الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى نَحْو عشْرين ميلًا من الْمَدِينَة، وَهُوَ فِي صدر وَادي العقيق.
والشرف: قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» : قَيده بَعضهم بِفَتْح السِّين وَكسر الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَبَعْضهمْ بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء الْمُهْملَة، قَالَ: وَالثَّانِي هُوَ الصَّوَاب.
الحَدِيث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ
«أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسُوق الْهَدْي»
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عَائِشَة، وَعلي وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة رضي الله عنهم.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمَا كَانَت تشد أفواهها فِي الْحرم. قلت: هُوَ الظَّاهِر.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه.
وَأما آثاره فسبعة وَثَلَاثُونَ أثرا.
أَولهَا: «أَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قدمُوا مَكَّة متقلدين بسيوفهم عَام عمْرَة الْقَضَاء» .
وَهَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «مُسْنده» عَن إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، عَن عبد الله بن أبي بكر، «أَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قدمُوا فِي عمْرَة الْقَضَاء
متقلدين السيوف وهم محرمون» . وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ من رِوَايَة الْبَراء قَالَ: «اعْتَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي ذِي الْقعدَة، فَأَبَى أهل مَكَّة أَن يَدعُوهُ يدْخل مَكَّة حَتَّى قاضاهم لَا يدْخل مَكَّة سِلَاحا إِلَّا فِي القراب» .
وَفِيه أَيْضا من حَدِيث ابْن عمر «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خرج مُعْتَمِرًا فحال كفار قُرَيْش بَينه وَبَين الْبَيْت، فَنحر هَدْيه وَحلق رَأسه بِالْحُدَيْبِية، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَن يعْتَمر الْعَام الْمقبل، وَلَا يحمل سِلَاحا عَلَيْهِم إِلَّا سيوفًا وَلَا يُقيم [بهَا] إِلَّا مَا أحَبُّوا، فَاعْتَمَرَ من الْعَام الْمقبل فَدَخلَهَا كَمَا كَانَ صَالحهمْ فَلَمَّا أَقَامَ بهَا ثَلَاثًا أَمرُوهُ أَن يخرج فَخرج.
الْأَثر الثَّانِي وَالثَّالِث: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلَا بَأْس أَيْضا بشد الْهِمْيَان والمنطقة عَلَى الْوسط لحَاجَة النَّفَقَة، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
أما أثر عَائِشَة: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي مُعَاوِيَة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا سُئلت عَن الْهِمْيَان للْمحرمِ، فَقَالَت: وَمَا بَأْس ليستوثق من نَفَقَته» .
وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة: ثَنَا حَفْص بن غياث، (عَن) يَحْيَى بن سعيد، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا سُئِلت عَن الْهِمْيَان للْمحرمِ (فَقَالَت) أوثق نَفَقَتك فِي حقويك» .
وَفِي «علل الدَّارَقُطْنِيّ» أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث الْقَاسِم، عَن عَائِشَة:«أَنَّهَا كَانَت ترخص فِي المنطقة للْمحرمِ» . فَقَالَ: يرويهِ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَاخْتلف عَنهُ) : فَرَوَاهُ يَحْيَى بن سيعد الْقطَّان وَيَحْيَى بن أَيُّوب الْمصْرِيّ، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة.
وَخَالَفَهُمَا ابْن فُضَيْل فَرَوَاهُ، عَن يَحْيَى، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، قَال: وَالْأول أشبه بِالصَّوَابِ.
وَأما أثر ابْن عَبَّاس، فَرَوَاهُ (الْبَيْهَقِيّ) فِي «سنَنه» من حَدِيث شريك، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَطاء، وَسَعِيد بن جُبَير عَنهُ قَالَ:«رخص للْمحرمِ فِي الْخَاتم والهميان» .
وَفِي رِوَايَة لَهُ من هَذَا الْوَجْه: «لَا بَأْس بالهميان والخاتم للْمحرمِ» ترْجم عَلَيْهِمَا الْبَيْهَقِيّ وَعَلَى أثر عَائِشَة السالف (الْمحرم يلبس المنطقة والهميان للنَّفَقَة والخاتم) ، وَلم يذكر «المنطقة» فِي روايتهما. فَكَأَنَّهُ قاسها عَلَى الْهِمْيَان.
وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، عَن وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن حميد الْأَعْرَج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:«لَا بَأْس بِهِ أَي: بالهميان للْمحرمِ» . وَرَوَاهُ ابْن عدي وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث يُوسُف بن خَالِد السَّمتي، ثَنَا زِيَاد بن سعد، عَن صَالح مولَى التَّوْأَمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه كَانَ لَا يرَى بالهميان للْمحرمِ بَأْسا» .
رَوَى ذَلِكَ ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، ويوسف هَذَا واهٍ، وَصَالح مولَى التَّوْأَمَة تغير بِأخرَة.
وَرَوَاهُ ابْن عدي فِي «كَامِله» أَيْضا بِلَفْظ «أَنه عليه السلام رخص للهميان فِي الْمحرم» . وَفِي سَنَده مَعَ صَالح أَحْمد بن ميسرَة، قَالَ أَحْمد: لَا أعرفهُ. وَقَالَ ابْن عدي: لَا يعرف إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث، وَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، قَالَ: عَلَى أَنه قد رَوَاهُ عَن صَالح: إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، وَإِبْرَاهِيم يحْتَمل تَضْعِيفه، وَزِيَاد لَا يحْتَمل؛ لِأَنَّهُ ثِقَة، وَهُوَ مُنكر من حَدِيث زِيَاد بن سعد، عَن صَالح.
(وَرَوَاهُ) من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «رخص فِي الْهِمْيَان للْمحرمِ يُشَدُّ فِيهِ نَفَقَته» .
الْأَثر الرَّابِع: قَالَ الرَّافِعِيّ: والحناء لَيْسَ بِطيب «كَانَ نسَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يختضبن وَهن مُحرمَات» .
وَهَذَا الْأَثر ذكره صَاحب «الْمُهَذّب» أَيْضا، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» : إِنَّه غَرِيب. قَالَ: وَقد حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر فِي «الإشراف» بِغَيْر إِسْنَاد، وَإِنَّمَا رَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي الْمَسْأَلَة حَدِيث عَائِشَة «أَنَّهَا سُئِلت عَن الْحِنَّاء والخضاب، فَقَالَت: كَانَ خليلي (لَا يحب رِيحه» .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِيهِ كالدلالة عَلَى أَن الْحِنَّاء لَيْسَ بِطيب؛ فقد كَانَ (يحب الطّيب، وَلَا يحب [ريح] الْحِنَّاء. انْتَهَى.
وَهَذَا الْأَثر الَّذِي استغربه النَّوَوِيّ رحمه الله قد ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» أَيْضا وَلم يعزه.
وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب «الْمعرفَة» فَقَالَ: وروينا عَن عِكْرِمَة «أَن عَائِشَة وَأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم كن يختضبن بِالْحِنَّاءِ وَهن مُحرمَات» . ذكره ابْن الْمُنْذر.
قلت: وَهَذَا قد أسْندهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» (فَقَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن أَحْمد، حَدَّثَني أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَيُّوب صَاحب الْمَغَازِي) ، ثَنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش، عَن يَعْقُوب (بن) عَطاء، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:«كن أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يختضبن بِالْحِنَّاءِ وَهن مُحرمَات، ويلبسن المعصفر وَهن مُحرمَات» .
وَيَعْقُوب بن عَطاء، الظَّاهِر أَنه ابْن أبي رَبَاح وهاه أَحْمد، وَضَعفه ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة، وَذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، وَعَمْرو بن دِينَار سمع من ابْن عَبَّاس كَمَا صرح بِهِ الرَّامَهُرْمُزِيُّ فِي كِتَابه «الْفَاصِل» ، وَلَا تغتر بقول الْحَاكِم: عَامَّة أَحَادِيثه (عَن الصَّحَابَة) غير مسموعة، فَزَالَتْ إِذن الغرابة الَّتِي ادَّعَاهَا النَّوَوِيّ، وَعرف مخرجه، وَللَّه الْحَمد.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : وروينا عَن عَائِشَة «أَنَّهَا سُئِلت عَن خضاب الْحِنَّاء فَقَالَت: كَانَ خليلي (لَا يحب رِيحه» . وَهَذَا قد أسْندهُ فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد حسن، قَالَ: وَمَعْلُوم أَنه كَانَ يحب الطّيب فَيُشبه أَن يكون الْحِنَّاء غير دَاخل فِي جملَة الطّيب. وَهَذَا قد قدمْنَاهُ عَن شيبَة أَيْضا.
