المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌32 - باب: ما ينجس الماء - الإيجاز في شرح سنن أبي داود - النووي

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقّق

- ‌ صحة نسبة الكتاب للإمام النووي:

- ‌ نقولات العلماء من "شرح النووي على سنن أبي داود

- ‌ إلى أين وصل النووي رحمه الله في "شرح سنن أبي داود

- ‌ نقولات ابن رسلان الرملي في شرحه "سنن أبي داود"، المسمى "صفوة الزبد" عن الإمام النووي:

- ‌ نقولات السيوطي في شرحه على "سنن أبي داود" المسمى "مرقاة الصعود

- ‌ توصيف النسخة الخطية المعتمدة في التحقيق:

- ‌ عملي في التحقيق:

- ‌1 - فصل

- ‌2 - فصل

- ‌3).3 -فَصل

- ‌1 - باب: التخلِّي عند قضاء الحاجة

- ‌2 - باب: الرجل يَتَبَوَّأ لبوله

- ‌3 - باب: ما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌4 - باب: كراهية استقبال القبلة عند الحاجة

- ‌5 - باب: الرخصة

- ‌6 - باب: كيف التكشف عند الحاجة

- ‌7 - باب: كراهة الكلام عند الخلاء

- ‌8 - باب: أَيَرُدُّ السلام وهو يبول

- ‌9 - باب " الرجل يذكر الله سبحانه على غير طهر

- ‌10 - باب: الخاتمُ يكون فيه ذكرُ الله تعالى يُدخَلُ به الخلاءُ

- ‌11 - باب: الاستنزاه من البول

- ‌13 - باب: البول قائما

- ‌13: باب: في الرجل يبول بالليل في الإناء، ثم يضَعُه عنده

- ‌14 - باب: المواضع التي نهي عن البول فيها

- ‌15 - باب: في البول في المستحم

- ‌16 - باب: النهي عن البول في الجُحْر

- ‌17 - باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء

- ‌18 - باب: كراهة مس الذكر باليمين في الاستبراء

- ‌19 - باب: الاستتار في الخلاء

- ‌20 - باب: ما ينهى أن يُستَنجى به

- ‌21 - باب: الاستنجاء بالأحجار

- ‌22 - باب: في الاستبراء

- ‌33 - باب: الاستنجاء بالماء

- ‌24 - باب: يَدْلُك يده بالأرض إذا اسْتَنجى

- ‌25 - باب: السواك

- ‌26 - باب: كيف يستاك

- ‌27 - باب: الرجل يستاك بسواك غيره

- ‌28 - باب: غسل السواك

- ‌29 - باب الفطرة

- ‌30 - باب: فرض الوضوء

- ‌31 - باب: الرجل يُجدِّد الوضوء من غير حَدَثٍ

- ‌32 - باب: ما ينجِّس الماء

- ‌33 - باب: ذكر بئر بُضاعة

- ‌34 - باب: الماء لا يُجنِبُ

- ‌35 - باب: البول في الماء الراكد

- ‌36 - باب الوضوء بسُؤر الكلب

- ‌37 - باب: سؤر الهر

- ‌38 - باب: الوضوء بفضل وضوء المرأة

- ‌39 - باب: في النهي عن ذلك

- ‌40 - باب: الوضوء بماء البَحْر

- ‌41 - باب: الوضوء بالنبيذ

- ‌42 - باب: أيصلّي الرجل وهو حاقن

- ‌43 - باب: ما يُجْزيء من الماء في الوضوء

- ‌44 - باب: إسباغ الوضوء

- ‌45 - باب: الوضوء في أنية الصُّفْر

- ‌46 - باب: التسمية على الوضوء

- ‌47 - باب: الرجل يُدْخِل يده في الإناء قبل أن يغسلها

الفصل: ‌32 - باب: ما ينجس الماء

‌32 - باب: ما ينجِّس الماء

63 -

(صحيح) حدثنا محمد بن العلاء، وعثمان بن أبي شيبة، والحسن بن علي، وغيرهم، قالوا: حدثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان الماء قُلتين، لم يحمل الخبث".

قال أبو داود: [و] هذا لفظ ابن العلاء، وقال عثمان والحسن بن علي: عن محمد بن عباد بن جعفر.

قال أبو داود: و [هذا] هو الصَّواب.

64 -

(حسن صحيح) حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا حماد، (ح)، وحدثنا أبو كامل، ثنا يزيد -يعني ابن زُريع-، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر -قال أبو كامل: ابن الزبير- عن عبيد الله ابن عبد الله بن عمر، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِل عن الماء يكون في الفلاة؟ فذكر معناه.

65 -

(صحيح) حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد، قال: أنا عاصم بن المنذر، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، قال: حدثني أبى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان الماء قُلَّتين، فإنه لا بنجس".

قال أبو داود: حماد بن زيد وقفه عن عاصم

(1)

.

(1)

أخرجه من طريق أبي داود: الدارقطني في "السنن"(1/ 15)، والبيهقي في "الكبرى"(1/ 261). =

ص: 261

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= رواه هكذا عن أبي أسامة جماعة، منهم:

* أبو كريب محمد بن العلاء، رواه الدارقطني في "السنن"(1/ 15).

* وأبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 144)، وعنه الدارقطني في "السنن"(1/ 15)، وابن حبان في "الصحيح"(4/ 57/ رقم 1249 - مع الإحسان)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 132)، وعنه البيهقي في "الكبرى"(1/ 261)، ووقع خلاف عليه فيه.

* وعبد بن حميد في "المسند"(817 - المنتخب)، وعنه ابن الجوزي في "التحقيق"(1/ 34/ رقم 7).

* وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه في "المسند "- كما في "نصب الراية"(1/ 109) -، وعنه الدارقطني في "السنن"(1/ 15)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 132).

* هناد بن السِّري، عند النسائي في "المجتبى"(1/ 46)، وفي "الكبرى"(رقم 50)، وعنه الجوزقاني في "الأباطيل"(رقم 321)، والطحاوي في "المشكل "(7/ 64/ رقم 2645)، والدارقطني في "السنن"(1/ 15).

* الحسين بن حُريث، عند النسائي في "المجتبى"(1/ 46)، وفي "السنن الكبرى"(رقم 50)، وعنه الجوزقاني في "الأباطيل"(رقم 321)، والطحاوي في "المشكل"(7/ 64/ رقم 2645)، والدارقطني في "السنن"(1/ 15).

* يعقوب بن إبراهيم الدورقي، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 13 - 14).

* يحيى بن حسان، عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 15)، و "مشكل الآثار"(7/ 63/ رقم 2644).

* موسى بن عبد الرحمن الكندي، عند ابن جرير في "تهذيب الآثار"(/ 2/ 224 رقم 1607، 1608).

* شعيب بن أيوب، أخرجه البيهقي في الخلافيات (942 - بتحقيقي).

* أبو عبيدة بن أبي السفر.

* محمد بن عبادة.

* حاجب بن سليمان.

* هارون بن عبد الله. =

ص: 262

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= * أحمد بن جعفر الوكيعي.

جميعهم عند الدارقطني في "السنن"(1/ 13 - 14، 14 - 15).

* عبد الله بن محمد بن شاكر.

* ومحمد بن سليمان القيراطي.

وعن كليهما ابن الجارود في "المنتقى"(رقم 45).

* الحسن بن علي بن عفان، أخرجه البيهقي في الخلافيات (936).

* عثمان بن أبي شيبة.

واختلف عليه فيه؛ رواه إسماعيل بن قتيبة النيسابوري عنه هكذا، عند الحاكم في "المستدرك"(1/ 132)، وعنه البيهقي في "الكبرى"(1/ 261)، ورواه أبو داود في "السنن" -كما تقدم- عنه عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن (محمد بن عباد بن جعفر) بدل (محمد بن جعفر بن الزبير).

(تنبيهات):

الأول: رواه جل هؤلاء بلفظ: "لم يحمل الخبث"؛ وقال بعضهم: "لم ينجسه شيء"، وبعضهم ذكره باللفظين؛ كموسى بن عبد الرحمن الكندي.

