الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أذاقتك مرّ العيش أو متّ حسرة
…
كما مات مسقيّ الضّياح على ألب
أخرجه أبو الفرج في الاغاني من طريق الزبير (1). وأخرج عن اسحق بن الفضل الهاشمي قال: لم يقل الناس في هذا المعنى مثل قيس بن ذريح: وكل مصيبات الزمان البيت
…
فائدة: [قيس بن ذريح]
قيس بن ذريح بن شبة بن حذافة بن طريف الليثي أبو زيد كان يسكن بادية الحجاز. أخرج في الأغاني عن الكلبي (2) إنه كان رضيع الحسين بن علي رضي الله عنه أرضعتهما أم قيس. وأخرج من طرق عدة (3): ان قيسا مر ببعض حاجته بخيام بني كعب بن خزاعة، والحي خلوف فوقف على خيمة للبنى بنت الحباب الكعبية، فاستسقى ماء، فسقته وخرجت إليه به. وكانت امرأة مديدة القامة شهلا حلوة المنظر والكلام. فلما رآها وقعت في نفسه، وشرب الماء. وقالت له: أتنزل فتبرّد عندنا؟ قال: نعم، فنزل بهم. وجاء أبوها فنحر له وأكرمه. فانصرف قيس وفي
قلبه من لبنى حرّ لا يطفأ، فجعل ينطق بالشعر فيها حتى شاع وروي. ثم أتاها يوما آخر وقد اشتدّ وجده بها، فسلّم وظهرت له وردّت سلامه ولحقت به، فشكى إليها ما يجد من حبها، فبكت وشكت إليه مثل ذلك، وعرف كل واحد منهما ما له عند صاحبه. وانصرف إلى أبيه فأعلمه حاله وسأله أن يزوّجه إياها. فأبى عليه وقال:
يا بني، عليك بإحدى بنات عمك فهي أحقّ بك. وكان ذريح كثير المال موسرا، فأحبّ ألا يخرج ابنه إلى غريبة. فانصرف قيس وقد ساءه ما خاطبه به أبوه. فأتى أمّه فشكى ذلك إليها واستعان بها على أبيه، فلم يجد عندها ما يحب، فأتى الحسين ابن علي رضي الله عنه فشكى إليه ما به وما ردّ عليه أبوه فقال: أنا أكفيك! فمشى معه الى أبي لبنى، فلما بصر به أعظمه ووثب إليه، فقال: يا ابن رسول الله، ما جاء بك؟ ألا بعثت إليّ فآتيتك. فقال: إن الذي جئت فيه يوجب قصدك، قد
(1) 9/ 181 - 182 (الثقافة).
(2)
9/ 175
(3)
9/ 175 - 177
جئتك خاطبا ابنتك لقيس بن ذريح. فقال: يا ابن رسول الله، ما كنّا لنعصي لك أمرا وما بنا عن الفتى رغبة، ولكن أحبّ الأمرين إلينا أن يخطبها أبوه علينا وان يكون ذلك عن أمره، فإنّا نخاف ان لم يسع أبوه في هذا ان يكون عارا وسبّة علينا. فأتى الحسين رضي الله عنه ذريحا وقومه وهم مجتمعون، فقاموا إليه إعظاما له، فقال لذريح:
أقسمت عليك إلا خطبت لبنى على قيس. قال: السمع والطاعة لأمرك، فخرج معه في وجوه قومه حتى أتوا حيّ لبنى فخطبها ذريح على ابنه الى أبيها. فأقام معها مدّة، وكان أبرّ الناس بأمه، فألهته لبنى وعكوفه عليها عن بعض ذلك، فوجدت أمّه في نفسها وقالت: شغلت هذه المرأة ابني عن برّي، ولم تر للكلام في ذلك موضعا حتى مرض قيس مرضا شديدا. فلما برأ قالت أمه لأبيه: لقد خشيت أن يموت قيس ولم يدرك خلفا وقد حرم الولد من هذه المرأة، وأنت ذو مال فيصير مالك الى الكلالة، فزوجّه بغيرها لعل الله أن يرزقه ولدا، وألحّت عليه في ذلك.
فعرض ذلك ذريح على قيس فقال: لست متزوّجا غيرها أبدا. قال: فتسرّ بالاماء، فقال: ولا أسوؤها بشيء أبدا. قال: فإني أفسم عليك الا طلقتها! فأبى، وقال:
الموت عندي أسهل من ذلك. قال: لا أرضى أو تطلقها. وحلف انه لا يكنه سقف أبدا حتى يطلق لبنى. فكان يخرج فيقف في حرّ الشمس فيجيء قيس فيقف الى جانبه فيظله بردائه ويصلي هو بحرّ الشمس حتى يفي الفيء
فينصرف عنه ويدخل الى لبنى فيعانقها ويبكي وتبكي معه. وتقول له: قيس، لا تطع أباك فتهلك وتهلكني.
