المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل مسائل من باب الشهادة مما يتكرر وقوعه غالبا] - شرح ميارة = الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام - جـ ١

[ميارة]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رَفْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَقَالِ وَالْجَوَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْآجَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِعْذَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِطَابِ الْقُضَاةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ]

- ‌[بَابُ الشُّهُودِ وَأَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهُ غَالِبًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ لَا عَلَى الطَّالِبِ بَلْ عَلَى الْمَطْلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي لَا عَمَلَ لَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ وَلِلْأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ]

- ‌[بَابُ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَوْلِيَاءِ وَمَا يَتَرَتَّبُ فِي الْوِلَايَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ لَهُ الْإِجْبَارُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ فَاسِدِ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَبْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُهْدِيهِ الزَّوْجُ ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الشُّوَارِ الْمُورَدِ بَيْتَ الْبِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إثْبَاتِ الضَّرَرِ وَالْقِيَامِ بِهِ وَبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّضَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عُيُوبِ الزَّوْجَيْنِ وَمَا يُرَدَّانِ بِهِ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ الْخُلْع]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ لِلزَّوْجِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّجْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَسْخِ]

- ‌[بَابُ النَّفَقَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي النَّفَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ لِلْمُطَلَّقَاتِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ النَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمَفْقُودِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ وَمَا شَاكَلَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ مِنْ الثِّيَابِ وَسَائِرِ السِّلَعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ النَّقْدَيْنِ وَالْحُلِيِّ وَشِبْهِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَائِحَةِ فِي الثِّمَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ]

- ‌[فَصْلٌ كِلَابَ الْمَاشِيَةِ يَجُوزُ بَيْعُهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ وَالْمُقَاصَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ وَالثُّنْيَا]

الفصل: ‌[فصل مسائل من باب الشهادة مما يتكرر وقوعه غالبا]

أَوْ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا، أَوْ صَبِيًّا وَأَدَّاهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ، أَوْ عَدْلٌ، أَوْ حُرٌّ، أَوْ بَالِغٌ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ فِي زَمَانِ الِادِّعَاءِ أَهْلٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَشْهَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ زَوَالِ الْمَانِعِ، فَرَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ (قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا شَهِدَ الصَّبِيُّ بِشَهَادَةٍ، أَوْ الْعَبْدُ، أَوْ النَّصْرَانِيُّ فَرُدَّتْ ثُمَّ كَبِرَ الصَّبِيُّ، أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ، ثُمَّ شَهِدُوا بِهَا لَمْ تَجُزْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُدَّتْ قَبْلَ ذَلِكَ جَازَتْ. اهـ فَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُدَّتْ قَبْلَ ذَلِكَ جَازَتْ هِيَ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُقْرِي فِي كُلِّيَّاتِهِ الْفِقْهِيَّةِ: " كُلُّ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِمَانِعٍ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَ زَوَالِهِ (ابْنُ عَرَفَةَ) مَوَانِعُ الشَّهَادَةِ التُّهْمَةُ عَلَى زَوَالِ نَقْصٍ عَرَضَ.

(فَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ) إنْ شَهِدَ صَبِيٌّ، أَوْ عَبْدٌ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ عِنْدَ قَاضٍ فَرَدَّهَا لِمَوَانِعِهِمْ لَمْ تَجُزْ بَعْدَ زَوَالِهَا أَبَدًا، (أَشْهَبُ) مَنْ قَالَ لِقَاضٍ يَشْهَدُ لِي فُلَانٌ الْعَبْدُ، أَوْ النَّصْرَانِيُّ، وَفُلَانٌ الصَّبِيُّ فَقَالَ لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ ثُمَّ زَالَتْ مَوَانِعُهُمْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ فُتْيَا لَا رَدٌّ، ا. هـ. وَالْأَدَاءُ عُرْفًا (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ بِشَهَادَتِهِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا شَهِدَ بِهِ، وَإِعْلَامُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ وَالْحَاكِمُ مَفْعُولٌ وَلَمْ يَقُلْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ " وَبِشَهَادَتِهِ " مُتَعَلِّقٌ بِإِعْلَامٍ وَبِمَا يَحْصُلُ يُحْتَمَلُ تَعَلُّقُهُ بِإِعْلَامٍ فَتَكُونُ الْبَاءُ الثَّانِيَةُ سَبَبِيَّةً أَوْ لِلتَّعْدِيَةِ، وَيَكُونُ الْمَجْرُورُ بَدَلًا، وَيُحْتَمَلُ تَعَلُّقُهُ بِشَهَادَةٍ وَبِمَا شَهِدَ بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعِلْمِ وَضَمِيرٌ لَهُ يَعُودُ عَلَى الشَّاهِدِ.

(قَالَ فِي النَّوَادِرِ لِأَشْهَبَ) قَوْلُهُ " هَذِهِ شَهَادَتِي أَدَاءٌ " قَالَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ الْمُفْهِمَةَ فِي ذَلِكَ تَكْفِي وَشَاهَدْت بَعْضَ الْمُوثَقِينَ أَدَّاهَا إشَارَةً فَلَمْ يَقْبَلْهَا مِنْهُ مَنْ أَدَّاهَا إلَيْهِ. اهـ وَالتَّحَمُّلُ تَحْصِيلُ عِلْمِ مَا يُشْهَدُ بِهِ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْعِلْمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا يَجُوزُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ شَكٍّ أَوْ وَهْمٍ، وَقَدْ يَكُونُ عِلْمًا قَطْعِيًّا، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ فَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا الِاعْتِقَادُ، وَقَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ بِقَرَائِنَ، وَقَدْ يَحْصُلُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ كَذَلِكَ، فَقَوْلُهُ " بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ " أَخْرَجَ بِهِ عِلْمَهُ دُونَ الِاخْتِيَارِ كَمَنْ قَرَعَ سَمْعَهُ صَوْتٌ مُطْلَقٌ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ، فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى تَحَمُّلًا وَقَوْلُهُ " مَا يَشْهَدُ بِهِ فَصْلٌ " أَخْرَجَ بِهِ مَا لَا يُشْهَدُ بِهِ كَالْعِلْمِ بِأُمُورٍ لَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِشَهَادَةٍ وَقَوْلُ النَّاظِمِ " لِمُقْتَضٍ جَلِيّ " أَيْ ظَاهِرٍ قَالَ بَعْضُ مَنْ شَرَحَهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهَا وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهَا بِالْأَدَاءِ فَإِنْ لَمْ تُؤَدَّ كَانَتْ كَالْعَدَمِ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ زَمَنُ الْأَدَاءِ لَا زَمَنُ التَّحَمُّلِ. اهـ.

