الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الْحِوَالَة
ذكر فِيهِ ثَلَاثَة أَحَادِيث:
أَحدهَا
مَا رَوَاهَا الشَّافِعِي عَن مَالك، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مطل الْغَنِيّ ظلم، وَإِذا اتبع أحدكُم عَلَى مليءٍ فَليتبعْ» .
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث مَالك بِهِ، رَوَاهُ خَ عَن عبد الله بن يُوسُف، عَن مَالك، عَن يَحْيَى بن يَحْيَى عَنهُ، وَأَبُو دَاوُد عَن القعْنبِي عَنهُ، وَالنَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَنهُ، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام من «سنَنه» (عَن هِشَام بن عمار، وَالنَّسَائِيّ فِي الْبيُوع من «سنَنه» ) أَيْضا عَن قُتَيْبَة كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن أبي الزِّنَاد بِهِ. وَله شَاهد من حَدِيث ابْن عمر أَنه عليه الصلاة والسلام قَالَ:«مطل الْغَنِيّ ظلم، وَإِذا أحلّت عَلَى مليءٍ فَاتبعهُ» رَوَاهُ أَحْمد (فِي
«مُسْنده» وَابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام من «سنَنه» من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن تَوْبَة عَن هشيم) ، عَن يُونُس بن عبيد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن عبد الله الْحَافِظ عَن هشيم بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد جيد لَكِن نقل الضياء فِي «أَحْكَامه» عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ: لم يسمع يُونُس بن عبيد من نَافِع؛ إِنَّمَا سمع من ابْن نَافِع. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى «فَإِذا أُحِيل أحدكُم عَلَى مليءٍ فَليَحْتَلْ» وَهُوَ بِمَعْنى اللَّفْظ الأول.
قلت: هُوَ كَمَا قَالَ وَقد أخرجه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور أَحْمد فِي «مُسْنده» .
فَائِدَة: المطل المدافعة. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: إِنَّه إطالة المدافعة. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض وَغَيره: إِنَّه (تَأْخِير) قَضَاء مَا اسْتحق أَدَاؤُهُ. والمليء بِالْهَمْز: الْغَنِيّ المكثر. قَالَه فِي «المستغرب» والأزهري قَالَ: إِنَّه الْغَنِيّ. وَقد ورد (كَذَلِك) فِي رِوَايَة سليم والبندنيجي من أَصْحَابنَا بدل قَوْله: «مليءٍ» وَكَذَا عبارَة صَاحب «المستغرب» : إِنَّه الْغَنِيّ. قَالَ: وَأَصله الْوَاسِع الطَّوِيل. وَقَوله: «فَليتبعْ» هُوَ بِإِسْكَان الْمُثَنَّاة فَوق، وَعَن بعض الْمُحدثين بتشديدها، حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض فِي «شَرحه» وَنَقله الْخطابِيّ عَن
أَصْحَاب الحَدِيث، ثمَّ غلطهم فِيهِ وَصوب الإسكان. وَقَوله:«فَإِذا أتبع» قَالَ صَاحب الْبَحْر من أَصْحَابنَا: أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: «اتبع» بِالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ غلط، وَصَوَابه بِأَلف مَضْمُومَة وباء مُخَفّفَة.
قلت: و «اتبع» يتَعَدَّى بِنَفسِهِ، وعدى هُنَا بِعلَى (تصحيبًا) لَهُ بِمَعْنى أُحِيل، وَنقل الرَّافِعِيّ عَن الْجَوْهَرِي أَنه قَالَ: يُقَال: أتبع فلَان بفلان؛ أَي: أُحِيل لَهُ عَلَيْهِ، و (التبيع) الَّذِي لَك عَلَيْهِ (مَال) وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَهُوَ كَذَلِك فِيمَا قَالَ الرَّافِعِيّ: ثمَّ الْأَشْهر فِي الرِّوَايَة «وَإِذا أُحِيل أحدكُم» بِالْوَاو. قلت: هِيَ رِوَايَة الشَّافِعِي وم وت. قَالَ: وَيروَى: «فَإِذا أُحِيل أحدكُم» بِالْفَاءِ. قلت: هِيَ رِوَايَة خَ (لكنه) قَالَ: «فَإِذا أتبع» بدل «فَإِذا أُحِيل» . قَالَ: فعلَى التَّقْدِير الأول هُوَ مَعَ قَوْله: «مطل الْغَنِيّ ظلم» جملتان لَا تعلق للثَّانِيَة بِالْأولَى؛ كَقَوْلِه عليه الصلاة والسلام: «الْعَارِية مَرْدُودَة، والزعيم غَارِم» وَعَلَى الثَّانِي يجوز أَن يكون الْمَعْنى فِي التَّرْتِيب أَنه إِذا كَانَ المطل ظلما من الْغَنِيّ (فليقبل من حيل بِدِينِهِ عَلَيْهِ) فَإِن الظَّاهِر أَنه يحْتَرز عَن الظُّلم وَلَا يمطل. وَهَذَا إِذا كَانَ الْوَصْف بِالْمَعْنَى يعود إِلَى من عَلَيْهِ الدَّين، وَقد قيل: إِنَّه يعود إِلَى من لَهُ الدَّين، وَعَلَى هَذَا لَا يحْتَاج أَن يذكر فِي التَّقْدِير من الْغَنِيّ. نبه عَلَيْهِ صَاحب «الْمطلب» قَالَ الرَّافِعِيّ: ثمَّ قَوْله: «فَليَحْتَلْ» أَو «فَليتبعْ» أَمر اسْتِحْبَاب، وَعند أَحْمد للْوُجُوب. قلت: وَعند غَيرهمَا للْإِبَاحَة.