الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ترتيب أزمان الآدمي]
هذا (باب) يتكلم فيه على ترتيب الآدمي من لدن ولادته إلى انتهاء عمره:
(ما دام الولد) محركة، يعم الذكر والأنثى والواحد وغيره? أي مدة دوامة (في بطن أمه، فهو) أي الولد (جنين) لأنه مستتر عن الأبصار، وهذه المادة بجميع تصرفاتها تدل على الستر والخفاء عن الأبصار كما قاله الراغب والزمخشري وغيرهما. (فإذا ولد) مجهولًا، أي: وضع الولد (فهو منفوس) ، لأن أمه قد نفسته، فهو مفعول، (وأمه نفساء) ، بضم النون وفتح الفاء والسين كناقة عشراء، وليس في العربية وصف على فعلاء غيرهما، ويقال أيضًا نفساء بفتحات، وليس لهم وصف على فعلاء غيره. ويقال نفساء بالفتح كحمراء، والجمع نفاس بالكسر كعشار جمعًا لعشراء، وليس في الكلام فعال جمعًا لفعلاء غيرهما. ونفاس بالضم كغراب بناء نادر، أو ليس في العربية فعال جمعًا لفعلاء غيره. ونفس بضمتين ككتب، وليس في العربية فعل جمعًا لفعلاء غيره، ونفس بالضم، وعندي أن هذا جمع لنفساء كحمراء وحمر، لأن تخريجه على القياس المشهور أولى، ونوافس ولا أعلم له نظيرًا، ويمكن
جعله جمعًا لنافس من نفس كفرح كما قالوا طالق وطالق ونحوه على ما حكاه بعض، وإن كان غريبًا، ونفساوات وهو جمع نفساء كحمراء على ما هو ظاهر. وقد خفي هذا على كثيرين فاقتصروا على الوصف الأول وجمعه، ولم يعرجوا لقصورهم على استيعاب باقي النظائر وجمعه، وما الاستيعاب إلا شأن المتبحر الماهر، وقد نفست المرأة كعني وفرح: نفاسًا بالكسر: إذا ولدت. وفيه كلام أودعناه شرح نظم الفصيح لأنه أولى به.
(فإن خرج رأسه) أي الولد (قبل رجليه) بالتثنية (فهو وجيه) بفتح الواو وكسر الجيم. (وإن خرجت رجلاه) أي الوالد (قبل رأسه فهو يتن) بفتح التحتية وسكون الفوقية، قال:
فجاءت به يتنا يجر مشيمةً
…
تسابق رجلاه هناك الأناملا
(وذلك) الخروج على هذه الكيفية (مذموم)، قالوا: وربما مات هو وأمه. (ويسمى) الولد بعد خروجه ووضعه (طفلا) بكسر الطاء المهملة وسكون الفاء، (ورضيعا) بمعنى مرضع اسم مفعول كقولهم عقيد بمعنى معقد. أو هو فعيل بمعنى فاعل من رضع الصبي أمه كسمع وضرب. (فإذا ارتفع) أي زاد وعلا في السن (شيئًا) أي قليلًا (وأكل) الطعام ولو لم يكتف به. وفي القاموس: الصبي إذا انتفخ لحمه وأكل، (فهو جفر) بفتح الجيم وسكون الفاء (والأنثى جفرة) بالهاء الدالة على التأنيث.
(فإذا فطم) بالبناء للمفعول، أي فطمته أمه كضرب، أي فصلته عن الرضاع (فهو فطيم) أي مفطوم مفصول عن الرضاع (فإذا قوي) بفتح القاف وكسر الواو كرضي، أي ظهر فيه القوة، وزال ضعف الرضاع (وخدم) بفتح
الخاء المعجمة والدال المهملة كنصر أي تأهل لخدمة أهله والقيام ببعض مصالحهم، (فهو حزور) بفتح الحاء المهملة والزاي المعجمة والواو المشددة وآخره راء مهملة وزان عملس، وعليه اقتصر في القاموس. وفي الصحاح أنه يقال مخففًا أيضًا بتسكين الزاي وتخفيف الواو، قال: وهو الغلام إذا اشتد وقوي. وقال يعقوب: هو الذي قد كاد يدرك ولم يفعل. وحكاهما الزمخشري في الأساس فقال: غلام حزور وحزور بلغ القوة، قال الفرزدق:
سيوف بها كانت حنيفة تبتني
…
مكارم أيامٍ أشبن الحزورا
وغلمان حزاور وحزاورة.
