المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌29 - باب الفطرة - الإيجاز في شرح سنن أبي داود - النووي

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقّق

- ‌ صحة نسبة الكتاب للإمام النووي:

- ‌ نقولات العلماء من "شرح النووي على سنن أبي داود

- ‌ إلى أين وصل النووي رحمه الله في "شرح سنن أبي داود

- ‌ نقولات ابن رسلان الرملي في شرحه "سنن أبي داود"، المسمى "صفوة الزبد" عن الإمام النووي:

- ‌ نقولات السيوطي في شرحه على "سنن أبي داود" المسمى "مرقاة الصعود

- ‌ توصيف النسخة الخطية المعتمدة في التحقيق:

- ‌ عملي في التحقيق:

- ‌1 - فصل

- ‌2 - فصل

- ‌3).3 -فَصل

- ‌1 - باب: التخلِّي عند قضاء الحاجة

- ‌2 - باب: الرجل يَتَبَوَّأ لبوله

- ‌3 - باب: ما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌4 - باب: كراهية استقبال القبلة عند الحاجة

- ‌5 - باب: الرخصة

- ‌6 - باب: كيف التكشف عند الحاجة

- ‌7 - باب: كراهة الكلام عند الخلاء

- ‌8 - باب: أَيَرُدُّ السلام وهو يبول

- ‌9 - باب " الرجل يذكر الله سبحانه على غير طهر

- ‌10 - باب: الخاتمُ يكون فيه ذكرُ الله تعالى يُدخَلُ به الخلاءُ

- ‌11 - باب: الاستنزاه من البول

- ‌13 - باب: البول قائما

- ‌13: باب: في الرجل يبول بالليل في الإناء، ثم يضَعُه عنده

- ‌14 - باب: المواضع التي نهي عن البول فيها

- ‌15 - باب: في البول في المستحم

- ‌16 - باب: النهي عن البول في الجُحْر

- ‌17 - باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء

- ‌18 - باب: كراهة مس الذكر باليمين في الاستبراء

- ‌19 - باب: الاستتار في الخلاء

- ‌20 - باب: ما ينهى أن يُستَنجى به

- ‌21 - باب: الاستنجاء بالأحجار

- ‌22 - باب: في الاستبراء

- ‌33 - باب: الاستنجاء بالماء

- ‌24 - باب: يَدْلُك يده بالأرض إذا اسْتَنجى

- ‌25 - باب: السواك

- ‌26 - باب: كيف يستاك

- ‌27 - باب: الرجل يستاك بسواك غيره

- ‌28 - باب: غسل السواك

- ‌29 - باب الفطرة

- ‌30 - باب: فرض الوضوء

- ‌31 - باب: الرجل يُجدِّد الوضوء من غير حَدَثٍ

- ‌32 - باب: ما ينجِّس الماء

- ‌33 - باب: ذكر بئر بُضاعة

- ‌34 - باب: الماء لا يُجنِبُ

- ‌35 - باب: البول في الماء الراكد

- ‌36 - باب الوضوء بسُؤر الكلب

- ‌37 - باب: سؤر الهر

- ‌38 - باب: الوضوء بفضل وضوء المرأة

- ‌39 - باب: في النهي عن ذلك

- ‌40 - باب: الوضوء بماء البَحْر

- ‌41 - باب: الوضوء بالنبيذ

- ‌42 - باب: أيصلّي الرجل وهو حاقن

- ‌43 - باب: ما يُجْزيء من الماء في الوضوء

- ‌44 - باب: إسباغ الوضوء

- ‌45 - باب: الوضوء في أنية الصُّفْر

- ‌46 - باب: التسمية على الوضوء

- ‌47 - باب: الرجل يُدْخِل يده في الإناء قبل أن يغسلها

الفصل: ‌29 - باب الفطرة

‌29 - باب الفطرة

52 -

(حسن) حدثنا يحيى بن معين، نا وكيع، عن زكريا بن أبي زائدة، عن مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن ابن الزبير، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، والاستنشاق بالماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الابط، وحلق العانة، وانتقاص الماءِ" -يعني الاستنجاء بالماء-. قال زكريا: قال مُصعب [بن شيبة]: ونسيت العاشرة؛ إلاَّ أن تكون المضمضة

(1)

.

قوله في الإسناد الأول: "عن ابن الزبير عن عائشة". هكذا هو في جميع النسخ: ابن الزبير، يعني: عبد الله بن الزبير، وكذا جاء في "صحيح مسلم" بإسناد أبي داود عن عبد الله بن الزبير مصرّحًا به، ووقع في كتاب الخطابي

(2)

: عن أبي الزبير، يعني: محمد بن مسلم بن تَدْرُس، وهو غلط، وقد اغترّ به كثيرون، فَضَبَّبُوا على لفظة (بن) مشيرين بذلك إلى أنه كذا وقع، وأن صوابه: عن أبي الزبير، والصواب الأول،

(1)

أخرجه مسلم (261) من طريق وكيع به. وعزاه المصنف له في "المجموع"(1/ 283)، و"خلاصة الأحكام"(1/ 90) رقم (106 - 107)، و"شرح صحيح مسلم"(3/ 188).

وانظر -لزامًا-: "الإمام"(1/ 401 - 402)، "التتبع"(182) للدارقطني.

(2)

"معالم السنن"(1/ 30).

