الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب حَجّ الصَّبِي
ذكر فِيهِ حَدِيث ابْن عَبَّاس وَحَدِيث جَابر رضي الله عنهما أما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَهُوَ: «أَنه عليه السلام مر بِامْرَأَة وَهِي فِي محفتها، فَأخذت بعضد صبي كَانَ مَعهَا؛ فَقَالَت: أَلِهَذَا حَجّ؟ فَقَالَ عليه السلام: نعم، وَلَك أجر» .
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» مُرْسلا عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، عَن كريب مولَى ابْن عَبَّاس:«أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مر بِامْرَأَة وَهِي فِي محفتها، فَقيل لَهَا: هَذَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. فأخذتْ بضبعي صبي كَانَ مَعهَا، فَقَالَت: أَلِهَذَا حج؟ قَالَ: «نعم، وَلَك أجر» . قَالَ ابْن عبد الْبر: وصل هَذَا الحَدِيث عَن مَالك: ابْن وهب وَالشَّافِعِيّ وَابْن عَثْمَة وَأَبُو (المصعب) وَعبد الله بن يُوسُف التنيسِي، رَوَوْهُ عَن مَالك، عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، عَن كريب، (عَن) ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
(قلت: وَلَفظ رِوَايَة الشَّافِعِي: «بعضد صبي» بدل «بضبعي صبي» ، وَرَوَاهُ أَحْمد، عَن سُفْيَان، عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، عَن كريب،
عَن ابْن عَبَّاس) [عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم]«لَقِي ركبًا بِالرَّوْحَاءِ، فَقَالَ: من الْقَوْم؟ قَالَ: الْمُسلمُونَ. فَقَالُوا: من أَنْت؟ قَالَ: رَسُول الله. فَرفعت إِلَيْهِ امْرَأَة صبيًّا فَقَالَت: أَلِهَذَا حج؟ قَالَ: نعم، وَلَك أجر» . ثمَّ رَوَاهُ (من حَدِيث سُفْيَان) عَن مُحَمَّد بن عقبَة، عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:«رفعت امْرَأَة صبيًّا لَهَا، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، أَلِهَذَا حج؟ قَالَ: نعم، وَلَك أجر» . وَمن حَدِيث سُفْيَان، عَن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، عَن كريب:«أَن امْرَأَة رفعت صبيًّا صَغِيرا، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، أَلِهَذَا حج؟ قَالَ: نعم، وَلَك أجر» . وَمن حَدِيث سُفْيَان، عَن مُحَمَّد بن عقبَة، عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس مثله. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ كَلَفْظِ مُسلم الأول، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بِأَلْفَاظ، أَحدهَا: كَرِوَايَة الشَّافِعِي. ثَانِيهَا: «بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يمشى فِي بطن الروحاء، (إِذْ) أقبل وَفد، فَقَالَ رجل مِنْهُم: من أَنْتُم؟ فَقَالَ: نَحن الْمُسلمُونَ، ثمَّ قَالَت امْرَأَة: من أَنْت؟ قَالَ: أَنا رَسُول الله. فأخرجت صبيًّا، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، أَلِهَذَا حج؟ فَقَالَ: نعم، وَلَك أجر» .
ثَالِثهَا: «أَنه عليه السلام صدر من مَكَّة، فَلَمَّا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ، استقبله ركب فَسلم عَلَيْهِم، فَقَالَ: من الْقَوْم؟ قَالُوا: الْمُسلمُونَ. من أَنْتُم؟ (قَالَ) : رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. ففرغتْ امْرَأَة مِنْهُم، فَرفعت صبيًّا لَهَا من محفة، وَأخذت بعضده، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، (هَل لهَذَا) حج؟ قَالَ: نعم، وَلَك أجر» . قَالَ إِبْرَاهِيم بن عقبَة: حدثت بِهَذَا الحَدِيث ابْن الْمُنْكَدر، فحجَّ بأَهْله أَجْمَعِينَ. وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي «أكبر معاجمه» : «أَن امْرَأَة رفعت صبيًّا لَهَا فِي خرقَة، فَقَالَت: يَا رَسُول الله
…
» الحَدِيث. (و) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث جَابر وَقَالَ: غَرِيب.
فَائِدَة: المِحَفة: بِكَسْر الْمِيم، وَفتح الْحَاء، كَذَا قَيده النَّوَوِيّ فِي «شرح المهذَّب» ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «المهذَّب» : المحفة: بِكَسْر الْمِيم وَبِفَتْحِهَا، وَهِي شبه الهودج، إِلَّا أَنه لَا قبَّة عَلَيْهَا.
