المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌47 - باب: الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها - الإيجاز في شرح سنن أبي داود - النووي

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقّق

- ‌ صحة نسبة الكتاب للإمام النووي:

- ‌ نقولات العلماء من "شرح النووي على سنن أبي داود

- ‌ إلى أين وصل النووي رحمه الله في "شرح سنن أبي داود

- ‌ نقولات ابن رسلان الرملي في شرحه "سنن أبي داود"، المسمى "صفوة الزبد" عن الإمام النووي:

- ‌ نقولات السيوطي في شرحه على "سنن أبي داود" المسمى "مرقاة الصعود

- ‌ توصيف النسخة الخطية المعتمدة في التحقيق:

- ‌ عملي في التحقيق:

- ‌1 - فصل

- ‌2 - فصل

- ‌3).3 -فَصل

- ‌1 - باب: التخلِّي عند قضاء الحاجة

- ‌2 - باب: الرجل يَتَبَوَّأ لبوله

- ‌3 - باب: ما يقول إذا دخل الخلاء

- ‌4 - باب: كراهية استقبال القبلة عند الحاجة

- ‌5 - باب: الرخصة

- ‌6 - باب: كيف التكشف عند الحاجة

- ‌7 - باب: كراهة الكلام عند الخلاء

- ‌8 - باب: أَيَرُدُّ السلام وهو يبول

- ‌9 - باب " الرجل يذكر الله سبحانه على غير طهر

- ‌10 - باب: الخاتمُ يكون فيه ذكرُ الله تعالى يُدخَلُ به الخلاءُ

- ‌11 - باب: الاستنزاه من البول

- ‌13 - باب: البول قائما

- ‌13: باب: في الرجل يبول بالليل في الإناء، ثم يضَعُه عنده

- ‌14 - باب: المواضع التي نهي عن البول فيها

- ‌15 - باب: في البول في المستحم

- ‌16 - باب: النهي عن البول في الجُحْر

- ‌17 - باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء

- ‌18 - باب: كراهة مس الذكر باليمين في الاستبراء

- ‌19 - باب: الاستتار في الخلاء

- ‌20 - باب: ما ينهى أن يُستَنجى به

- ‌21 - باب: الاستنجاء بالأحجار

- ‌22 - باب: في الاستبراء

- ‌33 - باب: الاستنجاء بالماء

- ‌24 - باب: يَدْلُك يده بالأرض إذا اسْتَنجى

- ‌25 - باب: السواك

- ‌26 - باب: كيف يستاك

- ‌27 - باب: الرجل يستاك بسواك غيره

- ‌28 - باب: غسل السواك

- ‌29 - باب الفطرة

- ‌30 - باب: فرض الوضوء

- ‌31 - باب: الرجل يُجدِّد الوضوء من غير حَدَثٍ

- ‌32 - باب: ما ينجِّس الماء

- ‌33 - باب: ذكر بئر بُضاعة

- ‌34 - باب: الماء لا يُجنِبُ

- ‌35 - باب: البول في الماء الراكد

- ‌36 - باب الوضوء بسُؤر الكلب

- ‌37 - باب: سؤر الهر

- ‌38 - باب: الوضوء بفضل وضوء المرأة

- ‌39 - باب: في النهي عن ذلك

- ‌40 - باب: الوضوء بماء البَحْر

- ‌41 - باب: الوضوء بالنبيذ

- ‌42 - باب: أيصلّي الرجل وهو حاقن

- ‌43 - باب: ما يُجْزيء من الماء في الوضوء

- ‌44 - باب: إسباغ الوضوء

- ‌45 - باب: الوضوء في أنية الصُّفْر

- ‌46 - باب: التسمية على الوضوء

- ‌47 - باب: الرجل يُدْخِل يده في الإناء قبل أن يغسلها

الفصل: ‌47 - باب: الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها

‌47 - باب: الرجل يُدْخِل يده في الإناء قبل أن يغسلها

103 -

(صحيح) حدثنا مسدد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي رَزِين، وأبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم من الليل؛ فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده"

(1)

.

104 -

(صحيح والأكثر على الثلاث) حدثنا مسدد، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم -يعني بهذا الحديث - قال:"مرتين أو ثلاثًا"

(2)

، ولم يذكر أبا رَزين.