ص: 233

وهو الموجود في جميع النسخ، وهو الذي ذكره أصحاب "الأطراف"

(1)

، وحديث عائشة هذا صحيح، ورواه مسلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "عشر من الفطرة"، قال الخطابي

(2)

: "فَسَّر أكثر العلماء في هذا الحديث الفطرة بالسنَّة"، قال: "ومعناه: أن هذه الخصال من سنن الأنبياء الذين أُمر

(3)

أن يَقتدي بهم"، قال: "وأول من أمر بها إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وهو معنى قوله عز وجل:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ (124)} [البقرة: 124] قال ابن عباس: أمر بهؤلاء الخصال

(4)

، فلما فعلهن قال الله:{قَالَ إني جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَامًا} [البقرة: 124]

(5)

، أي: يُقتدى بِكَ وُيسْتَنُّ بسُنَّتِكَ"، هذا كلام الخطابي.

وقال آخرون: المراد بالفطرة هنا: الدِّين، وممن ذهب إليه: الماوردي في كتابه "الحاوي"

(6)

، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي في

(1)

انظر: "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"(11/ 244 - 245)، رقم (16188).

(2)

"معالم السنن": (1/ 31)، وعبارته: "فسَّر أكثر العلماء الفطرة في هذا الحديث بالسنة، وتأويله: أن هذه

" الخ ما ساقه الشارح رحمه الله تعالى.

(3)

في "المعالم": "أمرنا أن نقتدي بهم".

(4)

في المعالم: "من أمره بعشر خصال، ثم عددهن، فلما".

(5)

أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره"(1/ 57)، وابن جرير في "جامع البيان"(2/ 499)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/ 219)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 266)، والبيهقي في "الكبير"(1/ 149) وسنده صحيح، وانظر آثارًا عن ابن عباس بنحوه في "الدر المنثور" عند تفسير الآية.

(6)

انظر "الحاوي"(1/ 93)، وليس فيه هذا التفسير، وحكاه عنه وعن أبي إسحاق: النووي في "المجموع"(1/ 338) أيضًا، وعنه ابن حجر في "الفتح"(10/ 417 - ط دار السلام) وتعقبه كما سيأتي.

ص: 234

"تعليقه في الخلاف"

(1)

، وغيرهما، والصحيح الأول

(2)

؛ ففي "صحيح البخاري"

(3)

عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من السنة قصُّ الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار". وأصحُّ ما فُسِّر به غَريبٌ تفسيره بما جاء في رواية أخرى

(4)

، لا سيما في "صحيح البخاري".

(1)

هو كتاب: "نكت المسائل المحذوف منه عيون الدلائل" طبع منه (قسم العبادات) عن عالم الكتب سنة 1418 هـ، بتحقيق الدكتور ياسين بن ناصر الخطيب. وليس فيه ما ذكره المصنف هنا، والله أعلم.

(2)

أرى لا تعارض بين هذا القول والذي قبله، فالفطرة هي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائع، فكأنها أمر جبلي فطروا عليه، فالألف واللام للعهد، وهي {فِطرَتَ اللهِ التي فَطَرَ الناسَ عليها} [الروم: 30] وذكر المصنف القولين في "شرح صحيح مسلم"(3/ 189) ولم يصحح.

(3)

برقم (5888)، ولفظه:"إن من الفطرة قص الشارب"، ولذا تعقب ابنُ حجر في "الفتح"(10/ 417) المصنف في قوله "من السنة" في هذا الحديث، قال:"وقال النووي في "شرح المهذب": جزم الماوردي والشيخ أبو إسحاق بأن المراد بالفطرة في هذا الحديث الدين، واستشكل ابن الصلاح ما ذكره الخطابي وقال: معنى الفطرة بعيد من معنى السنة، لكن لعل المراد أنه على حذف مضاف أي سنة الفطرة. وتعقبه النووي بأن الذي نقله الخطابي هو الصواب. فإن في "صحيح البخاري" عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من السنة قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار" قال: وأصح ما فسر الحديث بما جاء في رواية أخرى لا سيما في البخاري اهـ. وقد تبعه شيخنا ابن الملقن على هذا، ولم أر الذي قاله في شيء من نسخ البخاري، بل الذي فيه من حديث ابن عمر بلفظ "الفطرة" وكذا من حديث أبي هريرة. نعم وقع التعبير بالسنة موضع الفطرة في حديث عائشة عند أبي عوانة في رواية، وفي أخرى بلفظ الفطرة كما في رواية مسلم والنسائي وغيرهما".

(4)

إذ التنصيص مُقَدَّم على الاستنباط والاجتهاد. ورواية "من السنة" في الحديث المذكور عند البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 149).

ص: 235

وأما إعفاء اللحية، فقال الخطابي

(1)

: "إرسألها وتوفيرها". وكان زي آل كسرى قص اللّحَى، وتوفير الشوارب، فندبنا إلى مخالفتهم

(2)

، ويقال: عفا الشعر والنبات إذا وفا

(3)

، عَفَيْتُهُ وأَعْفيته.

وأما غسل البراجم، فسببه أنها مواضع يجتمع فيها الوسخ، والبراجم: هي العُقد التي في ظهور الأصابع، واحدتها: بُرجُمة. وغسل البراجم سنة مستقلَّة غير مختصة بالوضوء، قال العلماء: ويلحق بالبراجم كُلُّ موضع من البدن اجتمع فيه وسَخٌ بِعَرَقٍ أو غيره كصِماخ الأذن وداخل الأنف وغيرهما

(4)

.

(1)

هنا علامة إلحاق في الهامش، والكلمة التي في الهامش مبتورة، والكلمة هي (فهو) كما في "معالم السنن"(1/ 31).

(2)

نقل السيوطي في "مرقاة الصعود"(16 - درجات) عن النووي قوله: "المختار في قصه: أن يقصه حتى يبدو الإطار، وهو طرف الشِّفة، ولا يحفيه من أصله"، وقال:"قال ابن دقيق العيد: لا أدري هل نقله عن المذهب، أو اختار مذهب مالك".

