الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(17) - (585) - بَابُ صَدَاقِ النِّسَاءِ
(42)
- 1858 - (1) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاح، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْهَاد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ كَمْ كَانَ صَدَاقُ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟
===
(17)
- (585) - (باب صداق النساء)
(42)
- 1858 - (1)(حدثنا محمد بن الصباح) بن سفيان الجرجرائي أبو جعفر التاجر، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(د ق).
(أخبرنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد (الدراوردي) الجهني مولاهم المدني، صدوق، كان يحدث من كتب غيره فيخطئ، من الثامنة، مات سنة ست أو سبع وثمانين ومئة (187 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن يزيد بن عبد الله) بن أسامة (بن الهاد) الليثي المدني، ثقة مكثر، من الخامسة، مات سنة تسع وثلاثين ومئة (139 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي أبي عبد الله المدني، ثقة له أفراد، من الرابعة، مات سنة عشرين ومئة (120 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة مكثر، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع). (قال) أبو سلمة: (سألت عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
أي: سالتها، فقلت لها:(كم كان صداق نساء النبي صلى الله عليه وسلم)
قَالَتْ: كَانَ صدَاقُهُ فِي أَزْوَاجِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا، هَلْ تَدْرِي مَا النَّشُّ؟ هُوَ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ؛ وَذَلِكَ خَمْسُ مِئَةِ دِرْهَمٍ.
===
وأزواجه؟ والصداق -بفتح الصاد- لغةً: اسم للشديد الصلب -بفتح الصاد- أي: الشديد القوي، سمي الصداق الشرعي بذلك، لأنه أشد الأعواض لزومًا من جهة عدم سقوطه بالتراضي، وشرعًا: اسم لمال واجب للمرأة على الرجل بنكاح أو وطء شبهة أو موت؛ كما في موت كل من الزوجين أو أحدهما في التفويض، وله أسماء كثيرة تبلغ أحد عشر اسمًا، نظمها بعضهم في بيتين:
صداق ومهر نحلة وفريضة
…
حباء وأجر ثم عقر علائق
وطول نكاح ثم خرس تمامها
…
ففرد وعشر عد ذاك موافق
وزيد على ذلك: عطية، فله اثنا عشر اسمًا، ويقال له: صدقة أيضًا، وتجمع على صدقات، سمي بالصداق؛ لدلالته على صدق باذله في الرغبة في النكاح.
(قالت) لي عائشة في جواب سؤالي: (كان صداقه) صلى الله عليه وسلم (في) نكاح (أزواجه اثنتي عشرة أوقية) بضم الهمزة وتشديد الياء.
والمراد بها: أوقية الحجاز؛ وهي أربعون درهمًا، فإذا ضربنا أربعين في اثنتي عشرة .. كانت جملة الدراهم= أربع مئة وثمانين (480).
(ونشًا) -بنون مفتوحة ثم شين مشددة- قال أبو سلمة: قالت لي عائشة: (هل تدري) وتعلم جواب سؤال: (ما النش؟ ) قال أبو سلمة: قلت لها: لا أدري جواب سؤال: ما النش؟ فقالت لي في بيانه: (هو) أي: النش (نصف أوقية) وهو عشرون درهم، (و) إذا وضعنا نصف أوقية على (+) اثنتي عشرة أوقية .. كان جملة (ذلك) المذكور من الأواقي والنش = (خمس مئة درهم) وهذا المقدار كان نهاية صداق أزواجه صلى الله عليه وسلم غالبًا.
قال القرطبي: وهذا القول من عائشة إنما هو إخبار عن غالب صداق أزواجه
(43)
- 1859 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ح وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ،
===
صلى الله عليه وسلم؛ لأن صفية بنت حيي من جملة أزواجه، وأصدقها؛ أي: جعل عتقها صداقها، وزينب بنت جحش لم يذكر لها صداق، وأم حبيبة بنت أبي سفيان أصدقها النجاشي أربعة آلاف درهم؛ فقد خرج هؤلاء من عموم قول عائشة، فدل على أن المراد بقولها ما ذكرناه. انتهى من "المفهم".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب النكاح، باب الصداق، وأبو داوود في كتاب النكاح، باب الصداق، والنسائي في كتاب النكاح، باب القسط في الأصدقة.
ودرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(43)
- 1859 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقة متقن عابد، من التاسعة، مات سنة ست ومئتين (206 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان أبي عون البصري، ثقة ثبت فاضل، من أقران أيوب في العلم والعمل والسن، من السادسة، مات سنة خمسين ومئة على الصحيح (150 هـ). يروي عنه:(ع).
(ح وحدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان (الجهضمي)
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ السُّلَمِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا تُغَالُوا صَدَاقَ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهَا لَوْ
===
البصري ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة خمسين ومئتين (250 هـ)، أو بعدها. يروي عنه:(ع).
(حدثنا يزيد بن زريع) التيمي العيشي أبو معاوية البصري، يقال له: ريحانة البصرة، ثقة ثبت، من الثامنة، مات سنة اثنتين وثمانين ومئة (182 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا) عبد الله (بن عون) البصري.
(عن محمد بن سيرين) الأنصاري أبي بكر بن أبي عمرة البصري، ثقة ثبت عابد، كان لا يرى الرواية بالمعنى، من الثالثة، مات سنة عشر ومئة (110 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي العجفاء) بفتح أوله وسكون الجيم (السلمي) -بضم السين- البصري، قيل: اسمه هرم بن نسيب، وقيل: بالعكس، وقيل: بالصاد بدل السين المهملتين، مقبول، من الثانية، مات بعد التسعين فيما ذكره البخاري. يروي عنه:(عم).
(قال) أبو العجفاء: (قال عمر بن الخطاب) رضي الله تعالى عنه.
وهذان السندان من سداسياته، وحكمهما: الصحة؛ لأن رجالهما ثقات.
أي: قال عمر في عهده: (لا تغالوا) -بضم التاء واللام- من فاعل الرباعي، هو من الغلو؛ وهو مجاوزة الحد في كل شيء، يقال: غاليت في الشيء وبالشيء، وغلوت فيه غلوًا؛ إذا جاوزت فيه الحد.
(صداق النساء) منصوب بنزع الخافض؛ أي: لا تجاوزوا الحد المعروف، ولا تبالغوا في كثرة الصداق (فإنها) أي: فإن كثرة الصداق والمغالاة فيه (لو
كَانَتْ مَكْرُمَة فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللهِ .. كَانَ أَوْلَاكُمْ وَأَحَقَّكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم؛ مَا أَصْدَقَ امْرَأَة مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أصْدِقَتِ
===
كانت مكرمة) -بفتح الميم وضم الراء- واحدة المكارم؛ وهي كل خصلة توجب لصاحبها المحمدة عند الناس أو عند الله تعالى؛ أي: لو كانت المغالاة في الصداق وإكثاره سبب مكرمة ومحمدة وشرف (في الدنيا، أو) سبب (تقوى) تقرب صاحبها (عند الله) تعالى في الآخرة، قال القاري: ولفظ: (تقوى) غير منونة؛ لألف التأنيث المقصورة، نظير رجعى وذكرى، وهو الصواب، وفي نسخة من "المشكاة" بالتنوين، وقد قرئ بالتنوين شاذًا في قوله تعالى:{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ} (1). انتهى من "التحفة".
أي: فإن كثرة الصداق لو كانت سبب مكرمة وشرف في الدنيا، أو سبب تقوى عند الله تعالى في الآخرة .. (كان أولاكم) أيتها الأمة، وهو بالنصب على أنه خبر كان مقدمًا على اسمها، وقوله:(وأحقكم بها) بالنصب معطوف على (أولاكم) عطف تفسير، وقوله: (محمد صلى الله عليه وسلم اسم كان مؤخرًا؛ لغرض الحصر.