(1)

أخرجه مسلم (278) حدثنا أبو غريب حدثنا أبو معاوية به، ومن طريق وكيع عن الأعمش.

وأخرجه أحمد (1/ 253)، وأبو عوانة (1/ 294)، والبيهقي (1/ 45) من طريق أبي معاوية.

وأخرجه ابن أبي شيبة (1/ 98) عن أبي معاوية به، وفيه "عن أبي رزين" وحده، وهو كذلك عند البيهقي (1/ 45 - 46) من طريق وكيع.

وأخرجه البخاري (162) دون ذكر "الثلاث" من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.

وانظر تعليقي على "الطهور" لأبي عبيد (رقم 279، 280)، ففيه التفصيل، والحمد لله وحده.

(2)

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (1/ 45).

وأخرجه أحمد (2، 253، 471)، والطيالسي (2218)، وأبو عوانة =

ص: 394

105 -

(صحيح) حدثنا أحمد بن عمرو بن السَّرْح، ومحمد بن سلمة المرادي، قالا: حدثنا ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبي مريم، قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله في يقول: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده -أو-: أين كانت تطوف يده"

(1)

.

حديث الباب في "الصحيحين" إلا لفظ: "ثلاثًا" فلمسلم دون البخاري.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنه لا يدري أين باتت يده"، أي: لا يأمن نجاستها، بملاقاة نجاسة في طوافها في البدن.

وفي الحديث فوائد كثيرة:

منها: كراهة

(2)

غصس اليد في الإناء قبل غسلها ثلاثًا، سواء فيه إناء الماء وإناء المائع، وسائر الأطعمة وغيرها من الرطبات

(3)

.

= (1/ 264)، والبيهقي (1/ 47 - 48)، والطحاوي (1/ 22) وجمع من طرق عن الأعمش به.

(1)

أخرجه الدارقطني (1/ 50)، وابن حبان (1058)، والبيهقي (1/ 46) من طريق معاوية بن صالح، وحسَّن الدارقطني إسناده.

وقال ابن منده عن قوله: "فإن أحدكم لا يدري

": "هذه الزيادة رواتها ثقات، ولا أراها محفوظة!! " قلت: وهي من غير هذا الطريق عند البخاري (162) ومسلم (278).

وانظر: "البدر المنير"(1/ 504)، "التلخيص الحبير"(1/ 34).

(2)

بناء على أن الأمر بغسل اليد أمر ندب هنا، وهو مذهب الجمهور، لقرينة التعليل بما يقتضي الشك في نجاسة اليد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القواعد النورانية" (ص 93):"إن المشكوك في وجوبه لا يجب فعله، ولا يستحب تركه، بل يستحب فعله احتياطًا".

(3)

وهل شرعية غسل اليدين وكراهة غمسهما في الإناء في الوضوء مختصًّا بنوم =

ص: 395

والمراد بالماء: إذا كان دون قُلَّتين.

ومنها: أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه، وإن لم يتغيَّر

(1)

.

ومنها: الفرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه، فإذا ورد عليها أزالها، وإذا وردت عليه نَجَّسَتْه إذا كان دون قُلَّتَيْن؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن إيرادها الماء، وأمر بإيراده عليها

(2)

.

= الليل؟ نعم، ورد مقيدًا عند أبي داود في أحاديث الباب، وقد أطلق في "الصحيحين" ولم يقيد به، فذهب الجماهير إلى أن لا فرق بين نوم الليل والنهار، وتعليله بقوله:"فإنه لا يدري أين باتت يده" دل على أن الليل ليس مقصودًا بالتقييد.

(1)

قال المصنف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 230): "ومذهب الجمهور أن الماء القليل إذا وردت عليه نجاسة نجسته، وإنْ قلَّت ولم تغيره، فإنها تنجِّسه، لأنَّ الذي تعلق باليد، ولا يرى قليل جدًّا، وكانت عادتهم استعمال الأواني الصغيرة التي تقصر عن قلتين، بل لا تقاربهما".

