الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصواب أنها كلها نوع واحد، وأن كل من حدث من بشار إلى الآن كلهم مولدون لا يستشهد بشعرهم إلا في المعاني خاصة دون الألفاظ، ولذلك اقتصرت على ما ذكرت أولًا في شرح نظم الفصيح وغيره من شروح الشواهد، وإن استوفيت هذه الأنواع كلها في شرح شواهد البيضاوي لاحتياج المقام لذلك، ولاختياره تبعًا للزمخشري الاستشهاد بهؤلاء اعتمادًا على عدم الفرق بين الرواية والقول، وأوضحت أن الحق ما عليه الجمهور، وأن الاعتماد على ما رووه دون ما رأوه كما مرت الإشارة إليه. والله أعلم.
التنبيه الرابع:
العلوم التي تحتاج إلى استشهاد من علوم الأدب ثمانية: اللغة، والصرف، والنحو، والعروض، والقوافي، والمعاني، والبيان، والبديع، فأما العلوم الخمسة الأولى فلا يستشهد عليها إلا بالطبقات الثلاث الأولى، وبالقرآن، أو بالحديث كما حققناه، لأن المعتبر فيها ضبط الألفاظ، والجري على تلك القوانين، والثلاثة الأخيرة يجوز الاستشهاد بكلام البحتري وأبي تمام وأبي الطيب وأبي العلاء وهلم جرا، كما حققه الأندلسي في شرح بديعية رفيقه ابن جابر، وإن كان في كلامه قصور يعلم بالوقوف عليه كما نبهنا عليه في شرح نظم الفصيح، وحواشي عقود الجمان وغيرهما، والله أعلم.
ولشدة احتياج مبحث الشواهد إلى غريب هذه الفوائد جعلتها في لبتها
أزهى من قلائد الفرائد، فلا يعدها طولًا من أتقن النظر، وكان موصول الفكر بالصلاة والعوائد.
وقوله: (ليسهل حفظه) علة «أعريناه» أي: جردناه من الشواهد ليكون ذلك سببًا في سهولة حفظه، ويجوز أن يعم ما قبله أيضًا، أي جنبناه الوحشي ليسهل، لأن الوحشي مما تنفر منه الطباع كما مر، ويسهل مضارع سهل الأمر ككرم سهالة: إذا تيسر وتهيأ، فهو سهل بالفتح. «والحفظ» بالكسر: مصدر حفظ الشيء كفرح: إذا منعه من الضياع، ثم قالوا: حفظ القرآن ونحوه: إذا وعاه على ظهر قلبه، وهو المراد هنا: والضمير لكتاب. أي: ليتيسر وعي الكتاب واستظهاره، أي: علمه على ظهر الغيب. (ويقرب تناوله) أي: يدنو تعاطيه، قرب إليه، ومنه، ككرم: دنا، والتناول: الأخذ، أو بسرعة. (وجعلناه) أي الكتاب (مغنيًا) أي كافيًا اسم فاعل من أغناه بالغين المعجمة أي صيره غنيًا لا يحتاج لأحد، من اعتنى بهذا الكتاب وحفظه: اغتنى به عن غيره إذا كان متوسطًا، ولذلك قال:(لمن اقتصد) أي توسط (في هذا الفن) أي النوع، وهو اللغة، والاقتصاد في الشيء والقصد فيه هو التوسط، وعدم الإفراط والتفريط: يقال: قصده، وله، وإليه، يقصد كضرب، وضم المضارع غلط لا أصل له، وإن جرى على ألسنة كثيرين: إذا أمه وتوجه إليه. وقصده: إذا ترك الإفراط، كاقتصد. و «الفن» بالفتح: النوع والضرب وجمعه فنون، أي لمن توسط في هذا الفن من فنون العلم وهو فن اللغة، أي بخلاف الماهر المتبحر، فإنه لا تكفيه بحار الأمهات فضلًا عن المتوسطات، فضلًا عن هذه الورقات. (ومعينًا) أي: مساعدًا ومقويًا، اسم فاعل من أعانه على الشيء: إذا ساعده عليه، وفيه جناس التصحيف والتحريف مع مغنيا، (لمن أراد الاتساع فيه) أي في هذا الفن، لأن من أراد الاتساع لا يكتفي بهذه العجالة، وإنما يكون مثلها معينًا له ومقويًا على الاطلاع لغيره، وزاد اللام في المفعول لتقويه اسم الفاعل. (وسميناه) أي الكتاب، أي وضعنا له اسمًا علمًا عليه، يقال سماه كذا وبه تسميه، وأسماه فلانًا وبه: إذا وضعه له، وجعله مميزًا له
دون غيره، وقد استعمله المصنف متعديًا للمفعولين بنفسه ولذلك قال:(كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ) ، فمجموع هذه الفقرة هو العلم على هذا الكتاب، وقد طابق الاسم المسمى، فإنه كفاية لمن يتحفظ، أي: يتكلف الحفظ، فهو أبلغ من الحافظ، و «نهاية» أي: غاية لمن يتكلف اللفظ أيضًا، وذلك يقتضي التوسعة والزيادة على اللفظ، لكن في القاموس أن لفظ وتلفظ بمعنى واحد، يقال: لفظ الشيء وبه، كضرب وسمع، لفظًا، إذا رماه، ولفظ الكلام: نطق به، وقد صرحوا بأنه مجاز لما فيه من معنى الرمي كما أوضحته في مصنفات النحو. وقد سمينا هذا الشرح:«تحرير الرواية في تقرير الكفاية» (وصنفناه) أي الكتاب، أي جعلناه أصنافًا، أي: أنواعًا وضروبًا، عقدنا لها (أبوابًا) ، جمع باب، أصله بوب محركة، فتحركت الواو وانفتح ما قبلها فصار بابًا، ولذلك جمع على أبواب، وهو مذكر، ولذلك يصغر على بويب، ومعناه: المدخل، ويستعمله المصنفون في مسائل متعددة من جنس واحد تقريبًا للمراجعة. أي: جعلنا كل صنف منه في باب على حدة، زيادة في تسهيل حفظه وتقريب تناوله. (فمن ذلك) المذكور من جعل أصنافه أبوابًا أي مبوبةً، زيادة في الضبط، والظاهر أن «من» تبعيضية، والظرف خبر مقدم عن قوله:(باب في صفات الرجال المحمودة) جمع صفة، وقد مر الكلام عليها، وعلى الفرق بينها وبين الوصف، وإن كانت كلها مترادفة بالنسبة لأصل اللغة.