الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَنْبِيه: وَقع فِي «الْخُلَاصَة» عَلَى مَذْهَب الْحَنَفِيَّة: «أَنه عليه السلام سُئِلَ عَن الضفدع يَجْعَل شحمه فِي الدَّوَاء؟ فَقَالَ: خَبِيث من الْخَبَائِث» . وَلم أره بِهَذَا اللَّفْظ؛ (نعم اللَّفْظ) الْأَخير وَرَدَ فِي (القنفد) ، كَمَا سَتَعْلَمُهُ فِي كتاب الْأَطْعِمَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين
أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَحْمُ الصَّيْد حَلَال لكم فِي الْإِحْرَام مَا لم تصطادوا (أَو) لم يُصد لكم» .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، وابْنُ حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» من حَدِيث عَمرو بن أبي عَمرو ميسرةَ مولَى الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب، عَن مَوْلَاهُ الْمطلب، عَن جَابر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «صَيْدُ البَرِّ لكم حَلَال مَا لم
تصيدوه أَو يُصَاد لكم» هَذَا لفظ د، س، ت، إِلَّا أَن ت، س قَالَا:«يصد لكم» بِحَذْف الألِف، وَكَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وحَذَفَ ابْن حبَان لَفْظَة «لكم» وَلَفظ الْحَاكِم مثل رِوَايَة الْأَوَّلين وَقَالَ:«يُصاد» بالألِف، وَفِي رِوَايَة لَهُ:«لحم صيد البَرِّ لكم حَلَال وَأَنْتُم حرم مَا لم تصيدوه أَو يصاد لكم» . وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ كهاتين الرِّوَايَتَيْنِ.
وَإسْنَاد هَذَا الحَدِيث إِلَى عَمرو (بن أبي عَمرو) صَحِيح، وأمَّا عَمرو بن أبي عَمرو فقد ليَّنَهُ جَماعة، قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِقَوي وَإِن كَانَ قد رَوَى عَنهُ مَالك. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: لَا يحْتَج بحَديثه. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِقَوي وَلَيْسَ بحُجَّةٍ. وَقَالَ السَّعْدِيّ: مُضْطَرب الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بالقويّ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: هُوَ مستضعف، وَأَحَادِيثه تدل عَلَى حالِهِ. (وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي «محلاه» : هَذَا خبر سَاقِط لأَجله) . وَأَشَارَ الترمذيُّ إِلَى تَضْعِيف الحَدِيث من وَجْهٍ آخَر فَقَالَ: لَا نَعْرِف للمطلَّب سَمَاعا من جابرٍ. وَقَالَ فِي موضعٍ آخر: قَالَ مُحَمَّد: لَا أعرف للمطلب سَمَاعا من أحدٍ من الصَّحَابَة إِلَّا قَوْله:
«حدَّثني مَنْ شهد خُطْبةَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم» وَسمعت عبد الله بن عبد الرَّحْمَن - يَعْنِي: الدَّارمِيّ - يَقُول: لَا نَعْرف لَهُ سَمَاعا من أحدٍ من الصَّحَابَة. وطَعَنَ فِي الْمطلب ابْنُ سَعْدٍ فَقَالَ: لَيْسَ يُحتج بحَديثه؛ لِأَنَّهُ يُرْسل عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا (و) لَيْسَ لَهُ لِقَاء، وعامَّة أَصْحَابه يدلِّسُون.
وَالْجَوَاب عَن هَذِه التعليلات: أما تَضْعِيف عَمرو فَلَا يقبل؛ فَإِنَّهُ من رجال «الصَّحِيحَيْنِ» ، و «السّنَن الْأَرْبَعَة» رووا عَنهُ وَاحْتَجُّوا بِهِ، وَاحْتج بِهِ أَيْضا الإمامُ مَالك، ورَوى عَنهُ وَهُوَ الْقدْوَة، وَقد عُلِم من عَادتِهِ أَنه لَا يروي فِي كِتَابه إِلَّا عَن ثِقَة، وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِيهِ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو زُرْعة: ثِقَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ ابْن عدي: لَا بَأْس بِهِ؛ لِأَن مَالِكًا رَوَى عَنهُ، وَلَا يروي مَالك إلَاّ عَن صَدُوق ثِقَة. وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» وَقَالَ: رُبمَا أَخطَأ، يُعْتَبَرُ بحَديثه من رِوَايَة الثِّقَات عَنهُ.