[فَصْلٌ مَسَائِلُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهُ غَالِبًا]

فَصْلٌ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهُ غَالِبًا

وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ بِالْإِقْرَارِ

مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ عَلَى الْمُخْتَارِ

بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْكَلَامَا

مِنْ الْمُقِرِّ الْبَدْءَ وَالتَّمَامَا

يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِإِقْرَارِ مَنْ سَمِعَهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ حُكْمٍ مَالِيٍّ وَبَدَنِيٍّ وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ لَمْ يُشْهِدْهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ اشْهَدْ عَلَيَّ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الشَّاهِدُ كَلَامَ الْمُقِرِّ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْهُ قَدْ يَفُوتُهُ مِنْهُ شَيْءٌ لَوْ سَمِعَهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ لِمَا تَضَمَّنَ مِنْ نَقْضِ أَوَّلِهِ لِآخِرِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ.

(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ سَمِعَ رَجُلٌ رَجُلًا يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ يَقْذِفُ رَجُلًا فَلْيَشْهَدْ لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ مَنْ لَهُ الشَّهَادَةُ وَيَشْهَدُ فِي الْحُدُودِ بِمَا سَمِعَ إنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ، (قَالَ ابْنُ يُونُسَ) خَوْفَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْمَقْذُوفُ كَذَبْت لَمْ يَقْذِفْنِي وَإِنَّمَا عَرَّضْت أَنْتَ بِقَذْفِي فَيَحُدُّهُ، (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ قَبْلَ ذَلِكَ فِيمَنْ مَرَّ بِرَجُلَيْنِ يَتَكَلَّمَانِ فِي أَمْرٍ فَسَمِعَ مِنْهُمَا شَيْئًا وَلَمْ يُشْهِدَاهُ، ثُمَّ طَلَبَ أَحَدُهُمَا تِلْكَ الشَّهَادَةَ قَالَ: لَا يَشْهَدُ لَهُ، (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) إلَّا أَنْ يَسْتَوْعِبَ كَلَامَهُمَا مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ إذْ قَدْ يَكُونُ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ كَلَامٌ يُبْطِلُهُ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فِي مُفِيدِهِ وَبِهِ الْعَمَلُ، وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَدِّ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ السَّادِسُ: الْحِرْصُ عَلَى

ص: 60

الشَّهَادَةِ فِي التَّحَمُّلِ كَالْمُخْتَفِي لِيَتَحَمَّلَهَا لَا يَضُرُّ عَلَى الْمَشْهُورِ، (وَقَالَ مُحَمَّدٌ) :" إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ خَائِفًا أَوْ مَخْدُوعًا "(التَّوْضِيحُ) الْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ، وَعَامَّةُ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ إمَّا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقُولَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِلشَّاهِدِ اشْهَدْ عَلَيَّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَإِمَّا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهَا لَكِنْ يَرَى الِاخْتِفَاءَ يَضُرُّ بِهَا، (ابْنُ رُشْدٍ) وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ تَقْيِيدٌ لِلْمَشْهُورِ، بَلْ هُوَ مِنْ تَمَامِهِ.

(فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ) قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلَيْنِ قَعَدَا لِرَجُلٍ وَرَاءَ حِجَابٍ لِيَشْهَدَا عَلَيْهِ قَالَ: إنْ كَانَ ضَعِيفًا، أَوْ مَخْدُوعًا، أَوْ خَائِفًا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيَحْلِفُ مَا أَقَرَّ إلَّا لِمَا يُذْكَرُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَلَعَلَّهُ يُقِرُّ خَالِيًا وَيَأْبَى مِنْ الْبَيِّنَةِ، فَهَذَا يَلْزَمُهُ مَا سُمِعَ مِنْهُ، قِيلَ: فَرَجُلٌ لَا يُقِرُّ إلَّا خَالِيًا هَلْ أَقْعُدُ لَهُ بِمَوْضِعٍ لَا يُعْلَمُ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ قَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّك تَسْتَوْعِبُ أَمْرَهُمَا وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَسْمَعَ جَوَابَهُ لِسُؤَالِهِ، وَلَعَلَّهُ يَقُولُ لَهُ فِي سِرٍّ مَا الَّذِي لِي عَلَيْك إنْ جِئْتُك بِكَذَا فَيَقُولُ: عِنْدِي كَذَا فَإِنْ قَدَرْت أَنْ تُحِيطَ بِسِرِّهِمْ فَجَائِزٌ. اهـ اُنْظُرْ الْبَابَ الثَّامِنَ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الِاسْتِغْفَالِ قَالَ فِي آخِرِهِ. (تَنْبِيهٌ) وَحَيْثُ أَجَزْنَا شَهَادَتَهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ النَّبِيهِ أَنْ يَرْفَعَ نَفْسَهُ عَنْ أَنْ يَخْتَفِيَ لِيَشْهَدَ، وَهَذَا فِيمَا لَمْ يُنْدَبْ إلَيْهِ وَلَا فُرِضَ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ فَعَلَ مَا لَا يَلِيقُ بِالْفُضَلَاءِ وَلَا يَخْتَارُهُ الْعُقَلَاءُ اهـ وَانْظُرْ قَوْلَهُ، وَحَيْثُ أَجَزْنَا شَهَادَتَهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ مَعَ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا مِنْ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمَا بِهِ قَدْ وَقَعَتْ شَهَادَهْ

وَطُلِبَ الْعَوْدُ فَلَا إعَادَةَ

يَعْنِي إذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ بِحَقٍّ فَتَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَكَتَبَهَا، ثُمَّ جَاءَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَطَلَبَ مِنْهُ إعَادَةَ الشَّهَادَةِ، إمَّا بِأَنْ يَكْتُبَ لَهُ رَسْمًا آخَرَ بِذَلِكَ لِزَعْمِهِ ضَيَاعَ الرَّسْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ طَلَبَ مِنْهُ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ كَتْبٍ فَإِنَّهُ لَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ لِمَا يُخْشَى فِي ذَلِكَ مِنْ تَكْرَارِ الْحَقِّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَتَبَ لَهُ رَسْمًا ثَانِيًا، وَكَذَا إنْ أَدَّى فَحُكِمَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، ثُمَّ ظَهَرَ الرَّسْمُ الَّذِي كُتِبَ لَهُ أَوَّلًا قَوْلُهُ " وَطَلَبَ الْعَوْدَ " يَشْمَلُ الْعَوْدَ لِلْكِتَابَةِ، وَالْأَدَاءَ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ الَّتِي يُمْنَعُ مِنْ إعَادَتِهَا مِمَّا يَتَضَمَّنُ حَقًّا يَتَكَرَّرُ بِإِعَادَتِهَا، فَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ أَشْهَدَ فِي كِتَابٍ ذِكْرَ حَقٍّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ ضَاعَ وَسَأَلَ الشُّهُودَ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا حَفِظُوا فَلَا يَشْهَدُوا وَإِنْ كَانُوا حَافِظِينَ لِمَا فِيهِ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ قَدْ انْقَضَى وَمُحِيَ الْكِتَابُ، فَإِنْ جَهِلُوا، وَشَهِدُوا بِذَلِكَ قَضَى بِهِ.

