المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في مسائل من القضاء] - شرح ميارة = الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام - جـ ١

[ميارة]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رَفْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَقَالِ وَالْجَوَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْآجَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِعْذَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خِطَابِ الْقُضَاةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ]

- ‌[بَابُ الشُّهُودِ وَأَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهُ غَالِبًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ لَا عَلَى الطَّالِبِ بَلْ عَلَى الْمَطْلُوبِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي لَا عَمَلَ لَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الشَّهَادَةِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ وَلِلْأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ]

- ‌[بَابُ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَوْلِيَاءِ وَمَا يَتَرَتَّبُ فِي الْوِلَايَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ لَهُ الْإِجْبَارُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ فَاسِدِ النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْقَبْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُهْدِيهِ الزَّوْجُ ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الشُّوَارِ الْمُورَدِ بَيْتَ الْبِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إثْبَاتِ الضَّرَرِ وَالْقِيَامِ بِهِ وَبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّضَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عُيُوبِ الزَّوْجَيْنِ وَمَا يُرَدَّانِ بِهِ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ الْخُلْع]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ لِلزَّوْجِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّجْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَسْخِ]

- ‌[بَابُ النَّفَقَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاعِي فِي النَّفَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ لِلْمُطَلَّقَاتِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ النَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمَفْقُودِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ]

- ‌[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ وَمَا شَاكَلَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ مِنْ الثِّيَابِ وَسَائِرِ السِّلَعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ النَّقْدَيْنِ وَالْحُلِيِّ وَشِبْهِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَمَا يُلْحَقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَائِحَةِ فِي الثِّمَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ]

- ‌[فَصْلٌ كِلَابَ الْمَاشِيَةِ يَجُوزُ بَيْعُهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ وَالْمُقَاصَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَوَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ وَالثُّنْيَا]

الفصل: ‌[فصل في مسائل من القضاء]

رِزْقِ الْحَاكِمِ الَّذِي يَصْرِفُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ بِأُمُورٍ لَيْسَتْ لَازِمَةً لَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ، وَمَنْ قَامَ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَرِزْقُهُ مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ.

وَلَمَّا تَعَذَّرَ إجْرَاءُ ذَلِكَ مِنْ مَوْضِعِهِ نَظَرَ الْفُقَهَاءُ بِمَا يُوجِبُهُ الِاجْتِهَادُ عَلَى مَنْ تَكُونُ أُجْرَةُ هَذَا الصِّنْفِ؟ فَاقْتَضَى النَّظَرُ أَنَّهُ عَلَى مَنْ يَحْتَاجُ إلَى إحْضَارِ خَصْمِهِ وَإِمْسَاكِهِ، وَبَعَثَهُ إلَى مَوْضِعِ انْتِصَافِهِ مِنْهُ بِقَضَاءِ مَالِهِ عَلَيْهِ أَوْ إعْطَاءِ رَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ أَوْ اقْتِضَاءِ يَمِينٍ أَوْ حَبْسِ هَذَا إنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الْمَطْلُوبِ مَطْلٌ وَلَا لَجَاجٌ، فَإِنْ ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْهُ أَلْزَمَهُ الْفُقَهَاءُ أُجْرَةَ هَذَا الْعَوْنِ؛ لِكَوْنِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - ظَالِمًا، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ، وَعَلَى كَوْنِ أُجْرَةِ الْعَوْنِ عَلَى الطَّالِبِ إلَّا إذَا تُبُيِّنَ مَطْلٌ وَلَدَدٌ مِنْ الْمَطْلُوبِ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ عَلَيْهِ نَبَّهَ النَّاظِمُ بِهَذَا الْبَيْتِ