وَهَذَا الحَدِيث كل من رَوَاهُ عَنهُ فَهُوَ ثِقَة، وَقد أخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من جِهَته، (والحاكمُ) فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قَالَ: وَرَوَاهُ عَن عَمرو يعقوبُ بن عبد الرَّحْمَن الإسْكَنْدراني وَيَحْيَى بن عبد الله بن سَالم، ومالكُ بْنُ أنسٍ، وسليمانُ بْنُ بِلَال مسنَدًا مُتَّصِلا، وهم ثِقَات. قَالَ: وَلَا يُعلل هَذَا بِحَدِيث الشَّافِعِي، عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن عَمرو بن أبي عَمْرو، عَن رجلٍ مِنَ
الْأَنْصَار، عَن جَابر مَرْفُوعا، فَإِن الْأَوَّلين وصَلُوه، وهم ثِقَات. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدِيث صَحِيح عَن عَمرو بن أبي عَمرو. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : أَقَامَ ثَلَاثَة من الثِّقَات إِسْنَاد هَذَا الحديثِ عَن عَمرو، وهُمْ: يَحْيَى بْنُ عبد الله بن سَالم، ويعقوبُ بن عبد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ، وَسليمَان بن بِلَال. قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشافعيُّ عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد (عَن) عَمرو، وَعَن الثِّقَة عِنْده، عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن عَمروٍ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد، عَن مَالك (بن) أنس، عَن عَمرو. قَالَ: ورَوَاهُ عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي، عَن عَمرو، عَن رجل من بني سَلمَة، عَن جابرٍ مَرْفُوعا. قَالَ الشَّافِعِي: وَابْن أبي يَحْيَى أحفظ من الدراورديِّ وَسليمَان مَعَ ابْن أبي يَحْيَى. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَلِكَ يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن وَيَحْيَى بن عبد الله بن سَالم وهما مَعَ سُلَيْمَان من الْأَثْبَات.
قلت: (فَحصل) من ذَلِك كُله تَوْثِيق عَمرو، (وَتَصْحِيح) هَذَا الحَدِيث، ومَنْ جرح عَمرو بْنَ أبي (عَمرو) فَلم (يفسِّرْ) جرحه، وَقد عُرف أَن الْجرْح لَا يقبل إِلَّا مُفَسرًا. قَالَ التِّرْمِذِيّ: قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا الحَدِيث أَحْسَنُ شَيْء رُوي فِي هَذَا الْبَاب وأَقيس. وأمَّا إِدْرَاك الْمطلب
لجابرٍ، فَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: رَوَى (عَن) جَابر، وَيُشبه أَن يكون أدْرَكَهُ. هَذَا كَلَامه؛ فَحصل شكّ فِي إِدْرَاكه، وَمذهب مُسلم بن الْحجَّاج الَّذِي ادَّعَى فِي مُقَدّمَة «صَحِيحه» الْإِجْمَاع عَلَيْهِ أَنه لَا يُشْتَرَطُ فِي اتِّصَال الحَدِيث اللِّقَاء (بل) يَكْفِي إِمْكَانه. والإمكان حَاصِل قطعا، وَمذهب عَلّي بن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ والأكثرين اشْتِرَاط ثُبُوت اللِّقَاء. فَعَلَى مَذْهَب مُسلم الحَدِيث مُتَّصِل، وَعَلَى مَذْهَب الْأَكْثَرين يكون مُرْسل بعض التَّابِعين. ومرسل التَّابِعِيّ الْكَبِير حُجَّة إِذا اعتضد بِأحد أمورٍ، مِنْهَا: قَول بعض الصَّحَابَة بِهِ. وَقد قَالَ بِهِ مِنَ الصَّحَابَة عثمانُ بْنُ عَفان، كَمَا نَقله (ابْن) الْمُنْذر عَنهُ. وَمِنْهَا: أَن يسند من جِهَة أُخْرَى. وَقد وُجدَ ذَلِك أَيْضا؛ فقد رَوَاهُ الخطيبُ فِي كتاب «مَنْ رَوى عَن مَالك» من حَدِيث عُثْمَان بن خَالِد الْمدنِي، نَا مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عُمر (قَالَ) : قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «الصَّيْد يَأْكُلهُ الْمحرم مَا لم يصده أَو يصد لَهُ» . ثمَّ قَالَ الْخَطِيب: تفرَّد بروايته عُثْمَان عَن مَالك.
قلت: وَعُثْمَان ضعَّفوه، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من