الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب في صفات الرجال المحمودة]
«الرجال» جمع رجل بفتح الراء وضم الجيم، وقد تسكن مع بقاء فتح الراء، وجوز بعض السكون مع نقل ضم الجيم للراء، لكن في شرح أمالي القالي أنه لم يسمع فيه سكون الجيم مع نقل ضمها للراء، بل مع فتح الراء فقط، كما أوضحته في شرح القاموس، وأوردت له هناك جموعًا، وبينت أن أبا حيان في «بحره» ذكر له اثني عشر جمعًا، ونقلها أصحابه في إعراباتهم كصاحب «الدر اللقيط» ، وإن كان بعضها لا يخلو عن نظر. والرجل: الذكر إذا احتلم وشب عند الأكثر، وقيل: هو رجل ساعة يولد. وقوله: «المحمودة» : نعت لـ «صفات» ، أي: التي حمدت وأثني عليها الثناء الجميل، «مفعولة» من حمده كسمع، إذا أثنى عليه وكشره.
(الجواد) كسحاب: (الرجل) ذكره توطئةً لما بعده، على أن الترجمة
مغنية عنه، (السخي) تفسير للجواد. والسخي بفتح السين وكسر الخاء المعجمة وتشديد الياء التحتية: هو الكريم الجواد كما في القاموس وغيره، وجمعه أسخياء. والأنثى سخية، وجمعها سخيات وسخايا. وفي الفعل منه لغات، يقال: سخا، كسعى، ودعا، وسرو، ورضي، سخاءٌ، وسخى، وسخوة وسخوًا، وتسخى: تكلفه، قاله في القاموس، وهو صريح في أن السخي مأخوذ من هذه الأفعال كلها، لكن في «المصباح» أن الصفة من سخا كدعا ساخٍ، ومن سخي كرضي سخٍ كشجٍ منقوصًا، ومن سخو ككرم سخي على فعيل، وهو الذي يقتضيه القياس، وتشهد له القواعد الصرفية. وقد أغفل المجد ذلك، ولم يذكر في الأوصاف غير سخي كغني، وهو قصور ظاهر، كما أن في المصباح قصورًا، لأنه أغفل سخى كسعى، وإن ذكر اللغات الثلاث وذكر تصاريفها، والله أعلم.
وظاهر المصنف أن الجواد وصف خاص بالرجال، وليس كذلك، بل يقال: رجل جواد، ويقال: امرأة جواد أيضًا بغير هاء، قال:
فما كعب بن مامة وابن سعدى
…
بأجود منك يا عمر الجوادا
وقال في أنثى:
صناع بإشفاها، حصان بشكرها
…
جواد بقوت البطن، والعرق زاخر
وقد بينت ذلك في شرح نظم الفصيح، وشرحت البيت، وأوضحت أن الشكر بالفتح: الفرج كما في الصحاح وغيره. ويقال: عرق فلانٍ زاخر: إذا كان كريمًا، قاله أبو عبيدة. وقالوا: معناه: إن عرق الكريم يزخر بالكرم، وأشرت هناك إلى أنه يقال: جاد، كقال، جوادًا بالضم، فهو جواد، وهي جواد، وأنهم سووا بين الذكر والأنثى، لأن هذه البنية من أبنية المصادر، كما قالوا براء للذكر والأنثى، وأن الجود بالضم كما استعمل مصدرًا استعمل جمعًا لجواد وأصله بضم الواو، كما قالوا: قذال وقذل، ثم خففوا لمكان حرف العلة، فهو نظير الجلوس مصدر جلس، وقالوا: قوم جلوس وقعود وشهود ونحوها مما جاء مصدرًا وجمعًا، وهناك فوائد تتعلق بالجيد كسيد، وبجواد الخيل وغير ذلك مما اقتضته المادة من البسط، والله أعلم.