وَاللَّدَدُ شِدَّةُ الْخُصُومَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ لَدَّهُ خَصْمُهُ فَهُوَ لَادٌّ وَلَدُودٌ ا. هـ. وَالنَّاظِمُ اسْتَعْمَلَهُ رُبَاعِيًّا مِنْ الْإِلْدَادِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي شَرْحِ غَرِيبِ الْمُدَوَّنَةِ الْإِلْدَادُ الْمَطْلُ يُقَالُ مِنْهُ أَلَدَّ فُلَانٌ بِحَقِّ فُلَانٍ يُلِدُّ إلْدَادًا عَلَى وَزْنِ أَنْشَدَ يُنْشِدُ إنْشَادًا، وَأَلَدَّ عَلَى وَزْنِ أَلْدَدَ وَيُلِدُّ عَلَى وَزْنِ يُلْدِدُ وَلَمَّا تَحَرَّكَتْ الدَّالَانِ - وَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ - أَدْغَمُوا إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى قَالَ بَعْضُ مَنْ شَرَحَ هَذَا النَّظْمَ: وَقَفَ عَلَى قَوْلِهِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي شَرْحِ غَرِيبِ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ عَنَى أَنَّهُ شَرَحَ غَرِيبَ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ بِالصِّحَاحِ كُلُّ لَفْظَةٍ فِي مَحَلِّهَا حَسْبَمَا اقْتَضَاهُ صَنِيعُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ أَلْفَاظَ الْمُدَوَّنَةِ بَلْ اللَّفْظُ اللُّغَوِيُّ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْ لَا فَظَاهِرٌ.

وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْجَوْهَرِيَّ أَلَّفَ كِتَابًا مُسْتَقِلًّا فِي شَرْحِ غَرِيبِ الْمُدَوَّنَةِ بِالْخُصُوصِ، فَهَذَا أَغْرَبُ مِنْ غَرِيبٍ إذْ لَمْ نَرَ مِمَّا وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِنْ شُرُوحِ الْمُدَوَّنَةِ أَوْ حَوَاشِيهَا مَنْ نُقِلَ عَنْهُ وَلَا ذَكَرَهُ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الْقَضَاءِ]

ِ

وَلَيْسَ بِالْجَائِزِ لِلْقَاضِي إذَا

لَمْ يَبْدُ وَجْهُ الْحُكْمِ أَنْ يُنَفِّذَا

ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ وَذَلِكَ مَنْعُ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ قَبْلَ ظُهُورِ وَجْهِهِ، وَالصُّلْحِ بَيْنَ الْخُصُومِ وَتَلْقِينِ الْقَاضِي الْخَصْمَ بِحُجَّتِهِ وَفَتْوَى الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ وَحُكْمِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ، وَإِذَا أَدَّى الْعَدْلُ بِمَا يَعْلَمُ الْقَاضِي خِلَافَهُ، وَإِذَا عَلِمَ صِدْقَ غَيْرِ الْعَدْلِ، وَحُكْمِ مَنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ عَلَى الْقَاضِي أَوْ الشَّاهِدِ وَحُكْمِ الْمُلِدِّ فِي الْخِصَامِ، وَهَلْ تَبْقَى لَهُ حُجَّةٌ إنْ حَكَمَ عَلَيْهِ؟ هَذَا حَاصِلُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْفَصْلُ، وَأَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُنَفِّذَ الْحُكْمَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُهُ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا يَحْكُمُ بِالتَّخْمِينِ؛ لِكَوْنِهِ فِسْقًا وَجَوْرًا وَالتَّخْمِينُ الْحَدْسُ.

(قَالَ الشَّارِحُ) وَالْتِبَاسُ الْحُكْمِ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا لِكَوْنِهِ مُلْتَبِسًا فِي نَفْسِهِ بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَتَدَاخُلِ دَعْوَى الْمُتَخَاصِمَيْنِ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْقَاضِي فِي هَذَا الْوَجْهِ مُشَاوَرَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنْ ظَهَرَ وَجْهُ الْحُكْمِ فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْدُبَ لِلصُّلْحِ كَمَا يَقُولُ النَّاظِمُ

وَالصُّلْحُ يُسْتَدْعَى لَهُ إنْ أُشْكِلَا

حُكْمٌ وَإِنْ تَعَيَّنَ الْحَقُّ فَلَا

وَإِمَّا لِجَهْلِ الْقَاضِي الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَيِّنًا فِي نَفْسِهِ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْقَاضِي فِي هَذَا الْوَجْهِ سُؤَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْحُكْمَ بَيِّنٌ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ إنْ جَهِلَهُ هَذَا الْقَاضِي فَلَا يَجْهَلُهُ غَيْرُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْدُبَهُمْ إلَى الصُّلْحِ فِي هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونَ مُضَيِّعًا لِحَقِّ مَنْ بَانَ حَقُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَفِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَنْفِيذُ الْحُكْمِ قَبْلَ ظُهُورِ وَجْهِهِ فَيَشْمَلُهُمَا قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ بِالْجَائِزِ. . . إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ مُشْكِلًا فِي نَفْسِهِ أَوْ إنَّمَا أَشْكَلَ عَلَى الْقَاضِي فَقَطْ