(2)

رد ابن عبد البر في "التمهيد"(2/ 57 - 59 - ط الفاروق) هذا القول بتأصيل وتفصيل وتوجيه قوي، فقال:

"احتج بعض أصحاب الشافعي لمذهبهم في الفرق بين ورود الماء على النجاسة، وبين ورودها عليه بهذا الحديث؛ وقالوا: ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خاف على النائم المستيقظ من نومه القائم منه إلى وضوئه أن تكون في يده نجاسة، أمره بطرح الماء من الإناء على يده ليغسلها، ولم يأمره بإدخال يده في الإناء ليغسلها فيه، بل نهاه عن ذلك؛ قال: فدلنا ذلك على أن النجاسة إذا وردت على الماء القليل، أفسدته ومنعت من الطهارة به وإن لم تغيره؛ قال: ودلنا على ذلك أيضًا على أن ورود الماء على النجاسة لا تضره، وأنه بوروده عليها مطهر لها وهي غير مفسدة له؛ لأنها لو أفسدته مع وروده عليها، لم تصح طهارة أبدًا في شيء من الأشياء؛ واحتجوا أيضًا بنهيه صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الدائم، وبحديث ولوغ الكلب في الإناء، وبنحو ذلك من الآثار، مع أمره بالصب على بول الأعرابي"، وقال: =

ص: 396

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= "أما لو لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الماء غير هذا الحديث لساغ في الماء بعض هذا التأويل؛ ولكن قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الماء أنه لا ينجسه شيء- يريد إلا ما غلب عليه، بدليل الاجماع على ذلك. وهذا الحديث موافق لما وصف الله عز وجل به الماء في قوله: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)} [الفرقان: 48]- يعني لا ينجسه شيء إلا أن يغلب عليه" قال:

"وقد أجمعوا معنا على أن ورود الماء على النجاسة لا يضره، وأنه مطهر لها؛ وطاهر في ذاته إن لم يتغير بها طعمه أو لونه أو ريحه، فبان بذلك صحة قولنا؛ وعلمنا بكتاب الله وسنة رسوله أن أمره صلى الله عليه وسلم القائم من نومه أن لا يغمس يده في وضوئه، إنما ذلك ندب وأدب وسنة قائمة لمن كانت يده طاهرة وغير طاهرة؛ لأنه لو أراد بذلك النجاسة، لأمر بغسل المخرجين أولاً، ولقال: إذا قام أحدكم من نومه فلينظر يده؛ فإن لم يكن فيها نجاسة، أدخلها في وضوئه؛ وإن كانت في يده نجاسة، غسلها قبل أن يدخلها؛ هذا على مذهب من جعل قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنه لا يدري أين باتت يده" علة احتياط خوف إصابته بها نجاسة، وذلك أنهم كانوا يستنجون بالأحجار من غير ماء؛ فالأحجار لا بد أن يبقى فيها أثر، فربما حكه أو مسه بيده، فأمروا بالاحتياط في ذلك؛ ومن جعل ذلك ندبًا وسنة مسنونة، قال: اليد على طهارتها، وليس الشك بعامل فيها، والماء لا ينجسه شيء، والله أعلم" قال:

"وقد أجمع جمهور العلماء على أن الذي يبيت في سراويله وينام فيها، ثم يقوم من نومه ذلك، أنه مندوب إلى غسل يده قبل أن يدخلها في إناء وضوئه؛ ومنهم من أوجب عليه -مع حاله هذه- غسل يده فرضًا على ما نذكره في هذا الباب -إن شاء الله-.

ومعلوم أن من بات في سراويله، لا يخاف عليه أن يمس بيده نجاسة في الأغلب من أمره؛ فعلمنا بهذا كله أن المراد بهذا الحديث، ليس كما ظنه أصحاب الشافعي، والله أعلم" ثم قال:

"وقد نقضوا قولهم في ورود الماء على النجاسة، لأنهم يقولون: إذا ورد الماء على نجاسة في إناء أو موضعه وكان الماء دون القلتين؛ أن النجاسة تفسده، =

ص: 397

ومنها: أن المستحبَّ لغاسل النجاسة غَسلها.

ومنها: أن الغسل سَبْعًا ليس عامًّا في كل النجاسات

(1)

كما يقوله أحمد

(2)

.

ومنها: أن العفو عن الأثر الباقي في محلِّ الاستنجاء مختص بموضعه، فإن انتقل منه لم يُعْفَ

(3)

.

ومنها: استحباب الأخذ بالاحتياط والورع في مواضع الشك والاشتباه

(4)

.