فقال: ما كنت لأطيع فيك أحدا أبدا. فيقال: إنه مكث كذلك سنة ثم طلقها، فلما بانت لم يلبث حتى استطير عقله وذهب لبه، ولحقه مثل الجنون، وأسف وجعل يبكي، فلما انقضت عدّتها، رحلها قومها فسقط مغشيا لا يعقل ثم أفاق ولم يأخذه بعدها قرار.
وأخرج أيضا عن عمرو بن دينار قال: قال الحسن رضي الله عنه لذريح أبى قيس:
أحل لك أن فرّقت بين قيس ولبنى؟ أما سمعت عمر بن الخطاب يقول: ما أبالي أفرقت بين الرجل وامرأته أم مشيت إليهما بالسيف. وروى أيضا: أن الطبيب قال له:
إنما يسليك عنها أن تذكر مساويها ومعائبها وما تعافه العين منها من أقذار بني آدم، فإن
النفس تنبو حينئذ وتسلو ويخف ما بها؟ فقال (1):
إذا عبتها شبّهتها البدر طالعا
…
وحسبك من عيب لها شبه البدر
لقد فضّلت لبنى على النّاس مثل ما
…
على ألف شهر فضّلت ليلة القدر
وأخرج أيضا عن المدائني قال: ماتت لبنى فخرج قيس في جماعة من قومه فوقف على قبرها وقال:
ماتت لبينى فموتها موتي
…
هل ينفعن حسرة على الموت
فسوف أبكي بكاء مكتئب
…
قضى حياة واجدا على ميت
ثم أكب على القبر يبكي حتى أغمى عليه فرفعه أهله وهو لا يعقل، فلم يزل عليلا لا يفيق ولا يجيب مكلما ثلاثا، ثم مات ودفن إلى جانبها.
317 -
وأنشد قول عنترة:
جادت عليه كلّ عين ثرّة
…
فتركن كلّ حديقة كالدّرهم
تقدم شرحه في شواهد في (2)، وهو من معلقته المشهورة، وقبله:
وكأنّما نظرت بمقلة شادن
…
رشأ من الغزلان ليس بتوأم
وكأنّ فأرة تاجر بقسيمة
…
سبقت عوارضها إليك من الفم
أو روضة أنفا تضمّن نبتها
…
غيث قليل الدّمن ليس بمعلم
جادت عليه كلّ عين ثرّة
…
فتركن كلّ حديقة كالدّرهم
(1) ديوانه 92، والاغاني 9/ 195 (الدار).
(2)
انظر ص 480، والشاهد رقم 268 ص 479.
318 -
وأنشد:
من كلّ كوماء كثيرات الوبر
319 -
وأنشد:
وما كلّ ذي لبّ بمؤتيك نصحه
…
وما كلّ مؤت نصحه بلبيب
قال ابن يسعون: هو لأبي الاسود الدؤلي (1) ويقال لمودود العنبري، وقبله:
أمنت على السّرّ امرأ غير حازم
…
ولكنّه في الودّ غير مريب (2)
أذاع به في النّاس حتّى كأنّه
…
بعلياء نار أوقدت بثقوب
ثم رأيت ابن أبي الدنيا قال في كتاب الصمت، حدثني محمد بن اسكاب، حدثنا أبي عن المبارك بن سعيد، عن عمر بن عبيد قال: اطلع أبو الاسود الدؤلي مولى له على سرّ له فبثه، فقال أبو الاسود وذكر الابيات الثلاثة وزاد بعدها:
ولكن إذا ما استجمعا عند واحد
…
فحقّ له من طاعة بنصيب
وأخرج أبو الفرج الاصبهاني في الاغاني عن ابن عياش قال (3): خطب أبو الأسود الدؤلي امرأة من عبد القيس يقال لها أسماء بنت زياد، فأسرّ أمرها الى صديق له من الأزد يقال له الهيثم بن زياد، فحدّث به ابن عم لها فذهب فتزوّجها، فقال أبو الأسود وذكر الأبيات (4).
(1) ديوان أبي الأسود 98 - 99 والاغاني 12/ 305 (الدار) وانظر الحيوان 5/ 601، والمؤتلف والمختلف 151، والاصابة 2/ 233 والعمدة 2/ 4
(2)
في الديوان والاغاني برواية:
أمنيت أمرا في السر لم يك جازما
…
ولكنه في النصح غير مريب
(3)
12/ 305 (الدار).
(4)
رواية الاغاني: (كان يخطبها - وكان لها مال عند أهلها - فمشى ابن عمها الخاطب لها إلى أهلها الذين مالها عندهم، فأخبرهم خبر أبي الأسود، وسألهم أن يمنعوها من نكاحه، ومن مالها الذي في أيديهم، ففعلوا ذلك، وضارّوها حتى تزوجت بابن عمها، فقال أبو الأسود الدؤلي في ذلك
…
).