت: يجوز في "ثم يغتسل" الجزم عطفًا على "يبولن" لأنه مجزوم الموضع بـ (لا) التي للنهي، ولكنه بني على الفتح لتوكيد النون.
ويجوز فيه الرفع على تقدير: ثم هو يغتسل فيه.
ويجوز فيه النصب على إضمار (أن) وإعطاء (ثم) حكم واو الجمع.
ونظيره "ثم يغتسل" في جواز الأوجه الثلاثة، قوله تعالى:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ (100)} [النساء: 100]. فإنه قُرِئ بجزم يدركه ورفعه ونصبه، والجزم هو المشهور، والذي قرأ به السبعة، وأما الرفع والنصب، فشاذان".
قلت: وما ذهب إليه من جواز النصب بـ (أن) مضمرة بعد (ثم) هو رأي الكوفيين، خلافًا للبصريين فإنهم لا يجيزون ذلك.
ولذا قال ابن هشام في "مغني اللبيب"(1/ 119) متعقِّبًا النووي: "فتوهم تلميذه الإمام أبو زكريا رحمه الله أن المراد إعطاؤها حكمها في إفادة معنى الجمع"، قال منتصرًا لابن مالك:
"وإنما أراد ابن مالك إعطاءها حكمها في النَّصب، لا في المعية أيضًا، ثم ما أورده إنما جاء من قبل المفهوم لا المنطوق، وقد قام دليل آخر على عدم إرادته"، وانظر ما سيأتي قريبًا.
انظر: "مغني اللبيب"(1/ 119)، "شرح التصريح على التوضيح"(2/ 252).
(2)
ضعفه ابن دقيق العيد في "الإحكام"(1/ 23) و"شرح الإلمام"(1/ 364) بأنه لا يلزم أن لا يدل على الأحكام المتعددة لفظ واحد، فيؤخذ النهي عن =
"لا تأكل السمك وتشرب اللبن"؛ أي: لا تجمعهما، والمراد هنا: النهي البول فيه، سواء أراد الاغتسال منه أم لا، وهذا ظاهر لا خلاف فيه
(1)
. ووقع هنا وفي "مسلم": "ثم يغتسل منه" بالميم، وفي البخاري:
= الإفراد من حديث آخر، وساق كلامه العراقي في "طرح التثريب"(2/ 31)، وابن حجر في "الفتح"(تحت 238)، والسيوطي في "عقود الزبرجد"(2/ 324)، والكرماني في "شرح البخاري"(3/ 92 - 93) على إثر كلام النووي المذكور هنا.
(1)
نعم هو كذلك لأمور:
أولاً: النصب مذكرر عن النحاة من باب التجويز، لا من باب الرواية، وسبق بيانه.
ثانيًا: في الرواية "ثم يغتسلُ" قال ابن حجر في "الفتح"(تحت 238): "بضم اللام على المشهور" فالعدول عنها لا مسوغ له.
قال أبو أبو العباس القرطبي في "المفهم"(1/ 541 - 542): "قوله: "ثم يغتسل منه" الرواية الصحيحة: "يغتسلُ" برفع اللام، ولا يجوز نصبها، إذ لا ينتصب بإضمار (أن) بعد (ثم). وبعضُ الناس قيده: "ثم يغتسلْ" مجزومة اللام على العطف على: "لا يبولن"، وهذا ليس بشيء، إذ لو أراد ذلك لقال: ثم لا يغتسلنّ؛ لأنه إذ ذاك يكون عطف فعل على فعل، لا عطف جملة على جملة، وحينئذٍ يكون الأصل مساواة الفعلين في النهي عنهما، وتأكيدهما بالنون الشديدة، فإن المحلَّ الذي توارد عليه هو شيء واحد، وهو الماء؛ فعدوله عن "ثم لا يغتسلنّ" إلى "ثم يغتسل" دليل على أنه لم يرد العطف، وإنما جاء: "ثم يغتسل" على التنبيه على مآل الحال، ومعناه: أنه إذا بال فيه قد يحتاجُ إليه، فيمتنع عليه استعماله، لما وقع فيه من البول، وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يضرب أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعُها" برفع (يضاجعها)، ولم يروه أحد بالجزم؛ ولا يتخيله فيه؛ لأن المفهوم منه: أنه إنما نهاه عن ضربها؛ لأنه يحتاج إلى مضاجعتها في ثاني حال، فتمتنع عليه لما أساء من معاشرتها؛ فيتعذر عليه المقصود لأجل الضرب. وتقدير اللفظ: ثم هو يضاجعها، وثم هو يغتسل".