وَذكر فِي «الْمعرفَة» عَن خَوْلَة بنت حَكِيم، عَن أَبِيهَا مَرْفُوعا:«لَا تطيبي وَأَنت مُحرمَة، وَلَا تمسي الْحِنَّاء؛ فَإِنَّهُ طيب» .
وَقَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف؛ فِيهِ ابْن لَهِيعَة غير مُحْتَج بِهِ.
وَفِي «سنَن ابْن مَاجَه» : ثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى، ثَنَا حجاج، ثَنَا يزِيد بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا أَيُّوب، عَن (معَاذَة) «أَن امْرَأَة سَأَلت عَائِشَة قَالَت: تختضب الْحَائِض؟ فَقَالَت: كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَنحن نختضب (فَلم يكن) ينهانا عَنهُ» وَهَذَا عَام.
فَائِدَة: عدَّ أَبُو حنيفةَ الدِّينوَرِي وَغَيره من أهل اللُّغَة الْحِنَّاء من أَنْوَاع الطّيب. وَقَالَ الْهَرَوِيّ فِي «غَرِيبه» فِي الحَدِيث: «سيد راحين الْجنَّة (الفاغية) » قَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ نَوْر الحِنَّاء، وَفِي الحَدِيث أَيْضا عَن أنس:«كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الفاغية» .
قلت: رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» . وَقَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ: الفاغية مَا أنبتت الصَّحرَاء من الأَنْوَار الريحة الَّتِي لَا تزرع.
الْأَثر الْخَامِس: عَن عُثْمَان رضي الله عنه «أَنه سُئِلَ عَن الْمحرم هَل يدْخل الْبُسْتَان؟ قَالَ: نعم ويشم الريحان» .
وَهَذَا الْأَثر ذكره صَاحب «الْمُهَذّب» ، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» : إِنَّه غَرِيب. وَذكره الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه (لأحاديثه) من حَدِيث أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أَحْمد، ثَنَا الباغندي مُحَمَّد بن سُلَيْمَان، ثَنَا أَحْمد بن الْمَرْزُبَان، عَن عبد الله بن الأرطبان، عَن الْمعَافى بن عمرَان، عَن جَعْفَر بن برْقَان، عَن مَيْمُون بن مهْرَان، عَن أبان بن عُثْمَان، عَن عُثْمَان بن عَفَّان «فِي الْمحرم يدْخل الْبُسْتَان؟ قَالَ: نعم، ويشم الريحان» . وَهَذَا من المسلسلات الغريبة، وسلسله ابْن عَسَاكِر أَيْضا من عِنْده إِلَى عُثْمَان كَمَا ذكرته عَنهُ فِي تخريجي لأحاديثه.
قَالَ الْمُنْذِرِيّ: هُوَ أثر غَرِيب. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد أحسن من هَذَا، من رِوَايَة ابْن عَبَّاس قَالَ:«الْمحرم يشم الريحان وَيدخل الْحمام» . قَالَ: وَهَذَا حَدِيث حسن، وَإِسْنَاده ثِقَات. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «شَرحه» : إِسْنَاده مُتَّصِل صَحِيح.
وَلَفظ رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس «أَنه كَانَ لَا يرَى بَأْسا للْمحرمِ بشم الريحان» .
وَذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» تَعْلِيقا عَنهُ: «يشم الْمحرم الريحان، وَينظر فِي الْمرْآة، ويتداوى بِمَا يُؤْكَل: الزَّيْت وَالسمن» .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ خلاف هَذَا عَن ابْن عمر وَجَابِر بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ:
أَحدهمَا: عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يكره شم الريحان للْمحرمِ» .
ثَانِيهمَا: عَن أبي الزبير «أَنه سمع جَابِرا يسْأَل عَن الريحان أيشمه الْمحرم (و) الطّيب والدهن؟ فَقَالَ: لَا» .
الْأَثر السَّادِس: عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه «أَنه دخل حمام الْجحْفَة محرما وَقَالَ: إِن الله لَا يعبأ بأوساخكم شَيْئا» .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» (إِلَيْهِ) : أبنا إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، عَن أَيُّوب بن أبي تَمِيمَة، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه دخل حَماما وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ، وَقَالَ: مَا يعبأ الله بأوساخنا شَيْئا» .
وَإِبْرَاهِيم هَذَا قد عرفت حَاله غير مَا مرّة، وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور قَالَ:« (إِن) الله لَغَنِيّ عَن درني ووسخي» .
قَالَ الشَّافِعِي: وَأَنا الثِّقَة - إِمَّا سُفْيَان وَإِمَّا غَيره - عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه دخل حمام الْجحْفَة وَهُوَ محرم» .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» عَنهُ، قَالَ: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه أَبَاحَ ذَلِكَ. وَهَذَا أسْندهُ فِي «سنَنه» من حَدِيث عِكْرِمَة عَنهُ: «الْمحرم يشم الريحان، وَيدخل الْحمام، وَينْزع ضرسه، ويفقأ القرحة، وَإِذا انْكَسَرَ عَنهُ ظفره أماط عَنهُ الْأَذَى» . وَفِي البُخَارِيّ: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: «يدْخل الْمحرم الْحمام» .
فَائِدَة: قَوْله «مَا يعبأ بِهَذَا» الْمَعْنى: مَا يصنع، وَمِنْه قَوْله: مَا عبأت بفلان عبئًا أَي: مَا باليت بِهِ، وَبَيَان أَيْضا «مَا يعبأ بِهَذَا» بِمَعْنى:«مَا يصنع بِهِ» . وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: (قل مَا يعبؤا بكم رَبِّي لَوْلَا دعاؤكم) .
والدَّرَن: الْوَسخ.
الْأَثر السَّابِع، وَالثَّامِن، وَالتَّاسِع، والعاشر: قَالَ الرَّافِعِيّ: وللجماع فِي الْحَج وَالْعمْرَة نتائج، فَمِنْهَا: فَسَاد النّسك، يروون ذَلِكَ عَن عمر، وَعلي، وَابْن عَبَّاس، وَأبي هُرَيْرَة، وَغَيرهم من الصَّحَابَة. انْتَهَى.
أما أثر عمر: فَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» بلاغًا وَهَذَا لَفظه: «أَنه بلغه أَن عمر بن الْخطاب، وَعلي بن أبي طَالب، وَأَبا هُرَيْرَة رضي الله عنهم سئلوا: عَن رجل أصَاب أَهله وَهُوَ محرم بِالْحَجِّ؟ قَالُوا: ينفذان لوجههما - يَعْنِي (يقضيان) حجهما - ثمَّ عَلَيْهِمَا الْحَج من قَابل وَالْهَدْي.
وَقَالَ عَلّي: فَإِذا أَهلا بِالْحَجِّ (من) عَام قَابل، تفَرقا حَتَّى يقضيا
حجهما. وأسنده الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَطاء أَن عمر بن الْخطاب قَالَ فِي محرم بِحجَّة أصَاب (امْرَأَته) يَعْنِي وَهِي مُحرمَة - فَقَالَ: «يقضيان حجهما وَعَلَيْهِمَا الْحَج من قَابل من حَيْثُ كَانَا أحرما، ويفترقان حَتَّى يُتِمَّا حجهما» . قَالَ عَطاء: وَعَلَيْهِمَا بَدَنَة إِن أَطَاعَته أَو استكرهها، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمَا بَدَنَة.
وَهَذَا مُنْقَطع فَإِن عَطاء لم يدْرك (عمر) إِنَّمَا ولد فِي آخر خلَافَة عُثْمَان.
وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن سُفْيَان، [عَن يزِيد بن] يزِيد بن جَابر قَالَ:«سَأَلت مُجَاهدًا عَن الرجل يَأْتِي امْرَأَته وَهُوَ محرم فَقَالَ: قد كَانَ ذَلِكَ عَلَى عهد عمر بن الْخطاب فَقَالَ عمر: يقضيان حجهما، وَالله أعلم بحجهما، ثمَّ يرجعان حَلَالا حَتَّى إِذا كَانَا من قَابل حَجَّا وأهديا» .
وَأما أثر عَلّي فقد سلف آنِفا.
وَأما أثر ابْن عَبَّاس فَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن هشيم، ثَنَا أَبُو بشر، حَدَّثَني رجل من قُرَيْش «أَن رجلا وَقع بامرأته وهما محرمان، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: اقضيا (مَا) عَلَيْكُمَا من نسككما هَذَا، وعليكما الْحَج من قَابل» . وَهَذَا فِيهِ جَهَالَة.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث شُعْبَة عَن أبي بشر، قَالَ أَبُو بشر: سَمِعت رجلا من بني عبد الدَّار قَالَ: أَتَى رجل ابْن عَبَّاس فَسَأَلَهُ عَن محرم وَقع بامرأته، فَقَالَ: يقضيان مَا بَقِي من (نسكهما) فَإِذا كَانَ قَابل حجَّا، فَإِذا أَتَيَا الْمَكَان الَّذِي أصابا فِيهِ مَا أصابا تفَرقا وَعَلَى كل واحدٍ مِنْهُمَا هدي، أَو قَالَ: عَلَيْهِمَا الْهَدْي. قَالَ أَبُو بشر: فَذكرت ذَلِكَ لسَعِيد بن جُبَير فَقَالَ: هَكَذَا كَانَ يَقُول ابْن عَبَّاس. وَهَذَا أَيْضا فِيهِ جَهَالَة كَمَا ترَى.
(وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي) حَدِيث عِكْرِمَة «أَن رجلا وَامْرَأَته من قُرَيْش لقيا ابْن عَبَّاس بطرِيق الْمَدِينَة، فَقَالَ: أصبت أَهلِي! فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أما حجكما هَذَا فقد بَطل فحجَّا عَاما قَابلا، ثمَّ أهِلَاّ من حَيْثُ أهللتما حَتَّى إِذا بلغتما حَيْثُ وَقعت عَلَيْهَا ففارقها، فَلَا تراك وَلَا ترَاهَا حَتَّى ترميا الْجَمْرَة، ولتهد نَاقَة» .
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه سُئِلَ عَن رجل وَقع عَلَى امْرَأَته وَهُوَ محرم، قَالَ: اقضيا نسككما وارجعا إِلَى بلدكما، فَإِذا كَانَ عَام قَابل، (فاخرجا) حاجين، فَإِذا أحرمتما فتفرقا وَلَا تلتقيا حَتَّى تقضيا نسككما، وأهديا هَديا) .
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «ثمَّ أهِلَاّ من حَيْثُ أهللتما أول مرّة» .
وَرَوَى ابْن خُزَيْمَة ثمَّ الْبَيْهَقِيّ إِلَيْهِ بِإِسْنَاد صَحِيح أَنه قَالَ: «إِذا جَامع فعلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا بَدَنَة» وَفِي رِوَايَة لَهما: «يُجزئ بَينهمَا جزور» .
وَفِي الْمُوَطَّأ بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ «أَنه سُئِلَ عَن رجل وَقع عَلَى أَهله وَهُوَ بمنى قبل أَن يفِيض، فَأمره أَن ينْحَر بَدَنَة» .
وَفِي رِوَايَة لَهُ «الَّذِي يُصِيب أَهله قبل أَن يفِيض يعْتَمر ويُهْدي» .
وَفِي مُسْند أبي حنيفَة عَنهُ، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن ابْن عَبَّاس «الرجل يواقع امْرَأَته بَعْدَمَا وقف بِعَرَفَة، قَالَ: عَلَيْهِ بَدَنَة، وَتمّ حجه» .
وَأما أثر أبي هُرَيْرَة فَتقدم عَن رِوَايَة مَالك، وَقَول الرَّافِعِيّ وَغَيرهم من الصَّحَابَة هُوَ كَمَا قَالَ، وستعلمه عَن ابْن عَمْرو، وَابْن عمر.
الْأَثر الْحَادِي عشر إِلَى الرَّابِع عشر: رُوِيَ عَن عمر وَعلي وَابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة رضي الله عنهم قَالُوا: «من أفسد حجه (قَضَى فِي فاسده) ، وَقَضَى من قَابل» . وَهَذِه الْآثَار قد سلفت فِي الْآثَار قبلهَا.
وَرَوَى أَحْمد بن حَنْبَل، عَن إِسْمَاعِيل، ثَنَا أَيُّوب، عَن غيلَان بن جرير، أَنه سمع عليًّا الْأَزْدِيّ قَالَ:«سَأَلت ابْن عمر عَن رجل وَامْرَأَة من عمان أَقبلَا حاجين فقضيا الْمَنَاسِك حَتَّى لم يبْق (عَلَيْهِمَا) إِلَّا الْإِفَاضَة وَقع عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: ليحجَّا قَابلا» .
وَفِي الْبَيْهَقِيّ هُنَا وَآخر الْبيُوع من «الْمُسْتَدْرك» ، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه «أَن رجلا أَتَى عبد الله بن عَمْرو يسْأَله عَن محرم وَقع بامرأته فَأَشَارَ إِلَى عبد الله بن عمر فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ فسله. قَالَ
شُعَيْب: فَلم يعرفهُ الرجل فَذَهَبت مَعَه، فَسَأَلَ ابْن عمر، فَقَالَ: بَطل حجك. فَقَالَ الرجل: فَمَا أصنع؟ قَالَ: اخْرُج مَعَ النَّاس واصنع مَا يصنعون؛ فَإِذا أدْركْت قابلَ فحُج وأهْدِ. فَرجع إِلَى عبد الله بن عَمْرو وَأَنا مَعَه فَأخْبرهُ، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى عبد الله بن عَبَّاس فسله. قَالَ شُعَيْب: فَذَهَبت مَعَه إِلَى ابْن عَبَّاس فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ ابْن عمر، فَرجع إِلَى عبد الله بن عَمْرو وَأَنا مَعَه (فَأَخْبَرته) بِمَا قَالَ ابْن عَبَّاس ثمَّ قَالَ: مَا تَقول أَنْت؟ فَقَالَ: قولي مثل مَا قَالَا» .
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث رُوَاته ثِقَات حفاظ وَهُوَ كالآخذ بِالْيَدِ فِي صِحَة سَماع شُعَيْب بن مُحَمَّد من جده عبد الله بن عَمْرو، قَالَ: كنت أطلب الْحجَّة الظَّاهِرَة فِي سَماع شُعَيْب بن مُحَمَّد من عبد الله بن عَمْرو، قَالَ: فظفرت بهَا الْآن. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده صَحِيح.
قَالَ: وَفِيه دَلِيل عَلَى صِحَة سَماع شُعَيْب بن مُحَمَّد بن عبد الله، من جده عبد الله بن عَمْرو، وَابْن عمر، وَابْن عَبَّاس. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ: إِنَّه حَدِيث حسن. وتعجب صَاحب «الإِمَام» مِنْهُ، قَالَ الْحَافِظ: رِجَاله كلهم مَشْهُورُونَ، فَقَالَ: فَلَا أَدْرِي لِم لَم يُصَحِّحهُ.
الْأَثر الْخَامِس عشر: عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما «أَنه قَالَ فِي المجامع امْرَأَته فِي الْإِحْرَام: فَإِذا أَتَيَا الْمَكَان الَّذِي أصابا فِيهِ مَا أصابا يفترقا.