الثاني: رواه غير المذكورين عن أبي أسامة به، وذكروا (محمد بن عباد) بدل (محمد بن جعفر)، ولم ينتبه لهذا كثير من المعلقين والمحشّين على الكتب؛ فتجد عندهم مصادر غير مذكررة عندنا، ويقول:"كلهم عن أبي أسامة به"، ولم ينتبهوا للفرق المذكور؛ فلا تغررك زياداتهم؟

الثالث: ورد الحديث عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر عن عُبيد الله بالتصغير، وهو أخو عبد الله المذكور هنا، وكلاهما ثقة، ولم ينتبه لهذا أيضًا كثير من المحققين؛ كالمعلق على "الإحسان" و"تهذيب الآثار".

الرابع: روى أحمد بن عبد الحميد الحارثي هذا الحديث عن أسامة عن الوليد عن محمد بن عباد، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 17)، والبيهقي في "المعرفة"(2/ 85/ رقم 1855)، و"السنن الكبرى"(1/ 261)، وقال:"فهو إذًا قد رواه عن أبي أسامة على الوجهين جميعًا".

الخامس: أُعلّ الحديث بعلل كثيرة لا تقدح في صحته، سيأتي ذكرها، وتفنيدها، وبيان من صححه من العلماء -إن شاء الله تعالى. =

ص: 263

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال الحاكم في "المستدرك"(1/ 132 - 133): "هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين، فقد احتجَّا بجميع رواته، ولم يخرجاه، وأظنهما -والله أعلم- لم يخرجاه لخلاف فيه على أبي أسامة عن الوليد بن كثير".

وكذا قال ابن الأثير في "شرح مسند الشافعي"(1/ 80) ونص عبارته: "فلهذا الاختلاف تركه البخاري ومسلم؛ لأنه على خلاف شرطهما، لا لطعن في متن الحديث؛ فإنه في نفسه حديث مشهور معمول به، ورجاله ثقات مُعدَّلون، وليس هذا الاختلاف مما يوهنه".

وذكر عبارة الحاكم الآتية: "هذا الخلاف لا

"، ونقله ابن الملقن في "البدر المنير" (2/ 96).

وردَّ هذا العلائي في "جزء في تصحيح حديث القُلَّتين والكلام على أسانيده"(ص 30 - 31)؛ فإنه أسهب في الرد على مُضعِّفيه بالاضطراب -وسيأتي كلامه إن شاء الله-، ثم بيَّن أن الاختلاف فيه على أبي أسامة لا يضر، ثم قال:"وبهذا يبطل قول الحاكم رحمه الله: "إن الشيخين إنما تركا هذا الحديث للاختلاف فيه"، وأشار إلى هذا الاختلاف.

فإن من تتبع "الصحيحين" وجد فيهما العدد الكثير من مثل هذا، ولم يعدوا ذلك خلافًا، ولا استدركه عليهما الدارقطني وغيره فيما استدرك على الكتابين من العلل في بعض أحاديثهما.

فإن قيل: فلم تركا إخراجه إذا لم يكن هذا مؤثرًا؟

قلنا: الذي عليه أئمة أهل الفن قديمًا وحديثًا، أن ترك الشيخين إخراج حديث، لا يدلُّ على ضعفه ما لم يصرح أحد منهم بضعفه، أو جرح رواته، ولو كان كذلك؛ لما صح الاحتجاج بما عدا ما في "الصحيحين"، وقد صح عن كل منهما أنه لم يستوعب في كتابه الصحيح من الحديث كله، ولا الرجال الثقات.

وقد صحح كل واحد منهما أحاديث سُئِل عنها وليست في كتابه".

وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(1/ 133)، ومن طريقه البيهقي في "الخلافيات"(938) من طريق الحميدي ومحمد بن عثمان بن كرامة عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر به. =

ص: 264

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فرواه عن أبي أسامة جمع سموا شيخ الوليد (ابن عباد)، فمنهم أحمد بن عبد الحميد الحارثي، والحسن بن علي بن عفان وعثمان بن أبي شيبة قد سبق ذكرهم، ورواه كذلك سواهم منهم:

* محمد بن سعيد القطان، عند ابن الأعرابي في "المعجم"(1/ 163 - 164/ رقم 64)، وابن الجارود في "المنتقى"(رقم 44).

* أبو بكر بن أبي شيبة، عند ابن حبان في "الصحيح"(4/ 63 رقم 1253 - مع "الإحسان")، قال: أخبرنا الحسن بن سفيان، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، به.

ومضى أنه في "المصنف"(1/ 144)، ومن طريقه غير واحد، وفيه:"عن محمد بن جعفر" بدل "محمد بن عباد"، وهكذا رواه الحسن بن سفيان عند ابن حبان أيضًا، فلا أدري هل هو عنده على الوجهين، أم هو من أوهام ابن سفيان أو ابن حبان؟

ثم وجدتُ أن العلائي في "جزء في تصحيح حديث القلتين"(ص 33) قد جزم بصحة الطريقين عنه، وهذا أولى من التوهيم من غير حجة ولا دليل، والله أعلم.

* أحمد بن زكريا بن سفيان الواسطي، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 15).

* الحميدي، عند الحاكم في "المستدرك"(1/ 133)، والدارقطني في "السنن"(1/ 15)، والبيهقي في "الخلافيات"(938)، وفي "السنن الكبرى"(1/ 260).

* محمد بن حسان الأزرق، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 16).

* يعيش بن الجهم، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 16).

* أحمد بن الفرات أبو مسعود، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 16).

* محمد بن عثمان بن كرامة، عند الحاكم في "المستدرك"(1/ 133)،

والدارقطني في "السنن"(1/ 16 - 17)، والبيهقي في "الخلافيات"(938).

* الحسين بن علي بن الأسود، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 17).

* علي بن محمد بن أبي الخصيب، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 17)، ولم يسنده. =

ص: 265

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= * محمد بن الفضيل البلخي، ذكره الدارقطني في "السنن"(1/ 15)، ولم يسنده.

* علي بن شعيب، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 16).

* سفيان بن وكيع، عند ابن جرير في "تهذيب الآثار"(2/ 224/ رقم 1609).

* حجاج بن حمرة، فيما ذكر ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 44/ رقم 96).

* الشافعي في "مسنده"(رقم 36)، و"الأم"(1/ 4)، ومن طريقه الحاكم في "المستدرك"(1/ 133)، والدارقطني في "السنن"(1/ 16)، والبيهقي في "المعرفة"(2/ 84)، وفي "الخلافيات"(940)، أخبرنا الثقة: عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر به.

وقال البيهقي عقبه في "المعرفة": "هذا الثقة هو أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي، فإن الحديث مشهور به". قال: "وقد رأيت في بعض الكتب ما يدل على أن الشافعي أخذه عن بعض أصحابه عن أبي أسامة".

وقال الحاكم في المستدرك (1/ 133): "هذا فلان لا يوهن هذا الحديث، فقد احتجَّ الشيخان بالوليد بن كثير ومحمد بن جعفر بن الزبير، فأما محمد بن عباد فغير محتج به، وإن قرنه أبو أسامة إلى محمد بن جعفر بن الزبير ثم حدث به مرة عن هذا ومرة عن ذلك". ونقل هذا البيهقي في "الخلافيات" ثم قال (رقم 941): "قول شيخنا رحمه الله في محمد بن عباد بن جعفر: إنه غير محتج به، سهو منه، فقد أخرج البخاري ومسلم -رحمهما الله- حديثه في "الصحيح" واحتجَّا به، والحديث محفوظ عن الوليد بن كثير عنهما جميعاً".

ومما يدل على صحة كلام الحاكم في أن الوليد رواه عنهما جميعًا: ما أخرجه الحاكم في "المستدرك"(1/ 133)، والدارقطني في "السنن"(1/ 18)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 260 - 261)، و"المعرفة"(2/ 86)، ورواه في "الخلافيات" (942) فقال:

"قال شيخنا أبو عبد الله فيما قريء عليه وأنا أسمع؛ والدليل عليه ما حدثنيه أبو علي محمد بن علي الإسفراييني من أصل كتابه وأنا اسمع؛ قال حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي، حدثنا شعيب بن أيوب، =

ص: 266

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= حدثنا أبو أسامة، حدثنا الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه؛ قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كان الماء قلتين؛ لم يحمل الخبث".

قال الحاكم: "قد صحَّ وثبت بهذه الرواية صحة الحديث، وظهر أن أبا أسامة ساق هذا الحديث عن الوليد عنهما جميعًا؛ فإن شعيب بن أيوب الصريفيني ثقة مأمون، وكذلك الطريق إليه".