قَالَ رحمه الله

وَالصُّلْحُ يُسْتَدْعَى لَهُ إنْ أَشْكَلَا

حُكْمٌ وَإِنْ تَعَيَّنَ الْحَقُّ فَلَا

مَا لَمْ يَخَفْ بِنَافِذِ الْأَحْكَامِ

فِتْنَةً أَوْ شَحْنَا أُولِي الْأَرْحَامِ

ص: 26

يَعْنِي: أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فَإِنَّهُ يَدْعُو الْخَصْمَيْنِ إلَى الصُّلْحِ، وَيَعْنِي إذَا كَانَ الْإِشْكَالُ لِتَعَارُضِ بَيِّنَاتٍ وَنَحْوِهَا لَا إنْ جَهِلَهُ الْقَاضِي مَعَ كَوْنِهِ ظَاهِرًا فِي نَفْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَأَمَّا إنْ ظَهَرَ وَجْهُ الْحُكْمِ فَلَا يَدْعُو لِلصُّلْحِ بَلْ يُنَفِّذُ الْحُكْمَ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ مِنْ عَذْلِ عَاذِلٍ وَلَا خِيفَةٍ مِنْ لَوْمَةِ لَائِمٍ إلَّا إذَا خَافَ بِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ عَلَى صَمِيمِ الشَّرْعِ حُصُولَ فِتْنَةٍ أَوْ وُقُوعَ شَحْنَاءَ بَيْنَ أُولِي الْأَرْحَامِ وَذَوِي الْفَضْلِ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُهُمْ بِالصُّلْحِ وَيَحُضُّهُمْ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَنَاعَةِ بِبَعْضِ الْحَقِّ وَإِنْ ظَهَرَ وَجْهُ الْحُكْمِ وَكَأَنَّهُ ارْتِكَابٌ لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَلَا يَدْعُو لِلصُّلْحِ إنْ ظَهَرَ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ وَأَمَرَ بِالصُّلْحِ ذَوِي الْفَضْلِ وَالرَّحِمِ كَأَنْ خَشِيَ تَفَاقُمَ الْأَمْرِ وَمَعْنَى: يَسْتَدْعِي أَيْ يَدْعُو لَهُ وَيَأْمُرُهُ بِهِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْقَاضِي وَضَمِيرُ لَهُ لِلصُّلْحِ وَنَافِذُ الْأَحْكَامِ بِمَعْنَى تَنْفِيذِهَا وَإِبْرَامِهَا وَفَاعِلُ يَخَفْ لِلْقَاضِي

وَخَصْمٌ إنْ يَعْجِزْ عَنْ إلْقَاءِ الْحُجَجْ

لِمُوجِبٍ لَقَّنَهَا وَلَا حَرَجْ

يَعْنِي أَنَّ الْخَصْمَ إذَا عَجَزَ عَنْ إلْقَاءِ حُجَّتِهِ لِمُوجِبٍ مِنْ دَهَشٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ عَمًى، فَإِنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُلَقِّنَهُ

ص: 27

حُجَّتَهُ وَلَا حَرَجَ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي تَلْقِينِهِ إيَّاهَا، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ تَلْقِينُ الْفُجُورِ (وَقَالَ اللَّخْمِيُّ) قَالَ أَشْهَبُ:(لِلْقَاضِي أَنْ يَشُدَّ عَلَى عَضُدِ أَحَدِهِمَا إنْ رَأَى ضَعْفَهُ عَنْ صَاحِبِهِ وَخَوْفَهُ مِنْهُ بِبَسْطِ أَمَلِهِ وَرَجَاءً فِي الْعَدْلِ، أَوْ يُلَقِّنَهُ حُجَّةً عَمِيَ عَنْهَا إنَّمَا يَمْتَنِعُ تَلْقِينُ أَحَدِهِمَا الْفُجُورَ) .

(وَفِي الْمُقَرِّبِ)(إذَا قَالَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ مَقَالَةً يَنْتَفِعُ بِهَا صَاحِبُهُ فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ هَاتِ قِرْطَاسًا أَكْتُبْ لَهُ فِيهِ مَقَالَةً، وَيُنَبِّهُهُ عَلَى ذَلِكَ إنْ غَفَلَ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ) ا. هـ. وَفَاعِلُ لَقَّنَ يَعُودُ عَلَى الْقَاضِي.

