المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌40 - باب: الوضوء بماء البحر - الإيجاز في شرح سنن أبي داود - النووي

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقّق

- ‌ صحة نسبة الكتاب للإمام النووي:

- ‌ نقولات العلماء من "شرح النووي على سنن أبي داود

- ‌ إلى أين وصل النووي رحمه الله في "شرح سنن أبي داود

- ‌ نقولات ابن رسلان الرملي في شرحه "سنن أبي داود"، المسمى "صفوة الزبد" عن الإمام النووي:

- ‌ نقولات السيوطي في شرحه على "سنن أبي داود" المسمى "مرقاة الصعود

- ‌ توصيف النسخة الخطية المعتمدة في التحقيق:

- ‌ عملي في التحقيق:

- ‌1 - فصل

- ‌2 - فصل

- ‌3).3 -فَصل

- ‌1 - باب: التخلِّي عند قضاء الحاجة

- ‌2 - باب: الرجل يَتَبَوَّأ لبوله

- ‌3 - باب: ما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌4 - باب: كراهية استقبال القبلة عند الحاجة

- ‌5 - باب: الرخصة

- ‌6 - باب: كيف التكشف عند الحاجة

- ‌7 - باب: كراهة الكلام عند الخلاء

- ‌8 - باب: أَيَرُدُّ السلام وهو يبول

- ‌9 - باب " الرجل يذكر الله سبحانه على غير طهر

- ‌10 - باب: الخاتمُ يكون فيه ذكرُ الله تعالى يُدخَلُ به الخلاءُ

- ‌11 - باب: الاستنزاه من البول

- ‌13 - باب: البول قائما

- ‌13: باب: في الرجل يبول بالليل في الإناء، ثم يضَعُه عنده

- ‌14 - باب: المواضع التي نهي عن البول فيها

- ‌15 - باب: في البول في المستحم

- ‌16 - باب: النهي عن البول في الجُحْر

- ‌17 - باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء

- ‌18 - باب: كراهة مس الذكر باليمين في الاستبراء

- ‌19 - باب: الاستتار في الخلاء

- ‌20 - باب: ما ينهى أن يُستَنجى به

- ‌21 - باب: الاستنجاء بالأحجار

- ‌22 - باب: في الاستبراء

- ‌33 - باب: الاستنجاء بالماء

- ‌24 - باب: يَدْلُك يده بالأرض إذا اسْتَنجى

- ‌25 - باب: السواك

- ‌26 - باب: كيف يستاك

- ‌27 - باب: الرجل يستاك بسواك غيره

- ‌28 - باب: غسل السواك

- ‌29 - باب الفطرة

- ‌30 - باب: فرض الوضوء

- ‌31 - باب: الرجل يُجدِّد الوضوء من غير حَدَثٍ

- ‌32 - باب: ما ينجِّس الماء

- ‌33 - باب: ذكر بئر بُضاعة

- ‌34 - باب: الماء لا يُجنِبُ

- ‌35 - باب: البول في الماء الراكد

- ‌36 - باب الوضوء بسُؤر الكلب

- ‌37 - باب: سؤر الهر

- ‌38 - باب: الوضوء بفضل وضوء المرأة

- ‌39 - باب: في النهي عن ذلك

- ‌40 - باب: الوضوء بماء البَحْر

- ‌41 - باب: الوضوء بالنبيذ

- ‌42 - باب: أيصلّي الرجل وهو حاقن

- ‌43 - باب: ما يُجْزيء من الماء في الوضوء

- ‌44 - باب: إسباغ الوضوء

- ‌45 - باب: الوضوء في أنية الصُّفْر

- ‌46 - باب: التسمية على الوضوء

- ‌47 - باب: الرجل يُدْخِل يده في الإناء قبل أن يغسلها

الفصل: ‌40 - باب: الوضوء بماء البحر

‌40 - باب: الوضوء بماء البَحْر

83 -

(صحيح) حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن صفوان بن سُليم، عن سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق، قال: إن المغيرة بن أبي بُردة -وهو من بني عبد الدار- أخبرهُ، أنه سمع أبا هريرة يقول: سأل رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عَطِشنا، أفنتوضأُ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هو الطَّهور ماؤه الحِل مَيْتَتُهُ"

(1)

.

