الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أَمْرِي (مَا اسْتَدْبَرت لم أسق الْهَدْي وجعلتها عمْرَة) » .
الحَدِيث الرَّابِع
عَن جَابر رضي الله عنه «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أفرد الْحَج» .
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرجح الشَّافِعِي رِوَايَته عَلَى رِوَايَة من رَوَى الْقرَان والتمتع؛ فَإِن جَابِرا أقدم صُحْبَة وَأَشد عناية بضبط الْمَنَاسِك وأفعال النَّبِي صلى الله عليه وسلم من لدن خُرُوجه من الْمَدِينَة إِلَى أَن يحلل.
هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أَخْرجَاهُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» (من) حَدِيثه (بِلَفْظ) :«أَنه عليه السلام أهل هُوَ وَأَصْحَابه بِالْحَجِّ» . وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل (بِلَفْظ) : «خرجنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لسنا ننوي إِلَّا الْحَج» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن جَابر «قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُهِلِّين (بِحَجّ) مُفْرد» . وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا عَنهُ قَالَ: «أَهْلَلْنَا أَصْحَاب مُحَمَّد (بِالْحَجِّ خَالِصا وَحده (فقدمنا) صَبِيحَة رَابِعَة من ذِي
الْحجَّة، فَأمرنَا أَن (نحل) » وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد، وَابْن مَاجَه «أَهْلَلْنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ خَالِصا لَا نخلطه بِغَيْرِهِ» . وَحَدِيث جَابر هَذَا هُوَ ظَاهر حَدِيثه كَمَا ستعلمه، وَرَأَيْت أَن أذكرهُ هُنَا بِطُولِهِ؛ فَإِن الرَّافِعِيّ رحمه الله ذكر قطعا مِنْهُ فِي مَوَاضِع، وَهُوَ حَدِيث كثير الْفَوَائِد مُشْتَمل عَلَى حجَّةِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم من أَولهَا إِلَى آخرهَا أَو غالبها. وَقد أخرجه مُسلم من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن، عَن أَبِيه، قَالَ: «دَخَلنَا عَلَى جَابر بن عبد الله فَسَأَلَ عَن الْقَوْم حَتَّى انْتَهَى إليَّ فَقلت: أَنا مُحَمَّد بن عَلّي بن حُسَيْن، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنزع زِرِّي الْأَعْلَى، ثمَّ نزع زِرِّي الْأَسْفَل، ثمَّ وضع كفَّه بَين ثديي، وَأَنا يَوْمئِذٍ غُلَام شَاب، فَقَالَ: مرْحَبًا بك يَا ابْن أخي، سل عَمَّا شِئْت. فَسَأَلته - وَهُوَ أَعْمَى - وَقد (حضر) وَقت الصَّلَاة، فَقَامَ فِي نساجة ملتحفًا بهَا كلما وَضعهَا عَلَى مَنْكِبه رَجَعَ طرفاها إِلَيْهِ مِن صِغَرِها، وَرِدَاؤُهُ إِلَى جنبه عَلَى المشجب فصلَّى بِنَا، فَقلت: أَخْبرنِي عَن حجَّة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فعقدَ بِيَدِهِ تِسعًا فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سِنِين لم يحجّ، ثمَّ أذن فِي النَّاس الْعَاشِرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَاج، فَقدم الْمَدِينَة بشر كثير، كلهم يلْتَمس أَن يأتم برَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَيعْمل مثل عمله، فخرجنا مَعَه حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الحليفة، فَولدت أَسمَاء بنت عُمَيْس مُحَمَّد بن أبي بكر، فَأرْسلت إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:
كَيفَ أصنع؟ قَالَ: اغْتَسِلِي (واستثفري) بِثَوْب وأَحْرِمي. فَصَلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِد وَركب الْقَصْوَاء، حَتَّى إِذا اسْتَوَت بِهِ نَاقَته عَلَى الْبَيْدَاء نظرت إِلَى مد بَصرِي بَين يَدَيْهِ من رَاكب وماش، وَعَن يَمِينه مثل ذَلِك، وَعَن يسَاره مثل ذَلِك، وَمن خَلفه مثل ذَلِك، وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَين أظهرنَا وَعَلِيهِ ينزل الْقُرْآن وَهُوَ يعرف (تَأْوِيله) ، وَمَا عمل من شَيْء عَملنَا بِهِ، فَأهل بِالتَّوْحِيدِ: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك (لبيْك) لَا شريك لَك لبيْك، إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك. وَأهل النَّاس بِهَذَا الَّذِي يهلون بِهِ، فَلم يرد عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عليه وسلم شَيْئا