وَمُنِعَ الْإِفْتَاءُ لِلْحُكَّامِ

فِي كُلِّ مَا يَرْجِعُ لِلْخِصَامِ

يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِي الْخُصُومَاتِ.

(قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَلَا يُفْتِي الْحَاكِمُ فِي الْخُصُومَاتِ (وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ) : لَا بَأْسَ بِهِ كَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ (قَالَ ابْنُ يُونُسَ) : وَكَانَ سَحْنُونٌ إذَا أَتَاهُ رَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لَمْ يُجِبْهُ، وَقَالَ هَذِهِ مَسْأَلَةُ خُصُومَةٍ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ رَجُلٌ مُتَفَقِّهٌ فَيَسْأَلُ عَلَى جِهَةِ التَّعْلِيمِ أَوْ يَسْأَلُ عَنْ مَسَائِلِ الْوُضُوءِ أَوْ الزَّكَاةِ، وَنَسَبَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ الْقَوْلَ بِهِ إلَى مَالِكٍ وَنَسَبَهُ ابْنُ الْحَارِثِ لِسَحْنُونٍ، وَحُمِلَ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى أَنَّهُ نَفْسُ الْخُصُومَةِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَحُمِلَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِإِبَاحَةِ الْفُتْيَا لِلْقَاضِي عَلَى أَنَّهَا فِي جُمْلَةِ الْأَشْيَاءِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْخُصُومَةَ بِعَيْنِهَا اهـ.

ص: 28

وَفِي الشُّهُودِ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِمَا

يَعْلَمُ مِنْهُمْ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَا

وَفِي سِوَاهُمْ مَالِكٌ قَدْ شَدَّدَا

فِي مَنْعِ حُكْمِهِ بِغَيْرِ الشُّهْدَا

وَقَوْلُ سَحْنُونٍ بِهِ الْيَوْمَ الْعَمَلْ

فِيمَا عَلَيْهِ مَجْلِسُ الْحُكْمِ اشْتَمَلْ

يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَجُرْحَتِهِمْ، فَيَسْتَنِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى عِلْمِهِ وَيَحْكُمُ بِشَهَادَةِ مَنْ يَعْلَمُ عَدَالَتَهُ دُونَ مَنْ يَعْلَمُ جُرْحَتَهُ، وَأَمَّا مَنْ عَدَاهُ فَقَدْ شَدَّدَ مَالِكٌ فِي مَنْعِ اسْتِنَادِهِ لِعِلْمِهِ وَحُكْمِهِ بِهِ، وَوَجْهُ اسْتِنَادِهِ لِعِلْمِهِ فِي التَّعْدِيلِ أَوْ التَّجْرِيحِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لَاحْتَاجَ إلَى تَعْدِيلِ النِّيَّةِ وَتَعْدِيلِ مُعَدِّلِهِمْ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فَاضْطَرَّ إلَى الْحُكْمِ بِعِلْمِهِ فِي ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ.

وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِشُهْرَةِ حَالَةِ الْعَدَالَةِ وَحَالَةِ الْجُرْحَةِ عِنْدَ النَّاسِ فَقَلَّ مَا يَنْفَرِدُ الْقَاضِي بِعِلْمِ ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ فَتَرْتَفِعُ الظِّنَّةُ عَنْهُ، وَتَبْعُدُ التُّهَمَةُ عَنْهُ لِإِشْرَاكِ النَّاسِ مَعَهُ فِي مَعْرِفَةِ مَا حَكَمَ بِهِ فِي حَقِّ الْعَدْلِ أَوْ الْمُجَرَّحِ مِنْ كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَإِذَا كَانَ يَعْتَمِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى عِلْمِهِ فَعَلِمَ بِجُرْحَةِ شَخْصٍ وَعَدَّلَهُ آخَرُونَ فَلَا يَقْبَلُ تَعْدِيلَهُمْ، وَكَذَا إنْ عَلِمَ عَدَالَتَهُ فَجُرِّحَ فَلَا يَقْبَلُ

ص: 29

تَجْرِيحَهُمْ، فَقَوْلُهُ وَفِي سِوَاهُمْ الضَّمِيرُ لِلشُّهُودِ، أَيْ وَفِي تَجْرِيحِ الشُّهُودِ وَتَعْدِيلِهِمْ، وَشَمَلَ قَوْلُهُ وَفِي سِوَاهُمْ شَهَادَتَهُ بِمَا حَكَمَ بِهِ وَبِمَا تَحَمَّلَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ أَيْ فِي وِلَايَتِهِ أَوْ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ عَلَى قَوْلِ غَيْرِ سَحْنُونٍ.