ثم قال البيهقي: "وقد رواه هكذا عن شعيب بن أيوب: أبو بكر أحمد بن محمد بن سعدان الصيدلاني؛ أخبرنا بذلك أبو عبد الرحمن السلمي، أنبأ علي بن عمر الحافظ، ثنا ابن سعدان، ثنا شعيب بن أيوب بهذا الإسناد على الوجهين".

قلت: ومما يؤكد ذلك أنه قد روي عن عثمان بن أبي شيبة عن أبي أسامة والحسن بن علي بن عفان عن أبي أسامة على الوجهين -كما مر- فيكون هذا مؤيدًا لكلام الحاكم.

وقال الدارقطني في "سننه"(1/ 17)؛ "وصح أن الوليد بن كثير رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير، وعن محمد بن عباد بن جعفر؛ جميعًا: عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه؛ فكان أبو أسامة يحدث به عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير، ومرة يحدث به عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر، والله أعلم".

وإليه ذهب العلائي في "جزئه في تصحيحه"(ص 33 - 34)، قال بعد أن أورد طريق من رواه على الوجهين:"فقد ثبت بهذه الطرق عنهم رواية الحديث عن أبي أسامة على الوجهين جميعًا، وذلك يفيد كونه عند أبي أسامة عنهما جميعًا، وإلا لما اختلف الرجل الواحد في ذلك، خصوصًا ابنا أبي شيبة في حفظهما وإتقانهما".

ثم قال (ص 35): "نعلم بهذا أن الراوي الواحد إذا كان ضابطًا متقنًا، وروى الحديثين على الوجهين المختلفين فيهما؛ أن كلاًّ منهما صحيح".

ثم أورد رواة شعيب بن أيوب، وصنيع الحاكم والدارقطني السابق، وقال: =

ص: 267

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= "فثبت بذلك صريحًا أن الحديث عند أبي أسامة عنهما جميعًا، وإنما كان يرويه تارةً عن أحدهما، وتارة يجمع بينهما".

وإلى هذا ذهب جمع من المحققين، منهم:

* الرافعي، أفاد في "الشافي في شرح مسند الشافعي"(1/ 81) أن الأكثرين ذهبوا إلى صحة الروايتين.

وقال في "التذنيب": "الأكثرون صححوا الروايتين جميعًا".

كذا في "البدر المنير"(2/ 95).

* عبد الحق الإشبيلي، قال في "الأحكام الوسطى" (1/ 154 - 155) عقبه:

"هذا صحيح؛ لأنه قد صح أن الوليد بن كثير روى هذا الحديث عن محمد بن جعفر بن الزبير، وعن محمد بن عباد بن جعفر؛ كلاهما عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، ذكر ذلك أبو الحسن الدارقطني، والمحمدان ثقتان، روى لهما البخاري ومسلم".

* وهذا الدي ذهب إليه المصنف وسيأتي كلامه أول شرحه للحديث، وقال في "المجموع" (1/ 112):"حديث حسن ثابت"، وصححه في "خلاصة الأحكام"(1/ 66) رقم (11/ 12/ 13).

ومسلك الجمع فيه إعمال للروايات كلها، وهو خير من الترجيح، وذهب إلى الترجيح بعض الحفاظ، ووقع بينهم خلاف فيه، نوضِّحه في الآتي:

* قال أبو داود في "سننه" كما تقدم عقب (63): "وقال عثمان والحسن بن علي: عن محمد بن عباد بن جعفر"، قال أبو داود:"و [هذا] هو الصواب".

وهذا ما رجحه ابن حجر، قال في "التلخيص الحبير" (1/ 28) بعد كلام:"إن هذا ليس اضطرابًا قادحًا، فإنه على تقدير أن يكون الجميع محفوظًا انتقالٌ من ثقة إلى ثقة، وعند التحقيق، الصواب أنه عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر -المكبر-، وعن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر -المصغر-، ومن رواه على غير هذا الوجه؛ فقد وهم".

بينما رجَّح أبو حاتم وابن منده (محمد بن جعفر بن الزبير)، وهذا التفصيل:

* قال ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 244/ رقم 96): =

ص: 268

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= "قلت لأبي: إن حجاج بن حمرة حدثنا عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير؛ فقال: عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن ابن عمر، مرفوعًا. فقال أبي: محمد بن عباد بن جعفر ثقة، ومحمد بن جعفر بن الزبير ثقة، والحديث لمحمد بن جعفر بن الزبير أشبه" اهـ.

* وقال ابن منده -كما في "نصب الراية"(1/ 106) -: "اختُلف على أبي أسامة؛ فروى عنه عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر، وقال مرَّةً: عن محمد بن جعفر بن الزبير، وهو الصواب".

وأطلق الخطابي الخطأ، ولم يعينه؛ فقال في "معالم السنن" (1/ 36):

"وذكروا أن الرواة قد اضطربوا فيه؛ فقالوا مرةً: "عن محمد بن جعفر بن الزبير" ومرةً: "عن محمد بن عباد بن جعفر"، وهذا اختلاف من قبل أبي أسامة حماد بن أسامة القرشي. ورواه محمد بن إسحاق بن يسار عن محمد بن جعفر بن الزبيرة فالخطأ من إحدى روايتيه متروك، والصواب معمول به، وليس في ذلك ما يوجب توهين الحديث، وكفى شاهدًا على صحته أن نجوم الأرض من أهل الحديث قد صححوه وقالوا به، وهم القدوة وعليهم المعوَّل في هذا الباب".

وتعقبه العلائي في "جزئه"(ص 39)؛ فقال: "وقد ظنَّ الإمام أبو سليمان الخطابي أن إحدى الروايتين غلط، وجعل الصحيح من حديث أبي أسامة كونه عنده عن (محمد بن الزبير) لمَّا رأى محمد بن إسحاق بن يسار قد رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير، وأن من قال فيه: "محمد بن عباد بن جعفر"، فقد غلط، وليس الأمر كذلك لما قد تبين من كونه عند أبي أسامة عنهما جميعًا.

وأيضًا: فقد تقدم أن كلاًّ من الروايتين رواهما عدد كثير من الأثبات المتقنين عن أبي أسامة، والغلط عليهم بعيد، بل لو انفرد واحد بروايته كذلك دون سائر الرواة؛ أمكن أن يقال: إنه وهم فيه".

وتعقب الشيخ أحمد شاكر في "شرح الترمذي"(1/ 99) كلام ابن حجر السابق؛ فقال:

"وما قاله من التحقيق غير جيد، والذي يظهر من تتبُّع الروايات أن =

ص: 269

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الوليد بن كثير رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير، ومحمد بن عباد بن جعفر، وأنهما كلاهما روياه عن عبد الله وعبيد الله، ابني عبد الله بن عمر".

قلت: كلامه صحيح، وهو يؤيد ما قدمناه، ولكن كلام الشيخ أبي الأشبال متعقب بأن محمد بن عباد بن جعفر لم يروه عن عبيد الله.

وأما رواية أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله -بالتصغير- به، فقد أخرجها النسائي في "المجتبى"(1/ 175)، والدارمي في "السنن"(1/ 187)، وابن خزيمة في "صحيحه"(رقم 92)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(3/ 266)، وفي "شرح معاني الآثار"(1/ 15)، وابن حبان في "الصحيح"(رقم 118 - الموارد)، وهكذا رواه ابن إسحاق وسيأتي بيان ذلك.

أما القائلون بضعفه واضطرابه؛ فعلى رأسهم ابن عبد البر، وسيأتي نقل كلامه وتعقبه.

وكذا ابن العربي المالكي، قال في "القبس" (1/ 130):"وهو حديث لم يصح".

وقال في "العارضة"(1/ 84):

"وحديث القلتين مداره على مطعون عليه، أو مضطرب في الرواية".

وقال في "أحكام القرآن"(3/ 1425): "الحديث ليس بصحيح".

وأعله بالاضطراب علي بن زكريا المنبجي في "اللباب في الجمع بين السنَّة والكتاب"(1/ 90 - 91).

ونقل ابن المنذر في "الأوسط"(1/ 271) ضعفه عن ابن المبارك؛ فقال:

"حديث القلتين يدفعه عبد الله بن المبارك ويقول: ليس بالقوي، ولو ثبت حديث القلتين؛ لوجب أن يكون على قول من يقول بعموم الأخبار على كل قلة صغرت أو كبرت"، ثم ذكر كلامًا يدل على أنه يؤيده ويذهب إلى ضعفه.