(وَقَالَ مُطَرِّفٌ) : يَشْهَدُونَ بِمَا حَفِظُوا إنْ كَانَ الطَّالِبُ مَأْمُونًا

ص: 61

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا فَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخُ لِحُكْمِ مَا إذَا جَهِلَ الشُّهُودُ، وَأَعَادُوا الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ اسْتِيفَاءَ النَّقْلِ، وَلَا قَوْلَ مُطَرِّفٍ لِنُدُورِ الْمَأْمُونِ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَلْزَمُ الْمُوَثِّقَ مِنْ التَّحَفُّظِ. اهـ. كَلَامُ الشَّيْخِ (وَفِي) الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَابِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الْفَائِقِ لِسَيِّدِي أَحْمَدَ الْوَنْشَرِيسِيِّ أَنَّهُ إذَا أَدَّى الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ عِنْدَ الْقَاضِي، فَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاءٌ ثَانٍ، لَا عِنْدَ ذَلِكَ الْقَاضِي، وَلَا عِنْدَ غَيْرِهِ إذَا أَدَّى عَلَى نَصِّ الرَّسْمِ، وَلَا إجْمَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ فُصُولِهِ، وَفِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ لِسَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدُوسِيِّ مَا نَصُّهُ: وَلَا يَلْزَمُ الشَّاهِدَ أَنْ يُؤَدِّيَ شَهَادَتَهُ مَرَّتَيْنِ، إذْ ذَلِكَ إضْرَارٌ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] نَقَلَهُ فِي السِّفْرِ الْخَامِسِ فِي نَوَازِلِ الشَّهَادَةِ، وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِوَجْهَيْهَا أَعْنِي طَلَبَ الْكَتْبِ وَالْأَدَاءِ وَقَوْلَيْهَا مِنْ الْمَشْهُورِ وَقَوْلِ مُطَرِّفٍ أَشَارَ الْإِمَامُ سَيِّدِي عَلِيٌّ الزَّقَّاقُ بِقَوْلِهِ فِي قَصِيدَتِهِ اللَّامِيَّةِ الَّتِي فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَكَرِّرَةِ الْوُقُوعِ مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ حَيْثُ قَالَ:

وَمَنْ يَبْتَغِي تَكْرِيرَ كَتْبِكَ رَسْمَهُ

لِزَعْمِ ضَيَاعٍ أَوْ أَدَاءً فَأَهْمِلَا

وَإِلَّا وَقَدْ وَدَّيْتَهُ تُمْضِ مُطْرِفٌ

إذَا كَانَ مَأْمُونًا فَكَرِّرْ وَإِلَّا فَلَا

(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا فِيمَا يَخْشَى فِيهِ تَكْرَارًا لِحَقٍّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ كَالدَّيْنِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْكِتَابَةِ وَفِي ذَلِكَ مَا وَجَدْتُ بِخَطِّ بَعْضِ شُيُوخِنَا رحمه الله

دَيْنٌ وَصِيَّةٌ كِتَابَةٌ دَمَا

لَا نَسْخَ فِي رُسُومِهَا قَدْ عُلِمَا

وَصُورَةُ الدِّمَاءِ كَمَا إذَا شَهِدَ فِي وَثِيقَةٍ أَنَّ فُلَانًا جَرَحَ فُلَانًا جَائِفَةً، فَإِذَا نُسِخَ الرَّسْمُ تُوُهِّمَ أَنَّهُ جَرَحَهُ جَائِفَتَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَشَاهِدٌ بُرِّزَ خَطَّهُ عَرَفْ

نَسِيَ مَا ضَمَّنَهُ فِيمَا سَلَفْ

لَا بُدَّ مِنْ أَدَائِهِ بِذَلِكَ

إلَّا مَعَ اسْتِرَابَةٍ هُنَالِكْ

وَهَذَا شُرُوعٌ مِنْ النَّاظِمِ رحمه الله فِي الْكَلَامِ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ التَّبْصِرَةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا: الشَّهَادَةُ عَلَى خَطٍّ نَسِيَهُ الْمُتَضَمِّنُ لِلشَّهَادَةِ عَلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي بَدَأَ بِهِ النَّاظِمُ هُنَا الثَّانِي: الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْمَيِّتِ، أَوْ الْغَائِبِ وَهُوَ الْآتِي لِلنَّاظِمِ بَعْدَ هَذَا، الثَّالِثُ: الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ الْمُنْكِرِ أَنَّ ذَلِكَ الْخَطَّ خَطُّهُ وَهُوَ الْآتِي فِي قَوْلِ النَّاظِمِ

وَكَاتِبٌ بِخَطِّهِ مَا شَاءَهُ

الْبَيْتَيْنِ، فَقَوْلُهُ " وَشَاهِدُ " الْبَيْتَيْنِ يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا عَرَفَ خَطَّهُ فِي وَثِيقَةٍ وَنَسِيَ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْوَثِيقَةُ، وَاشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَى ذَلِكَ، وَيُؤَدِّي شَهَادَتَهُ عِنْدَ الْقَاضِي إلَّا إذَا وُجِدَ فِي الصَّكِّ رِيبَةٌ مِنْ مَحْوٍ أَوْ بَشْرٍ، وَلَمْ يَعْتَذِرْ عَنْهُ فَلَا يُؤَدِّيهَا حِينَئِذٍ.