وَفِي هَذَا الْوَجْهِ كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ شَهَادَتَهُ لِغَيْرِهِ وَيَكُونُ شَاهِدًا لَا حَاكِمًا كَمَا يَأْتِي لِلنَّاظِمِ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ:

وَحَقُّهُ إنْهَاءُ مَا فِي عِلْمِهِ

إلَخْ فَقَوْلُهُ:

وَقَوْلُ سَحْنُونٍ بِهِ الْيَوْمَ الْعَمَلْ

.. إلَخْ هُوَ فِي مَعْرَضِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ:

وَفِي سِوَاهُمْ مَالِكٌ قَدْ شَدَّدَا

يَعْنِي أَنَّ عَمَلَ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ فِي كَوْنِهِ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِمَا عَلِمَهُ مِنْ إقْرَارِ الْخَصْمَيْنِ فِي مَجْلِسِ حُكُومَتِهِمَا عِنْدَهُ.

(قَالَ اللَّخْمِيُّ) وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ لِيَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمْ لَا بِعِلْمِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْضَى فِيهِ بِعِلْمِهِ فَأَخْذُهُ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَحْسَنُ.

وَفِي (الْبَيَانِ) قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ قُضَاتُنَا بِالْمَدِينَةِ وَقَالَهُ عُلَمَاؤُنَا، وَلَا أَعْلَمُ مَالِكًا قَالَ غَيْرُهُ أَنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ وَأَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّكُمْ لَتَخْتَصِمُونَ إلَيَّ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ: فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ» لِأَنَّهُ قَالَ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ وَلَمْ يَقُلْ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدِي مِنْ قَوْلِهِ اهـ.

(وَقَالَ اللَّخْمِيُّ) لَا يَحْكُمُ بِمَا عَلِمَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ لَا بَعْدَهَا فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ وَلَا فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَتَحَاكَمَا وَيَجْلِسَا لِلْحُكُومَةِ كَسَمَاعِهِ إقْرَارَ أَحَدِهِمَا فَلَمَّا تَقَدَّمَا لِلْحُكُومَةِ أَنْكَرَ، وَهُوَ فِيهِ شَاهِدٌ اهـ.

(فَرْعٌ) مَنْ قَامَ بِرَسْمٍ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ مَيِّتَيْنِ أَوْ غَائِبَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْفَعُ عَلَى خَطِّهِمَا - وَالْقَاضِي يَعْرِفُ خَطَّهُمَا - فَلَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ الرَّسْمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحُكْمِ بِعِلْمِهِ قَالَهُ الْمِكْنَاسِيُّ فِي جَامِعِ مَجَالِسِهِ (وَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ) وَأَمَّا إذَا جَلَسَ الْخَصْمَانِ إلَيْهِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ وَسَمِعَهُ الْقَاضِي فَجَائِزٌ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ هَذَا لَاحْتَاجَ أَنْ يُحْضِرَ مَعَهُ شَاهِدَيْنِ أَبَدًا يَشْهَدَانِ عَلَى النَّاسِ وَبِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَبِهِ أَخَذَ سَحْنُونٌ اهـ.

قَالَ رحمه الله

وَعَدْلٌ إنْ أَدَّى عَلَى مَا عِنْدَهُ

خِلَافُهُ مُنِعَ أَنْ يَرُدَّهُ

وَحَقُّهُ إنْهَاءُ مَا فِي عِلْمِهِ

لِمَنْ سِوَاهُ شَاهِدًا بِحُكْمِهِ

يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ الْعَدْلَ إذَا أَدَّى شَهَادَتَهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَالْقَاضِي يَعْلَمُ خِلَافَ مَا شَهِدَ بِهِ ذَلِكَ الْعَدْلُ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَرُدَّ شَهَادَتَهُ؛ لِكَوْنِهِ يَعْلَمُ خِلَافَ مَا شَهِدَ بِهِ ذَلِكَ الْعَدْلُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ وَلَكِنْ يَرْفَعُ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْقُضَاةِ أَوْ لِمَنْ حَكَّمَهُ الْخَصْمَانِ فِي نَازِلَتِهِمَا فَيَكُونُ شَاهِدًا لَا قَاضِيًا، وَيَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ أَيْضًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عَلِمَهُ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَكِنَّهُ يَرْفَعُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ شَاهِدٌ لَا حَاكِمٌ

كَمَا قَالَهُ فِي الْمُقَرِّبِ وَلَفْظُهُ (قَالَ سَحْنُونٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَتَخَاصَمَانِ إلَى الْقَاضِي فَيُقِرُّ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِشَيْءٍ وَلَيْسَ عِنْدَ الْقَاضِي أَحَدٌ غَيْرُهُ ثُمَّ يَجْحَدُ الْمُقِرُّ أَتَرَى لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ وَمَقَالِهِ، فَقَالَ: لَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى إقْرَارِهِ سِوَى الْقَاضِي أَوْ يَرْفَعُهُ إلَى مَنْ فَوْقَهُ فَيَكُونُ شَاهِدًا لَا حَاكِمًا، وَقَدْ حَكَى ابْنُ يُونُسَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ سَحْنُونٍ لَوْ شَهِدَ عِنْدِي عَدْلَانِ مَشْهُورَانِ بِالْعَدَالَةِ، وَأَنَا أَعْلَمُ خِلَافَ مَا شَهِدَا بِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ أَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمَا وَلَا أَنْ أَرُدَّهُمَا لِعَدَالَتِهِمَا وَلَكِنْ أَرْفَعُ ذَلِكَ لِلْأَمِيرِ الَّذِي فَوْقِي وَأَشْهَدُ بِمَا عَلِمْت وَغَيْرِي بِمَا يَعْلَمُ ا. هـ.

فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي الْمُقَرِّبِ تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ: (وَفِي سِوَاهُمْ. . . إلَخْ) وَإِذَا لَمْ يَحْكُمْ بِعِلْمِهِ فَيَرْفَعُ شَهَادَتَهُ لِغَيْرِهِ. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ مَسْأَلَةُ الْبَيْتَيْنِ فَقَوْلُهُ: (وَحَقُّهُ. . . إلَخْ) يَرْجِعُ لِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا فَقَوْلُ النَّاظِمِ: (شَاهِدًا بِحُكْمِهِ) أَيْ بِحُكْمِ الشَّاهِدِ فَكَأَنَّهُ قَصَدَ أَنَّهُ يَنْزِلُ عَنْ رُتْبَةِ حُكْمِهِ إلَى رُتْبَةِ الشَّاهِدِ وَحُكْمِهِ، وَلَعَلَّ الْمُنَاسِبَ لِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الْبَاءَ فِي (بِحُكْمِهِ) بِمَعْنَى عَلَى وَضَمِيرُ (حُكْمِهِ) لِلشَّاهِدِ، أَيْ وَحَقُّهُ أَنْ يَرْفَعَ شَهَادَتَهُ لِغَيْرِهِ عَلَى حُكْمِ الشَّاهِدِ وَسَبِيلِهِ، وَالْإِنْهَاءُ هُنَا بِمَعْنَى رَفْعِ الشَّهَادَةِ لَا الْإِنْهَاءُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ الْقَاضِي: وَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ حَكَمْت لِفُلَانٍ بِكَذَا لَا يُصَدَّقُ فِيهِ إنْ كَانَ

ص: 30

بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ مِثْلُ قَوْلِ أَحَدِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ عِنْدَ قَاضٍ: حَكَمَ لِي قَاضِي بَلَدِ كَذَا بِكَذَا أَوْ ثَبَتَ لِي عِنْدَهُ كَذَا، فَيَسْأَلُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَيَأْتِيه مِنْ عِنْدِهِ بِكِتَابٍ إنِّي حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَوْ ثَبَتَ عِنْدِي لَهُ عَلَيْهِ كَذَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ شَاهِدٌ وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ ابْتِدَاءً لِلْقَاضِي فَقَالَ لَهُ خَاطِبْ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا بِمَا ثَبَتَ لِي عِنْدَك عَلَى فُلَانٍ أَوْ بِمَا حَكَمْت لِي بِهِ عَلَيْهِ، فَخَاطَبَهُ بِذَلِكَ لَجَازَ لِأَنَّهُ مُخْبِرٌ لَا شَاهِدٌ كَمَا يَجُوزُ قَوْلُهُ وَيَنْفُذُ فِيمَا يُسَجِّلُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَيَشْهَدُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا دَامَ عَلَى قَضَائِهِ.