(1)

أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 22) رقم (12)، ومن طريقه الشافعي في "الأم"(1/ 16)، و"المسند"(8/ 335 - مع الأم)، ومحمد بن الحسن في "الموطأ" رقم (46)، وابن أبي شيبة (1/ 131)، وفي "المسند" كما في "نصب الراية"(1/ 96)، وأحمد (2/ 237 و 361 و 393)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 478)، والنسائي في المجتبى (1/ 176)(7/ 207)، وفي "الكبرى" رقم (67)، والترمذي (1/ 100 - 101) رقم (69)، وابن ماجه (386)، والدارمي (1/ 186)، (2/ 91)، وابن خزيمة (111)، وأبو عبيد في "الطهور"(رقم 231 - بتحقيقي)، وابن حبان رقم (119 - موارد الظمآن)، وابن المنذر في "الأوسط"(1/ 247)، وابن الجارود (43)، والدارقطني (1/ 36)، والحاكم (1/ 140 - 141)، وفي "معرفة علوم الحديث"(ص 87)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 3)، و"السنن الصغرى"(1/ 36) رقم (155)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 55 - 56) وقم (281)، والجوزقاني في "الأباطيل والمناكير"(1/ 346)، وقال:"إسناده متصل ثابت". وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". ونقل =

ص: 345

حديث الباب صحيح، والسائل عن ماء البحر اسمه عُبَيْدٌ، وقيل: عبد، وممن حكى الوجهين فيه الحافظ أبو موسى الأصبهاني

(1)

، وأما

= عن البخاري تصحيحه لهذا الحديث، وصححه المصنف هنا وفي "المجموع"(1/ 82)، وفي "خلاصة الأحكام"(1/ 63).

وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن السكن وابن المنذر والخطّابي

والطحاوي وابن منده وابن حزم والبيهقي وعبد الحق وابن الأثير وابن الملقن والزّيلعي وابن حجر والشوكاني والصنعاني وأحمد شاكر وشيخنا الألباني.

(لطيفة) قال ابن ماجه (3246): "بلغني عن أبي عبيد الجواد أنه قال: "هذا نصف العلم؛ لأن الدنيا بر وبحر، فقد أفتاك في البحر وبقي البر".

انظر: "التمهيد"(2/ 77)، و"نصب الراية"(1/ 95)، و"التلخيص الحبير"(1/ 9)، و"خلاصة البدر المنير" رقم (1)، و"تحفة المحتاج" رقم (3)، و"البناية شرح الهداية"(1/ 297)، وتعليق شاكر على "جامع الترمذي"(1/ 101)، و"نيل الأوطار"(1/ 71)، و"سبل السلام"(1/ 51)، و"إرواء الغليل"(1/ 42)، و"البدر المنير"(2 - 5).

وقال الإمام الشافعي في هذا الحديث: "هذا الحديث نصف علم الطّهارة".

انظر: "المجموع"(1/ 84).

(1)

قال المصنّف في "تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 315): "اسم هذا السائل: عبيد، وقيل: عبد، قال أبو موسى الأصبهاني في كتابه "معرفة الصحابة": قال ابن منيع: بلغني أن اسمه عبد، وأورده الطبراني فيمن اسمه عبيد، وذكره أبو نعيم الأصبهاني في كتابه "معرفة الصحابة" فيمن اسمه عبيد" انتهى، وبنحوه في "الإشارات"(ص 592 رقم 244)، له، وهو من استدراكه على الخطيب.

وقول ابن منيع عند ابن الأثير في "أسد الغابة"(3/ 336)، ووصف في رواية عند ابن بشكوال في "غوامض الأسماء المبهمة" (2/ 556) بأنه (عبد العركي) وترجمه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (4/ 1914) ترجمة رقم (1962):"العركي" وقال: "قيل: إن اسمه عُبيد، أخرجه الطبراني فيمن اسمه عبيد" وأورد هذا الحديث من (مسنده)، ولا يوجد في مطبوع "المعجم الكبير" للطبراني هذه الترجمة، وفي دار الكتب المصرية:"البدر المنير بترتيب أحاديث المعجم الكبير" للهيثمي، وأورد فيه أسانيد الطبراني، وهو قيد =

ص: 346

قول ابن السَّمعاني في "الأنساب"

(1)

اسمه: العَرَكي -بفتح العين والراء- ففيه إيهامٌ أنه اسم عَلَمِ له، وليس كذلك، بل العركي وصف له، وهو ملاَّح السفينة

(2)

.

وسُمِّي البحر لسعته واتساعه

(3)

، وقيل: لأنه مشقوق

(4)

، وَمَيْتَتُهُ: بفتح الميم.