مِنْهُ، وَلزِمَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته، قَالَ جَابر: لسنا نَنْوِي إِلَّا الْحَج، لسنا نَعْرِف الْعمرَة، حَتَّى إِذا أَتَيْنَا الْبَيْت مَعَه اسْتَلم الرُّكْن فَرمَلَ ثَلَاثًا وَمَشى أَرْبعا، ثمَّ (نفذ) إِلَى مقَام إِبْرَاهِيم عليه السلام (فَقَرَأَ) :(وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى) فَجعل الْمقَام بَينه وَبَين الْبَيْت، فَكَانَ أبي يَقُول: وَلَا أعلم (ذكره) إِلَّا عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ: (قل هُوَ الله أحد (و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ (ثمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْن فاستلمه، ثمَّ خرج من الْبَاب إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دنا من الصَّفَا قَرَأَ (إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله) أبدأ
بِمَا بَدَأَ الله بِهِ. فَبَدَأَ بالصفا فرقى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْت، فَاسْتقْبل الْقبْلَة فَوحد الله وَكبره وَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ عَلَى كل شَيْء قدير، لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده أنْجز وعده وَنصر عَبده، وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده. ثمَّ دَعَا بَين ذَلِك قَالَ (مثل) هَذَا ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ نزل إِلَى الْمَرْوَة حَتَّى إِذا (انصبت) قدماه فِي بطن الْوَادي (رمل) حَتَّى إِذا صعدنا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَة فَفعل عَلَى الْمَرْوَة كَمَا فعل عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذا كَانَ آخر (طواف) عَلَى الْمَرْوَة قَالَ: لَو (أَنِّي) اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت لم أسق الْهَدْي وجعلتها عُمرة؛ فَمن كَانَ مِنْكُم لَيْسَ مَعَه هدي فليحل وليجعلها عمْرَة. فَقَامَ سراقَة بن جعْشم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، ألعامنا هَذَا أم لأبد؟ فشبك النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَصَابِعه وَاحِدَة فِي الْأُخْرَى وَقَالَ: دخلت الْعمرَة فِي الْحَج مرَّتَيْنِ (لَا) بل لأبد (أَبَد) ، وَقدم عَلّي رضي الله عنه من الْيمن ببدن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَوجدَ فَاطِمَة رضي الله عنها مِمَّن حلَّ ولبست ثيابًا صبيغًا
واكتحلت، فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهَا فَقَالَت: أبي أَمرنِي بِهَذَا. (قَالَ) : وَكَانَ عَلّي رضي الله عنه وعنها يَقُول بالعراق: فَذَهَبت إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم محرشًا عَلَى فَاطِمَة للَّذي صنعت مستفتيًا لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذكرت عَنهُ، فَأَخْبَرته أَنِّي أنْكرت ذَلِك عَلَيْهَا، فَقَالَ: صدقت. (مَاذَا) قلت (حِين) فرضت الْحَج؟ قَالَ: قلت: اللَّهُمَّ إِنِّي أهل بِمَا أهل بِهِ (رَسُولك)(. قَالَ: فَإِن معي الْهَدْي. قَالَ: (فَلَا) تحل. (قَالَ) : فَكَانَ جمَاعَة الْهَدْي الَّذِي قدم بِهِ عَلّي رضي الله عنه من الْيمن، وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مائَة. قَالَ: فَحل النَّاس كلهم وَقصرُوا إِلَّا النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمن كَانَ مَعَه هدي، فَلَمَّا كَانَ يَوْم التَّرويَة توجهوا إِلَى منى (فأهلوا) بِالْحَجِّ، وَركب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَصَلى بهَا الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَالْفَجْر، ثمَّ مكث قَلِيلا حَتَّى طلعت الشَّمْس، وَأمر بقبة من شعر فَضربت لَهُ بنمرة فَسَار رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا تشك قُرَيْش [إِلَّا] أَنه وَاقِف عِنْد الْمشعر الْحَرَام بِالْمُزْدَلِفَةِ كَمَا كَانَت قُرَيْش تصنع فِي الْجَاهِلِيَّة، فَأجَاز رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى عَرَفَة فَوجدَ الْقبَّة قد ضربت لَهُ بنمرة،
