المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب اليمين وما يتعلق بها] - شرح ميارة = الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام - جـ ١

[ميارة]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رَفْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَقَالِ وَالْجَوَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْآجَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِعْذَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِطَابِ الْقُضَاةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ]

- ‌[بَابُ الشُّهُودِ وَأَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهُ غَالِبًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ لَا عَلَى الطَّالِبِ بَلْ عَلَى الْمَطْلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي لَا عَمَلَ لَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ وَلِلْأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ]

- ‌[بَابُ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَوْلِيَاءِ وَمَا يَتَرَتَّبُ فِي الْوِلَايَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ لَهُ الْإِجْبَارُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ فَاسِدِ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَبْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُهْدِيهِ الزَّوْجُ ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الشُّوَارِ الْمُورَدِ بَيْتَ الْبِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إثْبَاتِ الضَّرَرِ وَالْقِيَامِ بِهِ وَبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّضَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عُيُوبِ الزَّوْجَيْنِ وَمَا يُرَدَّانِ بِهِ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ الْخُلْع]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ لِلزَّوْجِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّجْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَسْخِ]

- ‌[بَابُ النَّفَقَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي النَّفَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ لِلْمُطَلَّقَاتِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ النَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمَفْقُودِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ وَمَا شَاكَلَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ مِنْ الثِّيَابِ وَسَائِرِ السِّلَعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ النَّقْدَيْنِ وَالْحُلِيِّ وَشِبْهِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَائِحَةِ فِي الثِّمَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ]

- ‌[فَصْلٌ كِلَابَ الْمَاشِيَةِ يَجُوزُ بَيْعُهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ وَالْمُقَاصَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ وَالثُّنْيَا]

الفصل: ‌[باب اليمين وما يتعلق بها]

لِصَاحِبِ الْيَدِ أَيْ: الْحَوْزُ.

(فَرْعٌ) قَالَ الشَّارِحُ: فَإِنْ اتَّفَقَ الْخَصْمَانِ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَظًّا فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لَكِنَّهُمَا يَجْهَلَانِهِ، فَهَلْ يَكُونُ مُنْدَرِجًا تَحْتَ الْفِقْهِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهُ الْأَبْيَاتُ؟ وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ فَأَجَابَ: أَمَّا الْقَاعِدَةُ الَّتِي جُهِلَ فِيهَا حَقُّ الْحَبْسِ وَقَدْرُهُ، وَقَدْرُ حَقِّ الْغَيْرِ، فَمَحْمَلُ الِاشْتِرَاكِ الْمَعْلُومِ مَعَ جَهْلِ الْمِقْدَارِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى التَّسْوِيَةِ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ، قَالَ أَبُو فَرَجٍ اهـ: بِاخْتِصَارٍ. .

[بَابُ الْيَمِينِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

(ابْنُ عَرَفَةَ) وَالْيَمِينُ قَسَمٌ، أَوْ الْتِزَامٌ مَنْدُوبٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الْقَرَابَةُ، أَوْ مَا يَلْزَمُ بِإِنْشَاءٍ لَا يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولٍ مُعَلَّقٍ بِأَمْرٍ مَقْصُودٍ عَدَمُهُ اهـ فَقَوْلُهُ " قَسَمٌ " قَالَ جَلَالُ الدِّينِ الدَّمَامِينِيُّ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ مَا نَصُّهُ الْقَسَمُ مَصْدَرٌ لَيْسَ بِجَارٍ عَلَى فِعْلِهِ، وَقِيَاسُهُ الْإِقْسَامُ وَهُوَ فِي عُرْفِ النُّحَاةِ جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ يُؤَكَّدُ بِهَا أُخْرَى، لَا عَلَى جِهَةِ التَّبَعِيَّةِ، وَبِالْقَيْدِ الْأَخِيرِ خَرَجَتْ الْإِنْشَائِيَّةُ الثَّانِيَةُ مِنْ نَحْوِ أَكْرِمْ زَيْدًا أَكْرِمْ زَيْدًا. اهـ (بَيَانُهُ) أَنَّ قَوْلَ الْقَائِل مَثَلًا: بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، فَجُمْلَةُ بِاَللَّهِ الَّتِي تَقْدِيرُهَا أُقْسِمُ بِاَللَّهِ جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ أُكِّدَتْ بِهَا الْأُخْرَى الَّتِي هِيَ لَأَفْعَلَنَّ.

وَقَوْلُهُ: " أَوْ الْتِزَامٌ مَنْدُوبٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الْقُرْبَةَ " لَمَّا دَخَلَ فِي قَوْلِهِ: " الْتِزَامٌ مَنْدُوبٌ " النَّذْرُ كُلُّهُ عَلَى صَدَقَةِ دِينَارٍ مَثَلًا أَخْرَجَهُ بِقَوْلِهِ: " غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الْقُرْبَةُ "؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالنَّذْرِ الْقُرْبَةُ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ وَذَلِكَ كَقَوْلِك: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْقُرْبَةَ الَّتِي هِيَ الْعِتْقُ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ دُخُولِ الدَّارِ. وَغَيْرُ بِالرَّفْعِ صِفَةُ " الْتِزَامٌ "، وَقَوْلُهُ:" أَوْ مَا يَجِبُ بِإِنْشَاءٍ " قَوْلُهُ " أَوْ مَا يَجِبُ " عَطْفٌ عَلَى " الْتِزَامٌ " فَتَكُونُ أَقْسَامُ الْيَمِينِ ثَلَاثَةً، وَيَجُوزُ عَطْفُهُ عَلَى " مَنْدُوبٌ " مَدْخُولٌ لِلِالْتِزَامِ، وَالْإِنْشَاءُ مَا يَقَعُ بِهِ مَدْلُولُهُ فَيَشْمَلُ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ وَثَوْبِي صَدَقَةٌ، فَأَخْرَجَ الصَّدَقَةَ وَنَحْوَهَا بِقَوْلِهِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولٍ لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ، وَلَفْظُ الْإِنْشَاءِ يَشْمَلُ الْمَنْدُوبَ كَأَنْتَ حُرٌّ، إلَّا أَنَّ هَذَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْيَمِينِ، " أَوْ مَا يَجِبُ بِإِنْشَاءٍ " يَعْنِي مِمَّا لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ لِئَلَّا يَتَدَاخَلَ مَعَ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْيَمِينِ. وَقَوْلُهُ:" مُعَلَّقٍ بِأَمْرٍ مَقْصُودٍ عَدَمُهُ " مُعَلَّقٌ بِالْخَفْضِ صِفَةٌ لِإِنْشَاءٍ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقُ يَجِبُ بِالْإِنْشَاءِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولٍ، وَهُوَ مُعَلَّقٌ بِأَمْرٍ وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ، وَالْمَقْصُودُ عَدَمُ الدُّخُولِ لَا الدُّخُولُ وَهَذَا الْحَدُّ هُوَ لِلْيَمِينِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، وَالْمَقْصُودُ فِي التَّرْجَمَةِ إنَّمَا هِيَ الْيَمِينُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي تَجِبُ عَلَى الْخَصْمِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، كَمَا يَقُولُ بَعْدُ وَبِاَللَّهِ يَكُونُ الْحَلِفُ، وَاَلَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْيَمِينِ أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ كَتَغْلِيظِهَا بِالْمَكَانِ، وَالزَّمَانِ فِي اللِّعَانِ، وَحَالَةِ الْحَلِفِ مِنْ قِيَامٍ وَاسْتِقْبَالٍ مَثَلًا، وَتَقْسِيمِ الْيَمِينِ وَمَا يُقْلَبُ مِنْهَا وَمَا لَا يُقْلَبُ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَأَعْلَى تُقْتَضَى

فِي مَسْجِدِ الْجَمْعِ الْيَمِينُ بِالْقَضَا

وَمَا لَهُ بَالٌ فَفِيهِ تَخْرُجُ

إلَيْهِ لَيْلًا غَيْرُ مَنْ تَبَرَّجُ

وَقَائِمًا مُسْتَقْبِلًا يَكُونُ

مَنْ اُسْتُحِقَّتْ عِنْدَهُ الْيَمِينُ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ يَمِينٌ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقْتَضِيَهَا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ الَّذِي تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ، وَيُقْضَى عَلَى الَّذِي تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ، اللَّهُمَّ إلَّا إذَا رَضِيَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِأَنْ يُحَلِّفَهُ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ فَلَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ إنْ كَانَ رَجُلًا فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً مِمَّنْ تَخْرُجُ نَهَارًا فَكَالرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِاللَّيْلِ خَرَجَتْ لَيْلًا وَحَلَفَتْ فِي الْجَامِعِ فِيمَا لَهُ بَالٌ مِنْ الْمَالِ، وَفَسَّرَهُ اللَّخْمِيُّ

ص: 94

بِالدِّينَارِ فَأَكْثَرَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ.