= التحقيق من قبل مجموعة من الطلبة في بعض الجامعات المغربية.

وسمي في رواية عند ابن بشكوال (2/ 556) رقم (185) بـ (عبد الله المدلجي)، وأخرجها الطبراني في "الكبير"، وفي إسناديهما عبد الجبار بن عمر، ضعفه البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والنسائي، ووثقه ابن سعد، وانظر "مجمع الزوائد" (1/ 225) وقال ابن حجر في "الإصابة" (4/ 194):"قال البغوي: بلغني أن اسمه عبدود".

(1)

"الأنساب"(4/ 182).

(2)

قال النووي في "الإشارات إلى بيان الأسماء المبهمات"(ص 592/ رقم 244): "لم يذكر الخطيب هذا الحديث. قال السمعاني في "الأنساب": اسم هذا الرجل (العركي) -بفتح العين والراء- كذا قاله السمعاني، وغلط في قوله: اسمه (العركي)، وإنما (العركي) وصف، وهو ملاح السفينة، وإنما اسمه عبيد، قاله الطبراني وأبو نعيم. وقال ابن منيع: بلغني أن اسمه عبيد".

وعبارته في "تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 315) أدق وألين -من هنا- ومستند هذا القول: ما أخرجه الطبراني -وعنه أبو نعيم في "المعرفة"(4/ 1912) - بسنده إلى العركي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم

الحديث، وإسناده حسن، كما في "المجمع"(1/ 215).

وانظر: "تجريد أسماء الصحابة"(1/ 361)، "المستفاد من مبهمات المتن والإسناد" (1/ 163) وفيه تعقب السمعاني بمثل عبارة النووي السابقة في الهامش وأثبت ناسخ أصله على "غلط" ما نصه:"يمكن أن نقول: إنه -أي العركي- اشتهر به، حتى صار علمًا له بالغلبة".

(3)

انظر "التوقيف على مهمات التعريف"(1/ 166).

(4)

قال المصنف في "تحرير ألفاظ التنبيه"(171) "البحر: من البحر وهو =

ص: 347

وفي هذا الحديث فوائد، منها: جواز الطهارة بماء البحر

(1)

، وبه قال جميع العلماء

(2)

إلا ابن عمر

(3)

وابن عمرو

(4)

= الشَّقّ، ومنه: البحيرة: مشقوقة الأذن، وقيل: من الاتساع، ومنه: فلان بحر؛ أي: واسع العطاء والجود، والفرس بحرة أي: الجري".

وانظر: "العين"(3/ 220)، "لسان العرب"(4/ 441 - 443)، "والقاموس المحيط"(1/ 442) جميعها مادة (بحر).

(1)

قال البغوي في "شرح السنة"(2/ 56): "في هذا الحديث فوائد، منها: أن التوضؤ بماء البحر يجوز مع تغير طعمه ولونه، وهو قول أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعامة العلماء، وكذلك على ما نبع من الأرض على أي لون وطعم كان، جاز الوضوء، وكذلك ما تغير بطول المكث في المكان".

قال أبو عبيدة: نعم، هو كذلك ما لم يسلب خواص الماء كالبحر الميت، فإنه ملح أجاج، وفي استخدامه في الوضوء نظر، فليتأمل.

(2)

حكى الإجماع جمع، منهم: ابن المنذر في "الإجماع"(33)، وابن عبد البر في "التمهيد"(16/ 221)، وابن دقيق العيد في "الإحكام"(1/ 22)، وابن القطان في "الإقناع"(1/ 160).

(3)

صح عنه قوله: "التيمم أحب إلي من ماء البحر"، أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 122)، وعبد الرزاق (8/ 3)، وأبو عبيد في "الطهور"(248)، وابن المنذر في "الأوسط"(1/ 249).

وكأني بابن العربي يرده في "القبس"(1/ 142)، لما قال:"قد ركبت الصحابة البحر من عهد النبي صلى الله عليه وسلم ركوبًا، فما روي عن أحد منهم أنه احتمل ترابًا للتيمم".

(4)

صح عنه قوله: "ماء البحر لا يجزيء من وضوء ولا جنابة" أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 22)، وعبد الرزاق (1/ 93)، وابن المنذر (1/ 250)، وأبو عبيد في "الطهور"(247)، والجوزقاني في "الأباطيل"(1/ 345)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 334)، وأعله الجوزقاني بمحمد بن المهاجر! وكذا صنع ابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 279) وهو لم ينفرد به، ولذا تعقبه غير واحد، وانظر:"اللآليء المصنوعة"(2/ 2 - 3)، "تنزيه الشريعة"(1/ 69)، "الفوائد المجموعة"(ص 6) والتعليق عليه.