(قَالَ الشَّارِحُ) وَهُوَ يَحْمِلُ قَوْلَهُ " خَطَّهُ عَرَفَ " عَلَى مَعْرِفَةِ الشَّاهِدِ

ص: 62

خَطَّهُ فِي الشَّهَادَةِ وَحْدَهَا أَوْ فِي الشَّهَادَةِ وَالْوَثِيقَةِ مَعًا، هَذَا مِمَّا يُحْتَمَلُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَصْدَهُ فِيهِمَا مَعًا لِقَوْلِهِ " نَسِيَ مَا ضَمَّنَهُ " يَعْنِي مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْوَثِيقَةُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَثِيقَةَ كُلَّهَا بِخَطِّ الشَّاهِدِ، وَقَوْلُهُ

لَا بُدَّ مِنْ أَدَائِهِ بِذَلِكَ

وَهَلْ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِهَا، أَوْ يُؤَدِّيهَا الشَّاهِدُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا صَاحِبُهَا هُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : إذَا عَرَفَ الشَّاهِدُ خَطَّهُ فِي كِتَابٍ، فَلَا يَشْهَدُ حَتَّى يَذْكُرَ الشَّهَادَةَ، وَيُوقِنَ بِهَا وَلَكِنْ يُؤَدِّي ذَلِكَ كَمَا عَلِمَ، ثُمَّ لَا يَنْفَعُ الطَّالِبَ (سَحْنُونٌ) اخْتَلَفَ فِي هَذَا أَصْحَابُنَا، وَقَوْلِي إذَا لَمْ يَرَ فِي الْكِتَابِ مَحْوًا، وَلَا لَحْقًا وَلَا مَا يَسْتَنْكِرُهُ فَلْيَشْهَدْ بِمَا فِيهِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْهُ بُدًّا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ الْكِتَابِ شَيْئًا (ابْنُ يُونُسَ) إنَّمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَرْفَعُ شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى الْحَاكِمُ إجَازَتَهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ. اهـ.

(وَفِي التَّوْضِيحِ) عَنْ الْبَيَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ: أَنَّهَا شَهَادَةٌ جَائِزَةٌ يُؤَدِّيهَا وَيُحْكَمُ بِهَا، وَالثَّانِي: أَنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ لَا يُؤَدِّيهَا، وَلَا يَحْكُمُ بِهَا، وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ إلَّا أَنَّهُ يُؤَدِّيهَا وَلَا يُحْكَمُ بِهَا، وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي كَاغَدٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ كَانَتْ فِي رِقٍّ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ قَالَ: يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي مُطْلَقِ الرِّقِّ وَلَمْ تَكُنْ عَلَى ظَهْرِهِ؛ لِأَنَّ الْبَشْرَ فِي ظَهْرِهِ أَخْفَى مِنْهُ فِي الْكَاغَدِ، وَالْخَامِسُ: إنْ كَانَ ذَكَرَ الْحَقَّ، وَالشَّهَادَةَ بِخَطِّهِ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِخَطِّهِ إلَّا الشَّهَادَةُ لَمْ يَشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ وَصَوَّبَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يَشْهَدُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْوٌ وَلَا رِيبَةٌ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ نِسْيَانِ الشَّاهِدِ الْمُنْتَصِبِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْهَدْ حَتَّى يَذْكُرَهَا لَمَا كَانَ لِوَضْعِ رَسْمِ خَطِّهِ فَائِدَةٌ، (تَنْبِيهٌ) مَعْنَى اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ الْمَحْوِ وَالرِّيبَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعْتَذَرًا عَنْهُ فِي الْوَثِيقَةِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَذَرًا عَنْهُ فَهُوَ مِنْ زِينَةِ الْوَثِيقَةِ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ كِبَارِ الشُّيُوخِ. اهـ مِنْ التَّوْضِيحِ (وَفِي الْمُخْتَصَرِ) لَا عَلِمَ خَطَّ نَفْسِهِ حَتَّى يَذْكُرَهَا وَأَدَّى بِلَا نَفْعٍ، وَلَمْ أَقِفْ الْآنَ عَلَى مَنْ اشْتَرَطَ فِي هَذَا الشَّاهِدِ التَّبْرِيزَ، كَمَا اشْتَرَطَهُ النَّاظِمُ.

وَالْحُكْمُ فِي الْقَاضِي كَمِثْلِ الشَّاهِدِ

وَقِيلَ بِالْفَرْقِ لِمَعْنًى زَائِدِ

يَعْنِي: أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا وَجَدَ حُكْمًا فِي دِيوَانِهِ بِخَطِّهِ وَهُوَ لَا يَذْكُرُ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ فَقِيلَ: إنَّهُ كَالشَّاهِدِ فَيُنَفِّذُ ذَلِكَ وَيُمْضِيهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ إلَّا إنْ وُجِدَ فِي الْكِتَابِ رِيبَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: لَا يَحْكُمُ بِهِ وَلَا يَعْمَلُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هُوَ كَالشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدِ فَرْقًا وَهُوَ عُذْرُ الشَّاهِدِ بِأَنَّ ذَلِكَ مَقْدُورُهُ بِخِلَافِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُشْهِدَ عَلَى حُكْمِهِ عَدْلَيْنِ، وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ

وَقِيلَ بِالْفَرْقِ لِمَعْنًى زَائِدِ

(قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ) : اتَّفَقَ أَهْلُ عَصْرِنَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا أَمْرُنَا عَلَى

ص: 63

قَبُولِ كِتَابِ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ، وَالْحُقُوقِ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ خَطِّ الْقَاضِي دُونَ الشَّاهِدِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا خَاتَمَ مَعْرُوفٌ مَعَ أَنِّي لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ خَطِّهِ، بَلْ قَوْلُهُمْ فِي الْقَاضِي يَجِدُ حُكْمًا بِدِيوَانِهِ بِخَطِّهِ، وَهُوَ لَا يَذْكُرُ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إنْفَاذُهُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ، وَلَا إنْ وَجَدَ الْقَاضِي الْمُوَلَّى بَعْدَهُ وَثَبَتَ أَنَّهُ خَطُّ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِهِ وَلَا يَتَخَرَّجُ الْقَوْلُ بِعَمَلِهِ بِتَيَقُّنِهِ بِخَطِّهِ دُونَ ذِكْرِ حُكْمِهِ بِهِ مِنْ الْخِلَافِ فِي الشَّاهِدِ بِتَيَقُّنِ خَطِّهِ بِالشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ، وَلَا يَذْكُرُ مَوْطِنَهَا لِعُذْرِ الشَّاهِدِ بِالْجُمْلَةِ إذْ هُوَ مَقْدُورٌ كَسْبُهُ، وَالْقَاضِي كَانَ قَادِرًا عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى حُكْمِهِ، وَاعْتَمَدَ النَّاظِمُ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَاضِي عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنَاصِفِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْقَاضِي.

