الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذَا لَمْ يُوجَدْ سِوَاهُمْ وَالْوَاحِدُ مِنْهُمْ، أَوْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَافٍ وَالِاثْنَانِ أَوْلَى وَطَرِيقُ ذَلِكَ الْعِلْمُ، لَا الشَّهَادَةُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَعْمُولِ بِهِ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ:
وَوَاحِدٌ يُجْزِئُ فِي بَابِ الْخَبَرْ
…
وَاثْنَانِ أَوْلَى عِنْدَ كُلِّ ذِي نَظَرْ
وَيَأْتِي لَهُ فِي فَصْلِ الْعُيُوبِ
…
ثُمَّ الْعُيُوبُ كُلُّهَا لَا تُعْتَبَرْ
إلَّا بِقَوْلِ مَنْ لَهُ بِهَا بَصَرْ
[فَصْلٌ كِلَابَ الْمَاشِيَةِ يَجُوزُ بَيْعُهَا]
فَصْلٌ وَاتَّفَقُوا أَنَّ كِلَابَ الْمَاشِيَةِ يَجُوزُ بَيْعُهَا كَكَلْبِ الْبَادِيَةِ وَعِنْدَهُمْ قَوْلَانِ فِي ابْتِيَاعِ كِلَابِ الِاصْطِيَادِ وَالسِّبَاعِ. يَعْنِي اتَّفَقَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْكِلَابِ الْمُتَّخَذَةِ لِحِفْظِ الْمَوَاشِي مِمَّا يَعْدُو عَلَيْهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ، وَبَيْعُ الْكِلَابِ الْمُتَّخَذَةِ فِي الْبَادِيَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِ كِلَابِ الصَّيْدِ وَفِي بَيْعِ السِّبَاعِ كَالْفُهُودِ وَنَحْوِهَا فَفِي النَّوَادِرِ: وَلَا بَأْسَ بِاشْتِرَاءِ كِلَابِ الصَّيْدِ وَلَا يُعْجِبُنِي بَيْعُهَا وَقَالَ سَحْنُونٌ: نَعَمْ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِثَمَنِهَا وَهِيَ مِثْلُ كِلَابِ الْحَرْثِ، وَالْمَاشِيَةِ، وَالصَّيْدِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) . وَفِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَالسِّبَاعِ قَوْلَانِ:
(التَّوْضِيحُ) أَيْ وَفِي مَنْعِ بَيْعِ الْكَلْبِ وَجَوَازِهِ قَوْلَانِ: وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَهُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ. وَالْجَوَازُ لِابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ نَافِعٍ وَسَحْنُونٍ وَشَهَّرَهُ بَعْضُهُمْ، وَعَنْ مَالِكٍ ثَالِثٌ بِالْكَرَاهَةِ، وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ رَابِعٌ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِهِ، وَمَنْعِ بَيْعِهِ حَكَاهُ ابْنُ زَرْقُونَ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي مُبَاحِ الِاتِّخَاذِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِ بَيْعِهِ، وَأَنَّ ثَمَنَهُ لَا يَحِلُّ. نَقَلَ ذَلِكَ فِي الْبَيَانِ وَقَوْلُهُ: وَالسِّبَاعُ قَالَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ أَيْ: وَفِي الْكَلْبِ الَّذِي يَحْرُسُ الْمَاشِيَةَ مِنْ السِّبَاعِ وَفِي مَعْنَاهُ كَلْبُ الزَّرْعِ فَإِنَّ اتِّخَاذَ الْكَلْبِ جَائِزٌ. وَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِهِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ وَذَكَر الْمَازِرِيُّ خِلَافًا فِي الْكَلْبِ الَّذِي يُتَّخَذُ لِحِرَاسَةِ الدُّورِ وَالْقَيَاسِرِ وَالْفَنَادِقِ. وَلِلْمَنْعِ ذَهَبَ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَأَجَازَ فِيهِ شَيْخُنَا رحمه الله وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِالسِّبَاعِ الَّتِي فِي مَعْنَى الْكَلْبِ كَالْفَهْدِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ. اهـ
(قَالَ الشَّارِحُ) : وَقَعَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ لَفْظُ الِاتِّفَاقِ، وَلَا يَخْلُو مِنْ نَقْدٍ. اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ ثُمَّ قَالَ: لَفْظُ ابْنِ الْحَاجِبِ هُوَ الَّذِي نَظَمَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي الْبَيْتِ الثَّانِي:
وَبَيْعُ مَا كَالشَّاةِ بِاسْتِثْنَاءِ
…
ثُلُثِهِ فِيهِ الْجَوَازُ جَائِي
أَوْ قَدْرِ رِطْلَيْنِ مَعًا مِنْ شَاةِ
…
وَيُجْبَرُ الْآبِي عَلَى الذَّكَاةِ
وَلَيْسَ يُعْطِي فِيهِ لِلتَّصْحِيحِ
…
مِنْ غَيْرِهِ لَحْمًا عَلَى الصَّحِيحِ
وَالْخُلْفُ فِي الْجِلْدِ وَفِي الرَّأْسِ صَدَرْ
…
مَشْهُورُهَا الْجَوَازُ فِي حَالِ السَّفَرْ
وَفِي الضَّمَانِ إنْ تَفَانَى أَوْ سُلِبْ
…
ثَالِثُهَا فِي الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ يَجِبْ
اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ عَلَى مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ: بَيْعُ الشَّاةِ، وَاسْتِثْنَاءُ بَعْضِهَا وَلَا يَعْنِي خُصُوصَ الشَّاةِ، بَلْ وَالْبَعِيرَ وَالْبَقَرَةَ وَنَحْوَهَا؛ وَلِذَلِكَ أَدْخَلَ الْكَافَ عَلَى الشَّاةِ. ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
(أَحَدُهَا) . أَنْ يَسْتَثْنِيَ جُزْءًا شَائِعًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ كَالرُّبُعِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ. وَذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ: وَلَا خِلَافَ فِيهِ. وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ،