(والخرق) بكسر الخاء وسكون الراء آخره قاف: (الكريم)، أي: الجواد السخي، لأنه المراد عند الإطلاق، وإن كان الكرم أخص من الجواد، لأنه ضد اللؤم، وهو جمع الخصال القبيحة، كما أن ضده وهو الكرم جمع الخصال الحسنة، وفيه كلام أودعناه شرح شواهد التوضيح وغيره. قال في الأساس: فلان خرق يتخرق في السخاء، أي: يتسع فيه، وهو متخرق الكف بالنوال لا يبقى شيئًا، قال الشماخ:
معي كل خرقٍ في الغداة سميدعٍ
…
وفي الحرب داري العشيات ذيال
قال: الداري: المتطيب.
وفي الصحاح: الخرق بالكسر: السخي الكريم، يقال: هو سخي ويتخرق في السخاء: إذا توسع فيه، وكذلك الخريق، مثال فسيق، قال أبو ذؤيب يصف رجلًا صحبه رجل كريم:
أتيح له من الفتيان خرق
…
أخو ثقةٍ، وخريق خشوف
ومثله في المحكم والخلاصة ومختصر العين وغيرها من الدواوين اللغوية، بل ذكره قطرب في مثلثه الذي هو موضوع للولدان، فضلًا عمن له بالفن يدان ومع شهرته وكثرة من ذكره أغفله المجد في القاموس، واقتصر على الخريق كسكيت، وفسره بالسخي أو الكريم في سخاوة، والفتى الحسن الكريم الخليقة. وإن إغفاله إياه مع ذكره في كل كتاب لمما يقتضي منه العجب العجاب، ولا سيما وهو في الصحاح والمحكم وهو شديد اقتفاء الأثر لعبارتهما، والله أعلم.
(والخضم) بكسر الخاء وفتح الضاد المعجمتين وشد الميم: (الكثير العطية). أي الذي كثرت عطيته لقاصدية، والعطية، فعلية، يريدون بها الشيء الذي يعطى. قال المجد: الخضم كخدب: السيد الحمول المعطاء خاص بالرجال، وجمعه خضمون. وقال الجوهري: الخضم: الكثير العطاء. ومثله في المحكم وخلاصته ومختصر العين وغيرها، ومن أمثالهم قول الشاعر:
دعاني إلى عمرٍ جوده
…
وقول العشيرة: بحر خضم
(والهضوم) بفتح الهاء وضم الضاد المعجمة كصبور: (الكثير الإنفاق) زاد المجد: «لماله» . ويقال فيه هاضوم وهضام، ويطلق على كل دواء هضم طعامًا، وأغفله الجوهري بالمعنى الذي أورده المصنف، وقد أورده بلغاته ومعانيه في المحكم، وإياه تبع المجد. والله أعلم.
(والأريحي) بفتح الهمزة والتحتية بينهما راء مهملة ثم حاء مهملة بعده تحتيه مشدد. (الذي يرتاح)، أي: تأخذه أريحية، أي خفة ونشاط (للعطاء) ، فيعطي بلا كلفةٍ ومشقةٍ لتعوده ذلك، وتمرنه عليه. وعبارة القاموس كالصحاح والمحكم: الأريحي: الواسع الخلق، وأخذته الأريحية: إذا ارتاح للندى. والمراد من العطاء في كلام المصنف هو الندى المذكور في عبارتهم لأنه بمعناه، وهذا أحد الأسماء التي جاءت على لفظ المنسوب وليس بمنسوب كالألمعي واللوذعي والأحوذي وحوها، وقد عقد لها في «ديوان الأدب» بابًا على حدة، وأورد أكثرها في المزهر، وذيلت ما خطر بالبال منها في «المسفرة» والله أعلم.