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَمَا لَهُ بَالٌ " أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَخْرُجُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ بَلْ فِي أَكْثَرَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ، اللَّخْمِيِّ (وَفِي التَّوْضِيحِ) ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهَا تَخْرُجُ لِرُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا (الْمَازِرِيُّ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ كَيْفِيَّةَ الْحَلِفِ عِنْدَ اقْتِضَاءِ الْيَمِينِ مِنْهُ فَذَكَرَ أَنَّهُ يَكُونُ قَائِمًا لَا جَالِسًا مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ لَا غَيْرَ مُسْتَقْبِلِهَا وَهَذَا أَيْضًا فِي الْيَمِينِ الَّتِي فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ.

(قَالَ الشَّارِحُ) : فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْيَمِينِ لِلْعَهْدِ، وَالْمَعْهُودُ الْيَمِينُ الْمُتَقَدِّمُ قَرِيبًا، (قَالَ الشَّارِحُ) : وَإِذَا كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ، إذَا بَلَغَتْ النِّصَابَ فَأَحْرَى أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ فِي الْحُقُوقِ الْبَدَنِيَّةِ لِحَلِّ الْعِصَمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: يَحْلِفُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَبْلُغُ رُبْعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، وَأَمَّا الشَّيْءُ التَّافِهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي مَقَامِهِ وَحَيْثُ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ، (قَالَ مَالِكٌ) وَيَحْلِفُونَ قِيَامًا وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ بَالٌ فَإِنَّمَا يَحْلِفُ فِيهِ فِي جَامِعِ بَلَدِهِ فِي أَعْظَمِ مَوَاضِعِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَعْرِفُ مَالِكٌ الْيَمِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ إلَّا مِنْبَرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ. اهـ مِنْ الشَّارِحِ.

زَادَ الْمَوَّاقُ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ لِسَحْنُونٍ: إنَّ ابْنَ عَاصِمٍ كَانَ يُحَلِّفُ النَّاسَ بِالطَّلَاقِ فَمِنْ أَيْنَ أَخَذَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ إلَخْ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَكَانَ سَحْنُونٌ لَا يَقْبَلُ الْوَكِيلَ مِنْ الْمَطْلُوبِ إلَّا إذَا كَانَ مَرِيضًا، أَوْ امْرَأَةً وَيَقْبَلُهُ مِنْ الطَّالِبِ فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ مَالِكٌ كَانَ يَقْبَلُهُ مِنْهُمَا فَقَالَ: قَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ إلَخْ اهـ وَعَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ

ص: 95

كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ.

ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ، وَالنَّاظِمُ ذَهَبَ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِقْبَالِ لِجَرَيَانِ الْعَمَلِ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَانْظُرْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّحْلِيفِ بِالطَّلَاقِ، اسْتِنَادًا لِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ إلَخْ فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَقْضِيَةُ الْمُبَاحَةُ الَّتِي يُتَحَيَّلُ بِهَا عَلَى دَفْعِ الظَّالِمِ عَنْ الْمَظْلُومِ، وَسَدِّ أَوْجُهِ الْحِيَلِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ، مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ جَائِزٍ شَرْعًا لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يَجُوزُ شَرْعًا، فَإِنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ مَمْنُوعٌ أَوْ مَكْرُوهٌ لِمَا وَرَدَ أَنَّ الطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ، وَالْعُقُوبَةُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِالْمَعْصِيَةِ تَكْثِيرٌ لَهَا، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَانْظُرْ ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ ذَهَبَ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا مَنْعُ الْمَطْلُوبِ مِنْ التَّوْكِيلِ فَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ النَّاظِمُ فِي الْوَكَالَةِ،

وَجَازَ لِلْمَطْلُوبِ أَنْ يُوَكِّلَا

.. إلَخْ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَحْلِفُ فِي الْجَامِعِ فِي أَعْظَمِ مَوَاضِعِهِ هُوَ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُلَاحَظَ فِي الْوَقْتِ لِكَوْنِ الْوَاقِعِ لِأَكْثَرِ مُوَثِّقِي الزَّمَانِ أَنَّهُمْ يُحَلِّفُونَ حَيْثُ تَأَتَّى لَهُمْ وَلَا أَعْلَمُ مُسْتَنَدًا لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ جَهْلٌ بِالْفِقْهِ (وَفِي التَّهْذِيبِ) وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ فِيمَا لَهُ بَالٌ مِنْ الْحُقُوقِ فَتَحْلِفُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْرُجُ نَهَارًا فَلْتَخْرُجْ لَيْلًا وَتَحْلِفُ فِي الْيَسِيرِ فِي بَيْتِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ تَخْرُجُ وَيَبْعَثُ الْقَاضِي إلَيْهَا مَنْ يُحَلِّفُهَا لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَيُجْزِئُ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَأُمُّ الْوَلَدِ مِثْلُ الْحُرَّةِ فِيمَنْ تَخْرُجُ أَوْ لَا تَخْرُجُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ وَجَّهَهُ الْقَاضِي لِلتَّحْلِيفِ فَلَا إعْذَارَ فِيهِ وَيُجْزِئُ الْوَاحِدُ.

(فَرْعٌ) مَنْ كُلِّفَ فِيمَا لَهُ بَالٌ أَنْ يَحْلِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ فَقَالَ: أَحْلِفُ فِي مَكَانِي فَهُوَ كَنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ إنْ لَمْ يَحْلِفْ فِي مَقْطَعِ الْحُقُوقِ، غُرِّمَ مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ، (قَالَ ابْنُ يُونُسَ) :" يُرِيدُ بِهِ يَمِينَ الْمُدَّعِي فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ "(قَالَ مَالِكٌ) : " مَنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فَهُوَ كَالنَّاكِلِ عَنْ الْيَمِينِ "(قَالَ الشَّارِحُ) : " يُرِيدُ مَالِكٌ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ ". صلى الله عليه وسلم (فَرْعٌ) أَفْتَى الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي قَوْمٍ لَا جَامِعَ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ حَيْثُ هُمْ، وَلَا يُجْلَبُونَ إلَى الْجَامِعِ، (وَأَجَابَ التَّازَغْدَرِيُّ)" أَنَّهُمْ يُجْلَبُونَ إلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ عَلَى مِقْدَارِ مَسَافَةِ الْجُمُعَةِ " صَحَّ مِنْ آخِرِ السِّفْرِ الْخَامِسِ مِنْ الْمِعْيَارِ. .

وَهْيَ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ فِي الْأَعْرَفِ

عَلَى وِفَاقِ نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ

يَعْنِي أَنَّ الْيَمِينَ الْوَاجِبَةَ بِالشَّرْعِ هِيَ الَّتِي يُحْكَمُ بِهَا عَلَى مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ " وَإِنْ تَعَدَّدَتْ " أَيْ تَنَوَّعَتْ إلَى: يَمِينِ تُهْمَةٍ، وَيَمِينِ قَضَاءٍ، وَيَمِينِ مُنْكِرٍ، وَيَمِينِ كَمَالِ النِّصَابِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ أَيْ: الطَّالِبِ لِلْحَلِفِ، وَهُوَ الْمَحْلُوفُ لَهُ، فَمَنْ طَلَبَ دَيْنَهُ مِنْ غَرِيمِهِ فَحَلَفَ الْغَرِيمُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عِنْدَهُ، وَنَوَى حَاضِرًا مَثَلًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ.