ثالثًا: ورد في "صحيح مسلم" وغيره النهي عن البول الراكد من حديث =
"فيه" بالفاء
(1)
.
وفي الحديثين: النهي عن البول في الماء الدائم -وهو الراكد-، وقد أطلق جماعة أن هذا النهي كراهة تنزيه، والمختار أنه يحرم؛ لأنه يقذِّره، وقد يؤول إلى أن يتغير بالنجاسة فيصير نجسًا بالإجماع، مع أن مطلق النهي محمولٌ على التحريم
(2)
.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يغتسل فيه من الجنابة" فالمراد أنه مكروه كراهة تنزيه، وقد نص الشافعي وغيره على أنه مكروه كراهة تنزيه
(3)
.
= جابر، والنهي عن الاغتسال في الماء الدائم، وهو جنب، دون تعرض للبول، فورود النهي منفردًا، والاغتسال منفردًا، وعن الجمع بينهما، يضعف معنى توجيه النصب، إلا كما أسلفناه من باب التجويز اللغوي؛ لأن الحكم الشرعي لا يؤخذ من نص واحد استقلالاً، والأصل إعمال ما ورد في الباب لا الإهمال.
وانظر للاستزادة: "شرح النووي على صحيح مسلم"(3/ 187)، "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" لابن الملقن (1/ 272 - 376) وبنحو ما عند المصنف في "شرح العيني على سنن أبي داود"(1/ 207).
(1)
قال ابن دقيق العيد في "الإحكام"(1/ 24): "ومعناهما مختلف، يفيد كل واحد منهما حكمًا بطريق النص، وآخر بطريق الاستنباط".
وبيانه: أن الرواية التي بلفظ "منه" تدل على منع التناول بالنص، وعلى منع الانغماس بالاستنباط، والرواية التي يلفظ "فيه" بالعكس؛ أي: تدل على منع الانغماس بالنص، وعلى منع التناول بالاستنباط.
وانظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"(1/ 271).
(2)
المختار في هذه المسألة: تحريم البول في الماء القليل، إن لم يتغيّر -جاريًا كان أو راكدًا-، والكراهة في الكثير الجاري إن لم يتغيّر، فإن تغير حرم، قاله ابن الملقن في "الإعلام"(1/ 277).
(3)
مذهب الكراهة، هو مذهب المالكية، انظر:"مواهب الجليل"(1/ 76)، "منح الجليل"(1/ 39)، "الخرشي"(1/ 176). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
…
= وهو مذهب الحنابلة، انظر:"الإنصاف"(1/ 44، 98)، "الفروع"(1/ 116).
وينظر لمذهب الشافعية: "المجموع"(2/ 227).
ودليل هذا القول: إن بدن الجنب طاهر، والماء طاهر، فلا يمكن أن ينجس الماء بملاقاة البدن الطاهر، فكان النهي لمعنى آخر غير معنى تنجس الماء.
وذهب أبو حنيفة إلى حرمة اغتسال الجنب في الماء الدائم.
انظر: "البناية شرح الهداية"(1/ 316)، "بدائع الصنائع"(1/ 67)، وهو الذي نصره ابن حزم في "المحلى"(1/ 203) ورأى أن الغسل في هذه الحالة لا يجزيء!
وفي المسألة أقوال أخرى، تنظر في:"فتح الباري"(1/ 347)، "المنتقى"(1/ 108) للباجي، ومنهما يظهر رجحان ما ذكره المصنف، وينظر له "الأحكام"(1/ 25) لابن دقيق العيد، "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"(1/ 281).