الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وَهُوَ مَا اقْتصر عَلَيْهِ إمامنا فِي «الْأُم» حَيْثُ رَوَاهُ عَن سُفْيَان، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:«الرَّهْن مركوب ومحلوب» ، قَالَ الشَّافِعِي: يشبه قَول أبي هُرَيْرَة - وَالله أعلم - أَن من رهن ذَات در وَظهر وَلم يمْنَع الرَّاهِن من درها وظهرها؛ لِأَن لَهُ رقبَتهَا فَهِيَ مركوبة ومحلوبة كَمَا كَانَت قبل الرَّهْن.
الحَدِيث السَّادِس
أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: « [لَا يغلق] الرَّهْن من راهنه لَهُ غُنمه وَعَلِيهِ غُرمه» .
هَذَا الحَدِيث رُوِيَ مُتَّصِلا ومرسلاً، أما الْمُتَّصِل: فَمن طَرِيق أبي هُرَيْرَة، وَأما الْمُرْسل فَمن طَرِيق سعيد بن الْمسيب، رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» و «الْمُخْتَصر» عَن ابْن أبي فديك، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد بن الْمسيب أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يغلق الرَّهْن من صَاحبه الَّذِي رَهنه لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه» . قَالَ الشَّافِعِي: غنمه زِيَادَته، وغرمه: هَلَاكه، قَالَ: وَأخْبرنَا الثِّقَة عَن يَحْيَى بن أبي أنيسَة، عَن ابْن شهَاب، عَن ابْن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِمثلِهِ أَو بِمثل مَعْنَاهُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن ابْن أبي ذِئْب مَوْصُولا، وَيَحْيَى بن أبي أنيسَة ضَعِيف، وَحَدِيث
ابْن عَيَّاش عَن غير أهل الشَّام ضَعِيف. ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن زِيَاد بن (سعد) ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «لَا يغلق الرَّهْن لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه» ثمَّ قَالَ: قَالَ عَلّي - يَعْنِي الدَّارَقُطْنِيّ -: زِيَاد بن (سعد) من الْحفاظ الثِّقَات، وَهَذَا إِسْنَاد حسن مُتَّصِل. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَخَالف فِي «سنَنه» ، فَقَالَ عقب قَول الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا قد رَوَاهُ غَيره عَن سُفْيَان عَن زِيَاد مُرْسلا وَهُوَ الْمَحْفُوظ، وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ وَيُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن الْمسيب مُرْسلا إِلَّا أَنَّهُمَا جعلا قَوْله «لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه» من قَول ابْن الْمسيب. وَتبع فِي ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا فَإِنَّهُ قَالَ فِي «علله» إرْسَاله هُوَ الصَّوَاب، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي «مراسيله» : إِنَّه الصَّحِيح. وَأخرجه فِي «سنَنه» أَعنِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الله بن نصر الْأَصَم، عَن (شَبابَة) ، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب وَأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا:«لَا يغلق الرَّهْن، وَالرَّهْن لمن رَهنه لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه» وَعبد الله هَذَا ضَعِيف وَلما ذكره عبد الْحق من هَذَا الْوَجْه من طَرِيق قَاسم بن أصبغ، قَالَ: وَرُوِيَ هَذَا
الحَدِيث مُرْسلا عَن سعيد، وَرفع عَنهُ فِي هَذَا الْإِسْنَاد وَغَيره، وَرَفعه صَحِيح. وناقشه ابْن الْقطَّان فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أرَاهُ تبع فِي ذَلِكَ ابْن عبد الْبر فَإِنَّهُ صَححهُ. وَهَذَا حَدِيث فِي إِسْنَاده عبد الله بن نصر الْأَنْطَاكِي، لَا يعرف حَاله، وَقد رَوَى عَنهُ جمَاعَة، وَذكر ابْن عدي لَهُ أَحَادِيث أنْكرت عَلَيْهِ مِنْهَا هَذَا الحَدِيث.