والرَّوْحاء: بِفَتْح الرَّاء وَإِسْكَان الْوَاو وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة (ممدودة) ، مَوضِع من عمل الفُرْع - بِضَم الْفَاء وَإِسْكَان الرَّاء - (بَينهَا) وَبَين الْمَدِينَة
النَّبَوِيَّة سِتَّة وَثَلَاثُونَ ميلًا، كَذَا جَاءَ فِي «صَحِيح مُسلم» من كَلَام طَلْحَة بن نَافِع التَّابِعِيّ الْمَشْهُور، (و) حَكَى صَاحب «الْمطَالع» (أَن بَينهمَا أَرْبَعُونَ) ميلًا، وَأَن فِي كتاب ابْن أبي شيبَة: بَينهمَا ثَلَاثُونَ ميلًا. وَكَانَ سُؤال الْمَرْأَة فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا فِي حجَّة الْوَدَاع سنة عشر من الْهِجْرَة، قبل وَفَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ ثَلَاثَة أشهر. ذكره النَّوَوِيّ فِي «شرح المهذَّب» .
تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ بعد ذَلِك فِي (تَوْجِيهه) الطَّرِيقَة القاطعة بِأَن الْأُم تحرم عَن الصَّبِي: أَنهم احْتَجُّوا بِخَبَر ابْن عَبَّاس هَذَا، وَقَالُوا: الظَّاهِر أَنَّهَا كَانَت تحرم عَن الَّذِي رفعته فِي محفتها. انْتَهَى. أما كَونهَا أمه، فَهُوَ ظَاهر رِوَايَة ابْن حبَان الثَّانِيَة وَرِوَايَة الطَّبَرَانِيّ أَيْضا، وَأما أَنَّهَا الَّتِي أحْرمت عَنهُ فَلَيْسَ فِي الرِّوَايَات التَّصْرِيح بذلك، نعم هُوَ الظَّاهِر كَمَا قَالُوهُ.
وَأما حَدِيث جَابر رضي الله عنه قَالَ: «حجَجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النِّسَاء وَالصبيان فلبينا عَن الصّبيان ورمينا عَنْهُم» .
فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» وَابْن مَاجَه فِي «سنَنه» من حَدِيث أَشْعَث بن سوار، عَن أبي الزبير، عَنهُ (بِهِ) ، وَاللَّفْظ لِابْنِ مَاجَه،
وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «كُنَّا إِذا حجَجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَكُنَّا نلبي عَن النِّسَاء ونرمي عَن الصّبيان» . وَهُوَ حَدِيث مَعْلُول من أوجه، أَحدهَا: أَن أَشْعَث بن سوار (هَذَا) كوفيّ كِنْديّ، يعرف بالنجار التوابيتي الأفرق القَاضِي، من رجال مُسلم مُتَابعَة، وَلينه جمَاعَة، قَالَ أَبُو زرْعَة: فِيهِ لين. وَقَالَ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. (وَاخْتلف النَّقْل عَن يَحْيَى فِيهِ فَنقل عَبَّاس عَنهُ أَنه قَالَ فِيهِ: ضَعِيف) . وَنقل (ابْن) الدَّوْرَقِي (عَنهُ) أَنه قَالَ: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ ابْن حبَان: فَاحش الْخَطَأ، كثير الْوَهم. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّه حَدِيث غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. وَقَالَ عبد الْحق: أحسن مَا سَمِعت فِيهِ قَول ابْن عدي: لم أجد لَهُ متْنا مُنْكرا، إِنَّمَا يخلط فِي الْأَسَانِيد فِي الْأَحَايِين.
الثَّانِي: أَن أَبَا الزبير مُدَلّس، وَقد عنعن.
الثَّالِث: أَنه مُضْطَرب الْمَتْن، فمتن التِّرْمِذِيّ فِيهِ كَمَا مر:«نلبي عَن النِّسَاء ونرمي عَن الصّبيان» أَي: يُلَبِّي الرِّجَال عَن النِّسَاء، ويرمون عَن الصّبيان. وَلَفظ ابْن مَاجَه كَمَا مر، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة سَوَاء - أَعنِي: التَّلْبِيَة عَن الصّبيان أَيْضا - وَلم يذكر التَّلْبِيَة عَن النِّسَاء. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا أولَى بِالصَّوَابِ وأشبه بِهِ؛ فَإِن الْمَرْأَة لَا يُلَبِّي عَنْهَا
غَيرهَا، أجمع أهل الْعلم عَلَى ذَلِك، حَكَاهُ هَكَذَا التِّرْمِذِيّ، قَالَ: وَإِنَّمَا لَا ترفع صَوتهَا بِالتَّلْبِيَةِ فَقَط. وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه» : لَعَلَّ أَنه يُرِيد أَنه لما كره لَهَا رفع صَوتهَا بِالتَّلْبِيَةِ كَانَ (رفع) أصواتنا بهَا كَأَنَّهَا عَنْهُن، وَكَأَنَّهُم لبوا عَنْهُن؛ إِذْ هَذَا الشعار مَقْصُود فِي الْحَج.