واعلم أن كراهة غمس اليد في الإناء قبل غسلها لم يكن مختصًّا بمن قام من النوم

(5)

، بل عام في كل شاك في نجاسة يده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نَبَّهَ

= وأنه غير مطهر لها؛ فلم يفرقوا ههنا بين ورود الماء على النجاسة، وبين ورودها عليه؛ وشرطهم أن يكون ورود الماء صبًّا مهراقًا، تحكم لا دليل عليه، والله أعلم".

(1)

إنما ورد الشرع به في ولوغ الكلب خاصة، وتقدم بيان ذلك.

(2)

انظر: "المغني"(73 - 74).

(3)

وعليه يفرَّع: إن موضع الاستنجاء لا يطهر بالأحجار، بل يبقى نجسًا، معفوًا عنه في حق الصلاة، وأن العفو عن أثر النجاسة في محلها، وإذا انتقلت منه لم يعف عنه.

(4)

عبارته في "شرح صحيح مسلم"(3/ 231): "ومنها استحباب الأخذ بالاحتياط في العبادات وغيرها، ما لم يخرج عن حدّ الاحتياط إلى حد الوسوسة، وفي الفرق بين الاحتياط والوسوسة كلام طويل، أوضحته في (باب الآنية)، من "شرح المهذب" انتهى.

قلت: انظره فيه (1/ 260 وما بعد)، ولأبي محمد الجويني "التبصرة في ترتيب أبواب التمييز بين الاحتياط والوسوسة"، وهو مطبوع عن مؤسسة قرطبة، بتحقيق الأستاذ محمد بن عبد العزيز السديس.

(5)

نعم، الكراهة ليلاً أشد من نوم النهار، لأن احتمال التلويث أقرب لطوله.

ص: 398

على العِلَّة بقوله: "فإنه لا يدري أين باتت يده"، أي: لا يأمن نجاستها

(1)

. هذا مذهبنا، وخصَّتْه طائفة من العلماء بالقيام من النوم

(2)

، وخصّه أحمد -في روايةٍ عنه- بنوم الليل

(3)

.

وإذا خالف وغمس يده فيه قبل غَسْلها كان مكروهًا

(4)

ولم يفسد الماء، بل يجوز أن يتطهَّر به، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور

(5)

، وقالت طائفة: ينجسه فلا يجوز

(6)

.

(1)

وهذا عام لوجود احتمال النجاسة في نوم الليل والنهار، وذكر الليل أولاً لكونه الغالب ولم يقتصر عليه خوفًا من توهم أنه مخصوص به، بل ذكر العلة بعده، والله أعلم، قاله المصنف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 232).

(2)

انظر: "المجموع"(1/ 390 - 391).

(3)

انظر: "مسائل أحمد وإسحاق"(1/ 10)، "مسائل أحمد لأبي داود"(4)، "السنن"(ق 4/ ب) للأثرم، "المغني"(1/ 139 - 140) وما قدمناه قريبًا، وزاد المصنف في "شرح صحيح مسلم" (3/ 232):"وحكي عن أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- رواية: أنه إن قام من نوم الليل كره كراهة تحريم، وإن قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه، ووافقه عليه داود الظاهري اعتمادًا عليه لفظ المبيت في الحديث، وهو مذهب ضعيف جدًّا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبّه على العلة بقوله صلى الله عليه وسلم: "فإنه لا يدري أين باتت يده"

".

(4)

ولم يأثم الغامس.

(5)

انظر: "الأوسط"(1/ 372 - 373)، "الأم"(1/ 24)، "المجموع"(1/ 390)، "المغني"(1/ 141)، "التفريع"(1/ 189)، "المعونة"(1/ 120)، "التلقين"(1/ 43)، "الذخيرة"(1/ 273 - 274)، "عقد الجواهر الثمينة"(1/ 41)، "الإشراف"(1/ 36) مسألة (14 - بتحقيقي)، "المبدع"(1/ 108)، "الفروع"(1/ 144)، "الإنصاف"(1/ 130).

(6)

هذا مذهب الحسن البصري، أسند عنه عبد الرزاق (307) في المسألة:"يلقي ولا يتوضأ ولا يغتسل"، ولفظ الأثرم في "السنن" (ق 4/ ب):"فإن توضأ به أو اغتسل، فهو كمن لم يتوضأ، يعيد الوضوء والصلاة"، بينما لفظ =

ص: 399

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ابن أبي شيبة في المصنف" (1/ 82): "إنْ شاء توضأ، وإنْ شاء أهراقه".