قلت: وَوَقع فِي «الْمُحَلَّى» لِابْنِ حزم بدل عبد الله هَذَا نصر بن عَاصِم الثِّقَة، وَكَأَنَّهُ تَحْرِيف، وَالصَّوَاب كَمَا وَقع فِي الدَّارَقُطْنِيّ، وَأخرجه أَعنِي الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث بشر بن يَحْيَى الْمروزِي، ثَنَا أَبُو عصمَة، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه «لَا يغلق الرَّهْن (لَك) غنمه و (عَلَيْك) غرمه» ثمَّ قَالَ: بشر وَأَبُو عصمَة ضعيفان وَلَا يَصح عَن مُحَمَّد بن عَمْرو. وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «لايغلق الرَّهْن، لصَاحبه غنمه وَعَلِيهِ غرمه» وَمن حَدِيث إِسْمَاعِيل، عَن الزبيدِيّ، عَن الزُّهْرِيّ، وَقد سبق كَلَام الْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل هَذَا، وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث أبي ميسرَة أَحْمد بن عبد الله بن ميسرَة حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد الرقي، عَن الزُّهْرِيّ،
(عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «لَا يغلق الرَّهْن حَتَّى يكون (لَك) غنمه و (عَلَيْك) غرمه» وَأحمد هَذَا مَتْرُوك) ، وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يزِيد بن الدواس، ثَنَا كدير أَبُو يَحْيَى (نَا) معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد، عَن ابي هُرَيْرَة رَفعه «لَا يغلق الرَّهْن لَك غنمه وَعَلَيْك غرمه» هَذَا حَدِيث غَرِيب عَن معمر وَالْمَعْرُوف عَنهُ إرْسَاله، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أرْسلهُ عبد الرَّزَّاق وَغَيره عَن معمر. قلت: وَأما ابْن حبَان فَأخْرجهُ فِي «صَحِيحه» كَمَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا مَضَى وَقَالَ فِيهِ: إِنَّه حسن مُتَّصِل. وَكَذَا الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث (صَحِيح حسن) عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ فَلم يخرجَاهُ لخلاف فِيهِ عَلَى أَصْحَاب الزُّهْرِيّ، قَالَ: وَقد تَابع مَالك وَابْن أبي ذِئْب وَسليمَان بن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي وَمُحَمّد بن الْوَلِيد (الزبيدِيّ) وَمعمر بن رَاشد عَلَى هَذِه
الرِّوَايَة. ثمَّ ذكر ذَلِكَ كُله عَنْهُم بأسانيده، وَفِي رِوَايَة لَهُ:« (لَا يغلق الرَّهْن، الرَّهْن لمن رَهنه، لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه» وَفِي رِوَايَة) «لَا يغلق الرَّهْن حَتَّى يكون لَك غنمه وَعَلَيْك غرمه» .
فَائِدَة: قد تقدم عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: غنمه: زِيَادَته، وغرمه: هَلَاكه. وَقَالَ غَيره: غرمه أَدَاء مَا يُقْضَى بِهِ الدَّين. وَوَقع فِي الحَدِيث فِي «الْخُلَاصَة» عَلَى مَذْهَب أبي حنيفَة زِيَادَة تكْرَار «لَا يغلق الرَّهْن» ثَلَاثًا، وَلم أره فِي كتاب حَدِيث وَهَذِه اللَّفْظَة وَهِي «لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه» قيل: إِنَّهَا مدرجة فِي الحَدِيث من كَلَام ابْن الْمسيب كَمَا (ينْقل) وَيحْتَمل خِلَافه.
وَقَوله: «الرَّهْن من راهنه» أَي من ضَمَان راهنه. قَالَ الشَّافِعِي: هَذَا من أفْصح مَا قالته الْعَرَب: الشَّيْء من فلَان، أَي من ضَمَانه، وَقيل «من» هُنَا بِمَعْنى لَام الْملك. حَكَاهُ صَاحب «المستعذب» .
وَقَوله: «لَا يغلق الرَّهْن» مَعْنَاهُ لَا يُستحق المُرْتَهَن إِذا لم يستفكه صَاحبه، وَكَانَ هَذَا من فعل الْجَاهِلِيَّة، أَن الرَّاهِن إِذا لم يرد مَا عَلَيْهِ فِي الْوَقْت الْمعِين الْمَشْرُوط ملك الْمُرْتَهن الرَّهْن، فأبطله الْإِسْلَام (والغلق ضد الفك وأغلقت الرَّهْن) أَي أوجبته للْمُرْتَهن، وَذكر أَبُو عبيد فِيهِ
تأويلين أَحدهمَا هَذَا أَي: لَا يملكهُ الْمُرْتَهن عِنْد تَأَخّر الْحق، وَالثَّانِي: لَا يكون غلقًا عِنْد تلف الْحق بتلفه. قَالَ: فَوَجَبَ حمله عَلَيْهِمَا.
وَقَوله: «لَا يغلق» الْقَاف فِيهِ مَرْفُوعَة، كَذَا قَيده الْقُرْطُبِيّ فِي أَوَاخِر تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة، وَقَالَ صَاحب «التنقيب» : الْقَاف بِالْكَسْرِ عَلَى النَّهْي أَو بِالرَّفْع عَلَى النَّفْي خلاف.