وتابع الوليد بن كثير على روايته عن محمد بن جعفر بن الزبير: محمد بن إسحاق وعنه جمعٌ، منهم: يزيد بن زريع، كما في رواية أبي داود المتقدمة برقم (64).

وأخرجها من طريق ابن زريع أيضًا: ابن جرير في "تهذيب الآثار"(2/ 225) رقم (1612). =

ص: 270

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(1/ 133)، وعنه البيهقي في "الخلافيات"(944)، وفي "الكبرى"(1/ 261) من طريق أحمد بن خالد الوهبي عن ابن إسحاق به.

وأخرجه ابن ماجه في "السنن"(1/ 172/ رقم 517)، والدارمي في "السنن"(1/ 186)، وأحمد في "المسند"(2/ 26 - 27)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 15)، و"مشكل الآثار"(7/ 64/ رقم 2646)، وابن جرير في "تهذيب الآثار"(2/ 226/ رقم 1616)، والبيهقي في "المعرفة"(2/ 88/ رقم 1870) عن يزيد بن هارون، به.

ورواه عن ابن إسحاق جماعة غير يزيد بن زريع ويزيد بن هارون وأحمد بن خالد الوهبي، مثل:

* حماد بن سلمة، كما تقدم عند أبي داود (رقم 64)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 16)، والبيهقي في "الكبرى"(1/ 262)، وفي "الخلافيات"(947)، وسمويه في "بعض الثالث من فوائده"(ق 139/ أ).

* عبدة بن سليمان، عند الترمذي في "الجامع" (1/ 97/ رقم 67): ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق"(1/ 33/ رقم 6)، وأحمد في "المسند"(2/ 12)، والدارقطني في "السنن"(1/ 19).

* عبد الله بن المبارك، عند ابن ماجه في "السنن"(1/ 172)، وابن جرير في "تهذيب الآثار"(2/ 224/ رقم 1610).

* عباد بن عباد المهلبي، عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 15).

* زهير بن حرب أبو خيثمة، عند أبي يعلى في "المسند"(9/ 438 - 439/ رقم 5590).

* جرير بن عبد الحميد، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 19)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 58/ رقم 282)، والبيهقي في "المعرفة"(2/ 87/ رقم 1869)، وابن جرير في "تهذيب الآثار"(2/ 224/ رقم 1611).

* سلمة بن الفضل، عند ابن جرير في "تهذيب الآثار"(2/ 224 - 225/ رقم 1611).

* محمد بن خازم أبو معاوية الضرير، عند ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 144 - ط الهندية و 1/ 169 - ط دار الفكر) -وتصحف عبيد الله في ط =

ص: 271

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= دار الفكر إلى (عبد الله)؛ فلتصحح-، وسمويه في "بعض الثالث من فوائده"(ق 139/ أ).

* عبد الرحيم بن سليمان الكندي، عند ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 144).

* عبد الرحمن بن عمر المحاربي، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 19).

* سعيد بن زيد، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 21).

* سفيان الثوري، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 21).

* زائدة بن قدامة، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 21).

* إسماعيل بن عياش، أفاده الدارقطني في "السنن"(1/ 21).

* إبراهيم بن سعد، أفاده الدارقطني في "السنن"(1/ 20)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 134).

* عبد الله بن نمير، أفاده الدارقطني في "السنن"(1/ 20).

(تنبيهات):

الأول: وقع اختلاف فيه على ابن إسحاق، انظر بعض وجوهه عند البيهقي في "الخلافيات"، وانظر تعليقنا هناك.

الثاني: صرح ابن إسحاق بالتحديث عند جماعة من المذكورين؛ فلا التفات لتدليسه.

الثالث: في رواية بعضهم: "السباع والكلاب"، وهي غريبة -كما سيأتي-، وفي رواية آخرين:"الكلاب والدواب".

قال الحاكم في "المستدرك"(12/ 134): "وهكذا رواه سفيان الثوري وزائدة بن قدامة وحماد بن سلمة وإبراهيم بن سعد وعبد الله بن المبارك ويزيد بن زريع وسعيد بن زيد أخو حماد بن زيد وأبو معاوية وعبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق، فقالوا كلهم: عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وهو مما لا يوهنه؛ فإن الحديث قد حدث به عبيد الله وعبد الله جميعًا".

قال البيهقي في "الخلافيات"(3/ 165): "وروي عن عباد بن صهيب، عن الوليد بن كثير كذلك.

أخبرناه أبو بكر بن الحارث، أنبأ علي بن عمر الحافظ، ثنا محمد بن =

ص: 272

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= علي بن سهل الإمام، ثنا الحسين بن علي بن عبد الصمد، ثنا بحر بن الحكم، ثنا عباد بن صهيب، ثنا الوليد بن كثير نا محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه به. وأخرجه الدارقطني في "السنن"(1/ 18 - 19).

وإسناده ضعيف.

عباد بن صهيب؛ قال ابن المديني: "ذاهب الحديث"، وتركه النسائي وغيره.

انظر: "الميزان"(2/ 367)، و"الضعفاء"(ص 76) للبخاري، و"المجروحين"(2/ 164)، و"الضعفاء والمتروكين"(ص 74) للنسائي.

وانظر: "جزء في تصحيح حديث القلتين" للعلائي (ص 42 - 43).

ولم ينفرد عباد به؛ فقد رواه أبو أسامة حماد بن أسامة عن الوليد هكذا؛ فهو ثابت عنده على الوجهين: "عبد الله" و"عبيد الله"، أخرجه النسائي في "المجتبى"(1/ 175)، والدارمي في "السنن"(1/ 187)، وابن خزيمة في "الصحيح"(رقم 92)، والطحاوي في "المشكل"(3/ 266) وفي "شرح معاني الآثار"(1/ 15)، وابن حبان في "الصحيح"(رقم 118 - موارد)، وسمويه في "بعض الثالث من فوائده"(ق 139/ أ).

وأما الطريق الأخيرة التي عند أبي داود، فقد جاءت موصلة من طريق حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر قال: كنا مع ابن لابن عمر في البستان، وثمَّ جلد بعير في ماء فتوضأ منه، فقلت: أتفعل هذا؟ فقال: حدثني أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره.

أخرجه الطيالسي في "المسند"(رقم 1954)، ومن طريقه عبد بن حميد في "المنتخب"(رقم 818)، وأبو الحسن بن سلمة في "زوائده على ابن ماجه"(1/ 173)، والبيهقي في "الخلافيات"(948).

وأما عن طريق أبي داود، فأخرجها البيهقي في "الكبرى"(1/ 262)، وفي "الخلافيات"(949)، و"المعرفة"(2/ 89)، وقال:"وهذا إسناد صحيح موصول"، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 16).

ووقع اختلاف على حماد، فمنهم من رواه عنه بالشك "قلتين، أو ثلاثًا" كما سيأتي. =

ص: 273

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ورواه عن حماد جماعةٌ من غير شك منهم:

* عفان بن مسلم، عند ابن الجارود في "المنتقى"(رقم 46) ثنا محمد بن يحيى، وابن المنذر في "الأوسط"(1/ 270/ رقم 189) ثنا محمد بن إسماعيل الصالح، والدارقطني في "السنن"(1/ 23) من طريق الحسن بن محمد الزعفراني؛ ثلاثتهم عن عفان، به. وروي عنه بالشك، كما سيأتي.

* يزيد بن هارون، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 22).

ووقع اختلاف عليه فيه؛ فرواه الحسن بن محمد بن الصباح عنه بالشك، ورواه أبو مسعود الرازي عنه من غير شك، وكلاهما عند الدارقطني.

ورواه عنه مجاهد بن موسى بالشك، عند ابن جرير في "تهذيب الآثار"(2/ 225/ رقم 1614).

* يعقوب بن إسحاق الحضرمي.

* بشر بن السَّري.

* العلاء بن عبد الجبار المكي.

* موسى بن إسماعيل.

* وعبيد الله بن محمد العيشي.

جميعهم عند الدارقطني في "السنن"(1/ 23) وأوردهم مجموعين، ورواية أبي داود الأخيرة عن موسى بن إسماعيل وحده بالجزم دون الشك.

* يحيى بن حسان، عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 16)، وقال:"غير أنه لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأوقفه على ابن عمر".