أي: لو كانت كثرة الصداق سبب شرف الناس، أو سبب تقوى عند الله تعالى .. كان محمد صلى الله عليه وسلم أولاكم وأحقكم وأحراكم بها؛ أي: بمغالاة المهور في نسائه وبناته؛ لقوله فيما ورد من الصحيح: "أنا أتقاكم لله".
فإنه صلى الله عليه وسلم (ما أصدق) وأمهر (امرأةً من نسائه) وأزواجه؛ أي: ما تزوج امرأة من نسائه بأكثر من اثنتي عشرة أوقية في المهر، يقال: أصدق المرأة؛ إذا سمى لها صداقًا (ولا أصدقت) بصيغة البناء للمجهول
(1) سورة التوبة: (109).
أمْرَأَة مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً،
===
(امرأة من بناته) أي: ولا سمي لامرأة من بناته صداق (أكثر من اثنتي عشرة أوقية) وهي: أربع مئة وثمانون درهمًا (480).
وأما ما روي أن صداق أم حبيبة كان أربعة آلاف درهم .. فإنه مستثنىً من قول عمر؛ لأنه أصدقها النجاشي في الحبشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف درهم من غير تعيين من النبي صلى الله عليه وسلم، وما روته عائشة من ثنتي عشرة أوقية ونش .. فإنه لم يتجاوز عدد الأواقي التي ذكرها عمر، ولعله أراد الأوقية، ولم يلتفت إلى الكسور، مع أنه نفى الزيادة في علمه، ولعله لم يبلغه صداق أم حبيبة ولا الزيادة التي روتها عائشة.
فإن قلت: نهيه عن المغالاة مخالف لقوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (1).
قلت: النص يدل على الجواز لا على الأفضلية، والكلام فيها لا فيه، لكن ورد في بعض الروايات أنه قال: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية؛ فمن زاد .. ألقيت الزيادة في بيت المال، فقالت امرأة: ما ذاك لك، قال: ولم؟ قالت: لأن الله يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} ، فقال عمر: امرأة أصابت، ورجل أخطأ، كذا في "المرقاة".
قلت: أخرج عبد الرزاق من طريق عبد الرحمن السلمي قال: قال عمر رضي الله تعالى عنه: (لا تغالوا في مهور النساء، فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر؛ إن الله يقول: [وآتيتم احداهن قنطارًا من ذهب]، قال: وكذالك في قراءة ابن مسعود، فقال عمر: امرأة خاصمت عمر فخصمته). وأخرجه الزبير بن بكار من وجه آخر منقطع: (فقال عمر: امرأة أصابت، ورجل أخطأ)،
(1) سورة النساء: (20).
وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُثَقِّلُ صَدُقَةَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكونَ لَهَا عَدَاوَة فِي نَفْسِهِ وَيَقُولُ: قَدْ كَلِفْتُ إِلَيْكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ أَوْ عَرَقَ الْقِرْبَة،
===
وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن مسروق عن عمر، فذكره متصلًا مطولًا، قال القاري في "المرقاة": ذكر السيد جمال الدين المحدث في "روضة الأحباب" أن صداق فاطمة رضي الله تعالى عنها كان أربع مئة مثقال فضة، وكذلك ذكره صاحب "المواهب"، ولفظه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "إن الله عز وجل أمرني أن أزوجك فاطمة على أربع مئة مثقال فضة".
والجمع: أن عشرة دراهم= سبعة مثاقيل مع عدم اعتبار الكسور، لكن يشكل نقل ابن الهمام أن صداق فاطمة كان أربع مئة درهم، وعلى كل فما اشتهر بين أهل مكة من أن مهرها تسعة عشر مثقالًا من الذهب .. فلا أصل له، إلا أن يقال: إن هذا المبلغ قيمة درع على رضي الله تعالى عنه حيث دفعها إليها مهرًا معجلًا، والله تعالى أعلم. انتهى، انتهى من "تحفة الأحوذي".