(قَالَ الشَّارِحُ) : " وَعَبَّرَ الشَّيْخُ بِأَعْرَفَ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ ". وَأَمَّا الْيَمِينُ الَّتِي فِي غَيْرِ وَثِيقَةِ حَقٍّ فَإِنْ كَانَتْ بِاَللَّهِ فَهِيَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ اللَّهِ مِنْ طَلَاقٍ، أَوْ عَتَاقٍ فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: قِيلَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ، وَقِيلَ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ، ثَالِثُهَا إنْ تَبَرَّعَ بِهَا فَعَلَى نِيَّتِهِ، وَإِنْ طُلِبَتْ مِنْهُ فَعَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ، هَذَا حَاصِلُ مَا عِنْدَ

ص: 96

ابْنِ الْحَاجِبِ.

(قَالَ الشَّارِحُ مَا حَاصِلُهُ) : إنَّ إطْلَاقَ النَّاظِمِ فِي كَوْنِ الْيَمِينِ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْيَمِينِ الَّتِي تَجْرِي بَيْنَ يَدَيْ الْحُكَّامِ، وَكُلُّهَا عَلَى وَثِيقَةِ حَقٍّ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

وَمَا يَقِلُّ حَيْثُ كَانَ يَحْلِفُ

فِيهِ وَبِاَللَّهِ يَكُونُ الْحَلِفُ

يَعْنِي: أَنَّ الْحَقَّ تَتَوَجَّهُ بِسَبَبِهِ الْيَمِينُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ، فَإِنَّ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَحْلِفُ حَيْثُ كَانَ فِي مَسْجِدٍ، أَوْ سُوقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ يَعْنِي: وَكَيْفَ كَانَ أَيْضًا قَائِمًا أَوْ جَالِسًا مُسْتَقْبِلًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلٍ.

(قَالَ ابْنُ يُونُسَ) قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: " وَيُسْتَحْلَفُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ قَائِمِينَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ فِي الْمَدِينَةِ عِنْدَ مِنْبَرِهِ صلى الله عليه وسلم، وَبِغَيْرِهَا فِي مَسْجِدِهِمْ الْأَعْظَمِ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ مِنْهُ عِنْدَ مِنْبَرِهِمْ، وَتِلْقَاءِ قِبْلَتِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحَقُّ رُبُعَ دِينَارٍ حَلَفُوا جُلُوسًا إنْ أَحَبُّوا، أَوْ يَحْلِفُ الرَّجُلُ فِي أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ فِي مَكَانِهِ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا وَلَا تَخْرُجُ فِي ذَلِكَ. اهـ

وَالشَّاهِدُ قَوْلُهُ " فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحَقُّ رُبْعَ دِينَارٍ " إلَخْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَمَا يَقِلُّ حَيْثُ كَانَ يَحْلِفُ

فِيهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَبِاَللَّهِ يَكُونُ الْحَلِفُ " فَهُوَ بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ، كَانَ الْحَقُّ رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ أَقَلَّ، وَفِي تَقْدِيمِ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي الْبَيْتِ إشَارَةٌ إلَى الْحَصْرِ، وَإِنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ اسْمُ الْجَلَالَةِ لَا بِغَيْرِهِ مِمَّا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ فِي غَيْرِ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ: كَالْقُرْآنِ، وَالْمُصْحَفِ وَأَحْرَى مِمَّا لَا تَنْعَقِدُ بِهِ كَالنَّبِيِّ، وَالْكَعْبَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالْيَمِينُ فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَقَطْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَرَوَى ابْنُ كِنَانَةَ يُزَادُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ، وَفِي الْقَسَامَةِ، وَاللِّعَانِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ.

(التَّوْضِيحُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْمِ الْمُعَظَّمِ وَوَصْفِهِ بِاَلَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ.

(الْمَازِرِيُّ) وَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصُ عِنْدَ جَمِيعِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِاَللَّهِ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ أَشْهَبُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا أَجْزَأَهُ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ (اللَّخْمِيُّ) : الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ الْإِجْزَاءُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَاخْتَارَهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ فِي أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ. اهـ وَاقْتِصَارُ النَّاظِمِ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ كَأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ

ص: 97

اللَّخْمِيِّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ اللَّخْمِيَّ بَحَثَ مَعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: أَثَرُ تَعْلِيلِ اللَّخْمِيِّ إجْزَاؤُهَا بِأَنَّهَا يَمِينٌ تُكَفَّرُ، مَا نَصُّهُ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّهَا يَمِينٌ تُكَفَّرُ أَنْ تُجْزِئَ فِي الْحُقُوقِ لِاخْتِصَاصِ يَمِينِ الْخُصُومَةِ بِالتَّغْلِيظِ. اهـ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاضِحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ. اهـ (فَرْعٌ) مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَوَهَبَهُ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ، فَشَهِدَ لِلْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، فَالْيَمِينُ الَّتِي مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ: لَا أَحْلِفُ وَيَنْتَفِعُ غَيْرِي، قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ. اهـ.

وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ فِي الْيَهُودِ

مُنَزِّلِ التَّوْرَاةِ لِلتَّشْدِيدِ

كَمَا يَزِيدُ فِيهِ لِلتَّثْقِيلِ

عَلَى النَّصَارَى مُنْزِلِ الْإِنْجِيلِ

وَجُمْلَةُ الْكُفَّارِ يَحْلِفُونَ

أَيْمَانَهُمْ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ

يَعْنِي: أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ زَادَ فِي يَمِينِ الْيَهُودِ بَعْدَ قَوْلِهِ: بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مُنَزِّلِ التَّوْرَاةِ عَلَى مُوسَى، وَفِي يَمِينِ النَّصَارَى يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ: بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مُنَزِّلِ الْإِنْجِيلِ عَلَى عِيسَى لِقَصْدِ التَّشْدِيدِ عَلَيْهِمْ وَالتَّخْوِيفِ، وَهُوَ مُرَادُهُ بِالتَّثْقِيلِ وَهَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَالْمَشْهُورُ أَنْ لَا يَزِيدَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَقُولُ: بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَقَطْ، وَيَكُونُ حَلِفُهُمْ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ مِنْ كَنَائِسِهِمْ، وَمَوَاضِعِ تَعْظِيمِهِمْ.

(قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ) قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: رَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: " يَحْلِفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مُنَزِّلِ التَّوْرَاةِ عَلَى مُوسَى، وَالنَّصَارَى بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مُنَزِّلِ الْإِنْجِيلِ عَلَى عِيسَى، قَالَ: وَمِنْ الْكُفَّارِ مَنْ لَا يَحْلِفْ بِمَا يَحْلِفْ بِهِ الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ مَا يُقِرُّ بِهِ أَهْلُ التَّوْحِيدِ، وَيَحْتَجُّ بِأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْ دِينِهِ لِيَمِينٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، فَيُحْتَاطُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولَ مَا لَيْسَ يُخْرِجُهُ عَنْ الشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ، وَلَا يَحْلِفُ بِكُفْرِهِ "، قَالَ مُحَمَّدٌ فِي مَجُوسِيَّةٍ أَسْلَمَ زَوْجُهَا فَلَاعَنَتْ فَقَالَتْ: أَقُولُ وَالنَّارِ وَلَا أَحْلِفُ بِاَللَّهِ، فَقَالَ: لَا تَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ. وَأَرَى يَمِينَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ عَلَى مَا رَوَى الْوَاقِدِيُّ حَسَنًا؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِذَلِكَ حَلَفَ بِحَقٍّ، وَفِيهِ تَغْلِيظٌ، وَزَادَ فِي يَمِينِ الْيَهُودِيِّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ؛ لِأَنَّهُمْ يُوَحِّدُونَ، وَفِي يَمِينِ الْمَجُوسِيِّ بِاَللَّهِ إنْ أَطَاعَ حَسَنٌ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ بِالْحَقِّ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى اسْتِخْرَاجِ الْحَقِّ مِنْهُ، وَيُرْهَبُ بِالْيَمِينِ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعَظِّمُهُ مِنْ دِينِهِ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى اسْتِخْرَاجِ مَا طُلِبَ مِنْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُرْهَبَ عَلَيْهِ بِالْمَوْضِعِ فَيَحْلِفُ فِي بَيْتِ نَارِهِ، وَيَحْلِفُ الْآخَرُونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَلَا بَيْنَ الْيَمِينِ بِمَا يُعَظِّمُونَ. اهـ.