ص: 348

وسعيد بن المسيب

(1)

.

ومنها: أنَّ الماء إذا خالطه ما أزال عنه اسم الماء المطلق لم تَجُزْ الطهارة به

(2)

، هذا مذهب الشافعي والجمهور

(3)

، وجوَّزه أبو

(1)

حكى المصنف في "المجموع"(1/ 137)، وابن قدامة في "المغني"(1/ 15 - 16)، وابن العربي في "القبس"(1/ 141)، وابن الملقن في "البدر المنير"(2/ 44)، وابن الأثير في "الشافي"(1/ 66) وغيرهم مذهب السابقين، وعند بعضهم -كالمصنف- مذهب ابن المسيب. وأخرج ابن أبي شيبة (1/ 122)، وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 250) عنه:"إذا أُلجئت إلى البحر فتوضأ منه، أو فلا بأس به"، وفي هذا دلالة على أنه طاهر عنده.

وحكي هذا المذهب عن أبي هريرة، فأسنده ابن أبي شيبة (1/ 122)، وأبو عبيد في "الطهور"(246)، والجوزقاني في "الأباطيل"(1/ 344 - 345)، وسعيد بن منصور في "سننه" -كما في "إعلام الموقعين"(4/ 405 - 406 - بتحقيقي) - وفيه راوٍ مبهم، فهو مما لم يثبت عنه.

وانظر: "الموضوعات"(3/ 279)، "اللآليء المصنوعة"(2/ 2 - 3)، "تنزيه الشريعة"(1/ 69)، "الفوائد المجموعة"(ص 6 - 7).

وأثر هذا المذهب عن أبي العالية رفيع بن مهران، كما عند ابن أبي شيبة (1/ 122) وفي إسناده من تكلم فيه.

ويعجبني كلام الزرقاني في "شرح الموطأ"(1/ 52): "التطهير بماء البحر حلال كما عليه جمهور السلف والخلف، وما نقل عن بعضهم من عدم الإجزاء به مزيف أو مؤوَّل، بأنه أراد بعدم الإجزاء على وجه الكمال عنده"، وارتضاه المباركفوري في "تحفة الأحوزي" 1/ 192) وقال قبله:"لم يقم على الكراهية دليل صحيح". وانظر: "المعيار في علل الأخبار"(1/ 59).

(2)

ينظر: لو نقل ماء من البحر، فوجد فيه طعم زبل، أو لونه، أو ريحه، هل يحكم بنجاسته؟ قال البغوي في "تعليقه" بنجاسته، وانظر:"الإقناع"(1/ 81)، "حاشية البجيرمي"(1/ 281).

(3)

انظر: "الأم"(1/ 3)، "المجموع"(1/ 124 - 125)، "نهاية المحتاج" =

ص: 349

حنيفة

(1)

، وموضع الدلالة للجمهور أنه شكّوا في جواز الطهارة بماء البحر من أجل ملوحته، فسألوا عنه؛ فلو لم يكن التغير في الجملة مؤثرًا لم يسألوا

(2)

.

= (1/ 52)، "قوانين الأحكام الشرعية"(ص 49)، "بداية المجتهد"(1/ 21)، "الإنصاف"(1/ 22)، "شرح منتهى الإرادات"(1/ 14).

(1)

انظر: "البداية"(1/ 18)، "شرح فتح القدير"(1/ 169)، "بدائع الصنائع"(1/ 84)، "البحر الرائق"(1/ 233)، "تبيين الحقائق"(1/ 69)، "فتح باب العناية"(1/ 237)، "حاشية ابن عابدين"(1/ 309). والمسألة مبسوطة مع أدلتها في "الخلافيات"(1/ 127 - 192) للبيهقي.