وقال عمر أيضًا: (و) إنما قلت: لا تغالوا صداق النساء؛ لـ (إن الرجل) المتزوج (ليثقل صدقة امرأته) أي: ليتحمل صداق امرأته حملًا ثقيلًا؛ لكثرته (حتى يكون لها عداوة في نفسه) أي: حتى يكون في نفسه عداوة لها؛ أي: حتى يعاديها في نفسه عند أداء ذلك المهر الكثير؛ لثقله عليه حينئذ، أو عند ملاحظة قدره وتفكره فيه بالتفصيل.
(و) حتى (يقول) لها: (قد كَلِفْتُ) - بكسر اللام من باب فرح، أي: وحتى يقول لها: قد كلفت وتحملت (إليكِ) أي: لأجلك (علَقَ القِرْبَة) أي: حَبْل القربة (أو) قال: تحمَّلْتُ إليك (عَرَقَ القِربة) بالشك من الراوي، وعَلَقُ القربةِ -بفتحتين-: حَبْلُها الذي تعلَّق به، أو عَرَق القربة؟ أي: تحملْتُ إليك كُلَّ شيء من مالي قليلِه وكثيرِه حتى عَرِقْتُ في تحمُّل مالي إليكِ عَرَقًا كعَرَقِ
وَكُنْتُ رَجُلًا عَرَبِيًّا مُوَلَّدًا مَا أَدْرِي مَا عَلَقُ الْقِرْبَةِ أَوْ عَرَقُ الْقِرْبَةِ.
===
القربة، والقِرْبَةُ: سِقاءُ الماء، وعَرَقُها: سَيلانُ مائِها، وقيل: أراد بعَرَقِ القربة: عَرَق حَامِلها، وقيل: أراد: تحمَّلْتُ عرقَ القربة، وهو مستحيلٌ.
قال أبو العجفاء: (وكنت) أنا (رجلًا عربيًا مولدًا) أي: من جهة مكان الولادة و (ما أدري) وأعلم (ما) معنى (علق القربة، أو عرق القربة).
والمراد: أنه تحمل الأمر الشديد الشبيه بها، وفي "الصحاح": قال الأصمعي: يقال: لقيت من فلان عرق القربة؛ ومعناه: أشده؛ ولا أدري ما أصله.
وقال غيره: العَرَق: إنما هو للرجل لا للقِرْبة، قال: وأصله: أن القِرْبَةَ تَحْمِلُها الإِمَاءُ، ورُبَّما افتقر الرجلُ الكريم، واحْتَاجَ إلى حَملها بنفسه، فيَعْرَقُ؛ لِمَا يلحقه من الشدة والحياء من الناس، فيقال: تحملت لك عرق القربة، قوله:(وما أدري) أي: لِغَرابتهِ.
وفي "المقاصد الحسنة": روى أبو يعلى في "مسنده الكبير": (أنه لمَّا نَهى عن إكثار المهر بالوجه المذكور .. اعترضته امرأة من قريش، فقالت له: يا أمير المؤمنين؛ نهَيْتَ الناسَ أن يزيدُوا النِّساءَ صدقاتِهن على أربع مئة درهم؟ قال: نعم، فقالت له: أما سمعتَ ما أنزل الله تعالى في كتابه العزيز؟ قال: وأيُّ ذلك؟ قالت: أما سمعت الله يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}؟ (1) قال: فقال: اللهم؛ غَفْرًا، كُلُّ الناسِ أَفْقَهُ مِنْ عمر، ثُم رجع فركِبَ المنبر، فقال: إني نهيتُ أن تزيدوا في المهر على أربع مئة درهم، فمَنْ شاء أن يُعْطِيَ من ماله ما أحبَّ، أو فمَنْ طابَتْ نفسُه .. فليفعل)، وسنده جيد.
ورواه البيهقي في "سننه"، ولفظُه: (فقالت امرأةٌ من قريش: يا أميرَ
(1) سورة النساء: (20).