وَاسْتَشْكَلَ الشَّارِحُ هَذَا الْقَوْلَ، (الْمُدَوَّنَةُ) لَا يَحْلِفُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ فِي حَقٍّ أَوْ لِعَانٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا بِاَللَّهِ، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ، أَوْ الْإِنْجِيلَ (ابْنُ مُحْرِزٍ) وَظَاهِرُهَا أَنَّهُمْ لَا يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ (ابْنُ شَبْلُونٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُوَحِّدُونَ وَلَا يُكَلَّفُونَ مَا لَيْسَ مِنْ دِينِهِمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَحْلِفُونَ الْيَمِينَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمْ إيمَانًا، وَنَصَّ عَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو عُلَمَائِنَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ اسْتِحْلَافُ الْمَجُوسِ بِاَللَّهِ وَهُمْ يَنْفُونَ الصَّانِعَ. (عِيَاضٌ) فَرَّقَ غَيْرُ ابْنِ شَبْلُونٍ بَيْنَ الْيَهُودِ فَأَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ بِالتَّوْحِيدِ، وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ (الْمُدَوَّنَةُ) يَحْلِفُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي كَنَائِسِهِمْ وَحَيْثُ يُعَظِّمُونَ، وَيَحْلِفُ الْمَجُوسُ فِي بَيْتِ نَارِهِمْ وَحَيْثُ يُعَظِّمُونَ. اهـ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَقَدْ كَانَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ الْآبِدِيُّ - حَفِظَهُ اللَّهُ - أَيَّامَ اسْتِخْلَافِهِ عَلَى قَضَاءِ الْجَمَاعَةِ بِالْحَضْرَةِ يُغَلِّظُ عَلَى مَنْ فَهِمَ مِنْهُ اللَّدَدَ مِنْ الْيَهُودِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ غَرِيمُهُ ذَلِكَ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي تُسَمِّيهَا الْيَهُودُ

ص: 98

بِالْجَلْجَلَةِ فَيَأْمُرُ بِذَلِكَ، وَكَثِيرٌ مَا كَانُوا يَنْكُلُونَ عَنْ الْيَمِينِ بِهَا وَيُسْتَخْرَجُ الْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ عِنْدَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا كَانَ ظَاهِرَ الْعَزْمِ عَلَى الْيَمِينِ دُونَهَا، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ رَأْيِ اللَّخْمِيِّ الْإِرْهَابُ عَلَيْهِمْ بِمَا يُعَظِّمُونَ بِالْقِيَاسِ عَلَى بَيْتِ نَارِ الْمَجُوسِيِّ. .

وَمَا كَمِثْلِ الدَّمِ وَاللِّعَانِ

فِيهِ تَحَرِّي الْوَقْتِ وَالْمَكَانِ

يَعْنِي أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَيْمَانِ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ كَمِثْلِ: الدِّمَاءِ، وَاللِّعَانِ، وَالْمَالِ الْعَظِيمِ فَإِنَّهُ تُغَلَّظُ فِيهِ الْيَمِينُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ مَعًا، فَيُزَادُ فِي التَّغْلِيظِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى مَا بَلَغَ رُبْعَ دِينَارٍ اعْتِبَارُ الزَّمَانِ أَيْضًا، (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) عَنْ الْبَاجِيِّ: وَقَدْ يُغَلَّظُ بِالزَّمَانِ، رَوَى ابْنُ كِنَانَةَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: يَتَحَرَّى فِي أَيْمَانِهِمْ فِي الْمَالِ الْعَظِيمِ، وَالدِّمَاءِ، وَاللِّعَانِ وَقْتًا يَحْضُرُهُ النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَيَجْتَمِعُونَ لِلصَّلَاةِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ مَالٍ وَحَقٍّ فِي كُلِّ حِينٍ. اهـ وَالْمَقْصُودُ فِي الْبَيْتِ التَّغْلِيظُ بِالزَّمَانِ، وَأَمَّا بِالْمَكَانِ فَلَيْسَ إلَّا الْجَامِعُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

وَهِيَ يَمِينُ تُهْمَةٍ أَوْ الْقَضَا

أَوْ مُنْكِرٍ أَوْ مَعَ شَاهِدٍ رِضَا

يَعْنِي أَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: (الْأَوَّلُ) يَمِينُ التُّهْمَةِ وَهِيَ اللَّازِمَةُ فِي الدَّعْوَى غَيْرِ الْمُحَقَّقَةِ، وَفِي تَوَجُّهِهَا خِلَافٌ يَأْتِي.

(الثَّانِي) يَمِينُ الْقَضَاءِ اسْتَحْسَنَهَا الْفُقَهَاءُ احْتِيَاطًا عَلَى حِفْظِ مَالِ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ إمَّا فِي الْحَالِ كَالْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ، أَوْ فِي الْمَآلِ كَالْمَيِّتِ، فَهِيَ لِرَدِّ دَعْوَى مُقَدَّرَةٍ لَا حَاصِلَةٍ أَيْ: فِي مُقَابَلَةِ فَرْضِ دَعْوَى الْغَرِيمِ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْحَقِّ، وَكَذَلِكَ يَمِينُ الِاسْتِحْقَاقِ الْوَاجِبَةُ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ، فَإِنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ فَرْضِ دَعْوَى صَيْرُورَةِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ هِبَةً، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْمُسْتَحِقِّ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ، قَالَ الشَّارِحُ: أَوَّلَ فَصْلِ أَنْوَاعِ الشَّهَادَةِ.

(الثَّالِثُ) : يَمِينُ الْمُنْكِرِ الَّتِي فِي مُقَابَلَةِ دَعْوَى الْمُدَّعِي مُحَقِّقًا لِدَعْوَاهُ.

(الرَّابِعُ) : يَمِينُ الْقَائِمِ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ فِي حَقٍّ مَالِيٍّ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَفَائِدَةُ تَعْدَادِ هَذِهِ الْأَيْمَانِ أَنْ يُمَيِّزَ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الْأَحْكَامِ مِثْلُ: كَوْنِهَا تُقْلَبُ أَوْ لَا، أَوْ تَجِبُ أَوْ سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْعَوَارِضِ اللَّاحِقَةِ لَهَا حَسْبَمَا يَتَّضِحُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ -. وَالْأَصْلُ فِي يَمِينِ التُّهْمَةِ، وَيَمِينِ الْقَضَاءِ عِنْدَهُمْ الِاسْتِحْسَانُ حَسْبَمَا يَأْتِي لِابْنِ رُشْدٍ وَلِغَيْرِهِ فِيهِمَا، وَمِنْ

ص: 99

أُصُولِ الْفُتْيَا لِابْنِ حَارِثٍ كُلُّ مَنْ قُضِيَ لَهُ عَلَى غَائِبٍ، أَوْ مَيِّتٍ أَوْ طِفْلٍ يَحْلِفُ لَمْ يَقْتَضِ، وَلَمْ يَضَعْ وَلَمْ يَحِلَّ وَهَذِهِ الْيَمِينُ تُسَمَّى يَمِينَ الْقَضَاءِ، وَالْأَصْلُ فِي يَمِينِ الْمُنْكِرِ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَالْأَصْلُ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي بِالْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» .