وَخَطُّ عَدْلٍ مَاتَ أَوْ غَابَ اُكْتُفِيَ

فِيهِ بِعَدْلَيْنِ وَفِي الْمَالِ اُقْتُفِيَ

وَالْحَبْسُ إنْ يَقْدُمَ وَقِيلَ يُعْتَمَلْ

فِي كُلِّ شَيْءٍ وَبِهِ الْآنَ الْعَمَلْ

كَذَاكَ فِي الْغَيْبَةِ مُطْلَقًا وَفِي

مَسَافَةِ الْقَصْرِ أُجِيزَ فَاعْرِفْ

هَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الثَّانِي مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْغَائِبِ، أَوْ الْمَيِّتِ (قَالَ اللَّخْمِيُّ) : الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ لِغَيْبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ صَحِيحَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهَا ضَرُورَةٌ (وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْمَيِّتِ، أَوْ الْغَائِبِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي الْأُمَّهَاتِ الْمَشْهُورَةِ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إجَازَتِهَا وَإِعْمَالِهَا، (ابْنُ عَرَفَةَ) فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ إعْمَالُهَا خِلَافَ قَوْلِ الْبَاجِيِّ

ص: 64

لَا تَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ (الْبَاجِيُّ) ، مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ غَايَةَ خَطِّهِ أَنَّهُ كَلَفْظِهِ وَهُوَ لَوْ سَمِعَهُ يَقُصُّ شَهَادَتَهُ لَمْ يَنْقُلْهَا عَنْهُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ إجَازَتَهَا. اهـ.

وَقَوْلُهُ " اكْتَفَى فِيهِ بِعَدْلَيْنِ " أَيْ: يَكْتَفِي فِي ثُبُوتِ خَطِّ الْعَدْلِ الْمَيِّتِ، أَوْ الْغَائِبِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَنَّ الْخَطَّ خَطُّ فُلَانٍ الْمَيِّتِ، أَوْ الْغَائِبِ، وَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْعَدْلَيْنِ، كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَى خَطِّهِ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا؛ لِأَنَّ لَفْظَ عَدْلٍ مِنْ قَوْلِهِ " وَخَطُّ عَدْلٍ " يَصْدُقُ بِالْوَاحِدِ وَبِأَكْثَرَ فَإِذَا كَانَ الصَّكُّ بِعَدْلَيْنِ مَيِّتَيْنِ، أَوْ غَائِبَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا مَيِّتٌ وَالْآخَرُ غَائِبٌ، فَإِنَّهُ يَكْتَفِي فِي إثْبَاتِ خَطِّهِمَا مَعًا بِعَدْلَيْنِ، وَفِي التَّعْبِيرِ بِالِاكْتِفَاءِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَشْهَدَ عَلَى خَطِّ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ فَيَحْتَاجُ فِي الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إلَى أَرْبَعَةٍ عُدُولٍ فَتَطْلُبُ النَّصَّ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ " وَفِي الْمَالِ اُقْتُفِيَ وَالْحَبْسُ إنْ يَقْدُمَ " يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ هَلْ يُعْمَلُ بِهَا فِي الْمَالِ وَالْحَبْسِ الْقَدِيمِ فَقَطْ، أَوْ يُعْمَلُ بِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ " وَبِهِ الْعَمَلُ " فِي زَمَانِ النَّاظِمِ يَعْنِي وَكَذَا فِي زَمَانِنَا، وَقَوْلُهُ " كَذَا فِي الْغَيْبَةِ " التَّشْبِيهُ فِي ثُبُوتِ خَطِّ الشَّاهِدِ الْغَائِبِ بِعَدْلَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُغْنِي عَنْهُ إذْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْغَيْبَةِ، أَوْ الْمَوْتِ، وَلَعَلَّهُ أَعَادَهُ لِبَيَانِ قَدْرِ الْغَيْبَةِ الَّذِي هُوَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَقَوْلُهُ " مُطْلَقًا " أَيْ فِي الْمَالِ وَغَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ " وَفِي الْمَالِ اُقْتُفِيَ " إلَخْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي قَبُولِهَا فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ قَوْلَانِ:(التَّوْضِيحُ) الْقَوْلُ بِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْأَمْوَالِ لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ قَالُوا لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ إلَّا حَيْثُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: لِمَالِكٍ اهـ (وَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ) أَكْثَرُ مَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِإِجَازَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فِي الْأَحْبَاسِ الْقَدِيمَةِ نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ، وَنَقَلَهُ قَبْلَهُ مِنْ الْمُفِيدِ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ: جَرَى الْعَمَلُ مِنْ الْقُضَاةِ بِبَلَدِنَا يَعْنِي قُرْطُبَةَ بِإِجَازَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ، وَلَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَرَّقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فِي الْأَحْبَاسِ، وَغَيْرِهَا فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ.

(فَرْعٌ) ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْقَطْعِ حَتَّى يَكُونَ فِي مَعْرِفَةِ الْخَطِّ، وَمَعْرِفَةُ الشُّهُودِ لَهُ كَمَعْرِفَةِ الْحَيَوَانِ، وَالثِّيَابِ وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ، وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الْقَزْوِينِيِّ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْعِلْمِ. اهـ مِنْ التَّوْضِيحِ أَيْضًا اُنْظُرْ أَوَّلَ الْبَابِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَالْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَهَا أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ:" وَخَطُّ شَاهِدٍ مَاتَ أَوْ غَابَ بِبُعْدٍ وَإِنْ بِغَيْرِ مَالٍ فِيهِمَا إنْ عَرَفَهُ كَالْمُعَيَّنِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ مَشْهَدَهُ وَتَحَمَّلَهَا عَدْلًا "(الْمُتَيْطِيُّ) لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ إلَّا مِنْ الْفَطِنِ الْعَارِفِ بِالْخُطُوطِ وَمُمَارَسَتِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَدْرَكَ صَاحِبَ الْخَطِّ. اهـ (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إذَا فَرَّعْنَا عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ الشَّاهِدُ عَلَى الْخَطِّ أَنَّ الشَّاهِدَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ الْمَشْهُودُ عَلَى خَطِّهِ كَانَ يَعْرِفُ مَنْ أَشْهَدَهُ مَعْرِفَةَ الْعَيْنِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى خَطِّهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ زَرْبٍ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: الْجَوَازُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ

ص: 65

لَا يَضَعُ خَطَّهُ إلَّا عَلَى مَنْ يَعْرِفُ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ أَيْضًا. (فَرْعٌ) وَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْغَائِبِ، أَوْ الْمَيِّتِ حَتَّى يَقُولَ: إنَّهُ كَانَ فِي تَارِيخِ الشَّهَادَةِ عَدْلًا وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَ احْتِيَاطًا مِنْ أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُ سَقَطَتْ بِجَرْحِهِ، أَوْ كَانَ غَيْرَ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ. اهـ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِذَا قُلْنَا: يُحْكَمُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فَهَلْ عَلَيْهِ يَمِينٌ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ أَمْ لَا؟ رِوَايَتَانِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ يَتَنَزَّلُ الشَّاهِدَانِ عَلَى خَطِّهِ مَنْزِلَةَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْإِقْرَارِ أَوْ مَنْزِلَةَ الشَّاهِدِ فَقَطْ لِضَعْفِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ؟ ثُمَّ قَالَ مَا حَاصِلُهُ: إنَّهُ إذَا لَمْ يَشْهَدْ بِذَلِكَ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَمَنْ قَالَ: عَلَيْهِ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ أَبْطَلَ الشَّهَادَةَ هُنَا، وَمَنْ قَالَ: لَا يَمِينَ عَلَيْهِ أَعْمَلَ الشَّهَادَةَ هُنَا وَيَحْلِفُ يَمِينَيْنِ يَمِينٌ مَعَ شَاهِدِهِ، وَيَمِينٌ أُخْرَى لِكَمَالِ السَّبَبِ. (فَرْعٌ) سُئِلَ الْإِمَامُ سَيِّدِي أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ عَنْ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ نَظَرَا وَثِيقَةً بِيَدِ رَجُلٍ تَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ حَقٍّ، وَتَحَقَّقَا مَا فِيهَا، وَحَفِظَاهَا، وَنَظَرَا إلَى شُهُودِهَا فَتَأَمَّلَا خُطُوطَهُمْ فَتَحَقَّقَا أَنَّهَا خُطُوطُ قَوْمٍ مَاتُوا، وَعَلِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا بِوَسْمِ الْعَدَالَةِ، وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ حِينَ الْوَضْعِ، وَاتَّصَلَ ذَلِكَ إلَى أَنْ مَاتُوا ثُمَّ ضَاعَتْ الْوَثِيقَةُ فَاسْتَظْهَرَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِشَهَادَةِ هَذَيْنِ فَأَدَّيَا عِنْدَ الْقَاضِي حَسْبَمَا وَصَفَ، هَلْ يُعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا لَوْ لَمْ يَضِعْ الرَّسْمُ بِإِحْيَاءِ شَهَادَةِ شُهُودِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) سُئِلْت عَنْ مِثْلِ هَذَا مَرَّتَيْنِ فَأَجَبْت عَنْهُ جَوَابَيْنِ: بِأَنَّ الْقَاضِيَ يَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَ الْقَاضِي الْآنَ مَعَ غَيْبَةِ الْوَثِيقَةِ، وَبَيْنَ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُ مَعَ حُضُورِهَا بِاسْتِيفَاءِ هَذَيْنِ جَمِيعَ مَا فِيهَا وَإِحْيَائِهِمَا الشَّهَادَةَ الْوَاقِعَةَ فِيهَا، وَهُوَ الَّذِي يَفْعَلُ لَوْ حَضَرَتْ. اهـ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ بَعْدَ نَحْوِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَرَقَةً مِنْ نَوَازِلِ الشَّهَادَاتِ ثُمَّ قَالَ إثْرَهُ وَانْظُرْ مَا يُنَاقِضُ هَذِهِ الْفَتْوَى فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَالْمُتَيْطِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يُلْتَفَتُ إلَى غَيْرِهِ. .

وَكَاتِبٌ بِخَطِّهِ مَا شَاءَهْ

وَمَاتَ بَعْدُ أَوْ أَبَى إمْضَاءَهْ

ثَبَتَ خَطُّهُ وَيَمْضِي مَا اقْتَضَى

دُونَ يَمِينٍ وَبِذَا الْيَوْمَ الْقَضَا

هَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ مَنْ كَتَبَ بِيَدِهِ مَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ بِهِ، ثُمَّ مَاتَ، أَوْ أَنْكَرَ أَنَّ ذَلِكَ الْخَطَّ خَطُّهُ، فَأَخْبَرَ النَّاظِمُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُثْبِتَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِشَاهِدَيْنِ أَنَّ الْخَطَّ خَطُّ هَذَا الْمُنْكِرِ، أَوْ الْمَيِّتِ، وَيَلْزَمُهُ أَوْ وَرَثَتَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ دُونَ يَمِينٍ، يَلْزَمُ صَاحِبَ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، وَبِهَذَا الْحُكْمِ الْقَضَاءُ، وَبِهِ أَفْتَى الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ:" وَجَازَتْ عَلَى خَطِّ مُقِرٍّ بِلَا يَمِينٍ "(ابْنُ الْحَاجِبِ) ، أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ فَجَائِزَةٌ كَإِقْرَارِهِ، وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْأَصَحِّ. (التَّوْضِيحُ) وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فَهَلْ عَلَيْهِ يَمِينٌ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ لَا؟ رِوَايَتَانِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ يَتَنَزَّلُ الشَّاهِدَانِ عَلَى خَطِّهِ مَنْزِلَةَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْإِقْرَارِ، أَوْ مَنْزِلَةَ الشَّاهِدِ فَقَطْ لِضَعْفِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ؟ ثُمَّ قَالَ (فَرْعٌ) وَإِذَا أَقَامَ صَاحِبُ الْحَقِّ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى الْخَطِّ فَرِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْجَلَّابِ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا شَهِدَ لَهُ اثْنَانِ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى يَمِينٍ، أَوْ لَا فَمَنْ قَالَ لَا يَحْتَاجُ إلَى يَمِينٍ أَعْمَلَ الشَّهَادَةَ هُنَا، وَمَنْ قَالَ يَحْتَاجُ أَبْطَلَ الشَّهَادَةَ هُنَا، وَإِذَا قُلْنَا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى يَمِينَيْنِ يَمِينٍ مَعَ شَاهِدِهِ، وَيَمِينٍ أُخْرَى لِيُكْمِلَ السَّبَبَ. الشَّارْمَسَاحِيُّ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ، وَصَحَّ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَيْنِ فِي حَقٍّ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمَا عَلَى جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ لَا عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ (فَرْعٌ) إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْهَدُ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ فَطَلَبَ الْمُدَّعِي أَنْ يُجْبَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بِمَحْضَرِ الْعُدُولِ، وَيُقَابِلَ مَا كَتَبَهُ بِمَا أَظْهَرَهُ الْمُدَّعِي، فَأَفْتَى عَبْدُ الْحَمِيدِ بِعَدَمِ جَبْرِهِ، وَأَفْتَى اللَّخْمِيُّ بِجَبْرِهِ، وَأَنْ يَطُولَ تَطْوِيلًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِيهِ خَطًّا غَيْرَ خَطِّهِ. اهـ.