(فإذا ارتفع فوق ذلك فهو يافع) بالتحتية والفاء والعين المهملة، اسم فاعل من يفع الغلام كمنع: إذا راهق العشرين، والأفصح في الفعل أيفع رباعيًا، إلا أنه لم يسمع منع موفع، بل اقتصروا على بناء الوصف من الثلاثي اكتفاء به، وهو عندهم من النوادر كما أنعمته شرحًا في شرح القاموس وغيره، ويقال فيه يفعة محركة أيضًا. قال في ديوان الأدب: غلام يفعة: أشرف على البلوغ، وكذا جمعه. وزاد المجد أنه لا يثنى أيضًا، والله أعلم.
(فإذا قارب الاحتلام) ، أي البلوغ، لأنه لا يدرى إلا به غالبًا فجعلوه كناية عنه، أي أشرف عليه ولم يحتلم بعد (فهو مراهق) بكسر الهاء. (فإذا بلغ الحلم) بالضم وبضمتين، أي أدرك وبلغ مبالغ الرجال (فهو محتلم) ، اسم فاعل من احتلم، إذا رأى مفضيًا بخروج المني. (فإذا بقل وجهه) بفتح الموحدة والقاف، أي نبت فيه العذار، يقال: بقل وجه الغلام كنصر،
وأبقل رباعيًا: إذا خرج شعره (فهو طار) بفتح الطاء وشد الراء المهملتين بينهما ألف، (ويقال: طر وجهه وطر شاربه) أي نبت شعر وجهه، يطر ويطر، وغلام طار وطرير كما طر شاربه، قاله المجد وغيره، وأطبق عليه أئمة هذا الشأن، لكن قال أبو حيان التوحيدي في تذكرته سمعت السيرافي يقول: إياك أن تقول: طر شاربه، فإن طر معناه قطع، فأما طر وبر الناقة: إذا بدا صغاره فبمعنى نبت. قلت: وهذا التفصيل غير معروف بين أئمة هذا الشأن، والله أعلم. والشارب: ما سال على الفم من الشعر، وما طال من ناحية السبلة، أو السبلة كلها شارب: قال أبو علي: الشراب لا يكاد يثني.
(فإذا جاوز وقت النكاح) أي الزواج، وأصله المداخلة، وقد وسعت فيه في شرح القاموس وغيره من مصنفات الحديث والفقه (ولم يتزوج فهو عانس) بالعين والسين المهملتين بينهما نون، اسم فاعل من عنست الجارية كسمع ونصر وضرب، عنوسًا وعناسًا: طال مكثها في أهلها بعد إدراكها حتى خرجت من عداد الأبكار، ولم تتزوج قط، كأعنست وعنست قاله المجد وغيره.
وظاهر كلامهم اختصاص التعنيس بالإناث، وشهر بعض استعماله في الذكور أيضًا، وعليه جرى المصنف.
(فإذا اجتمع وتم) أي كمل (فهل كهل) بفتح الكاف وسكون الهاء، قال في المصباح: الكهل من جاوز الثلاثين ووخطه الشيب، وقيل: من بلغ الأربعين. وعلى الأول اقتصر في الصحاح، وقال في القاموس: الكهل من وخطه الشيب، أو من جاوز الثلاثين، أو أربعًا وثلاثين إلى إحدى وخمسين.
(فإن رأى) أي أبصر (البياض) في شعره (فهو أشيب) ، صفة من شاب يشيب فهو أشيب على غير قياس، والقياس شائب كما نبه عليه الزوزني وغيره. والشيب: بياض الشعر، وقد يطلق على الشعر الأبيض نفسه. (وأشمط) بالشين المعجمة والطاء المهملة، قضيته أنه كالأشيب وزنًا ومعنىً.
وقول المجد: الشمط محركة: بياض الرأس يخالط سواده، صريح في أنه شيب الرأس خاصة. وفي المغرب عن الليث أن الشمط شيب اللحية، وقد شمط كفرح فهو أشمط.
(فإذا استبانت) أي ظهرت (فيه السن) بالكسر، المراد به العمر، وهي مؤنثة أيضًا لأنها بمعنى المدة، وكأنهم أخذوها من السن التي هي إحدى الأسنان التي في الفم لأنها تدل على الكبر فأطلق عليها، (فهو) بعد استبانة السن وظهورها (شيخ) بفتح الشين وبالخاء المعجمتين بينهما تحتية، وفسره الفيومي بأنه فوق الكهل. وقال المجد: الشيخ والشيخون: من استبانت فيه السن، أو من خمسين، أو إحدى وخمسين إلى آخر عمره أو إلى الثمانين وله جموع نظمها الشيخ ابن مالك في قوله:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
.....................
…
........................
(فإذا ارتفع عن ذلك فهو مسن) اسم فاعل من أسن إذا كبرت سنه، (فإذا ارتفع عن ذلك فهو قحم) بفتح القاف وسكون الحاء المهملة. وقد فسره المجد وغيره بأنه الكبير المسن جدًا، وقالت أخت طرفة ترثيه:
عددت له ستًا وعشرين حجةً
…
فلما توفاها استوى سيدا ضخما
فجعنا به لما رجونا إيابه
…
على خير حالٍ لا وليدًا ولا قحما
ويقال له: «القحوم» أيضًا، والمرأة قحمة، والاسم القحامة والقحومة، مصادر بغير فعل كما نبه عليه في القاموس، (فإذا قارب الخطو) بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة: المشي، مصدر خطا كرمى (فهو دالف) اسم فاعل من دلف بفتح الدال المهملة واللام. قال المجد: دلف الشيخ يدلف دلفًا، ويحرك، ودليفًا، ودلفانًا: مشى مشي المقيد وفوق الدبيب. وقال الجوهري: الدليف: المشي الرويد، يقال: دلف الشيخ إذا مشى، وقارب الخطو. (فإذا زاد على ذلك فهو هرم) بفتح الهاء وكسر الراء المهملة، وقد هرم كفرح، والهرم بالتحريك: أقصى الكبر كما في القاموس وغيره. (وهم) بكسر الهاء وشد الميم وقد يقال له همة بهاء التأنيث أيضًا كما قاله المجد وغيره، وفسرهما بالشيخ الفاني. (فإذا ذهب عقله) ولم يبق له تمييز تام (من الكبر) بكسر الكاف وفتح الموحدة، مصدر كبر في السن كفرح، فأما كبر: إذا عظم فهو ككرم، وكثير من المتشدقين لا يفرقون بينهما، فيقولون كبر بالضم في كليهما وهو غلط عجيب. (فهو) أي الذاهب العقل من الكبر (خرف) بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المهملة، وقد خرف كفرح ونصر وكرم، فهو
خرف ككتف، أي: فسد عقله كما قاله المجد وغيره، واقتصر الجمهور على خرف كفرح فقط.
(وقال بعضهم)، أي بعض اللغويين في ترتيب حالات الإنسان:(الولد ما دام في بطن أمه فهو جنين، وإذا ولدته سمي صبيًا) بفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة، وله جموع عشرة نظمتها في قولي:
أصبيةً ثم أصب ثم صبيان
…
وصبية صبية أيضًا وصبيان
وصبوة ثم صبوان وصبوان
…
وصبيان حكاها من له شان
(فإذا فطم) مبنيًا للمفعول أي فطمه أهل من الرضاع (سمي غلامًا) بضم الغين المعجمة، وقضيته أنه يقال له صبي ما دام رضيعًا، ومثله قول المجد: الصبي من لم ينفطم بعد. وقول صاحب الخلاصة: الصبي من لدن يولد إلى أن ينفطم، وعليه فلا يقال له بعد الفطام صبي بل غلام، ولا يطلق عليه زمن الرضاع غلام بل صبي، لكن قال في الصحاح: الصبي: الغلام، فجعلهما مترادفين، ويقرب من قول الفيومي: الصبي: الصغير. وكلام الجوهري عندي أصوب، لأن الاستعمالات صريحة في أن الصبي هو من لم يبلغ، وفي الأحاديث ما يدل عليه من اللعب مع الصبيان. وتصابى: تشبه بالصبيان ونحوه مما يطول. وأما من لم يفطم بعد فإنه لا يحدث عنه بلعب ولا غيره، ولا له أخلاق يتخلق بها، وقد بسطت الكلام في ذلك في شرح نظم الفصيح وغيره.
ثم لا يزال المولود غلامًا (إلى سبع سنين) بتقديم السين على الموحدة، والسنون: جمع سنة وهي الحول، وهل ترادف العام؟ في ذلك تفصيل حكاه ابن الجواليقي فقال: عوام الناس لا يفرقون بين العام والسنة، ويجعلونهما بمعنى، وهو غلط، والصواب ما أخبرنا به عن ثعلب أنه قال: السنة من أي يوم عددته إلى مثله، والعام لا يكون إلا شتاء وصيفًا، وقد أوردت كلامهم في شرح القاموس وغيره مبسوطًا.