قلت: وقال أبو داود عقب رواية موسى بن إسماعيل: "حماد بن زيد وقفه عن عاصم".

قلت: رواه حماد بن زيد عن عاصم بن المنذر عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه، وكذلك رواه إسماعيل ابن علية عن عاصم بن المنذر عن رجلٍ لم يُسمِّه عن ابن عمر موقوفًا أيضًا عند ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 144)، وابن جرير في "تهذيب الآثار"(2/ 223/ رقم 1065)، أفاده ابن معين في "تاريخه"(4/ 240)، والدارقطني في "السنن"(1/ 22)، وابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 329). =

ص: 274

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فخلاف حماد بن زيد لحماد بن سلمة ليس في الرفع والوقف فحسب، وإنما في شيخ عاصم أيضًا. ورواه بالشك جماعة أيضًا، وفيهم حفاظ وأئمة، وهم كُثر، مما يجعل الحديثي يطمئن إلى أن الخلاف من حماد نفسه؛ فإنه ثقة، ولكنه تغيَّر في آخر عمره، ولعل من رواه عنه بالشك سمعه منه بأخرة، وهؤلاء هم:

* يزيد بن هارون؛ كما مضى بيانه قريبًا.

* وكيع، عند ابن ماجه في "السنن"(رقم 518)، وأحمد في "المسند"(2/ 23)، وابن جرير في "تهذيب الآثار"(2/ 225/ رقم 1613).

* أبو الوليد الطيالسي، رواه عنه بالشك عبد بن حميد في "المنتخب"(818)، وأبو الحسن بن سلمة في "زوائده على ابن ماجه"(1/ 173)، وهو في "مسند الطيالسي"(رقم 1954).

* أبو سلمة التبوذكي -وهو موسى بن إسماعيل-، عند أبي الحسن بن سلمة في "زوائده على ابن ماجه"(1/ 173).

* عبيد الله بن محمد العيشي، عند أبي الحسن بن سلمة في "زوائده على ابن ماجه"(1/ 173).

ومضي عنه خلاف ذلك.

* عفان، وعنه أحمد بن حنبل في "المسند"(2/ 107).

ومضي عنه خلاف ذلك.

* زيد بن الحباب، وعنه أبو عبيد في "الطهور"(رقم 166 - بتحقيقي)، وخالف أبا عبيد: ابنُ وكيع؛ فرواه عن ابن الحباب، عن حماد، عن رجل، عن سالم، حدثني أبي، رفعه.

* إبراهيم بن الحجاج، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 262)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 134)، والبيهقي في "السنن الكبرى (1/ 262)، و"المعرفة" (2/ 88/ رقم 1876).

* هدبة بن خالد، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 22)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 134)، والبيهقي في "المعرفة"(2/ 88/ رقم 1876) وفي "السنن الكبرى"(1/ 262). =

ص: 275

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= * كامل بن طلحة، عند الدارقطني في "السنن"(1/ 22).

ولخص ابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 329) ما سبق ذكره من طرق وألفاظ، وحكم بضعفه لعلل في السند والمتن، وهذا نص كلامه:

"وهو حديث يرويه محمد بن إسحاق والوليد بن كثير جميعًا عن محمد بن جعفر بن الزبير، وبعض رواة الوليد بن كثير، يقول فيه عنه عن محمد بن عباد بن جعفر، ولم يختلف عن الوليد بن كثير أنه قال فيه: عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه يرفعه، ومحمد بن إسحاق يقول فيه: عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه، وعاصم أيضًا؛ فالوليد يجعله عن عبد الله بن عبد الله، ومحمد بن إسحاق يجعله عن عبيد الله بن عبد الله، ورواه عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه؛ فاختلف فيه عليه أيضًا؛ فقال حماد بن سلمة: عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه، وقال فيه حماد بن زيد: عن عاصم بن المنذر عن أبي بكر بن عبيد الله عن عبد الله بن عمر، وقال حماد بن سلمة فيه: "إذا كان الماء قلتين أو ثلاثًا؛ لم ينجسه شيء".

وبعضهم يقول فيه: "إذا كان الماء قلتين؛ لم يحمل الخبث"، وهذا اللفظ محتمل للتأويل، ومثل هذا الاضطراب في الإسناد يوجب التوقف عن القول بهذا الحديث إلى أن القلتين غير معروفتين، ومحال أن يتعبد الله عباده بما لا يعرفونه".

وأجمل الكلام عليه في "الاستذكار"(2/ 103)، وقال:

"وقد تكلم إسماعيل القاضي في هذا الحديث، ورقه بكثير من القول في كتاب "أحكام القرآن" (1)، وقد رد الشافعيون عليه قوله في ذلك بضروب من الرد، وممن نقض ذلك منهم أبو يحيى [الساجي] في كتاب "أحكام القرآن". انتهى.

قلت: ويضاف إلى ما ذكره ابن عبد البر: الرفع، والوقف؛ كما بيناه سابقًا.

ولخص الطرق السابقة أيضًا ابن منده، ولكنه أكد عدم اضطرابها، ورجح صحتها، ونص كلامه -فيما ساقه ابن دقيق العيد في "الإمام" =

_________

(أ) ليس هو في القسم المطبوع منه.

ص: 276

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (1/ 204 - 205) وابن الملقن في "البدر المنير"(2/ 91 وما بعدها)، والزيلعي في "نصب الراية" (1/ 107) -:

"إسناد هذا الحديث على شرط مسلم في عبيد الله بن عبد الله، ومحمد بن جعفر، ومحمد بن إسحاق، والوليد بن كثير".

قال: "وقد روى هذا الحديث حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه، رواه إسماعيل ابن علية عن عاصم بن المنذر عن رجل عن ابن عمر.

فهذا محمد بن إسحاق وافق عيسى بن يونس عن الوليد بن كثير في ذكر محمد بن جعفر بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عمر، وروايتهما توافق رواية حماد بن سلمة وغيره عن عاصم بن المنذر في ذكر عبيد الله بن عبد الله.

فثبت هذا الحديث باتفاق أهل المدينة والكوفة والبصرة على حديث عبيد الله بن عبد الله، وباتفاق محمد بن إسحاق والوليد بن كثير على روايتهما عن محمد بن جعفر بن الزبير.

فعبيد الله وعبد الله ابنا عبد الله بن عمر مقبولان بإجماع من الجماعة في كتبهم، وكذلك محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن عبَّاد بن جعفر والوليد بن كثير في كتاب مسلم بن الحجاج، وأبي داود، والنسائي (أ). وعاصم بن المنذر يُعْتَبَر بحديثه، وابن إسحاق أخرج عنه أبو داود والنسائي، واستشهد البخاري به في مواضع (ب)، وقال شعبة بن الحجاج:"محمد بن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث".

وقال ابن المبارك: هو ثقة ثقة ثقة"، هذا آخر كلام الحافظ ابن منده.

وقال ابن الملقن في "البدر المنير"(2/ 93 وما بعدها): "وأعلَّ قوم الحديث بوجهين: =

_________

(أ) بل روى له الجماعة، كما في "تهذيب الكمال"(31/ 73 - 75).

(ب) وروى له مسلم في المتابعات، انظر:"تهذيب الكمال"(24/ 429).

ص: 277

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أحدهما: الاضطراب، وذلك من وجهين: أحدهما في الإسناد، والثاني في المتن.

أما الأول؛ فحيث رواه الوليد بن كثير تارة عن محمد بن عباد بن جعفر، وتارة عن محمد بن جعفر بن الزبير، وحيث روي تارة عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وتارة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.

والجواب عن هذا: إن هذا ليس اضطرابًا، بل رواه محمد بن عباد ومحمد بن جعفر، وهما ثقتان معروفان، ورواه أيضاً عبيد الله وعبد الله، ابنا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاهم- عن أبيهما، وهما أيضًا ثقتان، وليس هذا من الاضطراب".

قال: "وقد جمع البيهقي طرقه، وبين رواية المحمدين وعبد الله وعبيد الله، وذكر طرق ذلك كلها، وبينها أحسن بيان" ثم قال: "والحديث محفوظ عن عبيد الله وعبد الله".

قال: "وكذا كان شيخنا أبو عبد الله الحافظ الحاكم يقول: الحديث محفوظ عنهما، وكلاهما رواه عن أبيه".