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ كَمَا سلف قَرِيبا، وَرَوَاهُ (أَبُو دَاوُد) فِي
مراسيله مَرْفُوعا، لكنه مُرْسل وَضَعِيف، رَوَاهُ عَن يزِيد بن نعيم أَو زيد بن نعيم - شكّ (أَبُو تَوْبَة) - أَن رجلا من جذام جَامع امْرَأَته وهما محرمان، فَسَأَلَ الرجل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهما: اقضيا نسككما، وأهديا هَديا، ثمَّ ارْجِعَا، حَتَّى إِذا كنتما بِالْمَكَانِ الَّذِي أصبْتُمَا فِيهِ مَا أصبْتُمَا فتفرقا وَلَا يرَى وَاحِد مِنْكُمَا صَاحبه، وعليكما حجَّة أُخْرَى، فتقبلان حَتَّى إِذا كنتما بِالْمَكَانِ الَّذِي أصبْتُمَا فِيهِ مَا أصبْتُمَا فأحرما، وأتما نسككما وأهديا.
قَالَ ابْن الْقطَّان: زيد بن نعيم لَا يعرف و (يزِيد) بن نعيم ثِقَة.
قَالَ ابْن وهب فِي «موطئِهِ» : أَخْبرنِي ابْن لَهِيعَة، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عبد الرَّحْمَن (بن حَرْمَلَة) ، عَن ابْن الْمسيب «أَن رجلا من جذام جَامع امْرَأَته وهما محرمان، فَسَأَلَ الرجل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهما: أتِمَّا حجَّكما، ثمَّ ارْجِعَا وعليكما حجَّة أُخْرَى، فَأَقْبَلَا حَتَّى إِذا كنتما بِالْمَكَانِ الَّذِي أصبْتُمَا فِيهِ مَا أصبْتُمَا فأحرما وتفرقا، وَلَا يرَى وَاحِد مِنْكُمَا صَاحبه، ثمَّ أتِمَّا نسككما وأهديا» .
فَهَذَا الحَدِيث يُفَسر مَا أُمرا بِهِ، وَهُوَ أَن يَتَفَرَّقَا فِي العودة، وَالْأول فِيهِ الْأَمر بِالتَّفْرِيقِ فِي الرُّجُوع لَا فِي العودة. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا غير
بَين وَوَقع فِي أَحْكَام عبد الْحق، عَن مَرَاسِيل أبي دَاوُد: الْأَمر بِالتَّفْرِيقِ فِي العودة، فَقَالَ: بعد قَوْله: «مَا أصبْتُمَا فتفرقا وَلَا يرَى أحد مِنْكُمَا صَاحبه فأحرما
…
» إِلَى آخِره.
الْأَثر السَّادِس عشر: عَن عَلّي رضي الله عنه «أَنه أوجب فِي الْقبْلَة شَاة» .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الشَّافِعِي، ثَنَا شريك، عَن جَابر، عَن أبي جَعْفَر، عَنهُ أَنه قَالَ:«من قبل امْرَأَته وَهُوَ محرم فليهرق دَمًا» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مُنْقَطع: يُرِيد فِيمَا بَين أبي جَعْفَر وَهُوَ مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن وَبَين عَلّي بن أبي طَالب.
قلت: وَجَابِر هُوَ الْجعْفِيّ، وحالته علمت.
الْأَثر السَّابِع عشر: عَن ابْن عَبَّاس مثله.
هَذَا الْأَثر أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ بِأَنَّهُ قَالَ لما رَوَى أثر عَلّي، قَالَ: وَمَا رُوِيَ فِي مَعْنَاهُ عَن ابْن عَبَّاس: «فَإِنَّهُ يتم حَجَّه» قَالَ: وَهُوَ قَول سعيد بن جُبَير، وَقَتَادَة، وَالْفُقَهَاء.
الْأَثر الثَّامِن عشر: عَن ابْن عمر رضي الله عنه «أَنه أوجب الْجَزَاء بقتل الْجَرَاد» .
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، عَن شُعَيْب، عَن عَلّي بن عبد الله الْبَارِقي، قَالَ: كَانَ عبد الله بن عمر يَقُول: (فِي الْجَرَاد قَبْضَة من طَعَام) .
وَرَوَاهُ أَيْضا عَن عَبدة، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة «أَن محرما أصَاب جَرَادَة فَحكم عَلَيْهِ عبد الله بن عُمر وَرجل آخر، فَحكم عَلَيْهِ أَحدهمَا بتمرة، وَالْآخر بكسرة. وَرَوَاهُ عبد الله بن عَمْرو أَيْضا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن خَالِد بن عبد الله، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة عَنهُ «أَنه حكم فِي الْجَرَاد بتمرة» .
وَسَيَأْتِي فِي آخر الْبَاب أَيْضا، وَرَوَاهُ عمر أَيْضا، رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سعيد [عَن] ابْن جريج، عَن يُوسُف بن مَاهك أَن عبد الله بن أبي عمار أخبرهُ «أَنه أقبل مَعَ معَاذ بن جبل وَكَعب الْأَحْبَار فِي أنَاس محرمين من بَيت الْمُقَدّس بِعُمْرَة، حَتَّى إِذا كُنَّا بِبَعْض الطَّرِيق، وَكَعب عَلَى (نَار) يصطلي مرت بِهِ رِجْل (من) جرادٍ، فَأخذ جرادتين (قَتلهمَا) وَنسي إِحْرَامه، ثمَّ ذكر إِحْرَامه فألقاهما، فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة دخل الْقَوْم عَلَى عمر بن الْخطاب وَدخلت مَعَهم، فَقص كَعْب قصَّة الجرادتين (عَلَى عمر فَقَالَ عمر: مَا جعلت فِي نَفسك؟ قَالَ) : دِرْهَمَيْنِ قَالَ: بخ، دِرْهَمَانِ خير من مائَة جَرَادَة، اجْعَل مَا جعلت فِي نَفسك» .
الْأَثر التَّاسِع عشر: عَن ابْن عَبَّاس مثله.
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ، عَن سعيد
[عَن] ابْن جريج قَالَ: أَخْبرنِي بكير بن عبد الله، قَالَ: سَمِعت الْقَاسِم بن مُحَمَّد، «قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد ابْن عَبَّاس فَسَأَلَهُ رجل عَن جَرَادَة قَتلهَا وَهُوَ محرم، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: فِيهَا قَبْضَة من طَعَام، ولنأخذن بقبضة جرادات، (وَلَكِن لَو) .
قَالَ الشَّافِعِي: قَوْله: «ولنأخذن بقبضة جرادات:) أَي إِنَّمَا فِيهَا الْقيمَة وَقَوله: «وَلَو» . يَقُول: تحتاط، فَتخرج أَكثر مِمَّا عَلَيْك بعد أَن أعلمتك أَنه أَكثر مِمَّا عَلَيْك.
ورويا أَيْضا بإسنادهما الصَّحِيح، عَن عَطاء، قَالَ «سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن صيد الْجَرَاد فِي الْحرم؟ فَقَالَ: لَا. وَنَهَى عَنهُ، قَالَ: إِمَّا قلت لَهُ أَو رجل من الْقَوْم: فَإِن قَوْمك يأخذونه وهم محتبون فِي الْمَسْجِد؟ فَقَالَ: لَا يعلمُونَ» . وَفِي رِوَايَة: «منحنون» .
قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا أصوب، كَذَا رَوَاهُ الْحفاظ «منحنون» بنونين بَينهمَا حاء مُهْملَة.
وَقَالَ سعيد بن مَنْصُور فِي «سنَنه» : حَدَّثَنَا عبد الله بن وهب، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن بكير بن عبد الله، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد «أَن ابْن عَبَّاس أفتَى محرما قتل جَرَادَة، أَن يتَصَدَّق بقبضة من طَعَام» . قَالَ: وثنا هشيم، أَنا أَبُو يُونُس، عَن يُوسُف بن مَاهك، قَالَ:«جَاءَ (رِجْل) من جرادٍ حَتَّى دخل الْحرم، فَجعل غلْمَان مَكَّة يَأْخُذُونَ مِنْهُ، فنهاهم ابْن عَبَّاس، فَقَالَ: لَو أَنهم يعلمُونَ مَا فِيهِ مَا أخذُوا مِنْهُ شَيْئا» .
الْأَثر الْعشْرُونَ: عَن الصَّحَابَة (أَنهم قضوا فِي النعامة ببدنة) .
هَذَا مَشْهُور عَنْهُم؛ فَفِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَلّي بن أبي طَلْحَة، عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ:«إِن قتل نعَامَة فَعَلَيهِ بَدَنَة من الْإِبِل» .