(44)
- 1860 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ
===
المؤمنين؛ أكتابُ الله أحق أن يُتبع أم قولك؟ قال: بل كتابُ الله، فما ذاك؟ قالت: نهيتَ الرجالَ عن الزيادة في المهر، والله تعالى يقول في كتابه: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا
…
} الآية (1)، فقال عُمر: كُلُّ أحدٍ أفقهُ من عمر، مرتين أو ثلاثًا، ثم رجع إلى المنبر، فقال
…
) الحديثَ، ورواه عبد الرزاق، ولفظه: (فقامت امرأة، فقالت له: ليس ذلك لك يا عمر؛ إن الله تعالى يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا
…
} إلى آخره، فقال: إِنَّ امرأةً خاصمَتْ عُمَر فخَصمَتْهُ)، وفي رواية: فقال: امرأةٌ أصابَتْ، ورجلٌ أَخْطَأَ. انتهى، انتهى من "السندي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب النكاح، باب الصداق، والترمذيُّ في كتاب النكاح، باب ما جاء في مهور النساء، وقال: حسن صحيح، والنسائي في كتاب النكاح، بابُ القسطِ في الأَصْدِقة، والدارمي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة.
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح، لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة بحديث عامر بن ربيعة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(44)
- 1860 - (3)(حدثنا أبو عمر الضرير) حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهيب، ويقال: صهبان الأزدي المقرئ الضرير الأصغر، سكن سامراء، صاحب الكسائي، لا بأس به، من العاشرة، مات سنة ست أو ثمان وأربعين ومئتين (248 هـ). يروي عنه:(ق).
(1) سورة النساء: (20).
وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ الله، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي فَزَارَةَ تَزَوَّجَ عَلَى نَعْلَيْن، فَأَجَازَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نِكَاحَهُ.
===
(وهناد بن السري) بن مصعب التميمي أبو السري الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث وأربعين ومئتين (243 هـ). يروي عنه:(م عم).
(قالا: حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري.
(عن عاصم بن عبيد الله) بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، ضعيف، من الرابعة، مات في أول دولة بني العباس سنة اثنتين وثلاثين ومئة (132 هـ). يروي عنه:(عم).
(عن عبد الله بن عامر بن ربيعة) العنزي حليف بني عدي أبي محمد المدني، وُلِدَ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولأبيه صحبة، مشهور ووثَّقه العجلي، مات سنة بضع وثمانين (83 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبيه) عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك العنزي -بسكون النون- حليف بني الخَطَّاب، الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، مات ليالي قتل عثمان. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه عاصم بن عبيد الله، وهو متفق على ضعفه.
(أن رجلًا من بني فزارة) لم أر من ذكر اسمه (تزوج) امرأة لم أر من ذكر اسمها أيضًا (على) صداق (نعلين، فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم وصحَّحَ (نِكاحَهُ) أي: تَزوُّجَهُ على نعلين.
قوله: (على نعلين) قال السندي: ظاهره أن المهر غير مقدر، ومن يقول بتقدير المهر .. يحمل أمثال هذا على المُعجَّلِ. انتهى منه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قوله: (فأجازه) استدل به من قال بجواز كون المهر شيئًا حقيرًا له قيمةٌ، لكن الحديث ضعيف. انتهى من "تحفة الأحوذي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب النكاح، باب ما جاء في مهور النساء، وقال: وفي الباب عن عمر وأبي هريرة وسهل بن سعد وأبي سعيد وأنس وعائشة وجابر وأبي حدرد الأَسْلَمِيِّ.
أما حديث عمر .. فقد أخرجه الخمسة، وصححه الترمذي، وقد تقدم قبل هذا الحديث.
وأما حديث أبي هريرة .. فقد قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار
…
) الحديث، وفيه: قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "على كَمْ تزوجْتَها؟ " قال: على أربع أواق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كأنما تَنْحِتُون الفضةَ من عَرْضِ هذا الجَبَل، ما عندنا ما نُعطيك
…
" إلى آخره، أخرجه مسلم، وفيه دلالة على جواز أقل القليل في المهر.