قال: "وإلى هذا ذهب كثير من أهل الرواية، وكان إسحاق بن راهويه يقول: غلط أبو أسامة في عبد الله بن عبد الله، إنما هو: عبيد الله بن عبد الله؛ بالتصغير".

قال: "وأطنب البيهقي في تصحيح الحديث بدلائله؛ فحصل أنه غير مضطرب".

وقال: "وأما الوجه الثاني؛ فهو أنه قد روي فيه: "إذا كان الماء قدر قلتين أو ثلاث لم ينجسه شيء

" وفي رواية ابن عدي والعقيلي والدارقطني: "إذا بلغ الماء أربعين قلة؛ فإنه لا يحمل الخبث".

والجواب عن ذلك: أنهما شاذتان غير ثابتتين؛ فوجودهما كعدمهما، قاله النووي في "شرح المهذب"[1/ 114 - 115] ".

وفصَّل في بيان ذلك، ثم قال:"وأما الرواية الأخيرة- "

أربعين قلقه" -؛ فليست من حديث القلتين في شيء". =

ص: 278

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ثم قال: "الوجه الثاني: مما أُعِل به هذا الحديث، وهو أنه روي موقوفًا على عبد الله بن عمر، كذلك رواه ابن عُلَية.

والجواب: أنه قد سبق روايته مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طريق الثقات؛ فلا يضر تفرد واحد لم فحفظ بوقفه" انتهى.

قلت: بسط العلائي في "جزء تصحيح حديث القلتين"(ص 48 - 49) هذه العلة والرد عليها، قال رحمه الله تعالى في بسط العلة:

"إن هذا الحديث قد رُوي مرسلاً وموقوفاً، وكلا منهما علة في صحته؛ فقد رواه حماد بن زيد عن عاصم بن المنذر عن أبي بكر بن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وروي عنه أيضاً موقوفاً عن ابن عمر، رواه إسماعيل ابن عُلية عن عاصم بن المنذر عن رجل لم يُسَمِّهِ عن ابن عمر موقوفاً عليه".

وقال في بسط جوابها: "والجواب: إن هذا بعد تسليم كونه علَّة -وكون حماد بن زيد وابن علية أحفظ من حماد بن سلمة وأتقن، حتى يُقدَّم قولهما على روايته- لا تؤثر إلا في حديث عاصم بن المنذر فقط، وأما رواية أبي أسامة، "ورواية محمد بن إسحاق؛ فهما صحيحتان، لا يقدم هذا فيهما لتبايُن الطرق.

على أنا نقول: إن هذا لا يؤثر أيضاً في حديث عاصم بن المنذر؛ لأن حماد بن سلمة إمام جليل، احتج به مسلم وخلق من الأئمة.

فعلى قول الفقهاء وأهل الأصول يكون وصله ورفعه زيادة من ثقة؛ فتُقبل ولا يضره من أرسله أو وقفه، وهذا ما اختاره بعض محققي أئمة الحديث.

وأما على قول الجمهور منهم؛ فلا يؤثر أيضاً، وذلك لأن سند الإرسال أو الوقف وسند الاتصال يختلف فيه؛ لأن حماد بن سلمة رواه عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، ورواية حماد بن زيد وإسماعيل ابن عُلية له إنما هي عن عاصم بن المنذر عن أبي بكر بن عبيد الله؛ إما مرسلاً، أو موقوفاً، فاختلف شيخا عاصم بن المنذر فيه؛ فكان عنده متصلاً عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، مرسلاً أو موقوفاً، عن أبي بكر (ابن) عبيد الله، فكان يرويه تارة عن هذا وتارة عن هذا، ومثل هذا كثير في الحديث، ولا يقدح أحدهما في الآخر إذا اختلف السندان". =

ص: 279

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قلت: الصواب عدم قبول الرفع أو الوقف على الإطلاق، ولا بد من فحص كل حديث بملابساته وقرائنه، ولله در ابن دقيق العيد؛ فإنه قال في "شرح الإلمام":"من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنه إذا تعارض رواية مرسل ومسند، أو رافع وواقف، أو ناقص وزائد؛ أن الحكم للزائد لم يُصب في هذا الإطلاق، فإن ذلك ليس قانونًا مطردًا، وبمراجعة أحكامهم الجزئية يعرف صواب ما نقول".

وقد أجاب ابن القيام صلى الله عليه وسلم في "تهذيب السنن"(1/ 60) بأن الذين رفعوه أكثر من الدين وقفوه، وهم ثقات، والرفع زيادة من الثقة، ومعها الترجيح. وبأنه إذا كان مجاهد سمعه من ابن عمر موقوفاً؛ فلا يمنع ذلك سماع عبيد الله، وعبد الله له من أبيهما مرفوعًا، قال:

"فإنْ قلنا الرفع زيادة، وقد أتى بها ثقة؛ فلا كلام، وإنْ قلنا: هي اختلاف وتعارض؛ فعبيد الله أولى في أبيه من مجاهد

".

وقال ابن الملقن (2/ 102 وما بعدها) متعقبًا ابن عبد البر: "وإنَّما العجب من قول أبي عمر ابن عبد البر في "تمهيده" [1/ 329]: "ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين مذهب ضعيف من جهة النظر، غير ثابت من جهة الأثر؛ لأنه حديث تكلم فيه جماعة من أهل العلم، ولأن القلتين لم يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ولا إجماع".

وقوله في "استذكاره"[2/ 102]: "حديث معلول، رده إسماعيل القاضي وتكلم فيه".

قلت: صنف ضياء الدين المقدسي جزءًا رد فيه على ابن عبد البر تضعيفه هذا الحديث، ذكر ذلك ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(21/ 41 - 42).

وقال ابن الملقن: "وقد حكم الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي، الحنفي [في شرح معاني الآثار"(1/ 16)] بصحة هذا الحديث كما ذكرناه، لكنه اعتل بجهالة قدر القلتين، وتبعه على ذلك الشيخ تقي الدين؛ فقال في "شرح الإلمام" [(ق 19/ ب)]: "هذا الحديث قد صحح بعضهم إسناد بعض طرقه، وهو أيضًا صحيح على طريقة الفقهاء؛ لأنه وإن كان حديثًا مضطرب الإسناد، مُخْتلفًا فيه في بعض ألفاظه -وهي علَّة عند المحدثين إلاَّ أن يُجاب =

ص: 280

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عنها بجواب صحيح-؛ فإنه يمكن أن يُجمع بين الروايات ويجاب عن بعضها بطريق أصولي، وُينسب إلى التصحيح، ولكن تركته -يعني:"في الإلمام"-؛ لأنه لم يثبت عندنا الآن بطريق استقلالي يجب الرجوع إليه شرعًا تعيين مقدار القلتين".

والجواب عما اعتذرا به: "أن المراد قلتين بقلال هجر؛ كما رواه الإمام الشافعي في "الأم"، و"المختصر"

".

قلت: وسيأتي التنبيه عليه.

وفهم بعضهم هذا الحديث بلفظة: "لا يحمل الخبث"؛ أي: يضعُف عن حمله، فعاد الاستدلال بالحديث كأنه هباء أو ماء، وهذا خطأ فاحش من أوجه -وإن قال عنه ابن عبد البر:"محتمل التأويل"-:

أحدها: أن الرواية الأخرى مصرحة بغلطه، وهي قوله:"لم ينجس".

الثاني: أن الضعف عن الحمل إنما يكون في الأجسام، كقولك:"فلان لا يحمل الخشبة"، أي: يعجز عنها لثقلها.

وأما المعاني؛ فمعناه: لا يقبله، ومعنى الحديث الصحيح:"لا يقبل النجاسة، بل يدفعها عن نفسه، كما يقال: فلان لا يحمل الضيم؛ أي: لا يقبله ولا يصبر عليه، بل يأباه".

ثالثها: أن سياق الكلام يفسده؛ لأنه لو كان المراد أنه يضعف عن حمله؛ لم يكن للتقييد بالقلتين معنى، فإن ما دونها أولى بذلك.

فإن قيل: هذا الحديث متروك الظاهر بالإجماع في المتغير بنجاسة؟

فالجواب: أنه عام، خص منه المتغير بالنجاسة؛ فيبقى الباقي على عمومه، كما هو الصحيح عند الأصوليين.

فإن قيل: هذا الحديث يحمل على الجاري؟

فالجواب: أن الحديث يتناول الجاري والراكد؛ فلا يصح تخصيصه بلا دليل، قاله ابن الملقن في "البدر المنير"(2/ 113)، والنووي في "المجموع"(1/ 115)، والمنذري في "مختصر سنن أبي داود"(1/ 57).