(فَرْعٌ) قَالَ الْمُوَثِّقُونَ وَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَاضِي شَهَادَةٌ وَسُئِلَ مِنْهُ رَفْعُهَا إلَى الْقَاضِي حَيْثُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ - وَهُوَ بِمَوْضِعٍ بَعِيدٍ - لَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ فِيهِ إذْ لَوْ كَانَ قَرِيبًا لَلَزِمَهُ الْأَدَاءُ فَلَهُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُشْهِدَ بِذَلِكَ شَاهِدَيْنِ فَيَنْقُلَانِهَا عَنْهُ، وَالثَّانِي: أَنْ يُشْهِدَ عَلَى مُضَمَّنِ شَهَادَتِهِ فِي رَسْمٍ، وَيُؤَدِّي شُهُودُهُ شَهَادَتَهُمْ عِنْدَهُ وَيُخَاطِبُ عَلَيْهِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يُقَدِّمَ شَخْصًا يُؤَدِّي عِنْدَهُ وَيُخَاطِبُ الْمُقَدِّمَ لَهُ وَيُخَاطِبُ الْقَاضِيَ بِقَبُولِ خِطَابِ الْمُقَدِّمِ وَذَلِكَ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ هَلْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ مَنْ يُقَدِّمُهُ أَوْ لَا، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَبُو الطَّاهِرِ بْنُ بَشِيرٍ.

(قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ) وَكَانَ فُقَهَاءُ غَرْنَاطَةَ يَعْمَلُونَ بِالْوَجْهِ الثَّانِي وَأَهْلُ مَالَقَةَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) وَإِنْ عَلِمَ السُّلْطَانُ الْأَعْلَى لِرَجُلٍ حَقًّا، فَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ عِنْدَ قَاضِيهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَقِيلَ لَا يَشْهَدُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ عِنْدَ نَفْسِهِ يَشْهَدُ، إذًا هُوَ مُقَدِّمُهُ فَيَئُولَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِهِ، وَبِالْأَوَّلِ الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ الْفُتْيَا

وَعِلْمُهُ بِصِدْقِ غَيْرِ الْعَدْلِ لَا

يُبِيحُ أَنْ يَقْبَلَ مَا تَحَمَّلَا

يَعْنِي أَنَّ عِلْمَ الْقَاضِي بِصِدْقِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ لَا يُبِيحُ لَهُ قَبُولَ شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ آيِلٌ إلَى حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ، وَسَبَبٌ لِتَطَرُّقِ التُّهْمَةِ إلَيْهِ وَلِأَنَّ شَهَادَةَ غَيْرِ الْعَدْلِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعًا، فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ حِسًّا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَقَالَ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] وَحَكَى ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ قَالَ: لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ لَيْسَا بِعَدْلَيْنِ عَلَى مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ لَمْ أَقْضِ بِشَهَادَتِهِمَا لِأَنِّي أَقُولُ فِي كِتَابِ حُكْمِي بَعْدَ أَنْ صَحَّتْ عِنْدِي عَدَالَتُهُمَا، وَإِنَّمَا صَحَّ عِنْدِي جُرْحَتُهُمَا، وَقَالَ نَحْوَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ كِنَانَةَ.

(وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : وَالْحُكْمُ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ حَقٌّ وَلَوْ شَهِدَ بِحَقٍّ اهـ.

وَمَنْ جَفَا الْقَاضِيَ فَالتَّأْدِيبُ

أَوْلَى وَذَا لِشَاهِدٍ مَطْلُوبُ

وَفَلْتَةٌ مِنْ ذِي مُرُوءَةٍ عَثَرْ

فِي جَانِبِ الشَّاهِدِ مِمَّا يُغْتَفَرُ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ عَلَى الْقَاضِي وَجَفَاهُ بِكَلَامٍ لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ، وَتَأْدِيبُهُ أَوْلَى مِنْ الْعَفْوِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ يُؤَدَّبُ مَنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ عَلَى الشَّاهِدِ عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ وَقَعَتْ مِنْهُ فَلْتَةٌ فِي جَانِبِ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ يُغْتَفَرُ لَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ» وَالْجَفَاءُ

ص: 31

مَمْدُودٌ، وَهُوَ خِلَافُ الْبِرِّ وَقَدْ جَفَوْت الرَّجُلَ أَجْفُوهُ جَفَاءً فَهُوَ مَجْفُوٌّ وَلَا تَقُلْ جَفَيْت قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ.

(وَمِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ) قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت الَّذِي يَتَنَاوَلُ الْقَاضِيَ بِالْكَلَامِ فَيَقُولُ لَقَدْ ظَلَمْتَنِي قَالَ: إنَّ ذَلِكَ يُخْتَلَفُ وَلَمْ يَجِدْ فِيهِ تَفْسِيرًا إلَّا أَنَّ وَجْهَ مَا قَالَ إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَذَاهُ، وَكَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ فَلَهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ وَمَا تُرِكَ ذَلِكَ حَتَّى خَاصَمَ أَهْلُ الشَّرَفِ فِي الْعُقُوبَةِ فِي الْإِلْدَادِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ إنَّ لِلْقَاضِي الْفَاضِلِ الْعَدْلِ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ فِي الْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ تَنَاوَلَهُ بِالْقَوْلِ وَآذَاهُ بِأَنْ نَسَبَ إلَيْهِ الظُّلْمَ وَالْفُجُورَ، وَمُوَاجَهَةً بِحَضْرَةِ أَهْلِ مَجْلِسِهِ بِخِلَافِ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ آذَاهُ بِهِ وَهُوَ غَائِبٌ لِأَنَّ مَا وَاجَهَهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِقْرَارِ، وَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْإِقْرَارِ عَلَى مَنْ اُنْتُهِكَ مَالُهُ فَيُعَاقِبَهُ لَهُ وَبِتَمَوُّلِ الْمَالِ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يَحْكُمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ.

وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْعُقُوبَةُ فِي هَذَا أَوْلَى مِنْ الْعَفْوِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْهُ إنْ قَالَ الْخَصْمُ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَهِدْتَ عَلَيَّ بِالزُّورِ أَوْ بِمَا يَسْأَلُك اللَّهُ عَنْهُ، أَوْ مَا أَنْتَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ، وَلَمْ يَكُنْ قَائِلُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَيُؤَدَّبُ الْمَعْرُوفُ بِالْإِذَايَةِ بِقَدْرِ جُرْمِهِ، وَقَدْرِ الرَّجُلِ الْمُنْتَهَكِ حُرْمَتُهُ، وَقَدْرِ الشَّاتِمِ فِي إذَايَةِ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَذَلِكَ مِنْهُ فَلْتَةٌ تَجَافَى عَنْهُ.

(قَالَ الشَّارِحُ) وَيُلْحَقُ بِقَضِيَّةِ الشَّاهِدِ وُقُوعُ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فِي صَاحِبِهِ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ.

وَإِنْ شَتَمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ صَاحِبَهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ أَسْرَعَ إلَيْهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ كَقَوْلِهِ: يَا ظَالِمُ يَا جَائِرُ، فَعَلَيْهِ زَجْرُهُ وَضَرْبُهُ إلَّا ذَا مُرُوءَةٍ فِي فَلْتَةٍ مِنْهُ فَلَا يَضْرِبُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُنْصِفْ النَّاسَ فِي أَعْرَاضِهِمْ لَمْ يُنْصِفْهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ ا. هـ.

فَلَوْ قَالَ النَّاظِمُ بَدَلَ الشَّطْرِ الْأَخِيرِ مِنْ الْبَيْتِ الثَّانِي

فِي الْخَصْمِ وَالشَّاهِدِ مِمَّا يُغْتَفَرْ

لَأَفَادَ مَسْأَلَةَ الْوُقُوعِ فِي الْخَصْمِ.

(وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) عَاطِفًا عَلَى قَوْلِهِ: وَعَزَّرَ شَاهِدًا بِزُورٍ وَمَنْ أَسَاءَ عَلَى خَصْمٍ أَوْ مُفْتٍ أَوْ شَاهِدٍ لَا يَشْهَدُ بِبَاطِلٍ كَلِخَصْمِهِ كَذَبْت، وَقَالَ قَبْلَهُ: وَتَأْدِيبُ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ إلَّا فِي مِثْلِ

ص: 32