(والحسيب: الكريم الآباء) والفعل منه حسب حسبًا وحسابه ككرم كرمًا وكرامةً، وكلام المصنف نصٌ في أن الحسب إنما يكون بالآباء، وهو الذي
عليه الأكثر. وقال ابن السكيت وغيره: إن الحسب يكون للإنسان بنفسه ولو لم يكن له آباء كرام، قال في الصحاح: الحسب: ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه، ويقال: حسبه دينه. ويقالك ماله، والرجل حسيب، وقد حسب بالضم حسابةً مثل خطب خطابةً، قال ابن السكيت: الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف، قال: والشرف والمجد لا يكونان إلا بالآباء. وفي القاموس: الحسب: ما تعده من مفاخر آبائك، أو المال، أو الدين، أو الكرم، أو الشرف في الفعل أو الفعال الصالح، أو الشرف الثابت في الآباء أو المال، أو الحسب والكرم يكونان لمن لا آباء له شرفاء، والشرف والمجد لا يكونان إلا بهم. قلت: فأورد الأقوال في ذلك وأقرها، وأصل ما أورده في المحكم، وفي الصحاح بعضه، وما نقلوه عن ابن السكيت من أن المجد لا يكون إلا بالآباء اعترضه الهروي وغيره، بأنه ورد في وصف الله تعالى:«المجيد» في غير آية وحديث، ووصف به العرش، وعدوة من الأسماء الحسنى، وكان بعض الشيوخ يجيب عنه بأنه بالنسبة إلينا. وفي التوشيح: الحسب: الشرف بالآباء والأقارب.
وقد مال الفيومي في المصباح إلى اختيار كلام ابن السكيت، فقال: الحسب بفتحتين: ما يعد من المآثر، وهو مصدر حسب وزان شرف شرفًا، وكرم كرمًا، قال ابن السكيت: الحسب والكرم يكونان في الإنسان وإن لم
يكن لآبائه شرف، ورجل حسيب: كريم بنفسه. قال: وأما المجد والشرف فلا يوصف بهما الشخص إلا إذا كانا فيه وفي آبائه. وقال الأزهري: الحسب: الشرف الثابت له ولآبائه. قال: وقوله عليه السلام: «تنكح المرأة لحسبها» أحوج أهل العلم إلى معرفة الحسب، لأنه مما يعتبر في مهر المثل. فالحسب الفعال له ولآبائه، مأخوذ من الحساب وهو عد المناقب، لأنهم كانوا إذا تفاخروا حسب كل واحد مناقبه ومناقب آبائه، ومما يشهد لقول ابن السكيت قول الشاعر:
ومن كان ذلك نسبٍ كريمٍ ولم يكن
…
له حسب كان اللئيم المذمما
فجعل الحسب فعال الشخص مثل الشجاعة وحسن الخلق والجود، ومنه قوله:«حسب المرء دينه» وقد أشرت في شرح القاموس إلى أن بعض أئمة اللغة حقق أن الحسب يستعمل على ثلاثة أوجه: أن يكون من مفاخر الآباء كما هو رأي الأكثر، وأن يكون من مفاخر الرجل نفسه كما هو رأي ابن السكيت ومن وافقه، وأن يكون أعم منها كما في المغرب وغيره، والله أعلم.
(والماجد: الشريف) أي العالي القدر، صفة من مجد كنصر، ويقال
ككرم: مجادة. والوصف منه: مجيد ككريم ومر أن المجد لا يكون إلا بالآباء، وأنه يعارض بأنه من صفات الله وصفات العرش، ويجاب بأن هذا بالنسبة إلى البشر. قال في القاموس: المجد مثل الشرف والكرم، أو لا يكون إلا بالآباء أو كرم الآباء خاصة، مجد كنصر وكرم، مجدًا ومجادة فهو ماجد ومجيد، وأمجده ومجده، عظمه وأثنى عليه، وهو ظاهر، وفيه كلام أودعناه في شرحه. والشريف: صفة من شرف ككرم، فهو شريف، والشرف محركة: علو القدر والمجد، أو لا يكون إلا بالآباء أو علو الحسب، قاله المجد وابن سيده وغيرهما.
(والصنديد) بكسر الصاد المهملة وسكون النون وكسر الدال المهملة وبعد التحتية الساكنة دال أخرى: (الرئيس) أي: والي القوم ومتولي مهماتهم (العظيم) أي الكبير الجامع للولاية. قال المجد: (الصدد كزبرج: السيد الشجاع كالصنديد والحليم والجواد، أو الشريف. وقال بعض الأئمة: الصنديد السيد الشريف في قومه، الجامع للشجاعة والحماسة والجود، الغالب لمن عاداه وعارضه. وقد أشرت في شرح القاموس إلى أن النون والياء فيه زائدتان، وأن أصله من الصد وهو الإعراض، لأن ذلك هو شأن العظماء كما في الممتع وغيره، والله أعلم.