قلت: وكلام المصنف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 151 - 152) ونقله عن القاضي عياض في "إكمال المعلم"(2/ 63 - 64)، واختياراته فيه أقرب للدليل، وفيها خروج عن المذهب بخلاف سائر كتبه، وتأثره ونقله لعبارات القاضي عياض ظاهر جدًّا فيه، بل جعله العلامة الشيخ حماد الأنصاري فيما نقل ولده عبد الأول عنه في كتابه "المجموع"(2/ 752) - اعتمادًا شبه كلِّي.

قلت: وهو من أسباب عدم إبداعهِ وإسهابه فيه.

(3)

قال المصنف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 193): "أوفوا بمعنى اعفوا، أي: اتركوها وافية كاملة، لا تنقصوها"، وهذا يوافق رواية صحيحة:"وفروا اللحى"، فالواجب أن تكون اللحية (وفيرة) في الوجه، حتى قال العلائي:"إن الأخذ منها دون القبضة كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال لم يبحه أحد، وأخذ كلها فعل يهود الهنود ومجوس الأعاجم" نقله عنه ابن عابدين في "العقود الدرية في تنفيح الفتاوى الحامدية"(1/ 329).

(4)

نحوه في "شرح صحيح مسلم"(3/ 191)، وزاد:"وكذلك جميع الوسخ المجتمع على أي موضع كان من البدن، بالعرق والغبار ونحوهما".

ص: 236

وأما نتف اللإبط، فسنة

(1)

متأكِّدة، وهو أفضل من حَلْقِهِ، فلو حَلَقه جاز، ويبدأ بالإبط الأيمن

(2)

وفي الإبط

(3)

لغتان: التذكير والتأنيث، والتذكير أفصح.

وأما حلق العانة

(4)

، فسنَّة متأكدة، ويجوز إزالة الشعر بالنتف والقصّ والنَّورة

(5)

، ولكن الحلق أفضل.

(1)

عبارته في "شرح صحيح مسلم"(3/ 190): "فسنة بالاتفاق، والأفضل النتف لمن قوي عليه، ويحصل أيضًا بالحلق والنَّورة".

(2)

ويزيل باليسرى، وكذلك شعر إبط اليسرى إنْ تمكّن، وإلا فباليمنى.

(3)

قال المصنف في "تحرير ألفاظ التنبيه"(ص 34): "الإبط: بإسكان الباء، يُذكَّر ويؤنث"، وانظره (ص 309) وزاد في "تهذيب الأسماء واللغات" (3/ 3):"أرجحهما التذكير. قال ابن الكسيت: الإبط مذكر، وقد يؤنث".

(4)

قال المصنف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 190): "والمراد بالعانة الشعر الذي فوق ذَكَر الرجل وحواليه، وكذاك الشعر الذي حوالي فرج المرأة، ونقل عن أبي العباس بن سريج أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر، فيحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القُبل والدبر وحواليهما" انتهى، وبنحوه في "تهذيب الأسماء واللغات"(4/ 54) له أيضًا.

وقال أبو شامة: "بل هو من الدبر أولى؛ خوفًا من أن يعلق شيء من الغائط، فلا يزيله المستنجي إلا بالماء. ولا يتمكن من إزالته بالاستجمار"، وذهب الفاكهي في "شرح العمدة"، وابن العربي إلى عدم جواز أخذ شعر الدبر، ولم يذكر للمنع مستندًا، وما اختاره المصنف قوي وجيد، أفاده ابن الملقن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"(1/ 710).

(5)

النَّورة: من الحجر الذي يحرّق ويسوى منه الكلس، ويحلق به شعر العانة، قال المصنف في تهذيب "الأسماء واللغات" (4/ 175):"والنورة المذكورة في المياه، قال ابن الصلاح: هي حجارة بيض رخوة فيها خطوط".

قلت: ولا بأس من استخدام المزيلات المعروفة في أيامنا هذه لشعر الإبط والعانة.

ص: 237

وأما وقت تقليم الأظفار وقصّ الشارب ونتف الإبط وحلق العانة مُعْتبر بطولها، متى طالت أزالها، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال

(1)

. ويستحبُّ دفن هذه الشعور والأظفار، اتفق عليه أصحابنا

(2)

، ونقلوه عن ابن عمر رضي الله عنهما

(3)

.

(1)

لا بأس من التفقد يوم الجمعة، فإن المبالغة في التنظيف فيه مشروعة.

(2)

انظر: "المجموع"(1/ 342).

(3)

فقد جاء عنه أنه رفع: "ادفنوا الأظفار والشعر فإنه ميتة".

أخرجه ابن عدي في "لكامل"(4/ 1518) -ومن طريقه البيهقي في "الكبرى"(1/ 23)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/ 686 - 687) -: ثنا محمد بن الحسن السكوني النابلسي بالرملة قال: حدث أحمد بن سعيد البغدادي وأنا حاضر ثنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد حدثني أبي عن نافع عن ابن عمر رفعه.

وقال العقيلي في "الضعفاء"(2/ 279): "وحدث أحمد بن محمد بن سعيد المروزي ثنا نصر بن داود بن طوق ثنا عبد الله بن عبد العزيز به".

قلت: إسناده واهٍ بمرّة، آفته عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد.

قال العقيلي عقبه: "ليس له أصل عن ثقة". وقال في ابن أبي رواد: "أحاديثه مناكير غير محفوظة، ليس ممن يقيم الحديث". وقال ابن عدي عنه: "له أحاديث لم يتابعه أحد عليها". وقال: "يحدث عن أبيه عن نافع عن ابن عمر بأحاديث لا يتابعه أحد عليه". وقال البيهقي عقبه: "هذا إسناد ضعيف".

