الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
33 - باب: الاستنجاء بالماء
أي: باب استحباب الاستنجاء بالماء.
43 -
(صحيح) حدثنا وهب بن بقية، عن خالد -يعني: الواسطي- عن خالد -يعني: الحذَّاء-، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطًا، ومعه غلامٌ معه ميضأةٌ، وهو أصغرنا، فوضعها عند السدرة، فقضى حاجته فخرج علينا، وقد استنجى بالماء
(1)
.
حديث أنس صحيح على شرط مسلم
(2)
.
قوله: "خالد الحذّاء"، لم يكن حذّاءً، ولكن كان يجلس إليهم، هذا قول الجمهور
(3)
، وقال السمعاني
(4)
: "تزوج امرأةً فنزل عليها في الحذائين"، وقال فهد بن حيان:"قيل له: الحذاء؛ لأنه كان يقول: احذو على هذا النحو"
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري (150، 151، 152/ 217)، ومسلم (271) من طريق شعبة عن عطاء بن أبي ميمونة به.
(2)
بل هو في "الصحيحين"، كما قدمناه، وهو في "صحيح مسلم"(270) عن يحيى بن يحيى أخبرنا خالد بن عبد الله الواسطي به.
(3)
قال عنه في "شرح صحيح مسلم"(1/ 300 و 2/ 358): "هذا هو المشهور".
(4)
"الأنساب"(2/ 190).
(5)
طبقات ابن سعد (7/ 260)، و"تهذيب الكمال"(8/ 181)، و"شرح صحيح مسلم" للمصنف (1/ 300 و 2/ 158).
قوله: "عن أنسٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ حَائطًا ومعه غُلامٌ معه ميضأة، وهو أصغرُنا
…
" إلى آخره.
الحائط هنا: هو البستان للنخل إذا كان له جدار، وجمعه حوائط
(1)
.
وأما الميضأة: فبكسر الميم وبهمزة بعد الضاد، وهو إناء يسع ماء الوضوء، يشبه المطهرة
(2)
، مشتقة من الوضاءة وهي النظافة، ومنها الوضوء
(3)
.
فيه استحباب الاستنجاء بالماء، وجواز حمل الخادم الماء إلى المغتسل ولا كراهة فيه، وأن الأدب أن يتولّى ذلك الصغار.
وفيه رَدٌّ على طائفة من السلف كرهوا الاستنجاء بالماء
(4)
قال
(1)
قال المصنف في "شرح صحيح مسلم"(1/ 322): "سمّي بذلك لأنه حائط لا سقف له"، وفيه (3/ 208) عند شرح هذا الحديث:"وأما الحائط فهو البستان".
(2)
قال في "شرح صحيح مسلم"(3/ 208): "هي الإناء الذي يتوضأ به، كالركوة والإبريق وشبههما" وبنحوه فيه (5/ 260) أيضًا.
(3)
انظر: "تحرير ألفاظ التنبيه"(34) للمصنّف.
(4)
قال الباجي في "المنتقى"(1/ 46): "كان سعيد بن المسيب وغيره من السلف يكرهون ذلك، ويقول ابن المسيب: إنما ذلك وضوء النساء".
وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 142): حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام، عن حذيفة، قال: سئل عن الاستنجاء بالماء؟ فقال: "إذًا لا تزال في يدي نتن".
وإسناده صحيح، وقد صحح إسناده الحافظ في "الفتح"، وسيأتي كلامه.
وأخرج ابن أبي شيبة (1/ 143) حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر، عن نافع، قال:"كان ابن عمر لا يستنجي بالماء". وإسناده قوي.
وأخرج ابن أبي شيبة (1/ 142) أيضًا قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن =
الخطابي
(1)
: "وزعم بعض المتأخرين أن الماء مطعوم فكره لذلك"، قال:"والسنة تبطل قوله".
44 -
(صحيح) حدثنا محمد بن العلاء، أنا معاوية بن هشام، عن يونس بن الحارث، عن إبراهيم بن أبي ميمونة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نزلت هذه الآية في أهل قباءٍ: {فِيهَ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَرُوا} [التوبة: 108] قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية"
(2)
.
= إبراهيم، قال:"كان الأسود، وعبد الرحمن بن يزيد يدخلان الخلاء، فيستنجيان بأحجار، ولا يزيدان عليها، ولا يمسان ماء". وإسناده صحيح.
وأخرج أيضًا (1/ 142): حدثنا وكيع، عن مسعر، عن عبيد الله ابن القبطية، عن ابن الزبير؛ أنه رأى رجلاً يغسل عنه أثر الغائط، فقال:"ما كنا نفعله".
وهذا إسناد صحيح.
وقال ابن حجر في "الفتح"(حديث رقم 150) تعليقًا على ترجمة البخاري (باب الاستنجاء بالماء): "روى ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه سئل عن الاستنجاء بالماء، فقال: إذًا لا يزال في يدي نتن.
وعن نافع: أن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء، وعن ابن الزبير: ما كنا نفعله. ونقله ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء.
وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء؛ لأنه مطعوم".