وَمن حَدِيث عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس فِي حمام الْحرم:«فِي الْحَمَامَة شَاة وَفِي بيضتين دِرْهَم، وَفِي النعامة جزور، وَفِي الْبَقَرَة بقرة، وَفِي الْحمار بقرة» . وَفِي إِسْنَاده عباد بن يَعْقُوب الروَاجِنِي من رجال البُخَارِيّ، لكنه رَافِضِي دَاعِيَة، وَقد حسنه الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» كَمَا سَيَأْتِي.
وَفِيه أَيْضا من حَدِيث الشَّافِعِي، عَن سعيد بن سَالم، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي «أَن عمر وَعُثْمَان وَعلي بن أبي طَالب وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة رضي الله عنهم قَالُوا: فِي النعامة يَقْتُلهَا الْمحرم بَدَنَة من الْإِبِل» . قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا غير ثَابت عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ، وَهُوَ قَول الْأَكْثَر مِمَّن لقِيت فبقولهم: إنَّ فِي النعامة بَدَنَة، وبالقياس قُلْنَا: فِي النعامة بَدَنَة، لَا بِهَذَا.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَجه ضعفه كَونه مُرْسلا؛ فَإِن عَطاء الْخُرَاسَانِي ولد سنة خمسين - قَالَ فِي «الْمعرفَة» : كَمَا قَالَه يَحْيَى بن معِين وَغَيره - وَلم يدْرك عمر وَلَا عُثْمَان، وَلَا عليًّا، وَلَا زيدا، وَكَانَ فِي زمن مُعَاوِيَة صبيًّا، وَلم يثبت لَهُ سَماع من ابْن عَبَّاس، وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يكون سمع مِنْهُ؛ فَإِن ابْن عَبَّاس توفّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ، إِلَّا أَن عَطاء الْخُرَاسَانِي مَعَ
انْقِطَاع حَدِيثه عَمَّن سمينا تكلم فِيهِ أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ.
قَالَ فِي «الْمعرفَة» : وَقد روينَا عَن عَلّي بن أبي طَلْحَة، عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ ذَلِكَ، وَفِيه أَيْضا إرْسَال. وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس، وَإِسْنَاده حسن، وَهَذَا قد أسْندهُ فِي «السّنَن» كَمَا سلف.
وَفِي «السّنَن» لَهُ أَيْضا فِي حَدِيث المَسْعُودِيّ، عَن قَتَادَة، عَن أبي الْمليح الهُذَلي «أَنه كتب إِلَى أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود يسْأَله عَن الْمحرم يُصِيب حمَار وحشٍ، أَو نعامةٍ، أَو بيض نعامةٍ، وَعَن الجرادة يُصِيبهَا الْمحرم، فَكتب إِلَيْهِ أما يُصِيب حمَار وحشٍ فَفِيهِ بَدَنَة، وَفِي النعامة بَدَنَة، وَفِي بيض النعام (صِيَام) يَوْم أَو إطْعَام مِسْكين، وَأما الجرادة فَإِن رجلا من أهل حمص أصَاب جَرَادَة وَهُوَ محرم، فَأَتَى عمر فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ عمر: مَا أَعْطَيْت عَنْهَا؟ قَالَ: أَعْطَيْت عَنْهَا درهما، فَقَالَ: إِنَّكُم معشر أهل حمص كَثِيرَة دراهمكم، ولتمرة أحب إليَّ من جَرَادَة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا فِي رِوَايَة المَسْعُودِيّ، وَرُوِيَ عَن ابْن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ: فَكتب إِلَيْهِ أَن ابْن مَسْعُود يَقُول فِيهَا - يَعْنِي: فِي النعامة - بَدَنَة.
قَالَ مَالك: وَلم أزل أسمع أَن فِي النعامة إِذا قَتلهَا الْمحرم بَدَنَة.
الْأَثر الْحَادِي بعد الْعشْرين: عَن الصَّحَابَة أَيْضا «أَنهم قضوا فِي حمَار الْوَحْش وبقرة بقرة» .
هَذَا مَشْهُور عَنْهُم، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَيَّاش عَن أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود كَمَا سلف.
وَرَوَاهُ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، عَن هِشَام بن عُرْوَة «أَن أَبَاهُ كَانَ يَقُول فِي بقر الْوَحْش بقرة، وَفِي الشَّاة من الظباء شَاة» .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، عَن سعيد بن الْمسيب «أَنه قَالَ فِي النعامة بَدَنَة، وَفِي الْبَقَرَة بقرة (وَفِي الأرْويَّة بقرة) ، وَفِي الظببي شَاة، وَفِي حمام مَكَّة شَاة، وَفِي الأرنب شَاة، وَفِي [الجرادة] قَبْضَة من طَعَام.
الْأَثر الثَّانِي بعد الْعشْرين: (أَنهم قضوا أَيْضا فِي الغزالِ بعنز، وَفِي الأرنب بعناق، وَفِي اليربوع جفرة) .
هَذَا مَشْهُور عَنْهُم، رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مَالك، عَن أبي الزبير، عَن جَابر «أَن عمر بن الْخطاب قَضَى فِي الضبع بكبش، وَفِي الغزال (بعنز) وَفِي الأرنب بعناق، وَفِي اليربوع بجفرة» . وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَقد أسلفته لَك مَرْفُوعا فِي الحَدِيث الثَّامِن بعد الْعشْرين، وصوبنا وَقفه.
وَفِي رِوَايَة للبيهقي من حَدِيث [اللَّيْث] بن سعد: حَدَّثَني أَبُو الزبير، عَن جَابر، عَن عمر بن الْخطاب «أَنه قَضَى فِي الضبع يُصِيبهَا الْمحرم بكبش، وَفِي الظبي بِشَاة، وَفِي الأرنب بعناق، وَفِي اليربوع بجفرة» .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عِكْرِمَة، قَالَ:«جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: إِنِّي قتلت أرنبًا وَأَنا محرم فَكيف ترَى؟ قَالَ: هِيَ تمشي عَلَى أَربع والعناق يمشي عَلَى أَربع، وَهِي تَأْكُل الشّجر، والعناق تَأْكُل الشّجر وَهِي تجتر والعناق تجتر، أهد مَكَانهَا عنَاقًا» .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سماك بن حَرْب، عَن النُّعْمَان بن حميد، عَن عمر «أَنه قَضَى فِي الأرنب بحلان - يَعْنِي إِذا قَتله الْمحرم» قَالَ الْأَصْمَعِي وَغَيره: الحلان: الجدي.
وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث أَيُّوب، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، عَن عمر «أَنه قَضَى فِي الضبع كَبْشًا، وَفِي الظبي شَاة، وَفِي اليربوع جفرًا أَو جفرة» .
وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود، عَن أَبِيه ابْن مَسْعُود «أَنه قَضَى فِي اليربوع بجفر، أَو جفرة» .
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن ابْن أبي نجيح، عَن
مُجَاهِد «أَن ابْن مَسْعُود حكم فِي [الْوَبر] بجفرة أَو جفر» .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ عَن ابْن مَسْعُود مُرْسَلَتَانِ، وإحداهما تؤكد الْأُخْرَى.
وَرَوَى الشَّافِعِي، عَن سعيد عَن إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس «أَنه قَالَ فِي الأرنب شَاة» قَالَ: وأبنا سعيد، عَن ابْن جريج، أَن مُجَاهدًا قَالَ:«فِي الأرنب شَاة» .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : كَذَا وجدته فِي ثَلَاث نسخ، وَالصَّوَاب عَن ابْن عَبَّاس:«فِي الأرنب عنَاق» . وَسَقَطت رِوَايَة سعيد، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء:«فِي الأرنب شَاة» ، وَدخل حَدِيث عَطاء فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَكَلَامه يدل عَلَى صِحَة مَا قلت.
قَالَ: وَالضَّحَّاك لَا يثبت سَمَاعه من (ابْن) عَبَّاس عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وَرُوِيَ فِي «سنَنه» و «مَعْرفَته» من طَرِيق مَالك، [عَن عبد الْملك بن قرير الْبَصْرِيّ] ، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن عمر «أنَّه صلى الله عليه وسلم أوجب فِي الظبي عَنْزًا هُوَ وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف» وَهَذَا مُنْقَطع، مُحَمَّد لم يدْرك عمر) .