(وكذلك) أي مثل الصنديد في معناه (الهمام) كغراب، فهو الرئيس
العظيم، لأنه الذي يهتم بأمور من دونه من رعاياه. قال المجد: الهمام كغراب: الملك العظيم الهمة، والسيد الشجاع السخي، خاص بالرجال كالهمهام، وجمعه همام ككتاب. وقد أشرت في شرح القاموس إلى أنه سمي همامًا لعظم همته كما أشار إليه، أو لأنه إذا هم بأمر فعله لقوة عزمه وشدة شكيمته، وهو قريب من الأول، والله أعلم.
(والسميدع) بفتح السين، قال في الفصيح: وأما من ضمها فإنه خطأ: (السيد) ، هو من يفوق قومه، من السيادة، وهي الرئاسة والزعامة ورفعة القدر، وقيل: السيد: الحليم الذي لا يغلبه غضبه، قاله عياض فيه المشارق. وفي المصباح: ساد يسود سيادة، والاسم السؤدد، وهو المجد والشرف، فهو سيد، والأنثى سيدة بالهاء، ثم أطلق على الموالي لشرفهم على الخدم، وإن لم يكن لهم في قومهم شرف. وسيد القوم: رئيسهم وأكرمهم. والسيد: المالك. وجعله في القاموس من الضروريات لشهرته فأعرض عن تفسيره، وأوردنا معانيه في شرحه، وقد استوعبها أو أكثرها ابن الأثير في النهاية. وتفسير السميدع بالسيد كما قال المصنف هو الذي صرح به أبو العباس في الفصيح، واقتفى أثره ناظمه مالك بن الرحل فقال:
وهو السميدع وذاك السيد
…
ولا تضم السين ذا لا يوجد
وفسره جماعة بالموطأ الأكناف، وجمع بينهما الأكثر كالمجد والجوهري وابن سيده وغيرهم. وقال المجد: السميذع بفتح السين والميم بعدها مثناة تحتية ومعجمة مفتوحة، ولا تضم السين فإنه خطأ: السيد الكريم الشريف السخي الموطأ الأكناف. كذا في كثير من النسخ المصححة التي وقفت عليها من القاموس، وفي نسخة منه: السميدع كغضنفر، وفيها بعد لا يخفى عن
العارف بالاصطلاح، وفي أكثر النسخ المتداولة: السميدع كعصيفر، وفيه مخالفة للمنصوص، إذ عصيفر تصغير عصفر مقصورًا لغة في عصفور، فيقتضي ضم الأول وكسر ما قبل الآخر، وقد جعلوا ذلك غلطًا كما في الصحاح والمحكم والخلاصة والفصيح، الذي هو أصل الجميع، وغيرها من دواوين اللغة. ثم ظاهر كلامهم إهمال الدال، وقد صرح المجد في بعض تلك النسخ بأعجامها. وبالجملة فجميع نسخة على اختلافها لا تخلو عن تقصير في هذا اللفظ كما أوضحته في شرحه، وأشرت إليه في شرح نظم الفصيح، والله أعلم. وقد أسند معناه على ما ينبغي أبو العباس المبرد في الكامل فقال: حدثني العباس بن الفرج الرياشي، قال: حدثني الأصمعي قال: قيل لأعرابي، وهو المنتجع بن نبهان: ما السميدع؟ فقال: السيد الموطأ الأكناف. وتأويل الأكناف الجوانب. ومر عن الأساس قول الشماخ:
معي كل خرق في الغداة سميدع ............ البيت
(وكذلك) أي مثل السميدع في معناه الذي هو السيد (الجحجاح) بجيمين بينهما حاء مهملة وآخره مثلها، زاد المجد أنه يقال جحجح بغير ألف، قال: وجمعه جحاجح وجحاجهة وجحاجيح، وفي الصحاح: الجحجاح: السيد والجمع الجحاجح، وقال:
ماذا ببردٍ فالعقنـ
…
ـقل من مرازبةٍ جحاجح