(ثم يصير يافعًا إلى عشر حجج) بكسر الحاء المهملة وفتح الجيم، جمع حجة بالكسر، وهي السنة. (ثم يصير حزورًا) وقد سبق أنه يخفف ويثقل (إلى خمس عشرة سنة) بفتح الجزءين من العدد للتركيب، ومجموعهما في محل جر، ومن لا معرفة له يكر السين من خمس إعمالًا لحرف الجر الذي هو «إلى» ويتحير في عشرة، وذلك من كمال الجهل باللسان. والشين ساكنة عند الأكثر وتميم تكسرها. (ثم يصير قمدا) بضم القاف والميم وشد الدال المهملة كعتل وقد يخفف، فسره الجوهري وغيره بأنه القوي الشديد. وقال المجد: رجل قمد مخففة، وقمد كمعتل، وقماد كغراب، وقمدود وقمادي وقمدان وقمداني: شديد أو غليط. وكأنهم أرادوا في هذا التفصيل القوة. ولا يزال قمدًا (إلى خمس وعشرين سنة ثم يصير عنطنطًا) بفتح العين والنون وسكون الطاء المهملتين وفتح النون ثم طاء أخرى استعملوه بمعنى الطويل. ويقال لأول الشباب عنطيان، ولعل المراد الثاني. والله أعلم. ولا يزال عنطنطا (إلى ثلاثين سنة، ثم يصير صملًا) بضم الصاد المهملة والميم وشد اللام، وقد فسروه بالشديد الخلق كما في الصحاح والقاموس وغيرهما. ولا يزال صملًا (إلى أربعين سنة، ثم يصير كهلًا إلى خمسين سنة، ثم يصير
شيخًا إلى ثمانين، ثم يصير بعد ذلك همًا). وقد سبق تفصيلها آنفًا وشرحها. ونظم العلامة البدر الدماميني هذه الصفات المذكورة على هذا الترتيب الذي نقله المصنف عن بعضهم. فقال:
أصخ لصفات الآدمي وضبطها
…
لتلفظ درا تقتنيه بديعا
جنين إذا ما كان في بطن أمه
…
ومن بعد يدعى بالصبي رضيعا
فإن فطموه فالغلام لسبعةٍ
…
كذا يافعًا للعشر قله مطيعا
إلى خمس عشرٍ بالحزور سمه
…
لتحسن فيما تنتجيه صنيعا
قمد إلى خمسٍ وعشرين حجةً
…
بذاك دعاه الفاضلون جميعا
ومن بعد يدعى بالعنطنط لانتها
…
ثلاثين، فاحفظ لا تعد مضيعا
صمل لحد الأربعين وبعده
…
فكهل إلى الخمسين فادع سميعا
وشيخًا إلى حد الثمانين فادعه
…
بها، ثم هما للممات سريعا
وأورده في شرح المغني وسلمه، وادعى أنه وقف عليه في زمن الشبيبة، فنظمه تقريبًا للضبط.
وقد وقفت على ترتيب آخر لبعض اللغويين قال فيه: أحوال الإنسان من ابتداء تكوينه: يكون نطفةً، ثم علقة، ثم مضغةً، ثم عظما، ثم لحما، ثم جنينًا، ثم وليدًا، ثم رضيعا، ثم فطيما، ثم يافعًا، ثم ناشئًا، ثم مترعرعًا، ثم باقلًا، ثم مسبطرًا، ثم مطرخمًا، ثم مخططًا، ثم صملا، ثم ملتحيا، ثم مستويا، ثم صعلًا، ثم مجتمعًا. والشاب يجمع ذلك كله، ثم ملهوزا ثم
كهلا ثم أشمط، ثم شيخا، ثم أشيب، ثم حوقلا، ثم صفلا، ثم هما، ثم هرما، ثم محتضرا، ثم ميتا. وقد نقله الإمام ابن البخاري في شرح الأربعين حديثًا في السابقين في الإسلام. قلت: المسبطر بالمهملات والموحدة وزان مشمعل، ومثله في الوزن المطرخم بالطاء والراء المهملتين والخاء المعجمة. والمخطط: كمعظم كأن الشعر خط في وجهه والصعل بفتح الصاد وسكون العين المهملتين. والمهلوز بالزاي المعجمة: اسم مفعول. والصفل: بكسر الصاد المهملة والفاء وشد اللام. وباقي الألفاظ واضح الضبط.
وقال محمد بن حبيب: زمن الغلومية سبع عشرة سنة منذ يولد إلى أن يستكملها، ثم زمن الشبابية من زمن سبع عشرة سنة إلى أن يستكملها إحدى وخمسين سنة، ثم هو شيخ إلى أن يموت. فطوى تلك المراحل كلها وأراحنا من هذه الألفاظ الغربية.
وقيل: الشاب: البالغ إلى أن يكمل ثلاثين، وقيل ابن ست عشرة سنة إلى اثنتين وثلاثين، ثم هو كهل كما قاله ابن حبيب أيضًا.