قال المصنف في "شرح صحيح مسلم"(3/ 231):

"وحكى أصحابنا عن الحسن البصري -رحمه الله تعالى- أنه ينجس، إن كان قام من نوم الليل، وحكوه أيضًا عن إسحاق بن راهويه، ومحمد بن جرير الطبري، وهو ضعيف جدًّا، فإن الأصل في الماء واليد الطهارة، فلا ينجس، وقواعد الشرع متظاهرة على هذا، ولا يمكن أن يقال: الظاهر في اليد النجاسة".

قال أبو عبيدة: هنا أمور مهمة، أجملها بالآتي:

أولاً: حكي هذا المذهب أيضًا عن داود الظاهري، انظر:"فقه داود الظاهري" 189)، "المحلى"(1/ 277).

ثانيًا: قال ابن الملقن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"(1/ 253) -ونقل عبارة النووي السابقة-: "وهو رواية ضعيفة عن أحمد" وقال: "وقال ابن حبيب المالكي: يفسد الماء، وأطلق، قال سند: ويستحب إراقة ذلك الماء".

ثالثًا: مستند هذا القول: ما أخرجه ابن عدي (6/ 2372) في ترجمة (معلى بن الفضل) عن الحسن عن أبي هريرة رفعه: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها، ثم ليتوضأ، فإن غمس يده في الإناء من قبل أن يغسلها، فليهرق ذلك الماء".

وإسناده واه والأمر بإراقته منكر، وانظر "البدر المنير"(1/ 261).

رابعًا: انتهى إلى هنا كلام النووي في شرحه على سنن أبي داود"، وبعده في اللوحة المقابلة (13/ ب): " (كتاب الطهارة: باب التخفي عند الحاجة

) وفي آخر الشرح: "هذا آخر كلام الإمام النووي، والذي بعده لغيره، والظاهر أنه لشهاب ابن رسلان الرملي ثم المقدسي صاحب "صفوة الزبد"" انتهى.

قال أبو عبيدة: وقابلتُ ما فيه على نسخة أخرى من "صفوة الزبد"، وهي من محفوظات مكتبة الملك عبد العزيز حاليًا، والمكتبة المحمودية سابقًا، برقم (527)، فوجدتُه هو هو، والمتبقي من الشرح ليس للنووي بيقين، كما بيّنته في تعريفي بالمخطوط في تقدمة هذا الشرح، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. =

ص: 400

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= خامسًا: أتمم الفوائد التي بدأ بها الشارح من كلامه في "شرح صحيح مسلم"(3/ 230 - 232)، مراعيًا عدم التكرار، فأقول وبالله المستعان، لا رب سواه، ولا معبود بحق إلا إياه:

* ومنها: استحباب غسل النجاسة ثلاثًا؛ لأنه إذا أمر به في المتوهّمة، ففي المحققة أولى.

* ومنها: استحباب الغسل ثلاثًا في المتوهمة.

* ومنها: أن النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسل، ولا يؤثر فيها الرش، فإنه صلى الله عليه وسلم قال:"حتى يغسلها أو يرشها".

* ومنها: استحباب استعمال ألفاظ الكنايات فيما يتحاشى من التصريح به، فإنه صلى الله عليه وسلم قال:"لا يدري أين باتت يده" ولم يقل: فلعل يده وقعت على دبره، أو ذَكَره، أو نجاسة، أو نحو ذلك، لأن كان هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا نظائر كثيرة في القرآن العزيز، والأحاديث الصحيحة: وهذا إذا علم أن السامع يفهم بالكناية المقصود، فإن لم يكن كذلك، فلا بد من التصريح؛ لينفي اللبس والوقوع في خلاف المطلوب، وعلى هذا يحمل ما جاء من ذلك مصرحًا به، والله أعلم.

قال النووي عقبها: "هذه فوائد من الحديث غير الفائدة المقصودة هنا" وساق ما ذكره هنا، ووزعنا الزوائد على محاله من كلامه، ومما زاده قوله (3/ 232) بعد تقريره أن النهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها وأنه مجمع عليه، لكن الجماهير من العلماء المتقدمين والمتأخرين على أنه نهي تنزيه لا تحريم: وأن هذا النهي عام لوجود احتمال النجاسة في نوم الليل والنهار وفي اليقظة، قال:

"هذا كله إذا شك في نجاسة اليد، أما إذا تيقّن طهارتها، وأراد غمسها قبل غسلها، فقد قال جماعة من أصحابنا (أ): حكمه حكم الشك، لأنّ أسباب النجاسة قد تخفى في حق معظم الناس، فسُد الباب لئلا يتساهل فيه من =

_________

(أ) صححه الماوردي، ونسبه الجويني إلى الجمهور.