وَتُهْمَةٌ إنْ قَوِيَتْ بِهَا تَجِبْ

يَمِينُ مَتْهُومٍ وَلَيْسَ تَنْقَلِبْ

لَمَّا ذَكَرَ أَقْسَامَ الْيَمِينِ مُجْمَلَةً أَرَادَ الْآنَ ذِكْرَهَا مُفَصَّلَةً يَذْكُرُ أَحْكَامَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، فَأَخْبَرَ أَنَّ يَمِينَ التُّهْمَةِ تَجِبُ إنْ قَوِيَتْ التُّهْمَةُ، وَلَا تَجِبُ مَعَ ضَعْفِهَا، وَإِذَا وَجَبَتْ فَلَا تَنْقَلِبُ عَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يُحَقِّقْ الدَّعْوَى عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَا يُكَلَّفُ بِالْحَلِفِ عَلَى مَا لَمْ يَتَحَقَّقْهُ (فَقَدْ) سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ يَمِينِ التُّهْمَةِ فَقَالَ: أَمَّا يَمِينُ التُّهْمَةِ وَهِيَ الدَّعْوَى الَّتِي لَمْ تُحَقَّقْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي لُحُوقِهَا ابْتِدَاءً وَاخْتُلِفَ إذَا لَحِقَتْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَلْحَقُ هَلْ تَرْجِعُ، أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ فِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا تَجِبَ الْيَمِينُ إلَّا بِتَحْقِيقِ الدَّعْوَى لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَإِيجَابُهَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْأَظْهَرُ إذَا وَجَبَتْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَجِبُ أَنْ يَحِقَّ الْحَقُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ دُونَ أَنْ تَرْجِعَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، إذْ لَا يُكَلَّفُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا لَا يَعْرِفُ، وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ فِي هَذَا أَنْ تَلْحَقَ يَمِينُ التُّهْمَةِ إذَا قَوِيَتْ، وَتَسْقُطُ إذَا ضَعُفَتْ وَلَا تَرْجِعُ إذَا لَحِقَتْ.

(قَالَ الشَّارِحُ) : مُعْتَمَدُ الشَّيْخِ رحمه الله فِي هَذَا الْبَيْتِ هُوَ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي يَمِينِ التُّهْمَةِ. .

وَلِلَّتِي بِهَا الْقَضَا وُجُوبُ

فِي حَقِّ مَنْ يُعْدَمُ أَوْ يَغِيبُ

وَلَا تُعَادُ هَذِهِ الْيَمِينُ

بَعْدُ وَإِنْ مَرَّ عَلَيْهَا حِينُ

اشْتَمَلَ الْبَيْتُ الْأَوَّلُ عَلَى مَسْأَلَةٍ وَهِيَ: بَيَانُ بَعْضِ مَنْ تَجِبُ فِي حَقِّهِ يَمِينُ الْقَضَاءِ، وَالثَّانِي عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ: إذَا حَلَفَ يَمِينَ الْقَضَاءِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ تَأَخَّرَ اقْتِضَاؤُهُ لِلدَّيْنِ فَهَلْ تُعَادُ أَمْ لَا فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ (الْأُولَى) فَاعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ أَوْجَبُوا يَمِينَ الْقَضَاءِ عَلَى طَالِبِ مَنْ مَاتَ وَهُوَ مُرَادُهُ بِمَنْ يُعْدَمُ أَوْ غَابَ احْتِيَاطًا عَلَى أَمْوَالِ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ لِكَوْنِهِمَا فِي الْحَالِ لَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا لِامْتِنَاعِ ذَلِكَ مِنْهُمَا، إمَّا مُطْلَقًا كَالْمَيِّتِ، أَوْ مَعَ إمْكَانِ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْغَائِبِ وَشِبْهِهِ فَقَدَّرَ الْفُقَهَاءُ عَلَى فَرْضِ حُضُورِهِمَا أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ قَضَى غَرِيمَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ، فَإِنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ الطَّالِبِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا.

(وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَهِيَ إذَا حَلَفَ هَذِهِ الْيَمِينَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ ثَانِيَةً، وَلَا يُطَالَبُ بِإِعَادَتِهَا، وَإِنْ مَرَّ عَلَى ذَلِكَ حِينٌ وَزَمَانٌ مَا لَمْ يَحْدُثْ مَا يُوجِبُهَا مِنْ اعْتِرَاضِ الشَّكِّ فِي بَاقِي الْحَقِّ مِثْلَ: مَا عُرِضَ أَوَّلًا فَإِنَّهَا تَجِبُ ثَانِيًا، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِعَوْدَةِ الْغَائِبِ مِنْ مَغِيبِهِ، وَإِقَامَتِهِ مُدَّةً بَعْدَ حَلِفِ طَالِبِهِ مَعَهُ فِي مَوْضِعِ الْحُكْمِ، ثُمَّ تَعْرِضُ لَهُ غَيْبَةٌ ثَانِيَةٌ فَإِنَّ يَمِينَ الْقَضَاءِ

ص: 100

تَجِبُ هُنَا؛ لِتَجَدُّدِ مَا يُوجِبُهَا مِنْ الشَّكِّ فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ.

(قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : وَشَرْطُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ بِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ - يَمِينُهُ عَلَى بَقَاءِ دَيْنِهِ إلَى حِينِ الْحُكْمِ لَهُ بِذَلِكَ.

(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ) : هَذِهِ الْيَمِينُ لَا نَصَّ عَلَى وُجُوبِهَا لِعَدَمِ الدَّعْوَى بِمَا يُوجِبُهَا إلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ رَأَوْهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْسَانِ احْتِيَاطًا لِلْغَائِبِ وَحِفْظًا عَلَى مَالِهِ لِلشَّكِّ فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ أَوْ سُقُوطِهِ عَنْهُ.

(وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) يَحْلِفُ بِحَيْثُ يَجِبُ الْحَلِفُ قَائِمًا، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، مَا قَبَضْت مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي ثَبَتَ لِي عَلَيْهِ عِنْدَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ صَاحِبِ أَحْكَامِ كَذَا، وَلَا قَبَضْت عَنْهُ شَيْئًا، وَلَا اسْتَحَلْت عَلَى أَحَدٍ، وَلَا أَحَلْت بِهِ أَحَدًا، وَلَا وَهَبْتُهُ لَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، وَلَا قَدَّمْت أَحَدًا يَقْتَضِيهِ مِنْهُ وَإِنَّهُ لِبَاقٍ عَلَيْهِ إلَى يَمِينِي هَذِهِ.

(وَأَمَّا) الْمَيِّتُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ مَا دَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِصِفَتِهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ بِالدُّيُونِ إلَّا بَعْدَ اسْتِحْلَافِ الطَّالِبِ لَهُمْ؛ لِكَوْنِ الْمَيِّتِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَدَّعِيَ قَضَاءَ الدَّيْنِ، وَكَذَا الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ مَا دَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصِفَتِهِ صَحَّ مِنْ الشَّارِحِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ الطَّالِبُ هَذِهِ الْيَمِينَ وَتَأَخَّرَ اقْتِضَاؤُهُ مُدَّةً طَوِيلَةً لِجَمِيعِ مَالِ الْغَائِبِ، وَبَيْعِ عَقَارِهِ لِاحْتِمَالِ سُقُوطِ الدَّيْنِ فَتُعَادُ الْيَمِينُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَدِينُ حَاضِرًا وَادَّعَى ذَلِكَ عَلَى الطَّالِبِ فَأَحْلَفَهُ ثُمَّ تَأَخَّرَ تَنْفِيذُ الْقَضَاءِ لِطُولِ بَيْعِ رَبْعِهِ، ثُمَّ ادَّعَى الطَّالِبُ مِثْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ ثَانِيًا إلَى أَنْ قَالَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا تُعَادُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا كَانَ حَاضِرًا فَادَّعَى أَنَّهُ قَضَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ وَهَبَهُ إيَّاهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ بِنَصِّ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» بِخِلَافِ الْيَمِينِ لِلْغَائِبِ فَلَا نَصَّ عَلَى وُجُوبِهَا. اهـ.

وَإِلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إنَّهُ لَوْ حَلَفَ الطَّالِبُ هَذِهِ الْيَمِينَ إلَخْ، أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:

وَلَا تُعَادُ هَذِهِ الْيَمِينُ

الْبَيْتَ ثُمَّ نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مَا نَصُّهُ " وَلَوْ تَأَخَّرَ الْقَضَاءُ بَعْدَ يَمِينِهِ إلَى أَنْ جَاءَ الْغَائِبُ فَأَقَامَ مَعَهُ مُدَّةً، ثُمَّ غَابَ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْضَى حَقُّهُ حَتَّى يَحْلِفَ ثَانِيَةً؛ لِأَنَّ الشَّكَّ هُنَا حَاصِلٌ كَمَا كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَالدَّيْنُ الْمُنَجَّمُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى كُلِّ نَجْمٍ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ الْغَائِبُ فِي خِلَالِهِ، أَوْ تَبْعُدُ النُّجُومُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنَّهُ يُعَدُّ قَبْضُهُ النَّجْمَ الْأَوَّلَ مَضَى فَاقْتَضَى النَّجْمَ الثَّانِيَ، أَوْ وَكَّلَ مَنْ اقْتَضَاهُ وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ حَلِفِهِ ثَانِيَةً إذَا حَلَفَ مَعَ شَاهِدٍ لَهُ بِحَقٍّ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَاتٍ، وَقَالَ السَّائِلُ لَهُ عِيَاضٌ (قَالَ ابْنُ عَاتٍ) : وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ قَبْلَ بَيْعِ رَبْعِ الْغَائِبِ، (قَالَ الشَّارِحُ) : وَقَدْ كُنْت نَظَرْت فِي مَسْأَلَةِ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ بِالظَّنِّ وَهِيَ يَمِينُ التُّهْمَةِ، وَمَسْأَلَةِ تَوَجُّهِ يَمِينِ الْقَضَاءِ نَظَرًا اقْتَضَى أَنْ قَيَّدْتُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا نَصُّهُ اُنْظُرْهُ فِيهِ إنْ شِئْت، وَلَوْ أَرَادَ النَّاظِمُ التَّنْبِيهَ عَلَى مَسْأَلَةِ ابْنِ رُشْدٍ: وَلَوْ تَأَخَّرَ الْقَضَاءُ بَعْدَ يَمِينِهِ إلَى أَنْ جَاءَ الْغَائِبُ إلَخْ، لَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا تُعَادُ هَذِهِ الْيَمِينُ " الْبَيْتَ فَقَالَ مَثَلًا:

إلَّا إذَا مَا حَدَثَ الشَّكُّ الَّذِي

أَوْجَبَهَا مِنْ أَوَّلَ فَلْتَحْتَذِي

وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ وَلَا تُعَادُ إلَخْ. .

وَلِلْيَمِينِ أَيُّمَا إعْمَالِ

فِيمَا يَكُونُ مِنْ دَعَاوَى الْمَالِ

إلَّا بِمَا عُدَّ مِنْ التَّبَرُّعِ

مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ عِنْدَ الْمُدَّعِي

وَفِي الْإِقَامَةِ ابْنُ عَتَّابٍ يَرَى

وُجُوبَهَا لِشُبْهَةٍ مُعْتَبَرَا

وَهَذِهِ الْيَمِينُ حَيْثُ تُوجَبُ

يَسُوغُ قَلْبُهَا وَمَا إنْ تُقْلَبُ

هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الْيَمِينِ وَهِيَ يَمِينُ الْمُنْكِرِ، فَأَخْبَرَ أَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ لَهَا عَمَلٌ، وَأَثَرٌ فِي دَعَاوَى الْمَالِ مِمَّا يَقْتَضِي عِمَارَةَ ذِمَّةٍ بَرِيَّةٍ، أَوْ بَرَاءَةَ ذِمَّةٍ مَعْمُورَةٍ فَتَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمَطْلُوبِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى الطَّالِبِ فِي الثَّانِي وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ دَعْوَى الْمَالِ دَعْوَى التَّبَرُّعِ، وَأَنَّهَا لَا تُوجِبُ يَمِينًا وَذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ الْإِنْسَانُ عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ وَهَبَهُ شَيْئًا، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ مَالِكُ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ

ص: 101

وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:

إلَّا بِمَا عُدَّ مِنْ التَّبَرُّعِ

فَهُوَ مُخْرَجٌ مِنْ قَوْلِهِ:

وَلِلْيَمِينِ أَيُّمَا إعْمَالِ

الْبَيْتَ وَاحْتُرِزَ بِالتَّبَرُّعِ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ، فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْيَمِينَ، ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْ دَعْوَى التَّبَرُّعِ الَّتِي تُوجِبُ الْيَمِينَ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمُدَّعَى هِبَتُهُ، أَوْ صَدَقَتُهُ تَحْتَ يَدِ الْمُدَّعِي فِي وَقْتِ الدَّعْوَى فَإِنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى مَالِكِهِ أَنَّهُ مَا وَهَبَهُ، وَلَا تَصَدَّقَ بِهِ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:

مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ عِنْدَ الْمُدَّعِي

فَاسْمُ يَكُنْ يَعُودُ عَلَى الشَّيْءِ الْمُدَّعَى هِبَتُهُ، أَوْ صَدَقَتُهُ فِي الْحَالِ أَيْ حَالِ الدَّعْوَى، وَالْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِزَعْمِهِ، وَلَمَّا دَخَلَ فِي دَعْوَى التَّبَرُّعِ الَّتِي لَا تُوجِبُ الْيَمِينَ دَعْوَى الْإِقَالَةِ.

وَكَانَ ابْنُ عَتَّابٍ يَرَى وُجُوبَ الْيَمِينِ فِيهَا لِشُبْهَةِ مَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " وَفِي الْإِقَالَةِ " الْبَيْتَ، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ أَيْ: يَمِينَ الْإِنْكَارِ حَيْثُ تَتَوَجَّهُ يَجُوزُ قَلْبُهَا تَارَةً وَذَلِكَ حَيْثُ تَكُونُ الدَّعْوَى مُحَقَّقَةً، وَتَارَةً لَا يَجُوزُ قَلْبُهَا وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُحَقَّقَةٍ، وَتُوجَبُ بِفَتْحِ الْجِيمِ مُضَارِعُ أَوْجَبَ مَبْنِيٌّ لِلنَّائِبِ وَإِنْ بَعْدَ مَا زَائِدَةٌ (ابْنُ عَرَفَةَ) الْبَاجِيُّ فِي تَرْجَمَةِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْعَطِيَّةِ مَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ هِبَةً مُعَيَّنَةً، ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ) عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَأَخَذَهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ كَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَدَّعِي عَلَى رَبِّهِ أَنَّهُ وَهَبَهُ لَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْسِمَ قَسْمَةً أُخْرَى، إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بِغَيْرِ يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَلَا يَمِينَ عَلَى الْوَاهِبِ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَيُصَحِّحُ هَذَا التَّقْسِيمَ أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ عَرَضًا بِيَدِ رَجُلٍ، لَمْ يُحْكَمْ لَهُ حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ.