قلت: وقال عنه أبو حاتم الرازي: "أحاديثه منكرة، وليس محله عندي الصدق". وقال علي بن الحسين الجنيد: "لا يساوي فلسًا يحدّث بأحاديث كذب". كذا في "الجرح والتعديل"(2/ 2/ 104).

وبه أعله: ابن الجوزي في "الواهيات"(1/ 687)، و"التحقيق"(1/ 293 - مع التنقيح)، وأقرَّه محمد بن عبد الهادي، وأعله به أيضًا: أبو الحسن التبريزي في "المعيار في علل الأخبار"(1/ 81) رقم (43) والزيلعي في "نصب الراية"(1/ 122)، وابن حجر في "التلخيص الحبير"(2/ 113).

وقال البيهقي في "الكبرى"(1/ 23): "قد روي في دفن الظفر والشعر =

ص: 238

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أحاديث أسانيدها ضعاف". وقال في "الشعب" (5/ 232): "وروي من أوجه كلها ضعيفة".

قلت: وقد وقفت على غير حديث في هذا الباب، وكلها ضعيفة، لا تصلح للاحتجاج، ولا تنهض بحيث يعتمد عليها، ويعمل بها، وهذا الباب مما فات الأخ المفضال الشيخ أبو بكر أبو زيد في "التحديث" فليضف إليه، وهاك البيان:

أولاً: أخرج البخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 2/ 45) -ومن طريقه الدارقطني في "المؤتلف والمختلف"(4/ 2094 - 2095) - قال: قال لي يحيى بن موسى، والبزار في "مسنده" (3/ 370) (رقم: 2968 - زوائده): ثنا عمر بن مالك، والطبراني في "الكبير" (20/ 322) (رقم: 762): ثنا محمد بن محمد التمار البصري ثنا يونس بن موسى السامي وسليمان بن داود الشاذكوني، والبيهقي في "الشعب" (5/ 232) (رقم: 6487) من طريق يزيد بن المبارك كلهم (خمستهم) عن محمد بن سليمان بن مَسْمُول أخبرني عبيد الله بن سلمة بن وهرام عن أبيه قال: أخبرتني مِيْل بنت مِشْرَح الأشعري أنها رأت أباها مِشْرَح -وكان قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم يقلم أظفاره ثم يجمعها فيدفنها، ويخبر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك.

وإسناده ضعيف جدًّا، فيه محمد بن سليمان، وعبيد الله بن سلمة بن وهرام، وأبوه، وكلهم تكلم فيهم.

قال الهيثمي في "المجمع"(5/ 168) -وعزاه للطبراني في "الأوسط"- وذكر عبيد الله وأباه، وقال:"وكلاهما ضعيف، وأبوه وثق".

وقال الحافظ ابن حجر في "الإصابة"(3/ 421) -وعزاه لابن أبي عاصم وابن السكن-: "وفي سنده محمد بن سليمان بن مسمول -وتصحف فيه إلى "سموأل"!! فليصحح- وهو ضعيف جدًّا". وضعفه الهيثمي في "المجمع"(4/ 165) في حديث آخر، وفاته أن يعله به في حديثنا هذا.

ثانيًا: أخرج البيهقي في "الشعب"(5/ 232)(رقم: 6488) من طريق أبي حيان ثنا علي بن سعيد العسكري ثنا عمر بن محمد بن الحسن، والطبراني في "الكبير" (22/ 32) (رقم: 73): ثنا علان بن عبد الصمد الطيالسي =

ص: 239

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= كلاهما قال: ثنا محمد بن الحسن الأسدي -وفي رواية الطبراني زيادة: ثنا أبي،- وأخشى أن يكون قائل ذلك هو عمر بن محمد بن الحسن، فيكون العسكري وعلان روياه عن عمر، ويكون قد سقط من مطبوع، "المعجم":"عمر بن"- ثنا قيس بن الربيع عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يأمر بدفع الشعر والأظفار.

قال البيهقي: "هذا إسناد ضعيف، وروي من أوجهٍ كلها ضعيفة".

قلت: آفته قيس بن الربيع، وقد أُتي من ابنه، كما قال البخاري في "الأوسط"، واعتراه من سوء الحفظ لما ولي القضاء ما اعترى ابن أبي ليلى وشريك، وانظر:"الميزان"(3/ 393 - 396).

ثالثًا: أخرج الطبراني في "الأوسط"(1/ 485)(رقم: 886): ثنا أحمد ثنا سعيد عن هياج بن بسطام عن عنبسة بن عبد الرحمن بن سعيد بن العاص عن محمد بن زاذان عن أم سعد امرأة زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بدفن الدم إذا احتجم.

وهو ضعيف، فيه هياج بن بسطام، وانظر:"مجمع الزوائد"(5/ 94).

رابعًا: وأخرج البيهقي في "الكبرى"(7/ 67)، و"الشعب" (5/ 233) (رقم: 6489) من طريق بُرْيَه بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي:"خد هذا الدم فادفنه من الدواب والطير والناس"، فتنحيت به فشربته، ثم سألني فأخبرته فضحك.

وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 2/ 209)، والطبراني في "الكبير" (7/ 81) (رقم: 6434)، وابن حبان في "المجروحين"(1/ 111)، والبزار في "مسنده" (3/ 144 - 145) (رقم: 2435 - زوائده).

وقال البخاري عقبه: "في إسناده نظر". وانظر: "مجمع الزوائد"(8/ 270).