(1)
"معالم السنن"(1/ 28)، وعبارته:"وزعم بعض المتأخرين أن الماء نوع من المطعوم فكرهه لأجل ذلك، والسنة تقضي على قوله وتبطله".
(2)
أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 105). وأخرجه الترمذي (3100)، وابن ماجه (357)، والمزي في "تهذيب الكمال"(32/ 502، 503)، عن محمد بن العلاء به، وإسناده ضعيف، فيونس بن الحارث ضعيف، وإبراهيم بن أبي ميمونة مجهول، قال النووي في "المجموع"(2/ 99). "رواه أبو داود والترمذي والبيهقي وغيرهم، ولم يضعفه أبو داود، لكن إسناده ضعيف، فيه يونس بن الحارث، قد ضعفه =
وأما حديث أبي هريرة المذكور في الباب، فرواه أيضًا الترمذي وابن ماجه، وإسناده ضعيف؛ فيه يونس بن الحارث، وقد ضعّفه الأكثرون
(1)
.
= الأكثرون، وإبراهيم بن أبي ميمونة، وفيه جهالة".
وضعفه ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 112) بخلاف ما في "فتح الباري"(7/ 195) فإنه صححه فيه! ونسبه السيوطي في "الدر المنثور"(4/ 288) لأبي الشيخ وابن مردويه.
وللحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحة، فقد أخرج أحمد (3/ 422)، وابن خزيمة في "الصحيح" رقم (38)(1/ 45 - 46)، والطبراني في "الكبير"(17 رقم 348) و"الأوسط"(6/ رقم 5885) و"الصغير"(2/ 23)، والحاكم في "مستدركه"(1/ 155) -وصححهُ ووافقه الذهبي-، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"(4/ 2117) رقم (5322، 5323)، وابن الأثير في "أسد الغابة"(4/ 316)، من حديث عويم بن ساعدة الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء، فقال:"إن الله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم، فما هذا الطهور الذي تطهرون به؟ " فقالوا: "والله يا رسول الله ما نعلم شيئًا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود، فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط، فغسلنا كما غسلوا". وإسناده حسن. وله شواهد أخرى ذكرها النووي في "خلاصة الأحكام"(1/ 163 - 164) و"المجموع"(2/ 99 - 100) وصحح بعضها شيخنا الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود (1/ 75 - 77)، فانظرها -غير مأمور- ففيها فوائد زوائد.
(1)
هو الثقفي الطائفي، نزل الكوفة، قال النسائي في "ضعفائه" (62):"كان ضعيفًا"، وقال أبو حاتم في "الجرح والتعديل" (9/ 237) رقم (997):"ليس بقوي"، وضعفه ابن معين كما في "تاريخ الدوري"(2/ 687)، وضعفه أحمد في "العلل"(1/ 102 و 2/ 51) لابنه عبد الله، وترجمه ابن حبان في "المجروحين"(3/ 140)، والذهبي في "المغني"(رقم 7262)، و"ديوان الضعفاء"(رقم 4828)، و"الميزان"(4 رقم 9902).
وانظر له: "طبقات ابن سعد"(5/ 521)، "الكامل في الضعفاء"(7/ 2632)، "الضعفاء" للعقيلي (4/ 461) رقم (2094)، "تهذيب الكمال"(32/ 500).
وإبراهيم بن أبي ميمونة، وفيه جهالة
(1)
.
قوله: "نزلت هذه الآية في أهل قباء {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَرُوا} [التوبة: 108] قال: كانوا يستنجون بالماء"، هذا القدرُ هو المعروف في كتب الحديث، وأما ما اشتهر في كتب التفسير والفقه، أنهم كانوا يتبعون الحجارة الماء، فلا يُعرف بهذا اللفظ في كتب الحديث
(2)
، لكن قد يستنبط معناه
(3)
من روايةٍ صحيحة
(1)
هو حجازي ما روى عنه سوى يونس بن الحارث الطائفي. قاله الذهبي في "الميزان"(1/ 69)، وقال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (4/ 105):"إبراهيم مجهول الحال"، وانظر:"الجرح والتعديل"(2/ 140)، "تهذيب الكمال"(2/ 226).
(2)
قال ابن حجر في "بلوغ المرام": "رواه البزار بسند ضعيف"، فهو وارد في كتب الحديث، فهو عند البزار في "مسنده"(150)، وفيه محمد بن عبد العزيز ضعفه أبو حاتم، وفيه أيضًا عبد الله بن شبيب ضعيف، وانظر:"التلخيص الحبير"(1/ 112).
وأعاده النووي في "المجموع"(2/ 99 - 100) وفي خلاصة الأحكام" (1/ 164) رقم (373)، وتعقّب جمع المصنّف بما قدمناه، وينظر له: "البدر المنير" (2/ 384 - 386)، "التلخيص الحبير" (1/ 112)، وانظر الهامش الآتي.