وأما حديث سهل بن سعد .. فقد أخرجه الترمذي في "جامعه"، وأخرجه الشيخان، وأما حديث أبي سعيد .. فقد أخرجه الدارقطني مرفوعًا بلفظ:"لا يضر أحدكم بقليل من ماله تزوج أم بكثير بعد أن يُشْهِدَ"، وفي سنده أبو هارون العبدي، وأبو هارون العبدي اسمه: عُمارة بن جَرير، قال حماد بن زيد: كان كذَّابًا، وقال السعدي: كذاب مفترٍ، كذا في "نصب الراية".
وأما حديث أنس .. فقد أخرجه الجماعة بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، فقال:"ما هذا؟ " قال: تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال:"بارك الله لك، أولم ولو بشاة"، فهذا يدل على جواز أقل قليل في المهر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأما حديث عائشة .. فقد أخرجه أحمد مرفوعًا بلفظ: "إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة"، وأخرجه أيضًا الطبراني في "الأوسط" بلفظ:"أخف النساء صداقًا أعظمهن بركةً"، وفي إسناده الحارث بن شبل، وهو ضعيف، وأخرجه أيضًا الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بنحوه، وأخرج نحوه أبو داوود والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الصداق أيسره".
وأما حديث جابر بن عبد الله .. فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعطى في صداق امرأة أو تمرًا .. فقد استحل" أخرجه أبو داوود، وأشار إلى ترجيح وقفه، كذا في "بلوغ المرام".
وأما حديث أبي حدرد الأسلمي .. فلينظر من أخرجه. انتهى "تحفة الأحوذي"، وقال أبو عيسى: وحديث عامر بن ربيعة حديث حسن صحيح، واختلف أهل العلم في المهر: فقال بعضهم: المهر على ما تراضوا عليه، وهو قول سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقال مالك بن أنس: لا يكون المهر أقل من ربع دينار، وقال أهل الكوفة: لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم. انتهى كلام الترمذي.
أما حديث عامر بن ربيعة .. فهو حديث حسن صحيح بغيره؛ لأن له شواهد كثيرة من الأحاديث الصحيحة والضعيفة ومن أقوال أئمة أهل العلم، وإن كان سنده ضعيفًا؛ لما مر آنفًا.
فالحديث: صحيح المتن، ضعيف السند، وغرضه: الاستشهاد به.
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عائشة بحديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(45)
- 1861 - (4) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَتِ أمْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ يَتَزَوَّجُهَا؟ "، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا
===
(45)
-1861 - (4)(حدثنا حفص بن عمرو) بن رَبَالٍ -بفتح الراء والموحدة- ابن إبراهيم الرَّبَالِيُّ الرَّقَاشِيُّ البصريُّ، ثقة عابد، من العاشرة مات سنة ثمان وخمسين ومئتين (258 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان العنبري مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث، قال ابن المديني: ما رأيت أعلم منه، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن سفيان) الثوري.
(عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني، ثقة عابد، من الخامسة، مات في خلافة المنصور. يروي عنه:(ع).
(عن سهل بن سعد) بن مالك الأنصاري الخزرجي الساعدي، الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، مات سنة ثمان وثمانين (88 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) سهل: (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم أقف على اسمها (قال) النبي صلى الله عليه وسلم للحاضرين: (من يتزوجها؟ ) أي: من يريد زواجها؟ (فقال رجل) منهم، قال الحافظ: لم أقف على اسمه: (أنا) أريد زواجها (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعطها ولو خاتمًا
مِنْ حَدِيدٍ"، فَقَالَ: لَيْسَ مَعِي، قَالَ: "قَدْ زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ".