وسيأتي كلام بديع للمصنف فيه ردٌّ على هذا الاعتراض. =

ص: 281

حديث القلتين حسن، صحّحه الحفاظ وحسّنوه. والرواية الأخيرة:"إذا كان قلتين فإنه لا ينجس" صحيحة، قال يحيى بن معين: إسنادها جيد

(1)

، وقال

= بقي بعد هذا كله: أن جماعة من الحفاظ قد صححوا هذا الحديث وعملوا به، منهم:

الإمام الشافعي، وأبو عبيد أبو القاسم بن سلام، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والدارقطني، وابن دقيق العيد -كما في "طبقات الشافعية الكبرى"(2/ 245) -، والعلائي في "جزء" مفرد، وابن حجر، والشوكاني، والمباركفوري، وشيخنا الألباني.

وقال ابن حزم في "المحلى"(1/ 151): "صحيح ثابت، لا مغمز فيه".

وقال الجوزقاني في "الأباطيل"(1/ 338): "هذا حديث حسن".

وقال المنذري في "مختصر السنن"(1/ 59): "هذا الإسناد صحيح موصول".

وقال النووي في "المجموع"(1/ 112): "حديث حسن ثابت"، وسيأتي كلامه المجمل عليه، ونقله تجويد ابن معين لإسناده وتصحيح الحاكم له، وصححه في كتابه "خلاصة الأحكام"(1/ 66).

وصححه الرافعي، وعبد الحق الإشبيلي؛ وابن منده، وابن الملقن، ومضى كلامهم.

وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(1/ 112): "أكثر أهل العلم بالحديث على أنه حديث حسن يحتج به".

وصدق الخطابي حين قال في "معالم السنن"(1/ 58): "يكفي شاهد على صحة هذا الحديث أن نجوم أهل الحديث صححوه، وقالوا به، واعتمدوه في تحديد الماء، وهم القدوة وعليهم المعول في هذا الباب".

وانظر تعليقنا على "الخلافيات"(3/ 146 - 181) ففيه فوائد زوائد، والله الموفق لا رب سواه، وهو الهادي إلى سواء الصراط.

(1)

"تاريخ ابن معين"(4/ 240 - رواية الدوري)، ومن طريقه البيهقي في "المعرفة"(2/ 89 رقم 1884)، وفي "الخلافيات"(3/ 179 رقم 950).

ونقلها عنه: ابن الملقن في "البدر المنير"(1/ 405)، وعنه ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 18)، وذكرها المصنف أيضًا في "خلاصة الأحكام"(1/ 66) رقم (12).

ص: 282

الحاكم: صحيح

(1)

. ولا تقبل دعوى من ادّعى اضطرابه

(2)

، وعلى الحديث اعتراضات

(3)

عنها أجوبة صحيحة مشهورة

(4)

.

والقلة هي الجرّة العظيمة التي يُقِلُّها القوي من الرجال، أي يرفعها ويحملها

(5)

، وقد جاء في رواية مرسلة:"بقلال هَجَر"

(6)

. وهَجَر: قرية بقرب المدينة، ليست هَجَر البحرين المدينة المشهورة

(7)

. وكانت قلالُ

(1)

سبق إيراد كلامه في التخريج.

(2)

بينا ذلك مفصلاً في التخريج، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

(3)

استوفيناها مع الأجوبة في التخريج المطول السابق.

(4)

نقل كلامه هذا ابن الملقن في "البدر المنير") (2/ 96).

(5)

عبارته في "تحرير ألفاظ التنبيه"(ص 32): "القلة في اللغة: الجرَّة العظيمة، سميت بذلك لأن الرجل العظيم يُقلّها بيديه، أي: يرفعها".

(6)

أخرجه الشافعي في "مسنده"(ص 49 - ترتيبه) وابن عدي في "الكامل"(6/ 2358) ومن طريقه البيهقي في "الخلافيات" رقم (955 - 956) وفي "السنن الكبرى"(1/ 263) والخطابي في "المعالم"(1/ 196) وقال ابن عدي: "وقوله في متن هذا: "من قلال هجر" غير محفوظ".

وانظر: "السنن"(1/ 24 - 25) للدارقطني، و"المعرفة"(2/ 91) رقم (1896)، و"الخلافيات"(3/ 182)، و"البدر المنير"(2/ 105)، و"تهذيب السنن" لابن القيم (1/ 63).

(7)

قال ياقوت في كتابه "المشترك وضعًا والمفترق صقعًا"(ص 338): "هَجَر: ثلاثة مواضع: بفتح أوله وثانيه وراء، هجر يشمل جميع نواحي البحرين، فهو اسم الإقليم كالشام". قال: "وهجر في قول بعضهم قرية كانت قرب المدينة وإليها تُنسب القلال الهجرية. وقيل: بل تنسب إلى هجر الأولى، إما أن تكون عُمِلَت بها، وجُلبت إلى المدينة، وإما أن تكون عُملت بالمدينة على مثالها، وهجر بلد باليمن، بينه وبين عبر إلى جهة اليمن يوم وليلة". وبنحوه في "معجم البلدان"(5/ 393)، و"مراصد الاطلاع"(3/ 1452).

ونقل السَّمهودي (ت 922 هـ) في كتابه "خلاصة الوفا"(2/ 753) كلام النووي هذا، وقال:"ومن الأزهري أنها هجر البحرين". وأهملها =

ص: 283

هجر معلومةً عند المخاطبين. قال ابن جريج: "رأيت قلال هجر، فرأيت القُلَّة تسع قربتين أو قربتين وشيئًا"

(1)

، وقدر العلماء القلتين بخمس قرب، كل قِرْبةٍ مئةُ رطل بالبغدادي، فهما خمس مئة رطل، وهذا هو الصحيح، وقيل ست مئة، وقيل: ألف، وهما بالمساحة: ذراع وربع طولًا وعرضًا وعُمقًا

(2)

.

= الفيروزآبادي في كتابه الجامع عن المدينة، المسمى "المغانم المطابة".

(1)

أخرجه عبد الرزاق (1/ 79 رقم 258، 259)، والشافعي في "المسند"(822)، وابن المنذر في "الأوسط"(1/ 271 رقم 29)، والبيهقي في "الخلافيات"(3/ 181 - 182)، وفي "الكبرى"(1/ 263).

(2)

وهكذا قال المصنف في "تحرير ألفاظ التنبيه"(ص 32)، وبنحوه في "التحقيق" ص (42) له، وهو آخر كتبه، ولم يتمه.

والمراد: القلة الكبيرة، إذ لو أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصغيرة لم يحتج لذكر العدد، فإن الصغيرتين قدر واحدة كبيرة، ويرجع في الكبيرة إلى العرف عند أهل الحجاز، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك تحديدهما على سبيل التوسعة، والعلم محيط بأنه ما خاطب الصحابة إلاَّ بما يفهمون، فانتفى الإجمال، لكن لعدم التحديد؛ وقع الخلاف بين السلف في مقدارهما على تسعة أقوال -ذكرها ابن المنذر- هي:

أولاً: إن القلة تسع قربتين أو قربتين وشيئًا.

ثانيًا: ما قاله الشافعي في "الأم"(1/ 5):

"والاحتياط أن تكون القلة قربتين ونصفًا، فإذا كان الماء خمس قرب، لم يحتمل نجسًا في جر كان أو غيره، وقِرَبُ الحجاز كبار، ولا يكون الماء الذي لا يحمل النجاسة إلا بقرب كبار".

ثالثًا: حكي عن أحمد قولان: أحدهما: أن القلة قربتان، والآخر: أن القلتين خمس قرب، ولم يقل بأي قرب.

انظر: "مسائل أحمد وإسحاق"(1/ 8)، و"مسائل أحمد" لأبي داود (ص 4)، و"الإنصاف"(1/ 67 - 70)، و"المغني"(1/ 27). =

ص: 284

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= رابعًا: أن القلتين نحو ست قرب؛ لأن القلة نحو الخابية، قاله أبو إسحاق بن راهويه.

خامسًا: أن القلتين خمس قرب، ليس بأكبر القرب ولا بأصغرها، وهذا قول أبي ثور.

سادسًا: القلة الجرة، قاله وكيع، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن آدم، ولم يجعلوا لذلك حدًّا يوقف عليه.