فَنزل بهَا حَتَّى إِذا زَالَت الشَّمْس أَمر بالقصواء فرحلت لَهُ، فَأَتَى بطن الْوَادي فَخَطب النَّاس، وَقَالَ: إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ حرَام عَلَيْكُم كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا فِي شهركم هَذَا فِي بلدكم هَذَا، أَلا كل شَيْء من أَمر الْجَاهِلِيَّة تَحت قدمي مَوْضُوع، وَدِمَاء الْجَاهِلِيَّة (مَوْضُوعَة)، وَإِن أول دم (أَضَعهُ) من دمائنا: دم ابْن ربيعَة بن الْحَارِث كَانَ مسترضعًا فِي بني سعد فَقتلته هُذَيْل، وَربا الْجَاهِلِيَّة مَوْضُوعَة، وَأول رَبًّا أَضَع [ربانا] رَبًّا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب؛ فَإِنَّهُ مَوْضُوع كُله، فَاتَّقُوا الله فِي النِّسَاء فَإِنَّكُم أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَان الله - سُبْحَانَهُ - واستحللتم فروجهن بِكَلِمَة الله، وَلكم عَلَيْهِنَّ أَن لَا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه؛ فَإِن فعلن ذَلِك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عَلَيْكُم رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ، وَقد تركت فِيكُم (مَا لن) تضلوا (بعده) إِن (اعْتَصَمْتُمْ) بِهِ: كتاب الله، وَأَنْتُم تسْأَلُون عني فَمَا أَنْتُم قَائِلُونَ؟ ! قَالُوا:(نشْهد) أَنَّك قد بلغت وَأديت وَنَصَحْت. (فَقَالَ) بإصبعه السبابَة يرفعها إِلَى السَّمَاء وينكتها إِلَى النَّاس اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ
(اشْهَدْ) - ثَلَاث مَرَّات - ثمَّ أذن (بِلَال فَأَقَامَ) فَصَلى الظّهْر، ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الْعَصْر وَلم يصل بَينهمَا شَيْئا، ثمَّ ركب النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَتَّى (أَتَى) الْموقف فَجعل (بطن) نَاقَته الْقَصْوَاء إِلَى الصخرات، وَجعل حَبل المشاة بَين يَدَيْهِ واستقبل الْقبْلَة فَلم يزل وَاقِفًا حَتَّى غربت الشَّمْس وَذَهَبت الصُّفْرَة قَلِيلا حَتَّى غَابَ القرص وَأَرْدَفَ أُسَامَة خَلفه، وَدفع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقد شنق (للقصواء) الزِّمَام حَتَّى إِن رَأسهَا ليصيب مورك رَحْله وَيَقُول بِيَدِهِ [الْيُمْنَى] : أَيهَا النَّاس، السكينَة السكينَة. كلما أَتَى حبلاً من الحبال أَرْخَى لَهَا قَلِيلا حَتَّى تصعد، حَتَّى أَتَى الْمزْدَلِفَة فَصَلى بهَا الْمغرب وَالْعشَاء بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ وَلم يسبح بَينهمَا شَيْئا، ثمَّ اضْطجع النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَتَّى طلع الْفجْر فَصَلى الْفجْر (حِين) تبين [لَهُ] الصُّبْح بِأَذَان وَإِقَامَة ثمَّ ركب الْقَصْوَاء حَتَّى أَتَى الْمشعر الْحَرَام (اسْتقْبل الْقبْلَة) فَدَعَاهُ وكبّره وهلّله ووحّده، فَلم يزل وَاقِفًا حَتَّى (أَسْفر) جدًّا، فَدفع قبل أَن تطلع الشَّمْس وَأَرْدَفَ الْفضل
بن الْعَبَّاس وَكَانَ رجلا حسن الشّعْر أَبيض وسيمًا، فَلَمَّا (دفع) رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مرّت ظُعُن يَجْرِينَ فَطَفِقَ الْفضل ينظر إلَيْهِنَّ (فَوضع) رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَده عَلَى (وَجه) الْفضل، فحول الْفضل وَجهه إِلَى الشق الآخر ينظر، فحول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَده من الشق الآخر عَلَى وَجه الْفضل (فصرف) وَجهه من الشق الآخر (ينظر) حَتَّى أَتَى بطن محسر فحرك قَلِيلا، ثمَّ سلك الطَّرِيق الْوُسْطَى الَّتِي تخرج عَلَى الْجَمْرَة الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَة الَّتِي عِنْد الشَّجَرَة (فَرَمَاهَا) بِسبع حَصَيَات يكبر مَعَ كل حَصَاة مِنْهَا - حَصى الْخذف - رَمَى من بطن الْوَادي، ثمَّ انْصَرف إِلَى المنحر فَنحر ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثمَّ أعْطى عليًّا فَنحر مَا غبر وأشركه فِي هَدْيه، ثمَّ أَمر من كل بَدَنَة ببضعة فَجعلت فِي قدر فطبخت فأكلا من لَحمهَا وشربا من مرقها، ثمَّ ركب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْت فَصَلى بِمَكَّة الظّهْر (فَأَتَى) بني عبد الْمطلب يسقون عَلَى زَمْزَم، فَقَالَ: انزعوا بني عبد الْمطلب؛ فلولا أَن يغلبكم النَّاس عَلَى سِقَايَتكُمْ لنزعت مَعكُمْ، فناولوه دلوًا فَشرب مِنْهُ» هَذَا كُله لفظ مُسلم فِي «صَحِيحه» بِحُرُوفِهِ.