وَرُوِيَ فِي «سنَنه» من طَرِيق قبيصَة بن جَابر، عَن عمر «أَنه أوجب فِي الظبي شَاة» .
فَائِدَة: العنز: هِيَ الْأُنْثَى من الْمعز الَّتِي تمت لَهَا سنة، قَالَه الْأَزْهَرِي.
والعناق - بِفَتْح الْعين - من أَوْلَاد الْمعز خَاصَّة، وَهِي الَّتِي لَهَا دون سنة، وَهِي الْأُنْثَى. والجفرة هِيَ: الَّتِي بلغت أَرْبَعَة أشهر وفصلت عَن أمهَا، وَالذكر: جفر، وَقيل:(الجفرة الْأُنْثَى) من ولد الضَّأْن. (زَاد فِي الدقائق والتحرير: إِذا قويت مَا لم تسْتَعْمل سنة. وَعبارَة أصل الرَّوْضَة: أَنَّهَا من حِين تولد إِلَى أَن ترعى. وَوَافَقَ فِي تهذيبه فِي جفر، وَقَالَ فِي غَيره نقلا عَن الْأَزْهَرِي: إِنَّهَا الْأُنْثَى من أَوْلَاد الْمعز إِذا أَتَت عَلَيْهَا سنة، وَغلط عَلَيْهِ فِي زاهره: أَنَّهَا الَّتِي لم تأت عَلَيْهَا سنة) .
الْأَثر الثَّالِث بعد الْعشْرين: عَن عُثْمَان رضي الله عنه: «أَنه قَضَى فِي أم حُبَيْن بُحلَاّن من الْغنم» .
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من جِهَته: أَنا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن مطرف - وَهُوَ ابْن مَازِن - عَن أبي السّفر، «أَن عُثْمَان قَضَى فِي أم حُبَيْن بحلَاّن من الْغنم» . قَالَ فِي «الْمعرفَة» : قَالَ الشَّافِعِي فِي رِوَايَة أبي سعيد، والحُلَاّن: الحَمَل.
قَالَ الشَّافِعِي (فِي) رِوَايَة أبي عبد الله: فَإِن كَانَت الْعَرَب تأكلها
فَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَن عُثْمَان يقْضِي فِيهَا بِولد شَاة حمل أَو مثله من الْمعز مِمَّا لايفوته.
قلت: ومطرف السالف هُوَ قَاضِي الْيمن، واهٍ، كذبه ابْن معِين. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يحدث بِمَا لم يسمع لَا تجوز الرِّوَايَة عَنهُ إِلَّا للاعتبار.
فَائِدَة: أم حُبَيْن بحاء مُهْملَة مَضْمُومَة، ثمَّ بَاء مُوَحدَة مَفْتُوحَة تَصْغِير (أم حبن)، وَهُوَ الَّذِي اسْتَلْقَى بَطْنه. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَهِي دَابَّة عَلَى خلقَة الحرباء عَظِيمَة الْبَطن. قَالَ وَمِنْه: (أَنه عليه السلام قَالَ ممازحًا لِبلَال - وَقد تدحرج (بَطْنه -: بطن) أم حُبَيْن) .
فَائِدَة ثَانِيَة: الحُلَاّن - بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة، وَتَشْديد اللَّام - وَهِي: الحمَل كَمَا سلف عَن الشَّافِعِي أَي بِفَتْح الْحَاء، وَالْمِيم وَهُوَ الخروف. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: هُوَ الجدي، وَيُقَال لَهُ: حُلَاّم بِالْمِيم أَيْضا.
وَذكر (الرَّافِعِيّ هَذَا عَن عَطاء وَمُجاهد «أَنَّهُمَا حكما فِي الْوَبر بِشَاة» . وَهَذَا رَوَاهُ) الشَّافِعِي عَن سعيد، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء «أَنه قَالَ فِي الْوَبر إِن كَانَ يُؤْكَل بِشَاة» . قَالَ: وَأخْبرنَا سعيد أَن مُجَاهدًا قَالَ «فِي الْوَبر شَاة) . قَالَ الشَّافِعِي: فَإِن كَانَت الْعَرَب تَأْكُل الْوَبر فَفِيهِ جفرة، فَلَيْسَ بِأَكْثَرَ من جفرة بدنًا.
قَالَ الرَّافِعِيّ: والوبر دَابَّة كالجراد إِلَّا أَنَّهَا أنبل وأكبر مِنْهَا تكون فِي الفلوات.
وَذكر الرَّافِعِيّ أَيْضا (عَن عَطاء)«أَن فِي الثَّعْلَب شَاة» .
وَهَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سعيد، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء بِهِ. ثمَّ رَوَى عَن عبد الله بن معبد مثله، ذكرهمَا عَنهُ فِي «الْمعرفَة» . وَذكر فِي «السّنَن» الأول بِغَيْر إِسْنَاد، وَرَوَى فيهمَا عَن شُرَيْح أَنه قَالَ:(لَو كَانَ معي حكم حكمت فِي الثَّعْلَب بجدي) .
الْأَثر الرَّابِع بعد الْعشْرين: عَن عمر «أَن فِي الضَّب جديًا» هَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي ثمَّ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ: أَنا سُفْيَان، عَن مُخَارق، عَن طَارق، «أَن أَرْبَد أوطأ ضبًا ففزر ظَهره، فَأَتَى عمر فَسَأَلَهُ، فَقَالَ عمر: مَا ترَى؟ فَقَالَ: جديًا قد جمع المَاء وَالشَّجر. قَالَ عمر فَذَلِك فِيهِ) . وروياه أطول من هَذَا كَمَا سَيَأْتِي.
وَوَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ عزو هَذَا الْأَثر إِلَى عُثْمَان، وَهُوَ من النَّاسِخ، وَصَوَابه عزوه إِلَى عمر كَمَا قَرَّرْنَاهُ.
الْأَثر الْخَامِس بعد الْعشْرين: عَن بَعضهم (أَن فِي الْإِبِل بقرة) .
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سعيد - يَعْنِي ابْن سَالم - عَن إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم، عَن ابْن عَبَّاس، «أَنه قَالَ فِي بقرة الْوَحْش بقرة، وَفِي الأُيل بقرة» . وَهُوَ مُنْقَطع كَمَا سلف من أَن الضَّحَّاك لم يثبت سَمَاعه من ابْن عَبَّاس.
والأُيل - بمثناة تَحت - ذكر الوعُول. قَالَ الْمُحب فِي أَحْكَامه: الأُيل - بِضَم الْهمزَة، وَيُقَال: بِكَسْرِهَا - ذكر الوعول. والأروى: الْأُنْثَى مِنْهَا، وَكَذَا قَالَ فِي «تَهْذِيب الْأَسْمَاء واللغات» : ضم الْهمزَة أرجح من كسرهَا، قَالَ: ورأيته فِي «الْمُجْمل» مضبوطًا بِالْكَسْرِ فَقَط.
الْأَثر السَّادِس بعد الْعشْرين: «أَن رجلا قتل (ضبًّا) فَسَأَلَ عمر رضي الله عنه فَقَالَ: احكم فِيهِ. قَالَ: أَنْت خير مني وَأعلم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ: إِنَّمَا أَمرتك أَن تحكم فِيهِ، وَلم آمُرك أَن تزكيني. فَقَالَ: أرَى فِيهِ جديا، قَالَ: فَذَاك فِيهِ) .
هَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ، عَن سُفْيَان: أَنا مُخَارق، عَن طَارق بن شهَاب، قَالَ: «خرجنَا حجاجًا فأوطأ رجل منا يُقَال لَهُ أَرْبَد ضبًا ففزر ظَهره، فقدمنا عَلَى عمر فَسَأَلَهُ أَرْبَد فَقَالَ لَهُ عمر: احكم يَا أَرْبَد
…
» ثمَّ ذكر الْبَاقِي بِمثلِهِ.
وَقَالَ: قَوْله فِيهِ «جديًا) قد جمع المَاء وَالشَّجر.