سابعًا: القلة؛ الكوز.

ثامنًا: القلة؛ الكوز الصغير، والجرَّة اللطيفة والعظيمة، والجر اللطيف إذا كان القوي من الرجال يستطيع أن يقله؛ أي: يحمله.

تاسعًا: قول أبي عبيد في "الطهور"(238): "هي الحباب" قال: "وهي قلال هجر، معروفة عندهم وعند العرب مستفيضة، وقد سمعنا ذكرها في أشعارهم، وقد يكون بالشام أيضًا وتلك الناحية، وكل هذا الذي اقتصصناه إنما هو في الماء الدائم الذي لا مادة له، وذلك مثل الغدران والمصانع والصهاريج والحياض والبرك".

قلت: القلة: إناء العرب؛ كالجرة الكبيرة شبه الجب -بالضم-، والجمع قلال، مثل: برمة وبرام. قال الأزهري: "ورأيت القلة من قلال هجر والأحساء تسع ملء مزادة، والمزادة: شطر الرواية، وإنما سميت قلة؛ لأن الرجل القوي يقلها؛ أي: يحملها".

وعن ابن جريج قال: "أخبرني من رأى قلال هجر أن القلة تسع فرقًا".

قال عبد الرزاق: "والفرق، يسع أربعة أصول بصاع النبي صلى الله عليه وسلم".

انظر: "تحفة الفقهاء"(1/ 107)، و"المصباح" (مادة: قلل).

وقد حدد فقهاء الشافعية القلتين بخمس مئة رطل بالبغدادي؛ لأنه روي (بقلال هجر)، قال ابن جريج:"رأيت قلال هجر، فرأيت القلة منها تسع قربتين، أو قربتين وشيئًا، فجعل الشافعي رحمه الله نصفًا احتياطيَا"، وقِرَبُ الحجاز كبار تسع كل قربة: مئة رطل؛ فصار الجميع: خمس مئة رطل.

انظر: "المهذب"(1/ 13)، و"المنهاج"(ص 3).

وقال الزمخشري في "رؤوس المسائل"(ص 120): "والقلتان خمس قرب كبار، وهي مئتان وخمسون منًا، أو ست مئة رطل". =

ص: 285

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا بلغَ الماء قلتين لم يحمل الخبث"، معناه: لم ينجس بملاصقة النجاسة ووقوعها فيه كما فسره في الرواية الأخرى، وتقديره: لا يقبل النجاسة، بل يدفعها عن نفسه، كما يقال: فلان لا يحمل الضيم؛ أي: لا يقبله ولا يصبر عليه، بل يأباه. وأما قول بعض المانعين للعمل بالقلتين: إن معناه أنه يضعف عن حَمْلِهِ؛ فخطأ فاحش من أوجه

(1)

:

أحدها: أن الرواية الأخرى مصرحة بغلطه، وهي قوله:"فإنه لا ينجس".

الثاني: أن الضعف عن الحمل إنما يكون في الأجسام، كقولك: فلانٌ لا يحمل الخشبة؛ أي: يعجز عنها لثقلها، وأما في المعاني فمعناه: لا يقبله، كما ذكرنا.

= قلت: المن: كيل أو ميزان، وهو شرعًا:(180) مثقالًا، وعرفًا:(280) مثقالاً، وجمعه أمنان. "المنجد"(من).

وقد أوردت كتب الفقه الشافعي مواصفات مساحة الماء في الفلاة المقدرة بالقلتين بأنها: "ذراع وربع بذراع الآدمي، وهو: شبران تقريبًا، وهذا في المربع طولاً وعرضًا وعمقًا، وأما في المدور؛ فذراعان طولاً وعرضًا بذراع النجار الذي هو بذراع الآدمي ذراع وربع، والمراد بالطول: العمق، وإذا كان الظرف مدورًا مثل البئر أو البركة المستديرة؛ فيكون قطر الدائرة ذراعًا، وعمق البئر: ذراعين ونصفًا، فيكون محيط الدائرة: (3،14) ذراع، وإذا كان الظرف مثلثًا متساوي الأضلاع؛ فيجب أن يكون طول وعرض كل ضلع: (1،5) ذراع، طولاً وعرضًا وعمقًا، ونصفه ذراعان، وإن كان الظرف مكعبًا؛ فيجب أن تكون أبعاده الثلاثة: (1،25) ذراع، طولاً وعرضًا وعمقًا".

وخلاصة القول؛ فإن القلتين تقدران بحوالي (307) لترات.

انظر: "الإيضاح والتبيان" مع تعليقات المحقق د. الخاروف (ص 79، 80) والتعليق على "رؤوس المسائل"(ص 120).

(1)

سبق ذكر بعضها، وانظرها في "المجموع"(1/ 115)"مختصر سنن أبي داود"(1/ 57)، "البدر المنير"(2/ 113).

ص: 286

الثالث: أن سياق الكلام يفسده؛ لأنه لو كان المراد أنه يضعف عن حمله لم يكن للتقييد بالقلتين معنىً، فإن ما دونهما أوْلى بذلك.

فإن قيل: هذا الحديث متروك الظاهر بالإجماع في المتغيِّر بالنجاسة!

(1)

فالجواب: أنه عام خُصَّ منه المتغير بالنجاسة، فبقي الباقي على عمومه كما هو الصحيح عند الأصوليين

(2)

.

وممن قال بالقلتين الشافعي

(3)

وأحمد

(4)

وإسحاق

(5)

وأبو ثور

(6)

وأبو عبيد

(7)

وابن خزيمة

(8)

وآخرون

(9)

.

وقد يستدل بهذا الحديث من يقول بنجاسة سؤر السِّباع، لقوله:"وما ينوبه من السباع"، ولا دلالة فيه؛ لأن السِّباع إذا ورَدَت مياه الغُدْرَان

(1)

انظر في تقرير هذا: "تصحيح التنبيه"(1/ 69) رقم (4)، "المنهاج"(1/ 21)"التنقيح في شرح الوسيط"(1/ 124).

(2)

نقله عن المصنف: ابن الملقن في "البدر المنير"(1/ 420) من قوله: "وأما قول بعض

" إلى هنا.

(3)

في "الأم"(1/ 5)، وسبق كلامه.

(4)

انظر: "مسائل أحمد" لأبي داود (ص 4).

(5)

انظر: "مسائل أحمد وإسحاق"(1/ 8).

(6)

حكى مذهبه ابن المنذر في "الأوسط"(1/ 261)، وابن قدامة في "المغني"(1/ 25).

(7)

انظر: كتابه "الطهور"(ص 236 - بتحقيقي) وفيه: "أفتى به مجاهد والحسن"، ونقلت في تعليقي عليه من نقل مذهب أبي عبيد وهم جماعة.

(8)

انظر: "صحيحه"(1/ 49).

(9)

نسبه ابن المنذر في "الأوسط"(1/ 261) لعبد الله بن عمر وسعيد بن جبير ومجاهد، وانظر:"فتح الباري"(1/ 432).

ص: 287

خاضَتْها وبالت فيها في العادة، مع أن قوائمها ونحوها لا تخلو من النجاسة غالبًا

(1)

، فكان سؤالهم عن ذلك، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة عامة

(2)

: أن الماء إذا بَلَغَ قلتين لا ينجس بوقوع النجاسة، ومياه الفلوات

(3)

، والغُدران لا تنقص عن قلتين غالبًا، والله أعلم.

قوله: "وما ينوبه من الدواب والسباع"، أي: ما يطرقه منها، وأما ذكره السباع بعد الدواب، فيحتمل أنه أراد بالدواب: الدواب العرفية، وهي: الخيل والبغال، والحمير، ويحتمل أنه أراد جميع ما يدبّ كما هو مقتضاه في اللغة، فيكون من باب ذكر الخاص بعد العام، وهو جائز في القرآن العظيم

(4)

.

(1)

مأخوذ من "معالم السنن"(1/ 36) بتصرف، وزيادة وضوح في المقصود.

(2)

مبتورة في الأصل ولم يظهر منها إلا "دعا"! ولعلها ما أثبتناه، وفي هامش الأصل عند نهاية اللوحة [10/ أ]، وما نصه:"بلغ معارضة بأصله الذي هو بخط النووي".

(3)

كذا في الأصل مجوَّدة، وليست:"القنوات"!

(4)

فوقها في الأصل كلمة (العزيز)، أي: القرآن العزيز.

ص: 288