(قَالَ الشَّارِحُ) : أَقُولُ مُعْتَمَدُ الشَّيْخِ رحمه الله اسْتِثْنَاءُ التَّبَرُّعِ مِنْ الدَّعَاوَى الْمَالِيَّةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِيَدِ الْمُدَّعِي، هُوَ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ رحمه الله أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقْسِمَ قَسْمَةً أُخْرَى، وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ دَعْوَى الْإِقَالَةِ وَنَحْوِهَا فَقَالَ: مَا هِيَ مِنْ دَعْوَى الْمَعْرُوفِ وَكَانَ بَيْنَ شُيُوخِنَا اخْتِلَافٌ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا أَنَّ الشَّيْءَ الْمُدَّعَى فِيهِ إنْ كَانَ بِيَدِ الْمُدَّعِي أَوْ كَانَ لَهُ بِهِ تَشَبُّثٌ وَجَبَتْ لَهُ الْيَمِينُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ، وَلَا لَهُ بِهِ تَشَبُّثٌ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْيَمِينُ، وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ لَهُ وَجْهٌ مِنْ النَّظَرِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَتَّابٍ رحمه الله يَقُولُ: لَا تَجِبُ الْيَمِينُ لِمُدَّعِي الْإِقَالَةَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهَا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشُبْهَةٍ تُقَوَّى بِهَا دَعْوَاهُ، وَكَذَلِكَ كَانَ صَاحِبُهُ ابْنُ الْقَطَّانِ يُفْتِي أَنْ لَا يَمِينَ فِي ذَلِكَ إلَّا بِشُبْهَةٍ. اهـ بِاخْتِصَارٍ وَإِلَى قَوْلِ ابْنِ عَتَّابٍ وَابْنِ الْقَطَّانِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشُبْهَةٍ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ:" لِشُبْهَةٍ مُعْتَبِرَا ". .

وَمُثْبِتٌ لِنَفْسِهِ وَمَنْ نَفَى

عَنْهَا عَلَى الْبَتَاتِ يُبْدِي الْحَلِفَا

وَمُثْبِتٌ لِغَيْرِهِ ذَاكَ اكْتَفَى

وَإِنْ نَفَى فَالنَّفْيُ لِلْعِلْمِ كَفَى

يَعْنِي أَنَّ الْحَالِفَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْلِفَ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ عَنْ غَيْرِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُثْبِتَ بِيَمِينِهِ شَيْئًا أَوْ يَنْفِيَهُ، فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ: فَإِنْ حَلَفَ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ سَوَاءٌ أَثْبَتَ كَمَا إذَا قَامَ لَهُ شَاهِدٌ بِحَقٍّ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدٍ وَيَسْتَحِقُّ وَيَكُونُ حَلِفُهُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ نَفَى كَمَا إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ، أَوْ مَيِّتٍ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ حَتَّى يَحْلِفَ يَمِينَ الْقَضَاءِ أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ حَلَفَ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنْ أَثْبَتَ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ أَيْضًا كَمَنْ قَامَ لَهُ شَاهِدٌ بِدَيْنٍ لِأَبِيهِ الْمَيِّتِ فَيَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى الْبَتِّ، أَنَّ لِأَبِيهِ قِبَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ الدَّيْنُ، وَإِنْ نَفَى فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ

ص: 102

بِحَيْثُ يَجْزِمُ بِنَفْيِ مَا نَفَى وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، كَمَا إذَا كَانَ لِأَبِيهِ الْمَيِّتِ دَيْنٌ عَلَى مَيِّتٍ، أَوْ غَائِبٍ فَيَحْلِفُ يَمِينَ الْقَضَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ اقْتَضَى ذَلِكَ الدَّيْنَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، فَيَمِينُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتِّ.

(قَالَ الشَّارِحُ) : وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ لِابْنِ يُونُسَ مَا نَصُّهُ قَالَ مَالِكٌ: يَحْلِفُ فِي دَيْنٍ لِأَبِيهِ الْمَيِّتِ عَلَى الْبَتِّ، وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى عِلْمِهِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ أَبَاهُ أَنَّهُ قَبَضَ ذَلِكَ الدَّيْنَ، (قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ) : وَيَحْلِفُ الْكِبَارُ مَعَ شَاهِدِ وَالِدِهِمْ عَلَى الْبَتِّ فِي الدَّيْنِ، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا قَبَضَهُ قَابِضٌ فَتَصِيرُ أَوَّلُ الْيَمِينَيْنِ عَلَى الْبَتِّ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْعِلْمِ، (وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ) ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الَّذِي يَأْتِي بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فِي حَقٍّ لِأَبِيهِ كَيْفَ يَحْلِفُ؟ أَعَلَى الْبَتِّ أَوْ عَلَى الْعِلْمِ؟ قَالَ عَلَى الْبَتَاتِ أَنَّهُ حَقٌّ وَلَكِنْ إنْ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ أُحْلِفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ أَبَاهُ اقْتَضَاهُ وَيَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى الْحَقِّ بِالْبَتَاتِ، وَمَعَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْعِلْمِ (قَالَ الشَّارِحُ) : مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ: أَحَدُهُمَا عَلَى الْبَتِّ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، وَثَانِيهمَا عَلَى الْعِلْمِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَعَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، أَوْ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ لِابْنِ كِنَانَةَ اهـ وَنَقَلَ قَبْلَ هَذَا مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّغِيرَ إذَا شَهِدَ لَهُ عَدْلٌ وَاحِدٌ بِحَقِّهِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ يَحْلِفُ وَيَبْقَى الشَّيْءُ بِيَدِهِ وَيُسَجَّلُ لَهُ بِذَلِكَ سِجِلًّا لِيَحْلِفَ إذَا بَلَغَ، ثُمَّ قَالَ قِيلَ: وَكَيْفَ يَحْلِفُ الصَّبِيُّ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُ؟ قَالَ: لَا يَحْلِفُ حَتَّى يَعْلَمَ بِالْخَبَرِ الَّذِي يَتَيَقَّنُ بِهِ، فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِذَلِكَ وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ لَحَقٌّ. اهـ قَوْلُهُ:" وَمُثْبِتٌ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: حَالِفٌ مُثْبِتٌ وَذَلِكَ إشَارَةٌ لِلْبَتَاتِ وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ نَفَى " أَيْ: عَنْ غَيْرِهِ. .

وَالْبَالِغُ السَّفِيهُ بَانَ حَقُّهُ

يَحْلِفُ مَعَ عَدْلٍ وَيَسْتَحِقُّهُ

هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَقْسَامِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ لِكَمَالِ النِّصَابِ، يَعْنِي أَنَّ السَّفِيهَ الْبَالِغَ إذَا بَانَ حَقُّهُ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ.

(قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ) قَالَ: سَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ فِي الَّذِي يَأْتِي بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَلَى حَقِّهِ وَهُوَ كَبِيرٌ سَفِيهٌ مُوَلًّى عَلَيْهِ قَدْ احْتَلَمَ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا، وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ الصَّبِيِّ هَهُنَا فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ حَلَفَ الْآخَرُ وَبَرِئَ وَلَمْ يَسْتَأْنِ بِهِ كَمَا يَسْتَأْنِي بِالصَّغِيرِ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ كُلَّهُ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ نَكَلَ السَّفِيهُ عَنْ الْيَمِينِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَحْلِفُ فِيهِ مَعَهُ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَبَرِئَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّفِيهِ إذًا رُشْدٌ أَنْ يَحْلِفَ كَالْكَبِيرِ الْمَالِكِ أَمْرَ نَفْسِهِ اهـ.

وَتُرْجَأُ الْيَمِينُ حُقَّتْ لِلْقَضَا

لِغَيْرِ بَالِغٍ وَحَقَّهُ اقْتَضَى

يَعْنِي أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إذَا كَانَ لَهُ حَقٌّ عَلَى مَيِّتٍ، أَوْ غَائِبٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ لَا يُقْتَضَى مِنْهُ إلَّا بَعْدَ يَمِينِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي حَقَّهُ الْوَاجِبَ لَهُ الْآنَ، وَتُرْجَى الْيَمِينُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ إلَى بُلُوغِهِ فَإِنْ حَلَفَ بَقِيَ حَقُّهُ بِيَدِهِ وَتَمَّ لَهُ الْحُكْمُ بِهِ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا رُدَّ الْحَقُّ إلَى مَنْ أُخِذَ مِنْهُ، (وَقَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَمَعْنَى تُرْجَأُ تُؤَخَّرُ وَحَقَّهُ مَفْعُولُ اقْتَضَى.