===
من حديد، فقال) الرجل:(ليس معي) شيء أُمْهِره لها، فـ (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم:(قد زوجتكها) وأنكحتها لك (على) تعليمها (ما معك من القرآن) هذه الجملة مرتبة على محذوف؛ تقديره: فلما قال: ليس معي شيء من المال .. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هل معك شيء من القرآن؟ " قال: نعم، قال:"ماذا معك؟ " قال: معي سورة كذا وسورة كذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"هل تحفظها؟ ".
وفي "فتح الملهم": السورتان: (سورة البقرة)، و (إنا أعطيناك)، وقيل:(البقرة)، وسور المفصل، فقال:"أتقرؤهن على ظهر قلبك؟ " قال: نعم، أقرؤهن على ظهر قلبي، قال:"اذهب؛ فقد زوجْتُكَها على ما معك من القرآن"، وفي رواية:"فقد ملَّكْتُكَها بما معك من القرآن".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب النكاح، باب التزويج على القرآن وبغير صداق، ومسلم في كتاب النكاح، باب الصداق، وأبو داوود في كتاب النكاح، باب في التزويج على العمل يعمل، والترمذي في كتاب النكاح، باب في مهور النساء، والنسائي في كتاب النكاح، باب هبة المرأة نفسها بغير صداق، ولكن في رواية ابن ماجه اختصار.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استأنس المؤلف للترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، فقال:
(46)
- 1862 - (5) حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، حَدَّثَنَا الْأَغَرُّ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
===
(46)
- 1862 - (5)(حدثنا أبو هشام الرفاعي محمد بن يزيد) بن محمد بن كثير العجلي الكوفي قاضي المدائن، ليس بالقوي، من صغار العاشرة، وذكره ابن عدي في شيوخ البخاري، وجزم الخطيب بأن البخاري روى عنه، لكن قد قال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه، مات سنة ثمان وأربعين ومئتين (248 هـ). يروي عنه:(م ت ق).
(حدثنا يحيى بن يمان) العجلي الكوفي، صدوق عابد يخطئ كثيرًا وقد تغير، من كبار التاسعة، مات سنة تسع وثمانين ومئة (189 هـ). يروي عنه:(م عم).
(حدثنا الأغر الرقاشي) الكوفي، مجهول، من السابعة. يروي عنه:(ق). ويحتمل أن يكون هو فضيل بن مرزوق الأغر -بالمعجمة والراء- الرقاشي الكوفي أبا عبد الرحمن، صدوق يهم ورمي بالتشيع، من السابعة، مات في حدود سنة ستين ومئة (160 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن عطية) بن سعد بن جنادة -بضم الجيم بعدها نون خفيفة- (العوفي) الجدلي -بفتح الجيم والمهملة- الكوفي أبي الحسن، صدوق يخطئ كثيرًا وكان شيعيًا مدلسًا، من الثالثة، مات سنة إحدى عشرة ومئة (111 هـ). يروي عنه:(د ت ق).
(عن أبي سعيد الخدري) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لضعف عطية العوفي.
قال الدارقطني: الأغر هذا هو فضيل بن مرزوق، ولم يقل: عن أبي سعيد
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ عَائِشَةَ عَلَى مَتَاعِ بَيْتٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا.
===
غير يحيى بن يمان عنه، وأرسله غيره، ورواه وكيع عن فضيل بن مرزوق عن عطية عن عائشة، ورواه عبد الله بن داوود عن فضيل بن مرزوق عن عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة على) صداق (متاع بيت) وأثاثه وماعونه (قيمته) أي: قيمة ذلك المتاع (خمسون درهمًا) وهي أوقية وربعها.
فهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، قال السندي: ومع ضعفه معارض بحديث: (إن صداق أزواجه صلى الله عليه وسلم كان اثنتي عشرة أوقية ونشًا). أخرجه مسلم وأبو داوود والنسائي وابن ماجه في أول هذا الباب.
فدرجة هذا الحديث: أنه ضعيف متنًا وسندًا (2)(217)؛ لما مر آنفًا، وغرضه: الاستئناس به للترجمة.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذه الباب: خمسة أحاديث:
الأول منها للاستدلال، والأخير منها للاستئناس، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم