المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الضمان وما يتعلق به] - شرح ميارة = الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام - جـ ١

[ميارة]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رَفْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَقَالِ وَالْجَوَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْآجَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِعْذَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِطَابِ الْقُضَاةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ]

- ‌[بَابُ الشُّهُودِ وَأَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهُ غَالِبًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ لَا عَلَى الطَّالِبِ بَلْ عَلَى الْمَطْلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي لَا عَمَلَ لَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ وَلِلْأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ]

- ‌[بَابُ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَوْلِيَاءِ وَمَا يَتَرَتَّبُ فِي الْوِلَايَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ لَهُ الْإِجْبَارُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ فَاسِدِ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَبْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُهْدِيهِ الزَّوْجُ ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الشُّوَارِ الْمُورَدِ بَيْتَ الْبِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إثْبَاتِ الضَّرَرِ وَالْقِيَامِ بِهِ وَبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّضَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عُيُوبِ الزَّوْجَيْنِ وَمَا يُرَدَّانِ بِهِ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ الْخُلْع]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ لِلزَّوْجِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّجْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَسْخِ]

- ‌[بَابُ النَّفَقَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي النَّفَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ لِلْمُطَلَّقَاتِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ النَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمَفْقُودِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ وَمَا شَاكَلَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ مِنْ الثِّيَابِ وَسَائِرِ السِّلَعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ النَّقْدَيْنِ وَالْحُلِيِّ وَشِبْهِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَائِحَةِ فِي الثِّمَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ]

- ‌[فَصْلٌ كِلَابَ الْمَاشِيَةِ يَجُوزُ بَيْعُهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ وَالْمُقَاصَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ وَالثُّنْيَا]

الفصل: ‌[باب الضمان وما يتعلق به]

وَالْقَوْلُ حَيْثُ يَدَّعِي مَنْ ارْتَهَنْ

حُلُولَ وَقْتِ الرَّهْنِ قَوْلُ مَنْ رَهَنْ

وَفِي كَثَوْبٍ خَلَقٍ وَيَدَّعِي

جِدَّتَهُ الرَّاهِنُ عَكْسَ ذَا وُعِيَ

إلَّا إذَا خَرَجَ عَمَّا يُشْبِهُ

فِي ذَا وَذَا وَالْعَكْسُ لَا يُشْتَبَهُ

اشْتَمَلَ الْبَيْتَانِ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: (الْأُولَى) إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَرَاهِنَانِ فِي حُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ فِيهِ فَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ حُلُولَ أَجَلِهِ وَادَّعَى الرَّاهِنُ عَدَمَ الْحُلُولِ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الرَّاهِنِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ إلَّا إذَا خَرَجَ قَوْلُهُ عَمَّا يُشْبِهُ وَأَشْبَهَ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي جِدَّةِ الرَّهْنِ وَكَوْنِهِ خَلَقًا بَالِيًا مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ هُوَ فَقَالَ الرَّاهِنُ كَانَ جَدِيدًا وَإِنَّمَا خَلِقَ بِاسْتِعْمَالِ الْمُرْتَهِنِ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ كَذَلِكَ رَهَنْتُهُ خَلَقًا بَالِيًا فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ إلَّا إذَا خَرَجَ قَوْلُهُ عَمَّا يُشْبِهُ وَأَشْبَهَ قَوْلُ الرَّاهِنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.

(قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قُلْت لَهُ: فَإِنْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي حُلُولِ الْحَقِّ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ قَدْ حَلَّ وَقَالَ الرَّاهِنُ لَمْ يَحِلَّ قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّ الْحَقَّ إلَى أَجَلٍ وَادَّعَى انْقِضَاءَهُ وَالْأَصْلُ الِاسْتِصْحَابُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الرَّاهِنُ مِنْ الْأَجَلِ مَا لَا يُشْبِهُ فَلَا يُصَدَّقُ.

(وَفِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ) . وَكَذَلِكَ إنْ أَتَى بِثَوْبٍ خَلَقٍ وَقَالَ الرَّاهِنُ: كَانَ جَدِيدًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ (الْجَوْهَرِيُّ) . وَمِلْحَفَةٌ خَلَقٌ وَثَوْبٌ خَلَقٌ أَيْ بَالٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ الْأَخْلَقِ أَيْ الْأَمْلَسِ، وَالْجَمْعُ خُلْقَانٌ وَمِلْحَفَةٌ خُلَيْقٌ صَغَّرُوهُ بِلَا هَاءٍ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ وَالْهَاءُ لَا تَلْحَقُ تَصْغِيرَ الصِّفَاتِ كَمَا قَالُوا نُصَيْفٌ فِي تَصْغِيرِ امْرَأَةٍ نَصَفِ. وَقَدْ خَلُقَ الثَّوْبُ بِالضَّمِّ خُلُوقًا أَيْ بَلِيَ، وَأَخْلَقَ الثَّوْبُ مِثْلُهُ، وَأَخْلَقْتُهُ أَنَا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى وَأَخْلَقْتُهُ ثَوْبًا إذَا كَسَوْتُهُ ثَوْبًا خَلَقًا، وَثَوْبٌ أَخْلَاقٌ إذَا كَانَتْ الْخُلُوقَةُ فِيهِ كُلِّهِ كَمَا قَالُوا بُرْمَةُ أَعْشَارِ وَأَرْضٌ سَبَاسِبُ اهـ.

[بَابُ الضَّمَانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

ِ عَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالضَّمَانِ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَبَعْضُهُمْ بِالْحَمَالَةِ.

(قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ:) الْحَمَالَةُ الْتِزَامُ دَيْنٍ لَا يُسْقِطُهُ أَوْ طَلَبُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لِمَنْ هُوَ لَهُ. (قَوْلُهُ لَا يُسْقِطُهُ) فِي مَحَلِّ خَفْضٍ صِفَةٌ لِدَيْنٍ، وَفَاعِلُ يُسْقِطُ ضَمِيرُ الِالْتِزَامِ، وَمَفْعُولُهُ الْبَارِزُ لِلدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يُسْقِطُ الْحَقَّ عَنْ الْمَضْمُونِ. وَأَخْرَجَ بِذَلِكَ الْحَوَالَةَ فَإِنَّ الْتِزَامَ قَبُولِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِلْحَوَالَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْمَشْهُورِ يُسْقِطُ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ لِلْمُحَالِ بِالْفَتْحِ عَلَى الْمُحِيلِ بِالْكَسْرِ، وَيَصِيرُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ " أَوْ طَلَبِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ "(طَلَبِ) بِالْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى دَيْنٍ مَدْخُولِ الِالْتِزَامِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحَمَالَةُ بِالْوَجْهِ وَالْحَمَالَةُ بِالطَّلَبِ.

وَسُمِّيَ الضَّامِنُ بِالْحَمِيلِ

كَذَاكَ بِالزَّعِيمِ وَالْكَفِيلِ

يَعْنِي أَنَّ الضَّامِنَ يُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي هِيَ الْحَمِيلُ وَالزَّعِيمُ وَالْكَفِيلُ وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ بَيَانُ صِيَغِ الضَّمَانِ.

(قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ:) الصِّيغَةُ مَا دَلَّ عَلَى الْحَقِيقَةِ عُرْفًا فَفِيهَا مَنْ قَالَ: أَنَا حَمِيلٌ بِفُلَانٍ أَوْ زَعِيمٌ أَوْ كَفِيلٌ أَوْ ضَامِنٌ أَوْ قَبِيلٌ أَوْ هُوَ لَك عِنْدِي أَوْ عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ أَوْ قِبَلِي فَهِيَ حَمَالَةٌ لَازِمَةٌ إنْ أَرَادَ

ص: 119

الْوَجْهَ لَزِمَهُ وَإِنْ أَرَادَ الْمَالَ لَزِمَهُ. .

وَهُوَ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَالْمَنْعُ اقْتَضَى

مِنْ أَخْذِهِ أَجْرًا بِهِ أَوْ عِوَضَا

يَعْنِي أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ.

(قَالَ ابْنُ يُونُسَ:) وَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَا خَيْرَ فِي الْحَمَالَةِ بِجُعْلٍ (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ:) فَإِنْ نَزَلَ وَكَانَ يَعْلَمُ صَاحِبَ الْحَقِّ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ وَرَدَّ الْجُعْلَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ فَالْحَمَالَة لَازِمَةٌ لِلْحَمِيلِ وَيُرَدُّ الْجُعْلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَالَهُ أَصْبَغُ.

(وَقَالَ اللَّخْمِيُّ) الْحَمَالَةُ بِجُعْلٍ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْجُعْلَ فَإِنْ كَانَ الْمُتَحَمَّلُ عَنْهُ مُوسِرًا كَانَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ

ص: 120

النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَغَرِمَ الْحَمِيلُ كَانَ رِبَا سَلَفٍ بِزِيَادَةٍ فَقَضَاؤُهُ عَنْهُ سَلَفٌ، وَالزِّيَادَةُ الْجُعْلُ الْمُتَقَدِّمُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْجُعْلُ يَأْخُذُهُ الْحَمِيلُ أَوْ غَيْرُهُ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ يَحْصُلُ الْجُعْلُ أَوْ الْمَنْفَعَةُ لِلْغَرِيمِ وَكَانَتْ الْحَمَالَةُ بِمَا حَلَّ؛ لِيُؤَخِّرَهُ بِهِ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِمَا لَمْ يَحِلَّ؛ لِيَأْخُذَهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَإِذَا كَانَ الْجُعْلُ تَحْصُلُ مَنْفَعَتُهُ لِلْحَمِيلِ رُدَّ الْجُعْلُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَيَفْتَرِقُ الْجَوَابُ فِي ثُبُوتِ الْحَمَالَةِ وَسُقُوطِهَا وَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفَسَادِهِ وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. اُنْظُرْ تَمَامَهُ فِي الشَّرْحِ إنْ شِئْتَ (ابْنُ الْحَاجِبِ) .

وَلَا يَجُوزُ الضَّمَانُ بِجُعْلٍ.

(التَّوْضِيحُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلضَّامِنِ أَنْ يَأْخُذَ جُعْلًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ أَوْ الْمِدْيَانِ أَوْ غَيْرِهِمَا.

(الْمَازِرِيُّ) وَلِلْمَنْعِ عِلَّتَانِ: أَوَّلُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بِيَاعَاتِ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَقَالَ لِرَجُلٍ: تَحَمَّلْ عَنِّي بِثَمَنِهَا وَهُوَ مِائَةٌ عَلَى أَنْ أُعْطِيَكَ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ، أَوْ بَاعَ سِلْعَةً وَقَالَ لِآخَرَ تَحَمَّلْ عَنِّي الدَّرْكَ فِي ثَمَنِهَا إنْ وَقَعَ الِاسْتِحْقَاقُ وَأَنَا أُعْطِيكَ عَشْرَةً لَمْ يَدْرِ الْحَمِيلُ هَلْ يُفْلِسُ مَنْ تَحَمَّلَ عَنْهُ أَوْ يَغِيبُ فَيَخْسَرُ مِائَةَ دِينَارٍ وَلَمْ يَأْخُذْ إلَّا عَشْرَةً أَوْ يَسْلَمَ مِنْ الْغَرَامَةِ فَيَأْخُذُ الْعَشَرَةَ. ثَانِيهِمَا أَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَمْنُوعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَدَّى الْغَرِيمُ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ بَاطِلًا وَإِنْ أَدَّى الْحَمِيلُ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْمَضْمُونِ صَارَ كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ مَا أَدَّى وَرَبِحَ ذَلِكَ الْجُعْلَ فَكَانَ سَلَفًا بِزِيَادَةٍ (مَالِكٌ) وَيُرَدُّ الْجُعْلُ (ابْنُ الْقَاسِمِ) . وَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ الطَّالِبُ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ وَإِلَّا رَدَّ الْجُعْلَ. وَالْحَمَالَةُ عَامَّةٌ وَهَذَا إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي الْحَمَالَةِ مَحَلَّ الْحَاجَةِ مِنْهُ الْآنَ.

(فَائِدَةٌ) ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ لَا تُفْعَلُ إلَّا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا: أَحَدُهَا الضَّمَانُ، وَالثَّانِي رِفْقُ الْجَاهِ، وَالثَّالِثُ الْقَرْضُ وَقَدْ جَمَعَهَا شَيْخُنَا الْعَالِمُ الْمُتَفَنِّنُ الْمَرْحُومُ بِفَضْلِ اللَّهِ وَكَرَمِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ سَيِّدِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَاشِرٍ فِي بَيْتٍ فَقَالَ:

الْقَرْضُ وَالضَّمَانُ رِفْقُ الْجَاهِ

تُمْنَعُ أَنْ تُرَى لِغَيْرِ اللَّهِ.

وَالْحُكْمُ ذَا حَيْثُ اشْتِرَاطُ مَنْ ضَمِنْ

حَطًّا مِنْ الْمَضْمُونِ عَمَّنْ قَدْ ضَمِنْ

يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَقَدِّمَ وَهُوَ الْمَنْعُ وَعَدَمُ الْجَوَازِ جَارٍ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ لَهُ أَنْ يَحُطَّ عَنْ الْمَضْمُونِ بَعْضَ دَيْنِهِ الْحَالِّ وَيَضْمَنُ لَهُ بَاقِيه إلَى أَجَلٍ يَضْرِبَانِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَقِيلَ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَهُوَ أَبْيَنُ.

(قَالَ اللَّخْمِيُّ) : وَاخْتُلِفَ عَنْ (مَالِكٍ) فِيمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ فَأَخَّرَهُ إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ يَتَحَمَّلَ بِهِ رَجُلٌ، وَيُسْقِطُ الطَّالِبُ بَعْضَ دَيْنِهِ.

فَقَالَ (مَالِكٌ)(وَابْنُ الْقَاسِمِ)(وَأَشْهَبُ) وَغَيْرُهُمْ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ ضَعْ لَهُ بَعْضَ دَيْنِكَ عَلَيْهِ وَأَنَا أَتَحَمَّلُ لَك بِمَا بَقِيَ إلَى أَجَلٍ آخَرَ: لَا بَأْسَ بِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِحَقِّهِ حَالًّا، فَتَأْخِيرُهُ لَهُ بِحَمِيلٍ. وَقَالَ: سَلَفَ مِنْهُ بِحَمِيلٍ اخْتَلَفَتْ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْهُ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ.

(وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ) : لَا يَصِحُّ ذَلِكَ قَالَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ لَوْ قَالَ: أَعْطِنِي عَشْرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ دَيْنِكَ وَأَنَا أَتَحَمَّلُ لَك، فَتَكُونُ الْحَمَالَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ حَرَامًا وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ.

(وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ) فِيمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ فَقَالَ لَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ: " هَلْ لَك أَنْ أَحُطَّ عَنْكَ دِينَارَيْنِ وَتُعْطِينِي بِالثَّمَانِيَةِ رَهْنًا أَوْ حَمِيلًا " فَلَا بَأْسَ بِهِ (وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ:) لَا يَجُوزُ. اهـ قِيلَ: لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ رَهْنًا أَوْ حَمِيلًا فِي حُكْمِ مَنْ تَعَجَّلَ حَقَّهُ عَلَى أَنْ يُسْقِطَ بَعْضَهُ. وَقَدْ ذَهَبَ النَّاظِمُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ الْمَنْعُ وَعَدَمُ الْجَوَازِ حَلَّ الدَّيْنُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، وَلَفْظُهُ يَشْمَلُهُمَا. .

وَبِاشْتِرَاكٍ وَاسْتِوَاءٍ فِي الْعَدَدْ

تَضَامُنٌ خُفِّفَ فِيهِ إنْ وَرَدْ

التَّضَامُنُ تَفَاعُلٌ مَصْدَرٌ مِنْ تَضَامَنَ، وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَمِنَ صَاحِبَهُ؛ لِأَجْلِ أَنْ يَضْمَنَهُ هُوَ فَلَمْ يَقَع الضَّمَانُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى وَجْهِ الرُّخْصَةِ وَالتَّوْسِعَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِمَا عَلَى أَنْ يَضْمَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ بَقِيَّةَ أَصْحَابِهِ لَكِنْ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا وُقُوعُ الِاشْتِرَاكِ فِي السِّلْعَةِ الْوَاقِعِ فِيهَا التَّضَامُنُ، وَثَانِيهِمَا الِاسْتِوَاءُ فِي الِاشْتِرَاكِ فِيهَا فَإِنْ. انْخَرَمَ أَحَدُ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا فَيَمْتَنِعُ ذَلِكَ.

(قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ:) لَوْ اشْتَرَيَا سِلْعَةً بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ لَجَازَ لِلْعَمَلِ فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لِلْعَمَلِ أَنَّ الْقِيَاسَ

ص: 121

الْمَنْعُ وَالْجَوَازُ لِعَمَلِ الْمَاضِينَ.

(قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : قُلْت: وَلِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا فِي الْبَيْعِ وَثَمَنِهِ يُوجِبُ شِبْهَ مَجْمُوعِهِمَا بِشَخْصٍ وَاحِدٍ، وَاخْتِلَافُهُمَا فِي أَحَدِهِمَا يُوجِبُ تَعَدُّدَهُمَا الْمُقْتَضِي لِلضَّمَانِ بِالْجُعْلِ اهـ. وَقَدْ ذَكَرُوا هُنَا مَسْأَلَةَ الْحُمَلَاءِ السِّتِّ فَرَاجِعْهَا إنْ شِئْتَ فِي التَّوْضِيحِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَ (تَضَامُنٌ) مُبْتَدَأٌ سَوَّغَهُ الْعَمَلُ فِي اشْتِرَاكٍ، وَ (فِي) بِمَعْنَى مَعَ، (وَاسْتِوَاءٍ) عَطْفٌ عَلَيْهِ، وَجُمْلَةُ (خُفِّفَ) فِيهِ خَبَرُ تَضَامُنٌ، وَ (إنْ وَرَدْ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا فَالْكَسْرُ عَلَى أَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ حُذِفَ جَوَابُهَا لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ، وَالْفَتْحُ عَلَى أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ خُفِّفَ فِيهِ، لِأَنَّ (وَرَدْ) أَيْ لِوُرُودِهِ فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ مَعَ أَنَّ وَهُوَ كَثِيرٌ. .

وَصَحَّ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعَاتِ

وَثُلْثِ مَنْ يُمْنَعُ كَالزَّوْجَاتِ

يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الضَّامِنِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَهُ التَّبَرُّعُ فِي الْمَالِ، وَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي الزَّائِدِ عَلَى ثُلُثِهِ كَالْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُهُ فِيمَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ مِقْدَارُ ثُلُثِهِ فَأَقَلَّ. فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَحْجُورِ مُطْلَقًا، وَلَا ضَمَانُ الْمَرِيضِ أَوْ الزَّوْجَةِ فِي الزَّائِدِ عَلَى ثُلُثِهِمَا. فَفَاعِلُ (صَحَّ) الضَّمَانُ (وَثُلُثِ) بِالْخَفْضِ عُطِفَ عَلَى أَهْلِ أَيْ وَصَحَّ الضَّمَانُ مِنْ ثُلُثِ مَنْ يُمْنَعُ مِنْ التَّبَرُّعِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ فَيَصِحُّ فِي الثُّلُثِ فَدُونَ، وَلَا يَصِحُّ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ (ابْنُ عَرَفَةَ) .

(الْبَاجِيُّ) : الْحَمِيلُ مَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِيهَا كَفَالَةُ ذَاتِ الزَّوْجِ فِي ثُلُثِهَا، وَإِنْ تَكَفَّلَتْ لِزَوْجِهَا. فَفِيهَا (قَالَ مَالِكٌ:) عَطِيَّتُهَا زَوْجَهَا جَمِيعَ مَا لِهَا جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ كَفَالَتُهَا عَنْهُ (الْبَاجِيُّ) . يُرِيدُ بِإِذْنِهِ، وَفِيهَا كَفَالَةُ الْمَرِيضِ فِي ثُلُثِهِ اهـ وَإِنَّمَا مُنِعَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ الضَّمَانِ إلَّا فِي ثُلُثِهَا لِأَجْلِ الزَّوْجِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهَا - وَلَا حَجْرَ عَلَيْهَا - صَحَّ ضَمَانُهَا، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ مُنِعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا أَجَازُوا ضَمَانَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَبْلَهُ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ صَحَّ.

(وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) " وَصَحَّ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ كَمُكَاتَبٍ وَمَأْذُونٍ إنْ أَذِنَ سَيِّدُهُمَا وَزَوْجَةٍ وَمَرِيضٍ بِثُلُثٍ.

وَهُوَ بِوَجْهٍ أَوْ بِمَالٍ جَارِ

وَالْأَخْذُ مِنْهُ أَوْ عَلَى الْخِيَارِ

يَعْنِي أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ ضَمَانُ الْوَجْهِ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: (الْأَوَّلُ أَنْ يَتَبَرَّأَ ضَامِنُ الْوَجْهِ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا إنْ فَرَّطَ، وَيَبْرَأُ بِإِحْضَارِ الْمَضْمُونِ وَلَوْ مَيِّتًا:) : وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ لَا يَتَبَرَّأَ مِنْ الْمَالِ وَيَقَعَ الضَّمَانُ مُجْمَلًا فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ كَمَا يُصَرَّحُ بِهِ بَعْدُ فِي قَوْلِهِ:

وَإِنَّ ضَمَانَ الْوَجْهِ جَاءَ مُجْمَلًا

إلَخْ (قَالَ فِي النَّوَادِرِ:) قَالَ (مَالِكٌ) : مَنْ تَحَمَّلَ بِوَجْهِ رَجُلٍ أَوْ بِعَيْنِهِ أَوْ بِنَفْسِهِ فَهُوَ سَوَاءٌ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ وَإِلَّا غَرِمَ الْمَالَ حَتَّى يَشْتَرِطَ فِي حَمَالَتِهِ لَسْتُ مِنْ الْمَالِ فِي شَيْءٍ، (مُحَمَّدٌ) .

أَوْ يَقُولُ: لَا أَضْمَنُ إلَّا الْوَجْهَ، فَهَذَا لَا يَضْمَنُ إلَّا الْوَجْهَ غَابَ الْغَرِيمُ أَوْ حَضَرَ أَوْ مَاتَ أَوْ فَلَّسَ لَا يُطْلَبُ إلَّا بِإِحْضَارِهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي ضَمَانُ الْمَالِ، وَفِي تَعْيِينِ الْمَطَالِبِ بِالْمَالِ مِنْ الْغَرِيمِ أَوْ الضَّامِنِ تَفْصِيلٌ. كَانَ الْإِمَامُ مَالِكٌ

ص: 122

أَوَّلًا يَقُولُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ شَاءَ إمَّا الْغَرِيمُ أَوْ الضَّامِنُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ الضَّامِنَ وَالْغَرِيمُ حَاضِرٌ مَلِيٌّ وَإِنَّمَا يُطَالِبُ إذَا غَابَ الْمَدِينُ أَوْ فَلَّسَ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ (ابْنُ رُشْدٍ) . وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ:" وَلَا يُطَالَبُ إنْ حَضَرَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا. فَقَوْلُ النَّاظِمِ: " وَالْأَخْذُ مِنْهُ " أَيْ مِنْ الْغَرِيمِ الْحَاضِرِ الْمَلِيِّ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ الْمَشْهُورُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلِذَلِكَ قَدَّمَهُ، وَقَوْلُهُ: " أَوْ عَلَى الْخِيَارِ " هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ: " الْأَوَّلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ ".

(قَالَ الشَّارِحُ:) وَاعْتَمَدَ الْقُضَاةُ قَوْلَ مَالِكٍ الْأَوَّلَ الْمَرْجُوعَ عَنْهُ. .

وَلَا اعْتِبَارَ بِرِضَا مَنْ ضَمِنَا

إذْ قَدْ يُؤَدِّي دَيْنَ مَنْ لَا أَذِنَا

يَعْنِي أَنَّ مَنْ ضَمِنَ عَنْ شَخْصٍ حَقًّا مِنْ الْحُقُوقِ فَإِنَّ الضَّمَانَ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنِ الْمَضْمُونُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَخَاصَمَا فِي مَطْلَبٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِلطَّالِبِ مَا ثَبَتَ لَك قِبَلَ فُلَانٍ فَأَنَا كَفِيلٌ بِهِ فَاسْتَحَقَّ الْحَقَّ قِبَلَ الْمَطْلُوبِ كَانَ الْكَفِيلُ ضَامِنًا.

(قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : وَلَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْحَقُّ لِطَالِبِهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ بَعْدَ مَوْتِ الْكَفِيلِ لَكَانَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ. اهـ وَكُلُّ مَنْ تَبَرَّعَ بِكَفَالَةٍ لَزِمَتْهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَدَّعِي قِبَلَ أَخِيهِ حَقًّا: مَا تَصْنَعُ يَا أَخِي؟ احْلِفْ أَنَّ حَقَّكَ حَقٌّ وَأَنَا ضَامِنٌ لِذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ إنْ حَلَفَ الْمُدَّعِي، فَلَوْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنَا ضَامِنٌ: إنَّمَا قُلْتُهُ قَوْلًا وَلَا أُرَى أَفْعَلُهُ وَلَا أَضْمَنُ لَمْ يَنْفَعْهُ قَوْلُهُ وَلَا رُجُوعُهُ إذَا رَضِيَ الْمُدَّعِي بِقَوْلِهِ.

(قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : وَمَنْ قَالَ لِقَوْمٍ: اشْهَدُوا أَنِّي ضَامِنٌ بِمَا قُضِيَ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ، أَوْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِمَا ادَّعَى فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ وَهُمَا غَائِبَانِ جَمِيعًا أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ لَزِمَهُ مَا قَالَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا أَلْزَمَ الْمَعْرُوفَ مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَوْ غَابَ الضَّامِنُ لَكَانَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ اهـ.

(قَالَ الشَّارِحُ) : أَقُولُ: " وَعَلَى الْوَاقِعِ فِي الْمَغْرِبِ هُوَ عَمَلُ الْمُوَثَّقِينَ فِي ضَمَانِ مَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْغَرِيمِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ ". وَعَلَّلَ النَّاظِمُ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي الدَّيْنَ عَنْ الْمَدِينِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ، أَيْ فَكَمَا يُؤَدِّي عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَذَلِكَ يَضْمَنُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ الضَّامِنَ هُوَ بِصَدَدِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ الْمَضْمُونِ فَالضَّمَانُ أَخَفُّ مِنْ الْأَدَاءِ.

قَالَ فِي (الْمُقَرَّبِ) : قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَدَّى حَقًّا عَنْ رَجُلٍ كَانَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ. انْتَهَى. .

(تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) يُقَيَّدُ قَوْلَهُ (قَدْ يُؤَدِّي دَيْنَ مَنْ لَا إذْنَ) بِقَيْدَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَقْصِدَ الْمُؤَدِّي التَّضْيِيقَ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ وَالْإِضْرَارَ بِهِ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا وَنَحْوِهِ فَإِنْ قَصَدَ ذَلِكَ مُنِعَ، الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ أَدَّى بِقَصْدِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ، وَأَمَّا إنْ أَدَّى بِقَصْدِ التَّبَرُّعِ وَالْهِبَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُلْزِمُ الْمُؤَدَّى عَنْهُ إذْ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْهِبَةِ.

(التَّنْبِيهُ الثَّانِي) : مَا جَرَى

ص: 123

عَلَيْهِ عَمَلُ الْمُوَثَّقِينَ مِنْ تَضْمِينِهِمْ حُضُورَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَإِذْنُهُ فِي الضَّمَانِ هُوَ مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ مِنْ بِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَالْخِصَامِ، إذْ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَشْتَرِطُ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ. .

وَيَسْقُطُ الضَّمَانُ فِي فَسَادِ

أَصْلِ الَّذِي الضَّمَانُ فِيهِ بَادِ

يَعْنِي إذَا فَسَدَتْ الصَّفْقَةُ الْوَاقِعُ فِيهَا الضَّمَانُ فَإِنَّ الضَّمَانَ يَسْقُطُ فِي ذَلِكَ عَنْ الضَّامِنِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَا يَجُوزُ ضَمَانٌ بِجُعْلٍ. أَمَّا إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي الْمُحْتَمَلِ بِهِ كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ دِينَارًا فِي دِينَارَيْنِ إلَى شَهْرٍ وَتَحَمَّلَ لَهُ رَجُلٌ بِدِينَارٍ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: " إنَّ حُكْمَ الْحَمَالَةِ سَاقِطٌ "، وَمِثْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا " وَكُلُّ حَمَالَةٍ وَقَعَتْ عَلَى حَرَامٍ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِمَا أَوْ بَعْدَهُ فَهِيَ سَاقِطَةٌ، وَلَا يَلْزَمُ الْحَمِيلَ بِهَا شَيْءٌ عَلِمَ الْمُتَبَايِعَانِ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ أَوْ جَهِلَا، عَلِمَ الْحَمِيلُ بِذَلِكَ أَوْ جَهِلَهُ "(مُحَمَّدٌ)، وَسَوَاءٌ كَانَ الْفَسَادُ مِنْ عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ بِسَبَبِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ:" إنَّ الْحَمَالَةَ بِالْحَرَامِ أَوْ بِالْأَمْرِ الْفَاسِدِ بَاطِلَةٌ " وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الَّذِي تَحَمَّلَ بِهِ الْحَمِيلُ وَهُوَ الثَّمَنُ لَمَّا سَقَطَ عَنْ الْمُتَحَمِّلِ عَنْهُ لِفَسَادِ الْبَيْعِ سَقَطَ عَنْ الْحَمِيلِ.

(الْقَوْلُ الثَّانِي)" أَنَّ الْحَمَالَةَ لَازِمَةٌ عَلِمَ الْحَمِيلُ بِفَسَادِ الْبَيْعِ أَمْ لَا " وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَوْلُ غَيْرِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الْمُتَحَمَّلَ لَهُ دَفْعَ مَالِهِ لِلثِّقَةِ بِهِ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ السِّلْعَةِ أَوْ الثَّمَنِ الَّذِي تَحَمَّلَ بِهِ.

(الثَّالِثُ) التَّفْصِيلُ بَيْنَ عِلْمِ الْحَمِيلِ بِالْفَسَادِ فَعَلَيْهِ أَوَّلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ الْحَمَالَةُ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بَعْدَ عَقْدِهِ فَهِيَ سَاقِطَةٌ بِالِاتِّفَاقِ اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ.

وَهُوَ بِمَا عَيَّنَ لِلْمُعَيَّنِ

وَهُوَ بِمَالٍ حَيْثُ لَمْ يُعَيَّنْ

تَقَدَّمَ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى وَجْهَيْنِ: ضَمَانُ الْمَالِ وَضَمَانُ الْوَجْهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ الضَّمَانُ مُعَيِّنًا لِلْمَضْمُونِ مِنْ مَالٍ أَوْ وَجْهٍ فَذَلِكَ لَازِمٌ بِلَا إشْكَالٍ، وَإِنْ وَقَعَ الضَّمَانُ مُجْمَلًا مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَالِ.

(وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ:) اخْتَلَفَ فُقَهَاؤُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ إذَا قَالَ: أَنَا حَمِيلٌ لَك أَوْ زَعِيمٌ أَوْ كَفِيلٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا هَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ حَمِيلٌ بِالْمَالِ أَوْ عَلَى الْوَجْهِ إذَا عُرِّيَ الْكَلَامُ مِنْ دَلِيلٍ؟ وَالصَّوَابُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِالْمَالِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الزَّعِيمُ غَرِيمٌ.» .

وَلِأَنَّ حَمِيلَ الْوَجْهِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ غَرِمَ الْمَالَ. فَالْأَصْلُ فِي الْحَمَالَةِ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْوَجْهُ أَوْ يَقْتَضِيهِ لَفْظُهُ، وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الطَّالِبُ شَرَطْتُ لَك الْحَمَالَةَ بِالْمَالِ وَقَالَ الْكَفِيلُ بِالْوَجْهِ وَقَدْ أُحْضِرَ الْغَرِيمُ مُعْدَمًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَمِيلِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَدَّعِي اشْتِغَالَ ذِمَّتِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. (قَالَ ابْنُ يُونُسَ:) وَلِأَنَّ الْحَمَالَةَ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا أَقَرَّ بِهِ مُعْطِيهِ اهـ.

(وَرَدَّ) فِي (التَّوْضِيحِ) الِاسْتِدْلَالَ بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ بَيَانِ وَجْهِ الْمُطَالَبَةِ لِلْكَفِيلِ بِمَا ضَمِنَهُ وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ بَيَانُ حُكْمِ إطْلَاقِ اللَّفْظَةِ. الثَّانِي أَنَّ الْغَرَامَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ لَا فِي الْأَبَدَانِ إذْ الْبَدَنُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُغَرَّمَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ:" الزَّعِيمُ غَرِيمٌ بِمَا ضَمِنَ ". وَالضَّمَانُ الَّذِي يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْغَرَامَةُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَالِ. .

وَإِنْ ضَمَانُ الْوَجْهِ جَاءَ مُجْمَلَا

فَالْحُكْمُ أَنَّ الْمَالَ قَدْ تُحُمِّلَا

يَعْنِي أَنَّ ضَامِنَ الْوَجْهِ إذَا لَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْ الْمَالِ وَإِنَّمَا ضَمِنَ ضَمَانًا مُجْمَلًا فَإِنَّ الْحُكْمَ أَنَّ الْمَالَ لَازِمٌ لِلضَّامِنِ.

ص: 124

قَالَ فِي الرِّسَالَةِ:) " وَحَمِيلُ الْوَجْهِ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ غَرِمَ حَتَّى يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَغْرَمَ ". (قَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ:)" وَإِذَا وَقَعَ ضَمَانُ الْوَجْهِ مُجْمَلًا وَلَمْ يُحْضِرْ الْوَجْهَ ضَمِنَ أَيْضًا الْمَالَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْوَجْهَ خَاصَّةً وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ فَلَهُ شَرْطٌ ".

(وَفِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ سَحْنُونٌ: " قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ تَكَفَّلَ بِوَجْهِ رَجُلٍ إلَى أَجَلٍ فَمَضَى الْأَجَلُ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَتَلَوَّمُ لَهُ، فَإِنْ أَتَى بِهِ وَإِلَّا غَرِمَ الْمَالَ، فَإِنْ أَغْرَمَهُ ثُمَّ أَتَى بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ وَلَكِنْ يَتْبَعُ بِهِ الَّذِي تَحَمَّلَ بِهِ عَنْهُ. " قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَتَى بِهِ عِنْدَ الْأَجَلِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمَالَةِ شَيْءٌ إنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ عَدِيمًا. اهـ ثُمَّ قَالَ.

وَجَائِزٌ ضَمَانُ مَا تَأَجَّلَا

مُعَجَّلًا وَعَاجِلٍ مُؤَجَّلَا

قَوْلُهُ

وَجَائِزٌ ضَمَانُ مَا تَأَجَّلَا

مُعَجَّلًا يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ إلَى أَجْلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ حَمِيلًا بِذَلِكَ الدَّيْنِ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ عَاجِلًا إمَّا الْآنَ أَوْ قَبْلَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْأَجَلِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُعَجَّلٌ وَإِلَى هَذَا الْفَرْعِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ

وَجَائِزٌ ضَمَانُ مَا تَأَجَّلَا مُعَجَّلًا

وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْحَمِيلُ بِالْمُؤَجَّلِ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ (مُعَجَّلًا) أَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهُ الْحَمِيلَ لِأَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا فَالسَّلَفُ التَّأْخِيرُ بَعْدَ الْأَجَلِ، وَالنَّفْعُ التَّوَثُّقُ بِالْحَمِيلِ وَهَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مِمَّا لِلْمَدِينِ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ أَجَلِهِ كَالْعَيْنِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، وَالْعَرَضِ وَالْحَيَوَانِ وَالطَّعَامِ مِنْ قَرْضٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَرَضًا أَوْ حَيَوَانًا مِنْ بَيْعٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ حَمِيلًا بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ (حُطَّ عَنِّي الضَّمَانَ فِي الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ الْأَجَلِ وَأَزِيدُكَ تَوَثُّقًا بِالْحَمِيلِ)(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ " وَمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ وَأَخَذَ مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ حَمِيلًا أَوْ رَهْنًا عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ حَقَّهُ إلَى الْأَجَلِ أَوْ إلَى دُونِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ تَوَثُّقٍ ".

(ابْنُ يُونُسَ) : " إنَّمَا يَجُوزُ إلَى دُونِ الْأَجَلِ إنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا لَهُ تَعْجِيلُهُ وَأَمَّا إنْ كَانَ حَيَوَانًا مِنْ بَيْعٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ (حُطَّ عَنِّي الضَّمَانَ وَأَزِيدُكَ تَوَثُّقًا) . وَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا نَصُّهُ " وَلَيْسَ بِبَيِّنٍ لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ مَا أَخَذَ زِيَادَةً فِي نَفْسِ الْحَقِّ، وَلَا مُنْفَصِلَةً يَنْتَفِعُ بِهَا، وَإِنَّمَا قَصَدَ التَّوَثُّقَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ، وَلَا غَرَضَ لِلْآخَرِ فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ. وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ مَعَ التَّأْخِيرِ لَا مَعَ التَّعْجِيلِ. اهـ (وَفِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: " وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ حَمِيلًا قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ أَوْ رَهْنًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ حَقَّهُ قَبْلَ

ص: 125

مَحِلِّ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَ مَحِلِّهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ ".

(وَقَالَ فِيهِ) : وَمَنْ أَعْطَى لِصَاحِبِ الْحَقِّ حَمِيلًا قَبْلَ مَحِلِّ أَجَلِ الدَّيْنِ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ فِي هَذَا ".

(وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) : لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا عَنْ ظَهْرِ يَدٍ وَأَخَذَ بِهِ حَمِيلًا ". وَإِلَى فَرْعِ النَّاظِمِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ فِي مُخْتَصَرِهِ " وَالْمُؤَجَّلُ حَالًّا إنْ كَانَ مِمَّا يُعَجَّلُ " قَوْلُهُ: (وَعَاجِلٍ مُؤَجَّلًا) عَاجِلٍ بِالْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى مَا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ - وَعَنْ حُلُولِهِ عَبَّرَ (بِعَاجِلٍ) - أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَدِينِ حَمِيلًا بِذَلِكَ الدَّيْنِ إلَى أَجَلٍ، وَأَطْلَقَ فِي الْجَوَازِ وَقَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِمَا إذَا كَانَ الْمَدِينُ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ كَابْتِدَاءِ دَيْنٍ بِحَمِيلٍ.

(اللَّخْمِيِّ) إنْ حَلَّ الدَّيْنُ فَأَعْطَاهُ حَمِيلًا عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا بِجَمِيعِ الْحَقِّ كَانَ التَّأْخِيرُ وَالْحَمَالَةُ جَائِزَةً. اهـ وَكَذَا إنْ كَانَ عَدِيمًا وَكَانَ لَا يُوسِرُ فِي الْأَجَلِ كَالْمُحْبَسِ عَلَيْهِ أُصُولٌ لَهَا غَلَّاتٌ لَيْسَ لَهُ مِنْهَا إلَّا مَا يُقْبَضُ فِي تِلْكَ الْغَلَّاتِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَعْطَاهُ حَمِيلًا بِهِ لِسِتَّةِ شُهُورٍ مَثَلًا وَلَا تُوجَدُ غَلَّةُ أُصُولِهِ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُهَا إلَّا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ وَإِنْظَارُهُ وَاجِبٌ.

(التَّوْضِيحُ) أَمَّا إنْ لَمْ يُوسِرْ إلَّا عِنْدَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ فَيَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ. اهـ.

وَأَمَّا إنْ كَانَ عَدِيمًا وَيُوسِرُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لِوُجُودِ الْغَلَّةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَفِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ لِتَمَامِ الْأَجَلِ وَمَنْعِهِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَهَبَ فِي الْمُخْتَصَرِ، حَيْثُ قَالَ:" وَعَكْسُهُ إنْ أَيْسَرَ غَرِيمُهُ أَوْ يُوسَرُ فِي الْأَجَلِ إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا أَيَسَرَ فِي الْأَجَلِ لَمْ يَجُزْ " وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَإِلَى مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ فِيهِ أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ: " وَلَوْ شَرَطَ الْأَجَلَ فِي الْحَالِ وَالْغَرِيمُ مُعْسِرٌ يُوسِرُ فِي مِثْلِهِ " مَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ.

(التَّوْضِيحُ) يَعْنِي لَوْ شَرَطَ الضَّامِنُ التَّأْجِيلَ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ عَلَى الْغَرِيمِ وَالْغَرِيمُ حِينَئِذٍ مُعْسِرٌ يُوسِرُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَجَلِ فَهَلْ يُمْنَعُ؟ لِأَنَّ الزَّمَانَ الْمُتَأَخِّرَ عَنْ يَسَارِهِ يُعَدُّ صَاحِبُ الْحَقِّ فِيهِ مُسَلِّفًا؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ مَا عَجَّلَ فَيَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّهُ مُسَلِّفٌ قَدْ انْتَفَعَ بِالْحَمِيلِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ غَرِيمِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ الْمُتَرَقَّبَ كَالْمُحَقَّقِ أَوْ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِصْحَابُ عُسْرِهِ، وَيُسْرُهُ قَدْ لَا يَكُونُ فَلَمْ يَضُرَّهُ وَكَانَ الْمُعْسِرُ تَبَرَّعَ بِالضَّمَانِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ. أَمَّا إنْ لَمْ يُوسِرْ إلَّا عِنْدَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ فَيَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ وَهَذَا مَفْهُومُ الْمُصَنِّفِ، وَقَوْلُهُ فِي (مِثْلِهِ) لَفْظَةُ (مِثْلِ) زَائِدَةٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْأَجَلِ قَبْلَ فَرَاغِهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ (يُوسِرُ قَبْلَ) أَيْ الْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوسِرَ قَبْلَهُ كَبَعْضِ أَصْحَابِ الْغَلَّاتِ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ (وَالْغَرِيمُ مُعْسِرٌ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُوسِرًا لَجَازَ، وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ.

(كَلَامُ التَّوْضِيحِ بِلَفْظِهِ) وَقَدْ أَطَالَ الشَّارِحُ هُنَا بِمَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ هِيَ مِنْ مَعْنَى مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ فَلْيُرَاجِعْهَا فِيهِ مَنْ أَرَادَهَا.

وَمَا عَلَى الْحَمِيلِ غُرْمُ مَا حَمَلْ

إنْ مَاتَ مَضْمُونٌ وَلَمْ يَحِنْ أَجَلْ

يَعْنِي أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْغَرِيمُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ الضَّمَانِ فَلَا غُرْمَ عَلَى الْحَمِيلِ إذْ ذَاكَ، فَإِنْ تَرَكَ الْمَضْمُونُ مَالًا أَخَذَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ وَبَرِئَ الضَّامِنُ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ رَأْسًا، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا فَلَا غُرْمَ عَلَى الْحَمِيلِ - أَيْ - الْآنَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَأَمَّا بَعْدَ حُلُولِهِ فَيَغْرَمُ. فَنَفْيُ الْغُرْمِ عَنْ الْحَمِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَيْتِ هُوَ عِنْدَ مَوْتِ الْغَرِيمِ، وَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) :" وَإِنْ مَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ كَانَ لِلَّذِي لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ ". وَنَحْوَهُ نَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : وَمَوْتُ الْغَرِيمِ مَلِيًّا يُوجِبُ تَعْجِيلَ الْقَضَاءِ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَمَوْتُهُ عَدِيمًا لَا يُوجِبُ عَلَى الْحَمِيلِ تَعْجِيلَهُ. هَذَا حُكْمُ مَوْتِ الْغَرِيمِ قَبْلَ حُلُولِ أَجْلِ الدَّيْنِ. أَمَّا إذَا مَاتَ الضَّامِنُ قَبْلَ الْأَجَلِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا مَاتَ الضَّامِنُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلِلطَّالِبِ تَعْجِيلُ حَقِّهِ مِنْ تَرِكَتِهِ ثُمَّ لَا رُجُوعَ لِوَرَثَتِهِ عَلَى الْغَرِيمِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ وَلَهُ مُحَاصَّةُ غُرَمَائِهِ أَيْضًا. (وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ أَثَرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ) . وَفِي كَوْنِ مَوْتِ الْحَمِيلِ يُوجِبُ تَعْجِيلَ الْحَقِّ مِنْ تَرِكَتِهِ وَيَقْتَضِيهِ وَارِثُهُ عِنْدَ حُلُولِهِ وَوَقْفِهِ لِحُلُولِهِ فَإِنْ حَلَّ وَالْغَرِيمُ مَلِيٌّ رُدَّ لِوَارِثِهِ وَإِلَّا أَخَذَهُ الطَّالِبُ رِوَايَتَانِ لَهُ وَلِابْنِ وَهْبٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَعُجِّلَ بِمَوْتِ الضَّامِنِ وَرَجَعَ وَارِثُهُ بَعْدَ أَجَلِهِ وَقَدْ كُنْتُ نَظَمْتُ بَيْتًا فِي

ص: 126

حُكْمِ مَوْتِ الضَّامِنِ وَهُوَ

وَعُجِّلَ الْحَقُّ بِمَوْتِ مَنْ ضَمِنْ

وَارِثُهُ يَرْجِعُ بَعْدَ أَنْ يَحِنْ

قَالَ النَّاظِمُ رحمه الله:

وَيَأْخُذُ الضَّامِنُ مِنْ مَضْمُونِهِ

ثَابِتَ مَا أَدَّاهُ مِنْ دُيُونِهِ

يَعْنِي أَنَّ الضَّامِنَ إذَا أَدَّى الْحَقَّ الَّذِي ضَمِنَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَثَبَتَ ذَلِكَ يَعْنِي إمَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَضْمُونِ لَهُ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِمَا أَدَّى عَنْهُ مِنْ الدَّيْنِ.

(ابْنُ الْحَاجِبِ)" وَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَضْمُونِ لَهُ وَلَا يَكْفِيهِ إقْرَارُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ ".

(وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ)" مَنْ تَحَمَّلَ بِعَبْدٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ طَعَامٍ فَأَدَّاهُ الْحَمِيلُ مِنْ عِنْدِهِ رَجَعَ بِذَلِكَ كُلِّهِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ "(ابْنُ يُونُسَ) وَهُوَ الصَّوَابُ (وَفِي التَّوْضِيحِ)(فَرْعٌ) وَيَرْجِعُ بِمِثْلِ مَا أَدَّى إذَا كَانَ مِثْلِيًّا، وَاخْتُلِفَ إذَا تَكَفَّلَ بِعَرَضٍ وَأَدَّاهُ. فَالْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ يَرْجِعُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالسَّلَفِ.

(وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ)" الْمَطْلُوبُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ دَفَعَ مِثْلَهُ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ قِيمَتَهُ ".

(وَفِي الْوَاضِحَةِ)" لِأَنَّهُ لَا يَغْرَمُ إلَّا مِثْلَهُ "(قَالَ فِي الْبَيَانِ) : " وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَى الْعَرَضَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ مَا لَمْ يُحَابِ فَلَا يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ " اهـ.

وَالشَّاهِدُ الْعَدْلُ لِقَائِمٍ بِحَقْ

إعْطَاءُ مَطْلُوبٍ بِهِ الضَّامِنَ حَقْ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَعْوَى وَأَقَامَ عَلَيْهَا شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا فَإِنَّ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَطْلُوبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ضَامِنًا بِذَلِكَ الْحَقَّ.

(قَالَ الشَّارِحُ:) لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ قَارَبَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إمَّا بِإِضَافَةِ شَاهِدٍ ثَانٍ لِلْأَوَّلِ، وَإِمَّا بِيَمِينِ الْقَائِمِ مَعَ شَاهِدِهِ، وَأَيَّا مَا كَانَ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ.

وَالضَّامِنُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ مِنْ عِنْدِ مَنْ يُجِيزُ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. (فَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ) قَالَ ابْن الْقَاسِمِ: " وَإِنْ سَأَلَهُ كَفِيلًا بِالْحَقِّ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ شَاهِدًا فَلَهُ أَخْذُ الْكَفِيلِ وَإِلَّا فَلَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ بَيِّنَةً يُحْضِرُهَا مِنْ السُّوقِ أَوْ مِنْ بَعْضِ الْقَبَائِلِ، فَلْيُوقِفْ الْقَاضِي الْمَطْلُوبَ عِنْدَهُ لِمَجِيءِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ جَاءَ بِهَا وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ ".

وَهَذَا الَّذِي نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَإِنْ ادَّعَى بَيِّنَةً بِكَالسُّوقِ وَقَفَهُ الْقَاضِي عِنْدَهُ. انْتَهَى كَلَامُ الشَّارِحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا أَنَّ الْحَمِيلَ مَعَ الشَّاهِدِ بِالْوَجْهِ، وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ آخِرَ الشَّهَادَاتِ حَيْثُ قَالَ: كَحِسَابٍ وَشِبْهِهِ بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ كَأَنْ أَرَادَ إقَامَةَ ثَانٍ أَوْ لِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ فَبِالْحَمِيلِ بِالْوَجْهِ عَلَى قَاعِدَتِهِ الْأَكْثَرِيَّةِ مِنْ رُجُوعِ الْقَيْدِ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ. وَفِي التَّوْضِيحِ: آخِرِ الشَّهَادَاتِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَمِيلَ بِالْمَالِ وَلَفْظُهُ " فَأَمَّا الْمَطْلُوبُ إذَا أُجِّلَ لِدَفْعِ الْبَيِّنَةِ فَلِلطَّالِبِ أَخْذُ حَمِيلٍ بِالْمَالِ ".

(الْمَازِرِيُّ) . وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدًا وَطَلَبَ ذَلِكَ الْمُدَّعِي أَنْ يَأْتِيَ بِشَاهِدٍ آخَرَ. اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ، فَظَاهِرُ قَوْلِ الْمَازِرِيِّ " وَكَذَلِكَ. " إلَخْ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّ الْحَمِيلَ بِالْمَالِ لَا بِالْوَجْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ رحمه الله.

ص: 127

وَضَامِنُ الْوَجْهِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَا

دَعْوَى امْرِئٍ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَحْضُرَا

مِنْ بَعْدِ تَأْجِيلٍ لِهَذَا الْمُدَّعِي

بِقَدْرِ مَا اسْتَحَقَّ فِيمَا يَدَّعِي

وَقِيلَ إنْ لَمْ يُلْفِ مَنْ يَضْمَنُهُ

لِلْخَصْمِ لَازِمْهُ وَلَا يَسْجُنُهُ

وَأَشْهَبُ بِضَامِنِ الْوَجْهِ قَضَى

عَلَيْهِ حَتْمًا وَبِقَوْلِهِ الْقَضَا

لَمَّا ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ هَذَا حُكْمَ مَنْ ادَّعَى دَعْوَى وَقَامَ لَهُ بِهَا شَاهِدٌ ذَكَرَ هُنَا حُكْمَ مَنْ ادَّعَى دَعْوَى وَلَا مُصَدِّقَ لَهُ مِنْ شَاهِدٍ وَلَا غَيْرِهِ وَزَعَمَ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَضْرِبَ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي أَجَلًا لِإِثْبَاتِ دَعْوَاهُ بِقَدْرِ مَا يَلِيقُ بِهِ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَأْمُرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِعْطَاءِ حَمِيلٍ بِالْوَجْهِ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَجِدَهُ الْمُدَّعِي إذَا أَتَى بِبَيِّنَةٍ.

وَلِذَلِكَ قَالَ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَحْضُرَ أَيْ لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَضْمَنُهُ فَيَقُولُ لِلْمُدَّعِي لَازِمْهُ وَلَا يَسْجُنُهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى. هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ.

(قَالَ أَشْهَبُ) : " لَا بُدَّ مِنْ ضَامِنِ الْوَجْهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ سُجِنَ " وَالْقَضَاءُ بِقَوْلِهِ. وَإِنَّمَا يُسْجَنُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً غَائِبَةً وَلَيْسَ فِي النَّظْمِ مَا يُشْعِرُ بِحَلِفِهِ. هَذَا حَاصِلُ مَا نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ مَعَ طُولِ عِبَارَتِهَا. فَقَوْلُهُ (وَضَامِنُ الْوَجْهِ) مُبْتَدَأٌ وَمُضَافٌ إلَيْهِ، وَ (عَلَى مَنْ أَنْكَرَا) خَبَرَهُ أَيْ وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ، (وَخَشْيَةَ) مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَ (مِنْ بَعْدِ) يَتَعَلَّقُ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْخَبَرُ وَفَاعِلُ (اسْتَحَقَّ) لِلْمُدَّعِي أَيْ يُؤَجَّلُ الْمُدَّعِي بِقَدْرِ مَا اسْتَحَقَّ مِنْ التَّأْجِيلِ مِمَّا يَسَعُهُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ

وَقِيلَ إنْ لَمْ يُلْفِ مَنْ يَضْمَنُهُ

أَيْ يُقَالُ لِلْمُدَّعِي وَهُوَ الَّذِي كَنَّى عَنْهُ بِالْخَصْمِ فَلِلْخَصْمِ يَتَعَلَّقُ بِقِيلِ إنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَضْمَنُ وَجْهَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ (لَازِمْهُ) هَذَا هُوَ الْمَحْكِيُّ بِالْقَوْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيَبْرَأُ الْحَمِيلُ لِلْوَجْهِ مَتَى

أَحْضَرَ مَضْمُونًا لِخَصْمٍ مَيِّتَا

يَعْنِي أَنَّ الْحَمِيلَ بِالْوَجْهِ الَّذِي اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَغْرَمَ الْمَالَ يَبْرَأُ مِنْ الْحَمَالَةِ بِإِحْضَارِ الْمَضْمُونِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ سَوَاءٌ أَحْضَرَهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا.

(قَالَ اللَّخْمِيُّ:)" وَالْحَمَالَةُ بِالْوَجْهِ تَسْقُطُ عَنْ الْحَمِيلِ بِإِحْضَارِ الْمَضْمُونِ وَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ حَاضِرَ الْبَلَدِ مَسْجُونًا كَانَ سِجْنُهُ ذَلِكَ فِي حَقٍّ أَوْ تَعَدِّيًا عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ كَمَوْتِهِ إذَا تَعَدَّى عَلَيْهِ بِالسِّجْنِ ". وَمِنْ (الْمُقَرَّبِ) فِي الْحَمَالَةِ بِالْوَجْهِ: " وَإِنْ مَاتَ الْغَرِيمُ بَرِئَ الْحَمِيلُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ إنَّمَا تَحَمَّلَ بِنَفْسِهِ وَقَدْ ذَهَبَتْ نَفْسُهُ ". اهـ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ (أَحْضَرَ) أَنَّهُ إنْ لَمْ يُحْضِرْهُ، وَإِنَّمَا أَثْبَتَ مَوْتَهُ

ص: 128