وقال وجمع الجحاجح جحاجحة، وإن شئت جحاجيح، والهاء عوض عن الياء المحذوفة، ولابد منها أو من الياء، ولا يجتمعان. قلت: ففي كلامه نظر من وجهين: أحدهما ادعاؤه أنه الجحاجيح بالياء أو الهاء جمع للجمع الأول، ولا قائل به، وصيغة منتهى الجموع لا تجمع مرة أخرى. والثاني: ادعاؤه أنه لابد من الياء عند فقد الهاء، وقد اتفقوا على جواز حذفها مطلقًا، وزيادتها مطلقًا، كمفاتيح وصياريف، وكلاهما من المبادئ، التي لا تخفى عن البادي فضلًا عن الشادي، وقد زدته تقريرًا في شرح القاموس، لأن بعضهم جاء به كالمعترض عليه بكلام لا يلتفت إليه. وقد أنشدني هنا شيخنا علامة العلوم اللسانية أبو عبد الله محمد بن الشاذلي حفظه الله شاهدًا قول الفرزدق:
ترى الغر الجحاجح من قريشٍ
…
إذا ما الخطب بالحدثان هالا
قيامًا ينظرون إلى سعيدٍ
…
كأنهم يرون به هلالا
(والأريب: العاقل)، قال في المحكم: أرب أرابة، فهو أريب: عقل، وأربت في الشيء: صرت ماهرًا فيه. وفي القاموس: أرب إربا كصغر صغرًا، وأرابة ككرامة: عقل، فهو أريب: وأرب كفرح، والعاقل: الشخص الذي قام
به العقل. وهو - كما قال الراغب - يقال للقوى المتهيئة لقبول العلم، ويطلق على العلم المستفاد منه، ولذا قال علي، رضي الله عنه:«العقل عقلان» : مطبوع ومسموع. ولا ينفع مطبوع، إذا لم يكن مسموع، كما لا ينفع ضوء الشمس وضوء العين ممنوع» ، وقال بعض الحكماء: هو جوهر. وقال آخرون: جسم شفاف محله الدماغ أي القلب. والأصح أنه قوة نفسية هي منشأ الادراك. وقال المجد: الحق أنه نور روحاني، به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية. وكونه يخلق مع الولد أو يحدث فيه بعد، فيه كلام أودعناه شرح القاموس وغيره. وقد عقل كضرب، وحكى الفيومي عقل كفرح، فهو عاقل وجمعه عقلاء.
(والحلاحل) بضم الحاء المهملة وبعد اللام الممدودة حاء أخرى مكسورة: (الوقور) بفتح الواو وضم القاف، وبعد الواو الساكنة راء مهملة، أي: الكثير الوقار بالفتح، وهو الحلم والرزانة، مصدر وقر بالضم، مثل جمل جمالا، ويقال أيضًا: وقر يقر من باب وعد، فهو وقور مثل رسول، والمرأة وقور أيضًا، فعول بمعنى فاعل، مثل صبور وشكور، والوقار أيضًا: العظمة،
قاله في المصباح. وفي القاموس: الوقار كسحاب: الرزانة. وقال القرطبي: الوقار: السكينة، ورده النووي بأنه التأني في الحركات واجتناب العبث، وفيه كلام أودعناه شرح القاموس وحواشي القسطلاني وغيرهما. وكون الحلاحل هو الوقور مشى عليه بعض أهل اللغة، وقلدهم المصنف، وقال في الصحاح: الحلاحل: السيد الركين، والجمع الحلاحل بالفتح، وهو قريب من كلام المصنف لأن فيه زيادة السيد. وأما الركين فهو الوقور، وقد ركن ركانة ككرم: صار ركينًا، أي وقورًا. وقال المجد: الحلاحل بالضم: المتسوط الشجاع، أو الضخم المروءة، أو الرزين في نجابة، يخص الرجال، وما له فعل، وجمعه بالفتح، ومثله في المحكم، ففيه زيادة على ما في الصحاح وغيره، والله أعلم.
(والمنجد) بضم الميم وفتح النون والجيم المشددة وبالدال المهملة ومعجمة (الذي جرب الأمور) ، جمع أمر بمعنى الشأن أي مارسها وتمرن عليها، فيقولون له: منجد، أي: مجرب محكم، كأنه قد عض على ناجذه وتمكن عقله. وقال الميداني:«أنه لمنجذ» أي: محنك، وأصله من الناجذ، وهو أقصى أسنان الإنسان، هذا قول، والصحيح أنها الأسنان كلها كما جاء في الحديث:«فضحك حتى بدت نواجذه» ، قلت: يأتي
للمصنف أن النواجذ أقصى الأضراس كما نقله الميداني عن بعض، وما صححه من الإطلاق، الصحيح خلافه كما يأتي، والله أعلم. ويروى: إنه لمنجد بالدال غير معجمة، أخذًا من النجد وهو المكان المرتفع، أو من النجدة وهي الشجاعة، أي: إنه مقوي بالتجارب.
(والمدره) بكسر الميم وسكون الدال وفتح الراء المهملتين آخره هاء كمنير، هو (الذي يكون رأس القوم) ، أي رئيسهم وكبيرهم الذي يرجعون إليه، (ولسانهم) أي: كلمتهم النافذة، أو المتكلم عنهم في المحافل، واختلفوا في هائه: هل هي أصلية، وهو الذي مشى عليه كثير من اللغويين، أو مبدلة من الهمزة، وأصله من الدرء وهو الدفع، لأنه يدفع عنهم بلسانه، ثم قالوا: مدرًا، ثم أبدلوا من الهمزة هاء على غير قياس، وعليه مشى كثير من أهل الاشتقاق، وصنيع المجد نص في أصالة الهاء، لأنه إنما ذكره في باب الهاء، وإن كان الدره بالهاء معناه الدرء بالهمزة، فإنهما لفظان مستقلان لتصرف كل واحد منهما تصرفًا تامًا، وتمام التصرف في الكلمات يدل على الأصالة في الكل كما قاله ابن مالك وغيره. وادعاء القلب خلاف الأصل، على أنهم لم يذكروا «مدرأ» بالهمزة كما ذكروا «مدره» بالهاء، وإن كانت متفقة معنى وتصرفًا، يقال: درأه كمنع، وعنه: أي دفع، وكذلك دره كمنع بالهاء، أي دفع، والله أعلم. وقد فسره المجد بأبسط مما قال المصنف، فقال: المدره كمنبر: السيد الشريف والمقدم في اللسان واليد عند الخصومة والقتال.
وفي الصحاح ما يقتضي أن الهاء بدل من الهمزة، لأنه قال: درهت عن القوم: دفعت عنهم مثل درأت، وهو مبدل منه نحو هراق الماء وأراقه. والمدرة: زعيم القوم، والمتكلم عنهم، قال لبيد:
ومدره الكتيبة الرداح
والجمع: المدار، ومنه قول الأصبغ:
يا بن الجحاجحة المداره
…
والصابرين على المكاره
وفيما ادعاه من القلب تأمل، وإن وافقه عليه كثيرون، وأغفل المجد التنبيه عليه، وقد أوضحته في شرح القاموس وغيره. وأنشدني شيخنا ابن الشاذلي، وسمعتها مرة من شيخنا الإمام الأعظم البارع أبي عبد الله محمد بن المسناوي دامت بركته:
وإني من قضاعة من يكدها
…
أكده، وهي مني في أمان
ولست الشاعر السفساف فيهم
…
ولكن مدره الحرب العوان
سأهجو من هجاني من سواهم
…
وأصفح منهم عمن هجاني
(واللوذعي) بفتح اللام وسكون الواو وفتح الذال المعجمة وكسر العين المهملة آخره ياء مشددة للمبالغة في الوصف كما مر في الأريحي وأضرابه مما لحقته الباء للمبالغة، لا للنسب، كما أشرنا إليه من قبل، فسره بقوله:(الذكي القلب) أي المتوقده، من ذكت النار تذكو، كدعا، ذكًا وذكاءً بالمد، حكاه الزمخشري: إذا اشتد لهبها. والذكي من الناس: السريع الفطنة. وقد ذكى كرضي وسعى وكرم ذكاء بالمد. وقال بعض اللغويين: الذكاء حدة الفؤاد
بسرعة إدراكه وفطنته لأنه في الأصل الاشتعال والتوقد، ولذا يقال: الذكي: المتوقد الذهن. وأنشدني شيخنا ابن الشاذلي رحمه الله:
لو لم يحل ماء الندى
…
فيه لأحرقه ذكاؤه
وفي الكامل: الذكاء على ضربين: تمام السن، وحدة القلب، وقد فصلت كلامه في شرح القاموس وغيره. والقلب: الفؤاد أو أخص منه كما يشهد له «الإيمان يمان» ، وسيأتي في كلام المصنف وبسط شرحه، والعقل، وخالص كل شيء، ومصدر قلبه بقلبه كضرب: إذا أصاب قلبه، وإذا أكفأه.