(2)

ويستفاد ذلك أيضًا، من قوله صلى الله عليه وسلم:"هو الطهور ماؤه"، ولم يجب بقوله - مثلاً-:"نعم"، وأوضح ابن الأثير في "الشافي في شرح مسند الشافعي"(1/ 64) وجهة الدلالة بكلام بديع، وتبعه جمع، منهم: الزرقاني في "شرحه على الموطأ"(1/ 53) والسهارنفوري في "بذل المجهود"(1/ 315) والعظيم آبادي في "عون المعبود"(1/ 153) والمباركفوري في "تحفة الأحوذي"(1/ 225 - 226)، ونص كلام ابن الأثير:

"وفي جواب النبي صلى الله عليه وسلم هذا السائل بقوله: "هو الطهور ماؤه، الحل

" بلاغة معروفة من كلامه، وفصاحةٍ خاصةٍ بألفاظه، فإنه لو قال له في الجواب: نعم. لم يحل للسائل غرضه، لكنه صلى الله عليه وسلم عدل عن هذا الجواب إلى الجواب الذي أتى بالغرض على أكمل وجه مقرونًا بعلة الجواز، وهي الطهورية المتناهية في مائه، ثم إنه قدم الطهارة على الماء، فقال: "هو الطهور ماؤه" ولم يقل: ماؤه الطهور؛ لأنه في هذا المقام أشد عناية بذكر الوصف الذي اتصف به الماء، وجاز الوضوء به، وهو الطهورية، دون ذكر الماء، فقدم في الذكر الأهم عنده والأحوج إليه. فانظر إلى ما في هذا الجواب السديد من الفائدة التي في قوله: "نعم"، هذا إلى ما كان يجوز أن يحمل لفظة "نعم" عليه من أن ذلك إنما أجازه رخصة لهذا السائل ولمن كان في حاله ممن معه القليل من الماء، وأنه مع كثرة الماء لا يجوز الوضوء به، وهذا الاحتمال من النبي صلى الله عليه وسلم منتف بذكر العلة في جواز الوضوء به، وأن ذلك وصف لازم له، سواء قلَّ الماءُ مع المسافرين فيه أو كثر".

ص: 350

ومنها: أن الطهور هو المطهِّر، وهو مذهب الشافعي والجمهور

(1)

، وقال أصحاب أبي حنيفة: هو الطاهر

(2)

. حجة الجمهور: أنهم سألوا عن طهوريته لا عن طهارته.

ومنها: أن ميتات البحر

(3)

كلها حلال إلاَّ الضِّفْدَع، لدليلٍ خصَّها

(4)

، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا.

ومنها: أن السمك الطافيء: هو الذي مات في البحر بغير سبب؛ حلالٌ، وهو مذهب الشافعي والجمهور

(5)

، وقال أبو حنيفة: لا يحلُّ

(6)

؛

(1)

انظر: "المجموع"(1/ 129 - 130)، و"التحقيق"(36) كلاهما للنووي، "المغني"(1/ 18)، "الشافي في شرح مسند الشافعي"(1/ 62 - 63)، "إحكام الأحكام"(1/ 22) لابن دقيق العيد.

(2)

ولذا يرون جواز إزالة النجاسات بما سوى الماء من المائعات، وأنه يطهر كذلك.

انظر: "الهداية"(1/ 18)، "مجمع الأنهر"(1/ 27)، "بدائع الصنائع"(1/ 184)، "تحفة الفقهاء"(1/ 125)، "حاشية ابن عابدين"(1/ 39).

(3)

فيه دليل على أن السمك لا ذبح فيه، لإطلاق اسم الميتة عليه.

(4)

يشير إلى ما ورد عند أبي داود (3871، 5269)، والنسائي (7/ 210)، وأحمد (3/ 453، 499)، والطيالسي (1083)، وعبد بن حميد (313)، وابن أبي شيبة (8/ 92)، والدارمي (2/ 88)، والحاكم (4/ 410 - 411)، والبيهقي (9/ 318)، والخطيب (5/ 199)، وغيرهم -وهو حديث صحيح- أن طبيبًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضِفْدِع يجعلها في دواء، فنهاه عن قتلها.

قال النووي في "المجموع"(9/ 35): "الصحيح المعتمد أن جميع ما في البحر تحل ميتته إلا الضفدع".

(5)

انظر: "المجموع"(9/ 33)، "حاشية الدسوقي"(1/ 57)، "بلغة السالك"(1/ 22)، "كشاف القناع"(1/ 191)، "الفروع"(1/ 250)، "المبدع"(1/ 247).

(6)

انظر: "بدائع الصنائع"(6/ 178)، "البحر الرائق"(1/ 94)، =

ص: 351

ومنها: أن ركوب البحر جائز ما لم يَهج، ويغلب على الظن الهلاك

(1)

.