خامسًا: وأخرج البزار في "مسنده"(رقم: 2436 - زوائده)، والبيهقي في "الكبرى"(7/ 67)، والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول":"الأصل التاسع والعشرون) -وساق إسناده القرطبي في "التفسير" (2/ 103) - وفيه الأمر بدفن دمه صلى الله عليه وسلم -خلا رواية البزار- من حديث عبد الله بن الزبير. =

ص: 240

قوله صلى الله عليه وسلم: "وانتقاص الماء"، هو بالقاف والصاد المهملة، وقد فسّره وكيعٌ بالاستنجاء، فقوله في الكتاب:"يعني: الاستنجاء"، القائل (يعني): وكيعٌ، كذا صُرّح به في "صحيح مسلم"

(1)

، قال أبو عبيد

(2)

وغيره: "معناه: انتقاص البول بالماء إذا غسل ذكره"، وقيل: المراد بانتقاص الماء: الانتضاح، كما جاء في الرواية الأخرى

(3)

، وهذا الذي

= سادسًا: وأخرج الحكيم الترمذي -كما عند القرطبي في "التفسير"(2/ 103) - قال: ثني أبي ثنا مالك بن سليمان الهروي ثنا داود بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بدفن سبعة أشياء من الإنسان: الشعر، والظفر، والدم، والحيضة، والسن، والقلفة، والبشيمة".

قال ابن حاتم في "العلل"(2/ 337): "سئل أبو زرعة عن حديث رواه يعقوب بن محمد الزهري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: "كان إذا أخذ من شعره أو قلّم أظفاره، أو احتجم بعث به إلى البقيع، فدفن".

قال أبو زرعة: "حديث باطل، ليس له عندي أصل، وكان حدثهم قديمًا في كتاب الآداب، فأبى أن يقرأه، وقال: اضربوا عليه، ويعقوب بن محمد هذا واهي الحديث". وانظر "السلسلة الضعيفة"(رقم: 713).

سابعًا: وأخرج الحكيم -فيما ذكر القرطبي في "التفسير"(2/ 102) - ثنا عمر ابن أبي عمر ثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي عن عمر بن بلال الفزاري قال: سمعت عبد الله بن بشر المازني يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قصوا أظافيركم، وادفنوا قُلاماتكم، ونقُّوا براجمكم، ونظِّفوا لثاتكم من الطعام، وتسنّنوا، ولا تدخلوا علي قُخرًا بخرًا". وإسناده ضعيف جداً، كالذي قبله.

(1)

"صحيح مسلم"(261)(56).

(2)

غريب الحديث (2/ 38) بمعناه، وانظر:"النهاية في غريب الحديث"(5/ 223).

(3)

كما في الحديث الآتي عند أبي داود برقم (53)، انظر:"الفائق في غريب الحديث"(1/ 265)، "النهاية في غريب الحديث"(5/ 205).

ص: 241

ذكرناه من كَوْنه الانتقاص بالقاف هو الصواب المعروف

(1)

، ولم يُرْوَ إلا هكذا، قال ابن الأثير

(2)

: "وقيل: إن صوابه (انتفاص) بالفاء والصاد مهملة كما هي، أي: نَضْحُهُ على الذَّكر، مأخوذ من قولهم لِنَضْحِ الدم القليل: نُفْصة -بضم النون-".

وهذا الذي ادَّعاه هذا القائل غير مرويِّ ولا مقبول

(3)

.

53 -

(حسن) حدثنا موسى بن إسماعيل وداوُدُ بنُ شبيب، قالا: نا حماد، عن علي بن زيد، عن سلمة بن محمد بن عمَّار بن ياسر -قال موسى: عن أبيه، وقال داوُدُ: عن عمَّار بن ياسِرٍ- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ من الفطرة: المضمضمة والاستنشاق". فذكر نحوه، ولم يذكر "إعفاء اللحية". وزاد:"والختان". قال: "والانتضاح". ولم يذكر "انتقاص الماء" يعني الاستنجاء

(4)

.

(1)

نقل التصويب عن "شرح النووي" هنا: السيوطي في "مرقاة الصعود"(16 - مع "الدرجات").

(2)

في "النهاية في غريب الحديث"(5/ 97، 107).

(3)

وقال عنه في "شرح صحيح مسلم"(3/ 192): "شاذ"، وانظر:"صفوة الزبد"(ق 29 - ب).

(4)

أخرجه ابن ماجه (294)، والطيالسي (648)، وأحمد (4/ 264)، وأبو يعلى (3/ 197) رقم (1627)، والشاشي (1043) في "مسانيدهم"، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 178)، وأبو عبيد في "الطهور"(283)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 229)، و"المشكل"(684)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 53)، والمزي في "تهذيب الكمال"(ترجمة سلمة بن محمد بن عمار) من طرق عن حماد بن سلمة به.

وجميعهم قال فيه: "عن عمار بن ياسر"، فالظاهر أن رواية موسى بن إسماعيل غلط، أو أراد بأبيه جدّه عمارًا، ولو ثبتت فإن الحديث ضعيف من الوجهين: فالأول مرسل، لأن محمد بن عمار ليست له صحبة، والثاني =

ص: 242

(صحيح موقوف) قال أبو داوُد: ورُوِيَ نحوُهُ عن ابن عباس، وقال:"خمسٌ كُلُّها في الرَأسِ" وذكر فيه "الفَرْق" ولم يذكر "إعْفاء اللحية"

(1)

.

قال أبو داود: وروي نحو حديث حماد: عن طَلْق بن حبيب

(2)

، ومجاهد

(3)

، و [رواه حكيم] عن أبو بكر المُزَني، قولَهم، ولم يذكروا:"وإعفاء اللحية".

وفي حديث محمد بن عبد الله بن أبي مريم، عن أبي سلمة، عن

= منقطع، لأن سلمة لم يسمع من جده، كما أفاده ابن معين وابن حبان في "المجروحين"(1/ 337) وغيرهما.