الْأَثر السَّابِع وَالثَّامِن بعد الْعشْرين: «عَن عمر وَعُثْمَان رضي الله عنهما أَنه أوجب فِي الْحَمَامَة شَاة» .
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ، عَن سعيد بن سَالم، عَن عمر بن سعيد بن أبي حُسَيْن، عَن عبد الله بن كثير الدَّارِيّ، عَن طَلْحَة بن أبي حَفْصَة، عَن نَافِع بن عبد الْحَارِث، قَالَ:
وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، عَن غنْدر، عَن شُعْبَة، [عَن الحكم] ، عَن شيخ من أهل مَكَّة (أَن حَماما كَانَ عَلَى الْبَيْت فخرَّت عَلَى يَد عمر، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فطار، فَوَقع عَلَى بعض بيُوت أهل مَكَّة، فَجَاءَت حَيَّة فأكلته، فَحكم عمر عَلَى نَفسه بِشَاة) . وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سعيد، عَن ابْن جريج، قَالَ: قَالَ مُجَاهِد: «أَمر عمر بن الْخطاب بحمامة فأطيرت، فَوَقَعت فِي الْمَرْوَة فأخذتها حَيَّة، فَجعل فِيهَا شَاة» .
وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، عَن يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان، عَن مُحَمَّد
بن أبي يَحْيَى، عَن صَالح بن الْمهْدي أَن أَبَاهُ أخبرهُ قَالَ:(حججْت مَعَ عُثْمَان فقدمنا امكة، ففرشت لَهُ فِي بَيت فرقد فَجَاءَت حمامة فَوَقَعت فِي كُوّة عَلَى فرَاشه، فَجعلت تبحث برجلها، فَخَشِيت أَن تنثر عَلَى فرَاشه، فيستيقظ فأطرتها، فَوَقَعت فِي كُوَّة أُخْرَى فَخرجت حيّة فقتلتها، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُثْمَان أخْبرته، فَقَالَ: أدِّ عَنْك شَاة فَقلت: إِنَّمَا أطرتها من أَجلك. قَالَ: وعني شَاة) .
وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن وَكِيع، عَن إِسْرَائِيل، عَن جَابر، عَن عَطاء قَالَ:«أول من فدى طير الْحرم بِشَاة عُثْمَان» .
الْأَثر التَّاسِع بعد الْعشْرين: عَن عَلّي رضي الله عنه (أَنه أوجب فِي الْحَمَامَة شَاة) .
هَذَا الْأَثر غَرِيب عَنهُ، لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ.
الْأَثر الثَّلَاثُونَ: عَن ابْن عمر رضي الله عنه مثله.
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن شُعْبَة، عَن رجل أَظُنهُ أَبَا بشر، عَن يُوسُف بن مَاهك، عَن ابْن عمر «فِي رجل أغلق بَابه عَلَى حمامة وفرخيها - يَعْنِي فَرجع وَقد موتت - فأغرمه ابْن عمر ثَلَاث شياة من الْغنم» . ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث ابْن أبي شيبَة، عَن هشيم، عَن أبي بشر، عَن عَطاء ويوسف بن مَاهك وَمَنْصُور، عَن عَطاء، «أَن رجلا أغلق بَابه عَلَى حمامة وفرخيها ثمَّ انْطلق إِلَى عَرَفَات وَمنى فَرجع وَقد موتت، فَأَتَى ابْن عمر فَذكر ذَلِكَ لَهُ فَجعل عَلَيْهِ ثَلَاثًا من الْغنم، وَحكم مَعَه رجل» .
الْأَثر الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ: عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه مثله.
هَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ عَن سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه قَضَى فِي حمامة من حمام مَكَّة بِشَاة» .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الْملك، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه جعل فِي حمام الْحرم عَلَى الْمحرم والحلال (بِكُل) حمامة شَاة» .
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سعيد، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء «أَن عُثْمَان بن (عبد الله) بن حميد قتل ابْن لَهُ حمامة، فجَاء ابْن عَبَّاس فَقَالَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: يذبح شَاة فَيتَصَدَّق بهَا» .
قَالَ ابْن جريج: فَقلت لعطاء: أَمن حمام مَكَّة؟ قَالَ: نعم.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:«فِي الْحَمَامَة شَاة لَا يُؤْكَل مِنْهَا، يتَصَدَّق بهَا» . وَعَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «فِي الخضري، والدبسي، والقمري، والقطاة، والحجل شَاة شَاة» .
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، «أَن غُلَاما من قُرَيْش قتل حمامة من حمام مَكَّة، فَأمر ابْن عَبَّاس أَن يفدى عَنهُ بِشَاة) .
وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، عَن وَكِيع، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن عَطاء،
عَن ابْن عَبَّاس «فِي طير الْحرم شَاة شَاة» .
الْأَثر الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ: عَن نَافِع بن الْحَارِث مثله.
هَذَا الْأَثر سلف قَرِيبا لَكِن عَن نَافِع بن عبد الْحَارِث.
الْأَثر الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ: عَن عَطاء مثله.
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عَلّي بن الْجَعْد، أبنا شريك، عَن عبد الْكَرِيم عَنهُ، أَنه قَالَ (فِي عِظَام الطير شَاة الكركي، والحُبَارى والوز، وَنَحْوه) .
وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، عَن ابْن فُضَيْل، عَن عَطاء بن السَّائِب قَالَ:«نزلنَا منزلا فأغلقنا بَاب الْمنزل عَلَى حمامة فَمَاتَتْ فسألنا عَطاء، فَقَالَ: فِيهَا شَاة» .
قَالَ: وثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر، عَن أَشْعَث، عَن عَطاء قَالَ:«من قتل حمامة من حمام مَكَّة فَعَلَيهِ شَاة» .
قَالَ: وثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، قَالَ: عَلَيْهِ شَاة» .
وَرَوَاهُ عَطاء عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم: ابْن عَبَّاس، وَابْن عمر، وَعُثْمَان كَمَا سلف.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ عَن عَاصِم بن عمر مثله.
قلت: ذكره الشَّافِعِي بِغَيْر إِسْنَاد، كَمَا حَكَاهُ عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» .
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ عَن سعيد بن الميسب مثله.
قلت: ذكره الشَّافِعِي أَيْضا بِغَيْر إِسْنَاد، وأسنده الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث مَالك، عَن يَحْيَى بن سعيد عَنهُ، «أَنه كَانَ يَقُول فِي حمام مَكَّة إِذا قتل شَاة» .
وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب، قَالَ:(عَلَيْهِ شَاة) . قَالَ: وثنا عَبدة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب «أَنه كَانَ يَقُول فِي حمام الْحرم إِذا قتل بِمَكَّة فَفِيهِ شَاة» .
الْأَثر الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ: عَن الصَّحَابَة رضي الله عنهم أَنهم حكمُوا فِي الْجَرَاد بِالْقيمَةِ وَلم يقدروا) .
هَذَا صَحِيح عَنْهُم وَقد تقدم ذَلِكَ فِي الْأَثر الثَّامِن عشر عَن عمر وَابْنه، وَعبد الله بن عَمْرو، وَفِي الْأَثر التَّاسِع عشر عَن (ابْن) عَبَّاس مثله أَيْضا، وَفِي الْأَثر الَّذِي يَلِيهِ عَن عمر أَيْضا، وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار «أَن رجلا سَأَلَ عمر بن الْخطاب عَن جَراد أصابهن وَهُوَ محرم، فَقَالَ: فِي الجرادة تَمْرَة» .
وَهَذَا رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ لَكِن مُنْقَطِعًا، عَن زيد بن أسلم، عَن عمر.
وَرَوَاهُ سعيد أَيْضا عَن هشيم، (أبنا) أَبُو بشر، عَن يُوسُف بن مَاهك قَالَ: قَالَ كَعْب: «مَرَرْنَا برِجْلٍ من جَراد، وَنحن محرمون، فَعمد رجل منا إِلَى جرادتين فألقاهما فِي النَّار، ثمَّ أكلهما، فَلَمَّا قدمت عَلَى عمر بن الْخطاب ذكرت ذَلِكَ (لَهُ) فَقَالَ عمر: لَعَلَّك أَنْت هُوَ؟ قلت: نعم. قَالَ: فَمَا نَوَيْت فِي نَفسك؟ قلت: دِرْهَمَيْنِ. فَقَالَ: عمر إِنَّكُم معاشر أهل حمص كَثِيرَة دراهمكم، لتمرتين أحب إليَّ من جرادتين. ثمَّ قَالَ: أمض الَّذِي نَوَيْت فِي نَفسك» .