ص: 401

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= لا يعرف، والأصح الذي ذهب إليه الجماهير من أصحابنا، أنه لا كراهة فيه، بل هو في خيار بين الغمس أولاً والغسل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النوم، ونبه على العلة، وهي الشك، فإذا انتفت العلة انتفت الكراهة، ولو كان النهي عامًّا لقال:"إذا أراد أحدكم استعمال الماء فلا يغمس يده حتى يغسلها، وكان أعم وأحسن، والله أعلم".

قال أبو عبيدة: نعم: غسل اليد ثلاثًا مندوب في الوضوء مطلقًا، لوروده في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم من غير تعرّض لسبق نوم، وذلك ثابت عند البخاري (162)، والتكرار ثلاثًا انفرد به مسلم (278).

ولذا لما قال الغزالي في "الوسيط"(1/ 282): "وإن تيقّن طهارة يده ففي بقاء الاستحباب وجهان" تعقبه ابن الصلاح في "شرح مشكل الوسيط"(1/ ق 35/ ب -36/ أ) فقال:

"وقد قال صاحب "نهاية المطلب" فيما وجدناه من اختصاره للنهاية: "رأيت الأصحاب متفقين على استحباب الغسل" فإذًا قول تلميذه في "الوسيط": "فإن تيقن طهارة يده ففي بقاء الاستحباب وجهان" لا يستفاد منه أن في استحباب أصل الغسل عند التيقن وجهين، وذلك أنه إن أراد به أن في بقاء استحباب أصل الغسل وجهين، فهو غلط وسهو سبق إليه القلم أو الخاطر، وذلك أنا وجدناه في "البسيط" قد ذكر ذلك كذلك، ونسبه إلى حكاية شيخه، ونظرنا في كلام شيخه فإذا هو إنما حكاه في استحباب تقديم الغسل على الغمس لا في أصل الغسل، وحكى استحباب أصل الغسل عن الأئمة مطلقًا، وإن أراد بذلك أن في بقاء استحباب تقديم الغسل على الغمس وجهين، فلا يكون حاكيًا للخلاف في أصل الغسل بل في تقديمه، فالوجهان في ذلك معروفان محكيان في طريقي العراق وخراسان، ولكن لفظه لفظ مغلط، كذلك وقع لفظه في متن "الوسيط" وفيما عُلق من تدريسه له: وفي "البسيط" أيضًا، ويوهم جدًّا أن الخلاف في استحباب أصل الغسل، والظاهر أن صاحب "الذخائر" أبا المعالي مجلي بن جُمَيْع المصري في حكايته الوجهين في أصل الغسل غلط في ذلك من جهته، فإنه كثير النقل عنه، والله أعلم". انتهى. =

ص: 402

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وتتمة كلام النووي في "شرحه على صحيح مسلم"(3/ 232):

"قال أصحابنا: وإذا كان الماء في إناء كبير، أو صخرة، بحيث لا يمكن الصب منه، وليس معه إناء صغير يغترف به، فطريقه أن يأخذ الماء بفمه، ثم يغسل به كفه، أو يأخذ بطرف ثوبه النظيف، أو يستعين بغيره، والله أعلم"، ونقله عنه العيني في "شرح سنن أبي داود"(1/ 277).

هذا أخر ما يسَّر الله سبحانه وتعالى وأعان، من تعليق على هذا "الشرح" المهم، وهو -كما تري- ناقص بنقص أصله الخطي الوحيد، كما بيّناه وشرحناه في تقديمنا له.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وذلك في السابع عشر من شعبان الخير من سنة ألف وأربع مئة وسبع وعشرين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم.

ثم نظرتُ فيه مرة أخرى، وزدتُ عليه، ودققتُ متنه، وراجعتُه مرة ثانية في سلخ شهر ربيع الثاني -من سنة ألف وأربع مئة وثمان وعشرين من الهجرة النبوية، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ص: 403