وفي الإسناد علي بن زيد، ابن جُدعان وهو ضعيف، وشيخه سلمة بن محمد مجهول.

والحديث يقويه ما قبله.

وانظر: "البدر المنير"(2/ 100 - 102)، "الإمام"(1/ 402)، "صحيح سنن أبي داود"(1/ 93 - 94)، "خلاصة الأحكام"(1/ 91) رقم (107)"المجموع"(1/ 337)، كلاهما للمصنف.

(1)

وصله عبد الرزاق الصنعاني في "تفسيره"(1/ 57)، ومن طريقه ابن جرير (3/ 9 رقم 1910 - ط شاكر)، وابن أبي حاتم (1/ 219) رقم (1165) في "تفسيريهما" والبيهقي في، "السنن الكبرى"(1/ 149) نا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قوله.

وأخرجه كذلك الحاكم في في "المستدرك"(2/ 266)، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

(2)

أخرجه النسائي في "المجتبى"(8/ 128) وفي "الكبرى"(5/ 405) وإسناده صحيح، وأشار الدارقطني في "السنن" (1/ 95) إلى رواية طلق قوله بعد أن ساقها متصلة فقال:"تفرد به مصعب بن شيبة، وخالفه أبو بشر وسليمان التيمي فروياه عن طلق بن حبيب قوله غير مرفوع"، وسقطت عبارة الدارقطني من طبعة شعيبٍ من "السنن".

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 223) ولم يعزه في "الدر"(1/ 583) إلا له.

ص: 243

أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه:"وإعفاء اللحية"

(1)

.

وعن إبراهيم النَّخَعي نحوه، وذكر:"إعفاء اللحية، والختان".

قوله: "حدثنا موسى بن إسماعيل"، فذكر حديث عمار. هذا الحديث ضعيف منقطع أو مرسل؛ لأنه ذكره من رواية سلمة بن محمد بن عمار عن جدِّه عمار، قال البخاري: لم يسمع من جدِّه شيئًا

(2)

.

وأما ذكر الختان في خصال الفطرة، ومعظمها مستحبٌّ ليس بواجب، -وهذا واجب عند الشافعي وأحمد وآخرين

(3)

- فلا يدلُّ ذكره معها على عدم وجوبه، ولا يلزم من العطف موافقته المعطوف عليه في كلِّ شيء، بل المراد هنا العطف على أصل رجحان فعله على تركه، وقد

(1)

أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 139 - 140) وابن حبان في "صحيحه"(1221)، وفيه إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس، فيه كلام، وانظر:"السلسلة الصحيحة"(3123).

(2)

قال في "التاريخ الكبير"(4/ 77): "ولا يعرف أنه سمع من عمار"، وضعفه النووي في "المجموع" (1/ 283) وعبارته:"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه بإسناد ضعيف منقطع، من رواية علي بن زيد بن جُدعان عن سلمة بن محمد بن عمار عن عمار قال الحفاظ: "لم يسمع سلمة عمارًا"، ولكن يحصل الاحتجاج بالمتن، لأنه رواه مسلم في "صحيحه" من رواية عائشة صلى الله عليه وسلم".

وقال المناوي في "فيض القدير"(2/ 669): "قال النووي في "شرح أبي داود": ضعيف ومنقطع

" وساق كلامه إلى هنا، وقال: "وقال الولي العراقي: في الحديث علل أربع: الانقطاع والإرسال والجهل بحال سلمة إن لم يكن أبا عبيدة، وضعف علي بن زيد، والاختلاف في إسناده".

(3)

انظر: "شرح النووي على صحيح مسلم"(3/ 189)، "تحفة المحتاج"(9/ 198)، "نهاية المحتاج"(8/ 35)، "المحرر"(1/ 11)، "المبدع"(1/ 103)، "كشاف القناع"(1/ 80)، وانظر لنصرته:"تحفة المودود"(191 وما بعد) لابن القيم.

ص: 244

قال الله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ (141)} [الأنعام: 141] وإيتاء الحق واجب بخلاف الأكل. وقال تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ (33)} [النور: 33] والإيتاء واجب بخلاف الكتابة

(1)

.

وأما الانتضاح المذكور في هذه الرواية فَفَسَّره الخطابي

(2)

بالاستنجاء، قال:"وأصله من النَّضح وهو الماء القليل"، وهذا التفسير هو الصحيح لموافقته الرواية الأولى، وقيل: هو نضح الفرج بقليل من الماء بعد الوضوء لدفع الوسواس

(3)

.

(1)

بنحوه في "شرح النووي على صحيح مسلم"(3/ 189).

قلت: على الرغم من ضعف دلالة الاقتران، إلا أنهم قسموها ثلاثة أقسام: قوية في موطن، وضعيفة في موطن، ويتساوى الأمران في موطن، أما الأول فإنه حيث تجتمع القرينتان فما فوقهما في أمر اشتركا في إطلاقه، واشتركا في تفصيله، فتقوى الدلالة كالحديث المذكور، قال ابن دقيق العيد في "الأحكام"(1/ 87)، "وأما الاستدلال بالاقتران فهو ضعيف إلا أنه في هذا المكان قوي لأن لفظة الفطرة لفظة واحدة استُعملت في هذه الأشياء الخمسة، فلو افترقت في الحكم؛ بأن تستعمل في بعض هذه الأشياء لإفادة الوجوب، وفي بعضها لإفادة الندب، لزم استعمالُ اللفظ الواحد في معنيين مختلفين، وفي ذلك ما عرف في علم الأصول. وإنما تضعف دلالة الاقتران ضعفًا إذا استقلَّت الجمل في الكلام ولم يلزم منه استعمال اللفظ الواحد في معنيين كما جاء في الحديث: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة" حيث استدل به بعض الفقهاء على أن اغتسال الجنب في الماء يفسده؛ لكونه مقرونًا بالنهي عن البول فيه، والله أعلم" اهـ.