وتفسيره اللوذعي بالذكي القلب هو الذي عليه كثير، والاشتقاق يشهد له، لأنه مأخوذ من لذع النار، وهو إحراقها. قال المجد: اللوذعي: الخفيف الذكي، الظريف الذهن، الحديد الفؤاد، واللسن الفصيح، كأنه يلذع بالنار من ذكائه. فوسع رحمه الله في شرحه، وزاد أنه يقال اللوذع مجردًا من الياء. واقتصر في الصحاح على قوله: اللوذعي: الظريف الحديد الفؤاد.
(والمصقع) بكسر الميم وسكون الصاد وفتح القاف وآخره عين مهملة: (البليغ اللسان). أي الفصيح الذي يبلغ بلسانه ما أراد لفصاحته. وفي القاموس: المصقع كمنبر: البليغ، أو العالي الصوت، أو من لا يرتج عليه في كلامه ولا يتعتع.
وفي شرح الكشاف والبيضاوي والمطول: المصقع: البليغ، ومن لا يرتج عليه كلامه، والجهير صوته. فهو ككلام المجد في معناه. قالوا: ومثله لفظًا ومعنى مجهر. وهو من صقع الديك: إذا صاح، أو من الصقع بمعنى الجانب، لأنه يأخذ في كل جانب من الكلام، أو من صقعه إذا ضرب صوقعته، وهي
وسط رأسه. ونقله المتأخر منهم عن المتقدم وسلموه، وفيه كلام أودعته في شرح القاموس وغيره. والله أعلم.
(والسري) بفتح السين وكسر الراء المهملتين آخر تحتية مشددة: (المرتفع القدر) ولا يكون ذلك إلا لسادات القوم فلا ينافي تفسيرهم إياه بالسيد، (وجمعه) أي السري (سراة) ، وأصله سروه، فتحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا (بفتح السين) ، نبه على ضبطه بالفتح على خلاف عادته لدفع ما يتوهم أنه بالضم كما يجري على ألسنة كثير ممن لا معرفة عنده، وهذا شاذ، ولذلك قالوا: ليس في كلامهم جمع «فعيل» على «فعلة» محركة إلا سري وسراة، ولذلك جعله سيبويه رحمه الله اسم جمع لا جمعًا، وفي الصحاح: جمع السري سراة، وهو جمع عزيز أن يجمع فعيل على فعلة، ولا يعرف غيره، وجمع السراة سروات، والمصدر فيه السرو بالفتح، وفسروه بأنه المروءة في شرف كما في القاموس، أو سخاء في مروءة كما في الصحاح، والفعل منه سرو ككرم، ودعا، ورضي: فهو سري، وأنشد الجوهري:
وترى السري من الرجال بنفسه
…
وابن السري إذا سرى، أسراهما
وأنشدناه شيخنا الإمام أبو عبد الله بن المسناوي غير مرة:
إن السري هو السري بنفسه
…
وابن السري إذا سرى، أسراهما
وقال الجلال في شرح شواهد المغني بعد نقل كلام الجوهري: وسراة القوم: أكابرهم وساداتهم.