(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) - أَنْ يَسْتَثْنِيَ أَرْطَالًا مِنْ لَحْمِهَا وَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا؛ لَكِنْ فِيمَا قَلَّ كَالرِّطْلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) . وَيَجُوزُ بَيْعُ الشَّاةِ، وَاسْتِثْنَاءُ ثَلَاثَةِ أَرْطَالٍ فَأَدْنَى وَإِلَيْهِ رَجَعَ بَعْدَ مَنْعِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسِتَّةٌ أَشْهَبُ وَقَدْرِ الثُّلُثِ. اهـ وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:
أَوْ قَدْرِ رِطْلَيْنِ مَعًا مِنْ شَاةِ
وَهُوَ بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى لَفْظِ ثُلُثِهِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْوَجْهِ فَرْعَانِ
(الْفَرْعُ الْأَوَّلُ) إذَا أَرَادَ الْبَائِعُ الذَّبْحَ؛ لِيَتَوَصَّلَ لِمَا اُسْتُثْنِيَ وَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي؛ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ: هُوَ الْمَعْرُوفُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَخَلَ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ لِلْبَائِعِ لَحْمًا، وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِالذَّبْحِ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ اهـ وَإِلَى هَذَا الْفَرْعِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:
وَيُجْبَرُ الْآبِي عَلَى الذَّكَاةِ
إلَّا أَنَّ لَفْظَهُ يَشْمَلُ امْتِنَاعَ الْبَائِعِ مِنْ الذَّبْحِ، إذْ قَدْ يَبْدُو لَهُ وَلَا يُرِيدُ الذَّبْحَ فَظَاهِرُ النَّاظِمِ أَنَّهُ يُجْبَرُ أَيْضًا
(الْفَرْعُ الثَّانِي) - إذَا اتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ لَحْمًا مِنْ غَيْرِهَا، عِوَضًا عَنْ الْأَرْطَالِ الْمُسْتَثْنَاةِ وَالْمَشْهُورُ مَنْعُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْأَصَحُّ مَنْعُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَشْهَبَ، لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ. وَالْجَوَازُ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَقْتَضِيهِ اهـ. وَإِلَى هَذَا الْفَرْعِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:
وَلَيْسَ يُعْطَى فِيهِ لِلتَّصْحِيحِ
إلَخْ أَيْ: لِتَصِحَّ الشَّاةُ وَتَدُومَ حَيَّاتُهَا وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ فِي الْبَيْتِ، الْجَوَازُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ التَّوْضِيحِ أَنَّهُ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَفَاعِلُ يُعْطِي ضَمِيرُ الْمُشْتَرِي، وَضَمِيرُ فِيهِ لِلْمُسْتَثْنِي الَّذِي هُوَ الْأَرْطَالُ، وَضَمِيرُ غَيْرِهِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَحْمًا مَفْعُولُ يُعْطِي
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) : - مِنْ أَوْجُهِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ بَاعَ شَاةً وَاسْتَثْنَى الْجِلْدَ وَالرَّأْسَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، حَكَاهُ فَضْلٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَعِيسَى، وَالْمَنْعُ فِيهِمَا حَكَاهُ الْأَبْهَرِيُّ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ وَالثَّالِثُ الْمَشْهُورُ يَجُوزُ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ، وَدَلِيلُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرَيْنِ إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَرَّا بِرَاعِي غَنَمٍ اشْتَرَيَا مِنْهُ شَاةً، وَشَرَطَا لَهُ سَلَبَهَا» وَلَا يُقَاسُ الْحَضَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ فِي السَّفَرِ؛ لِكَوْنِهِ لَا قِيمَةَ لَهُ هُنَاكَ، فَخَفَّ الْغَرَرُ اهـ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ هَذَا، وَكَأَنَّهُ اشْتَرَى الْجَمِيعَ اهـ.
وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ وَالْخِلَافِ فِيهِ، أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:" وَالْخُلْفُ فِي الْجِلْدِ الْبَيْتَ " وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " الْجَوَازُ فِي حَالِ السَّفَرِ " أَنَّهُ يُمْنَعُ اسْتِثْنَاءُ ذَلِكَ فِي الْحَضَرِ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْمَنْعِ حَقِيقَةً وَلِلْكَرَاهَةِ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ ثُمَّ ذَكَرَ النَّاظِمُ فَرْعًا يَتَعَلَّقُ بِالْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَهُمَا: اسْتِثْنَاءُ الْأَرْطَالِ، أَوْ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ، وَهُوَ إذَا مَاتَتْ الشَّاةُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا ذَلِكَ أَوْ سُرِقَتْ