وانظر عن (دلالة الاقتران) وحجيّتها عند الأصوليين: "التبصرة"(229)، "العدة"(4/ 1420)، "البحر المحيط"(6/ 99).

(2)

في "معالم السنن"(1/ 32).

(3)

قال المؤلف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 192): "قال الجمهور: =

ص: 245

وذكر من جملة خصال الفطرة: الفَرْق، وهو فرق شعر الرأس: وهو أن يقسم شعر ناصيته يمينًا وشمالاً فتظهر جبهته، وهو أَوْلى من السَّدْل، وهو ترك الشَّعر منسدلاً على هيئته. ولا يكون الفرق إلا مع كثرة الشعر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسْدل ثم فَرَق

(1)

، فلهذا كان الفرق أفضل

(2)

.

= الانتضاح: نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء، لينفي عنه الوسواس، وقيل: هو الاستنجاء بالماء".

فاختياره هنا غير اختياره في "شرح سنن أبي داود"، ونقل المناوي في "فيض القدير"(2/ 669) القولين وعزاهما للكتابين، ونبَّه على ذلك.

قلت: ويشهد لاختياره في "شرح صحيح مسلم": ما عند أصحاب "السنن" من رواية الحكم بن سفيان الثقفي أو سفيان بن الحكم عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ثم أخذ حفنة، فانتضح بها. وانظر "صفوة الزبد"(ق 30/ 2).

(1)

أخرجه البخاري (5917)، ومسلم (2336)، وأحمد (1/ 246)، وأبو يعلى (2377)، وابن سعد (1/ 429 - 430)، وابن أبي شيبة (8/ 449 - 450) وغيرهم من حديث ابن عباس.

(2)

قال في "شرح صحيح مسلم"(15/ 482): "والحاصل أن الصحيح المختار جواز السدل والفرق وأن الفرق أفضل"، وبنحوه في "المجموع" (1/ 295) وقال مالك:"فرق الرأس للرجال أحب إليّ"، كذا في "المنتقى"(7/ 268) للباجي.

وقال ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم"(ص 82) بعد كلام: "ولهذا صار الفرق شعار المسلمين، وكان من الشروط المشروطة على أهل الذمة أن لا يفرقوا شعورهم"، وكشف ابن حجر في "الفتح"(10/ 361) عن سر هذا التحويل، فقال:"وكان السر في ذلك أن أهل الأوثان أبعد من الإيمان من أهل الكتاب؛ ولأن أهل الكتاب يتمسكون بشريعة في الجملة، فكان يحب موافقتهم ليتألفهم ولو أدت موافقتهم إلى مخالفة أهل الأوثان، فلما أسلم أهل الأوثان الذين معه والذين حوله، واستمر أهل الكتاب على كفرهم تمحضت المخالفة لأهل الكتاب". =

ص: 246

54 -

(صحيح) حدَّثنا محمد بن كثير، نا سُفيان، عن منصورٍ وحُصين، عن أبي وائل، عن حُذيفة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يَشُوص فاهُ بالسواك

(1)

.

وأما حديث حذيفة فهو في "الصحيحين".

قوله: "يَشُوصُ فَاه"، هو بفتح الياء وضمّ الشين المعجمة وبالصاد المهملة، ومعناه: يغسله بالسواك، أي: يدلكه وينظفه، فَسُمِّي السواك غُسلاً؛ لأنه ينظِّف الفم. قال الخطابي

(2)

: "يقال: شاصَه يشوصه، وماصه يموصه إذا غسله". قال القاضي عياض في "مشارق الأنوار"

(3)

: "قال الحربي

(4)

وأكثر أهل اللغة: معناه: يستاك عرضًا"، قال: "وقال أبو

= والخلاصة ما قاله الزرقاني في "شرح الموطأ"(4/ 336) -ونقل قول النووي في جواز السدل والفرق-: "ولكن الفرق أفضل؛ لأنه الذي رجع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنه ظهر الشرع به، لكن لا وجوبًا" وانظر: "زاد المعاد"(1/ 175)، "التمهيد"(6/ 74)، "أحكام الشعر في الفقه الإسلامي"(308) لطه فارس، و"القول الأغر في أحكام الشعر" لحسن بن زهوة.

(1)

أخرجه البخاري (246، 889، 1136)، ومسلم (255)، وقد بوّب عليه أبو داود:(باب السواك لمن قام بالليل).

(2)

"معالم السنن"(1/ 32).

(3)

"مشارق الأنوار"(2/ 260).

(4)

عبارته في "غريب الحديث"(2/ 362) له:

"وشُصتُ فمي بالسواك أشُوصُهُ شَوْصًا: إذا غسَلْتُه"، ونقل عنه أبو موسى المديني في "المجموع المغيث" (2/ 228) أنه قال:"أي بسواك متخذ من هذا الشجر (الشوص) " وردّه بقوله: "ولا أرى أحدًا تابعه عليه"! وفيه: "وقيل: شصْتُ معرب، معنى غسلت بالفارسية ولا يصح ذلك".

وأسند السرقسطي في "الدلائل في غريب الحديث"(1/ 123) عن وكيع قال: "السواك هكذا، والشوص هكذا، ووصف أحمد بن بشر المرثدي الشوص بالطول، والسواك بالعرض".

ص: 247

عبيد

(1)

: شُصْتُ الشيءَ نَقَّيْته، وقال ابن الأعرابي

(2)

: الشَّوْصُ الدَّلْكُ، والمَوْصُ: الغَسْل".