تَحْصِيلٌ: اعْلَمْ أَنَّ أَقْسَامَ الْيَمِينِ أَرْبَعَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَلَّذِي تَتَوَجَّهُ

ص: 103

عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ: إمَّا رَشِيدٌ، أَوْ سَفِيهٌ بَالِغٌ، أَوْ صَغِيرٌ، فَالْأَقْسَامُ اثْنَا عَشَرَ مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةِ عِدَّةِ أَقْسَامِ الْيَمِينِ فِي ثَلَاثَةِ مَنْ تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ فَالرَّشِيدُ يَحْلِفُ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ، وَالصَّبِيُّ لَا يَحْلِفُ الْآنَ وَاحِدًا مِنْهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا يَمِينُ الْإِنْكَارِ، وَالتُّهْمَةِ فَلَا إشْكَالَ، وَأَمَّا يَمِينُ الْقَضَاءِ فَذَكَرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ أَنَّهَا تُؤَخَّرُ إلَى بُلُوغِهِ، وَأَمَّا يَمِينُ كَمَالِ النِّصَابِ فَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ بَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ حُكْمُ مَا إذَا شَهِدَ لَهُ عَدْلٌ وَاحِدٌ، وَأَمَّا السَّفِيهُ الْبَالِغُ فَيَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ، كَمَا ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ هَذَا، وَفِي حَلِفِهِ الْآنَ يَمِينُ الْقَضَاءِ، وَتَأْخِيرُهَا لِخُرُوجِهِ مِنْ الْوِلَايَةِ قَوْلَانِ:(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : فِي الْمَرْأَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهَا تَقُومُ بِكَالِئِهَا، الْمَشْهُورُ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَحْلِفُ وَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ أَنَّهَا تُرْجَى عَلَيْهَا الْيَمِينُ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ الْوِلَايَةِ، لَا يَحْلِفُ يَمِينَ الْإِنْكَارِ، لَا يَمِينَ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَتَوَجَّهُ فِي الدَّعْوَى الَّتِي لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَا انْتَفَعَ الْمُدَّعِي وَهَذِهِ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا فَلَا تُوجِبُ يَمِينًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

وَحَيْثُ عَدْلٌ لِلصَّغِيرِ شَهِدَا

بِحَقِّهِ وَخَصْمُهُ قَدْ جَحَدَا

يَحْلِفُ مُنْكِرٌ وَحَقٌّ وَقَفَا

إلَى مَصِيرِ خَصْمِهِ مُكَلَّفَا

وَحَيْثُ يُبْدِي الْمُنْكِرُ النُّكُولَا

بَلَغَ مَحْجُورٌ بِهِ الْمَأْمُولَا

يَعْنِي أَنَّ الصَّغِيرَ إذَا قَامَ لَهُ شَاهِدٌ بِحَقٍّ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ فَإِنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يَحْلِفُ أَنْ لَا حَقَّ لِلصَّغِيرِ عِنْدَهُ، فَإِنْ نَكَلَ اقْتَضَى الصَّغِيرُ حَقَّهُ فِي الْحَالِ دُونَ يَمِينٍ، وَلَا يَحْلِفُ إذَا كَبِرَ، وَإِنْ حَلَفَ بَقِيَ الشَّيْءُ بِيَدِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الصَّغِيرُ، وَيَكْتُبَ الْقَاضِي لَهُ بِذَلِكَ عَقْدًا بِمَا صَحَّ عِنْدَهُ مِنْ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، فَإِنْ بَلَغَ وَحَلَفَ أَخَذَ شَيْأَهُ، وَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ.

(قَالَ ابْنُ يُونُسَ) : وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَإِذَا قَامَ لِلْمَيِّتِ شَاهِدٌ بِدَيْنٍ وَوَارِثُهُ صَغِيرٌ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ، فَإِنْ حَلَفَ تُرِكَ حَتَّى يَكْبُرَ الصَّبِيُّ فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ، وَإِنْ نَكَلَ أَيْ: بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَحْلِفْ الْمَطْلُوبُ ثَانِيَةً، وَإِنْ نَكَلَ الْمَطْلُوبُ، أَوْ لَا غُرِّمَ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي بِذَلِكَ قَضِيَّتَهُ وَيُشْهِدُ عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ؛ لِيُنَفِّذَهُ مِنْ بَعْدِهِ إنْ مَاتَ الشَّاهِدُ، وَإِنْ شَارَكَهُ وَارِثٌ كَبِيرٌ حَلَفَ الْكَبِيرُ وَاسْتَحَقَّ قَدْرَ حِصَّتِهِ، وَأُحْلِفَ الْمَطْلُوبُ فَإِنْ نَكَلَ عُجِّلَ حَقُّ الطِّفْلِ إنْ كَانَ حَالًا، ثُمَّ لَا يَمِينَ عَلَى الصَّغِيرِ بَعْدَ كِبَرِهِ كَحُكْمٍ نَفَذَ، ثُمَّ نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ خِلَافًا فِي تَوْقِيفِ الْحَقِّ فَقَالَ: فَعَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ هَذَا لَا يَجِبُ تَوْقِيفُ الدَّيْنِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ إذَا حَلَفَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أُخِذَ

ص: 104

مِنْهُ الدَّيْنُ فَيُوقَفُ حَتَّى يَكْبَرَ الصَّغِيرُ فَيَحْلِفُ، وَيَأْخُذُهُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا وَخِيفَ الْعُدْمُ، وَهُوَ فِي الْقِيَاسِ صَحِيحٌ إذًا، وَكَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ لَوَجَبَ تَوْقِيفُهُ، أَوْ بَيْعُهُ وَتَوْقِيفُ ثَمَنِهِ إنْ خُشِيَ عَلَيْهِ عَلَى مَا يَأْتِي لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ إذَا وُقِفَ الدَّيْنُ، أَوْ الْعَرَضُ فَضَمَانُهُ مِنْ الصَّبِيِّ إنْ حَلَفَ وَمِنْ الْغَرِيمِ إنْ نَكَلَ وَلَمْ يَحْلِفْ.

(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : لَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ إذَا نَكَلَ يُغَرَّمُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ إذَا بَلَغَ أَنْ يَحْلِفَ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ كَالْإِقْرَارِ.

(فَرْعٌ) وَكَذَلِكَ وَكِيلُ الْغَائِبِ يُقِيمُ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى حَقِّ الْغَائِبِ فَيُقْضَى عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ بِالْيَمِينِ إلَى أَنْ يَقْدَمَ الْغَائِبُ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ غُرِّمَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْغَائِبِ إذَا قَدِمَ أَنْ يَحْلِفَ. اهـ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاظِمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ مِنْ عَدَمِ التَّوْقِيفِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ:" وَحَقٌّ وُقِفَا " أَيْ: بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَظَاهِرُهُ كَانَ دَيْنًا، أَوْ شَيْئًا مُعَيَّنًا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَنِيًّا، أَوْ فَقِيرًا وَبِهِ صَرَّحَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَحَلَفَ مَطْلُوبٌ لِيُتْرَكَ بِيَدِهِ وَيُسَجَّلَ لِيَحْلِفَ إذَا بَلَغَ. (فَرْعٌ) فِي الْعُتْبِيَّةِ يُشْبِهُ مَا تَقَدَّمَ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَيِّتِ يَثْبُتُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَجِدُ وَصِيُّهُ شَاهِدًا بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ، وَالْوَرَثَةُ صِغَارٌ فَيَحْلِفُ الطَّالِبُ أَنَّهُ مَا قَبَضَ، فَإِنْ حَلَفَ دُفِعَ إلَيْهِ الْمَالُ الْآنَ فَإِذَا كَبِرَ الصِّغَارُ حَلَفُوا وَاسْتَرْجَعُوا الْمَالَ. .

ص: 105