وَامْتَنَعَ النُّقْصَانُ وَالزِّيَادَهْ

إلَّا لِمَنْ بَرَّزَ فِي الشَّهَادَهْ

يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي شَهَادَتِهِ، أَوْ يَنْقُصَ مِنْهَا إلَّا إذَا كَانَ مُبَرِّزًا سَابِقًا فِي الْعَدَالَةِ، فَيُقْبَلُ مِنْهُ مَا زَادَ أَوْ نَقَصَ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَنَّ لِزَيْدٍ قِبَلَ عَمْرٍو مِائَةً ثُمَّ شَهِدَ أَنَّهَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ أَوْ قَالَ: إنَّمَا

ص: 66

عَلَيْهِ ثَمَانُونَ، أَوْ بِالْعَكْسِ وَظَاهِرُ قَبُولِ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَرِّزِ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَتَفْصِيلٌ يُرَاجَعُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُبَرِّزِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ، وَقَبُولُ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَرِّزِ مَحِلُّهُ بَعْدَ أَدَائِهَا عِنْدَ الْقَاضِي، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا تُعْتَبَرُ زِيَادَةً وَلَا نُقْصَانَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي عَدِّ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْرِيزُ فِي الْعَدَالَةِ وَمَنْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ أَوْ نَقَصَ بَعْدَ أَدَائِهَا. اهـ (وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ شَهِدَ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا ثُمَّ جَاءَ يَذْكُرُ أَنَّهَا كَانَتْ خَمْسِينَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) هَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّبْرِيزُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ النَّظَائِرُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ

وَلِأَخِيهِ يَشْهَدُ الْمُبَرِّزُ

الْبَيْتَ وَبَرَّزَ فِي الْبَيْتِ بِفَتْحِ الرَّاءِ.

وَرَاجِعٌ عَنْهَا قَبُولُهُ اعْتَبِرْ

مَا الْحُكْمُ لَمْ يَمْضِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَذِرْ

وَإِنْ مَضَى الْحُكْمُ فَلَا وَاخْتُلِفَا

فِي غُرْمِهِ لِمَا بِهَا قَدْ أُتْلِفَا

وَشَاهِدُ الزُّورِ اتِّفَاقًا يَغْرَمُهْ

فِي كُلِّ حَالٍ الْعِقَابُ يَلْزَمُهْ

تَكَلَّمَ فِي الْأَبْيَاتِ عَلَى رُجُوعِ الشَّاهِدِ عَنْ الشَّهَادَةِ وَلِلرُّجُوعِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ ثَلَاثُ صُوَرٍ: الصُّورَةُ الْأُولَى: قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلَا قَضَاءَ أَيْ لَا: يُقْضَى بِهَا وَتَصِيرُ كَالْعَدَمِ، وَإِلَى هَذِهِ الصُّورَةِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ فَضَمِيرُ قَبُولِهِ لِلرُّجُوعِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ رُجُوعَهُ يُقْبَلُ، وَيُعْمَلُ بِهِ سَوَاءٌ اعْتَذَرَ وَقَالَ تَوَهَّمْت مَثَلًا، أَوْ نَسِيت، أَوْ لَمْ يَعْتَذِرْ إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ إمْضَاءِ الْحُكْمِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) . الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: بَعْدَ الْقَضَاءِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ.

(قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : يُسْتَوْفَى الدَّمُ كَالْمَالِ وَقَالَ أَيْضًا: وَغَيْرُهُ لَا يُسْتَوْفَى لِحُرْمَةِ الدَّمِ. الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَيُغَرَّمَانِ الدِّيَةَ وَغَيْرَهَا إنْ لَمْ يَثْبُتْ عَمْدُهُمَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، لَا يُغَرَّمَانِ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، فَإِنْ ثَبَتَ عَمْدُهُمَا فَالدِّيَةُ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْقِصَاصُ لِأَشْهَبَ وَإِلَى هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ " وَإِنْ مَضَى الْحُكْمُ فَلَا " وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ قَبْلَهُ " مَا الْحُكْمُ لَمْ يَمْضِ " يَعْنِي أَنَّ رُجُوعَ الشَّاهِدِ إذَا كَانَ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِمُقْتَضَى الشَّهَادَةِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا إذَا حُكِمَ بِغُرْمِ الْمَالِ، وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ حَتَّى رَجَعَ الشَّاهِدُ، وَهِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ، أَوْ كَانَ رُجُوعُهُ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ دَفْعُ الْمَالِ الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ وَهِيَ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَا يُعْتَبَرُ وَلَا يُعْمَلُ عَلَيْهِ، بَلْ يَمْضِي الْحُكْمُ وَيُسْتَوْفَى الْمَالُ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّمِ هَذَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، وَأَمَّا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا كَلَامَ فَقَوْلُهُ " وَإِنْ مَضَى الْحُكْمُ فَلَا " أَيْ: فَلَا يُعْتَبَرُ الرُّجُوعُ وَلَا يُعْمَلُ عَلَيْهِ بِقَدْرٍ، كَأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِي غُرْمِ الشَّاهِدِ لِمَا أَتْلَفَ بِشَهَادَتِهِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْمُتْلَفَ بِالشَّهَادَةِ إمَّا نَفْسٌ، أَوْ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ تَعَمَّدَ

ص: 67

الْكَذِبَ وَالزُّورَ فَفِي غُرْمِهِ الْمَالَ مِنْ دِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا قَوْلَانِ: فَيُغَرَّمُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَلَا يُغَرَّمُ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ " وَاخْتَلَفَا " إلَخْ وَضَمِيرُ بِهَا لِلشَّهَادَةِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ، وَالزُّورَ فَيُغَرَّمُ الْمَالَ اتِّفَاقًا، وَلَا إشْكَالَ وَإِنْ كَانَ شَهِدَ بِالْقَتْلِ، أَوْ الْجُرْحِ عَمْدًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ وَثَبَتَ أَنَّ شَهَادَتَهُ بِالْقَتْلِ، أَوْ بِالْجُرْحِ كَانَتْ زُورًا وَكَذِبًا.

فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُغَرَّمُ الدِّيَةَ وَقَالَ أَشْهَبُ: يُقْتَصُّ مِنْ الشَّاهِدِ وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ

وَشَاهِدُ الزُّورِ اتِّفَاقًا يَغْرَمُهْ

أَيْ: مَا أَتْلَفَ بِشَهَادَتِهِ وَمَعْنَى فِي كُلِّ حَالٍ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مَالًا، أَوْ دَمًا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ " يَغْرَمُهْ فِي كُلِّ حَالٍ " أَنَّهُ لَا يُنْتَقَصُ مِنْ الشَّاهِدِ فِي الْقَتْلِ، أَوْ الْجُرْحِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ " وَالْعِقَابُ يَلْزَمُهْ " أَيْ: لِشَاهِدِ الزُّورِ زِيَادَةً عَلَى الْغُرْمِ (قَالَ الشَّارِحُ) فِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ قَالَ سَحْنُونٌ: إذَا رَجَعَ الشُّهَدَاءُ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَقَدْ شَهِدُوا بِحَقٍّ، أَوْ حَدِّ اللَّهِ مِنْ زِنًى، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ خَمْرٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ فَإِنَّهُمْ يُقَالُونَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعُقُوبَةِ وَهِمُوا فِي شَهَادَتِهِمْ، أَوْ رَجَعُوا عَنْهَا لِشَكٍّ خَالَطَهُمْ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ فِي هَذَا تُوجِبُ الْخَوْفَ فَلَا يَرْجِعُ أَحَدٌ عَنْ شَهَادَةٍ شَهِدَهَا عَلَى بَاطِلٍ أَوْ شَكٍّ إذَا أَرَادَ التَّوْبَةَ، وَيُحَدُّونَ فِيمَا شَهِدُوا بِهِ مِنْ الزِّنَا حَدَّ الْقَذْفِ فِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَفِيهِ أَيْضًا رَوَى الْمُغِيرَةُ عَنْ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم: " قَالَ فِي شَاهِدٍ شَهِدَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ صلى الله عليه وسلم: «تَمْضِي شَهَادَتُهُ الْأُولَى لِأَهْلِهَا وَهِيَ الشَّهَادَةُ وَالْأَخِيرَةُ بَاطِلَةٌ» وَأَخَذَ بِذَلِكَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ يَرَوْنَ أَنْ يُغَرَّمَ مَا أَتْلَفَ بِشَهَادَتِهِ إذَا أَقَرَّ بِتَعَمُّدِ الزُّورِ قَالَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ (قَالَ سَحْنُونٌ) : اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي رُجُوعِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَقَالُوا: إنْ قَالُوا وَهِمْنَا، أَوْ اُشْتُبِهَ عَلَيْنَا فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمْ، وَلَا أَدَبَ وَإِنْ قَالُوا زَوَّرْنَا غُرِّمُوا مَا أَتْلَفُوا وَأُدِّبُوا، وَقَالَ آخَرُونَ يُغَرَّمُوا مَا أَتْلَفُوا فِي الْعَمْدِ، وَالْوَهْمِ، وَالشَّكِّ، وَيُؤَدَّبُ الْمُتَعَمِّدُونَ. اهـ.

(وَفِي شَهَادَةِ الْمُدَوَّنَةِ) إنْ أُخِذَ شَاهِدُ الزُّورِ ضُرِبَ قَدْرَ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَيُطَافُ بِهِ فِي الْمَجَالِسِ، (ابْنُ الْقَاسِمِ) يُرِيدُ فِي مَجَالِسِ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ (وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ) اتَّفَقَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى تَغْرِيمِ شَاهِدِ الزُّورِ مَا أَتْلَفَ بِشَهَادَتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَغْرِيمِهِ إذَا ادَّعَى الْوَهْمَ وَالشَّبَهَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا غُرْمَ وَلَا أَدَبَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُغَرَّمُ اهـ وَرَاجِعْ شُرَّاحَ قَوْلِهِ " وَعُزِّرَ شَاهِدُ الزُّورِ فِي مَلَأٍ بِنِدَاءٍ "(تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) : مَا تَقَدَّمَ مِنْ إمْضَاءِ الْحُكْمِ فِي رُجُوعِ الشَّاهِدِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يُتَبَيَّنْ كَذِبُهُ فِيمَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ فِيمَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا، وَكَذِبِهِ فِيمَا رَجَعَ إلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ إنْ أَمْكَنَ نَقْضُهُ كَاسْتِحْقَاقِ رُبْعٍ وَنَحْوِهِ كَمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِمَوْتِهِ فَبِيعَتْ تِرْكَتُهُ وَتَزَوَّجَتْ زَوْجَتُهُ، ثُمَّ قَدِمَ حَيًّا فَإِنْ ذَكَرَ الشُّهُودُ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فَهَذَا تُرَدُّ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ مَتَاعِهِ إلَّا مَا وَجَدَ، وَمَا بِيعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالثَّمَنِ إنْ وَجَدَهُ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَأْتِ الْبَيِّنَةُ بِمَا تُعْذَرُ بِهِ فَذَلِكَ كَتَعَمُّدِهِمْ الزُّورَ فَلْيَأْخُذْ مَتَاعَهُ حَيْثُ وَجَدَهُ وَعَبْدَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أُعْتِقَ وَأَمَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ آخِرَ الِاسْتِحْقَاقِ كَمَشْهُودٍ بِمَوْتِهِ إنْ عُذِرَتْ بَيِّنَتُهُ، وَإِلَّا فَكَالْغَاصِبِ وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ بِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَتَلَ فُلَانًا عَمْدًا فَحُكِمَ بِقَتْلِهِ، ثُمَّ قَدِمَ حَيًّا قَبْلَ قَتْلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَنْتَقِضُ، وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَحُكِمَ بِرَجْمِهِ، فَوُجِدَ الرَّجُلُ مَجْبُوبًا فَيُنْتَقَضُ الْحُكْمُ، وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ حَدَّ الْقَذْفِ إذْ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ لِلْمَجْبُوبِ يَا زَانِي أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ نَقْضِهِ، وَيَمْضِي إذْ الْفَرْضُ أَنَّ نَقْضَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَذَلِكَ كَالْحُكْمِ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ فَقُتِلَ ثُمَّ قَدِمَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا، وَكَالْحُكْمِ بِرَجْمِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعٌ بِالزِّنَا فَرُجِمَ فَظَهَرَ أَنَّ الَّذِي رُجِمَ مَجْبُوبٌ فَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ لِلْقَذْفِ كَمَا مَرَّ، بَلْ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمْ مَعَ الْأَدَبِ وَطُولِ السَّجْنِ.

(الثَّانِي) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الرُّجُوعَ إذَا كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَصِيرُ كَالْعَدَمِ بِغَيْرِ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا مَا إنْ شَهِدُوا بِزِنًى، ثُمَّ رَجَعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ

ص: 68