55 -

(صحيح) حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، نا بهز بن حكيم، عم زُرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوضع له وضوءه وسواكه، فإذا قام من الليل تخلى ثم استاك

(3)

.

56 -

(حسن، دون قوله: ولا نهار) حدثنا محمد بن كثير، نا همام عن علي بن زيد، عن أم محمد، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا يتسوَّك قبل أن يتوضأ

(4)

.

(1)

كذا في الأصل! وفي "الغريب" لأبي عبيد (1/ 261): "الشوص: الغَسل، وكل شيء غسلته فقد شُصْته تشُوصُه شَوْصًا، والمَوْص أيضًا مثل الشوص".

وكذا نقله عنه جمع، منهم: الأزهري في "التهذيب"(11/ 385)، ونقل الأزهري عن أبي عبيدة قال:"شُصْتُ الشيء: نقّيتُه". فصواب ما في الأصل: "قال أبو عبيدة". والله أعلم.

(2)

نقل كلام ابن الأعرابي: الأزهري في "تهذيب اللغة"(11/ 385)(شوص) و (12/ 262)(موص)، وابن الجوزي في "غريب الحديث"(1/ 567)، وكذا قال أبو عبيد أبو القاسم بن سلام، انظر الهامش السابق.

(3)

أخرجه مسلم (763).

(4)

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي في السنن الكبرى (1/ 39). وأخرجه أحمد (6/ 121، 160)، وابن أبي شيبة (1/ 169)، وابن سعد (1/ 483)، والطبراني في "الأوسط"(3581، 6839) من طرق عن همام به، وفي سنده علي بن زيد وهو ضعيف، وأم محمد مجهولة؛ فالإسناد ضعيف.

وقال المناوي في "الفيض"(5/ 236) -بعد نقله تضعيفه عن المنذري بابن جدعان-: "وقال العراقي: أم محمد الراوية عن عائشة -وهي امرأة زيد بن جدعان، فاسمها: أمية أو أمينة- وهي مجهولة عينًا وحالاً، تفرد عنها ابن زوجها علي". =

ص: 248

وأما حديث عائشة المذكور بعده

(1)

فصحيح، ورواه مسلم.

وفيه: استحباب التَّأهُّب للعبادة، وتهيئة المتهجِّد طهوره وسواكه وما يحتاج إليه قبل نومه، واستحباب السِّواك عند الاستيقاظ

(2)

.

وأما حديث عائشة الثاني عن أم محمد فإسناده فيه ضعف

(3)

، وأم محمد هذه هي امرأة زيد بن عبد الله بن جُدعان.

57 -

(صحيح) حدثنا محمد بن عيسى، نا هُشيم، أنا حُصين، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عباس، قال: بِتُّ ليلة عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلما استيقظ من منامه أتى طهوره، فأخذ سواكه فاستاك ثم تلا هذه الآيات:{إنَّ في خلق السمواتِ والأَرضِ وَاختِلَافِ الليلِ وَالنَّهَارِ لَأَيَات لأولِي الأَلبابِ} [آل عمران: 90] حتى قارب أن يختم السورة أو ختمها، ثم توضأ فأتى مُصلاه فصلى ركعتين، ثم رجع إلى فراشه فنام ما شاء الله، ثم استيقظ ففعل مثل ذلك، ثم رجع إلى فراشه فنام، ثم استيقظ ففعل مثل ذلك، [ثم رجع إلى فراشه

= وله شاهد عند أحمد (2/ 117)، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام إلاَّ والسواك عنده، فإذا استيقظ بدأ به.

وسند أحمد حسن، فهذا شاهد جيد للتسوك بالليل، دون ذكر النهار، وانظر:"صحيح سنن أبي داود"(1/ 98 - 99).

(1)

هو المتقدم برقم (55).

(2)

نعم، قوله:"قبل أن يتوضأ" صادق مع كونه قبله بزمن كثير، فلا يدل ذلك من هذا اللفظ على أن من سننه؛ لأن السواك المشروع في الوضوء داخل في مسماه من أحاديث أخر، فإذا دل دليلٌ خارجي على ندب السواك للوضوء دل على أن هذا الفعل عند غير الوضوء، فلم يبقَ إلا (عند الاستيقاظ) كما قال الشارح.

(3)

قال المناوي في "فيض القدير"(5/ 236) عند الحديث: "قال النووي في "شرح أبي داود": في إسناده ضعف".

ص: 249

فنام، ثم استيقظ ففعل مثل ذلك] كل ذلك يَسْتاكُ ويُصلي ركعتين، ثم أوتر.

قال أبو داود: رواه ابن فُضيل، عن حُصين، قال: فتسوَّك، وتوضَّأ وهو يَقول:{إنَّ في خلقِ السمَوات وَالأَرضِ} [آل عمران: 190] حتى ختم السورة

(1)

.

وأما حديث ابن عباس في مَبِيته في بيت ميمونة فهو في "الصحيحين"، وسنشرحه في موضعه

(2)

من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.

(1)

أخرجه البخاري (117، 138، 697، 698، 699، 726، 728، 859) وغيرها، ومسلم (256، 763).

(2)

نقل ابن رسلان الرملي في "صفوة الزبد"(ق 31/ أ) عند شرحه لهذا الحديث عن النووي قوله: "وإذا تكرر نومه واستيقاظه وخروجه استحب تكرير قراءة هذه الآيات، كما في الحديث".

وجاء في الأصل فوقها: "صح"، أي أنها وجدت هكذا. ولم يكمل النووي رحمه الله هذا الشرح، فوافته المنية قبل وصوله كتاب الصلاة.

ص: 250