وَقد سلف هَذَا عَن عمر من طَرِيق آخر قبل الْأَثر الْحَادِي بعد الْعشْرين، وَمن طَرِيق آخر فِي الْأَثر الثَّامِن عشر.
وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن ابْن فُضَيْل، عَن يزِيد، عَن إِبْرَاهِيم، عَن كَعْب فَذكره.
وَرَوَاهُ أَيْضا عَن أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش، عَن الْأسود، عَن عمر بِمثلِهِ.
الْأَثر الْخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ: عَن ابْن الزبير رضي الله عنه أَنه قَالَ: «إِن الشَّجَرَة الْكَبِيرَة تضمن ببقرة، وَإِن الصَّغِيرَة تضمن بِشَاة» .
هَذَا الْأَثر ذكره الشَّافِعِي فَقَالَ (كَمَا نَقله الْبَيْهَقِيّ عَنهُ «من قطع من شجر الْحرم شَيْئا جَزَاؤُهُ حَلَالا كَانَ أَو محرما، فِي الشَّجَرَة الْكَبِيرَة بقرة، وَفِي الصَّغِيرَة شَاة» .
وَرُوِيَ هَذَا عَن ابْن الزبير وَعَطَاء.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْإِمْلَاء كَمَا نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا) : والفدية فِي مُتَقَدم الْخَبَر عَن ابْن الزبير وَعَطَاء مجتمعة فِي أَن فِي الدوحة بقرة، والدَوْحَة: الشَّجَرَة الْعَظِيمَة. وَقَالَ عَطاء: فِي الشَّجَرَة دونهَا شَاة.
قَالَ الشَّافِعِي: فَالْقِيَاس أَولا مَا وصفت فِيهِ أَنه يفْدِيه من أَصَابَهُ بِقِيمَتِه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وروينا [عَن ابْن جريج] عَن عَطاء فِي الرجل يقطع من شجر الْحرم قَالَ: (فِي الْقَضِيب دِرْهَم، وَفِي الدَّوْحَة بقرة) .
قلت: وَقَالَ سعيد بن مَنْصُور بعد أَن قَالَ: أبنا هشيم، قَالَ: أَخْبرنِي بعض أشياخنا، عَن عَطاء أَنه كَانَ يَقُول:«الْمحرم إِذا قطع شَجَرَة عَظِيمَة من شجر الْحرم فَعَلَيهِ بَدَنَة» . وَهَذَا الشَّيْخ مَجْهُول لَا تقوم الْحجَّة بروايته.
[عَن هشيم] أَخْبرنِي حجاج قَالَ: «سَأَلت عَطاء غير مرّة عَمَّن قطع من شجر الْحرم قَالَ: يسْتَغْفر الله وَلَا يعود» . قلت: فَهَذَا خلاف عَن عَطاء.
فَائِدَة: الدَوْحَة - بِفَتْح الدَّال وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ -: الشَّجَرَة الْعَظِيمَة. والجَزْلة - بِفَتْح الْجِيم وبالزاي الْمُعْجَمَة الساكنة - هِيَ الغليظة. كَذَا قَالَه الْجَوْهَرِي.
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد: الدَوْحَة: الشَّجَرَة الْكَبِيرَة ذَات الأغصان، والجَزْلة: الَّتِي لَا أَغْصَان لَهَا.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَأطلق أَكثر الْأَصْحَاب أَن الجزلة هِيَ الشَّجَرَة الصَّغِيرَة.
الْأَثر السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ: عَن ابْن عَبَّاس مثله.
هَذَا الْأَثر تبع فِي إِيرَاده عَنهُ الإِمَام وَلم أَر من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ.
وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمَام وَلم يعزه.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى عَن غَيرهمَا أَيْضا مثلهَا.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أسلفنا عَن عَطاء. وَذكر الْمَاوَرْدِيّ فِي «حاويه» أَن سُفْيَان رَوَى عَن دَاوُد بن شَابُور، عَن مُجَاهِد، عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ:«فِي الدوحة إِذا [قطعت] من أَصْلهَا (بقرة) » .
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: وَكَذَلِكَ رَوَى عَن عَطاء لَكِن الشَّافِعِي لم يذكرهُ قلت: بلَى قد ذكره كَمَا سلف.
الْأَثر السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ: عَن عَائِشَة رضي الله عنها (أَنَّهَا) كَانَت تنقل مَاء زَمْزَم.
هَذَا الْأَثر حسن رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَالْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» من حَدِيث عُرْوَة ابْن الزبير عَنْهَا «أَنَّهَا كَانَت تحمل مَاء زَمْزَم وتخبر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَله» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا
حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد - حَدَّثَنِيهِ ابْن خُزَيْمَة إِمَام الْأَئِمَّة وَغَيره - وَلم يخرجَاهُ.
وَلما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ هَكَذَا وبلفظ «حمله رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الأداوى والقرب وَكَانَ يصب عَلَى الْمَرْضَى ويسقيهم» نقل عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: لَا يُتَابع خَلاد بن يزِيد عَلَى هَذَا الحَدِيث.
قلت: وخلاد هَذَا فِي رِوَايَة من سُقْنَا حَدِيثه وَهُوَ من رجال التِّرْمِذِيّ فَقَط وَذكره الْمزي فِي «تهذيبه» ، عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ التِّرْمِذِيّ لأَجله. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «مِيزَانه» : وَهَذَا الحَدِيث انْفَرد بِهِ.
خَاتِمَة: اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ لأحد الْأَقْوَال فِيمَا إِذا حلق شَعْرَة أَو شعرتين، وأوجبنا فِي الشعرة الْوَاحِدَة درهما وَفِي الشعرتين (دِرْهَمَيْنِ) بِأَن قَالَ: كَانَت الشَّاة تقوَّم فِي عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثَة دَرَاهِم تَقْرِيبًا فاعتبرت تِلْكَ الْقيمَة عِنْد الْحَاجة عِنْد التَّوْزِيع. وَكَذَا علل هَذَا القَوْل (غَيره) من الْأَصْحَاب وَهَذِه دَعْوَى غَرِيبَة وَقد أبطلها النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» فَقَالَ: هَذَا مُجَرّد دَعْوَى لَا أصل لَهَا - يَعْنِي تَقْوِيم الشَّاة فِي عَهده عليه السلام بِثَلَاثَة دَرَاهِم - فَإِنَّهُ عليه السلام عَادل بَينهَا وَبَين عشرَة دَرَاهِم فِي
الزَّكَاة فَجعل الْجبرَان شَاة أَو عشْرين درهما.
وَقد سبقه إِلَى إِنْكَار ذَلِكَ الْمُتَوَلِي، وَقَالَ: إِنَّه بَاطِل لأوجه: أَحدهَا: أَن الْموضع الَّذِي يُصَار (فِيهِ) إِلَى التَّقْوِيم فِي فديَة الْحَج لَا تَخْرِيج الدَّرَاهِم بل يصرف الطَّعَام، وَهُوَ جَزَاء الصَّيْد وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يصرف إِلَى الطَّعَام.
ثَانِيهَا: أَن الِاعْتِبَار فِي الْقيمَة بِالْوَقْتِ لِأَن مَا كَانَ فِي عَهده عَلَيْهِ (الصَّلَاة) وَالسَّلَام كَانَ فِي جَزَاء الصَّيْد فَإِنَّهُ يقوم بالأمثل (لَهُ) من النعم بِقِيمَة الْوَقْت، فَكَانَ يَنْبَغِي أَن تجب قيمَة (ثلث شَاة) .
ثَالِثهَا: أَن الشَّرْع خير بَين الشَّاة وَالطَّعَام، (وَالطَّعَام) يحْتَمل التَّبْعِيض كَمَا ذكرنَا.