ومنها: أن المفتي إذا سُئل عن شيءِ، وعلم أن بالسائل حاجة إلى أمرٍ آخر متعلّق بالمسألة؛ يستحب له أن يذكره له ويعلمه إياه؛ لأنه سأل عن ماء البحر فأجيب بمائه وحكم ميتته؛ لأنهم يحتاجون إلى الطعام كالماء، وإذا جهلوا كونه مطهرًا فجهالتهم حِلُّ ميتته أوْلى

(2)

، وبها نظائر

= "الاختيار"(1/ 34)، "النافع الكبير"(77، 79)، "شرح العيني على سنن أبي داود"(1/ 332 - 333).

(1)

انظر في ركوب البحر: "مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 135 و 5/ 336)، و"مصنف عبد الرزاق"(11/ 149)، و"سنن سعيد بن منصور"(2/ 185 - 187)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (4/ 334 - 335)، و"مجمع الزوائد"(4/ 64)، و"فتح الباري"(4/ 299)، و"القرى لقاصد أم القرى"(67 - 68)، و"إتحاف السادة المتقين"(4/ 513)، و"تفسير القرطبي"(2/ 190 و 7/ 341)، و"أحكام القرآن" للجصاص (1/ 131)، و"السلسلة الضعيفة"(1/ 492) و"إسعاف أهل العصر بأحكام البحر"(411 - 428)، و"الأحاديث الواردة في البحر"(14، 68، 121، 132، 141) وكتابي "المروءة وخوارمها"(108) وغيرها كثير.

(2)

أشار إلى هذه النكتة جماعة قبل النووي، منهم: الخطابي في "معالم السنن"(1/ 43 - 44) والرافعي -فيما حكاه المصنف عنه في مقدمة "المجموع"(1/ 83) -، وابن العربي في "عارضة الأحوذي"(1/ 88 - 89)، وابن الأثير في "الشافي" (1/ 64 - 65) -وعبارته:"لما أجاب صلى الله عليه وسلم السائل عن سؤاله، أضات إليه جوابًا على شيء ولم يسأله عنه، فقال صلى الله عليه وسلم: "الحل ميتته"؛ لأنه لما سأله عن ماء البحر، فأجابه، رأى من المصلحة لهذا السائل أن يعرفه لهم في طعام البحر، لعلمه أنهم قد يعرض لهم إذا ركبوا البحر قلة الزاد، كما أعوزهم الماء العذب، فلما جمعتهم الحاجة إليهما جمع الجواب عنهما، وأبان عن الحكم فيهما، ولأن علم طهارة ماء البحر أمر ظاهر عند =

ص: 352

كثيرة في الأحاديث

(1)

.

= الأكثرين، وعلم حال ميتة البحر وكونها حلالاً مشكل في الأصل؛ فلما رأى السائل جاهلاً بأظهر الأمرين، علم أن أخفاهما بالبيان أولاهم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أعلمهم بطهارة ماء البحر، وقد علم أن في البحر حيوانًا قد يموت فيه، -والميتة نجس- احتاج أن يظهر أن حكم هذا النوع من الميتة حلال بخلاف سائر الميتات، وألا يتوسموا أن ماءه ينجس بحلولها فيه، وفي إضافة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجواب جوابًا عما لم يسأل عنه دليل على جواز أمثاله من الزيادات في الأجوبة إذا كانت حال السائل كحال السائل، فإن ذلك تعربف بطرق الرشاد، وهداية إلى منهاج الصلاح"-.

وانظر أيضاً: "المجموع"(1/ 83)، "إعلام الموقعين"(6/ 45 بتحقيقي)، "فتح الباري"(1/ 279)، "فتح العلام"(50) لزكريا الأنصاري، "تحفة الأحوذي"(1/ 226).

(1)

كالمسيء صلاته، فابتدأ صلى الله عليه وسلم فعلمه الطهارة، ثم علمه الصلاة، وذلك -والله أعلم- لأن الصلاة شيء ظاهر تشتهيه الأبصار، والطهارة أمر يستخلي به الناس في ستر وخفاء، فلما رآه صلى الله عليه وسلم جاهلاً بالصلاة حمل أمره على الجهل بأمر الطهارة، فعلمه إياها. أفاده الخطابي في "معالم السنن"(1/ 44).

وفي الحديث فوائد أخري غير المذكورة، مثل: إن العالم إذا تفرد بالجواب يتعين عليه ذلك، وأنه يجب على كل أحد أن يسأل أهل العلم عما لا يعلمه، أو يتردد فيه.

ص: 353