(3)
ذهب المصنف في "التنقيح في شرح الوسيط"(1/ 310) إليه بوجه آخر فعلّق على مقولة أبي حامد الغزالي: "الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر، وفيه نزل قوله تعالى: {فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)} [التوبة: 108] فقال: "هذا يذكره الفقهاء والمفسرون، ولم يصح فيه حديث هكذا، إنما صح واشتهر أنهم كانوا يستنجون بالماء، ولكن يستنبط من الجمع بين الماء والحجر، لأن الاستنجاء بالحجر كان شائعًا معلومًا لجميعهم، وزاد أهل قباء الماء، فذكر ما زادوه دون ما هو مشترك، والله أعلم".
قلت: واستخدام الحجر وما يقوم مقامه: يذهب عين النجاسة، واستخدام =
للبيهقي
(1)
، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يا معشر الأنصار؛ قد أثنى الله تعالى عليكم في الطهور، فما طهوركم؟ " قالوا: نتوضَّأ للصلاة ونغتسل من الجنابة؛ فقال: "هل ذلك غيره؟ " قالوا: لا، غير أن أحدنا إذا خرج من الغائط أحبَّ أن يستنجي بالماء، قال:"هو ذاك، فعليكموه"
(2)
.
= الماء: يذهب أثرها، وهذا الذي ذكره المصنف هنا، وفي "المجموع"(2/ 100)، و"الروضة"(1/ 71)، و"المنهاج"(1/ 93)، و"التحقيق"(85)، جيد. وهو خير من قول ابن حبيب المالكي الذي حكاه المصنف في "شرحه صحيح مسلم" (3/ 209):"لا يجزيء الحجر إلا لمن عدم الماء". والجمع معقول المعنى وليس بتعبّدي محض، والاسترسال في عدم التصحيح إلى الحكم ببدعية الجمع ليس بسديد، ومنه تعلم ما في قولنا شيخنا الألباني رحمه الله في "تمام المنة" (ص 65) عقب قوله عن الجمع بين الماء والحجارة:"لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم"، قال:"فأخشى أن يكون القول بالجمع من الغلوّ في الدين، لأن هديه الاكتفاء بأحدهما، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم".
قلت: ثبت في "الصحيح" أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم الأحجار، وأبو هريرة معه، ومعه إداوة من ماء، وفي هذا رد على ابن حبيب في قوله السابق.
(1)
"في السنن الكبرى"(1/ 105) وأخرجها أيضًا: ابن ماجه (355)، وابن الجارود في "المنتقى"(40)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(6/ 1882)، والدارقطني (1/ 62) والطبراني في "مسند الشاميين"(رقم 730، 731)، والطحاوي في "المشكل"(12/ رقم 4740)، والحاكم (1/ 155 و 2/ 334، 335)، والضياء المقدسي في "المختارة"(6/ رقم 2231)، وسيأتي الكلام في صحته.
(2)
جوَّد إسناده المصنف في "خلاصة الأحكام"(1/ 164) رقم (372)، وصححه هنا وفي "المجموع" 2/ 99 - 100).
وفي إسناده عتبة بن أبي حكيم، أبو أبو العباس الأردني، صدوق يخطيء كثيرًا.
وممن ضعّفه البوصيري في "مصباح الزجاجة"(1/ 53)، وابن كثير في "إرشاد الفقيه"(1/ 58)، وابن التركماني في "الجوهر النقي"، وابن حجر في =
معناه: أنهم كانوا يستنجون بالأحجار في الخلاء، فإذا خرجوا استنجوا بعده بالماء؛ لأن العادة أنه لا يخرج من الخلاء إلاَّ بعد الاستنجاء بالأحجار، ويستحبّون الانتقال للاستنجاء بالماء إلى موضعٍ آخر
(1)
.
وأما (قُباء) فيمدُّ ويقصر، ويذكَّر ويؤنَّث، ويصرف ولا يصرف، والأفصح مدُّه وتذكيرُه وصرفه
(2)
، وهو قرية على نحو ثلاثة أميال من المدينة، وقيل: أصله اسم بئرٍ هناك
(3)
.
…
= "التلخيص الحبير"(1/ 113)، وقال شيخنا الألباني في "الضعيفة" (1031):"ضعيف بهذا اللفظ"، وتعقب تصحيح النووي له، وبيّن أنه لا يصح ذكر دخول الخلاء ولا الحجارة في شيء من طرقه، فارجع إلى كلامه.
(1)
قال المصنف في "التنقيح"(1/ 301): "وهذا مخصوص بغير المراحيض المتخذة لذلك، فإنه يستنجي فيها بالماء في موضع قضاء الحاجة".
(2)
قال في "شرح صحيح مسلم"(4/ 49) عنه: "هذا هو الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون".
(3)
مثله في "المجموع"(2/ 100) وبنحوه في "تهذيب الأسماء واللغات"(4/ 108) و"شرح صحيح مسلم"(5/ 14)، 170 و 9/ 242 - 243)، وانظر:"المغانم المطابة"(323 - 324)، "مراصد الاطلاع"(3/ 1061)، "معجم البلدان"(4/ 342)، "الصحاح (6/ 2458)، "اللسان" (5/ 3523)، "القاموس المحيط" (4/ 368) مادة (قبو).